فتاوى أهل المهجر
أجاب عن أسئلتهم الشيخ عبد الحليم توميات - إمام خطيب مسجد عمر بن الخطاب/ الجزائر العاصمة بسم الله الرّحمن الرّحيم إنّ الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيّئات أعمالنا، من يهد الله فلا مضلّ له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمّدا عبده ورسوله، أمّا بعد: فإنّ الله تعالى قد أنعم علينا بنعم لا تعدّ ولا تحصى، ولا يُحاط بها ولا تستقصى، نِعَمٌ لا يشعر بعظمتها إلاّ المحروم منها، ولا يقدر لها قدرها إلاّ المبعد عنها، ومن أعظم هذه النّعم هي الاستقامة، أي الاهتداء والثّبات على هذا الدّين، قال الله تعالى:(الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً) [المائدة: من الآية3]. ثمّ أوجب الله علينا اتّباعه، وحذّرنا من الانحراف عنه، فقال:(وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) [الأنعام:153]. وأرشدنا إلى أن نُقبِل وندعوه الاهتداء إليه، والثّبات عليه، ونقول ونحن ماثلون بين يديه:(اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ (7)).. هذه الآية العظيمة الّتي يحفظها الأمّي والأديب، الذّكي والأريب، يتلوها الصّغير والكبير، العزيز والحقير، لو تأمّلها المسلمون كما يجب لأدركوا تمام الإدراك، أنّ من شروط الاستقامة، والفوز يوم القيامة، مخالفة أصحاب الجحيم، من المغضوب عليهم والضالّين.. المغضوب عليهم .. هم اليهود، الأمّة الغضبيّة، وأخبث الأمم طويّة، وأنجسهم سجيّة، أهل الكذب والبهتان، والغدر والمكر والكفران، أكلة السّحت وقتلة الأنبياء، أصحاب الكيد ومعذّبو الأتقياء، عادتهم البغضاء، وديدنهم العداوة والشّحناء، أبعد الخلق عن الرّحمة، وأقربهم من النّقمة، لا يعرفون لمن خالفهم في كفرهم حُرمة، ولا يرقبون في مؤمن إلاّ ولا ذمّة، أخبثهم هو أعقلهم، وأحذقهم أغشّهم، أضيق الخلق صدورا، وأظلمهم قلوبا، تحيّتهم لعنة، ولقاؤهم محنة .. قاتلهم الله أنّى يؤفكون .. والضالّون .. هم النّصارى، الأمّة المثلّثة، أمّة الضّلال وعبّاد الصّليب، أمّة الانحلال والمجون الرّهيب، الّذين سبّوا اللهَ سبَّة ما سبّه إيّاها أحد من العالمين، فنطقوا بالشّرك والكفر المبين، أنكروا أنّه الواحد الأحد، الفرد الصّمد، الّذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفؤا أحد، قالوا في الله ما تكاد السّموات يتفطّرن منه وتنشقّ الأرض وتخرّ الجبال هدّا، أن دعوا للرّحمن ولدا، دينهم عبادة الصّلبان، وطاعة القساوسة والرّهبان، فالحلال ما أحلّوه، والحرام ما حرّموه، فسبحان الله عمّا يشركون .. إخوتي الكرام .. فقد وصلتني رسالتكم منذ أمد بعيد، منذ شهر أو يزيد، تضمّنت أسئلة تدمي القلب، وتزيد الكرب، حتّى إنّني أردت أن أسمّي الإجابة عنها: ( أحكام أهل الذمّة ).. كما سمّاها من قبل عَلَم الأمّة، الشّيخ الهُمام وشيخ الإسلام ابن القيّم عليه من الله سحائب الرّحمات.. إلاّ أنّه عنى بأهل الذمّة أهلَ الكتاب الّذين يعيشون تحت كنف أهل الإسلام، وأنا أعني بهم المسلمين الّذين يعيشون تحت كنف أهل الكفر اللّئام.. ووجه الشّبه ظاهر لكلّ ذي عينين، لا شكّ في ذلك أو مين، لِما ضُرِب من الذلّة على المسلمين بين أظهر الكفّار والمشركين، حتّى ما استطاعوا أن يعيشوا في طاعة، متّبعين هدي صاحب الوسيلة والشّفاعة .. فالتمست من أسئلتكم الخير في قلوبكم الّتي تنبض بالإيمان، وفي الوقت نفسه التمست الضّعف الّذي ضرب عليكم من كلّ مكان، حتّى إنّ جلّ الأسئلة الّتي طرحت، فيها البحث عن فُرَجٍ فُسحت، باسم الحاجة تارة، وباسم الضّرورة تارة، حتّى تحلّ عُرى هذا الدّين القويم عروة عروة باسم الضّرورات والحاجات .. وصدق من قال: ( أبكي على الإسلام من كمد وأزفر الآه تلو الآه من ألم ) فقبل الإجابة عن كلّ تلكم الأسئلة، أنادي قلوبكم الّتي آمنت بالله ربّا، وبالإسلام دينا، وبمحمّد نبيّا ورسولا، أن تفيقوا من غفلتكم، وتستيقظوا من نومتكم، وتنفضوا رفاتكم، وتجمعوا شتاتكم، وتعودوا إلى بلاد أهل الإسلام على عُجرها وبُجرها، وعلى ضررها وكدرها، فالبون شاسع، والفرق واسع، إلاّ أنّ الشّيطان لبّس على كثير من الإخوان، فصوّر لهم البلدين سيّان. ومع ذلك، فلن آلوَ جهدا، ولن أدّخر وسعا، في أن أجيب إخواني الّذين نُشهد الله تعالى أنّنا نحبّهم في الله، ونسأله سبحانه أن يجمعنا مع النبيّ الكريم صلّى الله عليه وسلّم في دار كرامته، ومستقرّ رحمته |
|
|
