منتديات كلمة سواء الدعوية للحوار الإسلامي المسيحي

منتديات كلمة سواء الدعوية للحوار الإسلامي المسيحي (https://www.kalemasawaa.com/vb/index.php)
-   تعرف على الإسلام من أهله (https://www.kalemasawaa.com/vb/forumdisplay.php?f=132)
-   -   أما آن لك أن تعتنق الإسلام دين كل الأنبياء؟! (https://www.kalemasawaa.com/vb/showthread.php?t=12209)

كلمة سواء 16.01.2011 14:29

ولكن , هل يُعقَل أن يكون رجال الدِّيانات الأخرى
على خطأ ؟!



هل يُعقَل أن يكون رجالُ الكنيسة , وأحبارُ اليهود , وغيرهم من زعماء الدِّيانات الأخرى , على عقائد باطلة ؟!
نعم , هم ليسُوا على الدِّين الحقِّ ! وكُلُّ مَن بَلَغَتْه دعْوَةُ الإسلام , بعد بعْثَة النَّبيِّ محمَّد صلَّى اللَّه عليه وسلَّم , فلَم يَقبَلْها , فهو كافر , ومصيرُه جهنَّم خالدًا فيها إذا مات على تلك الحال . وقد ذكَرْنَا الآيات القرآنيَّة الدَّالَّة على ذلك بوضوح .
بل إنَّ موقفَ زُعماء الدِّيانات الأخرى سيكون أصعب يوم القيامة من أتباعهم من عامَّة النَّاس , لأنَّ مركَزَهم يقتضي أن يكون عندهم عِلْمٌ أكثر من غيرهم , سواء بديانتهم أو بالدِّيانات الأخرى , وبالتَّالي كان الأَوْلَى بهم أن يتثبَّتُوا من صحَّة معتقداتهم , وإذا عرفُوا الحقَّ , ألاَّ يُصرُّوا على الباطل .
لكنَّ المدهش حقًّا أنَّ أغلب هؤلاء سمعوا فعلاً بما يقوله القرآن بخصوص حقيقة عيسى عليه السَّلام خاصَّةً , وحقيقة الأنبياء والرُّسُل عامَّةً , وصفات اللَّه تعالى , وأنَّ اللَّه لن يقبل غير الإسلام , وأنَّ كلّ من يموتُ على غير هذا الدِّين سيكون جزاءه جهنَّم خالدًا فيها , لكنَّهم عِوَضَ أن يتَّبعُوا الحقَّ الذي جاءهم , أعرضُوا وراحُوا يُحاولُون عبثًا أن يجدُوا تبريرات يستطيعون بها الرَّدَّ على تساؤلات أتباعهم العديدة , دون جدوى ! فماذا ستكون حُجَّتُهم أمام اللَّه عندما يَسألُهم يوم القيامة لماذا أصرُّوا على معتقداتهم الخاطئة ولم يُسلِمُوا , فضَلُّوا وأَضَلُّوا غَيْرَهم ؟!

أمَّا أتباعُهم من عامَّة النَّاس , فإذا أصرُّوا على اتِّباعِهم دون تفكير , فاستمعْ لِمَا يقوله القرآنُ فيهم وفي أمثالهم : يقول اللَّه تعالى : { إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيرًا 64 خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا لا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلا نَصِيرًا 65 يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولاَ 66 وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلا 67 رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْنًا كَبِيرًا 68 } (33- الأحزاب 64-68) .
والسَّاداتُ والكُبراء هنا هم رجالُ الدِّيانات الأخرى غير الإسلام , وأيضًا كلّ مَن يستغلّ سُلطَته أو شُهرته أو مالَه لِيُضِلَّ غيره عن طريق اللَّه .
أمَّا أتباعُهم , فسَوْفَ يَعضُّون أصابعَهم يوم القيامة من النَّدَم أنَّهم لم يتَّبعُوا الأنبياء , ثمَّ لن يَملِكُوا إلاَّ أن يَدْعُوا اللَّهَ أن يُؤتي كُبَراءَهم ضعفَيْن من العذاب بِسَبب إضلالِهم لهم .







http://hurras.org/vb/mwa2009/mwa07/m...7-border-l.gif

كلمة سواء 16.01.2011 14:30

أليس في هذا الكلام اعتداء على حُرمة رجال الدِّين ؟!



