اعرض النسخة الكاملة : الدروس الخاصة بدورة صناع الدعاة
أبو السائب أكرم المصري
19.07.2010, 16:54
http://img31.imageshack.us/img31/3351/28lf3ev.gif
اللهم لك الحمد كله ولك الملك كله وبيدك الخير كله
واليك يرجع الأمر كله علانيته وسره
ثم أما بعد
حياكم الله اخوانى الافاضل .. واخواتنا الفاضلات
باذن الله جل وعلا سوف تكون هذه الصفحة خاصة بعرض دروس
لدورة سميت بدورة صناع الدعاة
ويدّرسها الشيخ الحبيب أمين عباس
مقدم برنامج سهرة قرآنية كل ثلاثاء على قناة الحافظ الفضائية
وسوف اكون مجرد ناقل لتلك الدروس دون تدخل منى بأى شكل من الاشكال
واسأل الله العظيم ان ينفعنا بهذه الدروس
وان يجعلها فى ميزان حسنات شيخى الحبيب
وجزاكم الله خيرا
أبو السائب أكرم المصري
19.07.2010, 16:57
دورة صناعة الدعاة
(1)
المقدمة
إن الحمد لله ، نحمده ونستغفره ، ونستهديه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ، ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا .
وبعد ...،
فإن الإسلام دين حيوي يتمتع بجاذبية ذاتية نابعة من صدق نصوصه الداعية إلى التمسك به ، ولكنه مع ذلك لا يعمل بذاته ولكنه يحتاج إلى قلوب تحمله ودعاة يتشرفون بالعمل له فالدعوة إلى الله شرف (1) لا يضاهيه شرف، لكنها وحتى يرزق الداعية التوفيق في دعوته فعليه أن يخلص لله (2) ابتداء فيتق الله فيما تعهد بالتزامه من تبليغ وحمل هذه الأمانة أمانة تعبيد الناس لله، وما أعظمها من مهمة يصلون بها إلى تحقيق شعبية الدين في كل مكان فلا يترك بيت حجر ولا مدر ولا وبر إلا دخله بعز عزيز أو بذل ذليل ...
وحتى تتحقق شعبية الدعوة (3) المترامية الأطراف ، لابد أن تتحقق شعبية الداعية (4) أو ما يسمى بـالداعية (الكاريزما) دون التنازل عن المستوى المطلوب من سُلم الالتزام (5) بالتكاليف الشرعية (فروض أعيان ، ثقافة شرعية وفقه واقع) مع عدم الاهتمام بالتفاصيل والخلاف بداية (6)،
وحتى تتحقق له الشعبية المترامية الأطراف (7)، يجب أن يضمن الداعية لدعوته المستوى المطلوب والمناسب للقاعدة الشعبية (8) من حيث البناء الشرعي المحكم للشخصية المطلوبة بمرحلية دعوية (7) تقوم ابتداء على تحصيل فروض الأعيان وثقافة الواقع وفقهه وقضاياه المعاصرة ،
ثم يتدرج في تدعيم ذلك القدر من تعبيد الناس لله (10) ولا يتم ذلك إلا ببناء أصولي عقدي محكم مع مضمون لغوي مفهوم طبقا لثقافة وشخصية العامي وحتى مستواه الاجتماعي كذلك،
فتتحقق حينئذ الصورة الشرعية المطلوبة للمجتمع المسلم (11) والتي تضرب بجذورها في تربة الالتزام الباطني الذي يظهر أثره في الأعمال والمعاملات الظاهرة والتي بدورها تكون صورة المجتمع الملتزم بشرع الله،
فيتدرج الداعية المسلم بسلم التزامه في دعوته بين تغيير نفسه حتى احتراف الدعوة (12) وتغيير مجتمعه حتى تتحقق خيرية الأمة (13) فنسلم الراية مرفوعة (14) لمن بعدنا ، وأما التمكين فلسنا مطالبين (15) به فإنما هو منة من الله يجعله حيث يشاء ,,,
هذه خمسة عشر هدفا قد تزيد أو تنقص حسب همة الداعية نجعلها نصب أعيننا خلال دورتنا نسأل أنفسنا في نهاية الدورة ماذا حققنا منها؟
وفقنا الله وإياكم لما يحب ويرضى... والحمد لله رب العالمين الذي تتم بنعمته الصالحات.