السؤال الثالث: - ما ضابط تقصير الصلاة في السفر، وهل له زمن محدد أم لا ؟ الجواب : إنْ كان المقصود من الضّابط هو ضابط المسافة، فإنّ العلماء قد اختلفوا في ذلك اختلافا كبيرا، والصّحيح منها قول من لم يحدّد ذلك بمسافة، وأرجع ذلك إلى العُرف، وهو قول جمع من المحقّقين كابن حزم، وابن قدامة، وابن تيمية، وابن القيم، وهذه أقوالهم : قال ابن حزم كما في " المحلّى " (5/21): " لا حدّ لذلك أصلا، إلاّ ما سمّي سفرا في لغة العرب الّتي بها خاطبهم عليه السّلام، إذ لو كان لمقدار السّفر حدّ غير ما ذكرنا لما أغفل عليه السّلام بيانَه ألبتّة، ولا أغفلوا هم سؤالَه عليه السّلام عنه، ولا اتّفقوا على ترك نقل تحديده في ذلك إلينا ". وقال ابن قدامة في المغني (3/109): " التقدير بابه التوقيف، فلا يجوز المصير إليه برأي مجرد، سيما وليس له أصل يُرد إليه، ولا نظير يقاس عليه، والحجّة مع من أباح القصر لكل مسافر، إلا أن ينعقد الإجماع على خلافه ". وقال ابن تيمية (24/15): "ولكن لا بد أن يكون ذلك مما يُعَدّ في العرف سفراً، مثل أن يتزوّد له، ويبرز للصّحراء ". و قال ابن القيّم في " زاد المعاد ": " ولم يحُدّ لأمّته مسافة محدودة للقصر والفطر، بل أطلق لهم ذلك في مطلق السفر والضّرب في الأرض، كما أطلق لهم التيمّم في كلّ سفر، وأمّا ما يُروى عنه من التحديد باليوم أو اليومين أو الثلاثة فلم يصحّ عنه منها شيء البتة والله أعلم ". وأما تحديد الزّمن: فإنّ ذلك يختلف باختلاف حالات المسافر: الحالة الأولى: أن يكون المسافر في الطريق، فاتفق العلماء على مشروعية القصر. الحالة الثانية: أن يصل المسافر إلى البلد الذي يقصده، ولم يجمع على الإقامة إلاّ بمقدار قضاء حوائجه، فقد أجمع العلماء أيضا على مشروعية القصر، ونقل الإجماع ابن المنذر فقال : " أجمع أهل العلم أنه يشرع للمسافر القصر ما لم يجمع إقامة، وإن أتى عليه سنون "، وبه قال ابن مفلح في "المبدع" (2/115)، و ابن قدامة في " المغني " (2/292)، والشّيرازي في " شرح المهذّب "، وأبو الحسن المالكي في " كفاية الطّالب الربّاني " (1/ 462)، والكاساني في " بدائع الصّنائع " (1/97)، والأدلّة على ذلك: 1- عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه قَالَ: (( أَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم بِتَبُوكَ عِشْرِينَ يَوْمًا يَقْصُرُ الصَّلَاةَ )) رواه أَبُو دَاوُد. 2- عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ رضي الله عنه كَانَ يَقُولُ: ( أُصَلِّي صَلَاةَ الْمُسَافِرِ مَا لَمْ أُجْمِعْ مُكْثًا وَإِنْ حَبَسَنِي ذَلِكَ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ لَيْلَةً ) رواه مالك. 3- وروى البخاري عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه قَالَ: ( أَقَامَ النَّبِيُّ صلّى الله عليه وسلّم بِمَكَّةَ تِسْعَةَ عَشَرَ يَوْمًا يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ ). 4- وروى مالك أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ رضي الله عنه كَانَ يَقُولُ: ( أُصَلِّي صَلَاةَ الْمُسَافِرِ مَا لَمْ أُجْمِعْ مُكْثًا وَإِنْ حَبَسَنِي ذَلِكَ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ لَيْلَةً ). 5- وعن أنس رضي الله عنه أنّه أقام سنتين بنيسابور يقصر الصّلاة. [رواه الطّبراني في "الكبير" كما في "مجمع الزّوائد"(2/158)]. 6- وقال أبو مجلز: قلت لابن عمر رضي الله عنه: إنّي آتي المدينة فأقيم بها السّبعة أشهر والثّمانية طالبا حاجة ؟ فقال: صلّ ركعتين. [أخرجه عبد الرزّاق في "المصنّف" (4364)]. 7- وقال أبو إسحاق السّبيعي: أقمنا بسجستان ومعنا رجال من أصحاب ابن مسعود رضي الله عنه سنتين نصلّي ركعتين. [ذكره ابن عبد البرّ في "التّمهيد"]. 8- وروى البيهقيّ (3/152) " أنّ ابن عمر رضي الله عنه أقام بأذربيجان يصلّي ركعتين ركعتين، وكان الثّلج حال بينهم وبين القفول"، وكان يقول: " إذا أزمعت إقامة فأتم ّ". [صحّحها الحافظ في "الدّراية" (ص129)، والألباني في "الإرواء" (3/28)]. 9- وعن نصر بن عمران قال: قلت لابن عبّاس رضي الله عنه: " إنّا نطيل المقام بالغزو بخراسان، فكيف ترى ؟ قال: ( صلّ ركعتين وإن أقمت عشر سنين ) [ذكرها ابن عبد البرّ أيضا]. قال ابن عبد البرّ رحمه الله في "التّمهيد"(11/184): " محمل هذه الأحاديث عندنا على من لا نيّة له في الإقامة لواحد من هؤلاء المقيمين هذه المدد المتقاربة، وإنّما ذلك مثل أن يقول: أخرج اليوم، أخرج غدا، وإذا كان هكذا فلا عزيمة ههنا على الإقامة، قيل لأحمد بن حنبل: فإذا قال: أخرج اليوم، أخرج غدا يقصر ؟ قال: هذا شيء آخر، هذا لم يعزم". الحاصل: ملخّص ما ذكرناه أنّ المسافر إذا كان في الطّريق أو دخل بلدة لا ينوي الإقامة بها لعذر أو مانع أو قضاء حاجة، فهذا يقصر باتّفاق. الحالة الثالثة: أن يصل المسافر إلى البلد الذي يقصد، ويُجمِع ويعزم على الإقامة، فاختلف العلماء في ذلك، و الرّاجح في المسألة هو التّفصيل: - فإن لم يعزم على الإقامة الّتي تخرجه عن حدّ السّفر ( ويُدرَك ذلك بالعرف)، فإنّه يقصر كما فعل النبيّ صلّى الله عليه وسلّم والصحابة في الآثار السابقة. - أما إن أجمع على الإقامة التي تخرجه عن حد السفر عرفا، بأن يتّخذ ذلك وطنا له مؤقّتا، فإنّه يُتِم لأنّه ليس مسافرا لا لغة ولا عرفا ولا شرعًا: أمّا لغة: فإنّ النّاس صنفان: مقيم ومسافر، فإن لم يكن مسافرا لغةً فهو مقيم، وليس هناك وسط. أما عرفا: فلا زال السلف يرحلون في طلب العلم، وينتقلون من بلد لآخر ويقيمون سنوات، و كانوا يتمون صلاتهم، بل بعضهم يصير إماما في تلك البلد مع عزمه على الرجوع إلى بلده. أما شرعا: فلأنه لا يدخل في حكم ابن السبيل فلا يعطى من الزكاة، كما لا يحل له المسح ثلاثًا، ولا تسقط عنه الجمعة، ولا يحل له الفطر في رمضان وغير ذلك من الأحكام. |