إطلاقًا ! فما ذكَرناه سابقًا لَم يَكُن أبدًا شَتْمًا لِرجال الدِّين أو استهزاءً بهم , وإنَّما كان بِقَصْد تَنبيههم , هم وأتباعهم , إلى الأخطاء الموجودة في معتقداتهم من وجهة نَظر الإسلام , وهم في الأخير أحرارٌ في قَبُول أو رفض هذا التَّنبيه !
ويعلَمُ اللّه أنَّ الدَّافع الأساسي لِذِكْري لِمَا يقولُه القرآن في الدِّيانات الأخرى , هو حِرْصي على أن يُراجع أتباعها معتقداتهم , لعلَّ اللَّه يهديهم إلى الإسلام , فيَنْجون بذلك من العذاب الشَّديد يوم القيامة . فلِماذا هذه الحساسيَّات المفرطة تُجاه كلّ ما يتعلَّق بالدِّين ؟!

كلمة سواء 16.01.2011 14:30

أليس فيه إذًا عداءٌ لليهود والنَّصارى ؟!



أبدًا ! فهذا الكتاب مُوَجَّه إلى غير المسلمين عامَّة , وإلى اليهود والنَّصارى خاصَّة , لِدَعوتهم إلى الإسلام . وبما أنَّ هؤلاء (أي اليهود والنَّصارى) يعبدون اللَّهَ الذي يعبده المسلمون , كان لا بُدَّ من تنبيههم إلى ما يقوله هذا الإله بخصوص عقائدهم حتَّى يُعيدوا النَّظر فيها .
ربَّما تقول سيِّدي : وما شأنُك بهم ؟! دَعْهُم يعبدون ربَّهم كما يشاءون واعبدْ أنت ربَّك كما تشاء ؟!
أقول : وهل تقبل أنت أن تقف مكتوف اليدين وأنت ترى إنسانًا يَمشي في طريق , هو يعتقد أنَّ فيها سعادته , وأنت على يقين أنَّها ستؤدِّي به إلى السُّقوط في النَّار ؟!
طبعًا لا تقبل ! فكيف تريد إذًا من المسلم أن يدرس أو يشتغل مع يَهودي مثلاً أو يسكُن بجواره , ثمَّ لا يدعوه إلى الإسلام , وهو يعلم يقينًا أنَّ جاره هذا أو زميله في الشُّغل لو مات على يَهوديَّته فإنَّه سيُحرَم من دخول الجنَّة ويكون مصيره إلى النَّار ؟!
واللَّهِ الذي لا إله غيرُه , إنَّ هذا الجار اليَهودي سيحتجُّ أمام اللَّه يوم القيامة أنَّ جاره المسلم لم يَدْعُهُ إلى الدِّين الحقِّ , وسيَسألُ اللَّهُ تعالى المسلِمَ عن ذلك !
فالدَّعوةُ إلى الإسلام إذًا هي واجبٌ إنساني وأخلاقي على المسلم . لكن للأسف كما ذكَرْنا سابقًا , كثيرٌ من النَّاس يتعاملون بحساسيَّة مُفرطة مع كلِّ ما يتعلَّق بالدِّين ! وهذا الأمر جعلَ العديد من المسلمين يتجنَّبون دعوةَ اليهود والنَّصارى إلى الإسلام , حتَّى لا يُتَّهمُوا بإثارة الفِتَن في المجتمعات !

كلمة سواء 16.01.2011 14:30

هل يقبلُ اللَّه عُذر من ماتَ على غير الإسلام ؟

أمَّا مَنْ ماتَ على غير دين , فماذا سيكون عُذْره عندما يقف أمام اللَّه يوم الحساب , بعد أن عاش طول حياته يَمشي في أرضه , ويأكل من رزقه , ويتنعَّم بنِعَمه التي لا تُحصَى , من هواء وسمع وبَصر ونُطق وغير ذلك , دون أن يَجد إلزامًا على نفسه أن يبحث عن هذا الخالق لِيَشكُره ؟!
ألا يُعتبر هذا مُنتهى الجحود وسوء الخلُق ؟! هل تقبلُ أنت أن تُقدِّم خِدْمةً لِأَحدٍ مَا , ثمَّ عِوَض أن يشكُرك , يُقابلك بالنُّكْران والإساءة , أو يُعرض عنك ويشكر أحدًا غيرك ؟! هل من المعقول أن يعيش الإنسان طيلة حياته يعملُ ويأكلُ وينام ويلهُو , دون أن يَجد الوقت لكي يبحثَ عمَّن خلَقَه ؟!
لا , غير معقول ! وليس لهؤلاء أيّ عذر إذا ماتُوا على كُفرهم .

