اعرض النسخة الكاملة : سلسلة: فتح مصر
أمــة الله
28.12.2009, 20:53
مصر قبل الفتح الإسلامي
مقدمة
قبل الحديث عن الفتح الإسلامي لمصر، لابد من الوقوف أولاً على أحوال مصر قبل ذلك الفتح، سواء الأحوال السياسية أو الاقتصادية أو الاجتماعية؛ وذلك ليتسنى لنا الوقوف على طبيعة الفتوحات الإسلامية وماهيتها بالمقارنة بغيرها من الحروب وأنواع الاحتلال، وفي ذات الوقت إبراز العوامل التي من شأنها أن تؤثر في حركة الفتح سلبًا أو إيجابا.
حملة قمبيز بن قورش:
كان غزو "قمبيز" لمصر عام (525 ق.م) من أسوأ الغزوات التي تعرضت لها البلاد؛ فقد أعد قمبيز لحملته كل ما استطاع، ومالأه اليهود مقابل أن صرح لهم ببناء معبدهم في أورشليم، فجعل من فلسطين قاعدة لتحركه نحو مصر، كما اكتسب بذلك ولاء اليهود الذين كانوا في جيش مصر، وانحاز إلى قمبيز رجل إغريقى يدعى "فانيس" كان قائدا لفرقة مرتزقة في جيش مصر، ووشى فانيس بخطط المصريين لمقاومة الحملة، كما أفاد قمبيز بدلالته على مسالك الصحراء، وتسهيل الاتصال ببدو سيناء لإمداده بالماء والمؤونة عبر الصحراء.
ومات فرعون مصر "أمازيس" وارتقى العرش بعده ابنه الشاب "أبسماتيك الثالث" قبيل الغزو مباشرة، وسار قمبيز بجيشه من غزة كما تحرك أسطوله من عكا، وكانت وجهته بيلوز " الفرما"، فهزم أبسماتيك الثالث، وكانت المعركة الثانية في "عين شمس" ثم الثالثة في "منف"، وهذا يعنى أن قمبيز قد سلك نفس الطريق الذي سلكه عمرو بن العاص من بعد، وفي منف وقع أبسماتيك أسيرا، وسقطت عاصمته في يد قمبيز!!
كان قمبيز ملكا همجيًّا أَذَلَّ المصريين إذلالاً مهينًا، فقد أجلس أبسماتيك وكبار رجال دولته عند مدخل المدينة، وألبس ابنته وبناتهم ملابس الإماء التي تكشف عن أجسادهن العارية، وأجبرهن على حمل جِرَارِ الماء والسير حفاة أمامه، وأمام الفرعون الأسير يسقين المنتصرين ويخدمنهم، وعندما دمعت عينا أبسماتيك أمر به قمبيز فقتل!!
وأراد قمبيز أن يواصل غزواته إلى النوبة، ولكنه هُزِمَ فارتدَّ على أعقابه، ثم عاد فسيَّر جيشه من طيبة غربًا إلى الواحات الخارجة ومنها إلى سيوة، ولكن ريحا عاتية ثارت على الصحراء، فدُفِنَ هذا الجيش كله ولم ينج منه أحد، ولا عثر عليه أحد بعد دخوله الصحراء!! ولم يجد قمبيز بُدًّا من العودة إلى فارس، ولكنه مات في الطريق عام (522 ق.م) وقيل إنه انتحر.
وفي عام (341 ق.م) وجه الفرس حملة أخرى إلى مصر برًا وبحرًا، استطاعت أن تحتل مصر مرة أخرى، حتى غزاها الإسكندر الأكبر بعد تسع سنوات.
..يُتبع
(http://www.albshara.com/search.php?do=finduser&u=15&starteronly=1)
أهمية الفتوح الإسلامية بقلم د. راغب السرجاني
أمــة الله
28.12.2009, 20:53
حملة الإسكندر الأكبر
لقد خرج الإسكندر بجيشه من اليونان متجهًا شرقا حتى عَبَرَ الدردنيل، ثم اشتبك مع الفرس عند نهر (جرانيق) الذي يصب في بحر مرمرة وهزمهم سنة (334 ق.م) واجتاز هضبة الأناضول إلى خليج الإسكندرونة، حيث هزم الفرس هزيمة ساحقة في إيسون، وَفَرَّ "دارا الثالث" ملك فارس إلى بابل، ثم سار الإسكندر جنوبًا ففتح بلاد الشام حتى وصل إلى مصر في جيش قوامه أربعون ألفا، وأسطوله يبحر بحذائه في البحر، وسار من غزة إلى بيلوز "الفرما" ثم إلى منف، في نفس الطريق الذي سلكه قمبيز من قبل وعمرو بن العاص من بعدُ، واستسلم مازاكيس - الوالي الفارسي - للإسكندر دون مقاومة سنة (332 ق.م).
أنشأ الإسكندر مدينة الإسكندرية، ثم سار غربا حتى سيوة وعاد إلى منف، ثم غادر مصر عام (331 ق. م) ليواصل فتوحاته، ولكنه توفي بالملاريا في 13 يونية عام 323 ق.م وهو في الثالثة والثلاثين من عمره.
وبعد وفاته تمزقت إمبراطوريته، واقتسمها قادته من بعده، فكانت مصر من نصيب بطليموس بن لاجوس، وبدأ حكم البطالمة لمصر سنة (306 ق.م)، وتتابع حكامهم حتى هزيمة القائد الروماني أنطونيوس في معركة أكتيوم البحرية سنة (31 ق.م) على يد القائد الروماني المنافس "أوكتافيوس"، الذى عُرِفَ بعد ذلك بالملك "أغسطس".
وهكذا انتهت الفترة البطلمية التي عانى خلالها المصريون من التمايز الطبقي والمظالم المادية، وفساد الإدارة، حتى تفككت الدولة، وضَعُفَ الجيش والأسطول، وبدأ الحكم الروماني لمصر عام (30 ق.م) واستمر قرابة سبعة قرون، فكان أطول وأسوأ فترات تاريخها!
الأحوال الاقتصادية (http:///####script:Expand_Collapse('3'))
لقد أبقى الرومان في مصر حامية رومانية من ثلاثين ألفًا، عبارة عن ثلاث فرق، وقوات مساعدة، أخضعت البلاد وأخمدت ثوراتها، وأحالتها إلى مزرعة تمد الإمبراطورية الرومانية بالمال والغلال، لاسيما القمح، حتى إن الإمبراطور تيبريوس عَنَّفَ حاكما أرسل إليه حاصل الضرائب زائدًا عن النصاب السنوي وقال له: "إنه إنما ولي على مصر ليجز وبرها لا ليسلخ جلدها"!
ولا خلاف في أن روما كانت تنظر إلى مصر على أنها بقرة حلوب دأبت على استنزاف لبنها، فلم يكن كل قياصرة روما مثل تيبريوس، ومع ذلك كان من رأيه أن يجز وبرها، وأصبحت مصر مستعمرة بمعنى الكلمة، وعاملت روما شعب مصر على أنه شعب مغلوب مقهور، ومنحت اليونانيين واليهود امتيازات خاصة في مصر، وحظر على المصريين حمل السلاح وصارت حيازته عقوبتها الإعدام، واتسم الحكم الروماني بفداحة الضرائب والعسف في الجباية، وعاش المصريون قرونا ضنكا، حتى خربت البلاد اقتصاديا واجتماعيا.
وقد كتب المؤرخ اليهودى فيلون philon فقال: إن جباة الضرائب كانوا يستولون على جثة العاجزين عن سداد الضرائب حتى يُكرِهوا ذوي قرباه على دفع الضرائب المتأخرة عليه؛ استنقاذًا لجثته، كما ذكر أن الزوجات والأطفال وغيرهم من الأقرباء كانوا يحشرون إلى السجون، ويُصَبُّ عليهم التعذيب حتى يصل الرومان إلى المفلس الهارب، فكان يحدث أن يهرب الأهالي من مدن برمتها!
وكانت جباية الضرائب تُطْرَحُ في مزاد عام يرسو على من يلتزم بتوريد أكثر، ثم تطلق أيديهم في تحصيل ما يشاءون بأبشع الوسائل، حتى تناقص عدد السكان، وظهرت المسئولية الجماعية بِمُضيِّ الزمن، فإذا اختفي أحد دافعي الضرائب وقعت مسئولية سدادها على زملائه، ووقع واجب فلاحة أرضه على الآخرين، وبلغ الحال أن امتنع الملتزمون عن التقدم لهذا العمل فكانت السلطة تُكرههم على ذلك، وصار أولئك الذين كان من واجبهم ترشيح هؤلاء ضامنين مسئولين عما ينشأ من عجز!!
وهكذا عاشت مصر اقتصاديًا، وهذه كانت صورتها لمدة سبعة قرون منذ انتحار كليوباترا عام (30 ق.م) حتى أنقذها الفتح الإسلامي بقيادة عمرو بن العاص (640 - 642م).
وقد كان من الطبيعي أن تحدث ثورات على هذا الوضع، فقد نشبت ثورة في طيبة بعد بضعة شهور من الغزو الروماني، ونكَّل الثوار بجباة الضرائب الرومان، وزحف إليهم الحاكم الروماني جالوس من الإسكندرية حتى أسوان وما وراء الشلال الأول، فأخمد الثورة ونكَّل بالثائرين، وتكررت الثورات في الصعيد، وفي شمال شرق الدلتا وكان الرومان يخمدونها.
ويبدو أن الأمر كان صعبًا على الرومان في بعض الأحيان، فعقدوا صلحًا مع النوبيين، أعفوهم فيه من دفع الجزية، وأقام الرومان حصونًا في النوبة: في الدكة وكلابشة وقرطاسة وأبريم؛ لتعينهم على أمرهم، كما جَدَّدَ الإمبراطور تراجان (98 - 117م) بناء حصن بابليون ليكون المقر الرئيسي للحامية الرومانية في داخل البلاد.
وقد اتخذ الرومان مصر شاة حلوبا يريدون أن يستنزفوا مواردها ويمتصوا دمها، يقول ألفرد: "إن الروم كانوا يجبون من مصر جزية على النفوس وضرائب أخرى كثيرة العدد... مما لا شك فيه أن ضرائب الروم كانت فوق الطاقة، وكانت تجري بين الناس على غير عدل"، ويقول مؤلفو (تاريخ العالم للمؤرخين): "إن مصر كانت تضيف إلى مالية الدولة البيزنطية مجموعًا كبيرًا من حاصلها ومنتجاتها، وكانت طبقات الفلاحة المصرية - مع حرمانها من كل قوة سياسية ومن كل نفوذ - مرغمة على أداء الخراج للدولة الرومية، كَكِرَاء الأرض فضلا عن الضرائب، وكانت ثروة مصر في هذا العهد إلى الانتقاص والانحطاط".
..يُتبع
أمــة الله
28.12.2009, 20:54
الأحوال الدينية (http:///####script:Expand_Collapse('4'))
تسربت المسيحية إلى مصر في وقت مبكر، وأخذت في الانتشار تدريجيًا في أنحاء مصر منذ القرن الثاني الميلادي، فألفي الناس فيها زادًا روحيًا، يستمدون منه القوة والقدرة على مقاومة ظلم أباطرة الرومان.
ولا شك أن الأهمية المتزايدة لإقليم مصر هي التي دفعت الإمبراطورية للوقوف في وجه المسيحية، فلعلها - إلى جانب مخالفتها لدين الدولة الرسمي - تدفع الناس لمقاومة الظلم، فما كان من الحكام بها إلا أن زادوا من حجم الاضطهادات في القرن الثالث الميلادي، وبالتحديد في منتصفه، حين قام ديكيوس الرومانى بمحاولة إبادة المسيحيين على مستوى الإمبراطورية كلها بما فيها مصر، مما أدى إلى نوع من الانقسام بين المصريين، ما بين متحمل للاضطهاد وثابت على الحق مهما كلفه ذلك، وما بين متظاهر بالوثنية؛ نجاة بنفسه من الموت المحقق!
وقد بلغت المظالم وحركة الاضطهاد ذروتها في عهد دقلديانوس (284 - 305م) الذي تَأَبَّى المسيحيون عليه، ورفضوا تقديم القرابين لآلهته، فما كان منه إلا أن مَثَّل بهم، وارتكب في حقهم أفظع الجرائم حتى لقد أطلق على عصره "عصر الشهداء"؛ بسبب آلاف الأرواح التي أزهقت من قبط مصر بسبب اعتناقهم المسيحية، وتمسكه بفتنتهم عن دينهم. ومازالت الكنيسة القبطية حتى الآن تستخدم تقويمها القبطي بدءًا بسنة (284م)، التي اعتلى فيها عرش الإمبراطورية، رغم أن اضطهاده الفعلي بدأ قرب أواخر حكمه سنة (299م).
ويذكر المقريزى أن دقلديانوس هذا كان من غير بيت الملك، فلما ملك تجبر، وامتد ملكه إلى مدائن الأكاسرة ومدينة بابل، واستخلف ابنه على مملكة روما، واتخذ تخت ملكه بمدينة أنطاكية، وجعل لنفسه بلاد الشام ومصر إلى أقصى المغرب، فلما كان في السنة التاسعة عشرة من ملكه - وقيل الثانية عشرة - خالف عليه أهل مصر والإسكندرية، فبعث إليهم، وقتل منهم خلقا كثيرًا، وأوقع بالنصارى؛ فاستباح دماءهم، وغلَّق كنائسهم، وحمل الناس على عبادة الأصنام، وبالغ في الإسراف في قتل النصارى.