|
|
السؤال السابع : - قام مؤخرا أحد البنوك المعروفة la caixa ( وتبعته بنوك أخرى ) بإنشاء خدمة لزبائنه وللجالية المغتربة استحسنها كثير من المسلمين، وهي أن يقدم الزبون مبلغًا معيّنًا من المال (12 أورو) شهريًا، وفي المقابل يقوم البنك في حالة وفاة هذا المشترك بنقله إلى بلده الأصليّ، وتقديم مبلغ يقدّر بحوالي (1000 أورو) لأهل الميّت، فبغضّ النّظر عن حكم نقل الميّت من بلد لأخر، ما حكم هذه المعاملة ؟ وما حكم دفن المسلم في بلاد الكفر ؟ وهل يجوز دفن المسلم في مقبرة الكفّار إذا كان بمعزل عنهم ؟ الجواب : الظّاهر من هذه المعاملة أنّها محرّمة لوجوه منها: 1- أنّ فيها غررا ومخاطرة، لأنّ هذا الزّبون قد يُعمَّر كثيرًا، ويكون بذلك قد دفع من المال أكثر من الّذي سينفقه البنك لنقله إلى بلده الأصليّ، ومن المبلغ الذي سيقدّمه لأهله، هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإنّ الزبون قد يتوفّاه الله تعالى في غير البلد الذي يوجد فيه هذا البنك، فيكون بذلك قد فقد ماله الّذي دفعه. 2- أنّ هذه المعاملة قد تؤدّي إلى الرّبا، لأنّ الزّبون قد لا يُعمَّر كثيرا، فتكون تكاليف نقله لبلده الأصليّ أكثر من المال الّذي دفعه، وفي هذه الحالة يكون المال الزائد الذي دفعه البنك عبارة عن فوائد للمبالغ المالية التي كان يدفعها، وهذا ربا. 3- في هذه المعاملة إعانة على الإثم و العدوان، لأنّ الأموال الّتي يدفعها الزّبائن سيستثمرها البنك في مشاريع محرّمة قطعًا. أمّا حكم دفن المسلم في بلاد الكفر: فإن كان دفن المسلم في بلاد الكفر في مقبرة خاصة بالمسلمين فيجوز ذلك، أمّا أن يُدفن المسلم في مقبرة الكفاّر، فهذا محرّم، وقد أفتت اللّجنة الدائمة بما يلي: " لا يجوز للمسلمين أن يدفنوا مسلماً في مقابر الكافرين؛ لأنّ عمل أهل الإسلام من عهد النبيّ صلّى الله عليه وسلّم والخلفاء الرّاشدين ومن بعدهم مستمرّ على إفراد مقابر المسلمين عن مقابر الكافرين، وعدم دفن مسلم مع مشرك، فكان هذا إجماعاً عملياً على إفراد مقابر المسلمين عن مقابر الكافرين، ولما رواه النسائي عن بشير ابْن الْخَصَاصِيَةِ قال: كُنْتُ أَمْشِي مَعَ النَّبِيِّ صلّى الله عليه وسلّم فَمَرَّ عَلَى قُبُورِ الْمُسْلِمِينَ فَقَالَ: (( لَقَدْ سَبَقَ هَؤُلَاءِ شَرًّا كَثِيرًا ))، ثُمَّ مَرَّ عَلَى قُبُورِ الْمُشْرِكِينَ فَقَالَ : (( لَقَدْ سَبَقَ هَؤُلَاءِ خَيْرًا كَثِيرًا ))، فدل هذا على التفريق بين قبور المسلمين وقبور المشركين. وعلى كل مسلم ألاّ يستوطن بلداً غير إسلاميّ، وألاّ يقيم بين أظهر الكافرين، بل عليه أن ينتقل إلى بلد إسلامي فراراً بدينه من الفتن، ليتمكّن من إقامة شعائر دينه، ويتعاون مع إخوانه المسلمين على البرّ والتّقوى، ويكثِّر سواد المسلمين إلاّ من أقام بينهم لنشر الإسلام، وكان أهلاً لذلك قادراً عليه، وكان ممّن يُعهد فيه أن يؤثِّر في غيره، ولا يغلب على أمره، فله ذلك وكذا من أضطر إلى الإقامة بين أظهرهم، وعلى هؤلاء أن يتعاونوا ويتناصروا، وأن يتخذوا لأنفسهم مقابر خاصة يدفنون فيها موتاهم. وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم " اهـ .[فتوى رقم (1841). أمّا دفن المسلم في مقبرة الكفار إذا كان بمعزل عنهم: فقد جاء في فتوى اللّجنة الدّائمة برقم (8909): س: هل يجوز دفن الميت المسلم في مقبرة تكون واقعة على قطعة على حدّه، ولكن في سور واحد مع مقابر أهل الكتاب، وهل فيه هناك حديث نبويّ في هذا الباب ؟ ج: لا يدفن داخل سور مقبرة الكفار، ولو في قطعة أرض منها على حده؛ لأن جميع ما في داخل سورها يعتبر منها. وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم "اهـ. |
|
|
|
السؤال الحادي عشر : - هناك بعض الأسواق والمراكز تبيع لحوما تدعي أنها حلال، وتضع عليها ملصقات مكتوب عليها "حلال"، فهل يكفي هذا لجواز أكلها ؟ وهل تجوز شهادة الكافر في هذه الحالة وغيرها ؟ الجواب: - هذا الأصل يؤخذ به إذا كنت بين المسلمين أو أهل الكتاب الّذين تعلم أنّهم يصدقون في ذلك، فيكون ذلك حينها كافيا، ما لم يتبيّن أو يغلب على الظنّ أنّ ذلك غير صحيح وقد تبيّن أنّ نسبة معتبرةً من اللّحوم المعروضة في الأسواق هناك لا تكون قد ذكّيت ذكاة شرعية، لذلك وجب تركها من باب الاحتياط، لأنّ القاعدة المقرّرة أنّه متى تعارض الأصل مع الظّاهر فيؤخذ بالغالب |
