منتديات كلمة سواء الدعوية للحوار الإسلامي المسيحي

منتديات كلمة سواء الدعوية للحوار الإسلامي المسيحي (https://www.kalemasawaa.com/vb/index.php)
-   تعرف على الإسلام من أهله (https://www.kalemasawaa.com/vb/forumdisplay.php?f=132)
-   -   أما آن لك أن تعتنق الإسلام دين كل الأنبياء؟! (https://www.kalemasawaa.com/vb/showthread.php?t=12209)

كلمة سواء 16.01.2011 14:18

القرآن الكريم , معجزة كلّ الأزمان !



ليس هناك أيّ وَجْه مقارنة بين القرآن الكريم , وبين توراة اليهود وأناجيل النَّصارى , لا في الأسلوب ولا في المحتوى ! فالقرآن كتابٌ مُقدَّس فريدٌ من نوعه , مُعجِزٌ ببلاغته ومحتَوى آياته , وهو دليلُ الإنسان في كلِّ مجالات حياته , في كلِّ البلدان وكلِّ الأزمان إلى قيام السَّاعة !
وبخلاف الكُتب السَّماويَّة السَّابقة التي بُدِّلَتْ وحُرِّفت , فإنَّ القرآن قد تكفَّل اللَّهُ سبحانه بحفظه , ليكون شاهدًا على وجود الخالِق , وليكون منهاجًا لِخَلْقِه إلى آخر الزَّمان , لأنَّه لا نبيَّ بعد محمَّد صلَّى اللَّه عليه وسلَّم . يقول اللّه تعالى : { إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ 9 } (15- الحجر 9) . والمقصود بالذِّكْر هنا : القرآن الكريم , تعهَّد اللَّهُ بحفظه . فهل يستطيع أيُّ مخلوق بعد هذا أن يُبدِّل أو يحرِّف كلمة واحدة منه ؟!
إطلاقًا ! ولو اجتمعتْ على ذلك الإنسُ والجنّ . فإذا كان اللَّه تعالى قد استطاع بقُدرته حفظَ السَّماوات والأرض من الوقوع منذ مليارات السِّنين , فهل يُعجزهُ أن يَحفظ القرآن من التَّحريف بعد أن تعهَّد بذلك ؟!
أبدًا ! والدَّليل أنَّك تطوفُ العالَم اليوم شبرًا شبرًا , فلا تجدُ إلاَّ قرآنًا واحدًا , هو بالضَّبط الذي أَنزلَه اللَّهُ تعالى , بواسطة الملَك جبريل عليه السَّلام , على النَّبيِّ محمَّد صلَّى اللَّه عليه وسلَّم منذ حوالي 1400 سنة .
ثمَّ إنَّ الآيات التي عرضتُها عليك من قبل , والتي تُشير إلى حقائق علميَّة دقيقة لم يستطع العلماءُ الوصول إليها إلاَّ منذ وقت قريب وبعد سنوات من التَّجارب الدَّقيقة والملاحظة المستمرَّة , هذه الآيات لا تَدَعُ مجالاً للشَّكِّ في أنَّ هذا القرآن وحيٌ من عند اللَّه , وأنَّه لم يَدخُلْ عليه أيّ تغيير أو تبديل , وأنَّ كلّ ما جاء فيه حقٌّ . يقول اللَّه تعالى : { إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جَاءَهُمْ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ 41 لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ 42 } (41- فصّلت 41-42) .
ذلك أنَّ اللَّه تعالى لَمَّا بعثَ أنبياءَه أيَّدَهم بمعجزات تتناسب مع أَزْمانهم :
فالنَّبيُّ موسى عليه السَّلام بُعِثَ في عصْرٍ اشتهَر بانتشار السّحْر وتقدُّم السَّحَرة في هذا المجال , فأيَّده اللَّهُ تعالى بعصا , تحوَّلَتْ بإذنه (أي بإذن اللَّه) إلى حيَّة , وأبطَلَتْ حِيَل كبَار السَّحرة . ويَحكي لنا القرآنُ تفاصيل هذه الحادثة بأسلوبه الفريد الذي يشهد لِوَحده أنَّه كلام اللَّه , فيقول متحدِّثًا عن فرعون : { وَلَقَدْ أَرَيْنَاهُ آيَاتِنَا كُلَّهَا فَكَذَّبَ وَأَبَى 56 قَالَ أَجِئْتَنَا لِتُخْرِجَنَا مِنْ أَرْضِنَا بِسِحْرِكَ يَا مُوسَى 57 فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِثْلِهِ فَاجْعَلْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ مَوْعِدًا لا نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلا أَنْتَ مَكَانًا سُوًى 58 قَالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى 59 فَتَوَلَّى فِرْعَوْنُ فَجَمَعَ كَيْدَهُ ثُمَّ أَتَى 60 قَالَ لَهُمْ مُوسَى وَيْلَكُمْ لا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذَابٍ وَقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَى 61 فَتَنَازَعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوَى 62 قَالُوا إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ يُرِيدَانِ أَنْ يُخْرِجَاكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِمَا وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلَى 63 فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ ثُمَّ ائْتُوا صَفًّا وَقَدْ أَفْلَحَ الْيَوْمَ مَنِ اسْتَعْلَى 64 قَالُوا يَا مُوسَى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَى 65 قَالَ بَلْ أَلْقُوا فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى 66 فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى 67 قُلْنَا لا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلَى 68 وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى 69 فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّدًا قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى 70 قَالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَابًا وَأَبْقَى 71 قَالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا 72 إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى 73 إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِمًا فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لا يَمُوتُ فِيهَا وَلا يَحْيَى 74 وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِنًا قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُولَئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلَى 75 جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ مَنْ تَزَكَّى 76 } (20- طه 56-76) .
فكِبارُ السَّحرة الذين جَمَعَهُم فرعونُ لِنُصْرته رأَوْا بأَعيُنهم , وهم المتخصِّصون في هذا الميدان , أنَّ العملَ الذي قام به موسى عليه السَّلام يستحيلُ أن يكون سحرًا , وإنَّما هو معجزةٌ أيَّده اللَّهُ تعالى بها . فلم يتردَّدوا في الإيمان بموسى وبخالقه , بالرَّغم من تهديد فرعون ووعيده لهم !

وأمَّا النَّبيُّ عيسى عليه السَّلام , فقد بعثه اللَّه تعالى في عصْرٍ تَطوَّر فيه الطِّبُّ , فأيَّده بقُدرات غير عاديَّة على مداواة الحالات المرَضيَّة المستعصِيَة وحتَّى إحياء الموتى , كلُّ ذلك بإذن اللَّه . يقول تعالى مفصِّلاً هذه المعجزة : { إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلَى وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدْتُكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنْفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِي وَتُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتَى بِإِذْنِي وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرائيلَ عَنْكَ إِذْ جِئْتَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ إِنْ هَذَا إِلاَّ سِحْرٌ مُبِينٌ 110 } (5- المائدة 110) .
كلُّ قُدُرات عيسى عليه السَّلام كانت إذًا معجزات من عند اللَّه تعالى . فإذا كان النَّصارى قد اتَّخَذُوا من هذه المعجزات سببًا لِتَأليه المسيح وادِّعاء أنَّه ابنُ اللَّه , فلماذا لا يكون إبراهيمُ عليه السَّلام كذلك وقد رُميَ في النَّار فخرج منها سالِمًا ؟! ولماذا لا يكون موسى عليه السَّلام كذلك وقد ضَرب البحرَ بعصاه فانفلق إلى نصفين , فاخترقَه هو وأتباعُه فلم يغرقوا , وتبعهم فرعونُ وجنوده فغرقوا ؟!
بل , هل يَقبل العقل والمنطق أن يكون لِخَالق هذا الكون الهائل ابنٌ أو زوجة ؟! تعالى اللَّه عمَّا يقول الظَّالمون علُوًّا كبيرا !

أمَّا محمَّد صلَّى اللَّه عليه وسلَّم , فقد بعثه اللَّهُ تعالى في عصْر البلاغة والفصاحة , فأيَّده بالقرآن الكريم الذي أَعجز الفُصحاءَ والأدباءَ والشُّعراء في ذلك الوقت . وإذا كانت معجزةُ كلُّ نبيٍّ قد انقطعت بموته , فإنَّ معجزة محمَّد صلَّى اللَّه عليه وسلَّم خالدة إلى قيام السَّاعة ! يقول اللَّه تعالى متحدِّثًا عن الكفَّار : { وَقَالُوا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَاتٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّمَا الْآياتُ عِنْدَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ 50 أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ 51 قُلْ كَفَى بِاللَّهِ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ شَهِيدًا يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالَّذِينَ آمَنُوا بِالْبَاطِلِ وَكَفَرُوا بِاللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ 52 } (29- العنكبوت 50-52) .
فالكفَّارُ مِن قَوْم محمَّد صلَّى اللَّه عليه وسلَّم طَلبُوا منه أن يُريهم مُعجزات ملموسة , كما فعل الأنبياء مِن قبله , لِيَتحقَّقُوا أنَّه مبعوثٌ من عند اللَّه . فأجابهم اللَّهُ تعالى بأنَّ القرآنَ الكريم كافٍ وحده ليكُون معجزةً لهم خاصَّة , وللنَّاس عامَّةً في كلِّ الأزمان .

ولو طلبنا اليومَ من نصراني أن يُرينا كيف كان المسيح عليه السَّلام يُبرئ الأبرص ويُحيي الموتى , لَعَجز عن ذلك . وكذا الحالُ لو طلبنا من يهودي أن يُرينا كيف كانت عصا موسى عليه السَّلام تتحوَّل إلى حيَّة .
أمَّا لو طلبنا من مسلم أن يُرينا معجزة محمَّد صلَّى اللَّه عليه وسلَّم , فسَيَجِدُها دون تعب ! إنَّها القرآنُ الكريم الذي سَحَر ببلاغته فُصحاء العرب في كلِّ عصر , وبَهَر بمحتواه كلَّ النَّاس . فهو فعلاً مَرْجعٌ في الأخلاق , والعلاقات الاجتماعيَّة , والمعاملات الماليَّة , والقضاء , وأخبار السَّابقين , وأخبار العوالم الأخرى من ملائكة وجنٍّ وشياطين , والأخبار الغيبيَّة عن البعث والحساب . وها نحنُ اليوم في عصر العلم لا نزال حائرين أمام إعجاز القرآن العلمي في مختلف الميادين , وكذلك إعجازه البلاغي والتَّشريعي !