وقد أقام ملكا إحدى وعشرين سنة، وهلك بعد علل صعبة؛ دَوَّدَ منها بدنه وسقطت أسنانه، وهو آخر مَن عَبَدَ الأصنام من ملوك الروم، وكل من ملك بعده فإنما كان على دين النصرانية، ويقال: إن رجلا ثار بمصر يقال له "أجلة" وخرج عن طاعة الروم، فسار إليه دقلديانوس وحاصر الإسكندرية - دار الملك يومئذ - ثمانية أشهر، حتى أخذ "أجلة" وقتله، وعَمَّ أرض مصر كلها بالسبي والقتل.
وشأن جميع أفراد هذا النوع من أساطين الاستبداد في تاريخ العالم، من أمثال: فرعون موسى، ونمروذ إبراهيم، وستالين، وهتلر وغيرهم، نجد بكل أسى من يلتمس لهم المعاذير!!
فتراهم يقولون: إن دقلديانوس كان يرغب في توحيد الإمبراطورية، وكان الولاء العام لدين الدولة الرسمي هو الرباط الذى يربط أجزاءها، ولكن المسيحيين رفضوا هذه المشاركة في الوثنية، وكان طبيعيا – هكذا!! - أن يُدمجوا أو يستأصلوا، ومع ذلك فيبدو واضحا أن الاضطهاد الأكبر لم يحدث بناء على رغبة دقلديانوس، وإنما أمر به وهو كاره له أشد الكراهية، وتحت ضغط شديد من القيصر جاليريوس!!
نفس الاعتذار المرفوض الذي يتعلق به كل مستبد تافه، تورط في مثل هذه الهمجية من وحوش التعذيب في جميع العصور.
وبالرغم من ذلك يقول هـ آيدرس بل: إنه لمن الخطأ أن نعتقد أن الاضطهاد كان حملة متصلة، وأن الحكومة الرومانية اضطهدت المسيحيين بسبب عقائدهم الدينية بالذات، فقد كانت متسامحة كل التسامح في المسائل الدينية، ولم تحاول أن تستأصل شأفة أي عبادة جديدة إلا بحجة منافاتها للمبادئ الأخلاقية، أو تعارضها مع السياسة العامة، كان المسيحيون في نظر السلطات مواطنين أشرارًا، وعنصرا خطرًا في المجتمع؛ لأنهم كانوا يترفعون عن ممارسة شعائر الديانة الرسمية، ولا يقدسون صور الأباطرة.. غير أنه كان هناك دائما بين الوثنيين من كان مستعدًّا للتستر على أصدقائهم المسيحيين، كما كان حكام الولايات يحجمون أشد الإحجام في معظم الأحيان عن تطبيق قانون العقوبات عليهم، ولم يكن الاضطهاد عاما إلا عند حدوث كارثة قومية أو هياج شعبي، وكما قال ترتو ليانوس: فإذا فاض نهر التيبر على الجسور، أو غاض ماء النيل فلم يبلغ الحقول، أو أمسكت السماء عن المطر، أو زلزلت الأرض، أو حدثت مجاعة أو انتشر وباء تعالت الصيحات على الفور: "اقذفوا بالمسيحيين إلى الأسود"، وفي تلك الأوقات كان بين الناس من يعوزهم الجَلَد، وكان كثير منهم يصمدون للمحنة.
وللاقتناع بصورة الاضطهاد الذي طال مداه وتجاوب من كانوا ينفذونه أو عدم تجاوبهم، نستطيع أن نرى صورة واضحة ومجسمة لذلك إذا نظرنا إلى الاضطهادات المعاصرة، وهى تكاد لا تختلف، وقد صدر في الموضوع عديد من الكتب التفصيلية على أية حال.
بعد ذلك بعشر سنوات اتخذ الإمبراطور قسطنطين بيزنطة عاصمة للإمبراطورية الرومانية الشرقية، وسميت القسطنطينية، وأعلن اعتناقه المسيحية عام (324م)، يقول هـ أيدرس بل: "في وسعنا أن نشعر أن اعتناق الإمبراطور المسيحية لم يكن خيرًا كله، فلم يعد اعتناق هذا الدين يعني مجرد الأمان، وإنما أصبح بدعة العصر، وأسرع كثير من منتهزي الفرص إلى اعتناق الدين الجديد".
ولقد كانت مصر في عام (300م) بلدًا وثنيًّا في جوهره، رغم وجود عدد كبير من المسيحيين، ولكنه في عام (330م) صار بلدًا يدين معظم أهله بالمسيحية، وفي هذا يقول هـ .آيدرس بل: "... ولاشكَّ أن بعض هذا الانقلاب كان يرجع إلى توقف الاضطهاد لا إلى استمراره، فقد حدث في 30 ابريل (311م) أن أصدر جاليريوس - وكان يعانى مرضا كريها - قرارًا بوقف الاضطهاد، ملتمسا من المسيحيين أن يصلوا من أجله، ولقد استجابوا له ولكن دون جدوى، إذ قضى نحبه بعد ذلك بأيام قلائل".
اضطهاد المسيحيين قبل الانحسار الروماني والبيزنطي:
تطفح المصادر التاريخية التي تتعرض لهذه الفترة (ما بين ظهور المسيحية حتى انحسار الوجود الروماني والبيزنطي عن منطقة الشرق الأوسط) تطفح في مرارة بالأخبار الكثيرة عن هذا الاضطهاد؛ يقول المورخ القبطي زكي شنودة: "حين جلس مكسيميانوس على العرش سنة 235م اضطهد المسيحيين اضطهادًا شديدًا وخاصة في مصر، فاستشهد كثيرون في عهده، واضطر كثيرون إلى الفرار من وجهه، ومنهم البابا ياروكلاس بطريرك الإسكندرية".
وعن عهد ديسيوس الذى جلس على العرش سنة 249م يقول القديس ديونيسيوس: "إن الخوف عَمَّ الجميع، وقد فُصِلَ المسيحيون جميعا من خدمة الحكومة مهما كانت كفاءتهم أو مقدرتهم في عملهم، وكان الوثنيون يَشُون بالمسيحيين ويرشدون عنهم، فيؤتى بهم في الحال ويطلب إليهم تقديم الذبائح للأوثان، ومن أولئك الأتقياء رجل اسمه يوليانوس كان مُقعَدًا؛ فحمله رجلان إلى دار الحكم وطلبا إليه أن ينكر إيمانه فرفض، وعندئذٍ حملوه على جمل وطافوا به في شوارع الإسكندرية وهم يجلدونه بالسياط، ثم أخيرا طرحوه في لهيب النار فظل يحترق حتى مات".
وينقل لنا المقريزى في كتابه القيم "المواعظ والاعتبار" صورًا من المعاناة التي عاشها قبط مصر أثناء حكم بعض قياصرة الروم فيقول: "وفي أيام الملك أنديانوس قيصر أصاب النصارى منه بلاء كثير، وقتل منهم جماعة كثيرة، واستعبد باقيهم، فنزل بهم بلاء لا يوصف في العبودية حتى رحمهم الوزراء وأكابر الروم وشفعوا فيهم، فمَنَّ عليهم قيصر وأعتقهم".
واشتد الأمر على النصارى في أيام الملك أريدويانوس وقتل منهم خلائق لا يُحصَى عددهم، وقدم مصر فأفنى من بها من النصارى، وخرَّب ما بُنِيَ في مدينة القدس من كنيسة النصارى ومنعهم من التردد إليها فلم يتجاسر نصرانى أن يدنو من القدس، واشتد الملك أوليانوس قيصر على النصارى، وقتل منهم خلقا كثيرا".
وأثار الملك سوريانوس قيصر على النصارى بلاءً كبيرًا في جميع مملكته، وقتل منهم خلقا كثيرا، وقدم مصر وقتل جميع من فيها من النصارى، وهدم كنائسهم وبنى بالإسكندرية هيكلاً لأصنامه".
ولقي النصارى من الملك مكسيموس قيصر شدة عظيمة وقتل منهم خلقا كثيرا، "كما لقي النصارى من الملك داقيوس قيصر شدة؛ فإنه أمرهم أن يسجدوا لأصنامه، فأبوا من السجود لها فقتلهم أبرح قتلة".
"واشتد الأمر على النصارى في أيام الملك طيباريوس قيصر، وقتل منهم خلقا كثيرا، فلما كانت أيام دقلديانوس قيصر خالف عليه أهل مصر والإسكندرية فقتل منهم خلقا كثيرا، وكتب بغلق كنائس النصارى، وأمر بعبادة الأصنام، وقتل من امتنع منها، فارتد خلائق كثيرة جدا".
وفي عهد دقلديانوس قتل بطرك الإسكندرية بطرس بالسيف ومعه امرأته وابنتاه لامتناعهم من السجود للأصنام، وبدقلديانوس هذا يؤرخ قبط مصر إلى يومنا هذا، ثم قام بعده مكسيمانوس قيصر فاشتد على النصارى وقتل منهم خلقا كثيرا، حتى كانت القتلى منهم تحمل على العجل (العربات) وترمى في البحر.
ولم تلبث المسيحية أن لقيت قبولا في عهد الإمبراطور قسطنطين الأول (323 – 337م) لاسيما بعد أن اعترف بها دينا مسموحا به ضمن الديانات الأخرى في الدولة الرومانية بموجب مرسوم ميلان الشهير في عام 343م، ثم أصبحت الدين الرسمي الوحيد للدولة في عهد الإمبراطور تيودوسيوس الأول (379 - 395م) الذي أصدر مرسوما بذلك عام 380م كما أصدر مرسومين في عامي 392 و 394م حرم بموجبها العبادات الوثنية.
النزاع والصراع بين المسيحيين حول طبيعة المسيح:
لم تنعم مصر المسيحية طويلا بهذا النصر الذي أحرزه الدين المسيحي إذ ثار الجدل والنزاع منذ أيام قسطنطين الأول بين النصارى حول صفات المسيح، وقد تدخل قسطنطين الأول في هذه النزاعات الدينية البحتة، وعقد مجمع نيقية في عام 325م من أجل ذلك، وناقش هذا المجمع مذهب أريوس الإسكندري الذي أنكر صفة الشبه بين الأب والابن، وعَدَّ أن ابن الله ليس إلا مخلوقا فأنكر بذلك ألوهية المسيح، وتقرر بطلان مذهبه، والإعلان عن أن الابن من جوهر الأب نفسه، واتخذ معظم الأباطرة الذين جاءوا بعد قسطنطين الأول موقفا عدائيا من معتقدات النصارى في مصر؛ مما أدى إلى احتدام الجدل والنزاع الديني بين كنيستي الإسكندرية والقسطنطينية.
وقد بلغ أقصاه في منتصف القرن الخامس الميلادي، حينما اختلفت الكنيستان حول طبيعة المسيح، فاعتقدت الكنيسة المصرية بأن للمسيح طبيعة إلهية واحدة – مونوفيزيت - وتبنَّت كنيسة القسطنطينية القول بثنائية الطبيعة المحددة في مجمع خلقيدونية، ورأت أن في المسيح طبيعة بشرية وطبيعة إلهية، وهو المذهب الرسمي للإمبراطور البيزنطي، وقد عقد الإمبراطور مرقيان (4550 - 457م) مجمعا دينيا في خلقيدونية في عام 451م من أجل وضع حد لهذا النزاع، تقرر فيه تحديد العقيدة الدينية المتعلقة بطبيعتي المسيح. وأنكر المجتمعون نحلة المونوفيزيتيين، وكفَّروا من قال بأن للمسيح طبيعة واحدة، وعَدُّوهم خارجين على الدين الصحيح، كما تقرر حرمان ديسقوروس بطريرك الإسكندرية من الكنيسة.
والواضح أن ما أحرزته كنيسة القسطنطينية من انتصار على كنيسة الإسكندرية إنما يدل على أن دعوى الكنيسة الأولى بأن لها الصدارة بين الكنائس الشرقية ومساواتها بالكنيسة الغربية في روما قد أضحى واقعا، واتخذت القضية في مصر شكلا قوميًّا؛ إذ لم يقبل ديسقوروس ولا نصارى مصر ما أقره مجمع خلقيدونية، وأطلقوا على أنفسهم اسم الأرثوذكس أي أتباع الديانة الصحيحة، وعُرِفَتِ الكنيسة اليعقوبية نسبة إلى يعقوب البرادعي أسقف الرها المونوفيزيتي الذي زار مصر في النصف الثاني من القرن السادس الميلادي ونظم كنيستها. أما أتباع كنيسة القسطنطينية فقد عُرِفُوا بعد الفتوحات الإسلامية باسم الملكانيين لاتباعهم مذهب الإمبراطور.
أضحى هذا النزاع بين الكنيستين مشكلة أقلقت المسئولين البيزنطيين، إذ أن المونوفيزيتية ليست إلا تعبيرا عما بمصر وبلاد الشام من ميول انفصالية، وكانت الأداة التي اتخذها النصارى في هذه الجهات لمناهضة الحكم البيزنطي، فألغت كنيسة الإسكندرية استخدام اللغة اليونانية في طقوسها وشعائرها، واستخدمت بدلاً منها اللغة المصرية القبطية.
وما حدث من القلاقل الدينية في الإسكندرية وبيت المقدس وأنطاكية، وتَعَرُّض السكان في مصر لأشد أنواع الاضطهاد، وحرمان ديسقوروس وطرده من الكنيسة بسبب ما جرى من محاولة تنفيذ قرارات مجمع خلقيدونية بالقوة، إنما اتخذ صفة الثورات الوطنية العنيفة، ولم تقمعها السلطات إلا بعد أن أراقت دماء كثيرة.