|
|
السؤال الرابع عشر : -ما حكم الجمع بين الظهر والعصر، والمغرب والعشاء بحجة ؟ وهل يجوز الصلاة بلباس العمل ؟ الجواب : فالأصل في الصّلاة أن تؤدّى لوقتها، لقوله تعالى:{ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا (103) } [النّساء] وسئل النبيّ صلّى الله عليه وسلّم أَيُّ الْعَمَلِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ ؟ قَالَ: (( الصَّلَاةُ عَلَى وَقْتِهَا )). ولكن شرع الله الجمع بين الصّلاتين في حالة المطر، والسّفر، والخوف، وهذا لا خلاف فيه. إنّما اختلفوا في الجمع في الحضر إذا كان هناك حرج، والصّواب جوازه لما رواه مسلم عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه قَالَ: (( جَمَعَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَالْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ بِالْمَدِينَةِ فِي غَيْرِ خَوْفٍ وَلَا مَطَرٍ، وَفِي حَدِيثِ أَبِي مُعَاوِيَةَ قِيلَ لِابْنِ عَبَّاسٍ مَا أَرَادَ إِلَى ذَلِكَ ؟ قَالَ : أَرَادَ أَنْ لَا يُحْرِجَ أُمَّتَهُ )). فهذه الرخصة تجوز عند الحاجة، لكن بشرط أن لا يكون ذلك على وجه الاستمرار، لأنّه لم يكن من هديه صلّى الله عليه وسلّم ،وإنّما فعله أحيانا للحاجة. ومن الحاجة في عصرنا عمل شرطيّ المرور الّّذي لا يمكنه ترك عمله لما فيه من مصلحة المسلمين، أو الطّبيب الّذي يعلم أنّ العمليّة الجراحيّة ستستغرق وقتا طويلا تفوته به الصّلاة، وبناءً على هذا فالجمع بحجة ضيق وقت الراحة أثناء العمل غير جائز، والله أعلم. أما الصلاة بلباس العمل فتجوز إن لم يكن عليه نجاسة، و الأولى للمسلم أن يتّخذ لباسًا خاصًّا للصّلاة، لما رواه أبو داود أنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: (( مَا عَلَى أَحَدِكُمْ إِنْ وَجَدَ أَنْ يَتَّخِذَ ثَوْبَيْنِ لِيَوْمِ الْجُمُعَةِ سِوَى ثَوْبَيْ مِهْنَتِهِ )) [وصحّحه الألباني رحمه الله]. |
|
|
|
|
|
السؤال الثاني و العشرون : - تقام محافل الكفار، وخاصة الدينية منها كـ ( semana santa ) أي: ( الأسبوع المقدس ) حيث تحمل الصلبان والأصنام وغيرها، وتسير القوافل بها عبر الشوارع، فما حكم حضور مثل هذه المحافل بحجة التعرف على ثقافات البلدان وحب الاطلاع لا غير ؟ الجواب : إن العلماء قاطبة أجمعوا على لأنّ حضور أعياد الكفّار كبيرة من كبائر الذنوب، ومعصية لعلاّم الغيّوب، والأدلة على ذلك ما يلي: 1- قال الله تعالى: { وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَاماً} [الفرقان:72]، قال أئمّة التفسير كمحمّد ابن سيرين والرّبيع ابن أنس : " الزّور هو أعياد الكفّار". 2- وروى أبو داود عَنْ ثَابِت بْنِ الضَّحَّاكِ قَالَ: نَذَرَ رَجُلٌ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم أَنْ يَنْحَرَ إِبِلًا بِبُوَانَةَ، فَأَتَى النَّبِيَّ صلّى الله عليه وسلّم فَقَالَ: إِنِّي نَذَرْتُ أَنْ أَنْحَرَ إِبِلًا بِبُوَانَةَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلّى الله عليه وسلّم : (( هَلْ كَانَ فِيهَا وَثَنٌ مِنْ أَوْثَانِ الْجَاهِلِيَّةِ يُعْبَدُ ؟))، قَالُوا: لَا، قَالَ صلّى الله عليه وسلّم : (( هَلْ كَانَ فِيهَا عِيدٌ مِنْ أَعْيَادِهِمْ؟))، قَالُوا : لَا، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم : (( أَوْفِ بِنَذْرِكَ، فَإِنَّهُ لَا وَفَاءَ لِنَذْرٍ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ، وَلَا فِيمَا لَا يَمْلِكُ ابْنُ آدَمَ )). 3-روى أبو داود عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم : (( مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ )). 4- من العهود التي أخذها عمر بن الخطاب رضي الله عنه على أهل الذمة من النّصارى: ( ألاّ يُظهروا أعيادهم وشعائرهم، وإلاّ فلا ذمة لهم )، فكيف يأتي اليوم المسلمون فيحضروا هذه الأعياد الكفرية أو يظهروها. 5- وقال عمر رضي الله عنه: ( لا تدخلوا على النّصارى يوم عيدهم، فإنّ السخط والغضب ينزل عليهم ). 6- وقال عبد الله بن عمرو رضي الله عنه: ( من بنى بأرض العجم وشهد نيروزهم وعيدهم فمات فقد برئ من الإسلام ). 7- قال ابن القيّم رحمه الله في " أحكام أهل الذمّة ": " إنّ الاحتفال بأعياد الكفّار إن لم يكن كفرا فهو حرام "، وبمثله قال ابن تيمية رحمه الله. وعل المسلم أن يعلم أنّ إظهار أو حضور شيء من شعائر النّصارى وأعيادهم فيه ولاء لهم، وقد قال الله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ } [المائدة:51]، وقال أيضًا: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَق }. |