كلمة سواء 16.01.2011 14:20

كيف أُنزل القرآن الكريم ؟



أُنزلَ القرآنُ وحيًا باللُّغة العربيَّة , مِن اللَّه تعالى على النَّبيِّ محمَّد صلَّى اللَّه عليه وسلَّم , بواسطة الملَك جبريل عليه السَّلام . يقول اللَّه تعالى : { وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ 192 نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ 193 عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ 194 بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ 195 } (26- الشّعراء 192-195) .
ولم ينزل القرآنُ مرَّةً واحدة , وإنَّما نزلَ متفرِّقًا , بحسب الأحداث , على مدى 23 سنة . يقول اللَّه تعالى : { وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلاً 106 } (17- الإسراء 106) .
فكان النَّبيُّ محمَّد صلَّى اللَّه عليه وسلَّم يَحفظ ما أُنزل عليه من آيات , ثمَّ يتلُوها على أصحابه , فيَحفظونها في صدورهم ويكتبوها . وكان مِن بين أصحابه مَن كان مُكلَّفًا بكتابة الوحي , مثل : زيد بن ثابت وعبد اللَّه بن مسعود رضي اللَّه عنهما , فكانَ النَّبيُّ صلَّى اللَّه عليه وسلَّم يُملي عليهم ما يَنزلُ عليه من الآيات , فيكْتبوها فَوْر نُزولها .
ولا يمكن أن نشكَّ في جَوْدة حفْظ النَّبيِّ للقرآن , لأنَّ اللَّه تعالى تكفَّلَ بتحفيظه له ! يقول تعالى مخاطبًا إيَّاه : { لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ 16 إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ 17 فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ 18 ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ 19 } (75- القيامة 16-19) .
ذلك أنَّ الملَكَ جبريل عليه السَّلام كان يأتي إلى النَّبيِّ محمَّد صلَّى اللَّه عليه وسلَّم لِيُوحِي إليه آيات جديدة من القرآن , فكان النَّبيُّ يتعجَّلُ في ترديد ما يقرأه عليه الملَك حتَّى لا يَنسى أيَّ حرف منه . فطَمْأنه اللَّهُ تعالى في هذه الآيات بأنَّه تكفَّل بأن يجمع له القرآنَ في صدره فلا ينساه أبدًا , ويُبيِّن له معناه ويُوَضِّحه له . ما عليه إذًا إلاَّ أن يُنْصت إلى الملَك , ثمَّ يقرأ وراءه بكلِّ طمأنينة .
وكان للنَّبيِّ بعد ذلك موعدٌ سنوي مع جبريل عليه السَّلام , لِيَعرض عليه ما نزل حتَّى ذلك اليوم من القرآن . فقد روى الإمام أحمد في مُسْنَده عن ابن عبَّاس رضي اللَّه عنه , قال : كان رسولُ اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم يعرضُ القرآن في كلِّ رمضان على جبريل , فيُصبحُ رسولُ اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم مِن لَيْلَته التي يعرضُ فيها ما يعرض وهو أَجْوَد من الرِّيح المرْسَلَة , لا يُسألُ عن شيء إلاَّ أعطاه , حتَّى كان الشَّهر الذي هلكَ (أي تُوفِّيَ) بعده , عرضَ فيه عرضَتَيْن (أي مرَّتين) . (مسند الإمام أحمد بن حنبل – الجزء 1 – ص 326 – رقم الحديث 3012) .
ولَم ينزل القرآنُ بالتَّرتيب الحالي الذي نَعرفُه اليوم , وإنَّما كانت الآيات تنزلُ بِحَسَب الأحداث , فكان النَّبيُّ محمَّد صلَّى اللَّه عليه وسلَّم يقول لِكُتَّاب الوحي : ضَعُوا الآية كذا في موضع كذا من السُّورة كذا .
فقد روى الحاكم في مُستدركه عن عثمان بن عفَّان رضي اللَّه عنه , أنَّ رسول اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم كان يأتي عليه الزَّمان تنزلُ عليه السُّوَر ذوات عدد , فكان إذا نزلَ عليه الشَّيء يَدعُو بعضَ مَن كان يكتبُه , فيقول : ضَعُوا هذه في السُّورة التي يُذكَر فيها كذَا وكذَا , وتنزلُ عليه الآية فيقولُ : ضَعُوا هذه في السُّورة التي يُذكَر فيها كذَا وكذَا . (المستدرك على الصّحيحين – الجزء 2 – ص 241 – رقم الحديث 2875) .
ولَمَّا تُوفِّيَ النَّبيُّ صلَّى اللَّه عليه وسلَّم , كانَ المئاتُ من الصَّحابَة يحفظون القرآن كاملاً عن ظهر قَلْب . لكن وقعت معركةٌ شديدة في عهد الخليفة الأوَّل أبي بكر الصِّدِّيق , بين المسلمين وبين بعض العرب الذين التفُّوا وراء رجُلٍ اسمه مُسَيْلمة , ادَّعَى النُّبوَّة . فاستُشهِد في هذه المعركة , وهي معركة اليمامة , عدد كبير من حُفَّاظ القرآن , مِمَّا دَفعَ بالصَّحابي عمر بن الخطَّاب أن يَطلب من أبي بكر أن يَجمع القرآنَ في مصحف واحد مكتوب .
فقد روى البَيْهقي في سُنَنه عن زيد بن ثابت رضي اللَّه عنه , قال : بعثَ إليَّ أبو بكر رضي اللَّه عنه , مَقْتَل أهل اليمامة (أي إثر معركة اليمامة) , وعندهُ عُمَر (بن الخطَّاب) رضي اللَّه عنه . فقال أبو بكر : إنَّ عُمَر أتاني فقال : إنَّ القتل قد استحر (أي اشتدَّ وكَثُر) يَومَ اليمامة بقُرَّاء القُرآن , وإنِّي أخشَى أن يستحر القتلُ بقُرَّاء القرآن في المواطن كلِّها (أي في المعارك الموالية مع الكفَّار) فيذهب قرآنٌ كثيرٌ , وإنّي أرى أن تأمرَ بِجَمع القرآن . قلتُ : كيف أفعلُ شيئًا لَمْ يفعلْهُ رسولُ اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم ؟! فقال عمر : هو واللَّهِ خير . فلَمْ يَزلْ عُمَر يُراجعُني في ذلك حتَّى شرحَ اللَّهُ صدري لِلَّذي شرحَ له صدْرَ عُمَر , ورأيتُ في ذلك الذي رأى عُمَر .
قال زيد : ثمَّ قال لي أبو بكر : وإنَّك رجلٌ شابّ عاقل , لا نتَّهمُك , قد كنتَ تكتبُ الوحيَ لِرسول اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم , فَتَتَبَّعِ القرآنَ فاجمعهُ .
فَوَاللَّهِ لَو كَلَّفَني بنَقْلَ جبل من الجبال ما كانَ بأثْقَلَ عَلَيَّ مِمَّا كلَّفني من جمع القرآن ! فقلتُ : كيفَ تفعلان شيئًا لَمْ يفعلْهُ رسولُ اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم ؟! فقال أبو بكر : هو واللَّهِ خير . فلَمْ يَزلْ يُراجعُني في ذلك حتَّى شرحَ اللَّهُ صدري لِلَّذي شرح له صدْرَ أبي بكر وعُمر , ورأيتُ في ذلك الذي رأيَا . فتتبَّعتُ القرآنَ أجمعهُ من العسب والرِّقاع واللِّخاف وصدور الرِّجال , فوجدتُ آخر سورة التَّوبة : { لقد جاءكُم رسولٌ من أنفُسكُم ... } إلى آخر السُّورة , مع خُزيْمة وأبي خُزيمة , فألحَقْتُها في سورتها . فكانت الصُّحُف عند أبي بَكر حياتَه , ثمَّ عند عُمَر حياتَه حتَّى تَوَفَّاهُ اللَّه , ثمَّ عند حفصة بنت عُمَر . (سنن البيهقي الكبرى – الجزء 2 – ص 40 – رقم الحديث 2202) .
قال ابنُ حجر العسقلاني في كتابه فتح الباري في شرح صحيح البخاري : كان القرآنُ قد كُتِبَ كلّه في حياة النَّبيّ محمَّد صلَّى اللَّه عليه وسلَّم , ولكنَّه لَم يَكُن مجموعًا في مكان واحد .
فلَمَّا اختِيرَ زيدُ بن ثابت لِجمع القرآن , وكان أحد كتَّاب الوحي الممَيَّزين في حياة النَّبيّ محمَّد صلَّى اللَّه عليه وسلَّم , وكان يحفظُ القرآن كاملاً , استعانَ في مهمَّته الثَّقيلة هذه بثلاثة آخرين من حُفَّاظ القرآن المعروفين بأمانتهم . وبالرَّغم من أنَّهم الأربعة كانُوا يحفظون القرآن عن ظهر قلب , إلاَّ أنَّ زيدًا , زيادةً في الحيطة , كان خلال جمعه للقرآن لا يَقبلُ إلاَّ ما كُتِبَ في حياة النَّبيِّ محمَّد صلَّى اللَّه عليه وسلَّم وشهد شاهدان ثقات بصحَّته .
تَمَّ جمعُ القرآن إذًا في مصحف واحد في عهد الخليفة الأوَّل أبي بكر الصِّدِّيق , وبقي كذلك في عهد الخليفة الثَّاني عمر بن الخطَّاب . فلمَّا تولَّى عثمانُ بن عفَّان الخلافة بعد عُمَر , كلَّف زيدَ بن ثابت بجمع القرآن مرَّة ثانية , ثمَّ بعثَ نُسَخًا منه إلى أنحاء الدّولة الإسلاميَّة . والسَّببُ في ذلك ما رواه النّسائي في سُنَنه عن أنس بن مالك رضي اللَّه عنه , أنَّ حُذَيْفة (بن اليَمان) قدم على عثمان (بن عفَّان) , وكان يُغازي أهل الشَّام مع أهل العراق في فتح أرمينية وأذربيجان , فأفزعَ حُذَيفةَ اختلافَهم في القرآن , فقالَ لِعُثمان : يا أمير المؤمنين , أدْرِكْ هذه الأمَّة قبل أن يختلِفُوا في الكتاب كما اختلفَت اليهودُ والنَّصارى ‍! فأرسلَ عُثمانُ إلى حَفصة أن أرسلِي إلينا بالصُّحُف ننسخُها في المصاحف ثمَّ نَرُدُّها إليكِ . فأرسلَتْ بها إليه , فأمَر زيدَ بن ثابت , وعبد اللَّه بن الزُّبير , وسعيد بن العاص , وعبد الرَّحمن بن الحارث بن هشام , أن يَنسخُوا الصُّحُف في المصاحف , فإن اختلفُوا وزيدَ بن ثابت (أي إن اختلف الثَّلاثة القُرَشيُّون مع زيد) في شيء من القرآن , فاكتبوهُ بلسان قُرَيْش , فإنَّ القرآنَ نزلَ بلسانهم . ففعلُوا ذلك , حتَّى إذا نَسخُوا الصُّحُف في المصاحف , رَدَّ عُثمانُ الصُّحُفَ إلى حفصة , وأرسلَ إلى كُلِّ أُفُقٍ مُصحفًا مِمَّا نسخُوا . (السّنن الكبرى – الجزء 5 – ص 6 – رقم الحديث 7988) .
والاختلاف الذي ذكَره حُذَيْفة هنا في القرآن , هو اختلاف اللَّهجات بين أهل الحجاز وأهل سوريا وأهل العراق . وكلُّ مَن يجوبُ الأقطارَ العربيَّة اليوم يُلاحظ اختلافَ العرب في نُطق بعض الحروف , مثل القاف , والجيم , وغيرهما . وهذا ما دعا الخليفةَ عثمان بن عفَّان رضي اللَّه عنه أن يجمع القرآن مرَّة ثانية . وكُلِّفَ زيدُ بن ثابت مرَّة أخرى بهذه المهمَّة الثَّقيلة مع ثلاثةٍ من الصَّحابة , وجُمِع القرآنُ مرَّة أخرى في مصحف واحد سُمِّيَ بِمُصحف عثمان . ثمَّ وقعَت كتابة بعض النُّسخ منه , أرسِلَتْ إلى الكوفة , والبصرة , وسوريا , وقيل : وأيضًا إلى اليمن , والبحرين , ومكَّة . واحتفَظَ عثمان بنسخة في المدينة , ونسخة أخرى في بيته .
ومنذ ذلك اليوم , أصبحت هذه النُّسخة من مُصحف عُثمان هي النُّسخة الوحيدة المعتَمَدة في طبع القرآن في كلِّ بقاع العالم .
هكذا إذًا أُنْزلَ القرآن , وهكذَا حفظه اللَّه تعالى من التَّحريف والزّيادة والنُّقصان , وسيبقَى محفوظًا إلى يوم القيامة .

