لبيك إسلامنا
17.07.2010, 16:31
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين , والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين , اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم , اللهم علمنا ما ينفعنا , وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً , وأرنا الحق حقاً , وارزقنا اتباعه , وأرنا الباطل باطلاً , وارزقنا اجتنابه , واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه , وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين .
http://www.nabulsi.com/text/02akida/1akida/akida-11_files/image001.gif
أيها الأخوة , وصلنا إلى صميم بحث العقيدة وهو الإيمان بالله ، يقول ربنا سبحانه و تعالى :
http://www.nabulsi.com/text/02akida/1akida/akida-11_files/image002.gif
(سورة الحجرات الآية : 15)
فهذا الذي يجد في نفسه ريباً ليس مؤمناً ، وليس في الإيمان حل وسط ، فإما أنك مؤمن إيماناً قطعياً ولو أن أهل الأرض كلهم كفروا فأنت لا تكفر ، وإما أن يكون في هذا الإيمان ريب أو شك أو تردد فهذا ليس بإيمان والدليل القاطع قوله تعالى :
http://www.nabulsi.com/text/02akida/1akida/akida-11_files/image004.jpg
( سورة الحجرات الآية: 15)
فلو أنهم ارتابوا لفقدوا صفة الإيمان .
http://www.nabulsi.com/text/02akida/1akida/akida-11_files/image005.gif
http://www.nabulsi.com/text/02akida/1akida/akida-11_files/image006.gif
الإنسان بفطرته التي فطره الله عليها مؤمن بالله ، واليوم درسُنا مقسم إلى قسمين :
1- الإيمان بالله عن طريق الفطرة .
2- الإيمان بالله عن طريق الدليل .
الفطرة : كأنها مرآة صافية نظيفة ينطبع عليها الشيء الذي أمامه وهكذا طبيعة المرآة إنها تعكس ما أمامها ، فلو أن دخاناً كثيفاً طمسها لغيَّر صفاءها ، وغيّر قابليتها للانعكاس وعندئذٍ يأتي الدليل ، فالإيمان بالله عز وجل يمكن أن يكون عن طريق الفطرة السليمة ، ويمكن أن يكون عن طريق الدليل العقلي والبرهان العلمي , وقد بدأنا الفطرة في دروس سابقة فبّينا أن مسالك اليقين أربعة مسالك :
1 ـ اليقين الحسي .
2 ـ اليقين الاستدلالي .
3 ـ اليقين الإخباري .
4 ـ ويقين الفطرة الإشراقي .
1- ظهور إيمان الفطرة عند الشدائد :
الإنسان أي إنسان ، كبير أم صغير ، متعلم أم جاهل ، غني أم فقير ، قوي أم ضعيف ، مدني أم ريفي ، عبقري أم غبي , بحسب فطرته مؤمن بأنه لا إله إلا الله كيف يبدو هذا ؟ لو ركب البحر إنسان ملحد وإلحاده عميق ، أي عنده ألف دليل ودليل بحسب تصوره الأخرق على أنه لا إله ، فصارت الأمواج كالجبال وأصبحت السفينة تتهاوى بين الأمواج كريشة في مهب الريح ، عندئذٍ يلتجئ هذا الملحد إلى الله عز وجل , وهذه طائرة تحمل بضعة خبراء لا يؤمنون بالله ، ينكرون وجوده فلما وقعت في عدة جيوب هوائية , وظن هؤلاء أن الطائرة على وشك السقوط دعوا الله مخلصين ، فالإنسان مؤمن بالفطرة لكنه وهو في سلام ، وفي بحبوحة ، وفي غنى ، وفي أوج وقوة يكابر .
شخص قال لي لقد نشأت في بيئة تنكر وجود الله عز وجل إنكاراً كلياً , وعملت عند شخصٍ في حرفة ، وهذا الشخص أيضاً ينكر وجود الله ، أوحى إلي على أنه لا إله و افعل ما تشاء فالحياة اقتناص ملذَّات وهكذا فعلت ، لم أترك معصيةً إلا وارتكبتها وعملت في التجارة فربحت مئات الألوف وتزوجت وسافرت إلى بعض الدول وفعلت فيها من كل أنواع المعاصي وفجأةً صودرت بضاعته وبقي بلا دخل وعليه دين ، وصار أصحاب الدين يطالبونه بقسوة ، مرض أولاده وزوجته وليس معه ثمن الدواء فضلاً عن ثمن الغذاء ، وضاقت عليه الدنيا فقال لي : أصابتني مصائب لو أنها نزلت على جبلٍ لهدَّته , وما شعرت في أحد الأيام إلا و أنا داخل إلى المسجد لأصلي فهذه هي الفطرة وصلّى .