وكتب أبو أنس : أمين بن عباس عفا الله عنه وعنكم
الدرس الأول
محمد مات خلف رجالا
بسم الله الرحمن الرحيم
رب يسر وأعن بمددك يا كريم
يقول الأخ الحبيب رضا صمدي في رسالته القيمة (ثلاثون طريقة لخدمة الدين) والتي يسعدني أن أنقل منها بتصرف لقيمتها عندي
يقول:
عندما استولى اليهود على القدس في عام 1967
خرجوا في مظاهرات عارِمة وصاحوا قائلين :
محمد مات مات ...
محمد مات مات ...
محمد مات مات ...
كلمة كالإعصار المدمر
(محمد خلَّف بنات)
(محمد خلَّف بنات)
(محمد خلَّف بنات)
وحق لهم أن يقولوها عن مجتمع دافع عن
عروبته و قوميته (المنتنة)
مجتمع والى الشرق والغرب وكل ملة ولم يرفع بالإسلام رأسا
فأما المسلمون الخُلَّص فيقولون:
هذا زور وبهتان ...
لا .
لا .
لا .
محمد - صلى الله عليه وسلم - لم يخلف بنات ...
بل خلف رجالا ...
رجالا ...
رجالا
ولسوف يرى أحفاد القردة والخنازير.
وعسى أن يكون قريبا
أليس تتفق معي في ذلك أخي الحبيب.
جـ........................(أجب)
فإلى متى السلبية في حياتنا؟
جـ........................(أجب)
ومتى نكون رجالا بحق كما أرادنا الله؟
جـ......................(أجب)
أم أنك لا تريد أن تكون ممن قال الله فيهم:
{ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلا } [سورة الأحزاب: 23]
أخي في الله لماذا الانهزامية؟
لما ذا نقول مستحيل ونحن لم نحاول?
لماذا الانهزامية? وقد أخبرنا ربنا تعالى أن ما يحدث مقدر محتوم وأنه ناصر دينه ، وأن ما يحدث سنة ربانية لا تتغير ولا تتبدل (ولن تجد لسنة الله تبديلا)
قال تعالى:
(... وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (40)
(وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ)
(وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ)
(وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ
إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ)
هذه هي السنة الربانية الخالدة
فهيا أُخي هيا للعمل وشمر عن ساعد الجد
واستعن بخير معين الله رب العالمين
قال النبي صلى الله عليه وسلم :
( اسْتَعِنْ بالله ولا تَعْجِزْ ) .
وكان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم :
( اللهم إني أعوذ بك من العَجْزِ والكَسَل ) .
…في أساليب الإدارة الحديثة :
يُلَقَّنُ العامِل عبارةَ : سَأُحاول ،
بدلا من عبارة :
لا أستطيع .
ويُعَلَّم أن يستعمل عبارة :
هذا تَحَدٍّ ،
بدل أن يقول :
هذا الأمر صَعْب .
نعم أخي الحبيب …
فالخلل هو أن تُهْمَلَ تلك النفس البشرية ، ويُهْمَلَ تدريبُها ، ويَرْضَى مَنْ حولَها بمستواها الدون ، وإذا ما حاولت أمرا ترقّب الناس فشلها كأنه أجل محتوم .
…إن هذه هي المصيبة ، والرُّزْءُ المُعْضِل ، إن رجالَ أمتنا كُثُرٌ ، وأبطالَها موفورون ، وكُمَاتَها يملؤن الأفق ، ولكن أحدا لم يُجرِّبْهم ، كما أن أحدا لم يكتشفْهم .
فاكتشف نفسك أخي
حتى أعود إليك في الحلقة القادمة إن شاء الله
ولِتَقْطَعَ المعاذير على شيطانك وهواك ونفسك الأمّارة بالسوء ،
ولِتعْلم أنك من جنود الحق ،
لا يَسَعُكَ التَّوَلِّي يوم الزحف إلا مُتَحَرِّفا لقتال أو مُتَحَيِّزَا إلى فئة .