السؤال الثالث و العشرون : - ما حكم شرب شراب خميرة الجعة ( منزوع الكحول ) فهو مفيد في تصفية الكلى كما هو معروف ومجرب ؟ وما حكم استهلاك المواد الغذائية والأدوية التي تحتوي على كحول ؟ الجواب : الأصل في مثل هذا الشراب الحل، ويدل لذلك قول الله – عز وجل - : "ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث" ، وأيضاً قول الله – عز وجل - : (هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً) [البقرة: من الآية29]، فهذا هو الأصل، ما لم يكن هناك محرم كخمر ونحوه. قال الشيخ : عبد الرحمان بن أحمد بن فايع الجرعي عضو هيئة التدريس بجامعة الملك خالد: " وجود الكحول في المأكول والمشروب، فمن المعلوم أن الكحول مادة مسكرة أو مخدرة، وبالتالي فإذا وجدت في الأكل أو الشرب، وكانت مؤثرة فيه بمعنى أنه يترتب على التناول إسكار فالتناول في هذه الحالة حرام قطعاً؛ لأن علة تحريم الخمر، هي: الإسكار، وقد وجدت هنا، والحكم يدور مع علته وجوداً وعدماً. أمّا إذا كانت مادة الكحول الموجودة في المأكول أو المشروب قليلة ويسيرة، ولا يظهر أثرها، واستهلكت في المشروب ونحوه، فالصحيح أن هذه الكمية اليسيرة من الكحول لا أثر لها في تحريم هذا الطعام أو الشراب، فهو مثل النجاسة المستهلكة في الماء، فعلى القول الصحيح -إن شاء الله- أن هذه النجاسة ما لم يظهر أثرها في الماء، في طعمه، أو لونه، أو ريحه، فالماء باق على طهوريته قليلاً كان أو كثيراً، وفي (صحيح البخاري، ك72، ب12) – تعليقا- قَال أَبُو الدَّرْدَاء رضي الله عنه فِي الْمُرِي : ذَبَحَ الْخَمْرَ النِّينَانُ وَالشَّمْسُ"، والنينان: جمع نون، وهو: الحوت، والمري: أكلة تتخذ من السمك المملح، يوضع في الخمر ثم يعرّض للشمس فيتغير طعمه عن طعم الخمر، ومعنى قول أبي الدّرداء رضي الله عنه هذا: أنّ الحوت لمّا ملِّح ووضع في الشّمس أذهب الخمر فصار حلالاً، ومما يدل على عدم الحرمة هنا: أن الخمر إنما حرمت لوصف الإسكار الموجود فيها، فإذا انتفى هذا الوصف انتفت الحرمة. وممّا يشار إليه هنا أن البعض يظن أن المخلوط بالخمر حرام مطلقاً، سواء قلّت نسبة الخمر - بحيث لا تؤثر في المخلوط– أو كثرت، وظنوا أن ذلك هو معنى قوله صلّى الله عليه وسلّم : (( مَا أَسْكَرَ كَثِيرُهُ فَقَلِيلُهُ حَرَامٌ )) [رواه أحمد (5648) واللّفظ له، وابن ماجة (3392)، والدارقطني (4/254)، وهو صحيح " الإرواء " برقم (2375)]. فقالوا: هذا فيه قليل من الخمر الذي يُسكر كثيره فيكون حراماً، وقد أجاب الشيخ ابن عثيمين – رحمه الله – في " مجموع فتاويه " (4/260) عن هذا الفهم، فقال: يقال هذا القليل من الخمر استهلك في غيره فلم يكن له أثر وصفي ولا حكمي، فبقي الحكم لما غلبه في الوصف، وأما حديث "ما أسكر كثيره فقليله حرام" (سبق تخريجه) فمعناه: أنه إذا كان الشراب إن أكثر منه الشارب سكر، وإن قلل لم يسكر، فإن القليل منه يكون حراماً؛ لأن تناول القليل وإن لم يسكر ذريعة إلى تناول الكثير، ويوضح ذلك حديث عائشة -رضي الله عنها-: قالت: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم : (( كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ، مَا أَسْكَرَ الفَرْقُ مِنْهُ فَمِلْءُ الكَفِّ مِنْهُ حَرَامٌ )) [أخرجه أبو داود (3687)، والترمذي (1866)، وأحمد (24992)، وهو صحيح (الإرواء برقم 2376)]، والفرق: مكيال يسع ستة عشر رطلاً. ومعنى الحديث: أنه إذا وجد شراب لايسكر منه إلا الفرق، فإن ملء الكف منه حرام، فهو معنى قوله صلّى الله عليه وسلّم : (( مَا أَسْكَرَ كَثِيرُهُ فَقَلِيلُهُ حَرَامٌ )) [سبق تخريجه] اهـ. ومع ذلك فالأولى فيما يظهر لي -والله أعلم- أن يتجنب الإنسان تناول الأطعمة والأشربة المحتوية على هذه المواد المسكرة المستهلكة في الطعام والشراب ما لم يحتج إلى ذلك، لكن هذا من باب الورع لا التحريم، والله أعلم ". السؤال الرابع و العشرون : - نحن نفكر – شيخنا- في إنشاء مكتبة سمعية في مسجدنا " السّلام " سلّمكم الله -وهو في الحقيقة صغير المساحة- نقوم من خلالها بإعارة أشرطة مقابل سعر رمزي بغرض اقتناء أشرطة علمية وغيرها، ولمساعدة المسجد في حاجياته، لكن المشكل يا شيخ أنه لا يوجد مكان لهذا الأمر سوى هذا المسجد، ومن المعلوم حرمة هذه المعاملات في المسجد وما اتصل به، فما هو الحل شيخنا أثابكم الله ؟ الجواب : الحكم كما جاء في السؤال، وهو عدم جواز هذه المعاملات في المسجد، والحل هو أن يوضع صندوق - في المكتبة- للتبرعات دون إلزام |
|
|
|