وعندما استولى هرقل على الحكم، رأى أن ينقذ البلاد من الخلاف الديني، وأَمَّلَ المصريون بانتهاء عهود الاضطهادات وإراقة الدماء، ومن خلال البطريرك سرجيوس، الذي أدرك خطورة الموقف، لم يَأْلُ جهدا في أن يعيد للكنيسة الهدوء والسكينة؛ ذلك أنه اعتقد بقدرته على التوفيق بين المذهبين الخلقيدوني والمونوفيزتي، فتبنى مذهب الفعل الواحد في المسيح، وهي وحدة تعرب عن وحدة الأقنوم (الشخص) لا عن وحدة الطبيعة، وأسند الرئاسة الدينية والسياسية في مصر للمقوقس أسقف فاسيس في بلاد القوقاز، وطلب منه أن يحمل أهل مصر على اعتناق المذهب الموحد، غير أنه لم يدرك أن مذهبه هذا قد ترفضه كنيسة مصر، و هذا ما حصل!
اضْطُرَّ المقوقس للضغط على المصريين وخَيَّرَهم بين أمرين: إما الدخول في مذهب هرقل الجديد، وإما الاضطهاد. وقبل أن يصل الحاكم الجديد إلى الإسكندرية في عام 631م هرب البطريرك القبطي بنيامين، توقعا لما سيحل به وبطائفته من الاضطهاد من جزاء فرض المذهب الجديد.
كان هذا القرار نذيرًا أزعج الأقباط، وأفزع أهل الدين منهم وبخاصة أنه كان لهذا البطريرك مكانة محببة بين الأقباط في مصر، ولجأ المقوقس إلى البطش والتعذيب، وقاسى الأقباط جميع أنواع الشدائد فيما سُمِّيَ (بالاضطهاد الأعظم) الذي استمر عشر سنوات، مما كان له أثر في سهولة فتح المسلمين لمصر". [راجع في ذلك د/ طقوش: تاريخ الخلفاء الراشدين].
ويمكن حصر الخلاف المذهبي في هذين الاتجاهين:
1- اتجاه يمثله الملكانيون (حزب الإمبراطورية البيزنطية): شعارهم ازدواج طبيعة واحدة؛ فالألوهية طبيعة وحدها، والناسوت طبيعة وحده، ويلعن أصحاب هذا المذهب ويضطهدون كل من خالفهم الرأي.
2- اليعاقبة: وهم معظم أهل مصر من القبط، ويقولون بأن للمسيح طبيعة واحدة هي الألوهية، وفيها تكونت طبيعته البشرية، مثل: قطرة الخل تقع في بحر عميق لا قرار له، وكلا الفريقين كافر بالله، ضال عن الحق.
واحتدم الصراع بين أنصار مذهب اليعاقبة السائد في كثير من بلاد الإمبراطورية البيزنطية، وبين الإمبراطورية نفسها ذات المذهب المخالف، فعاقبت الإمبراطورية المخالفين لمذهبها كما أشرنا من قبل.
..يُتبع
أمــة الله
28.12.2009, 20:55
الأحوال السياسية (http:///####script:Expand_Collapse('5'))
كانت مصر ولاية رومانية تابعة مباشرة لروما منذ عام 31 ق.م، حين استولى الرومان عليها وقضوا على حكم البطالسة فيها، واتخذها الإمبراطور أغسطس قيصر مخزنا يمد روما بحاجتها من الغلال.
اتصف الحكم الروماني لمصر بالتعسف، فقد برع الرومان في ابتكار الوسائل التي تتيح لهم استغلال موارد البلاد، ففرضوا على المصريين نظما ضريبية متعسفة شملت الأشخاص والأشياء والصناعات والماشية والأراضي، فضاق المصريون بها ذَرْعًا، وقاموا بعدة ثورات ضد الحكم الروماني لعل أشهرها تلك التي قامت في عهد الإمبراطور ماركوس أورليوس (161 – 180م)، م، وتعرف بحرب الزراع أو الحرب البوكولية، ولكن الرومان كانوا يقضون على هذه الثورات في كل مرة.
ظلت مصر تحت الحكم الروماني ما يزيد عن ستة قرون، وفي عام 395م انقسمت الإمبراطورية الرومانية إلى قسمين: شرقي وغربي، وعلى الرغم من استمرار فكرة الإمبراطورية، فقد حكم إمبراطوران مَعًا، واحد في الشرق وآخر في الغرب، وفي عام 476م سقط القسم الغربي في أيدي البرابرة الجرمان في حين نجا القسم الشرقي الذي عُرِفَ بالإمبراطورية البيزنطية، وعاصمته القسطنطينية.
وكان شمالي إفريقية - ومن ضمنه مصر - تابع لهذه الإمبراطورية من خلال ما كان يعرف بأرخونية إفريقية، إلا أنها بظروفها السياسية والدينية تُعَدُّ امتدادًا طبيعيًّا لبلاد الشام مع بعض الاختلاف في المدى الذي ترتبط به بالحكم المركزي في القسطنطينية؛ فقد وحدت بينهما العقيدة النصرانية، ولكن وفقا لمفهوم لا يتفق كثيرا مع المذهب الإمبراطوري الملكاني.
ومن ناحية أخرى، كان الحكم البيزنطي مباشرًا ومستبدًّا، يدار بواسطة حاكم يعينه الإمبراطور، لكن الحضور السياسي كان ضعيفا، مما أدى إلى انعدام التوازن في العلاقة بين الحكم المركزي والشعب المصري، وكان المظهر الوحيد للسيادة المركزية والإدارية التي تُؤَمِّنُ مصالح الدولة الحاكمة، هو وجود مراكز عسكرية في المدن الكبرى، وبعض الحاميات المنتشرة في الداخل.
وكانت مصر بوصفها مرتبطة مباشرة بالحكم المركزي تتأثر بما كان يحدث في البلاط البيزنطي من صراعات ومؤامرات من أجل السلطة؛ فَتَعَرَّضَ المصريون لأشد أنواع المضايقات في عهد الإمبراطور فوقاس (602 -610م)، فما اشتُهِرَ به عهدُه من المؤامرات والاغتيالات، إنما حدد الإطار الخارجي الذي جرى في نطاقه من العوامل ما أَدَّى إلى انتشار الفوضى والتفكك البطيء في الحكومة والمجتمع، وقد تأثرت مصر بذلك، فامتلأت أرض الصعيد بعصابات اللصوص وقطاع الطرق، وغزاها البدو وأهل النوبة، واضطربت أوضاع مصر السفلى أيضا وأضحت ميدانًا للشغب والفتن والثورات بين الطوائف، أوشكت أن تكون حربا أهلية. وانصرف الحكام إلى جمع المال لخزينة الإمبراطورية، بِغَضِّ النظر عن مشروعية الوسائل أو عدم مشروعيتها، فاضطرمت مصر بنار الثورة.
وتعرضت الإمبراطورية في هذه الأثناء إلى كارثة خطيرة، إذ هُزِمَتْ عسكريًّا في البلقان وآسيا الصغرى وبلاد الشام، واجتاحتها الجيوش الفارسية، ثم شرع الفرس يغزون مصر!
..يُتبع
أبو السائب أكرم المصري
28.12.2009, 21:29
جزاكم الله خيرا
متابعين ان شاء الله
http://www.ebnmaryam.com/vb/images/smilies/point2.gifhttp://www.ebnmaryam.com/vb/images/smilies/98-.gif
http://www.ebnmaryam.com/vb/images/smilies/point2.gifhttp://www.ebnmaryam.com/vb/images/smilies/98-.gif اختى الحبيبة نورا
حياكِ الله بيننا ومرحبا بكِ بقيم مشاركاتك وابحاثك الطيبة
فشكرا لكِ على هذا البحث الرائع والمفيد
http://www.ebnmaryam.com/vb/images/smilies/etoileverte.gif http://www.ebnmaryam.com/vb/images/smilies/spinstar.gif طاب مقامك بيننا وجزاكِ الله خيرا _ ونفع بعلمك الوفير http://www.ebnmaryam.com/vb/images/smilies/etoileverte.gifhttp://www.ebnmaryam.com/vb/images/smilies/spinstar.gif
تسمحى لى ان اضيف ...
كانت مصر أثناء الحكم البيزنطي خاضعة مباشرةً للامبراطور البيزنطي في القسطنطينية، وذلك لأهميتها الاقتصادية
للدولة الرومانية في الشرق والغرب، حيث كانت مصر تعتبر مخزن غلال الامبراطورية وذلك خلافاً لبقية مقاطعات
الدولة الرومانية والتي كانت خاضعة لحكم مجلس الشيوخ.[3] (http://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%A7%D9%84%D9%81%D8%AA%D8%AD_%D8%A7%D9%84%D8%A5% D8%B3%D9%84%D8%A7%D9%85%D9%8A_%D9%84%D9%85%D8%B5%D 8%B1#cite_note-2) وكان اختلاف عقيدة المصريين عن حكامهم سببا
في اضطهادهم من قبل البيزنطيين (http://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%A8%D9%8A%D8%B2%D9%86%D8%B7%D8%A9) وذلك لإختلاف عقيدة المصريين الذين رفضوا قرارات مجمع خلقيدونية (451)
عن عقيدة البيزنطيين الذين قبلوا بقرارات هذا المجمع.
هناك عدة دوافع دفعت المسلمين إلي الإتجاه إلي فتح مصر ومنها
الدافع الديني: وهو ضرورة نشر الإسلام (http://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%A5%D8%B3%D9%84%D8%A7%D9%85) في مصر وأفريقيا (http://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%A3%D9%81%D8%B1%D9%8A%D9%82%D9%8A%D8%A7)، وقد سبق للمسلمين في عهد النبي محمد (http://ar.wikipedia.org/wiki/%D9%85%D8%AD%D9%85%D8%AF_%D8%A8%D9%86_%D8%B9%D8%A8 %D8%AF_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87)
دعوة المقوقس (http://ar.wikipedia.org/wiki/%D9%83%D9%8A%D8%B1%D8%B3_(%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%82 %D9%88%D9%82%D8%B3)) إلى الإسلام سلميا، فقد أرسل له النبي الصحابي حاطب بن أبي بلتعة (http://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%AD%D8%A7%D8%B7%D8%A8_%D8%A8%D9%86_%D8%A3%D8%A8 %D9%8A_%D8%A8%D9%84%D8%AA%D8%B9%D8%A9)، وكذلك أبو بكر (http://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%A3%D8%A8%D9%88_%D8%A8%D9%83%D8%B1)
الصديق أرسل إليه حاطبًا مرة أخرى، وفي عهد عمر بن الخطاب (http://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%B9%D9%85%D8%B1_%D8%A8%D9%86_%D8%A7%D9%84%D8%AE %D8%B7%D8%A7%D8%A8) أرسل إليه كعب بن عدي بن حنظلة (http://ar.wikipedia.org/w/index.php?title=%D9%83%D8%B9%D8%A8_%D8%A8%D9%86_%D 8%B9%D8%AF%D9%8A_%D8%A8%D9%86_%D8%AD%D9%86%D8%B8%D 9%84%D8%A9_%D8%A7%D9%84%D8%AA%D9%86%D9%88%D8%AE%D9 %8A&action=edit&redlink=1)
التنوخي، فما كان من المقوقس (http://ar.wikipedia.org/wiki/%D9%83%D9%8A%D8%B1%D8%B3_(%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%82 %D9%88%D9%82%D8%B3)) إلا أن اكتفي بالرد الحسن. وكانت مصر خاضعة للإمبراطورية البيزنطية
فلا يمكن للمسلمين الدعوة إلي الإسلام هناك دون المواجهة مع البيزنطيين، وتمثل مصر مكانة كبيرة
لدي المسلمين بسبب ذكرها العديد من المرات في القرأن الكريم وتبشير النبي محمد للمسلمين بفتحها
وتوصيته بأهلها خيرا كل ذلك جعل المسملين حرصين علي ضم مصر إلي الدولة الإسلامية [4] (http://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%A7%D9%84%D9%81%D8%AA%D8%AD_%D8%A7%D9%84%D8%A5% D8%B3%D9%84%D8%A7%D9%85%D9%8A_%D9%84%D9%85%D8%B5%D 8%B1#cite_note-.D8.AF.D9.88.D8.A7.D9.81.D8.B9_.D9.81.D8.AA.D8.AD_ .D9.85.D8.B5.D8.B1-3).