إنسان آخر هذا عقيدته أنه لا إله و له أعمال مخزية جداً ، وعنده بنت صغيرة في سن الورود مرضت مرضاً شديداً ، وهذا المرض جعله ينفق كل ما يملك إلى أن قال له أحد الأطباء : لا تنتظر أن تعيش هذه الفتاة دعها كي تموت قال : فكنت آخذها معي إلى عملي خشية أن تموت في غيابي لشدة تعلقه بها و هو يصر أنه لا إله ارتفعت حرارتها وبقيت في الأربعين ولم يترك طبيب أطفال إلا وزاره ، ولم يترك دواءً إلا واستعمله ، وهذه الحرارة لا تنخفض ، إلى أن همس في أذنه أحد أطباء الأطفال إن هذا المرض نادر الوقوع وإن هذه الحرارة لن تنخفض إلا عند الموت ، قال : في أحد الأيام قلت لزوجتي سخني لي الماء لأغتسل للصلاة ، و سأل زوجته : ماذا تقرئين في الصلاة ؟ إنه لا يعرف الفاتحة ، وتقول زوجته : بقي واقفاً نصف ساعةٍ يبكي و يقول : يا رب إما أن تأخذها أو أن تأخذني أو أن تشفيها ، ضيّق الله عليه فظهرت فطرته فأين الإلحاد ؟ أين دعواك العريضة أنه لا إله ؟ وما أن سلم من صلاته حتى رأى حرارتها قد انخفضت بعد أن تصلبت عضلاتها و بدأت تتحرك .
أقول لكم هذه الكلمة : ما من إنسانٍ ينكر وجود الله عز و جل إلا و هذا قوله يوم القيامة :
http://www.nabulsi.com/text/02akida/1akida/akida-11_files/image007.gif
(سورة الأنعام الآية : 23-24)
فحينما أنكروا كانوا كاذبين و يكابرون ، و يركبون رؤوسهم و يبالغون ، والإنسان لا ينبغي له أن يأتي في الشدة ، بل عليه أن يأتي في الرخاء , والبطولة أن تأتي إليه وأنت معافى وأنت في أوج صحتك وقوتك ، ومالك ، وفراغك ، لا أن تأتيه بعد شدةٍ بالغة تنهدُّ لها الجبال .
اضطراب الإنسان وشعوره بالراحة النفسية دليل على الفطرة بين جوانحه :
أيها الأخوة ، الإنسان مؤمن بالفطرة وحينما يؤمن ترتاح نفسه وهذا هو الدليل ، وحينما ينكر تضطرب نفسه ، ويختل توازنه ، ويضجر ، ويسقم ، ويسأم ، وحينما لا يؤمن ترون منه ردود فعلٍ قاسيةً جداً لأسبابٍ تافهةٍ وهذا دليل اضطرابه ، وهذا عند علماء النفس دليل اضطرابه الداخلي لأنه خالف الفطرة , وهذا المحرك لا يعمل إلا بالوقود ، فلو وضعت فيه ماءً لظهرت أصوات و اضطراب ولتوقف ، وتشعر أن الوضع غير طبيعي ، فالإنسان مؤمن بالفطرة ، لا تفهموا من هذا الكلام أنه ليس هناك أدلة ، بل هناك مليون دليلٍ و دليل على وجود الله , وقبل أن نستعرض هذه الأدلة العلمية والبراهين العقلية نود أن نلفت النظر إلى أن الإنسان مؤمن بالفطرة .
http://www.nabulsi.com/text/02akida/1akida/akida-11_files/image008.gif
قال العلماء : الطفل حينما يولد يملك منعكساً اسمه منعكس المص ، ومنعكس المص عملية بالغة التعقيد ، الآن ولِدَ هذا الطفل ولو أنه بعد الولادة بساعة واحدة وضعته أمه على ثديها لالتقم الثدي ولأحكم إغلاق فمه على الثدي ولسحب الحليب ، وهذه عملية معقدّة كيف خلقت هذه الفطرة ؟ إن الطفل بالفطرة يتقن المص إتقاناً كاملاً . أما الحيوان فلأنه ليس مكلفاً ، ولم يخلق الله له فكراً ، تراه مزوداً بمئات المنعكسات هذه يسميها العلماء الغريزة ، وهي آلية معقدة جداً ولكنها جاهزة دون تعلم هذه الفطرة ، بالنسبة إلينا بني البشر أطفالنا حديثو الولادة مزودون بمنعكس المص ، وهذا المنعكس ليس له تفسير إلا الفطرة أي بفطرة هذا الطفل المولود يعرف أن يلتقم ثدي أمه ، وأن يمص منه الحليب ، وهذا من أدلة الفطرة , ودليل آخر : شعور الأم بعاطفةٍ جياشةٍ نحو ابنها من دون أن تعلم ما قيمة هذه العاطفة ؟ ولولا هذه العاطفة لما كنا نحن هنا .
http://www.nabulsi.com/text/02akida/1akida/akida-11_files/image009.gif
حينما أرى طفلاً أمه تعتني به وأبوه يأتي كل مساء بكل حاجاته ، يكدح الأب ويسعى ويجهد ويتحمل المخاطر ويغامر إلى أن يأتي مساءً بكل حاجات البيت , وحينما يرى ابنه في دفءٍ ويرتدي ثياباً نظيفة ويأكل ما يشتهي , يشعر الأب بسعادةٍ لا توصف هذه هي الفطرة .
فلو حللنا هذه الفطرة لعرفنا أنه لولا هذا العطف لما استمرت الحياة وهذا إدراك عقلي ، لكن الأب يشعر بهذه العاطفة من دون أن يبحث في تحليلاتها ومدلولاتها ، فمن منا ينكر الأم عطف الأم إنه شيء ثابت فما الدليل ؟ لا يوجد دليل ، وإحساسها بالعاطفة هو الدليل وإحساسها هو الفطرة ، والإحساس الفطري لا يحتاج إلى دليل بل بديهي يسميه الناس المسلمات مبادئ لاتحتاج إلى براهين , الكل أكبر من الجزء برهن عليها إنها واضحة كالشمس هذه مسلمة .