السؤال التاسع والعشرون : - ما رأيكم شيخنا فيمن يقول إنّ مال الكافر الّذي بلده يعادِي الإسلام ويحاربه غنيمة، ولا بأس في أخذه بطريقة أو أخرى، ولا إثم في ذلك ؟ الجواب : من دخل بلاداً في أي دولة بأمان وبعهد وذمة فلا يجوز له نقض العهد، ولا يجوز النهب ولا السلب ولا القتل ولا الغصب، ولا الاعتداء على الأموال أو الأعراض أو الأنفس، ولو كان أهل تلك الدولة كفاراً أو حربيّين أو مخالفين في الدّين، لأنّه دخل بعهد وأمان، والأدلّة على ذلك: 1- قوله تعالى : (( فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ)) (التوبة: من الآية4 ) 2- وقال سبحانه : (( وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً )) (الاسراء: من الآية34) 3- أن ذلك من الغدر والخيانة، روى البخاري عَنْ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ وَمَرْوَانَ قالا: كَانَ الْمُغِيرَةُ صَحِبَ قَوْمًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَقَتَلَهُمْ وَأَخَذَ أَمْوَالَهُمْ ثُمَّ جَاءَ فَأَسْلَمَ فَقَالَ النَّبِيُّ صلّى الله عليه وسلّم "أَمَّا الْإِسْلَامَ فَأَقْبَلُ وَأَمَّا الْمَالَ فَلَسْتُ مِنْهُ فِي شَيْءٍ." قال ابن حجر في (الفتح 5/402) :" ويستفاد منه – أي من الحديث – أنه لا يحل أخذ أموال الكفار في حال الأمن غدراً؛ لأن الرفقة يصطحبون على الأمانة، والأمانة تؤدى إلى أهلها مسلماً كان أو كافراً، وأن أموال الكفار إنما تحل بالمحاربة والمغالبة " . 4- وروى البخاري عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صلّى الله عليه وسلّم بَعَثَ مُعَاذًا إِلَى الْيَمَنِ فَقَالَ: (( اتَّقِ دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ فَإِنَّهَا لَيْسَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ اللَّهِ حِجَاب )) فلا يجوز الظلم بحال ولو كان للكفار. ومن يستحلّ أخذ أموال الكفّار فمذهبه قائم على قول اليهود: {وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لَا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ }. ومن أقوال أهل العلم : قال الشافعي رحمه الله في " الأمّ " (4/284) : " وإذا دخل رجل مسلم دار الحرب بأمان .. وقدر على شيء من أموالهم لم يحل له أن يأخذ منه شيئا قل أو كثر؛ لأنّه إذا كان منهم في أمان، فهم منه في مثله، ولأنّه لا يحلّ له في أمانهم إلاّ ما يحلّ له من أموال المسلمين وأهل الذمّة ". وقال السرخسي الحنفيّ في " المبسوط (10/96): " أكره للمسلم المستأمن إليهم في دينه أن يغدر بهم لأنّ الغدر حرام "، والكراهة عند السّرخسيّ هنا معناها التّحريم. وقال ابن قدامة في " المغني " (9/237): "وأمّا خيانتهم فمحرّمة، لأنّهم إنّما أعطوه الأمان مشروطا بتركه خيانتهم وأمنه إيّاهم من نفسه، وإن لم يكن ذلك مذكورا في اللّفظ فهو معلوم في المعنى، ولذلك من جاءنا منهم بأمان فخاننا كان ناقضا لعهده، فإذا ثبت هذا لم تحلّ له خيانتهم لأنّه غدر، ولا يصلح في ديننا الغدر، وقد قال النبيّ صلّى الله عليه وسلّم : ((المُسْلِمُونَ عِنْدَ شُرُوطِهِمْ )) فإن خانهم أو سرق منهم أو اقترض شيئا وجب عليه ردّ ما أخذ إلى أربابه، فإن جاء أربابه إلى دار الإسلام بأمان أو إيمان ردّه عليهم، وإلاّ بعث به إليهم، لأنّه أخذه على وجه حرم عليه أخذه فلزمه ردّ ما أخذ، كما لو أخذه من مال مسلم ". وقال المرغينانِي: " وإذا دخل المسلم دار الحرب تاجرًا؛ فلا يحلّ له أن يتعرّض لشيءٍ من أموالهم، ولا من دمائهم " [بداية المنتهي (ص: 118)]. ومن المفاسد المترتبة على الإقدام على مثل هذا العمل : - فيه تشويه لصورة الإسلام، والمسلم مطالب بحفظ سمعة الإسلام وسمعته، ولا يجوز له أن يدنسها لأجل المال، ولا أن يصد عن دين الله بمثل هذه الممارسات. - المسلم بهذا العمل يعرض نفسه وأهله وذويه للخطر من سجن، أو طرد، أو إيذاء، وهو في غنى عن كل ذلك، وليس للمسلم أن يذل نفسه، ولا يجوز أن يعرض من تحت يده للفتن حين يلقي بنفسه بأسباب تؤدي به إلى السجن والانقطاع عنهم. |
السؤال الثلاثون :
-هل يجب احترام كلّ قوانين البلد المقام فيه وتطبيقها أو هناك تفصيل ؟ الجواب : إذا دخل المسلم بلاد الكفر فقد دخل بعقد والتزام، وعهد وميثاق، وحينئذ يجب عليه الوفاء بالعهد والعقد، وأن يلتزم بأنظمة البلد الذي دخل إليه، فإن ذلك مقتضى تأشيرة الدخول ولكن عليه أن يتجنب من تلك الأنظمة ما يخالف الشريعة الإسلامية، بل لا يجوز له أن يعمل بشيء من ذلك، فإن أُكره على ذلك فيتأكّد عليه الهجرة أكثر من قبل. |