كلمة سواء 16.01.2011 14:21

لماذا ترك الفَنَّ والشُّهرة واعتنق الإسلام ؟!



نختم هذا الجزء بقصَّتين واقعيّتين :
القصَّة الأولى في إسلام السَّيِّد Cat Stevens , المغنِّي الانجليزي الذي اشتهر نجمُه في موسيقى البوب (pop music) في بداية السَّبعينات , والذي أَطلق على نفسه بعد إسلامه اسم يوسف إسلام .
يقول Cat : كانت أسرتي تَدينُ بالمسيحيَّة , فتربَّيْتُ على تلك الدِّيانة , وتعلَّمتُ أنَّ اللَّه موجود ولكن لا يُمكنُنا الاتِّصالُ به مباشرة , بل لا بُدَّ أن يكون ذلك عن طريق المسيح عليه السَّلام ! وبالرَّغم من اقتناعي الجزئي بهذه الفكرة إلاَّ أنَّ عقلي لم يتقبَّلْها بالكُلِّيَّة ! وكنتُ أنظرُ إلى تماثيل المسيح , فأراها حجارةً لا حياة فيها ! وكانت عقيدةُ التَّثليث تُحيِّرُني وتُقلقُني , ولكنَّني لم أكن أناقشُها احترامًا لِمُعتقدات والديَّ .
ثمَّ بدأتُ أبتعدُ شيئًا فشيئًا عن نشأتي الدِّينيَّة , وانخرطتُ في مجال الموسيقى والغناء , وكنتُ أطمحُ أن أُصبحَ مغنِّيًا مشهورًا . وأخذَتْني تلك الحياة البرَّاقة بِمَباهجها ومفاتنها , فأصبحَتْ هي إلهي , وأصبح الثَّراءُ المطلَق هو هدفي . وبالطَّبع , كان للمجتمع من حولي تأثيرٌ بالغ في ترسيخ هذه الفكرة بداخلي , حيثُ أنَّ الدُّنيا كانت تعني لهم كلّ شيء .
وانغمستُ في هذه الحياة بكلِّ طاقتي , وقدَّمتُ الكثير من الأغاني , وحققَّتُ نجاحًا واسعًا خلال فترة قصيرة , وأصبحتُ نجمًا عالَميًّا وأنا لَمْ أتَعَدَّ التَّاسعة عشر من عمري ! ووصلَتْ مُعظَم أغانيَّ إلى قمَّة المسابقات العالميَّة في أواخر السِّتِّينات وأوائل السَّبعينات , وحقَّقَتْ ألبُوماتي نجاحًا تجاريًّا وأرقامًا قياسيَّة في المبيعات , واجتاحتْ صُوَري وأخباري وسائل الإعلام المختلفة . ولَم يكنْ يشغلُني طوال تلك الفترة سوى الحصول على المال والشُّهرة والمجد , مِمَّا أنساني الدِّينَ تَمَامًا .
بعد مُضيِّ عام تقريبًا من النَّجاح المادِّي وتحقيق الشُّهرة , أُصِبْتُ بمرض السُّلّ ودخلتُ المستشفَى لِفتْرة طويلة . وكانت هذه الأزمة فرصة لي لِأَتأمَّل في حالي وأُعيد التَّفكير في هدفي في هذه الحياة . فبدأتُ أقرأُ في الدِّيانات الشَّرق آسيويَّة التي كانت سائدة في ذلك الوقت , وبدأتُ لِأوَّل مرَّة أُفكِّر في الموت . وأهمُّ ما توصَّلتُ إليه في تلك المرحلة أنَّني لستُ جسدًا فقط , وإنَّما أنا جسدٌ وروح , وأنَّه لا بُدَّ أن يكون هناك انسجامٌ بين الاثنين .
بعد شفائي من مرضي , عدتُ إلى عالَم الموسيقى والغناء ثانية , ولكن في هذه المرَّة بدأَتْ أغانيَّ تعكسُ أفكاري وقَناعاتي الجديدة . وازدادَتْ شُهرتي في هذا الميدان , ولكنَّني كنتُ أعاني في نفس الوقت من صراع داخلي لأنَّني كنتُ أبحثُ عن الحقيقة .
واقتنعتُ وقْتَها أنَّ البوذيَّة قد تكون عقيدة نبيلة وراقية , ولكنَّني لَم أكُن مستعدًّا أن أتفرَّغ للعبادة وأنعزل عن العالَم , لأنَّني كنتُ متعلِّقًا بالدُّنيا . فحاولتُ أن أجد ضالَّتي في علْم الأبراج والأرقام , ثمَّ في معتقدات أخرى , ولكنَّني لم أقتنع بأيّ شيء منها . ولم أكنْ حتَّى تلك اللَّحظة أعرفُ شيئًا عن الإسلام .
وصادفَ أن سافر أخي الأصغر David إلى القُدس , وعاد مبهورًا بالمسجد الأقصى وبالحيويَّة التي تعجُّ بين جَنَباته , على خِلاف الكنائس المسيحيَّة والمعابد اليهوديَّة التي دائمًا ما تكون خاوية ! وأحضَر لي أخي من القُدس نسخة مُترجَمة لِمعاني القرآن الكريم بالانجليزيَّة . وعلى الرَّغم من أنَّه لَم يَعْتنق الإسلام , إلاَّ أنَّه أحَسَّ بشيء غريب تُجاه هذا الكتاب , وتَوَقَّع أن يُعجبَني وأن أجد فيه ضالَّتي .
فقرأتُ الكتاب , ووجدتُ فيه فعلاً ما كنتُ أبحثُ عنه : وجدتُ فيه أجْوبَة عن حقيقة الكون , وأصل البشريَّة , ومن أين أتيتُ , والهدف من الحياة . وعندها أيقنتُ أنَّ الإسلام هو الدِّين الحقُّ , وأنَّ حقيقته تختلف عن فكرة الغرب عنه , وأنَّه ليس مجرَّد طقُوس لِكبار السِّنِّ مثل المعتقدات الأخرى .
وأدركتُ أنَّ كلَّ شيء هو مِن خَلْق اللَّه وصُنعه , وأنَّ اللَّه لا تأخذه سِنَةٌ ولا نوم , وأنَّه أرسلَ الأنبياء برسالة واحدة . ووجدتُ في القرآن ردُودًا منطقيَّة ومعقولة عن ادِّعاء النَّصارى أنَّ المسيح ابنُ اللَّه . وأُعجبتُ بأسلوب هذا الكتاب في دعوته إلى التَّفكُّر والتَّأمُّل وإعمال العقل للوصول إلى الحقيقة , واقتنعتُ أنَّه ضالَّتي المنشودة , وضعَها اللَّهُ في طريقي .
لَم أعتنق الإسلام وقْتَها , ووجدتُ صعوبة في ذلك لأنَّ كلَّ مَن حولي كانُوا لا يعرفُون شيئًا عن هذا الدِّين . ثمَّ فكَّرتُ في الذّهاب إلى القُدس , مثلما فعل أخي , لزيارة المسجد الأقصى . فسافرتُ إلى هناك , وبين جَنَبات هذا المسجد المهيب قرَّرتُ الدُّخول في الإسلام . فعدتُ إلى لندن , وقابلتُ أختًا مسلمة اسمُها نفيسة , وأخبرتُها برغبتي في اعتناق هذا الدِّين . فدلَّتْني على أحد أكبر المساجد في بريطانيا , وكان ذلك سنة 1977 م , بعد حوالي سنة ونصف من بداية قراءتي لترجمة معاني القرآن الكريم . ويوم الجمعة , بعد الصَّلاة , اقتربتُ من الإمام ونطقتُ بالشَّهادتين بين يديه .
والآن , أصبحتُ أستطيع أن أدعو اللَّه مباشرة في كلِّ وقت , على خلاف المسيحيَّة والدِّيانات الأخرى ! وأذكرُ أنَّ سيّدةً هندوسيَّة قالتْ لي يومًا : نحنُ نؤمنُ بإله واحد , ولكنَّنا نستخدمُ هذه التَّماثيل للتَّركيز ! معنَى كلامها أنَّه يجبُ أن تكون هناك وسائط لِتَصِلَنا باللَّه ! لكنَّ الإسلام أزال كلَّ هذه الوسائط والحواجز .
بعد إسلامي , شعرتُ براحة نفسيَّة كبيرة , وتخلَّصتُ من أفكاري المتناقضة والتي لا حصر لها , وصار الطَّريقُ واضحًا أمامي . وقطعتُ على نفسي عهدًا أن أُسَخّر حياتي لخدمة هذا الدِّين والدَّعوة إليه ونَقْل تجربتي للآخرين .