شخص قال لي : وقعت بعجزٍ مالي في عملي التجاري أي أخفقت ، وضاقت عليَّ الدنيا ، فالتقيت بتاجرٍ في طرفٍ من أطراف البلاد البعيدة ، وهذا التاجر ليس من ديني إنه من دينٍ آخر ، فقام هذا التاجر وأعطاني بضاعة بما قيمته خمسون ألف ليرة سورية وقال : خذ هذه البضاعة وبعها وحينما تشعر أنك وقفت على قدميك ادفع لي الثمن , فقال لي : أشعر أن قلبي ينفطر حباً له هذه هي الفطرة , أخوه النسبي لم ينجده وهذا الإنسان من بلدٍ بعيد علم بحالته وأمده بهذه البضاعة كي يقف على قدميه وهو من دينٍ غير دينه فأحبه .
لا تعجبوا كيف فتح المسلمون البلاد ؟ فتحوها بأخلاقهم الكاملة فحينما كانوا مُثلاً عُليا في الخلق الكريم ، أهل البلاد دلوهم على الطرقات ، ويوجد جبال معقدة جداً فتجاوزها المسلمون شمال إفريقيا وآسيا وجبال وعرة جداً ، ولو أن أهل البلاد أبغضوهم لكانت هذه البلاد في حصنٍ حصين و لكنهم لكمالاتهم ورحمتهم وعدالتهم فُتحت لهم القلوب قبل أن تفتح لهم البلاد ، فالذي أعانهم على فتحها أبناء البلاد المفتوحة نفسها هذه هي الفطرة ، فالأم تشعر بعاطفةٍ نحو
ابنها من دون أن تعرف قيمة هذه العاطفة , ولولا هذه العاطفة لما كنا أحياء .
http://www.nabulsi.com/text/02akida/1akida/akida-11_files/image010.gif
جميع الناس مدفوعون بدافعٍ من فطرتهم إلى كسب قوت يومهم وهذا دافع خفي ، فعندما يفتح الإنسان محلاً وينطلق هذا المحل فإن نفسه ترتاح لأنه أمن رزقه وأكله , وإذا كان الموسم جيداً والقمح كثيراً يرتاح الفلاح لأنه أمن المؤونة فالفطرة هكذا ، الإحساس بالجوع هل لك أن تنكره ؟ برهن عليه ، أخي أنا جائع ما الدليل عليه ؟ إنه لا يحتاج إلى دليل ، إحساس بالجوع صارخ فالإحساس بالجوع فطرة , لا أقول هذا الكلام لأنه ليس هناك أدلة على وجود الله ، هناك ملايين الأدلة , لكن أحب أن أؤكد لكم قبل كل شيء على أنك إنسان بفطرتك مؤمن بالله وحينما لا تؤمن تصور مرآةً كانت صقيلةً نظيفةً ذات قابليةٍ للانعكاس عالية جداً ، جاءها دخان كثيف من شمعةٍ فطمست معالمها ، وشفافيتها ، وانعكاسها عندئذٍ الآن نحتاج إلى دليل فلو أن هذه المرآة صافية لما احتجنا إلى دليل .
يحتاج الإنسان لأن يأكل شيئاً حامضاً فيكون عنده نسب الكلس عالية و الكلس لا يذوب إلا بالحمض ، وقد يشتهي الإنسان سلطة فيها حمض زائد فما السبب ؟ أحياناً فتيات يأكلن الليمون ، و قد يشمئز الإنسان من أكل الليمون ، وقد ترى البنت تأكل الليمون بكل سرور ، تقطعه وتأكله مع الملح فما هو تفسير هذا الشيء ؟ السبب هو وجود مواد كلسية زائدة لديها ، فربنا عزّ وجل لحكمةٍ بالغة يخلق في الإنسان دافعاً نحو الحمض , وقد يشتهي الإنسان أكل الموالح فيكون عنده نقص بالملح ، وأحياناً يشتهي أكل الحلو فيكون عنده نقص بالطاقة ، فرغبة الإنسان لأنواع الطعام مبنية على حاجاته .
هناك علماء أتوا بعشرة أطفالٍ ووضعوهم في مختبر أمام ألوانٍ منوعة من الطعام وعشرة أطفالٍ آخرين تولى خبراء في التغذية إطعامهم ، أي تغذية مدروسة بالحريرات والبروتينات ، والدهنيات ، والسكريات ، والمعادن وأشباه المعادن ، والفواكه ، واللحوم فكانت نتيجة الأطفال الذين أكلوا وفق رغبتهم الخاصة أن نموهم كان أفضل لأن الرغبة الخاصة مبنية على حاجة داخلية , فحينما تشتهي الطعوم الحامضة يكون عندك كلس زائد ، وحينما تشتهي الموالح يكون عندك نقص بالأملاح ، وحينما تشرب الماء يكون دليلاً على نقص الماء بالجسم وهذا أيضاً إحساس بالفطرة , شعورنا بالعواطف والأحاسيس هذه كلها من الفطرة ولا برهان عليها , وشعورنا وحده هو الدليل .
http://www.nabulsi.com/text/02akida/1akida/akida-11_files/image011.gif
الشعور الفطري إحساس بين جميع الخلائق المدركة على اختلاف نزعاتها ومستوياتها وثقافاتها في البيئات البدائية , وفي المدن المتحضرة ، وفي منتديات المثقفين ، وفي قاعات العلوم والفنون والمختبرات ، إنه شعور مشترك بين جميع الناس ، يقوم في نفس الطفل الصغير والإنسان البدائي والمتحضر ، والجاهل ، والعالم ، والباحث ، والفيلسوف ، والعبقري , والخبير في المعمل ، وكل هؤلاء يشعرون أن الله حق ، وأنه القوة القابضة على ناصية كل شيء والعالمة بكل شيء والحكيمة و المريدة التي لا شك فيها .