الدافع العسكري: لأن مصر هي الإمتداد الطبيعي الجنوبي لفلسطين (http://ar.wikipedia.org/wiki/%D9%81%D9%84%D8%B3%D8%B7%D9%8A%D9%86) التي سيطر عليها المسلمون وقد
إنسحب إليها أرطبون (http://ar.wikipedia.org/w/index.php?title=%D8%A3%D8%B1%D8%B7%D8%A8%D9%88%D9% 86&action=edit&redlink=1) قائد بيت المقدس (http://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%AF%D8%B3) لإعادة المقاومة، وإسترجاع الشام مرة أخرى، هذا ما جعل
المسلمون يسارعون في دخول مصر، وأيضا الإستيلاء علي ما في مصر من ثغور وسفن سوف يمكِّن
المسلمين من إخضاع مدن الشام الشمالية الواقعة على البحر المتوسط (http://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AD%D8%B1_%D8%A7%D9%84%D8%A3% D8%A8%D9%8A%D8%B6_%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AA%D9%88%D 8%B3%D8%B7)، ففتح مصر ضرورة حربية ملحة
تكميلا لفتح بلاد الشام (http://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%B4%D8%A7%D9%85_(%D8%AA%D9%88%D8%B6%D9%8A%D8%AD ))؛ هذا لأن الإمبراطورية الرومانية كانت تسيطر علي مصر والشام وبلاد المغرب
والتي تعتبر منطقة عسكرية واحدة، وأيضا خوفا من أن يهاجم البيزنطيون دار الخلافة في الحجاز عن
طريق البحر الأحمر، وأيضا حاول البيزنطيون إسترداد الشام من المسلمين مرة أخرى وعرقلة توجههم
جنوبا فهاجموهم من شمال الشام فشعر المسلمون أنهم محاصرون بين قوات بيزنطة في آسيا الصغرى
وقواتهم في مصر. وأيضا قلة التحصينات بمصر جعل مهمة الفتح سهلة وكان أغلب المشاركين في الفتح
من من قبيلتي غافق وعك اليمنيتين وكان لديهم مهارة في قتال الحصون الساحلية، واشتركوا مع عمرو
في فتح الحصون ببلاد الشام، كما كانوا على دراية ببناء المدن واختطاطها، والإلمام بالزراعة[4] (http://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%A7%D9%84%D9%81%D8%AA%D8%AD_%D8%A7%D9%84%D8%A5% D8%B3%D9%84%D8%A7%D9%85%D9%8A_%D9%84%D9%85%D8%B5%D 8%B1#cite_note-.D8.AF.D9.88.D8.A7.D9.81.D8.B9_.D9.81.D8.AA.D8.AD_ .D9.85.D8.B5.D8.B1-3).
الدافع السياسي الاقتصادي:فقد تَجَمَّع لدى المسلمين من معلومات أن الأوضاع الاقتصادية في مصر كانت
متردية وكانت ثروات البلاد تذهب إلي روما، وأيضا أوضاع المصريين الأقباط الذين كانوا يعانوا من
الأضطهاد الديني المذهبي من قبل البيزنطيين، وأدركوا أن ضم مصر إلي دولة الإسلام سينعش اقتصاد
المسلمين ويضعف البيزنطييين حيث أن مصر كانت مصدرا رئيسيا لتمويل بيزنطة بالقمح[4] (http://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%A7%D9%84%D9%81%D8%AA%D8%AD_%D8%A7%D9%84%D8%A5% D8%B3%D9%84%D8%A7%D9%85%D9%8A_%D9%84%D9%85%D8%B5%D 8%B1#cite_note-.D8.AF.D9.88.D8.A7.D9.81.D8.B9_.D9.81.D8.AA.D8.AD_ .D9.85.D8.B5.D8.B1-3).
الدافع الديني: وهو ضرورة نشر الإسلام (http://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%A5%D8%B3%D9%84%D8%A7%D9%85) في مصر وأفريقيا (http://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%A3%D9%81%D8%B1%D9%8A%D9%82%D9%8A%D8%A7)، وقد سبق للمسلمين في عهد النبي محمد (http://ar.wikipedia.org/wiki/%D9%85%D8%AD%D9%85%D8%AF_%D8%A8%D9%86_%D8%B9%D8%A8 %D8%AF_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87)
دعوة المقوقس (http://ar.wikipedia.org/wiki/%D9%83%D9%8A%D8%B1%D8%B3_(%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%82 %D9%88%D9%82%D8%B3)) إلى الإسلام سلميا، فقد أرسل له النبي الصحابي حاطب بن أبي بلتعة (http://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%AD%D8%A7%D8%B7%D8%A8_%D8%A8%D9%86_%D8%A3%D8%A8 %D9%8A_%D8%A8%D9%84%D8%AA%D8%B9%D8%A9)، وكذلك أبو بكر (http://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%A3%D8%A8%D9%88_%D8%A8%D9%83%D8%B1)
الصديق أرسل إليه حاطبًا مرة أخرى، وفي عهد عمر بن الخطاب (http://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%B9%D9%85%D8%B1_%D8%A8%D9%86_%D8%A7%D9%84%D8%AE %D8%B7%D8%A7%D8%A8) أرسل إليه كعب بن عدي بن حنظلة (http://ar.wikipedia.org/w/index.php?title=%D9%83%D8%B9%D8%A8_%D8%A8%D9%86_%D 8%B9%D8%AF%D9%8A_%D8%A8%D9%86_%D8%AD%D9%86%D8%B8%D 9%84%D8%A9_%D8%A7%D9%84%D8%AA%D9%86%D9%88%D8%AE%D9 %8A&action=edit&redlink=1)
التنوخي، فما كان من المقوقس (http://ar.wikipedia.org/wiki/%D9%83%D9%8A%D8%B1%D8%B3_(%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%82 %D9%88%D9%82%D8%B3)) إلا أن اكتفي بالرد الحسن. وكانت مصر خاضعة للإمبراطورية البيزنطية
فلا يمكن للمسلمين الدعوة إلي الإسلام هناك دون المواجهة مع البيزنطيين، وتمثل مصر مكانة كبيرة لدي
المسلمين بسبب ذكرها العديد من المرات في القرأن الكريم وتبشير النبي محمد للمسلمين بفتحها
وتوصيته بأهلها خيرا كل ذلك جعل المسملين حرصين علي ضم مصر إلي الدولة الإسلامية [4] (http://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%A7%D9%84%D9%81%D8%AA%D8%AD_%D8%A7%D9%84%D8%A5% D8%B3%D9%84%D8%A7%D9%85%D9%8A_%D9%84%D9%85%D8%B5%D 8%B1#cite_note-.D8.AF.D9.88.D8.A7.D9.81.D8.B9_.D9.81.D8.AA.D8.AD_ .D9.85.D8.B5.D8.B1-3).
الدافع العسكري: لأن مصر هي الإمتداد الطبيعي الجنوبي لفلسطين (http://ar.wikipedia.org/wiki/%D9%81%D9%84%D8%B3%D8%B7%D9%8A%D9%86) التي سيطر عليها المسلمون وقد
إنسحب إليها أرطبون (http://ar.wikipedia.org/w/index.php?title=%D8%A3%D8%B1%D8%B7%D8%A8%D9%88%D9% 86&action=edit&redlink=1) قائد بيت المقدس (http://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%AF%D8%B3) لإعادة المقاومة، وإسترجاع الشام مرة أخرى، هذا ما جعل
المسلمون يسارعون في دخول مصر، وأيضا الإستيلاء علي ما في مصر من ثغور وسفن سوف يمكِّن
المسلمين من إخضاع مدن الشام الشمالية الواقعة على البحر المتوسط (http://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AD%D8%B1_%D8%A7%D9%84%D8%A3% D8%A8%D9%8A%D8%B6_%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AA%D9%88%D 8%B3%D8%B7)، ففتح مصر ضرورة حربية ملحة
تكميلا لفتح بلاد الشام (http://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%B4%D8%A7%D9%85_(%D8%AA%D9%88%D8%B6%D9%8A%D8%AD ))؛ هذا لأن الإمبراطورية الرومانية كانت تسيطر علي مصر والشام وبلاد المغرب
والتي تعتبر منطقة عسكرية واحدة، وأيضا خوفا من أن يهاجم البيزنطيون دار الخلافة في الحجاز عن
طريق البحر الأحمر، وأيضا حاول البيزنطيون إسترداد الشام من المسلمين مرة أخرى وعرقلة توجههم
جنوبا فهاجموهم من شمال الشام فشعر المسلمون أنهم محاصرون بين قوات بيزنطة في آسيا الصغرى
وقواتهم في مصر. وأيضا قلة التحصينات بمصر جعل مهمة الفتح سهلة وكان أغلب المشاركين في الفتح
من من قبيلتي غافق وعك اليمنيتين وكان لديهم مهارة في قتال الحصون الساحلية، واشتركوا مع عمرو
في فتح الحصون ببلاد الشام، كما كانوا على دراية ببناء المدن واختطاطها، والإلمام بالزراعة[4] (http://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%A7%D9%84%D9%81%D8%AA%D8%AD_%D8%A7%D9%84%D8%A5% D8%B3%D9%84%D8%A7%D9%85%D9%8A_%D9%84%D9%85%D8%B5%D 8%B1#cite_note-.D8.AF.D9.88.D8.A7.D9.81.D8.B9_.D9.81.D8.AA.D8.AD_ .D9.85.D8.B5.D8.B1-3).
الدافع السياسي الاقتصادي:فقد تَجَمَّع لدى المسلمين من معلومات أن الأوضاع الاقتصادية في مصر كانت
متردية وكانت ثروات البلاد تذهب إلي روما، وأيضا أوضاع المصريين الأقباط الذين كانوا يعانوا من
الأضطهاد الديني المذهبي من قبل البيزنطيين، وأدركوا أن ضم مصر إلي دولة الإسلام سينعش اقتصاد
المسلمين ويضعف البيزنطييين حيث أن مصر كانت مصدرا رئيسيا لتمويل بيزنطة بالقمح[4] (http://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%A7%D9%84%D9%81%D8%AA%D8%AD_%D8%A7%D9%84%D8%A5% D8%B3%D9%84%D8%A7%D9%85%D9%8A_%D9%84%D9%85%D8%B5%D 8%B1#cite_note-.D8.AF.D9.88.D8.A7.D9.81.D8.B9_.D9.81.D8.AA.D8.AD_ .D9.85.D8.B5.D8.B1-3).
أمــة الله
02.01.2010, 00:08
جزاكم الله خيرا
متابعين ان شاء الله
وجزاك بالمثل أخي الفاضل أبو السائب المصري
مشكور على المرور والمتابعة
اختى الحبيبة نورا
حياكِ الله بيننا ومرحبا بكِ بقيم مشاركاتك وابحاثك الطيبة
فشكرا لكِ على هذا البحث الرائع والمفيد
أختي الغالية نضال جزاك الله الجنة على المرور القيم
وعلى الإضافة الرائع أثريتِ الموضوع سلمت يمناكِ
تشرفت بمرورك العطر ..حياكِ الله
أمــة الله
02.01.2010, 00:10
كسرى أبرويز (http:///####script:Expand_Collapse('6'))
وفي أيام فوقا (فوكاس) (602 - 610م) ملك الروم، بعث كسرى أبرويز ملك فارس جيوشه إلى بلاد الشام ومصر، فخربوا كنائس القدس وفلسطين وعامة بلاد الشام، وقتلوا النصارى بأجمعهم، وأتوا إلى مصر في طلبهم فقتلوا منهم أمة كبيرة، وسبوا منهم سبيًا لا يدخل تحت حصر، وساعدهم اليهود في محاربة النصارى وتخريب كنائسهم.
وفي أيام "فوكاس" أُقِيمَ يوحنا الرحوم بطرك الإسكندرية فدبر أرض مصر كلها عشر سنين، ومات بقبرص وهو فَارٌّ من الفرس، فخلا كرسي الإسكندرية من البطركية سبع سنين لخلو أرض مصر والشام من الروم، واختفي من بقي بها من النصارى خوفا من الفرس. وكان غزو الفرس للإسكندرية عام 617م، وتم لهم إخضاع مصر عام 618م، وبلغوا أقاصي الصعيد حتى أسوان، وبقي سلطانهم في مصر حوالي عشر سنوات.
وعندما ملك هرقل (610 - 641م) الروم بالقسطنطينية تغلب على الفرس وغزا عاصمتهم المدائن، وأجبرهم على الانسحاب من جميع الأراضي التي استولوا عليها من آسيا الصغرى وبلاد الشام، وخرجوا من مصر عام 627م ، وهكذا عاد الروم إلى مصر في عهد هرقل.
والحقيقة إن تغلب الروم على الفرس كان أمرًا متوقعًا ولا يدعو إلى الدهشة بالنسبة للمسلمين، لماذا؟ لأن الله تعالى قد أخبر بذلك في كتابه الكريم؛ ففي أوائل الفترة المكية نزل القرآن الكريم بمقدمات سورة الروم وفيها: [الم غُلِبَتِ الرُّومُ فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ فِي بِضْعِ سِنِينَ] {الروم: 1 – 4} وكان هذا إخبارًا بما حدث من هزيمة الروم، وبما سيحدث من انتصارهم لاحقا على الفرس.
وقد ذهب أبو بكر الصديق رضي الله عنه يذكر ذلك للمشركين يغيظهم به، وقد كان المسلمون يفرحون لنصر الروم لأنهم أهل كتاب، بينما يفرح المشركون لنصر الفرس لأنهم وثنيون مثلهم، فقال أبو بكر الصديق رضي الله عنه: لَيَظْهَرَنَّ الروم على فارس أخبرنا بذلك نبينا؛ فصاح به أُبي بن خلف قائلا: كذبت يا أبا فيصل.. فقال الصديق: أنت أكذب يا عدو الله، فقالوا: هل لك أن نقامرك (وذلك قبل تحريم المراهنة والمقامرة)؟ فبايعوه على أربع قلائص إلى سبع سنين ومشت السبع سنين ولم يكن شيء؛ ففرح المشركون بذلك فشَقَّ على المسلمين؛ فذُكِرَ ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: "ما بضع سنين عندكم؟". فقالوا: دون العشر، قال: "اذهب فزايدهم سنتين في الأجل." قال: فما مضت السنتان حتى جاءت الركبان بظهور الروم على الفرس".