هذه إذًا قصَّة إسلام السَّيِّد Cat Stevens الذي وُلِدَ في 21 يوليو 1948 م من أب يوناني وأمّ سويديَّة , وهو يُسمَّى اليوم يوسف إسلام . وقد تعدَّدت نشاطاتُه بعد إسلامه , حيثُ أنشأ عام 1986 م جمعيَّة للمعونة الإسلاميَّة , وتولَّى رئاسة أربع جمعيَّات تهتمُّ بالتَّعليم وحقوق الإنسان , وصار أحد أبرز أعضاء المجلس الإسلامي الأعلى في بريطانيا , وتولَّى مهمَّة تصحيح العديد من المفاهيم الغربيَّة الخاطئة عن الإسلام .
أنشأ مدرسة إسلاميَّة في كيل بورن , شمال لندن , لتعليم الأطفال القرآنَ والسُّنَّة وكيفيَّة أداء العبادات الإسلاميَّة . ونتيجة لنشاطاته ومَركزه , فقد قبلَت الحكومة العراقيَّة وَساطَته أثناء اندلاع حرب الخليج الأولى , وأفرجتْ عن أربعة أسرى إنجليز . كما وافقَت الحكومتان السّعوديَّة والكويتيَّة إقامة مُخيَّمات على حدودهما لِفَريقٍ من دُعاة السَّلام , على رأسهم يوسف إسلام . قام بالعديد من الزِّيارات إلى البُوسنة , وعقَدَ العديد من الحفلات الدِّينيَّة في سَراييفُو .
تحوَّل إلى الإنشاد الدِّيني , وأصدر ألبومًا أوَّلاً تضَمَّن أغنيةً عن النَّبيِّ محمَّد صلَّى اللَّه عليه وسلَّم . ثمَّ أصدر ألبومًا آخر سنة 1997 م عن مأساة حرب البُوسنة . سجَّل أيضًا عددًا من الأغاني الإسلاميَّة للأطفال , وُزِّعتْ منها ملايين النُّسَخ في العالَم الغربي والإسلامي . (نقلاً , مع تصرّف بسيط في سرد القصَّة , عن موقع مجلَّة رياض الجنَّة www.nozhanet.net , وعن موقع الشَّبكة الإسلاميَّة www.islamweb.net) .

كلمة سواء 16.01.2011 14:21

هكذا أوصله عقلُه إلى الإسلام !

القصَّة الثَّانية في إسلام : علي سلمان بنوا , وهو طبيبٌ من أسرة فرنسيَّة كاثوليكيَّة . يروي علي قصَّة إسلامه , يقول : كنتُ أؤمن بوجود اللَّه , إلاَّ أنَّ الطُّقوس الدِّينيَّة المسيحيَّة لم تكُن لِتَبعث في نفسي الإحساس بوجوده ! وقد كان شعوري الفطري بوحدانيَّة اللَّه يَحُولُ بيني وبين الإيمان بعقيدة التَّثليث , وبتأليه عيسى المسيح !
كنت لا أستسيغُ دعوى الكاثوليك أنَّ مِن سُلطانهم مغفرةَ ذنوب البشَر نيابةً عن اللَّه , ولم أكن أؤمن أبدًا بالعشاء الرَّبَّاني والخبز المقدَّس الذي يُمثِّل جسد المسيح . ومِمَّا كان يُباعدُ بيني وبين المسيحيَّة أنَّها لا تحوي في تعاليمها شيئًا يتعلَّق بطهارة البدَن , لا سيَّما قبل الصَّلاة , فكنتُ أرى في ذلك انتهاكًا لِحُرمة الرَّبّ . كذلك , فإنَّ المسيحيَّة التزمت الصَّمت في ما يتعلَّق بغرائز الإنسان الفيزيولوجيَّة , بينما نرى أنَّ الإسلام هو الدِّين الوحيد الذي ينفرد بمراعاة الطَّبيعة البشريَّة .
أمَّا العامل الأساسي في اعتناقي للإسلام , فهو القرآن الكريم . وأنا مَدينٌ بالفضل إلى الأستاذ مالك بن نبي , صاحب كتاب الظَّاهرة القرآنيَّة . فقد اقتنعتُ بعد قراءتي لهذا الكتاب بأنَّ القرآن هو حقًّا وحيٌ مُنَزَّل من عند اللَّه . وعرفتُ أيضًا أنَّ بعض آياته أشارت منذ حوالي أربعة عشر قرنًا إلى حقائق علميَّة لم يتمَّ اكتشافها إلاَّ حديثًا .
وهكذا ذهبتُ يوم 20-2-1953 م إلى مسجد باريس , وأعلنتُ إسلامي . فسجَّلني عميد المسجد في سجلاَّت المسلمين , وحملتُ اسمي الجديد : علي سلمان . وأنا أشعر اليوم بالغبطة الكاملة في ظلِّ عقيدتي الجديدة , وأُعلن مرَّة أخرى : أشهد أن لا إله إلاَّ اللَّه وأشهد أنَّ محمَّدًا عبده ورسوله . (نقلاً , مع تصرّف بسيط في سرد القصَّة , عن موقع www.newmuslims.tk) .

كلمة سواء 16.01.2011 14:22

فريقٌ في الجنَّة وفريقٌ في السَّعير !



ربَّما تَعجبين يا ابنتي الكريمة من انتقالي الآن للحديث عن الجنَّة والنَّار , وأنا لم أُعرِّفْكِ بَعدُ باللَّه تعالى وبمحمَّد صلَّى اللَّه عليه وسلَّم وبالإسلام . الحقيقة أنَّني أردتُ أن أُعطيكِ فكرة صغيرة عمَّا أعدَّه اللَّهُ تعالى لعباده يوم القيامة , لعلَّها تكون لكِ حافزًا على مواصلة قراءة الأجزاء الأخرى من هذا الكتاب , قبل أن تنشغلي عن ذلك بدراستك أو بعملك .
فكَما أنَّ التَّلميذ محتاجٌ لأن يعرف ماذا سَيجْني من اجتهاده في الدّراسة , والعامل محتاج لأن يعرف كم سيأخذ أجرًا على تَعَبه في العمل , فكذلك العبد محتاجٌ لأن يعرف ماذا سيكون جزاءه إذا اتَّبع دين اللَّه , حتَّى يكُون له ذلك حافزًا على الاستقامة في السُّلوك والإخلاص في العبادة والاستزادة من فعل الخير .

يَصِفُ اللَّهُ تعالى بعض ما أعدَّهُ لأهل الجنَّة , فيقول في القرآن الكريم : { وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلاً 122 } (4- النّساء 122) .
ويقول تعالى : { وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ 72 } (9- التّوبة 72) .
ويقول تعالى : { زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ 14 قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ 15 الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ 16 } (3- آل عمران 14-16) .
نعم , إنَّ هذا حقًّا هو الفوز الحقيقي : جنَّات تجري من تحتها الأنهار ومساكن طيِّبة وأزواج مطهَّرة وكلّ ما تشتهي الأنفس , ورضوان من اللَّه أكبر ! كلُّ هذا لِمُدَّةٍ أطول من مليار مليار مليار … سنة ! إنَّه الخلود في الجنَّة !
ويقول تعالى : { إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي ظِلالٍ وَعُيُونٍ 41 وَفَوَاكِهَ مِمَّا يَشْتَهُونَ 42 كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ 43 إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ 44 } (77- المرسلات 41-44) .

وفي المقابل , يصفُ اللَّهُ تعالى بعض حالِ أهل النَّار , فيقول : { وَقَالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْمًا مِنَ الْعَذَابِ 49 قَالُوا أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا بَلَى قَالُوا فَادْعُوا وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلاَّ فِي ضَلالٍ 50 } (40- غافر 49-50) .
هل أدركتِ يا ابنتي خطورة الموقف ؟! إنَّ الذي يموتُ على غير الإسلام سوف يدخلُ نارًا حامية جدًّا , حتَّى أنَّه من شدَّة العذاب يتمنَّى أن يُخفِّف اللَّهُ عنه يومًا واحدًا منه ! فكيف به وهو سيقضِّي فيها , ليس سنة , ولا عشر سنوات , ولا ألْف سنة , بل رقْمًا لا نهائي من السَّنوات , أو إن شئتِ : أكثر من مليار مليار مليار ... سنة !!
هل تخيَّلتِ حَجْمَ العذاب ؟!
لو أنَّ سجينًا في الدُّنيا محكوم عليه بعشر سنوات , طلبَ من القاضي أن يطرح من عقوبته يومًا , لَظنَّ أنَّه يسخر منه ! فما بالُكِ بِمَنْ يطلبُ حقيقةً أن يُطرح عنه يومٌ من مليار مليار مليار ... يوم في جهنَّم !

ربَّما تقولين : ولكن , إذا كانت جهنَّم نارًا حامية جدًّا كما جاء في القرآن , فمعنى هذا أنَّ الذين فيها سيموتون في لحظة .. وينتهي الأمر !
أقول : تعالي أذكِّرك إذًا بآية سبق أن تعرَّضْنا لها عند الحديث عن جلْد الإنسان . يقول اللَّه تعالى : { إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمًا 56 } (4- النّساء 56) .
فأصحابُ النَّار تُبدَّلُ جلُودُهم إذًا كلّ لحظة , فيستمرّ العذاب إلى ما لا نهاية .
قد تقولين : ولكنَّ أصحاب النَّار سيموتون في النِّهاية , سواء من شدَّة العذاب أو من شدَّة الفزع !
استمعي إذًا لِمَا يَلي : يقول اللَّه تعالى : { وَاسْتَفْتَحُوا وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ 15 مِنْ وَرَائِهِ جَهَنَّمُ وَيُسْقَى مِنْ مَاءٍ صَدِيدٍ 16 يَتَجَرَّعُهُ وَلا يَكَادُ يُسِيغُهُ وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ وَمِنْ وَرَائِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ 17 } (14- إبراهيم 15-17) .
نعم , يأتيه الموتُ من كلِّ مكان , ولكنَّه لن يموت ! إنَّه خلودٌ في النَّار إلى الأبد !
ويقول تعالى : { وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ 36 وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ 37 } (35- فاطر 36-37) .
وإذا لم يستطع عقلُكِ أن يقبل فكرة الخلود في النَّار , فلماذا قَبِلَ إذًا ما ذكَره عُلَماء الفلك من أنَّ هذا الكون يحتوي على مئات المليارات من النُّجوم , تفصلُ بينها مسافات خياليَّة تُقدَّر بملايين المليارات من الكيلومترات , وأنَّ الأرض تدور بنا بسرعة مجنونة , ونحن لا نشعر بشيء ؟!
واللَّهِ الذي لا إله غيره , لنْ يُفلِتَ بَشرٌ من الحساب يوم القيامة . ويا تَعْس يومئذٍ مَن كان مصيره الخلود في النَّار بسبب لحظة عِنَاد في الدُّنيا أعمَتْهُ عن اتِّباع الحقّ .

تعاليْ نُكمل الحديث عن حال أهل النَّار : يقول تعالى : { وَلا يَسْأَلُ حَمِيمٌ حَمِيمًا 10 يُبَصَّرُونَهُمْ يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ 11 وَصَاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ 12 وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْوِيهِ 13 وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ يُنْجِيهِ 14 كَلاَّ إِنَّهَا لَظَى 15 نَزَّاعَةً لِلشَّوَى 16 تَدْعُو مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّى 17 وَجَمَعَ فَأَوْعَى 18 } (70- المعارج 10-18) .
هل يُعقَل أن يُفكِّر الكافر يومئذ أن يُقدِّم زوجته وأبناءه وكلَّ مَن على الأرض , لكي يَفتدِيَ نفسَه من عذاب النَّار ؟!
نعم , ولن يُغني ذلك عنه شيئًا !