قرأت كلمةً لأكبر عالمٍ في الذرة ، وهذا العالم اكتشف أحدث نظرية حتى الآن اسمها النظرية النسبية قال هذا العالم : " كل إنسان لا يرى في هذا الكون قوةً هي أقوى ما تكون ، عليمةً هي أعلم ما تكون ، حكيمةً هي أحكم ما تكون ، هو إنسان حي و لكنه ميت " .
http://www.nabulsi.com/text/02akida/1akida/akida-11_files/image012.gif
الآن إليكم بعض الآيات التي تؤكد هذه الحقائق :
http://www.nabulsi.com/text/02akida/1akida/akida-11_files/image013.gif
(سورة إبراهيم الآية : 10)
هو الذي فطر السموات و الأرض فطرها على أن تؤمن به .
http://www.nabulsi.com/text/02akida/1akida/akida-11_files/image014.gif
(سورة الإسراء الآية: 44)
فالذي فطر السموات و الأرض فطرها على أنها تؤمن به بدافعٍ من بنيتها وخلقها , وقال تعالى في آية أخرى :
http://www.nabulsi.com/text/02akida/1akida/akida-11_files/image015.gif
(سورة الروم الآية : 30)
http://www.nabulsi.com/text/02akida/1akida/akida-11_files/image016.gif
نقطة دقيقة جداً أتمنى عليكم أن تكونوا في مستواها ، النبات أوضح شيء ، ترى نبتةً يقال لك إن هذه النبتة تحتاج سقيا في الأسبوع مرة فلو أكثرت عليها الماء تموت ، وهذه النبتة تحتاج ثلاث مراتٍ سقيا أسبوعياً ، وهذه النبتة بالشهر مرة ، وهذه النبتة لا تزدهر إلا في أشعة الشمس ، فلو جلست مع صاحب حدائق لديه خبرات عالمية لوجدت أنه يعلم طباع كل نبتة ، فهذه النبتة تحتاج إلى ظل وإلى شمس , وهذه تحتاج إلى ضوء ، وهذه تنمو في البيوت في الغرف ، وهذه تحتاج إلى سقيا كثيرة ، وهذا النبات لا ينمو إلا في الماء كالزنبق الذي يجب أن يغمر في الماء , ربنا عزّ وجل خلق في النباتات شيئين : شيئاً ظاهراً ليعينك مثل طولها ، وشكلها ، وأوراقها ، وألوانها ، وأزهارها ، وأشياء تكتشفها مع الأيام وهي طباعها وطباعها هي الفطرة التي فطرها الله عليها أي حاجاتها وأنواعها ومواسمها وأوقات ازدهارها أي أشياء دقيقة جداً ، فمثلاً بعض النباتات يزهر مرتين في السنة ، وهذا النبات تسقط أوراقه ، وهذا أزهاره فواحة ، وهذا أزهاره ليست لها رائحة , وهذا أوراقه كثيفة ، وذاك أوراقه مبعثرة ، فطرة الله التي فطرَ النبات عليها , وهذه خبرة الفلاح وكل نبات يعرف طباعه ، فالتفاح ينمو في المرتفعات ، والحمضيات في السواحل ، وهذا ينمو في أفريقيا ويحتاج إلى رطوبة عالية ، وهذا النبات ينمو في الصحراء فالشوكيات كلها صحراوية ، وهذا النبات قطبي وهذا نبات ينمو في قاع البحر , وفي الأنهار وهذه هي الفطرة لكل مخلوق .
3- انحراف الفطرة وموتها :
الإنسان مفطور على حب الكمال ، ومفطور على حب الإحسان ، وقد خلق ضعيفاً وعجولاً وهلوعاً هذه هي فطرته قال تعالى :
http://www.nabulsi.com/text/02akida/1akida/akida-11_files/image015.gif
( سورة الروم الآية : 30)
هذه الفطرة فقد تنطمس بفعل انغماس الإنسان في الشهوات فيتحول هذا الإنسان إلى وحشٍ بشري امرأة في فرنسا لها ولد ، أغلقت عليه البيت وسافرت إلى عند صديقتها فمات بعد أسبوعين جوعاً وعطشاً ، ويوجد حالات نادرة فهذه الأم تشوهت فطرتها . إنسان آخر دخل إلى بعض القرى و ذبح امرأته و أولاده الخمسة وهذا فطرته مشوهة .
موضوع الفطرة وهو موضوع طويل ، لكن الإنسان من دون تعقيدات في بنيته النفسية وبطبيعته وطريقة خلقه وبفطرته التي فطره الله عليها مؤمن بالله ، وهذا هو الأصل فإذا كفر أو إذا أنكر أو إذا ألحد اضطربت نفسه واختل توازنه وقست ردوده وأصبح مريضاً . أشخاص ليسوا في مستشفى المجانين لكنهم قريبون جداً من الجنون ، ترى أحدهم عنيداً لدرجة أنه يطلّق امرأته لسببٍ تافه ، ويفصل الشركة مع شريكه لأتفه سبب ، ويقتل إنساناً لأن بقرته دخلت إلى أرضه وأكلت بعض الحشائش , هذه واقعة لكنها حالات نادرة .