الروم مرة أخرى:
خرج الفرس من مصر عام 627م، وعاد إليها الروم البيزنطيون، وفي عام 631م أرسل هرقل الأسقف سيروس Cyrus بطركا للإسكندرية، وهو الذي ذكره المقريزي باسم "فيرس" وذكره غيره باسم "قيرس" وكان ملكاني المذهب، وإلى جوار أنه كان أسقفا فقد كان نائبا عن هرقل في حكم مصر، وكانت الإسكندرية مازالت هي عاصمة البلاد.
وصل "قيرس" إلى الإسكندرية، وبدأ اضطهاده للقبط ليحملهم على اتباع المذهب الملكاني الحكومي، فكان عليهم أن يختاروا بين مذهب خلقيدونية بنصه أو الجلد أو الموت، وبلغ السيل الزبي بقبط مصر، فلئن كان حكم الفرس مما لم يرغبوا فيه لِمَا كان معه من ظلم وجور، فإن حكم الرومان وبطشهم وعسفهم لم يكن مما يفرحون به ويحمدونه، فقد جاء "قيرس" ليحرمهم حريه العقيدة، وتتفق كلمه المؤرخين أن اضطهاد "قيرس" للقبط قد استمر عشر سنوات، بمعنى أنه استمر طول مدة ولايته.
..يُتبع مع علاقة مصر بالدولة الإسلامية
أمــة الله
02.01.2010, 00:11
علاقة مصر بالدولة الإسلامية
مقدمة (http:///####script:Expand_Collapse('1'))
جاء الفتح الإسلامي لمصر عام 640 - 642م، وهذا الفتح لم يكن على أي نسقٍ سابق أو لاحق، وبالرغم من أن الفتح الإسلامي قد محا كل أثر لأي غزو سابق، وبالرغم من أن أرض الكنانة مصر تعرضت لغزوات واحتلال بعد ذلك، فإن أيًا منها لم يستطع أن يغير شيئًا من نتائج الفتح الإسلامي على يد عمرو بن العاص في عهد الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنهما.
وعلى إثر هذا الفتح ظلت مصر عربية إسلامية إلى يومنا هذا، وإلى أن تقوم الساعة بإذن الله، وكان دخول المسلمين مصر في أعقاب دول وحضارات سبقت، بدأت بالفرعونية ثم الرومانية فالقبطية والبيزنطية.
المقوقس:
لم تكن كلمه "المقوقس" اسما لرجل، إنما كانت لقبا أو اسما لوظيفة، فهي كلمة يونانية معناها المفخم أو المبجل، كما نقول اليوم: صاحب الجلالة أو السمو، أو عظمة السلطان أو فخامة الرئيس. وقد ظهر هذا اللفظ أول ما ظهر في تاريخنا في رسالة النبي صلى الله عليه وسلم إلى المقوقس عظيم القبط، ثم عاد إلى الظهور مرة أخرى في أحداث فتح مصر.
ونذهب إلى أنه لم يكن مقوقسا واحدا، إنما كان هناك مقوقسان: أولهما الذي تلقى رسالة النبي صلى الله عليه وسلم، وكان اسمه جورج، وكما قال عنه الرواة المسلمون: جريج بن قرقب الرومي، وكان هو الحاكم الرومي من قِبَلِ القسطنطينية، وكانت رسالة النبي صلى الله عليه وسلم إليه تدعوه إلى الإسلام، وبالرغم من أنه لم يسلم لكنه أجاب جوابا جميلا، وبعث إلى النبي صلى الله عليه وسلم ببعض الهدايا.
رسالة النبي عليه الصلاة والسلام الى المقوقس
رسالة الرسول صلى الله عليه وسلم إلى المقوقس
http://www.khayma.com/fahad1390/images/din/139/139.ht9.gif
أرسل النبي صلى الله عليه وسلم حاطب بن أبي بلتعه برسالة إلى المقوقس
نص رسالة الرسول صلى الله عليه وسلم الى المقوقس مقسمة الى 12 سطرا وفق ما جاء في الوثيقة الاصلية
بسم الله الرحمن الرحيم. من محمد عبد الله ور
سوله الى المقوقس عظيم القبط. سلام على
من اتبع الهدى، اما بعد:
فإني ادعوك بدعاية الاسلام أسلم تسلم
يؤتك الله اجرك مرتين
فإن توليت فعليك اثم القبط
"با اهل الكتاب تعالوا الى كلمة
سواء بيننا وبينكم ألا نعبد الا الله
ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا
بعضا اربابا من دون الله فإن
تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون
أما المقوقس الثاني
فقد ذكرته المصادر العربية باسم "فيرس"، وكتبها بعضهم "قيرس"، ونختار أن نكتبها كما تنطق وهي سيروس Cyrus وهو اسم مازال معروفا عند اليونانيين وغيرهم، وكان هو الحاكم الرومي من قبل هرقل على ولاية مصر، كما كان البطرك الملكاني لكنيسة الإسكندرية، فاجتمعت في يده السلطتان.
وبعض من كتب ذهب إلى أنه كان مصريا قبطيا، وبعضهم استند إلى رسالة النبي صلى الله عليه وسلم إليه التي استهلها بعبارة: "من محمد رسول الله إلى المقوقس عظيم القبط"، ويبنون على ذلك أنه كان من القبط، ولكن في روايات واضحة أنه كان من الروم، وفى أوضاع كالتي كانت في مصر حينذاك كان عظيم القبط من الروم.
كانت الكنيسة قد انشقت إلى كنيستين: الكنيسة اليعقوبية في الإسكندرية، وتقول بأن للمسيح إرادة واحدة وطبيعة واحدة إلهية، والكنيسة البيزنطية، وتقول بأن للمسيح إرادة واحدة وطبيعتين. وأراد هرقل - كما أشرنا - التوفيق بين الكنيستين، وابتدع سرجيوس بطرك القسطنطينية بدعة جديدة بأن للمسيح إرادة واحدة وأن يمتنع الناس عن الخوض في طبيعته، وتبنى هرقل هذا المذهب، وقَبِلَه سيروس مطران فاسيس فى مستهل عام 631م فولاه هرقل بطركة الإسكندرية، كما أسند إليه حكم مصر وجمع خراجها.
ولكن بنيامين تزعم القبط في رفض هذا المذهب الملكاني، وراح المقوقس يحارب القبط ومذهبهم ويضطهدهم لإجبارهم على مذهبه، حتى صار اسمه مفزعا للقبط كريها لديهم، ويذكر مؤرخو القبط أنهم ولمدة عشر سنين كانوا يخيرون بين قبول مذهب خلقيدونية أو الجلْد أو الموت، حتى قال بتلر: "... علينا أن نبين هنا بيانا لا شك فيه أنه لم يكن في ذلك الوقت شيء اسمه القبط في ميدان النضال، ولم تكن منهم طائفة لها يد فيه، بل كان القبط إذ ذاك بمنحاة عنه، قد أذلهم قيرس وأرغم أنوفهم...".
وقد دبر فريق من الجايانية من القبط لقتل سيروس، ولكن أخبار المؤامرة نمت إلى علمه فقضى عليها، ولم يكن القبط وحدهم الذين عارضوا المقوقس سيروس، وإنما الملكانيون أيضا لم يعجبهم ذلك المذهب الوسط بين المذهبين، وتزعم معارضتهم صفرونيوس بطرك القدس.
ثم جاء المسلمون وفتحوا الفرما ثم بلبيس ثم هزموا الروم في عين شمس وحاصروا حصن بابليون وكان به المقوقس، ثم عبر إلى جزيرة (الروضة) في 6 يونيه 641م، وبعث إلى عمرو ليفاوضه، ومال المقوقس إلى الصلح ولكن من معه عارضوه، فرحل إلى الإسكندرية في النهر، واستاء منه هرقل فاستدعاه إلى القسطنطينية، ورفض الصلح وأسلمه إلى حاكم المدينة ليهينه ويشهر به ثم نفاه.
ومات هرقل وكانت زوجته مارتينا ذات نفوذ؛ وكان سيروس من حزبها فأعيد إلى الإسكندرية ومعه أمداد من جند الروم، وعاد إلى عسفه بالقبط، ثم قدم على عمرو في بابليون وأذعن له بأداء الجزية، واتفق معه على تسليم الإسكندرية بعد 11 شهرا!!
لم يذكر المقوقس أمر الصلح لأهل الإسكندرية حتى حل الموعد وتحرك المسلمون إليها، فأعلن الأمر وغضب الناس وتظاهروا عند قصره، وبرر ما عمل بأنه لصالحهم وحقن دمائهم ولعجز دولتهم، فقبلوا كلامه وجمعوا الجزية، وحملها سيروس إلى عمرو (ربما في أول المحرم 22 هـ - 642م).
وفي القسطنطينية زال أمر مارتينا وتم نفيها وإذلالها؛ فتكاثرت على سيروس الأحزان وقد زال أمره هو الآخر، وأصيب بالدوسنتاريا مع شيخوخته، فمات في 21 مارس، ولم يكن مقوقسا يوم مات لكنه كان مازال بطركا للكنيسة الملكانية بالإسكندرية، وبعد ثلاثة أشهر ألبسوا الشماس بطرس رداء البطركة في 14 يوليه. (1)
..يُتبع
أمــة الله
02.01.2010, 00:11
العلاقة بين مصر والدولة الإسلامية قبل الفتح (http:///####script:Expand_Collapse('2'))
لم تبدأ علاقة المسلمين بمصر بفتحها على يد عمرو بن العاص رضي الله عنه، وإنما سبق ذلك مقدمات في عهد النبي صلى الله عليه وسلم
ثم في خلافة أبي بكر الصديق وعمر بن الخطاب رضي الله عنهما..
ففي شهر ذي الحجة من العام السادس
حدث صلح الحديبية بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين قريش، وقضت شروط الصلح بهدنة بين الطرفين مقدارها عشر سنوات
وما إن عاد رسول الله صلى الله عليه وسلم من الحديبية إلى المدينة حتى بعث كتبه مع مبعوثه إلى الملوك من حوله يدعوهم إلى الإسلام.
فقد قام رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر فحمد الله، وأثنى عليه وتشهد ثم قال: "أما بعد، فإني أريد أن أبعث بعضكم إلى ملوك العجم، فلا تختلفوا عليَّ كما اختلفت بنو إسرائيل على عيسى بن مريم، وذلك أن الله تبارك وتعالى أوحى إلى عيسى أن ابعث إلى ملوك الأرض فبعث الحواريين، فأما القريب مكانا فرضي، وأما البعيد مكانا فكره، وقال: لا أحسن كلام من تبعثني إليه، فقال عيسى: اللهم أمرت الحواربين بالذي أمرتني فاختلفوا عليَّ، فأوحى الله إليه أني سأكفيك، فأصبح كل إنسان منهم يتكلم بلسان الذي وُجِّهَ إليهم." فقال المهاجرون: يا رسول الله، والله لا نختلف عليك أبدا في شيء، فمرنا وابعثنا، فبعث حاطب بن أبي بلتعة إلى المقوقس صاحب الإسكندرية، وشجاع بن وهب الأسدي إلى كسرى، وبعث دحية بن خليفة إلى قيصر (هرقل)، وبعث عمرو بن العاص إلى ابني الجلندي أميري عمان. (2)
مضى حاطب بن أبي بلتعة رضي الله عنه بكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المقوقس، وأترك سيدنا حاطب رضي الله عنه يتحدث عن نفسه إذ يقول:
"ثم توجهت أريد مصر ولم أزل إلى أن أتيتها، فلما وصلت إلى باب الملك، قالوا: من أين جئت؟ قلت: أنا رسول إلى ملككم، فقالوا: من عند من؟ قلت: من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما سمعوا بذلك أحاطوا بي وأوصلوني إلى قصر الشمع بعد أن استأذنوا لي، وأوقفوني على باب الملك فأمرهم بإحضاري بين يديه، فعقلت راحلتي وسرت معهم عند المقوقس، وإذا هو في قبة كثُرَ الجوهر في حافتها، ولمع الياقوت من أركانها، والحجَّاب بين يديه، فأومأت بتحية الإسلام، فقال حاجبه: يا أخا العرب، أين رسالتك؟ قال: فأخرجت الكتاب، فأخذه الملك من يدي بيده. قال: فباسه ووضعه على عينيه، وقال: مرحبا بكتاب النبي العربي، ثم قرأه وزيره الباكلمين، فقال له: اقرأه جهراً؛ فإنه من عند رجل كريم، فقرأه الوزير إلى أن أتى إلى آخره، وهذا نصه:
بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد رسول الله إلى المقوقس عظيم القبط، سلام على من اتبع الهدى، أما بعد؛ فإني أدعوك بدعاية الإسلام، فَأَسْلِمْ تسلم، وأسلم يؤتك الله أجرك مرتين، [يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ] {آل عمران: 64} فقال الملك لخادمه الكبير: هات السفط الذي عندك؛ فأتى به ففتحه واستخرج نمطا ففتح ذلك النمط، وإذا فيه صفة آدم وجميع الأنبياء صلوات الله عليهم أجمعين وفي آخره صفة محمد صلى الله عليه وسلم، فقال لي: صِفْ صاحبك حتى كأني أراه.
قال حاطب: ومن يقدر أن يصف عضوا من أعضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: لابد من ذلك، قال: فوقفت بعدما كنت جالسا، وقلت: إن صاحبي وسيم قسيم، معتدل القامة، بعيد الهامة، بين كتفيه شامة، وله علامة كالقمر إذا برز، صاحب خشوع وديانة، وعفة وصيانة، صادق اللهجة، واضح البهجة، أشم العرنين، واضح الجبين، سهل الخدين، رقيق الشفتين، براق الثنايا، بعينيه دعج، وبحاجبيه زجج، وصدره يترجرج، وبطنه كطي الثوب المدبج، له لسان فصيح، ونسب صحيح، وخُلُقٌ مليح.