وأمَّا مَنْ مات نصرانيًّا أو يهوديًّا , بعد نُبُوَّة محمَّد صلَّى اللَّه عليه وسلَّم , أو كان يعبدُ شيئًا آخر غير اللَّه , فأين كان عقلُه ومنطقُه ؟! ولماذا لم يبحث في حياته عن الدِّين الحقِّ كما كان يبحثُ عن الطَّعام والرِّزق ؟! وهل يُعقَل أنَّه لم يسمع طول حياته بالإسلام ؟!
إنَّ وسائل الإعلام تَملأ كلَّ الدّنيا في عصرنا هذا , وأغلب الظَّنِّ أنَّ كلَّ النَّاس تقريبًا سمعوا بالإسلام . لكنَّ أكثر هؤلاء لم يُكلِّفُوا أنفسهم عناء التَّعرُّف عليه , على الأقلّ للتَّثبُّت من مدى صحّة معتقداتهم . ولو اطَّلَعوا على القرآن الكريم بلُغَته العربيَّة , أو ترجمة معانيه باللُّغات الأخرى , لَكَفاهم ذلك لِلوصول إلى الحقيقة . وواللَّهِ الذي لا إله غيرُه , لو أنَّ أيَّ إنسان بَحثَ بصدق عن الدِّين الحقِّ , لَهَداه اللَّه تعالى إليه , بعدله ورحمته .
ليس لهؤلاء إذًا أيّ عذر أمام اللَّه يوم القيامة .
وهنا لا بُدَّ من ملاحظة شيء هامّ : إنَّ مجرَّد القول بأنَّ محمَّدًا نبيٌّ مثل إبراهيم وموسى وعيسى , وأنَّ الإسلام دينٌ مثل اليهوديَّة والمسيحيَّة , هذا القول لا يُنجي صاحبه من الخلود في النَّار يوم القيامة , إذا لم يدخل هذا الشَّخصُ فعْلاً في الإسلام وينطق بالشَّهادتين .

وأمَّا مَن لم تبلُغه دعوةُ الإسلام , أو وَصلَتْه بصورة مُشَوَّهة , أو الذي مات صغيرًا من أبناء الكفَّار , أو المجنون , أو غير ذلك من الحالات الخاصَّة , فإنَّ أمْرَهُم إلى اللَّه يوم القيامة , يَحكُم فيهم بما يشاء . وعلى كلِّ حال , فالمؤكَّد أنَّ اللَّهَ تعالى لن يُعامِلَهم مثل معامَلَته لِمَن بلَغَتْهُ دعوةُ الإسلام فأعرضَ عنها , لأنَّ اللَّه لا يظلم أحدًا من خلقه . يقول تعالى : { إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ 44 } (10- يونس 44) .

أمَّا أنت أيُّها القارئ الكريم , فلَم يَعُد لك أيُّ عُذر بعد الآن إذا متَّ على غير الإسلام , لأنَّ الدَّعوة إليه قد بَلَغَتْكَ فعْلاً عن طريق هذا الكتاب ! أرجُو اللَّهَ أن يشرح صدركَ لهذا الدِّين العظيم .

كلمة سواء 16.01.2011 14:31

وماذا عن الذي سخَّر حياته لفعل الخير ؟!