الحمد لله رب العالمين , والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين , اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم , اللهم علمنا ما ينفعنا , وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً , وأرنا الحق حقاً , وارزقنا اتباعه , وأرنا الباطل باطلاً , وارزقنا اجتنابه , واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه , وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين .
http://www.nabulsi.com/text/02akida/1akida/akida-11_files/image001.gif
أيها الأخوة , وصلنا إلى صميم بحث العقيدة وهو الإيمان بالله ، يقول ربنا سبحانه و تعالى :
http://www.nabulsi.com/text/02akida/1akida/akida-11_files/image002.gif
(سورة الحجرات الآية : 15)
فهذا الذي يجد في نفسه ريباً ليس مؤمناً ، وليس في الإيمان حل وسط ، فإما أنك مؤمن إيماناً قطعياً ولو أن أهل الأرض كلهم كفروا فأنت لا تكفر ، وإما أن يكون في هذا الإيمان ريب أو شك أو تردد فهذا ليس بإيمان والدليل القاطع قوله تعالى :
http://www.nabulsi.com/text/02akida/1akida/akida-11_files/image004.jpg
( سورة الحجرات الآية: 15)
فلو أنهم ارتابوا لفقدوا صفة الإيمان .
http://www.nabulsi.com/text/02akida/1akida/akida-11_files/image005.gif
http://www.nabulsi.com/text/02akida/1akida/akida-11_files/image006.gif
الإنسان بفطرته التي فطره الله عليها مؤمن بالله ، واليوم درسُنا مقسم إلى قسمين :
1- الإيمان بالله عن طريق الفطرة .
2- الإيمان بالله عن طريق الدليل .
الفطرة : كأنها مرآة صافية نظيفة ينطبع عليها الشيء الذي أمامه وهكذا طبيعة المرآة إنها تعكس ما أمامها ، فلو أن دخاناً كثيفاً طمسها لغيَّر صفاءها ، وغيّر قابليتها للانعكاس وعندئذٍ يأتي الدليل ، فالإيمان بالله عز وجل يمكن أن يكون عن طريق الفطرة السليمة ، ويمكن أن يكون عن طريق الدليل العقلي والبرهان العلمي , وقد بدأنا الفطرة في دروس سابقة فبّينا أن مسالك اليقين أربعة مسالك :
1 ـ اليقين الحسي .
2 ـ اليقين الاستدلالي .
3 ـ اليقين الإخباري .
4 ـ ويقين الفطرة الإشراقي .
1- ظهور إيمان الفطرة عند الشدائد :
الإنسان أي إنسان ، كبير أم صغير ، متعلم أم جاهل ، غني أم فقير ، قوي أم ضعيف ، مدني أم ريفي ، عبقري أم غبي , بحسب فطرته مؤمن بأنه لا إله إلا الله كيف يبدو هذا ؟ لو ركب البحر إنسان ملحد وإلحاده عميق ، أي عنده ألف دليل ودليل بحسب تصوره الأخرق على أنه لا إله ، فصارت الأمواج كالجبال وأصبحت السفينة تتهاوى بين الأمواج كريشة في مهب الريح ، عندئذٍ يلتجئ هذا الملحد إلى الله عز وجل , وهذه طائرة تحمل بضعة خبراء لا يؤمنون بالله ، ينكرون وجوده فلما وقعت في عدة جيوب هوائية , وظن هؤلاء أن الطائرة على وشك السقوط دعوا الله مخلصين ، فالإنسان مؤمن بالفطرة لكنه وهو في سلام ، وفي بحبوحة ، وفي غنى ، وفي أوج وقوة يكابر .
شخص قال لي لقد نشأت في بيئة تنكر وجود الله عز وجل إنكاراً كلياً , وعملت عند شخصٍ في حرفة ، وهذا الشخص أيضاً ينكر وجود الله ، أوحى إلي على أنه لا إله و افعل ما تشاء فالحياة اقتناص ملذَّات وهكذا فعلت ، لم أترك معصيةً إلا وارتكبتها وعملت في التجارة فربحت مئات الألوف وتزوجت وسافرت إلى بعض الدول وفعلت فيها من كل أنواع المعاصي وفجأةً صودرت بضاعته وبقي بلا دخل وعليه دين ، وصار أصحاب الدين يطالبونه بقسوة ، مرض أولاده وزوجته وليس معه ثمن الدواء فضلاً عن ثمن الغذاء ، وضاقت عليه الدنيا فقال لي : أصابتني مصائب لو أنها نزلت على جبلٍ لهدَّته , وما شعرت في أحد الأيام إلا و أنا داخل إلى المسجد لأصلي فهذه هي الفطرة وصلّى .
إنسان آخر هذا عقيدته أنه لا إله و له أعمال مخزية جداً ، وعنده بنت صغيرة في سن الورود مرضت مرضاً شديداً ، وهذا المرض جعله ينفق كل ما يملك إلى أن قال له أحد الأطباء : لا تنتظر أن تعيش هذه الفتاة دعها كي تموت قال : فكنت آخذها معي إلى عملي خشية أن تموت في غيابي لشدة تعلقه بها و هو يصر أنه لا إله ارتفعت حرارتها وبقيت في الأربعين ولم يترك طبيب أطفال إلا وزاره ، ولم يترك دواءً إلا واستعمله ، وهذه الحرارة لا تنخفض ، إلى أن همس في أذنه أحد أطباء الأطفال إن هذا المرض نادر الوقوع وإن هذه الحرارة لن تنخفض إلا عند الموت ، قال : في أحد الأيام قلت لزوجتي سخني لي الماء لأغتسل للصلاة ، و سأل زوجته : ماذا تقرئين في الصلاة ؟ إنه لا يعرف الفاتحة ، وتقول زوجته : بقي واقفاً نصف ساعةٍ يبكي و يقول : يا رب إما أن تأخذها أو أن تأخذني أو أن تشفيها ، ضيّق الله عليه فظهرت فطرته فأين الإلحاد ؟ أين دعواك العريضة أنه لا إله ؟ وما أن سلم من صلاته حتى رأى حرارتها قد انخفضت بعد أن تصلبت عضلاتها و بدأت تتحرك .