قال: والملك ينظر في النمط، فلما فرغت قال: صدقت يا عربي هكذا صفته، فبينما هو يخاطبني إذ نُصِبت الموائد، وأحضروا الطعام؛ فأمرني أن أتقدم فامتنعت، فتَبَسَّمَ وقال: وقد علمتُ ما أُحِلَّ لكم وحُرِّمَ عليكم، ولم أقدم لك إلا لحم الطير، فقلت: إني لا آكل في هذه الصحاف الذهب والفضة؛ فإن الله قد وعدنا بها في الجنة، قال: فبدلوا طعامي في صحاف فخار فأكلت، فقال: أي طعام أحب إلى صاحبك؟ فقلت: الدباء (يعني: القرع)، فإذا كان عندنا منه شيء آثرناه على غيره. فقال: ففي أي شيء يشرب الماء؟ فقلت: في قعب من خشب. قال: أيحب الهدية؟ قلت: نعم؛ فإنه قال صلى الله عليه وسلم: "لو دُعِيتُ إلى كراع لأجبت، ولو أُهديَ إليَّ ذراع لقبلت". قال: أيأكل الصدقة؟ قلت: لا، بل يقبل الهدية ويأبى الصدقة، وقد رأيته إذا أُتِيَ بهدية لا يأكل منها حتى يأكل صاحبها. فقال الملك: أيكتحل؟ قلت: نعم، في عينه اليمنى ثلاثا وفي اليسرى اثنتين، وقال: "من شاء اكتحل أكثر من ذلك أو أقل" وكحله الإثمد، وينظر في المرآة، ويرجل شعره، ويستاك.
فقال المقوقس: إذا ركب ما الذي يحمل على رأسه؟ فقلت: راية سوداء ولواء أبيض، وعلى اللواء مكتوب لا إله إلا الله محمد رسول الله. فقال: أله كرسي يجلس عليه أو قبة. قلت: نعم، له قبة حمراء تسع نحو الأربعين. قال: فما الذي يحب من الخيل؟ قلت: الأشقر الأرتم الأغر المحجل في الساق، وقد تركت عنده فرسا يقال لها: المرعد.
قال: فلما سمع كلامي انتخب من خيله فرسا أفخر خيول مصر الموصوفة، وأمر به فأسرج وألجم، فأعده هدية لرسول الله صلى الله عليه وسلم وهو فرسه المأمون، وأرسل معه حمارا يقال له: عفير، وبغلة يقال لها: دلدل، وجارية اسمها: بريرة وكانت سوداء، وجارية بيضاء من أجمل بنات القبط اسمها: مارية، وغلام اسمه: محبوب، وطيب وعود وند ومسك وعمائم وقباطي، وأمر وزيره أن يكتب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم كتابا يقول فيه: "باسمك اللهم، من المقوقس إلى محمد، أما بعد؛ فقد وصل كتابك وفهمته، أنت تقول: إن الله أرسلك رسولا وفضلك تفضيلا وأنزل عليك قرآنا مبينا، فكشفنا - يا محمد - خبرك، فوجدناك أقرب داع إلى الله وأصدق من تكلم بالصدق، ولولا أنني ملكت مُلكا عظيما لكنت أول من آمن لعلمي أنك خاتم النبيين وإمام المرسلين، والسلام عليك ورحمة الله وبركاته مني إلى يوم الدين.
قال: وسلم الكتاب والهدية إلي و قبلني بين عيني، وقال: بالله عليك قَبِّلْ بين عيني محمد عني هكذا، ثم بعث معي من يوصلني إلى بلاد العرب وإلى مأمني. قال: فوجدنا قافلة من بلاد الشام وهي تريد المدينة فصحبتها إلى أن وردت المدينة، فأتيت المسجد وأنخت ناقتي ودخلت، وسلمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنشأت أقول:
أنعم صباحا يا وسيلة أحمد ... نرجو النجاة غدا بيوم الموقف
إني مضيت إلى الذي أرسلتني ... أطوي المهامة كالمجد المعنف
حتى رأيت بمصر صاحب ملكهم ... فبدا إليَّ بمثل قول المنصف
فقرأ كتابك حين فك ختامه ... فأطل يرعد كاهتزاز المرهف
قال البطارقة الذين تجمعوا ... ماذا يروعك من كتاب مشرف
قالوا: وهمت فقال: لست بواهم ... إني قرأت بيان لفظ الأحرف
هذا الكتاب كتابه لك جامعا ... يا خير مأمول بحبك نكتفي (3)
ويذكر ابن عبد الحكم أن المقوقس قال لحاطب بن أبي بلتعة رضى الله عنه بعد أن قرأ الكتاب: ما منعه إن كان نبيا أن يدعو عليَّ فيُسلَّط عليَّ! فقال له حاطب: ما منع عيسى بن مريم أن يدعو على من أبى عليه أن يُفعَل به ويُفعَل؟ فوجم ساعة، ثم استعادها فأعاد عليه حاطب فسكت، فقال له حاطب: إنه قد كان قبلك رجل زعم أنه الرب الأعلى فانتقم الله به ثم انتقم منه، فاعتبِر بغيرك ولا يُعتبَر بك، وإن لك دينًا لن تدعه إلا لما هو خير منه، وهو الإسلام الكافي – والله - به فَقْدَ ما سواه، وما بشارة موسى بعيسى من قبل إلا كبشارة عيسى بمحمد، وما دعاؤنا إياك إلى القرآن إلا كدعائك أهل التوراة إلى الإنجيل، ولسنا ننهاك عن دين المسيح، ولكنا نأمرك به.
ويروي ابن عبد الحكم أيضا أن المقوقس أرسل ذات ليلة إلى حاطب رضي الله عنه وليس عنده أحد إلا ترجمان له فقال: ألا تخبرني عن أمور أسألك عنها؟ فإني أعلم أن صاحبك قد تخيرك حين بعثك قال: لا تسألني عن شيء إلا صدقتك. قال: إلام يدعو محمد؟ قال: إلى أن تعبد الله، لا تشرك به شيئا، وتخلع ما سواه، ويأمر بالصلاة. قال: فكم تصلون؟ قال: خمس صلوات في اليوم والليلة، وصيام شهر رمضان، وحج البيت، والوفاء بالعهد، وينهى عن أكل الميتة والدم. قال: من أتباعه؟ قال: الفتيان من قومه وغيرهم، قال: فهل يقاتل قومه؟ قال: نعم. قال: صفه لي، فوصفه بصفة من صفته لم آتِ عليها، قال: قد بقيت أشياء لم أَرَكَ ذكرتها: في عينه حمرة قلما تفارقه، وبين كتفيه خاتم النبوة، يركب الحمار ويلبس الشملة، ويجتزيء بالتمرات والكسر، لا يبالي من لاقى من عَمٍّ ولا ابن عم. قلت: هذه صفته. قال: قد كنت أعلم أن نبيا قد بقي، وقد كنت أظن أن مخرجه الشام، وهناك كانت تخرج الأنبياء من قبله، فأراه قد خرج من العرب، في جهد وبؤس، والقبط لا تطاوعني في اتِّباعه، ولا أحب أن يُعْلَمَ بمحاورتي إياك، وسيظهر على البلاد وينزل أصحابه من بعده بساحتنا هذه حتى يظهروا على ما هاهنا، وأنا لا أذكر القبط من هذه حرفًا، فارجع إلى صاحبك..
المراجع:
(1) راجع أحمد عادل كمال: الفتح الإسلامي لمصر.
(2) المرجع السابق 5/ 221.
(3) راجع: فتوح الشام 1/ 284،285.
..يُتبع بعون الله مع دوافع فتح مصر
أمــة الله
02.01.2010, 00:12
دوافع فتح مصر
لم يكن فتح مصر عشوائيًا، وإنما كان ذلك بخطة محكمة ودراسة مسبقة، ويرجع السبب في ذلك إلى عده عوامل، منها ما هو ديني أو عسكري أو سياسي اقتصادي أو غير ذلك.
1- الدافع الديني:
يتمثل هذا الدافع في رغبة المسلمين في الاضطلاع بأعباء الدعوة الإسلامية العالمية، وضرورة أداء أمانة تبليغها إلى العالمين لإبراء الذمة أمام الله عز وجل، وقد سبق للمسلمين في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم دعوة المقوقس إلى الإسلام سلميا، فقد أرسل له
النبي صلَّى الله عليه وسلم الصحابي الجليل حاطب بن أبي بلتعة، وكذلك أبو بكر الصديق رضي الله عنه أرسل إليه حاطبًا مرة أخرى، وفي عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه أرسل إليه كعب بن عدي بن حنظلة التنوخي، فما كان من المقوقس إلا أن اكتفي بالرد الحسن.
ولما كانت مصر خاضعة للإمبراطورية البيزنطية كان من الضروري مواجهة جند هذه الإمبراطورية على أرض مصر؛ ذلك أنهم يحولون بين المصريين وبين الدخول في الإسلام.
لقد تطلع المسلمون إلى فتح مصر بعد ورودها في كثير من المواضع في القرآن الكريم عند التعرض لقصص الأنبياء الأولين، وتبشير النبي صلى الله عليه وسلم صحابته بفتحها وتنويهه بجندها، وتوصيته بأهلها خيراً، ومن أجل ذلك كله حرص المسلمون على فتحها.
2- الدافع العسكري:
كان هذا الفتح طبيعيا لأن مصر هي الامتداد الطبيعي الجنوبي لفلسطين، كما أن فتح ما فُتِحَ من مدن فلسطينية قد أجهد البيزنطيين، ولابد من ضربة قاصمة لوجودهم في هذه الأماكن الجنوبية فكان ذلك.
ومن ناحية أخرى فإن "أرطبون" قائد بيت المقدس قد انسحب منها بنظام إلى مصر لإعادة المقاومة، ودفع المسلمين عن الشام ثانية، ولذلك استدعى الأمر مباغتة هؤلاء والإيقاع بهم قبل تزايد خطرهم واستعمال قوتهم.
كما أن الاستيلاء على ما في مصر من ثغور وسفن سوف يمكِّن المسلمين من إخضاع مدن الشام الشمالية الواقعة على البحر المتوسط، والتي كانت لا تزال تقاوم المسلمين، ففتح مصر ضرورة حربية ملحة تكميلا لفتح بلاد الشام؛ لأن الإمبراطورية البيزنطية
كانت تسيطر على الشام ومصر وبلاد المغرب، وتلك البلاد - عسكريا - تعد منطقة واحدة؛ إذ أن فتح جزء منها يستلزم فتح الأجزاء الأخرى نتيجة للتعرض للصدام مع عدو واحد يحتلها.
وكذلك كان من الممكن عند إغفال فتح مصر مهاجمة البيزنطيين دار الخلافة عن طريق البحر الأحمر، فتهبط قواتهم إلى ميناء جدة أو الجار، وتتم مهاجمة الحجاز.
وكان من دواعي فتح مصر أيضا أن البيزنطيين حاولوا استرداد الشام من المسلمين، وأرادوا عرقلة جهودهم للتوجه جنوبا، وهاجموهم من شمال الشام، فشعر المسلمون أنهم محاصرون بين قوات بيزنطة في آسيا الصغرى وقواتهم في مصر.
أضف إلى ذلك أيضا سهولة فتح مصر الذي لن يكلف العرب المسلمين سوى القليل من الأرواح والأموال؛ لقلة التحصينات بها.
كما أن معرفة عمرو بن العاص رضي الله عنه لمصر ودرايته بها، وهو القائد المختار لفتح البلاد، وَفَّرَ على المسلمين كثيرا من المعاناة والتكاليف. إضافة إلى أن أغلب الجند الذين اشتركوا في الفتح كانوا من العناصر اليمنية، وأغلبهم من قبيلتي غافق وعك على وجه الخصوص
وهؤلاء اليمانية مهروا في قتال الحصون الساحلية، واشتركوا مع عمرو في فتح الحصون ببلاد الشام، فهم أقدر الناس على فتح مصر ومعالجة شئونها العسكرية، كما كانوا على دراية ببناء المدن واختطاطها، والإلمام بالزراعة، فهم من هذه الناحية العسكرية أقدر الناس على تفهم أمور مصر ومعالجة شئونها.
3- الدافع السياسي الاقتصادي:
وهو يتعلق بما تَجَمَّع لدى المسلمين من معلومات عن أوضاع مصر السيئة في ظل حكم البيزنطيين، وما تَرَدَّتْ إليه أوضاعها الاقتصادية نتيجة المظالم المادية، والنهب المنظم لثروات البلاد لصالح الغرباء عنها.
ويُضَافُ إلى ذلك الصراع الديني المذهبي الذي أَجَّجَ العداوة والأحقاد بين عامة الشعب من القبط، وبين البيزنطيين.
أدرك المسلمون ذلك كله، وأدركوا معه غنى مصر وثراءها، وعلموا أن ضمها إلى بلدان الإسلام يضمن انتعاشا في اقتصاد المسلمين، ويوفر لهم الأموال التي تساعد على مزيد من الفتوح، إضافة إلى أن مصر كانت مركزا رئيسيا لتمويل بيزنطة بالقمح
ومع انهيار الجيش البيزنطي، وما حَلَّ بمصر من ضعف وانقسام كانت الفرصة مواتية للإقدام على فتح مصر.