أليسَ من الظُّلم أن يُعذِّبه اللَّهُ بالخلود في النَّار إذا مات على غير الإسلام ؟!
قبل الإجابة على هذا السُّؤال , لِنَستمعْ لهذا الحديث الذي رواه ابن حبَّان في صحيحه عن الأسود بن سريع رضي اللَّه عنه , قال : قال النَّبيُّ (محمَّد) صلَّى اللَّه عليه وسلَّم : أربعةٌ يَحتجُّون يومَ القيامة : رجلٌ أصَمّ , ورجلٌ أحمق , ورجلٌ هرم , ورجلٌ مات في الفترة . فأمَّا الأصمّ فيقول : يا ربّ , لقد جاء الإسلام وما أسمعُ شيئًا . وأمَّا الأحمقُ فيقول : ربِّ , قد جاء الإسلامُ والصِّبْيانُ يَحْذفُونَني بالبَعر . وأمَّا الهرم فيقول : ربِّ , لقد جاء الإسلامُ وما أعْقِل . وأمَّا الذي مات في الفترة فيقول : ربِّ , ما أتاني لك (أي منك) رسول . فيأخُذُ مَواثيقَهم لَيُطيعُنَّه , فيُرسلُ إليهم رسولاً أن ادخُلُوا النَّار . قال : فَوَالذي نَفْسي بيَدِه , لو دَخلُوها كانت (أي لَكانَتْ) عليهم بَرْدًا وسلامًا . (صحيح ابن حبّان – الجزء 16 – ص 356 – رقم الحديث 7357) .
وروى أبو يعلَى في مُسنَده عن أنَس بن مالك رضي اللَّه عنه , أنَّ النَّبيَّ محمَّدًا صلَّى اللَّه عليه وسلَّم قال : يُؤتَى بأربعةٍ يومَ القيامة : بالمولود , وبالمعتُوه , وبِمَنْ ماتَ في الفترة , والشَّيخ الفاني , كلُّهم يتكلَّم بِحُجَّته . فيقولُ الرَّبُّ تباركَ وتعالَى لِعُنق من النَّار : ابرُزْ . ويقول لهم : إنِّي كنتُ أبعثُ إلى عبادي رُسُلاً من أنفُسِهم , وإنِّي رسولُ نَفْسي إليكُم , ادخُلُوا هذه (أي هذه النَّار) ! فيقولُ مَنْ كُتِبَ عليه الشَّقاء : يا رَبِّ , أنَّى نَدْخُلها ومنْها كُنَّا نَفِرّ ؟!
ومَنْ كُتِبَتْ عليه السَّعادة يَمضي , فيَقْتحمُ فيها مُسرعًا .
فيقولُ اللَّهُ تبارك وتعالى (لِمَنْ رَفَضُوا دخول النَّار) : أنْتُم لِرُسُلي أشَدّ تكذيبًا ومَعْصِيَة .
فيدخُلُ هؤلاء الجنَّة (أي مَن أطاع واقتحم في النَّار) , وهؤلاء النَّار (أي مَن عَصَى) . (مسند أبي يعلى – الجزء 7 – ص 225 – رقم الحديث 4224) .
فمِنْ عَدْل اللَّه إذًا ورحمته أنَّه لا يُعذِّبُ أحدًا من عباده حتَّى يُقيم عليه الحُجَّة , إمَّا في الدُّنيا أو في الآخرة ! والذين ماتُوا قَبْلَ أن تبلُغهم فعْلاً دعْوةُ الإسلام , سَيُمتَحنون في الآخرة كما امتُحِنَ غيرُهم في الدُّنيا . فمَنْ أطاع كان من أهل الجنَّة , ومَن عصَى دخلَ النَّار خالدًا فيها .
أليسَ هذا مُنتهَى العدل ؟!

وأمَّا مَنْ بلَغَتْه دعوةُ الإسلام فأعرض عنها وأصرَّ على البقاء على المسيحيَّة أو اليهوديَّة أو الإلحاد أو غير ذلك , فهو الذي ظلَم نفسَه في هذه الحالة لأنَّه عانَد وتكبَّر , وسيكون مصيره بلا شكّ : الخلود في جهنَّم .
وبِمَا أنَّ اللَّهَ أكْرم وأعدل مِن أن يظلم مثقال ذرَّة من خير عمِلَه عبدٌ من عباده , فكلُّ مَا يَفعلُه الكافرُ من خير , يُجازيه اللَّهُ تعالى عليه إمَّا في الدُّنيا أو في الآخرة أو في الاثنين معًا .
أمَّا في الدُّنيا , فَيُوَسِّعُ عليه في الرِّزق , أو يَصرف عنه بعض المصائب , أو يُعطيه من الخير ما تمنَّى , أو غير ذلك .
وأمَّا في الآخرة , فيُخفِّفُ عنه العذاب . فالنَّارُ دركات , والجنَّة درجات . يقول اللَّه تعالى مثلاً في منزلة المنافقين : { إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا 145 } (4- النّساء 145) .

لا يَضيعُ إذًا أيُّ شيء في ميزان اللَّه , سواء كان العبدُ مسلمًا أو كافرًا . يقول اللَّه تعالى : { فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ 7 وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ 8 } (99- الزّلزلة 7-8) .
فهل هناك أعدل من اللَّه ؟!