ويقول تعالى : { فَإِذَا جَاءَتِ الصَّاخَّةُ 33 يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ 34 وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ 35 وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ 36 لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ 37 وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ 38 ضَاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ 39 وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ 40 تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ 41 أُولَئِكَ هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ 42 } (80- عبس 33-42) .
الكلُّ إذًا مشغولٌ بنفسه , ولا يفكِّر إلاَّ في المصير الذي ينتظره !

ويقول تعالى : { هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُؤُوسِهِمُ الْحَمِيمُ 19 يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ 20 وَلَهُمْ مَقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ 21 كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ 22 } (22- الحجّ 19-22) .
ويقول تعالى : { وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ 50 الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْوًا وَلَعِبًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فَالْيَوْمَ نَنْسَاهُمْ كَمَا نَسُوا لِقَاءَ يَوْمِهِمْ هَذَا وَمَا كَانُوا بِآياتِنَا يَجْحَدُونَ 51 } (7- الأعراف 50-51) .
ويقول تعالى : { وَنَادَى أَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابَ النَّارِ أَنْ قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قَالُوا نَعَمْ فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَنْ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ 44 الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا وَهُمْ بِالْآخِرَةِ كَافِرُونَ 45 } (7- الأعراف 44-45) .
ويقول تعالى : { وَلِلَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ 6 إِذَا أُلْقُوا فِيهَا سَمِعُوا لَهَا شَهِيقًا وَهِيَ تَفُورُ 7 تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ 8 قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلاَّ فِي ضَلالٍ كَبِيرٍ 9 وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ 10 فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقًا لِأَصْحَابِ السَّعِيرِ 11 } (67- الملك 6-11) .
آياتٌ تهزُّ المشاعر والقلوب ! هل يُعقل أن تكُون كلُّها خيالٌ من صنع بَشَر ؟!
أبدًا ! إنَّها واللَّهِ كلامُ اللَّه , يُقيم به الحجَّة على كلِّ مَنْ غَرَّتْهُ الحياةُ الدُّنيا وآثَر الكُفْر على الإيمان .
إنَّ يوم القيامة سيأتي لا محالة . وسأقف أنا وأنت والنَّاس أجمعون للحساب . ثمَّ , إمَّا خُلودٌ في جنَّاتٍ ونعيم , وإمَّا إلى نارٍ وحميم وعذاب لا نهاية له !

أسأل اللَّه أن يهديك إلى الإسلام , ويجعلك وإيَّاي وكلّ المسلمين من أصحاب الجنَّة , آمين .

كلمة سواء 16.01.2011 14:23

وبعد , أيُّها القارئ الكريم !



ألم يحن الوقت بعدُ أن تؤمن بأنَّ هذا الكون لم يُخلَق عن طريق الصُّدفة ؟ !
إنَّ هذه الأرض التي تعيش فوقها تزن حوالي خمسة آلاف مليون مليون مليون طنّ , وهي معلَّقة منذ مليارات السِّنين في الفضاء دون أن تسقط , وتدور حول نفسها بدقَّة متناهية وبسرعة معدَّلها 1600 كلم في السَّاعة , دون أن تشعر بذلك ! فهل يُعقل أن يكون كلُّ هذا نِتاج صدفة ؟!
ثمَّ إنَّك لكي تستطيع العيش فوق هذه الأرض , كان لا بُدَّ أن تكون جميعُ العوامل اللاَّزمة لذلك متوفِّرة كلّها في وقت واحد , ومنذ أوَّل تجربة . وهذا ما حدث فعلاً . فلا أحد من المؤرِّخين أو العلماء ذكَر أنَّ الإنسان الأوَّل وُجِدَ في البداية بدون جهاز تنفُّس , فاختنق ومات , ثمَّ أتى إنسان بعدهُ برئتَيْن ولكن لم يكن هناك هواء فوق الأرض , فمات أيضًا , ثمَّ جاء إنسان بعده .. وهكذا !
وهذه العناصر جميعها لَم تكن لِتَتوفَّر وحدها بالصُّدفة , بل توفَّرَتْ بتدبيرِ وتنسيقِ خالقٍ لا حدود لِقُدرته , هو اللَّه تعالى .
ولو تمعَّنتَ أيُّها القارئ في القرآن الكريم , لتأكَّدتَ أنَّه وحيٌ مُنزَّلٌ من عند اللَّه على نبيِّه محمَّد صلَّى اللَّه عليه وسلَّم , وأنَّ هناك حياةٌ بعد الموت لِيُجازي اللَّهُ كلَّ إنسان بما فعل في الدُّنيا , ثمَّ إمَّا إلى جنَّة وإمَّا إلى نار .

أم أنَّكَ تقول أنَّه , حتَّى لو كان ذلك صحيحا , فإنَّ يوم القيامة ما زال بعيدًا !
واللَّهِ إنَّه لا يفصلُك عنه سوى الموت ! وإنَّ الموتَ لَأقرب إليك من شراك نَعْلَيْك ! فكَمْ من شابٍّ ماتَ وهو في أوْج قُوَّته , وكم من فتاة نامت وهي لا تعلم أنَّ ذلك آخر عهدها بالدُّنيا !
باللَّه عليك , لا تتوقَّف إذًا عند هذا الجزء , فلن تخسر شيئًا من مواصلة القراءة . فمازلتُ سأحدِّثك عن اللَّه تعالى , وعن النَّبيِّ محمَّد صلَّى اللَّه عليه وسلَّم , وعن الإسلام , وعن القبر والحساب والجنَّة والنَّار , ومازلتُ سأعرضُ عليك العديد من الآيات القرآنيَّة التي حيَّرتْ عُلَماء هذا العصر , كلُّ ذلك بأسلوب علميٍّ سهل , مختلف عمَّا تعوَّدْتَ عليه في الكتب الأخرى .
قبل أن أتركك , أختم بهذه الآيات , يقول اللَّه تعالى : { إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ 161 خَالِدِينَ فِيهَا لا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ 162 وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ 163 } (2- البقرة 161-163) .

مُلتقانا في الجزء الثَّاني بإذن اللَّه , لنتحدّث عن حقيقة المسيح عليه السّلام , عن صفات اللّه سبحانه وتعالى , وعن سيرة محمّد صلَّى اللَّه عليه وسلَّم .


كلمة سواء 16.01.2011 14:26

الجزءالثاني

ماذا لو سألنا القرآن عن حقيقة المسيح ؟!



يقول اللَّه تعالى في القرآن الكريم : { وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ 116 مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلاَّ مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ 117 إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ 118 قَالَ اللَّهُ هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ 119 لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا فِيهِنَّ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ 120 } (5- المائدة 116-120) .
إنَّ خالِقَ السَّماوات والأرض وما بينهما هو ذاتٌ حقيقيَّة , ولكنَّه سبحانه عالَمٌ لِوَحده , وكلُّ ما في الوجود عالَمٌ آخر . ومِنَ الخطأ العظيم والجهل الكبير أن نُحاول الخلْطَ بين العالَمين , مثل أن نتصوَّر أنَّ للخالِق عينَيْن لينظر بهما أو يَدَيْن لِيَعمل بهما , أو أنَّه يأكل ويشرب وينام ويتزوَّج ! إنَّه تعالى خارجَ الزَّمان والمكان , ونحن لن نستطيع أبدًا بعقُولنا وحواسِّنا الدُّنْيَويَّة المحدودة أن نتخيَّل صورَته أو أن نُدرك كيف يُسيِّر هذا الكون .
ولكي تفهم سيِّدي هذه النُّقطة , أضربُ لك مثالاً بسيطًا : نجَّارٌ صنعَ طاولة من خَشب . فلو سألتُك : هل هناك وَجْه شَبَهٍ بين الطَّاولة وصانعها ؟ لَأَجبْتَني : إطلاقًا ! لا في الشَّكل ولا في أيِّ شيء آخر !
أقول : فكذلك الحال فيما يتعلَّق بالخالِق والمخلوق , ليس هناك أيّ وَجْه شَبَه بينهما .

فلماذا يدَّعي النَّصارى إذًا أنَّ لِلَّه ولدًا ؟!
إنَّ الطَّوائف الرَّئيسيَّة الثَّلاث في المسيحيَّة :
- الكاثوليك Les Catholiques , وهم الذين يَتْبعون البابا في الفاتيكان , وهم أكثر الأوروبِّيِّين الغربيِّين وشعوب أمريكا الجنوبيَّة , وتُسمَّى كنيستُهم الكنيسة الغربيَّة .
- والأُرْتُودكس Les Orthodoxes , وهم النَّصارى الشَّرقيّون , وتُسمَّى كنيستهم الكنيسة الشَّرقيَّة , وهم لا يَتْبعون البابا في الفاتيكان ولا يجتمعون تحت لواء كنيسة واحدة , وإنَّما كلُّ كنيسة مستقلَّة بنفسها , وهم منتشرون في أوروبَّا الشَّرقيَّة وروسيا والبلدان العربيَّة .
- والبْرُوتستانت Les Protestants , ويُسمَّون أيضا : الإنجيليُّون Les Evangélistes , وهم أيضًا لا يَتْبعون البابا في الفاتيكان ولا يجتمعون تحت كنيسة واحدة , وهم أتباع الألماني Martin Luther , الذي دعا سنة 1517 م إلى إصلاح الكنيسة وتخليصها من الفساد , وهم موجودون في ألمانيا وبريطانيا وأمريكا الشَّماليَّة .
كلُّ هذه الطَّوائف إذًا , مع اختلافاتهم العديدة في قضايا جوهريَّة في العقيدة , متَّفقُون على أنَّ المسيح عليه السَّلام : ابنُ اللَّه ! وأنَّه نزل إلى الأرض لِيُصلَب تكفيرًا عن خطيئة آدم عليه السَّلام وعن خطايا البَشَر , وأنَّه قام بعد صلْبه وصعد إلى السَّماء ليجلس على يمين اللَّه ويحاسب معه النَّاس يوم القيامة !!
أيّ تخريف هذا ؟!
واللَّهِ الذي لا إله غيرُه , لو كان المسيح عليه السَّلام بيننا لَتبرَّأَ من كلِّ هذه الافتراءات ! بل إنَّه سيعود فعلاً في آخر الزَّمان , كما أخبر بذلك النَّبيُّ محمَّد صلَّى اللَّه عليه وسلَّم , وسيَقْتُل المسيح الدَّجَّال , ويَكْسر الصَّليب , ولا يقبلُ غير الإسلام !