…وأنا أدعو كلَّ داعية غيور أن يَنبِذ الارتجالية في دعوته ،
بل إنني أدعو كل مثقف مسلم أن يُدْلِيَ بدلْوه في شئون الدعوة في حدود تخصصه غير متجاوز لها، معاونا إخوانه الدعاة بخبْراته واطّلاعاته ، لعله أن يستفيد من علمه مستفيد أو ينجو به ناج .
…فها هي ذي مسالك خدمة الدين ، فَجَرِّدْ نفسك لها كلها ،
{ وما يُلَقّاها إلا الذين صبروا ، وما يُلقاها إلا ذو حظ عظيم } .
…واعلم أن ما أوردته هنا من اقتراحات وأفكار مُرْتَهَنٌ تطبيقُها بالاستطاعة والمناسبة ،
وكلُّ داعيةٍ خبيرٌ بواقعه وما يلائمُه .
وكلُّ داعيةٍ بصيرٌ بما يجب المصيرُ إليه من مسالك خدمة الدين .
…وما كان من خطأ في التأصيل والتقدير والتحليل يراه القارئ لهذه الصفحات.
فَحَقِّي عليه النصيحة ،
وحقُّه عليَّ القَبول ،
{ والله يحكم بيننا وإليه المصير } .
…ومن سويداء قلبي أسأل الله تبارك وتعالى أن ينفعك بما فيه وأن يقوّيَك على العمل بما انتفعت به ، وأن يرزقك الصبر على ما قد يلحقك من عَنَتٍ وأذى ، وأن يتقبل منك سعيك في خدمة الدين ، وعند الله اللقاء ، وعند الله الجزاء .
يتبع بإذن الله
أبو السائب أكرم المصري
19.07.2010, 16:59
دورة صناعة الدعاة
(2)
خدمة الدين من ضروريات الدين
الوقفة الأولى
خدمة الدين …نعم !
إنها خدمة يَشْرُفُ بها العبد وليست مَهْنَةً قَسْرية يُهان بها ، أو منصبا تشريفيا يخيّر بين القبول به أو الإعراض عنه ، وليست تبرعا ولا فرض كفاية ولا مجرد أداء واجب ، وإنما خدمة الدين ركن من أركانه وضروريٌّ من ضرورياته وأساس من أسسه .
ولقد كان هذا المعنى مستقرا عند السلف الصالح استقرارَ المعتقَد في القلوب ،
ولم يحتاجوا أن يستدلوا له أو أن يقرِّروه لأنفسهم بشتى وجوه الاستدلال ،
بل كان يكفي أن يُسْلِمَ الواحد منهم أو يستقرَّ الإسلام في قلبه ليعتبرَ نفسه بعد ذلك مَنْذورَةً لهذا الدين ، ويجنِّدَها في خدمته ، ويَصرِفَ مجهوداتِها في نصرته والذَّوْدِ عن حَوْزَتِه .
…إن هذا الدين إذا تأمّله المتأمِّل عَلم أنه صِيْغَ ليكون المتمسّكُ به داعيةً إليه ،
ودَلاّلاً عليه .
ومع مَزِيد تأمّل يرى المرء أن مَن أراد أن يكون مسلما دون تَبِعات ومسئوليات تجاه إسلامه
فإنه رَامَ ضرْبا من التديّن شبيهاً بتدين الرهبان في الكهوف والصوامع والبِيَعِ ،
وقد تقرر أنه لا رهبانية في الإسلام .
…إن من أوائل الأوامر الربانية التي نزلت في القرآن : الأمر بالنِّذارة وتبليغ الوحي للخليقة ،
يقول تعالى : ( يا أيها المدّثر . قُمْ فأنذِر ) .
ثم توالى بعد ذلك ما يمكن أن نسمّيَه فقهَ الدعوة ، حيث تضمّن التنزيل أوامرَ عُنيتْ بالشأْن الدعوي
مثل قوله تعالى : ( فاصْدَعْ بما تُؤْمَرُ وأَعْرِضْ عن المشركين )
وقوله تعالى : ( قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني وسبحان الله وما أنا من المشركين )
وقوله : ( ادْعُ إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادِلْهم بالتي هي أحسن ) ،
وهي آيات ترسم صورة المسلم الداعية الذي يتبع نهج نبيه صلى الله عليه وسلم .