أقول لكم هذه الكلمة : ما من إنسانٍ ينكر وجود الله عز و جل إلا و هذا قوله يوم القيامة :
http://www.nabulsi.com/text/02akida/1akida/akida-11_files/image007.gif
(سورة الأنعام الآية : 23-24)
فحينما أنكروا كانوا كاذبين و يكابرون ، و يركبون رؤوسهم و يبالغون ، والإنسان لا ينبغي له أن يأتي في الشدة ، بل عليه أن يأتي في الرخاء , والبطولة أن تأتي إليه وأنت معافى وأنت في أوج صحتك وقوتك ، ومالك ، وفراغك ، لا أن تأتيه بعد شدةٍ بالغة تنهدُّ لها الجبال .
اضطراب الإنسان وشعوره بالراحة النفسية دليل على الفطرة بين جوانحه :
أيها الأخوة ، الإنسان مؤمن بالفطرة وحينما يؤمن ترتاح نفسه وهذا هو الدليل ، وحينما ينكر تضطرب نفسه ، ويختل توازنه ، ويضجر ، ويسقم ، ويسأم ، وحينما لا يؤمن ترون منه ردود فعلٍ قاسيةً جداً لأسبابٍ تافهةٍ وهذا دليل اضطرابه ، وهذا عند علماء النفس دليل اضطرابه الداخلي لأنه خالف الفطرة , وهذا المحرك لا يعمل إلا بالوقود ، فلو وضعت فيه ماءً لظهرت أصوات و اضطراب ولتوقف ، وتشعر أن الوضع غير طبيعي ، فالإنسان مؤمن بالفطرة ، لا تفهموا من هذا الكلام أنه ليس هناك أدلة ، بل هناك مليون دليلٍ و دليل على وجود الله , وقبل أن نستعرض هذه الأدلة العلمية والبراهين العقلية نود أن نلفت النظر إلى أن الإنسان مؤمن بالفطرة .
http://www.nabulsi.com/text/02akida/1akida/akida-11_files/image008.gif
قال العلماء : الطفل حينما يولد يملك منعكساً اسمه منعكس المص ، ومنعكس المص عملية بالغة التعقيد ، الآن ولِدَ هذا الطفل ولو أنه بعد الولادة بساعة واحدة وضعته أمه على ثديها لالتقم الثدي ولأحكم إغلاق فمه على الثدي ولسحب الحليب ، وهذه عملية معقدّة كيف خلقت هذه الفطرة ؟ إن الطفل بالفطرة يتقن المص إتقاناً كاملاً . أما الحيوان فلأنه ليس مكلفاً ، ولم يخلق الله له فكراً ، تراه مزوداً بمئات المنعكسات هذه يسميها العلماء الغريزة ، وهي آلية معقدة جداً ولكنها جاهزة دون تعلم هذه الفطرة ، بالنسبة إلينا بني البشر أطفالنا حديثو الولادة مزودون بمنعكس المص ، وهذا المنعكس ليس له تفسير إلا الفطرة أي بفطرة هذا الطفل المولود يعرف أن يلتقم ثدي أمه ، وأن يمص منه الحليب ، وهذا من أدلة الفطرة , ودليل آخر : شعور الأم بعاطفةٍ جياشةٍ نحو ابنها من دون أن تعلم ما قيمة هذه العاطفة ؟ ولولا هذه العاطفة لما كنا نحن هنا .
http://www.nabulsi.com/text/02akida/1akida/akida-11_files/image009.gif
حينما أرى طفلاً أمه تعتني به وأبوه يأتي كل مساء بكل حاجاته ، يكدح الأب ويسعى ويجهد ويتحمل المخاطر ويغامر إلى أن يأتي مساءً بكل حاجات البيت , وحينما يرى ابنه في دفءٍ ويرتدي ثياباً نظيفة ويأكل ما يشتهي , يشعر الأب بسعادةٍ لا توصف هذه هي الفطرة .
فلو حللنا هذه الفطرة لعرفنا أنه لولا هذا العطف لما استمرت الحياة وهذا إدراك عقلي ، لكن الأب يشعر بهذه العاطفة من دون أن يبحث في تحليلاتها ومدلولاتها ، فمن منا ينكر الأم عطف الأم إنه شيء ثابت فما الدليل ؟ لا يوجد دليل ، وإحساسها بالعاطفة هو الدليل وإحساسها هو الفطرة ، والإحساس الفطري لا يحتاج إلى دليل بل بديهي يسميه الناس المسلمات مبادئ لاتحتاج إلى براهين , الكل أكبر من الجزء برهن عليها إنها واضحة كالشمس هذه مسلمة .