كلمة سواء 16.01.2011 14:31

إنَّ اللَّه لا يغفر أن يُشرَك به



ربَّما تقول سيِّدي الفاضل : ولكنَّ النَّصارى واليهود يعبدون اللَّه , فلماذا يكون مصيرُهم إلى النَّار خالدين فيها مثل الملحدين والظَّالمين والقَتَلَة ؟!
استمعْ إذًا لِمَا يلي : يقول اللَّه تعالى في القرآن الكريم : { إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا 48 } (4- النّساء 48) .
فأعظمُ الذُّنوب عند اللَّه : أن يُشرَك في عبادته شيءٌ آخر .
والنَّصارى أشركُوا مع عبادة اللَّه : عبادتَهُم للمسيح عليه السَّلام , وادِّعاءَهم أنَّه ابنُ اللَّه . بينما اليهود ادَّعَوْا مِن قبلُ أنَّ العُزَيرَ ابنُ اللَّه , ثمَّ نسبُوا إلى اللَّه سبحانه نَقائص لا تليقُ بكَمَاله , ونَسبُوا لأنبيائه أيضًا نقائص لا تليق بهم , وقد عَرَضْنا أمثلةً لذلك . فأيُّ ظُلم أكبر من هذا ؟! يقول اللَّه تعالى : { وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ 30 اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ 31 } (9- التّوبة 30-31) .
فهل تقبلُ أنتَ أن تُنفِق على أطفالكَ حتَّى يكبروا , وتُوَفِّر لهم كلّ ما يحتاجوه من مأكل وملبس ورعاية , ثمَّ بعد ذلك يَشْتموك , أو يَنْسبُوا الفضلَ في ما وصلُوا إليه إلى شخص آخر غيرك ؟!
طبعًا لا تَقْبل ! فكيف تريدُ إذًا من الخالق سُبحانه أن يقبل أن ينتقص اليهودُ مِن صفاته بعد أن عَرفوها , وأن يستهزئُوا بأنبيائه ويُحرِّفُوا توراته ؟! وكيف تريده أن يقبل أن ينسب إليه النَّصارى ابنًا , ثمَّ يعبُدوا الابنَ المزعوم وينسبُوا إليه كلَّ الفضل , ويتركُوا الخالق ؟! أليس هذا مُنتهى الظُّلم ؟!
وقد روى الطَّبراني في مسند الشَّاميِّين عن أبي الدَّرداء رضي اللَّه عنه , أنَّ رسولَ اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم قال : قال اللَّه عزَّ وجلَّ : إنِّي والجِنَّ والإنسَ في نَبَأ عظيم , أخلُقُ ويُعْبَدُ غَيْري , وأرزُقُ ويُشْكَرُ غَيْري ! (مسند الشّاميّين – الجزء 2 – ص 93 – رقم الحديث 974) .

ومِثْلُ هؤلاء في الظُّلم : مَنْ يَدْعُو إلى فصل الدِّين والخالق عن الحياة , ويحتجُّ قائلاً : ما ضرورةُ الدِّين , إذا كنتُ أسعَى لِنَشْر المحبَّة والسِّلْم بين النَّاس ؟!
فهل تقبلُ أنت أن يترُكَك أطفالُكَ جانبًا ويعزلوك عن حياتهم ولا يذكُرونَك مُطلَقًا , بدَعوى أنَّهم على كلِّ حال يَعملُون لإحلال السِّلْم في هذا العالَم ؟‍!
واللَّهِ الذي لا إله غيرُه , لو حصل أطفالُك على عشرات الأَوْسمة من المنظَّمات الإنسانيَّة , ولو أجمعَ كلُّ النَّاس على أنَّهم أفرادٌ يَستحقُّون التَّقدير والإعجاب , لَمَا أطفأ ذلكَ غضبكَ الشَّديد عليهم بسبب تَنَكُّرهم لكَ ! بل لو علِمَ النَّاسُ بِجُحود أطفالك لك , لأنكَرُوا عليهم ذلك , ولَرُبَّما جرَّدُوهم من كُلِّ الأَوْسمة التي حصلُوا عليها .
فما بالُكَ بِمَنْ يُنعِمُ عليه اللَّهُ تعالى بأرضٍ يعيشُ فوقها , وهواء يتنفَّسُه , وشمس تُدفئُه , وعَقْل يُفكِّر به , وحواسّ , وجوارح , وغير ذلك , ثمَّ يَتَنكَّرُ لِخالقه ولا يعبدُه , بدَعْوى أنَّه على كلِّ حال يَسْعَى لِنَشر المحبَّة بين النَّاس ؟!

واجبٌ إذًا على كلِّ إنسان يَملكُ ذرَّةً مِن أخلاق أن يَنسب الفَضْلَ لِصاحبه , فيعترف بنِعَم اللَّه التي لا تُحصَى عليه , ويعبُده وحده ولا يُشرك به شيئًا , ويتَّبع دينَه الذي ارتضاه له , ويؤمن بجميع أنبيائه , ويمتثل لأوامره . باختصار : واجبٌ على كلِّ إنسان أن يكون مسلِمًا لِيُحقِّقَ هذه الأمور .