…بل إن النبي صلى الله عليه وسلم كان من أوائل اهتماماته صِيَاغَةُ الشَّخصية الدعوية
التي تحمل هَمَّ الدين وتبذُل له .
وكان أول من دعاه النبي صلى الله عليه وسلم للإسلام هو أبو بكر الصديق رضي الله عنه ،
فلم يكن ذلك الصديق عَالَةً على الدعوة وعِبْئَاً عليها ، بل تحرك من أول يوم ينشر هذا الدين حتى دخل بجهوده الدعوية في أول الأمر ستة من سادات قريش الشبان ،
إضافةً إلى سعايته في فِكاك العبيد الذين أسلموا من أَسْر الرِّق .
…وإنّ تحرك صحابة النبي صلى الله عليه وسلم بعد وفاته في أقطار الأرض لَدَليلٌ على أن الشخصية التي صاغها النبي صلى الله عليه وسلم ورباهم عليها هي الشخصية المتحركة للدين التي لا تعرف السكون ولا الكمون .
قلت: ولولا أن الله سخرهم لدعوة أجدادنا لما كنا مسلمين فاللهَ نُشهد أنَّا نحب الصحابة رضي الله عنهم
الوقفة الثانية …
وقفة مع قوله تعالى : { يا أيها المدثر . قم فأنذر }
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - :" فواجب على الأمة أن يبلغوا ما أُنزل إليه ( أي النبي صلى الله عليه وسلم ) ، ويُنْذِروا كما أَنْذَرَ ،
قال الله تعالى : { فلولا نَفَر من كل فِرْقَةٍ منهم طائفةٌ ليتفقوا في الدين ولينذِروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يَحْذرون } ،
والجنُّ لما سمعوا القرآن :{ وَلّوْا إلى قومهم منذرين } .
ويقول ابن القيم رحمه الله : "وتبليغ سنته صلى الله عليه وسلم إلى الأمة أفضلُ من تبليغ السهام إلى نحور العدو ، لأن تبليغ السهام يفعله كثير من الناس ، وأما تبليغ السنن فلا يقوم به إلا ورثة الأنبياء وخلفاؤهم في أممهم ، جعلنا الله تعالى منهم بمنه وكرمه .
ويقول الغزالي رحمه الله : " اعلم أن كل قاعد في بيته أينما كان فليس خاليا في هذا الزمان عن مُنْكر ، من حيث التَّقاعد عن إرشاد الناس وتعليمهم وحمْلهم على المعروف ، فأكثر الناس جاهلون بالشرع في شروط الصلاة في البلاد ،
فكيف في القرى والبوادي ومنهم الأعرابُ والأكْراد والتُّرْكُمانِية ، وسائرُ أصناف الخلْق ،
وواجبٌ أن يكون في كل مسجدٍ ومَحَلَّةٍ من البلد فقيهٌ يعلّم الناس دينَهم وكذا في كل قرية ،
وواجب على كل فقيه - فرغ من فرض عينه لفرض الكفاية - أن يخرج إلى ما يجاور بلده من أهل السواد ومن العرب والأكراد وغيرهم ، ويعلِّمَهم دينهم وفرائض شرعهم . أهـ
قلت)أبو أنس) :" لله درك يا غزالي ، فما أشبه ليلنا ببارحتكم ، فزمن انتشر فيه الجهل بين الناس وزهد جلُّهم في طلب العلم الضروري (أقصد فروض الأعيان) وجب فيه على أهل العلم أن يعرضوا أنفسهم على الناس"
والله أعلم
وعن جعفر بن سليمان قال : سمعت مالك بن دينار يقول : لو استطعت ألا أنامَ لَمْ أَنَمْ مَخافةَ أن يَنزِلَ العذابُ وأنا نائم ، ولو وجدت أعوانا لفرَّقْتُهم ينادون في سائر الدنيا : يا أيها الناس :النارَ النارَ .