شخص قال لي : وقعت بعجزٍ مالي في عملي التجاري أي أخفقت ، وضاقت عليَّ الدنيا ، فالتقيت بتاجرٍ في طرفٍ من أطراف البلاد البعيدة ، وهذا التاجر ليس من ديني إنه من دينٍ آخر ، فقام هذا التاجر وأعطاني بضاعة بما قيمته خمسون ألف ليرة سورية وقال : خذ هذه البضاعة وبعها وحينما تشعر أنك وقفت على قدميك ادفع لي الثمن , فقال لي : أشعر أن قلبي ينفطر حباً له هذه هي الفطرة , أخوه النسبي لم ينجده وهذا الإنسان من بلدٍ بعيد علم بحالته وأمده بهذه البضاعة كي يقف على قدميه وهو من دينٍ غير دينه فأحبه .
لا تعجبوا كيف فتح المسلمون البلاد ؟ فتحوها بأخلاقهم الكاملة فحينما كانوا مُثلاً عُليا في الخلق الكريم ، أهل البلاد دلوهم على الطرقات ، ويوجد جبال معقدة جداً فتجاوزها المسلمون شمال إفريقيا وآسيا وجبال وعرة جداً ، ولو أن أهل البلاد أبغضوهم لكانت هذه البلاد في حصنٍ حصين و لكنهم لكمالاتهم ورحمتهم وعدالتهم فُتحت لهم القلوب قبل أن تفتح لهم البلاد ، فالذي أعانهم على فتحها أبناء البلاد المفتوحة نفسها هذه هي الفطرة ، فالأم تشعر بعاطفةٍ نحو
ابنها من دون أن تعرف قيمة هذه العاطفة , ولولا هذه العاطفة لما كنا أحياء .
http://www.nabulsi.com/text/02akida/1akida/akida-11_files/image010.gif
جميع الناس مدفوعون بدافعٍ من فطرتهم إلى كسب قوت يومهم وهذا دافع خفي ، فعندما يفتح الإنسان محلاً وينطلق هذا المحل فإن نفسه ترتاح لأنه أمن رزقه وأكله , وإذا كان الموسم جيداً والقمح كثيراً يرتاح الفلاح لأنه أمن المؤونة فالفطرة هكذا ، الإحساس بالجوع هل لك أن تنكره ؟ برهن عليه ، أخي أنا جائع ما الدليل عليه ؟ إنه لا يحتاج إلى دليل ، إحساس بالجوع صارخ فالإحساس بالجوع فطرة , لا أقول هذا الكلام لأنه ليس هناك أدلة على وجود الله ، هناك ملايين الأدلة , لكن أحب أن أؤكد لكم قبل كل شيء على أنك إنسان بفطرتك مؤمن بالله وحينما لا تؤمن تصور مرآةً كانت صقيلةً نظيفةً ذات قابليةٍ للانعكاس عالية جداً ، جاءها دخان كثيف من شمعةٍ فطمست معالمها ، وشفافيتها ، وانعكاسها عندئذٍ الآن نحتاج إلى دليل فلو أن هذه المرآة صافية لما احتجنا إلى دليل .
يحتاج الإنسان لأن يأكل شيئاً حامضاً فيكون عنده نسب الكلس عالية و الكلس لا يذوب إلا بالحمض ، وقد يشتهي الإنسان سلطة فيها حمض زائد فما السبب ؟ أحياناً فتيات يأكلن الليمون ، و قد يشمئز الإنسان من أكل الليمون ، وقد ترى البنت تأكل الليمون بكل سرور ، تقطعه وتأكله مع الملح فما هو تفسير هذا الشيء ؟ السبب هو وجود مواد كلسية زائدة لديها ، فربنا عزّ وجل لحكمةٍ بالغة يخلق في الإنسان دافعاً نحو الحمض , وقد يشتهي الإنسان أكل الموالح فيكون عنده نقص بالملح ، وأحياناً يشتهي أكل الحلو فيكون عنده نقص بالطاقة ، فرغبة الإنسان لأنواع الطعام مبنية على حاجاته .
هناك علماء أتوا بعشرة أطفالٍ ووضعوهم في مختبر أمام ألوانٍ منوعة من الطعام وعشرة أطفالٍ آخرين تولى خبراء في التغذية إطعامهم ، أي تغذية مدروسة بالحريرات والبروتينات ، والدهنيات ، والسكريات ، والمعادن وأشباه المعادن ، والفواكه ، واللحوم فكانت نتيجة الأطفال الذين أكلوا وفق رغبتهم الخاصة أن نموهم كان أفضل لأن الرغبة الخاصة مبنية على حاجة داخلية , فحينما تشتهي الطعوم الحامضة يكون عندك كلس زائد ، وحينما تشتهي الموالح يكون عندك نقص بالأملاح ، وحينما تشرب الماء يكون دليلاً على نقص الماء بالجسم وهذا أيضاً إحساس بالفطرة , شعورنا بالعواطف والأحاسيس هذه كلها من الفطرة ولا برهان عليها , وشعورنا وحده هو الدليل .
http://www.nabulsi.com/text/02akida/1akida/akida-11_files/image011.gif
الشعور الفطري إحساس بين جميع الخلائق المدركة على اختلاف نزعاتها ومستوياتها وثقافاتها في البيئات البدائية , وفي المدن المتحضرة ، وفي منتديات المثقفين ، وفي قاعات العلوم والفنون والمختبرات ، إنه شعور مشترك بين جميع الناس ، يقوم في نفس الطفل الصغير والإنسان البدائي والمتحضر ، والجاهل ، والعالم ، والباحث ، والفيلسوف ، والعبقري , والخبير في المعمل ، وكل هؤلاء يشعرون أن الله حق ، وأنه القوة القابضة على ناصية كل شيء والعالمة بكل شيء والحكيمة و المريدة التي لا شك فيها .