كلمة سواء 16.01.2011 14:31

الإسلام شرطٌ لدخول الجنَّة


نعم , وكم ستكون كبيرة خيبةُ أمل النَّصارى واليهود وكلّ مَن أشرك شيئًا آخر مع اللَّه أو عبدَ غيره , وكم ستكون حسرتُهم عظيمة يوم القيامة عندما يُذهبُ بهم إلى النَّار , وقد كانُوا يَظنُّون أنَّهم سيُقابَلُون بالحفاوة والتَّكريم والجنَّة ! يقول اللَّه تعالى : { وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ 39 } (24- النّور 39) .
ويقول تعالى : { مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ لا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلَى شَيْءٍ ذَلِكَ هُوَ الضَّلالُ الْبَعِيدُ 18 } (14- إبراهيم 18) .
ويقول تعالى : { يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلائِكَةَ لا بُشْرَى يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ وَيَقُولُونَ حِجْرًا مَحْجُورًا 22 وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا 23 } (25- الفرقان 22-23) .
وهذا لا يتنافَى مع ما ذكرناهُ سابقًا من أنَّ الكُفَّار سيُجازَون على عملهم الصَّالح , إمَّا في الدُّنيا أو في الآخرة . لكنَّ هذه الآيات تُبيِّن أنّ عملَهم هذا لَن يَشفع لهم لدخُول الجنّة . وكم ستكونُ خيبةُ أملِهم كبيرة لأنَّهم كانُوا يَنتظرون أن يُستقبَلُوا بالحفاوة والتَّكريم والمدح , تقديرًا لِمَا فعلُوا في الدُّنيا من أعمال خيريَّة أو خدمات لصالح الوطن أو غير ذلك , فوَجدُوا عكس ذلك تمامًا , ثمَّ انتهى بهم المطاف إلى الخلود في النَّار !

كلمة سواء 16.01.2011 14:32

وهل سيدخلُ المسلم العاصي إلى النَّار ؟!

يومَ القيامة سيُنصَبُ ميزانٌ لِوَزن أفعال كلّ إنسان , فمَنْ رجحتْ سيِّئاتُه من المسلمين ولَم تَنَلْهُ شفاعةُ الشّافعين , فإنَّه يُعذَّبُ في النَّار ما شاء اللَّه , ثمَّ يدخلُ الجنَّة . الفرقُ إذًا بين المسلم وغير المسلم هنا , أنَّ الأوَّل إذا عُذِّب في النَّار بذُنوبه فإنَّه لا يُخلَّد فيها , بل يدخُل فيما بعدُ إلى الجنَّة , بينما الثَّاني يُخلَّد في النَّار ولا يدخلُ الجنَّة أبدًا .
وإنَّ من عَدْل اللَّه تعالى أنَّه يوم القيامة سيقتصُّ لِكُلِّ ظالم مِمَّن ظلَمَه , حتَّى لو كان الظَّالم مسلمًا والمظلوم كافرًا !
نعم , يقول تعالى في القرآن الكريم : { وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ 47 } (21- الأنبياء 47) .
ويُفصِّل لنا النَّبيُّ محمَّد صلَّى اللَّه عليه وسلَّم هذا القِصَاص , في حديث رواه البَيْهقي في سُنَنه عن أبي هُرَيْرة رضي اللَّه عنه , أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللَّه عليه وسلَّم قال : أتَدْرونَ مَن المفْلِس ؟ قالُوا : المفْلِس فينا مَنْ لا دِرهَم له ولا مَتاع . فقال : إنَّ المفْلِس مِن أمَّتي يأتي يومَ القيامة بصلاة وصيام وزكاة , ويأتي قد شَتَم هذَا , وقذفَ هذا , وأكلَ مالَ هذا , وسفَكَ دَمَ هذا , وضربَ هذا , فَيُعطَى هذا من حَسَناته , وهذا من حَسَناته , فإن فَنِيَتْ حَسَناتُه قبل أن يُقضَى عنه ما عليه , أخذَ من خطاياهُم فطُرحَتْ عليه , ثمَّ طُرح في النَّار . (سنن البيهقي الكبرى – الجزء 6 – ص 93 – رقم الحديث 11284) .
نعم , الذي طُرح في النَّار هنا هو مسلمٌ كان يُؤدِّي فرائضَ اللَّه من صلاة وصيام وزكاة , ولكنَّه نسيَ أنَّ اللَّه العادلَ لن يتركَه قبل أن يُحاسبه على ظُلْمِه لتلك المرأة المسلمة , وسَرقته لِمَال ذلك النّصراني , وضَرْبه لذلك اليهودي , وشهادته زورًا ضدَّ ذلك الملْحِد .
فهل هناكَ أعدل من اللَّه ؟!