وقال إبراهيم بن أَشْعَث : كنا إذا خرجنا مع الفُضيل ( بن عِياض ) في جنازة لا يزال يَعِظُ ويذكّر ويبكي حتى لَكَأَنّه يودّع أصحابه ذاهبٌ إلى الآخرة حتى يبلغَ المقابر ، فيجلس فكأنه بين الموتى ، جلس من الحزن والبكاء حتى يقوم وَلَكَأَنّه رجع من الآخرة يُخْبِرُ عنها .
وعن شجاع بن الوليد قال :" كنت أخرج مع سفيان الثوري ، فما يكاد لسانُه يفتر عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ذاهبا وراجعا .
والإمام الزهري لم يَكْتَفِ بتربية الأجيال وتخريج أئمة الحديث ، بل كان ينزل إلى الأعراب يعلّمهم .
وكان الفقيه الواعظ أحمد الغزالي - شقيق أبي حامد الغزالي رحمهما الله - "كان يدخل القرى والضِّياع ويعظ لأهل البوادي تقربا إلى الله .
يقول الراشد حفظه الله :ولا ينبغي للداعية أن يَبْتَئِس إن لم يجد فَضْلَ وقت لقيام الليل يوميا ، والإكثار من ختْمات القرآن ، فإن ما هو فيه من الدعوة وتعليم الناس وتربية الشباب خيرٌ وأجْزَلُ أجرا ، وقدوته في ذلك ورائده أئمة الدعاة من السلف الصالح الذين كانوا يسيحون لنشر الدعوة وتبليغها ، ويبادئون الناس بالكلام ، ويحتكون بهم احتكاكا هادفا ، ولا ينتظرون مجيء الناس لهم ليسألوهم ..
ثم ذكر قصة الأعرابي الذي جاء النبي صلى الله عليه وسلم وسأله قائلا : يا محمد أتانا رسولُك فزعم لنا أنك تزعم أن الله أَرسلَك ؟
قال الراشد : " أتاهم رسولُ رسولِ الله داعيا ، وكذلك الناس تُؤْتَى ، ومن انتظر أن يأتيه الناس فليس بداعية ، ولو فصّلت كلمة الأعرابي لتبين لك
كيف فارق ذلك الصحابي الداعية المدينةَ لما أرسله النبي صلى الله عليه وسلم لقومِ هذا ، وكيف فَارَقَ أهلَه وبيتَه وأولادَه ، وكيف اجْتازَ المَفَاوِزَ وصحْراءَ مِن بعدِ صحْراء ، وكيف تعرّض للمخاطر والحر أو البرد ، ليبلّغ دعوة الإسلام .
وهذا شأن الدعوة التي تريد أن تصل إلى أهدافها ،لابد من تَحرّك ومُبادَأَة وغُدُوٍّ ورَوَاحٍ وتَكَلُّمٍ وزَعْمٍ ، ليس القعودُ والتمني من الطرق الموصلة ،
فافْقَهْ سيرةَ سلفك وقلّدْهم تَصِلْ ، وإلا فَرَاوِحْ مكانَك فإنك لن تَبْرَحَه .. ) أهـ
قلت : والله كلمات تكتب بماء الذهب بل بماء العيون
الوقفة الثالثة…
نقول وبالله التوفيق:
…إن التحرك للدين وبذل المجهود في الدعوة إلى الله والتمكين لشرع الله وإعلاء كلمته في الأرض يجب أن يكون عنصرا أصيلا في النسيج الإيماني لكل مسلم ، فلا يَفْتَأُ يحاسب نفسه في كل زمان :
ماذا قدم لدين الله ؟ يَتَقَلَّبُ في مَضْجَعِه قَلِقَا ، لا يَهْنَأُ بِنَوْمَة ، ولا يطِيبُ له وَسَن ، ترتاده أخبار المسلمين فيَهْتَمُّ ويَغْتَمُّ ، يفكّر في سبل إيصال الحق إلى الخلق فيخافُ أن يقصّر ، يقلق من تنامي الكفر والفسق ، يَجْزَعُ من قلة الناصرين لدين الله ، إنه لا يفكر في جاره فقط أو صديقه كيف يدعوه ، إنه يفكر في سكّان الكرة الأرضية كيف يُدخلهم في دين الله أفواجا . يالها من همة لو وجدت لها فؤادا . وأحسب أن مثل هذه النفس لو تَلِفت هَمّا على حال الدين لما كان ذلك كثيرا جَلَلاً .