السؤال الواحد والثلاثون : -ماهو ضابط وشروط الزّواج من الأجنبيّات ( النّصرانيّات )؟ الجواب : الأصل هو حِلّ نساء أهل الكتاب عند جمهور أهل العلم، لقوله تعالى: { الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ }. ولكنّ هناك شروطا متّفقا عليها، وذلك لنصّ القرآن أو السنّة عليها، وإنّ هناك شروطا مختلفا فيها، وشروطا اشترطها الفقهاء من بعد لتغيّر الزّمان وأحوال النّاس، ومجمل هذه الشّروط ما يلي: 1- الإحصان: وهذا شرط نصّت عليه الآية، والمقصود من قوله تعالى: { وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ } [المائدة: من الآية5]، والمقصود بالإحصان هنا: العفّة والحرّية. وهذا الشّرط ليس بغريب فهو يشترط أيضا في نكاح المسلمة أيضا، http://www.islamswomen.net/vb/images/smilies/007.gif في اشتراط العفّة:{ الزَّانِي لا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ } [النور:3]، ولا يتسامح في هذا الشّرط بحال من الأحوال لا مع المسلمة ولا مع غيرها. وhttp://www.islamswomen.net/vb/images/smilies/007.gif في اشتراط الحرّية:{ وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَات} [النّساء: من الآية25]، وهذا الشّرط يتسامح فيه مع المسلمة إذا لم يستطع المسلم نكاح الحرّة وخشي على نفسه العنت، وإن كان يُفضي إلى أن يصير ابنها عبدا تابعا لها فيملكه مالكها. ولا يُتسامح في هذا الشّرط مع الكتابيّة، لسببين اثنين: أوّلا: لدخول النّقص عليها من جهتين: جهة الكفر، وجهة الرقّ. ثانيا: أنّ الأمة المسلمة إذا ولدت يصبح ولدها ملكا لمالكها وهو المسلم، فحتّى لو باعها فإنّه لا يبيعها لكافر، أمّا الأمة الكافرة يمكن بيعها لكافر، وهناك يدخل الولد تحت ولاية الكافر تبعا لأمّه، والله يقول:{وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً } [النساء: من الآية141]. وممّن فسّر الإحصان بالعفّة عمر بن الخطّاب رضي الله عنه، فقد أخرج البيهقيّ في " سننه " (7/172) وابن أبي شيبة في "المصنّف" (3/474) عن أبي وائل قال: تزوّج حذيفة رضي الله عنه يهوديّة، فكتب إليه عمر رضي الله عنه أن يفارقها، فقال: ( إِنِّي أَخْشَى أَنْ تَدَعُوا المُسْلِمَاتِ، وَتَنْكِحُوا المُومِسَاتِ ) قال البيهقيّ: " وهذا من عمر رضي الله عنه على طريق التّنـزيه والكراهية، ففي رواية أخرى أنّ حذيفة رضي الله عنه كتب إليه: أحرام هي ؟ قال: ( لا، ولكنّي أخاف أن تعاطوا المومسات منهنّ ) قال أبو عبيدة: يعني العواهر. وقال الشّعبي في قوله تعالى:{ وَالمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ }: " إحصان اليهودية والنّصرانية: أن تغتسل من الجنابة وأن تحصن فرجها.." [ " أحكام القرآن " للجصّاص (2/324) ]، وممّن قال بذلك: السدّي، ومجاهد وسفيان. 2- ألاّ تكون في دار الحرب: إنّ آية المائدة الّتي دلّت على جواز زواج المسلم بالكتابية، لم تفرّق بين أن يتزوّجها في دار الإسلام أو في دار الحرب. ولكن دار الحرب تختلف عن دار الإسلام، بأنّ السّيطرة في دار الإسلام للمسلمين الذين هم أهل الحل والعقد، يحكمون بشريعة الله التي أنزلها في كتابه وفي سنة رسوله صلّى الله عليه وسلّم ، وتظهر فيها شعائر الإسلام، واحتمال ميل الزوجة إلى دين زوجها المسلم وارد، كما أن احترامها لآداب الإسلام، وعدم مجاهرتها بما يخالفها أقرب، إرضاءً لزوجها الذي يغيظه مخالفة دينه في الأخلاق وارتكاب المحرمات، وإن تساهل فيه مراعاة لمعتقدها الذي تزوجها مع علمه به. وهذا بخلاف دار الحرب التي تكون الهيمنة والسيطرة فيها للكفار الذين هم أهل الحل والعقد، والحكم فيها إنما يكون بقوانينهم التي تخالف الإسلام، كما أن الشعائر الظاهرة فيها هي شعائر الكفر، وليست شعائر الإسلام، والأخلاق السائدة فيها هي أخلاق الكفار. ولهذا تكون الزوجة الكتابية في بلاد الحرب، أكثر تمسكا بدينها وأخلاقها وعاداتها، وأقل ميلا إلى دين زوجها وأخلاقه بل إنه ليخشى على زوجها المسلم أن يتأثر بمحيط الكفر الذي يعيش فيه، ويخشى أكثر على ذريته من التدين بدين أمهم التي تربيهم عليه. ولهذا اختلف العلماء الذين أجازوا زواج المسلم بالكتابية في دار الإسلام، في زواجه بها في دار الحرب. - فقد ذكر القرطبي رحمه الله: أن ابن عبّاس رضي الله عنه سئل عن نكاح أهل الكتاب إذا كانوا حربا ؟ فقال: " لا يحلّ-وتلا قوله تعالى:{ قَاتِلُوا الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلاَ بِاليَوْمِ الآخِرِ} إلى قوله تعالى:{ وَهُمْ صَاغِرُونَ } قال الرّاوي عنه: حدّثت بذلك إبراهيم النّخعي فأعجبه-يعني أنّ إبراهيم يقول بالتّحريم كذلك- وكره مالك تزوّج الحربيات، لعلّة ترك الولد في دار الحرب، ولتصرفها في الخمر والخنزير. اهـ [ الجامع لأحكام القرآن 3/69 ]. فمذهب ابن عبّاس وعليّ بن أبي طالب رضي الله عنهما وإبراهيم النخعي، تحريم زواج المسلم بالكتابية في دار الحرب، ويحتمل أن تكون كراهة الإمام مالك رحمه الله لذلك، كراهة تحريم. كما أنّ امرأته الحربيّة قد تنشئ أولاده وتربّيهم على النّصرانية وبغض المسلمين، وغير ذلك من المفاسد المترتبة على زواجه بالحربية في دار الحرب. وقد صرّحت كتب المذاهب