قد تقول : ولكن ما الَّذي سيستفيدهُ الكافرُ يومَ القيامة من الاقتصاص له من المسلم , وماذا سيفعلُ بالحسنات التي ستُضاف إلى ميزانه بِمَا أنَّه سيُخلَّد في النَّار ؟!
أقول : سيرتاح نفسيًّا لأنَّه أخذ أخيرًا حقَّه مِمَّنْ ظلَمَه , وسيُخفَّف عنه العذابُ بهذه الحسنات , لأنَّ النَّارَ دركَاتٍ كما ذكَرْنَا .

كلمة سواء 16.01.2011 14:33

لا إكراه في الدِّين



قد تقولين سيِّدتي الكريمة : ولكنَّني , مع كلِّ ما ذَكَرْتَه حتَّى الآن , لا أريد أن أدخُلَ في الإسلام . فهل يُمكنُ لأحدٍ أن يُجبرني على ذلك ؟!
أقول : طبعًا لا ! وحتَّى لو كنتِ تعيشين في بلَدٍ أهلُه مسلمُون , لا أحد يستطيع أن يفرضَ عليكِ اعتناقَ الإسلام . يقول اللَّه تعالى : { لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ 256 } (2- البقرة 256) . ففي هذه الآية إعلانٌ صريح بأنَّ الإسلام لا يُكْرِه أحدًا على الدُّخول فيه .
ذلكَ أنَّ المسلم مُطالَبٌ بدَعْوة النَّاس إلى دينه بالحكمة واللِّين , كما قال تعالى : { ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ 125 } (16- النّحل 125) .
أمَّا النَّتيجة , فيترُكها للَّه , لأنَّه هو وحده الذي بيده الهداية . يقول تعالى : { وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ 4 } (14- إبراهيم 4) . ويقول تعالى : { إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ 56 } (28- القصص 56) . ويقول تعالى : { لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنْفُسِكُمْ وَمَا تُنْفِقُونَ إِلاَّ ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ 272 } (2- البقرة 272) .
وعلى هذا , فلا يَحِقُّ للمسلم أن يتعرَّض لغير المسلمين بالسُّوء , سواء بالقول أو بالفعل , بِحُجَّة أنَّهم امتنعُوا عن الدُّخول في الإسلام . بل إنَّ الإسلام يُحرِّم تحريمًا قاطعًا على المسلم أن يغشَّ غيرَ المسلم في بيعٍ أو تجارة , أو يسرق منه شيئًا , أو يشتغل عنده فيَخُونه , أو يكذب عليه , أو يسكن في بلَدٍ لا يَدينُ بالإسلام فيَسرق من المغازات , ويركب الحافلة دون أن يدفع ثمن التَّذكرة , ويُخرِّب الممتلكات العامَّة , كلُّ ذلك بدَعْوى أنَّ أهل هذا البلد كفَّار !
ولا يكتفي الإسلام بتحريم هذه الأفعال , بل يحُثُّ المسلمَ أن يتحلَّى بالأخلاق العالية مع كلِّ النَّاس , أيًّا كانت عقيدتهم ! مِن ذلك أن يزور صديقَه النّصراني إذا مرض , ويُعين جارَه اليهودي بالمال إذا ضاق به الحال , ويُقدِّم هديَّة إلى زميله الملحد في العمل بمناسبة زواجه , وينصح زميله الآخر بِمَا يراه منفعة له .

نعم , هذا هو الإسلام , وهذه أخلاق المسلم !


كلمة سواء 16.01.2011 14:33

ولكن , أليس الإسلام دين إرهاب ؟!