قرأت كلمةً لأكبر عالمٍ في الذرة ، وهذا العالم اكتشف أحدث نظرية حتى الآن اسمها النظرية النسبية قال هذا العالم : " كل إنسان لا يرى في هذا الكون قوةً هي أقوى ما تكون ، عليمةً هي أعلم ما تكون ، حكيمةً هي أحكم ما تكون ، هو إنسان حي و لكنه ميت " .
http://www.nabulsi.com/text/02akida/1akida/akida-11_files/image012.gif
الآن إليكم بعض الآيات التي تؤكد هذه الحقائق :
http://www.nabulsi.com/text/02akida/1akida/akida-11_files/image013.gif
(سورة إبراهيم الآية : 10)
هو الذي فطر السموات و الأرض فطرها على أن تؤمن به .
http://www.nabulsi.com/text/02akida/1akida/akida-11_files/image014.gif
(سورة الإسراء الآية: 44)
فالذي فطر السموات و الأرض فطرها على أنها تؤمن به بدافعٍ من بنيتها وخلقها , وقال تعالى في آية أخرى :
http://www.nabulsi.com/text/02akida/1akida/akida-11_files/image015.gif
(سورة الروم الآية : 30)
http://www.nabulsi.com/text/02akida/1akida/akida-11_files/image016.gif
نقطة دقيقة جداً أتمنى عليكم أن تكونوا في مستواها ، النبات أوضح شيء ، ترى نبتةً يقال لك إن هذه النبتة تحتاج سقيا في الأسبوع مرة فلو أكثرت عليها الماء تموت ، وهذه النبتة تحتاج ثلاث مراتٍ سقيا أسبوعياً ، وهذه النبتة بالشهر مرة ، وهذه النبتة لا تزدهر إلا في أشعة الشمس ، فلو جلست مع صاحب حدائق لديه خبرات عالمية لوجدت أنه يعلم طباع كل نبتة ، فهذه النبتة تحتاج إلى ظل وإلى شمس , وهذه تحتاج إلى ضوء ، وهذه تنمو في البيوت في الغرف ، وهذه تحتاج إلى سقيا كثيرة ، وهذا النبات لا ينمو إلا في الماء كالزنبق الذي يجب أن يغمر في الماء , ربنا عزّ وجل خلق في النباتات شيئين : شيئاً ظاهراً ليعينك مثل طولها ، وشكلها ، وأوراقها ، وألوانها ، وأزهارها ، وأشياء تكتشفها مع الأيام وهي طباعها وطباعها هي الفطرة التي فطرها الله عليها أي حاجاتها وأنواعها ومواسمها وأوقات ازدهارها أي أشياء دقيقة جداً ، فمثلاً بعض النباتات يزهر مرتين في السنة ، وهذا النبات تسقط أوراقه ، وهذا أزهاره فواحة ، وهذا أزهاره ليست لها رائحة , وهذا أوراقه كثيفة ، وذاك أوراقه مبعثرة ، فطرة الله التي فطرَ النبات عليها , وهذه خبرة الفلاح وكل نبات يعرف طباعه ، فالتفاح ينمو في المرتفعات ، والحمضيات في السواحل ، وهذا ينمو في أفريقيا ويحتاج إلى رطوبة عالية ، وهذا النبات ينمو في الصحراء فالشوكيات كلها صحراوية ، وهذا النبات قطبي وهذا نبات ينمو في قاع البحر , وفي الأنهار وهذه هي الفطرة لكل مخلوق .
3- انحراف الفطرة وموتها :
الإنسان مفطور على حب الكمال ، ومفطور على حب الإحسان ، وقد خلق ضعيفاً وعجولاً وهلوعاً هذه هي فطرته قال تعالى :
http://www.nabulsi.com/text/02akida/1akida/akida-11_files/image015.gif
( سورة الروم الآية : 30)
هذه الفطرة فقد تنطمس بفعل انغماس الإنسان في الشهوات فيتحول هذا الإنسان إلى وحشٍ بشري امرأة في فرنسا لها ولد ، أغلقت عليه البيت وسافرت إلى عند صديقتها فمات بعد أسبوعين جوعاً وعطشاً ، ويوجد حالات نادرة فهذه الأم تشوهت فطرتها . إنسان آخر دخل إلى بعض القرى و ذبح امرأته و أولاده الخمسة وهذا فطرته مشوهة .
موضوع الفطرة وهو موضوع طويل ، لكن الإنسان من دون تعقيدات في بنيته النفسية وبطبيعته وطريقة خلقه وبفطرته التي فطره الله عليها مؤمن بالله ، وهذا هو الأصل فإذا كفر أو إذا أنكر أو إذا ألحد اضطربت نفسه واختل توازنه وقست ردوده وأصبح مريضاً . أشخاص ليسوا في مستشفى المجانين لكنهم قريبون جداً من الجنون ، ترى أحدهم عنيداً لدرجة أنه يطلّق امرأته لسببٍ تافه ، ويفصل الشركة مع شريكه لأتفه سبب ، ويقتل إنساناً لأن بقرته دخلت إلى أرضه وأكلت بعض الحشائش , هذه واقعة لكنها حالات نادرة .