الفقهية بكراهة الزواج بالكتابية في دار الجرب، إلا أن بعضهم يفسرون الكراهة بكراهة التحريم، وبعضهم يفسرونها بكراهة التنزيه، ورجّح الفقيه الحنفي محمّد أمين المشهور بابن عابدين رحمه الله أنّ الكراهة هنا كراهة تحريمية، وليست كراهة تنزيه. [حاشية رد المحتار على الدر المختار (3/45)]. وصرّح الدكتور وهبة الزحيلي في كتابه " الفقه الإسلامي وأدلّته " (7/145) أن الحنفية يحرمون الزواج بالحربية في دار الحرب. وقال في " الشّرح الصّغير " (2/420) في المذهب المالكي: " وتأكد الكره-أي الكراهة-إن تزوجها بدار الحرب، لأن لها قوة بها لم تكن بدار الإسلام، فربما ربت ولده على دينها، ولم تبال باطلاع أبيه على ذلك ". وقال النووي رحمه الله في " المنهاج " (2/187): "وتحل كتابية، ولكن تكره حربية، وكذا ذمية على الصحيح" وقال في الحاشية: "لكن الحربية أشد كراهة منها ". وكذلك قال ابن قدامة في " المغني " (9/292-293). وقال ابن القيم رحمه الله في " أحكام أهل الذمّة " (2/420): "وإنّما الّذي نصّ عليه أحمد، ما رواه ابنه عبد الله، قال: أكره أن يتزوّج الرّجل في دار الحرب، أو يتسرّى من أجل ولده، وقال في رواية إسحاق بن إبراهيم: لا يتزوّج ولا يتسرّى الأسير، ولا يتسرّى بمسلمة، إلاّ أن يخاف على نفسه، فإذا خاف على نفسه لا يطلب الولد ". وبهذا يظهر أن مذهب الإمام أحمد، أكثر صراحة في تحريم زواج المسلم بالكتابية في دار الحرب، بل لا يبيح له وطء أمته المسلمة أو امرأته في دار الحرب إلا للضرورة، مع توقي إنجاب الولد. ويلي مذهب الإمام أحمد في الصراحة بالتجريم المذهب الحنفي. أسباب تحريم العلماء زواج المسلم بالكتابية في دار الحرب. والذي دعا العلماء إلى القول بتحريم زواج المسلم بالكتابية في دار الحرب أو كراهته، يتلخص في ثلاثة أمور رئيسة: الأمر الأول: الخوف على ذرية المسلم المولودين في دار الحرب. من أن يُرَبُّوا على غير دين أبيهم، فيكون بذلك قد غرس لأعداء الإسلام غرسا يكثر به سوادهم، ويخسر بذلك المسلمون الذين هم أولى بتكثير سوادهم، وقد علم أن حفظ النسل ضرورة من ضرورات الحياة التي يجب حفظها وحمايتها، والمقصد الأساسي من حفظ النسل البشري في الأرض، أن يكون النسل محققا لعبادة الله، لأن الله تعالى إنما خلق الخلق لعبادته، كما http://www.islamswomen.net/vb/images/smilies/007.gif:{ وَمَا خَلَقْتُ الجِنَّ وَالإِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ}[الذّاريات: 56]. الأمر الثاني: الخوف من اختيار المسلم المقام بين ظهراني الكفار الحربيين، لما في ذلك من المفاسد: المفسدة الأولى: مخالفة الأمر بالهجرة إلى بلاد الإسلام. وفي ذلك تعريض المسلم نفسه لعذاب الله وسخطه، وإذلال نفسه لعدوه. المفسدة الثانية: تكثير سواد الكافرين، وتقليل سواد المسلمين، وفي ذلك تقوية للكفار، وإضعاف للمسلمين. المفسدة الثالثة: تعريض ذريته للكفر، أو الاسترقاق، ولو كانوا مسلمين، ذلك أن امرأته قد يأسرها المسلمون وهي حامل، فيكون ولدها رقيقا. المفسدة الرابعة: ما قد يتعرض له المسلم من المنكر، ومن ذلك تعاطي المحرمات التي قد لا يستطيع الإفلات من تعاطيها، ومشاهدة المنكرات الكثيرة التي تجعله يألفها ولا ينكرها قلبه، بل قد يموت قلبه فيرضى بها لكثرتها. المفسدة الخامسة: ما تمارسه امرأته من منكرات، فقد تمارس أنواعا كثيرة من تلك المنكرات، وقد يميل مع طول الوقت والمعايشة، إلى كثير من تلك المنكرات المخالفة لدينه، إن سلم من الارتداد عنه. ومن هنا يبدو رجحان القول بتحريم زواج المسلم بالكتابية في دار الحرب، لأن زواجه بالكتابية في دار الإسلام مباح مع الكراهة، ومعلوم أن تناول المباح إذا أدى إلى مفاسد تفوق المصلحة من تناوله، غلب جانب المفسدة الراجحة فيدخل في الحرام بذلك، ومفاسد نكاح الكتابية في دار الحرب تفوق المصالح المترتبة عليه كما هو واضح مما تقدم، و الله تعالى أعلم. فلا غرابة من اشتراط الباحثين والعلماء اليوم شروطا كثيرة في جواز الزّواج من كتابيّة، فهي كلّها مستقاة من تلكم المقاصد الّتي بُثَّت في كتب العلماء القدماء حيث النّقاء والصّفاء، فكيف في عصر ذاعت فيه الفحشاء، ومجملها: التأكّد من كونها من أهل الكتاب. الإحصان. ألاّ تكون حربيّة. توفّر شروط العقد. عدم الخشية على الأولاد: من الانسلاخ من الدّين، وأكل الحرام. رجاء إسلام تلك المرأة. أن يكون المسلم متين العقيدة. أن يكون مستقيما على تعاليم الإسلام. وإلاّ، فإنّه آثم بزواجه ووقع فيما حذّر الله منه:{ أُولَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ } [البقرة: من الآية221]. |
|
|
جميع الأوقات حسب التوقيت الدولي +2. الساعة الآن 12:20. |
Powered by vBulletin® Version 3.8.7
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.