إنَّ خَلْقَ عيسى عليه السَّلام مِن دون أب هو مثالٌ من بين أمثلة عديدة لِقُدرة اللَّه المطْلَقة . يقول اللَّه تعالى : { إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ 59 } (3- آل عمران 59) . فاللَّهُ خَلَق آدمَ عليه السَّلام , مِن قَبْل عيسى , مِن دون أب ولا أمّ , وهذا أبلغُ في الإعجاز . فهل يعني هذا أنَّ آدم ابنُ اللَّه ؟! تعالى اللَّهُ عن ذلك علوًّا كبيرًا !
ولكي يُقيمَ اللَّهُ سبحانه الحجَّةَ على مَن يدَّعون أنَّ المسيح ابنُ اللَّه , تَوَجَّه إليهم مباشرةً بالخطاب , فقال تعالى : { يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلاَّ الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلا تَقُولُوا ثَلاثَةٌ انْتَهُوا خَيْرًا لَكُمْ إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلاً 171 لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا لِلَّهِ وَلا الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ وَمَنْ يَسْتَنْكِفْ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعًا 172 فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَأَمَّا الَّذِينَ اسْتَنْكَفُوا وَاسْتَكْبَرُوا فَيُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَلا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيرًا 173 } (4- النّساء 171-173) .
والغريب أنَّ بعض النَّصارى توقَّفُوا عند قوله تعالى : { إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ } , وزَعمُوا أنَّ ذلك يُمثِّلُ شهادةً قويَّة من القرآن بألوهيَّة المسيح , وأنَّه موافقٌ لِما جاء في إنجيل يوحنّا : في البَدْءِ كان الكلمة , والكلمةُ كان عند اللَّه , وكان الكلمةُ اللَّه . (إنجيل يوحنّا – الإصحاح الأوَّل 1) .
ولو فتحَ هؤلاء النَّصارى أعيُنَهم على بقيَّة الآية , لَوَجدُوا فيها ردًّا واضحًا على زعمهم , حيث يقول تعالى : { فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلا تَقُولُوا ثَلاثَةٌ انْتَهُوا خَيْرًا لَكُمْ إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ } . أمَّا قولُه تعالى : { وكَلِمَتُه } , فقد قال العلماء أنَّ المقصودَ بها : إرادةُ اللَّه المتمثِّلة في كلمة " كُنْ " , مصداقًا لقوله تعالى : { قَالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ قَالَ كَذَلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ إِذَا قَضَى أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ 47 } (3- آل عمران 47) . فخَلْقُ المسيح عليه السَّلام ابتداءً في رَحِم مريم العذراء لَم يَكُن بِواسِطة نُطفة بَشريَّة , وإنَّما كان بكلمةٍ من اللَّه أن يَتِمَّ هذا الخَلْقُ , فتَمَّ مِن لا شيء .

ويقصُّ اللَّهُ تعالى علينا قصَّة ولادة المسيح عليه السَّلام بأسلوبه الرَّائع , فيقول : { وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا 16 فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجَابًا فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا 17 قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا 18 قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلامًا زَكِيًّا 19 قَالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا 20 قَالَ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِنَّا وَكَانَ أَمْرًا مَقْضِيًّا 21 فَحَمَلَتْهُ فَانْتَبَذَتْ بِهِ مَكَانًا قَصِيًّا 22 فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا 23 فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا أَلاَّ تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا 24 وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا 25 فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا 26 فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا 27 يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا 28 فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا 29 قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا 30 وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا 31 وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا 32 وَالسَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا 33 ذَلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ 34 مَا كَانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ سُبْحَانَهُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ 35 وَإِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ 36 فَاخْتَلَفَ الْأَحْزَابُ مِنْ بَيْنِهِمْ فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ مَشْهَدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ 37 } (19- مريم 16-37) .
باللَّه عليك يا ابني الكريم , هل يمكن لصاحب عقل ومنطق بعد هذا البيان المفصَّل أن يُجادِل في حقيقة المسيح عليه السَّلام ؟! إنَّ أوَّل جملة نطقَ بها عيسى وهو صغيرٌ في المهد : إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ (وليس ابنُه) , آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا ( وليس إلَهًا) . وكلامُه هذا , وهو رضيع , كان معجزةً من عند اللَّه لِتَبرئة مريمَ عليها السَّلام من الفاحشة التي اتَّهمها بها قومُها .
ثمَّ قال عيسى : وَإِنَّ اللَّهَ رَبِّي (وليس أبي) وَرَبُّكُمْ .
وحتَّى لا يبقى هناكَ أيُّ مجال للشَّكِّ والاختلاف , أكَّد اللَّهُ تعالى كلامَ عيسى , فقال : { ما كان لِلَّه أن يَتَّخِذَ من وَلَدٍ سُبحانَه } .
ويقول تعالى في سورة آل عمران : { إِذْ قَالَتِ الْمَلائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ 45 وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً وَمِنَ الصَّالِحِينَ 46 قَالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ قَالَ كَذَلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ 47 وَيُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ 48 وَرَسُولاً إِلَى بَنِي إِسْرائيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ 49 وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ وَجِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ 50 إِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ 51 } (3- آل عمران 45-51) .
نعم , استغربَتْ مريَمُ عليها السَّلام أن تَلِدَ ولم يَمْسَسْها بَشَر , فأجابها الملَكُ الكريم أنَّ اللَّه تعالى إذا قَضَى أمرًا فإنَّما يقولُ له كُنْ فَيَكُون ! وهذه القُدْرة المطلَقَة هي من صِفَات اللَّه وحده , لا يُشاركُه فيها أحدٌ من خَلْقه , لا الملائكةُ ولا الأنبياء ولا أيّ مَخْلُوق . لهذا , فكَمَا أنَّ الملَك الذي أرسلَه اللَّهُ إلى مريم لَمْ يَنْسِبْ إلى نَفْسه معجزة ولادة عيسى , فكذلك عيسى عليه السَّلام لم يَنْسِبْ إلى نَفْسه القُدرة على شِفاء المرضَى وإحياء الموتَى , وإنَّما أعلَن أنَّها كُلّها تَتِمُّ بإذن اللَّه وقُدرته . وحتَّى لا يلتبسَ الأمرُ على أتباعه , قال لهم : إِنَّ اللَّهَ رَبِّي (وليس أبي) وَرَبُّكُمْ , فَاعْبُدُوهُ (وليس فاعبُدُوني) .

وبالرَّغم من كلِّ هذا الوضوح في الكلام , تَجدُ رجالَ الكنيسة يَتعنَّتون ويُغالطون أنفسهم وأتباعهم , فيُحاولون عبثًا إيجاد تفسير يَقبله العقل والمنطق عن ألوهيَّة المسيح عليه السَّلام , وعن عقيدة التَّثليث , ولكن دون جدوى .
والعجيب أنَّهم يقولون أنَّ التَّثليث هو وحدانيَّة ! وأنَّهم يؤمنُون بإله واحد , مثل المسلمين , غير أنَّ هذا الإله هو ثلاثة أقانيم , أقنوم الأب وهو الذَّات , وأقنوم الابن وهو الكلمة , وأقنوم روح القُدُس وهو الحياة ! واختلفُوا في الأقانيم , فقال البعض هي أشخاص , وقال آخرون هي صفات . واختلفُوا كذلك في المسيح , فقال البعض له طبيعة واحدة إلهيَّة , وقال آخرون له طبيعتان , واحدة إلهيَّة والأخرى إنسانيَّة , فلذلك صحَّ منه الأفعال الإلهيَّة من إحياء الموتى وشفاء المرضى , والأفعال الإنسانيَّة من الأكل والشُّرب !
ولا أظنُّ من المفيد إضاعة الوقت في مناقشة الأطروحات العديدة لرجال الكنيسة بخصوص عقيدة التَّثليث ومفهوم الأقانيم , لأنَّها لا ترتكزُ على عقلٍ ولا منطق ! والأغرب من هذا أنَّ رجال الكنيسة أنفُسهم لم يَستطيعُوا فَهْمها إلى اليوم ! ولو سألْتَ أحدَهُم عن معناها , لَاكْتَفَى بتَرديد تفسيرات غامضة ومتناقضة , حَفِظَها بِدَوْره عن غيره دون أن يكون مقتنعًا بها ! مِنْ ذلك تشبيه الأقانيم الثَّلاثة بالشَّمس التي هي حسب رأيهم : قُرْصٌ وشُعاعٌ وحرارة فقط , أو تشبيهها بالإنسان الذي يتكوَّن حسب رأيهم من دم وروح وجسد !
لكنَّ هذه التَّشبيهات لا تستقيم طبعًا لأنَّ الشُّعاع مثلاً ليس هو الشَّمس ولا يستطيع أن يَستقلَّ عنها , وكذلك الدَّم ليْسَ هو الإنسان ولا يستطيع أن يعمل بعيدًا عنه . بينما الأقانيم , وهي الأب والابن وروح القدس , هي ذَوات مستقلَّة عن بعضها وقائمة بذاتها , ويعملُ كلٌّ منها بعيدًا عن الآخر .

ثمَّ إنَّنا يكفي أن نقرأ قانون الإيمان المسيحي الذي يُؤمن به كلّ النَّصارى في العالَم , ويُقرَأ في الكنائس بصِيَغ تختلف قليلاً من كنيسة لأخرى , لِيَتَّضح لنا أنَّهم يُؤمنون فعلاً بثلاثة آلهة .
ففي سنة 325 م , اجتمع من كافّة أنحاء العالَم عددٌ من الأساقفة النّصارى في مدينة نيقية , وهو ما يُسمّى بمجمع نيقية المسكوني الأوّل عام 325 م , ووضعُوا : قانون الإيمان النيقاوي .
وكان الغرض من هذا القانون تلخيص العقيدة المسيحيّة , وحماية الكنيسة من البِدَع التي ظهرت في ذلك الوقت . ثمّ أُكمِل هذا القانون في مجمع القسطنطينية المسكوني الثّاني عام 381 م .
وهذا نصّ قانون الإيمان القسطنطيني (المعروف باسم النّيقاوي – القسطنطيني) :
نؤمن بإله واحد , آب ضابط الكلّ , خالق السّماء والأرض , كلّ ما يُرى وما لا يُرى .
وبربّ واحد يسوع المسيح , ابن اللّه الوحيد , المولود من الآب قبل كلّ الدّهور , إله من إله , نور من نور , إله حقّ من إله حقّ , مولود غير مخلوق , مساو للآب في الجوهر , الذي به كان كلّ شيء , الذي من أجلنا نحن البشر ومن أجل خلاصنا نزل من السّماء وتجسّد بالرّوح القدس من مريم العذراء , وصار إنسانا وصُلِب عنّا على عهد بيلاطس البنطي , تألّم ومات وقُبر , وقام في اليوم الثّالث كما جاء في الكتب , وصعد إلى السّماء وجلس عن يمين الآب , وسيأتي أيضا بمجد عظيم ليدين الأحياء والأموات الذي لا فناء لملكه .
وبالرُّوح القدس الرّبّ المحيي , المنبثق من الآب (والابن) , الذي هو مع الآب والابن يُسجد له ويُمجد , النّاطق بالأنبياء .
وبكنيسة واحدة جامعة مقدّسة رسوليّة , ونعترف بمعمودية واحدة لمغفرة الخطايا , وننتظر قيامة الأموات والحياة في الدّهر الآتي . آمين .
(النص منقول من موقع الموسوعة العربية المسيحية
##### ) .