أبدًا ! فهل يُعقَل أن يَشترِطَ اللَّهُ تعالى لِدُخول الجنَّة أن يكُون المسلمُ تقيًّا وعلى قدْر عالٍ من الأخلاق , ثمَّ يأمره بالاعتداء على كلِّ مَن خالَفه في الدِّين ؟!
إطلاقًا ! يقول اللَّه تعالى : { لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ 8 إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ 9 } (60- الممتحنة 8-9) .
قال الإمام الطَّبري في تفسير الآية 8 : أي لا ينهاكُم اللَّهُ عن الذين لم يُقاتِلُوكم في الدِّين , مِن جميع أصناف المِلَل والأديان , أن تَبَرُّوهم وتَصِلُوهم وتُقسِطُوا إليهم .
وإذا كان الإسلام يُحرِّم , كما ذكَرْنا سابقًا , الاعتداءَ بالقول أو بالفعل على غير المسلمين بدَعْوى أنَّهم كُفَّار , فهو يُشَدِّدُ التَّحريم عندما يتعلَّق الأمرُ بإيذاء غير المسلمين الذين لهم مُعاهدات مع المسلمين أو الذين يعيشون في البلدان الإسلاميَّة . فقد روى أبو داود في سُنَنه عن صفوان بن سليم عن عدد من أبناء أصحاب رسول اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم , أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللَّه عليه وسلَّم قال : ألاَ مَنْ ظَلَم مُعاهِدًا , أو انتقَصَه , أو كلَّفَه فوق طاقَته , أو أخذَ منه شيئًا بغَيْر طِيب نَفْس , فأنا حجيجُه يومَ القيامة . (سنن أبي داود – الجزء 3 – ص 170 – رقم الحديث 3052) .
وروى الإمام البخاري في صحيحه عن عبد اللَّه بن عمرو رضي اللَّه عنه , أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللَّه عليه وسلَّم قال : مَنْ قَتَل مُعاهِدًا لَمْ يرحْ رائحةَ الجنَّة , وإنَّ ريحَها تُوجَد من مَسيرة أربعين عامًا . (الجامع الصّحيح المختصر – الجزء 3 – ص 1155 – رقم الحديث 2995) .
وعلى هذا , فإنَّ الإسلام بريء من كلِّ التَّفجيرات التي تَستهدفُ غيرَ المسلمين الذين يعيشون آمنين في بُلدانهم , أو يعيشُون مُسالِمين في ضيافة البُلدان الإسلاميَّة . بل إنَّ التَّاريخ يشهد أنَّ غيرَ المسلمين كانُوا يُلاقُون أفضل المعاملة في ظلِّ الخلافة الإسلاميَّة .

ثمَّ إنَّ كلَّ الأنبياء والرُّسُل بعثَهم اللَّه جميعًا , ليس لِتَرْويع النَّاس وإرهابهم , وإنَّما لِدَعْوَتهم إلى دينه بالحكمة والموعظة الحسَنَة . حتَّى الطُّغاة يجبُ دعوتُهم إلى دين اللَّه بالرِّفق واللِّين ! يقول اللَّه تعالى مخاطبًا نبيَّه موسى عليه السَّلام : { اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى 17 فَقُلْ هَلْ لَكَ إِلَى أَنْ تَزَكَّى 18 وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى 19 } (79- النّازعات 17-19) .
وواللَّهِ إنَّ كلَّ مسلم لَيَفرح أشدَّ الفرح عندما يَهدي اللَّهُ على يديه رجلاً أو امرأة إلى الإسلام , لأنَّه يشعُر حقيقةً أنَّه كان سببًا في إنقاذ هذا الشَّخص من الخلود في النَّار . وقد روى الإمام أحمد في مُسنَده عن أنَس بن مالِك رضي اللَّه عنه , أنَّ غلامًا يهوديًّا كان يضَع للنَّبيِّ (محمَّد) صلَّى اللَّه عليه وسلَّم وُضوءه ويُناوله نَعْلَيْه , فمَرِض . فأتاهُ النَّبيُّ فدخلَ عليه , وأبُوه قاعدٌ عند رأسه , فقال له النَّبيُّ (أي قال للغلام) : يا فُلان , قلْ لا إله إلاَّ اللَّه . فنظَرَ إلى أبيه , فسَكَت أبوه , فأعاد عليه النَّبيُّ صلَّى اللَّه عليه وسلَّم , فنظَرَ إلى أبيه , فقال أبوه : أَطِعْ أبا القاسِم ! فقالَ الغلام : أشهدُ أن لا إله إلاَّ اللَّه وأنَّكَ رسولُ اللَّه . فخرج النَّبيُّ صلَّى اللَّه عليه وسلَّم (من عنده) وهو يقول : الحمدُ للَّه الذي أخْرجه بي من النَّار . (مسند الإمام أحمد بن حنبل – الجزء 3 – ص 175 – رقم الحديث 12815) .

فهل يُعقَل بعد هذا أن نقول أنَّ الإسلام دين إرهاب وتفجيرات ؟! واللَّهِ إنَّه دعوةٌ للرَّحمة والتَّعاون ونَشْر الفَضيلة بين كلِّ البشَر . وستزداد معرفتك به , سيِّدي الفاضل , عند قراءتك للأجزاء الأخرى


جميع الأوقات حسب التوقيت الدولي +2. الساعة الآن 07:34.

Powered by vBulletin® Version 3.8.7
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.