…ومن أعظم مَن نرفعهم قدوة ومثالا في التحرك للدين جماعة التبليغ العالمية ، التي ما فتئت تضرب لنا أروع الأمثلة في الحركة والتضحية وبذل الغالي والرخيص في خدمة الدين (مع التحفظ عليهم في بعض الأمور) .
…يقول الشيخ محمد بن إسماعيل في كتابه علو الهمة :
( بالرغم من التحفظات على فِكر ومنهج جماعة التبليغ)
إلا أننا نُقِرُّ بأنها أوْفرُ الجماعات حظا من علو الهمة في الحركة الواسعة الدَّءوب ، ولهم في ذلك إنجازات رائعة أثمرت إسلامَ كثير من المشركين وهداية كثير من الفاسقين ، وتبليغ دين الله في آفاق المعمورة .
…حكى من شَهِدَ مجلسا لهم قال : جلسنا يوما في المسجد للتعارف ، فقام شيخٌ وَقور يعرِّف نفسه ، وقد جاوز السبعين من عمره : اسمي الحاج وحيد الدين ، أعمل في التجارة ، وعمري الآن تسع سنوات ، فاستغربْنا ، وقلنا في دَهْشَة : تسع سنوات ؟! قال : نعم ، لأنني أعتبر عمري ضائعا .. وكان هذا الرجل إذا وَعَظ قال : لا تضيّعوا أعماركم مثلي ، واشتغلوا بالدعوة إلى الله تعالى .
…وقد حدث أن سألنا أميرَهم : لماذا تذهبون إلى المقاهي لدعوة الناس؟
. قال : أرأيتم إن كان عندكم مريض ماذا تفعلون له ؟
قلنا : إن كان مرضُه ثقيلا نُحضر له الطبيب في المنزل ، وأما إذا كان مرضه خفيفا فإنه يذهب بنفسه إلى الطبيب .
قال : فكذلك الذين لم يعرفوا طريق المسجد ، مرضهم الإيماني ثقيل ، فنحن نذهب إليهم .
…وسمعت بعض مشايخهم يروي موقفا تعرض له ، إذْ خرج للدعوة في حانة خمر في مدينة أوروبية ، واسْتَهْدَفَ رجلا مسلما كان يُجالس امرأة وهو يشرب الخمر ، فوعظه ونصحه وذكّره بالله ، حتى لان قلبه ودمعت عيناه ، فأخذ بذراعه ليقوده إلى المسجد ، وأخذت المرأة بذراعه الآخر تنازعه فيه ، وكانت الغَلَبَةُ له بعد تَجَاذُب شديد من الطرفين ، وأتى به إلى المسجد وعلّمه كيف يتطهر ويصلي ثم تاب وحَسُنَت توبته .
…وهم يجتهدون في ابتكار الحِيَل الخيرية لجذْب الناس إلى الدين ، كذلك التبليغي الذي أراد دعوة طبيب مشهور ، فدفع قيمة الفَحْص ، ولما جاءت نوبته دخل عليه ، فتهيأ الطبيب لفحصه ، فإذا به يخبره أنه ليس بمريض ، وإنما رَغِب أن يذكّره الله ، وينصحه في الدين ، وراح يفعل ذلك ، حتى رقّ قلب الطبيب ، وتأثر بموعظته ، وأراد أن يرد عليه قيمة الكشف ، فأبى قائلا : هذه قيمة ما استغرقته من وقتك .
…ومن ذلك أنه لما صَعَّد الإنسان إلى القمر ، قال أحدهم : ولو صَعَّد الناس إلى القمر ، وتحول بعض منهم عن الأرض لَنُرْسِلَنَّ وراءهم قافلة تخرج في سبيل الله ، وتَصَّعَّد إلى القمر لتدعوَهم .