..يُتبع مع : عمرو بن العاص .. فاتح مصر (http://www.islamstory.com/article.php?id=708)
أسد الجهاد
02.01.2010, 01:14
وأراد قمبيز أن يواصل غزواته إلى النوبة، ولكنه هُزِمَ فارتدَّ على أعقابه، ثم عاد فسيَّر جيشه من طيبة غربًا إلى الواحات الخارجة ومنها إلى سيوة، ولكن ريحا عاتية ثارت على الصحراء، فدُفِنَ هذا الجيش كله ولم ينج منه أحد، ولا عثر عليه أحد بعد دخوله الصحراء!!
الصحراء المصرية قتلت الجيش الفارسى قبل ألاف السنين !
قال حاطب: ومن يقدر أن يصف عضوا من أعضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: لابد من ذلك، قال: فوقفت بعدما كنت جالسا، وقلت: إن صاحبي وسيم قسيم، معتدل القامة، بعيد الهامة، بين كتفيه شامة، وله علامة كالقمر إذا برز، صاحب خشوع وديانة، وعفة وصيانة، صادق اللهجة، واضح البهجة، أشم العرنين، واضح الجبين، سهل الخدين، رقيق الشفتين، براق الثنايا، بعينيه دعج، وبحاجبيه زجج، وصدره يترجرج، وبطنه كطي الثوب المدبج، له لسان فصيح، ونسب صحيح، وخُلُقٌ مليح.
قال: والملك ينظر في النمط، فلما فرغت قال: صدقت يا عربي هكذا صفته، فبينما هو يخاطبني إذ نُصِبت الموائد، وأحضروا الطعام؛ فأمرني أن أتقدم فامتنعت، فتَبَسَّمَ وقال: وقد علمتُ ما أُحِلَّ لكم وحُرِّمَ عليكم، ولم أقدم لك إلا لحم الطير، فقلت: إني لا آكل في هذه الصحاف الذهب والفضة؛ فإن الله قد وعدنا بها في الجنة، قال: فبدلوا طعامي في صحاف فخار فأكلت، فقال: أي طعام أحب إلى صاحبك؟ فقلت: الدباء (يعني: القرع)، فإذا كان عندنا منه شيء آثرناه على غيره. فقال: ففي أي شيء يشرب الماء؟ فقلت: في قعب من خشب. قال: أيحب الهدية؟ قلت: نعم؛ فإنه قال صلى الله عليه وسلم: "لو دُعِيتُ إلى كراع لأجبت، ولو أُهديَ إليَّ ذراع لقبلت". قال: أيأكل الصدقة؟ قلت: لا، بل يقبل الهدية ويأبى الصدقة، وقد رأيته إذا أُتِيَ بهدية لا يأكل منها حتى يأكل صاحبها.
رضى الله عن الصحابة الكرام واللهم صلى وسلم على نبينا الكريم وعلى آله وصحبة وسلم
جزاكِ الله خيراً أختنا الفاضلة نورا متابع
أمــة الله
06.01.2010, 13:41
وجزاك الله الجنة أخي أسد الجهاد
مشكور على المتابعة نورت وشرفت الموضوع
أمــة الله
06.01.2010, 13:42
عمرو بن العاص .. فاتح مصر
مقدمة (http:///####script:Expand_Collapse('1'))
هو الصحابي الجليل عمرو بن العاص بن وائل، القرشي السهمي، يكنى أبا عبد الله وأبا محمد. كان في الجاهلية جزارًا، وكان يحترف التجارة أيضًا، فقد كان يسافر بتجارته إلى الشام واليمن ومصر والحبشة. كما كان من فرسان قريش وأبطالهم المعدودين، مذكورًا بذلك فيهم، وكان أيضا شاعرًا حسن الشعر، حفظ عنه الكثير في مشاهد شتى. كما كان معدودًا أيضا من دهاة العرب وشجعانهم وذوي آرائهم، ولذلك أرسلته قريش إلى النجاشي ملك الحبشة ليرد عليهم من هاجر من المسلمين إلى بلاده.
وبعد أن رجع من الحبشة، وفي سنة ثمان من الهجرة، وقبل الفتح بنحو ستة أشهر قدم هو وخالد بن الوليد وعثمان بن طلحة المدينة مسلمين، فلما دخلوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ونظر إليهم قال: "قد رمتكم مكة بأفلاذ كبدها"، وكان قد همّ بالإقبال إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في حين انصرافه من الحبشة ثم لم يعزم له إلى ذلك الوقت.
ولما أسلم كان النبي صلى الله عليه وسلم يقربه ويدنيه لمعرفته وشجاعته، وقد بعث إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما يقول له: "خذ عليك ثيابك وسلاحك ثم ائتني"، قال عمرو: فأتيته وهو يتوضأ فصعّد في النظر ثم طأطأه فقال: "إني أريد أن أبعثك على جيش فيُسلمك الله ويغنمك، وأرغب لك من المال رغبة صالحة". قال: قلت: يا رسول الله، ما أسلمت من أجل المال، ولكني أسلمت رغبة في الإسلام، وأن أكون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: "يا عمرو، نعم المال الصالح للمرء الصالح".
وقد كان من أهم ملامح شخصيته رضي الله عنه ما يلي:
1- يفزع إلى الله ورسوله:
فقد أخرج ابن حبان في صحيحه عنه رضي الله عنه أنه قال: فزع الناس بالمدينة مع النبي صلى الله عليه وسلم فتفرقوا، فرأيت سالما مولى أبي حذيفة احتبى بسيفه وجلس في المسجد، فلما رأيت ذلك فعلت مثل الذي فعل، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فرآني وسالما، وأتى الناس فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا أيها الناس، ألا كان مفزعكم إلى الله ورسوله؟ ألا فعلتم كما فعل هذان الرجلان المؤمنان"؟!
2- شهد له رسول الله صلى الله عليه وسلم بالإيمان:
وفي ذلك أخرج الحاكم في المستدرك عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ابنا العاص مؤمنان، هشام وعمرو".
3- أميرٌ عليم بالحرب:
فقد ذكر ابن حجر في الإصابة من طريق الليث قال: نظر عمر إلى عمرو يمشي فقال: ما ينبغي لأبي عبد الله أن يمشي على الأرض إلا أميرا.
وأخرج الحاكم أيضًا في المستدرك عن عبد الله بن بريدة عن أبيه رضي الله عنهما قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرو بن العاص في غزوة ذات السلاسل وفيهم أبو بكر وعمر رضي الله عنهما، فلما انتهوا إلى مكان الحرب أمرهم عمرو أن لا ينوروا نارا، فغضب عمر وهم أن ينال منه، فنهاه أبو بكر رضي الله عنه وأخبره أنه لم يستعمله رسول الله صلى الله عليه وسلم عليك إلا لعلمه بالحرب، فهدأ عنه عمر رضي الله عنه.
كما يحكي هو عن نفسه فيما أخرجه الحاكم أيضا فيقول: "ما عدل بي رسول الله صلى الله عليه وسلم وبخالد بن الوليد أحدا من أصحابه في حربه منذ أسلمنا".
4- شديد التواضع:
وهو فوق ذلك متواضع شديد التواضع، وقد أخرج ابن المبارك عن جرير بن حازم قال: سمعت عبد الله بن عبيد بن عمير يقول: مَرَّ عمرو بن العاص فطاف بالبيت فرأى حلقة من قريش جلوسا فلما رأوه قالوا: أهشام (أخو عمرو) كان أفضل في أنفسكم أو عمرو بن العاص؟ فلما فرغ من طوفه جاء فقام عليهم فقال: إني قد علمت أنكم قد قلتم شيئا حين رأيتموني فما قلتم؟ قالوا: ذكرناك وهشاما فقلنا: أيهما أفضل؟ فقال: سأخبركم عن ذلك, إنا شهدنا اليرموك فبات وبِتُّ في سبيل الله وأسأله إياها، فلما أصبحنا رُزِقَهَا وحُرِمْتُهَا ففي ذلك تبين لكم فضله علي!
وقد ولاه رسول الله صلى الله عليه وسلم غزاة ذات السلاسل، وأمده بأبي بكر وعمر وأبي عبيدة بن الجراح، ثم استعمله على عمان فمات وهو أميرها، ثم كان من أمراء الأجناد في الجهاد بالشام في زمن عمر، وهو الذي افتتح قنسرين وصالح أهل حلب ومنبج وأنطاكية وولاه عمر فلسطين، هذا غير جهاده العظيم في حروب الردة.
يتبع
أمــة الله
06.01.2010, 13:42
جهاده في حرب الردة (http:///####script:Expand_Collapse('2'))
مات الرسول صلى الله عليه وسلم وعمرو بعمان، فأقبل حتى انتهى إلى البحرين فوجد المنذر بن ساوى في الموت، ثم خرج عنه إلى بلاد بني عامر فنزل بقُرَّة بن هبيرة وهو يقدم رِجلاً إلى الردة ويؤخر أخرى ومعه جيش من بني عامر، فأكرم قرة مثواه، فلما أراد عمرو الرحلة خلا به قرة وقال: يا هذا، إن العرب لا تطيب لكم نفسًا بالإتاوة فإن أعفيتموها من أخذ أموالها فتسمع لكم وتطيع، وإن أبيتم فلا تجتمع عليكم، فقال عمرو: أكفرت يا قرة؟! أتخوفنا بالعرب؟! فوالله لأُوطِئَنَّ عليك الخيل في حفش أمك (والحفش بيت ينفرد فيه النفساء).
ومر بمسيلمة الكذاب فأعطاه الأمان فقال له عمرو: "اعرض لي ما تقول"، فذكر مسيلمة بعض كلامه، فقال عمرو: "والله إنك لتعلم إنك من الكاذبين" فتوعده مسيلمة.
ولما وصل عمرو المدينة وعقد أبو بكر أحد عشر لواء لحرب أهل الردة، عقد لعمرو وأرسله إلى قضاعة، وكان قد حاربهم في حياة النبي صلى الله عيه وسلم في غزوة ذات السلاسل، وكانت قضاعة قد ارتدت بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، فلما أنفذ إليهم أبو بكر جيشًا بقيادة عمرو، سار عمرو بجيشه في الطريق الذي سلكه من قبل حتى وصل بلاد قضاعة، فأعمل السيف في رقابهم وغلبهم على أمرهم، فعادوا إلى الإسلام، وعاد هو إلى المدينة حاملاً لواء النصر.
جهاده في أرض الشام (http:///####script:Expand_Collapse('3'))
رد أبو بكر عمرًا إلى عمله الذي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ولاه إياه في (عمان)، فلما أراد إرسال الجيوش لفتح أرض الشام كتب أبو بكر لعمرو: "إني كنت قد رددتك على العمل الذي ولاك رسول الله صلى الله عليه وسلم ووعدك به أخرى؛ إنجازًا لمواعيد رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد وليته، وقد أحببت أن أفرغك لما هو خير لك في الدنيا والآخرة، إلا أن يكون الذي أنت فيه أحب إليك، فكتب إليه عمرو: "إني سهم من سهام الإسلام، وأنت بعد الله الرامي والجامع لها، فانظر أشدها وأخشاها وأفضلها فارم به شيئًا إن جاءك من ناحية من النواحي"!!
فعقد أبو بكر لعمرو وأمره أن يسلك طريق (أيلة) عامدًا إلى فلسطين، وكان العقد لكل أمير من أمراء الشام في بدء الأمر ثلاثة آلاف رجل، فلم يزل أبو بكر يتبعهم الإمداد حتى صار مع كل أمير سبعة آلاف وخمسمائة، وكان جيش عمرو مؤلفًا من أهل مكة والطائف وهوازن وبني كلاب، وقال أبو بكر لعمرو: "قد وليتك هذا الجيش، فانصرف إلى أرض فلسطين وكاتب أبا عبيدة وانجده إذا أرادك ولا تقطع أمرًا إلا بمشورته"، فأقبل عمرو على عمر بن الخطاب وقال له: "يا أبا حفص، أنت تعلم شدتي على العدو وصبري على الحرب، فلو كلمت الخليفة أن يجعلني أميرًا على أبي عبيدة، وقد رأيت منزلتي عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإني لأرجو أن يفتح الله على يدي البلاد ويهلك الأعداء"، فقال عمر بن الخطاب: "ما كنت بالذي أكلمه في ذلك؛ فإنه ليس على أبي عبيدة أمير، ولَأَبو عبيدة أفضل منزلة منك وأقدم سابقة منك، والنبي صلى الله عليه وسلم قال فيه: أبو عبيدة أمين الأمة"، فقال عمرو: "ما ينقص من منزلته إذا كنت واليًا عليه؟!"، فقال عمر: "ويلك يا عمرو! إنك ما تطلب بقولك هذا إلا الرياسة والشرف"، فاتق الله ولا تطلب إلا شرف الآخرة ووجه الله تعالى"، فقال عمرو: "إن الأمر كما ذكرت".
وما كادت جيوش المسلمين تصل أرض الشام، حتى بعث هرقل قادته وجيوشه باتجاه قادة وجيوش المسلمين، فكان "تذارق" شقيق هرقل أمام عمرو على رأس جيش عدده تسعون ألفًا، ولكن قادة المسلمين فوتوا على الروم فرصة ضرب جيوش المسلمين على انفراد؛ إذ كاتبوا عمرًا: ما الرأي؟ فأجابهم: "إن الرأي لمثلنا الاجتماع، فإن مثلنا إذا اجتمعنا لا نغلب من قلة، وإذا نحن تفرقنا لا تقوم كل فرقة لمن استقبلها لكثرة عدونا"، وكتبوا إلى أبي بكر فأجابهم مثل جواب عمرو وقال: "إن مثلكم لا يؤتى من قلة وإنما يؤتى العشرة آلاف من الذنوب، فاحترسوا منها، واجتمعوا باليرموك".