فلو سألتَ طفلاً صغيرًا في السَّادسة من عمره : كَم عدد الآلهة في هذا النَّصّ ؟ لأجاب بدون تردّد : طبعًا ثلاثة ! ولو قلتَ له : أبدًا , إنَّها كلُّها تُمثِّلُ إلها واحدًا , لَرَدَّ مُستغربًا : كيف ذلك , والنَّصُّ يُعلِنُ بوضوح أنَّ يسوع وُلِدَ من أبيه ؟! فهناك أبٌ , وهناك ابن . والأبُ لا بُدَّ أن يكون أقدم من الابن ومستقلاًّ عنه في التَّصرّف والحركة ! وفي النَّصِّ أيضًا أنَّ الابن صُلِبَ ودُفِنَ وقام وصعد إلى السَّماء . فهو إذًا كائنٌ قائمٌ بذاته ويتصرَّف بكلِّ حرِّيَّة . وفي النَّصِّ أيضًا أنَّ الابنَ جلس عن يَمين أبيه . فكيف يجلسُ الابنُ بجانب الأب إذا كان الاثنان شيئًا واحدًا ؟!

قد تقول يا ابني الكريم : ولكن لِماذا لا يقول النَّصارى بأنَّهم يعبدون ثلاثة آلهة مختلفة , وانتهى الأمر ؟!
الجواب أنَّهم بهذا سيصطدمون مباشرةً بعقيدة أنبياء العهد القديم الذين دَعَوْا إلى عبادة اللَّه فقط . ولو بَحثْتَ في أسفار التَّوراة , لَما وَجدتَ فيها أيّ ذِكْرٍ للأقانيم والتَّثليث . لذلك , لَم يَجد النَّصارى مَخرَجًا إلاَّ باستحداث الإله ذي الثَّلاثة أقانيم : الآب , والابن , وروح القدس , ثمَّ القول بأنَّها شيءٌ واحد , وأنَّهم يعبدون إلها واحدًا !
وظَنُّوا أنَّهم بذلك قد حَلُّوا المشكلة , ولكنَّهم اصطدمُوا هذه المرَّة بالعقل والمنطق , وأصبح عليهم أن يشرحُوا للنَّاس كيف أنَّ : 1 + 1 + 1 = 1 , وليس ثلاثة ! فسقطوا في دوَّامة تفاسير وتشبيهات غامضة , لم يستطيعُوا الخروج منها إلى اليوم ! بل , ولن يستطيعُوا الخروج منها إلى قيام السَّاعة , لأنَّ عقيدتهم باطلة من الأساس , عندما ادَّعَوْا بأنَّ المسيح ابنُ اللَّه وأنَّه جاء ليُصلَب تكفيرًا عن خطيئة آدم وخطايا البشر . وكلُّ ما بُني على أساس باطل , فهو باطل .

على كلِّ حال , فإنَّ الآيات القرآنيَّة التي ذكَرْناها في هذا العنصر كافية جدًّا لِنَقْض عقائد الصَّلب والفداء والخلاص والتَّثليث , مِن أساسها . وسنتحدَّثُ بالتَّفصيل عن حقيقة اللَّه تعالى وصفاته في عنصر لاحق من هذا الجزء بإذن اللَّه .

كلمة سواء 16.01.2011 14:27

حوار هادئ بين مسلم ونصراني



المسلم : مَن الذي خلقَ هذا الكون وخلَقَك وخلَقنا جميعًا ؟
النّصراني : اللَّه .
المسلم : مَن هو اللَّه ؟
النّصراني : المسيح .
المسلم : هل أفهمُ مِن هذا أنَّ المسيح خَلَقَ أمَّهُ مريم ؟! وخَلَقَ موسى الذي جاء قَبْلَه ؟!
النّصراني : المسيح ابنُ اللَّه .
المسلم : وإذا كان هو ابنُ اللَّه حَسْبَ قَولك , فهل تُؤمنُ بأنَّه قد صُلِبَ على الصَّليب ؟!
النّصراني : نعم .
المسلم : هل أفهمُ من هذا أنَّ اللَّهَ لم يَستطعْ إنقاذَ ابنه من الصَّلب ؟!
النّصراني : إنَّ اللَّهَ أرسلَ ابنَه لِتَكفير خَطايَا ابن آدم . أقصدُ أنَّ اللَّهَ هو الذي نزلَ في بَطْن العذراء مريَم , وولَدَ يَسوع , فهو تَجسَّد في يسوع .
المسلم : إذا كان الرَّبُّ قد نزلَ إلى الأرض لِيَدخُلَ في بطن أمِّه , ويَتغذَّى جنينًا تسعةَ أشهر , ويَخرج مولودًا مُلَطَّخًا بالدِّماء , ثمَّ يَتربَّى ويَتعلَّم القراءة والكتابة والأدب , ثمَّ يَكبُر فيُعلِّم أصحابَه الشَّريعة , ثمَّ يَثُور عليه اليهود , فيَهرب منهم كما جاء في كتابكُم المقدَّس , ويَطلُبوه ويَدلُّهم عليه أحد تلاميذه (يَهوذا الأسخريوطي) , فيَجدُوه , وإلى خشبة الصَّلب يَدقُّوه , ثمَّ بِتَاج الشَّوك يُتَوِّجوه , ثمَّ من شراب الخلِّ والمرِّ يَسْقُوه , ثمَّ يَقتلُوه , ثمَّ يَدفنوه , ثمَّ يقوم بعد ثلاثة أيَّام من قَبْره لِيَصعد إلى السَّماء , فقُلْ لي بِرَبِّكَ : لِمَ هذه المعاناة وهذه المآسي ؟! وهل تَرضَى أن يكونَ لك ربٌّ كهذا يُعامَل معاملَة المجرمينَ الخارجين عن القانون ؟! وهل هذا هو الذي خَلقَ الكونَ والبَشَر ؟! وإذا كان قد دُفِنَ ثلاثة أيَّام في قَبره مَيِّتًا , فَمَنْ كان يُدَبِّرُ شؤون العالَم في ذلك الوقت ؟!
وإذا كنتَ تعتقدُ أنَّ المسيح إلَهًا لأنَّه وُلِدَ مِن غير أب , فَمِنْ باب أوْلَى أن يكونَ آدم عليه السَّلام إلَهًا لأنَّه خُلِق مِن دون أب ولا أمّ , أليس كذلك ؟!
ثمَّ قُلْ لي بِرَبِّك : هل تُؤمنُ حقّا بأنَّ المسيحَ صُلِبَ على الصَّليب ؟
النّصراني : نعم .
المسلم : إذًا اسْتَمعْ إلى ما جاء في سفر التَّثنية : وإذا كان على إنسانٍ خَطيَّةٌ حَقّها الموتُ , فَقُتِلَ وعَلَّقْتَه على خشبة , فلا تَبِتْ جُثَّتُه على الخشبة بل تَدْفِنُه في ذلك اليوم لأنَّ المعَلَّقَ مَلْعونٌ من اللَّه . فلا تُنَجّسْ أرضَكَ التي يُعطيكَ الرَّبُّ إلَهكَ نَصيبًا . (سفْر التَّثنية - الإصحاح الحادي والعشرون 22 - 23) .
فهل يُعقَل أن يكونَ المسيح مَلْعُونًا ؟!
النّصراني : لَم يَقُل ذلك أيُّ مسيحي .
المسلم : استَمِعْ إذًا لِما يَقوله شاؤول الذي تُسَمُّونه بولس , وهو من أقدس النَّاس عندكم , وبالتَّحديد في رسالته إلى أهالي غلاطية : المسيحُ افتَدانا مِن لَعنة النَّاموس , إذْ صار لَعنةً لِأجلنا , لأنَّه مكتوبٌ : مَلعونٌ كلُّ مَن عُلِّق على خشبة . (غلاطية – الإصحاح الثَّالث 13) .
أرأيتَ أنَّنا نُحِبُّ المسيحَ أكثر منكم , ونُنَزِّههُ مِمَّا تَرْمونَه به ؟!
(نقلاً , مع تصرّف بسيط في سرد الحوار , عن موقع www.islamicweb.com) .

كلمة سواء 16.01.2011 14:28

إنَّهم كفروا , ولكنَّهم لا يعلمون !


نعم , إنَّ كلَّ من يعتقد أنَّ المسيح عليه السَّلام هو اللَّه , أو أنَّه ابن اللَّه , أو أنَّ اللَّه ثالثُ ثلاثة , فقد كَفر ! هكذا أخبر اللَّهُ في القرآن الكريم . يقول تعالى : { لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ أَنْ يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ 17 } (5- المائدة 17) .
فهل هناك أَوْضح من هذا التَّعبير ؟!

ويُفصِّل اللَّهُ هذا الأمر في موضع آخر من القرآن , فيقول تعالى : { لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرائيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ 72 لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلاَّ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ 73 أَفَلا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ 74 مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلانِ الطَّعَامَ انْظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الْآياتِ ثُمَّ انْظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ 75 قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا نَفْعًا وَاللَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ 76 قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ 77 } (5- المائدة 72-77) .
انتبهي يا ابنتي الفاضلة ! إنَّ هذه الرُّدود على ادِّعاءات النَّصارى ليستْ من عند المسلمين , وإنَّما مِنْ عند اللَّه مُباشرةً ! وهو نفسُه الذي أعلنَ في هذه الآيات أنَّ كلَّ مَن يعتقد أنَّ المسيح هو اللَّه أو أنَّه ثالثُ ثلاثة , فهو كافرٌ , تَحْرُم عليه الجنَّة ومأواه النَّار ! وبما أنَّ عقيدة التَّثليث هذه هي عقيدة كلِّ الطَّوائف المسيحيَّة بدون استثناء , فهذا يعني أنَّهم كلُّهم كفَّار ومأواهم جهنَّم , إذا لم يتُوبوا مِن هذا الشِّرك !
فماذا ينتظر النَّصارى لِيَتوبُوا ؟! لماذا العناد والمراوغة ؟! إنَّ كلام اللَّه واضحٌ كلَّ الوضوح : { لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلاَّ إِلَهٌ وَاحِدٌ } .
ثمَّ قال : مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ (وليس ابنُ اللَّه) إِلاَّ رَسُولٌ (مثل إبراهيم وموسى ومحمَّد , عليهم الصَّلاة والسَّلام) قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلانِ الطَّعَامَ !
فهل سمعتِ بإلَهٍ يأكلُ الطَّعام , ثمَّ يقضي حاجته بعد ذلك مثل البشَر ؟!