…يقول الأستاذ الراشد حفظه الله :
حركة التبليغ أجادت غرس الثقة في دعاتها ، وبخطبة واحدة يتعلمونها يجوبون الآفاق ويواجهون المجتمع ، وآخرون يأمرون وإخوانهم بضمّ الرأس ، ويقولون لفتى الصحوة : أنت في خندق ، احْترِسْ وأَتْقِن الاخْتباء !! .
…وهذا أخ مؤذّن يأسَف ويحزن حزنا شديدا ، إذْ بَلَغَه أن بُرْج ( بِجْ بِنْ ) الشهير في لندن قد مال ، وأنه مُهدّد بالانهيار فلما سُئل عن سر أسفه وحزنه قال : ما زِلْتُ أُؤَمِّل أن يُعِزَّ الله المسلمين ويفتحوا بريطانيا ، وأصعدَ على هذا البرج كي أُؤَذِّنَ فوقه .
…وأعرف ( والكلام مازال للشيخ محمد بن إسماعيل ) : أخا أمريكيا من أصل أسباني ممن أسلم لله ، وحسن إسلامه ، يعيش مع زوجته الأمريكية التي أسلمت أيضا في مدينة ( نيويورك ) وقد انتدب نفسه للدعوة إلى الله ، فيخرج هو وزوجته ويقفان أمام الكنيسة ليلتقط روادَها من الرجال ، ويدعوهم إلى الإسلام ، وكذلك تفعل زوجته مع النساء وذلك كل يوم أحد .
…وأعرف - والكلام ما زال للشيخ محمد إسماعيل حفظه الله - أخا يعيش في ألمانيا أحسبه - والله حسيبه - مجتهدا في الدعوة إلى الله غاية الاجتهاد ، حتى لا يكادُ يذوق طَعْمَا للراحة ، وقد اسْتَحْوَذَت الدعوة على كل كيانه ، حتى أَرْهَقَ نفسه ، وشُغِل عن بيته وأهله وولده ،
فرأى إخوانُه أن يُمنح عطلة إجبارية ، وذهبوا به بصحبةَ أسرته إلى مُنْتَجَع ناءٍ لا يعرفه فيه أحد ، ولا يعرف فيه أحدا كي يَهْنَأَ ببعض الراحة ، وواعدوه أن يعودوا لإرجاعه بعد أيام ، ولما رجعوا إليه وجدوه قد أسّسَ جمعية إسلامية في هذا المكان قوامها بعض العمال المغاربة وغيرهم ممن انقطعت صلته بالدين ، ففتش عنهم في مَظَانّ وجودهم ودعاهم إلى طاعة الله وألّف بينهم وأقاموا مسجدا كان فيما بعد منطلقا للدعوة إلى لله في تلك البلدة ..
ثم ينقل عن الأستاذ الراشد قوله :
وقد كنت في الأيام الخوالي ألاطف إخواني فأفتّش عن أحذيتهم ، ليس على نظافتها وصَبْغها ورَوْنَقِها كالتفتيش العسكري ، بل على استهلاكها وتقطّعها والغبار الذي عليها ، وأقلّبها فأرى النَّعْل ، فمن كان أسفل حذائه مُتَهَرِّئا تالفا فهو الناجح ، وأقول له : شاهدُك معك ، حذاؤك يشهد لك أنك تعمل وتغدو في مصالح الدعوة وتروح ، وتطبق قاعدة : { وجاء من أقصى المدينة رجل يَسْعى قال يا قوم اتبعوا المرسلين } ، وبكثرة حركتك تلف حذاؤك فأنت المجتاز المرضي عندي .
قال صباح ( من تلاميذ الأستاذ الراشد) : قد - والله - بعد عشرين سنة يأخذني تأنيب الضمير كلما رأيت حذائي لا غبار عليه وأتذكر ذاك التفتيش . ) اهـ
قلت (أبو أنس):
" قم أخي وامسح دموعك واجتهد في الدعوة إلى الله قدر طاقتك عسى أن يكون ذلك عذرا أمام الله يوم القيامة ، ونسأل الله ألا يعذب من دل عليه غدا ..."
جزاكم الله خيرا
يتبع بمشيئة الله
vBulletin® v3.8.7, Copyright ©2000-2025, Jelsoft Enterprises Ltd.
diamond