صحيحٌ أنَّ كثيرًا من النَّصارى يعتقدون عن حسن نيَّة أنَّ المسيح ابنُ اللَّه , لأنَّ هذا هو الذي تَعَلَّمُوه في الكنيسة . ولكن , أليست لهم عقولٌ يفكِّرون بها ؟! فالمنطق السَّليم لا يَقْبَل إطلاقًا أن يكون للخالِق العظيم لهذا الكون زوجة وأبناء مثل البشر !
صحيحٌ أيضًا أنَّ المسلمين يتحمَّلون قسطًا من المسؤوليَّة لأنَّهم لَم يَبذُلُوا كُلَّ جُهدهم لِتَبْيين الحقيقة للنَّاس . وإنَّ مِمَّا دفعني إلى التَّأكيد مرارًا على أنَّ اللَّه لن يقبل غير الإسلام , هو ما أراه يوميًّا من نَصارى من عامَّة النَّاس , أخلاقُهم طيِّبة ويقومون بواجباتهم الدِّينيَّة على أكمل وَجْه ويرجُون دخول الجنَّة , كمْ ستكون خيبةُ أَمَلِهم كبيرة يوم القيامة إذا ماتُوا على غير الإسلام وكان مصيرهم إلى النَّار خالدين فيها ؟!

أليستْ مُغالَطة , بل خيانة , أن أُجامِل مَن أعرف منهم وأُفهِمَهم أنَّهم أيضًا على هُدى , وأنَّهم إذا قاموا بما يأمرهم به دينُهم فسيكون مصيرُهم إلى الجنَّة , وأنا أعلم يقينًا أنَّ عكس ذلك هو الصَّحيح ؟!

كلمة سواء 16.01.2011 14:28

وماذا لو سألنا القرآن عن قضيَّة الصَّلب ؟!



إذا كان القرآن قد تحدَّث عن حقائق علميَّة دقيقة لم يتمَّ اكتشافها إلاَّ بعد حوالي 1400 سنة من نزوله , فلماذا لا نبحثُ فيه عن مسألة صلْب المسيح عليه السَّلام , هل هي حقيقة أم لا ؟!
يقول اللَّه تعالى متحدِّثًا عن اليهود : { وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَانًا عَظِيمًا 156 وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا 157 بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا 158 } (4- النّساء 156-158) .
ففي هذه الآيات يُعلنُ اللَّهُ تعالى بوُضوح تامٍّ , لا يدعُ مجالاً للشَّكِّ أو الاختلاف , أنَّ المسيح عليه السَّلام لم يُقْتَل ولم يُصْلَب , كما ادَّعى اليهود وكما يَدَّعي النَّصارى اليوم , بل رَفَعه اللَّهُ إليه .

أمَّا تفصيل الحادثة , فيَرْويها لنا العالِمُ الثّقة إسماعيل ابن كثير في تفسيره للقرآن الكريم , يقول ما مُلَخَّصُه : لَمَّا ولَدَتْ مريمُ عيسَى عليه السَّلام , اتَّهَمَها اليهودُ في ذلك الزَّمان بالزِّنَا .
حاشَى لَها وكلاَّ , وهي الصِّدِّيقة الطَّاهرة , أن تكون كما قالُوا ! ويكفي مريَمَ فخرًا أن شهد اللَّهُ تعالى لها بالعفَّة , شهادةً تُتْلَى على مسامع كلِّ النَّاس إلى يوم القيامة , فقال : { وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ 12 } (66- التّحريم 12) . بل إنَّ اللَّه أنزل سورة كاملة سمَّاها سورة مريم , تكريمًا لها !
قال ابن كثير : ولَمَّا شرَّفَ اللَّهُ عيسَى عليه السَّلام بالنُّبُوَّة , كفَر به اليهودُ ولم يُؤمنُوا برسالته , وحسَدُوه على ما أجْرَى اللَّهُ على يَدَيْه من معجزات , مثل إبْراء الأكْمَه والأبْرَص وإحياء الموْتَى بإذن اللَّه . فحاولُوا إيذاءه بكلِّ ما أمكنَهم , ثمَّ سعَوْا إلى مَلِك دِمَشْق (بسُوريا) في ذلك الزَّمان , وكان مُشركًا من عُبَّاد الكواكب , وقالُوا له إنَّ في بيت المقدس رجلاً يَفْتِنُ النَّاسَ ويُضِلُّهم ويُفسد على الملِكِ رعاياه . فغضبَ , وكتب إلى وَاليه ببَيْت المقدس أن يقبضَ على عيسى عليه السَّلام ويَصْلِبَه , ويضَع الشَّوك على رأسه , ويكُفَّ أذاه عن النَّاس .
فلمَّا وصَلَهُ الكتاب , امتثَلَ الوالي لِأمْر الملِك , وذهبَ هو وطائفة من اليهود إلى البيت الذي كان فيه عيسى عليه السَّلام , فحاصَرُوه هناك . وكان عيسى في جماعة من أصحابه , قيل كانُوا اثْنَيْ عَشَر نَفَرًا , وقيل أكثر . فلَمَّا أحَسَّ بِمَنْ حول البيت , وأنَّه لا مَفَرَّ من دخُولهم عليه أو خروجه إليهم , قال لأصحابه : أيُّكُم يُلْقَى عليه شَبَهي , فيُقْتَلُ مكاني , وهو رفيقي في الجنَّة ؟
فقام شابٌّ مِن أحْدَثِهم سِنًّا , فكأنَّ عيسى اسْتَصْغَره . فأعاد الطَّلبَ ثانية وثالثة , وفي كلِّ مرَّة يقوم ذلك الشَّابّ . فقال له : أنتَ هو . وألْقَى اللَّهُ عليه شَبَهَ عيسى عليه السَّلام , حتَّى كأنَّه هو ! ثمَّ فُتِحَتْ كُوَّةٌ في سقف البيت , وأخذَتْ عيسى عليه السَّلام سِنَةٌ من النَّوم , فَرُفِع إلى السَّماء على هذه الحال , وكان عُمُره حينئذ ثلاثًا وثلاثين سنة .
وخرجَ أصحابُ عيسى عليه السَّلام من البيت , فلمَّا رأى اليهودُ ذلك الشَّابَّ ظَنُّوه عيسَى , فأخذُوه وقتَلُوه وصَلَبُوه , ووَضَعُوا الشَّوكَ على رأسه زيادةً في إهانته . ثمَّ تبجَّح اليهود بأنَّهم قَتلُوا عيسى عليه السَّلام وصلَبُوه , وصدَّقهم النَّصارى في ذلك , وهذا الأمرُ مذكورٌ في أناجيلهم .
وتَمُرُّ حوالي ستَّة قُرون على هذه الحادثة , ويَنزلُ القرآن من عند اللَّه ليُعلِنَ لكلِّ النَّاس أنَّ عيسى عليه السَّلام لم يُقْتَلْ ولم يُصْلَب , ولكن شُبِّه ذلك لِمَن كان حاضرًا في ذلك الزَّمان , وأنَّه رُفِعَ إلى السَّماء بقُدْرة اللَّه الذي يقولُ للشَّيء كُنْ فَيَكُون .
وسيعود عيسى عليه السَّلام إلى الأرض في آخر الزَّمان ! نعم , هكذا أخبرنا النَّبيُّ محمَّد صلَّى اللَّه عليه وسلَّم في عدَّة أحاديث , منها ما رواه الإمام أحمد في مُسْنَده عن أبي هُرَيْرة رضي اللَّه عنه , أنَّ النَّبيَّ محمَّدًا صلَّى اللَّه عليه وسلَّم قال : الأنبياءُ أخْوَةٌ لِعِلاَّت (أي غير أشقّاء) , أمَّهاتُهم شَتَّى ودينُهم واحِد (وهذا تأكيدٌ لِمَا ذكره القرآن من أنَّ كلَّ الأنبياء كانُوا على دين واحد , وهو الإسلام) . وأنا أوْلَى النَّاسِ بعِيسَى بن مَرْيَم لِأنَّه لَمْ يَكُنْ بَيْنِي وبَيْنَه نَبِيٌّ . وإنَّه نازلٌ , فإذَا رأيْتُموه فاعْرِفُوه : رجُلاً مَرْبُوعًا (أي متوسّط القامة) إلى الحُمْرة والبَيَاض , علَيْه ثَوْبان ممصران (أي فيهما صفرة خفيفة) , كأنَّ رأسَهُ يَقْطُرُ وإن لَم يُصِبْهُ بَلَل . فيَدُقُّ الصَّليبَ (أي يَكْسِره) , ويَقْتُلُ الخنزير , ويَضَعُ الجِزْيَة , ويَدْعُو النَّاسَ إلى الإسلام . فيُهْلِكُ اللَّهُ في زمانه المِلَلَ كلَّها إلاَّ الإسلام , ويُهلِكُ اللَّهُ في زمانه المسيحَ الدَّجَّال . وتقعُ الأمنَةُ على الأرض , حتَّى تَرْتَعَ الأسُودُ مع الإبل , والنِّمار مع البَقَر , والذِّئاب مع الغَنَم , ويَلْعَبُ الصّبْيانُ بالحَيَّات لا تَضُرُّهم . فيَمكُثُ أربعينَ سنة , ثمَّ يُتَوفَّى ويُصلِّي عليه المسلمون . (مسند الإمام أحمد بن حنبل – الجزء 2 – ص 406 – رقم الحديث 9256) .
والمُلفِتُ للانتباه حقًّا في هذا الحديث أنَّه يَذكرُ أنَّ الذي سيعودُ في آخر الزَّمان هو عيسى عليه السَّلام , وليس محمَّدًا ! أفلا يدلُّ هذا مرّة أخرى على أنَّ محمَّدًا صلَّى اللَّه عليه وسلَّم صادقٌ في نُبُوَّته , لأنَّه لو لَم يكُن كذلك لَادَّعَى أنَّه هو الذي سيَعُود في آخر الزَّمان لِيَقُود العالَم من جديد بالإسلام , ولَمَا تركَ هذا الشَّرف لعِيسَى !
واللَّهِ الذي لا إله غيرُه , إنَّ محمَّدًا صلَّى اللَّه عليه وسلَّم رسولٌ كريمٌ من عند اللَّه , وكلُّ الأنبياء أخوَةٌ ليس بينهم أيّ عِداء , ودينُهم واحد وهو الإسلام .

وعندما يعود عيسى عليه السَّلام إلى الأرض في آخر الزَّمان ولا يقبلُ غير الإسلام دينًا , سوف يُسلِمُ كلُّ النَّصارى لأنَّهم لَنْ تَبْقَ لهم أيّة حُجَّة في البقاء على عقيدتهم الباطلة ! يقول اللَّه تعالى متحدِّثًا عن عيسى : { بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا 158 وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا 159 } (4- النّساء 158-159) . يقول عُلَماء التَّفسير : أي عندما ينزلُ عيسى عليه السَّلام في آخر الزَّمان ولا يقبلُ غير الإسلام دينًا , سوف يؤمنُ به جميعُ النَّصارى أو أغلبُهم قبل موته , ويَدخلون في هذا الدِّين .


جميع الأوقات حسب التوقيت الدولي +2. الساعة الآن 06:28.

Powered by vBulletin® Version 3.8.7
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.