واجتمع المسلمون باليرموك، واجتمع الروم بها أيضًا، فنزل الروم (الواقوصة)، وهي على ضفة اليرموك خندقًا لهم، وانتقل المسلمون عن معسكرهم فنزلوا على طريق الروم وليس للروم طريق إلا عليهم، قال عمرو: "أيها الناس، أبشروا، حصرت - والله - الروم، وقلما جاء محصور بخير".
وفي معركة اليرموك الحاسمة كان عمرو على الميمنة، فكان له أثر كبير على انتصار المسلمين في هذه المعركة، وفي معركة فتح دمشق نزل عمرو بجيشه من ناحية باب (توما)، وبعد فتحها سار المسلمون نحو (فحل) وعليهم شرحبيل بن حسنة، وكان عمرو وأبو عبيدة بن الجراح على المجنبتين، فانتصر المسلمون على الروم أيضًا. كما شهد مع شرحبيل فتح (بيسان وطبرية)، وصالحا أهل الأردن.
وعلم عمرو أن الروم حشدوا جيوشهم وعلى رأسها قائد فلسطين أرطبون في أجنادين، فسار عمرو ومعه شرحبيل بن حسنة واستخلف على الأردن أبا الأعور السلمي، وكان الأرطبون أدهى الروم وأبعدها غورًا، وكان قد وضع بالرملة جندًا عظيمًا و(بإيلياء) جندًا عظيمًا أيضًا، فلما بلغ عمر بن الخطاب الخبر قال: "رمينا أرطبون الروم بأرطبون العرب، (يقصد عَمرًا) فانظروا عما نتفرج".
وكان معاوية بن أبي سفيان قد شغل أهل قيسارية عن عمرو، كما جعل عمرو علقمة بن حكيم الفارسي ومسروق العكي وجعل أبا أيوب المالكي بالرملة، فشغل هؤلاء القادة القوات الرومانية عن قوات عمرو الأصلية..
وأقام عمرو على أجنادين لا يقدر على الأرطبون ولا تشفيه الرسل، فسار إليه بنفسه ودخل عليه كأنه رسول، ففطن به الأرطبون، وقال: لا شك أن هذا هو الأمير أو من يأخذ الأمير برأيه؛ فأمر رجلا أن يقعد على طريقه ليقتله إذا مرَّ به، وفطن عمرو إلى غدر الأرطبون فقال له: "قد سمعت مني وسمعت منك، وقد وقع قولك مني موقعًا، وأنا واحد من عشرة بعثنا عمر بن الخطاب مع هذا الوالي لنكاتفه ويشهدنا أموره، فأرجع فآتيك بهم الآن، فإن رأوا في الذي عرضت مثل الذي أرى فقد رآه أهل العسكر والأمير، وإن لم يروه رددتهم إلى مأمنهم، وكنت على رأس أمرك"، فقال الأرطبون: نعم، ورد الرجل الذي أمره بقتل عمرو، فخرج عمرو من عند الأرطبون، فعلم الرومي بأن عمرًا خدعه، فقال: "خدعني الرجل! هذا أدهى الخلق!!"، وبلغت خديعته عمر ابن الخطاب فقال: "لله دَرُّ عمرو!"..
وقد عرف عمرو من استطلاعه الشخصي هذا نقاط الضعف في مواضع الروم، فهاجمهم واقتتلوا قتالاً شديدًا كقتال اليرموك حتى كثرت القتلى بينهم، ولكن أرطبون انهزم فأوى إلى (إيلياء) ونزل عمرو أجنادين، وانضم علقمة ومسروق وأبو أيوب إلى عمرو بأجنادين..
ولما دخل أرطبون إيلياء فتح عمرو غزة وسبسطية ونابلس واللد ويُبنَى وعمواس وبيت جبرين ويافا ورفح، وقدم عليه أبو عبيدة بن الجراح وهو محاصر بإيلياء وهي بيت المقدس، فطلب أهل إيلياء من أبي عبيدة الصلح على مثل ما صولح عليه أهل مدن الشام على أن يكون المتولي للعقد لهم عمر بن الخطاب نفسه، فكتب أبو عبيدة إلى عمر بذلك، فقدم عمر وأنفذ صلح (إيلياء) وكتب لهم به عهدًا.
وحاصر عمرو قيسارية بعد فتح بيت المقدس، ولكنه خرج إلى مصر فتولى فتحها معاوية بن أبي سفيان.. لقد شهد عمرو أكثر معارك فتح أرض الشام، وكان فتح أكثر فلسطين على يديه..
يتبع
جزاكى الله خير أختى الكريمة نورا
وتقبلى هذة المساهمة االمتواضعة منى فى موضوعك الرائع
والتى تخص تبرئة عمرو ابن العاص من حريق مكتبة الأسكندرية
http://kalemasawaa.com/vb/attachment.php?attachmentid=74&stc=1&d=1262778964
http://kalemasawaa.com/vb/attachment.php?attachmentid=75&stc=1&d=1262778977
http://kalemasawaa.com/vb/attachment.php?attachmentid=76&stc=1&d=1262778990
أندلسيّة
06.01.2010, 22:05
ما شاء الله .. بحث قيم ، بارك الله فيكِ أخيتي
أمــة الله
06.02.2010, 18:28
جزاكى الله خير أختى الكريمة نورا
وتقبلى هذة المساهمة االمتواضعة منى فى موضوعك الرائع
والتى تخص تبرئة عمرو ابن العاص من حريق مكتبة الأسكندرية
http://kalemasawaa.com/vb/attachment.php?attachmentid=74&stc=1&d=1262778964
http://kalemasawaa.com/vb/attachment.php?attachmentid=75&stc=1&d=1262778977
http://kalemasawaa.com/vb/attachment.php?attachmentid=76&stc=1&d=1262778990
ما شاء الله...رائـــــــــــــــع
جزاك الله الجنة أخي eng.con وسلمت يمناك على الإضافة القيمة
جعله الله في ميزان حسناتك أثريت الموضوع بمرورك المفيد تقبل الله منا ومنك الأعمال الصالحة شرفت الموضوع
ما شاء الله .. بحث قيم ، بارك الله فيكِ أخيتي
وبارك الله فيكِ اختي الحبيبة أندلسية
نورت الموضوع
أمــة الله
09.02.2010, 23:11
عمرو بن العاص.. شبهات وردود
قلما تجد فاضلا ليس له حساد ومفترون، وهذا الأمر لم يسلم منه عمرو بن العاص رضي الله عنه؛ فقد اختُلق في حقه قصة باطلة بصفين بين علي ومعاوية رضي الله عنهما!!
يقول نصر بن مزاحم الكوفي: وحمل أهل العراق وتلقاهم أهل الشام فاجتلدوا، وحمل عمرو بن العاص فاعترضه علي وهو يقول:
قد علمت ذات القرون الميل ... والخضر والأنامل الطفول
إلى أن يقول: ثم طعنه فصرعه، واتقاه عمرو برجله فبدت عورته، فصرف علي وجهه عنه وارتُثَّ، فقال القوم: أفلت الرجل يا أمير المؤمنين، قال: وهل تدرون من هو؟ قالوا: لا، قال: فإنه عمرو بن العاص، تلقاني بعورته فصرفت وجهي!!
وذكر القصة أيضًا ابن الكلبي، كما ذكرها السهيلي في الروض الأنف، وقال عن قول علي (إنه اتقاني بعورته فأذكرني الرَّحِمَ): "ويروي مثل ذلك عن عمرو بن العاص مع علي رضي الله عنه يوم صفين، وفي ذلك يقول الحارث بن النضر الشهمي رواه ابن الكلبي وغيره:
أفي كل يوم فارس غير منته ... وعورته وسط العجـاجة بادية
يكف لها عنه عليٌّ سـنانه ... ويضحك منه في الخلاء معاوية!!
والرد على هذا الافتراء والإفك المبين كالآتي:
فراوي الرواية الأولى نصر بن مزاحم الكوفي صاحب وقعة صفين شيعي جَلْد، لا يستغرب عنه كذبه وافتراؤه على الصحابة، قال عنه الذهبي في الميزان: نصر بن مزاحم الكوفي رافضي جَلْد، متروك، قال عنه العقيلي: شيعي، في حديثه اضطراب وخطأ كثير، وقال أبو خيثمة: كان كذابًا، وقال عنه ابن حجر: قال العجلي: كان رافضيًا غاليًا، ليس بثقة ولا مأمون. وأما الكلبي هشام بن محمد بن السائب الكلبي، فقد اتفقوا على غلوه في التشيع.. قال الإمام أحمد: من يحدث عنه؟!! ما ظننت أن أحدًا يحدث عنه!!.. وقال الدارقطني: متروك.
وعن طريق هذين الرافضين سارت هذه القصة في الآفاق، وتلقفها من جاء بعدهم من مؤرخي الشيعة وبعض أهل السنة ممن راجت عليهم أكاذيب الرافضة، وتُعدُّ هذه القصة أُنموذجًا لأكاذيب الشيعة الروافض وافتراءاتهم على صحابة رسول الله، فقد اختلق أعداء الصحابة من مؤرخي الرافضة مثالب لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاغوها على هيئة حكايات وأشعار لكي يسهل انتشارها بين المسلمين، هادفين إلى الغَضِّ من جناب الصحابة الأبرار رضي الله عنهم في غفلة من أهل السنة الذين وصلوا متأخرين إلى ساحة التحقيق في روايات التاريخ الإسلامي، بعد أن طارت تلكم الأشعار والحكايات بين القصاص، وأصبح كثير منها من المسلمات، حتى عند مؤرخي أهل السنة للأسف!!
ولاية عمرو بن العاص على مصر
وَلَّى معاوية بن أبي سفيان عمرو بن العاص على مصر، عام 41هـ، وهذا من باب وضع الرجل المناسب في المكان المناسب، فعمرو فاتح مصر وواليها على عهد عمر وعثمان رضوان الله عليهم وهو أقرب الناس لتولي هذه الولاية المهمة..
وقد تكاثرت الروايات الموضوعة والضعيفة في العلاقة بين عمرو ومعاوية رضي الله عنهما، واشتمل على مغامز خفية ومعلنة على الرجلين، وتشير بعضها إلى أن معاوية قد أعطى ولاية مصر لعمرو بن العاص مكافأة له نظير وقوفه إلى جانبه أثناء الفتنة التي أعقبت استشهاد عثمان بن عفان رضي الله عنه، وفي ذلك يقول الدكتور علي محمد الصلابي: "وهذا الأمر قد بينته في كتابي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه بأن وقوف عمرو بن العاص مع معاوية في المطالبة بالتعجيل بتطبيق القصاص على قتلة عثمان لم يكن تضامنًا من عمرو مع شخص معاوية، بل كان نابعًا من اجتهاد عمرو الشخصي في هذه المسألة، حيث رأى رضي الله عنه الأخذ بالقوة من قتلة عثمان على الفور، فكان هذا الاجتهاد من عمرو بن العاص متطابقًا مع اجتهاد معاوية بن أبي سفيان في القضية نفسها"..
وقد كانت ولاية عمرو بن العاص رضي الله عنه على مصر ذات صلاحيات واسعة بسبب ما كان يتمتع به من مقدرة إدارية فائقة، وقابليات سياسية وعسكرية متميزة، فقد واصل فتوحات الشمال الأفريقي ونظم أمر العطاء والإعمار والبناء والزراعة والري بمصر، وقد بقي في ولاية مصر حتى وفاته عام 43هـ.
إعطاء مصر طُعْمَة لعمرو بن العاص
تتعدد الروايات التي تنص على أن معاوية أعطى مصر طعمة لعمرو بن العاص لقاء تأييد الأخير له في حربه ضد علي بن أبي طالب رضوان الله عليهم!!
وجُلُّ هذه الأخبار تحوي روحًا عدائية لعمرو ومعاوية، وتصور اتفاقهما على حرب علي، كما لو كانت مؤامرة دنيئة أو صفقة مريبة، خان فيها الرجلان ربهما، ودينهما، وتاريخهما، مقابل عَرَضٍ زائل أو نصر سريع، وكأنه من المستحيل أن يبذل ابن العاص رضي الله عنه نصرة لقضية اجتمع حولها آلاف الرجال من الشام وغيرها، وهي الطلب بدم عثمان إلا إذا نال ولاية مصر وخراجها لنفسه.
وبعض هذه الروايات تحوي سبابًا لهذين الصحابيين، كأن تزعم أن عمرًا فضل ولاية مصر على حُسنَى الآخرة وصرح بذلك؛ فقال: "إنما أردنا هذه الدنيا"، أو أنه قال لمعاوية: "لا أعطيك من ديني حتى آخذ من دنياك"، أو قوله: "إنما أُبايعك بها ديني" (أي بمصر) أو قوله لمعاوية: "ولولا مصر وولاياتها لركبت المنجاة منها؛ فإني أعلم أن علي بن أبي طالب على الحق وأنت على ضده".. إلى غير ذلك من الروايات.
وهي روايات باطلة وموضوعة عند المسعودي، وكتاب الإمامة والسياسة المنسوب لابن قتيبة وغيرها، تمسخ عمرًا بن العاص إلى رجل مصالح، وصاحب مطامع وراغب دنيا.
وقد تأثر بالروايات الضعيفة والموضوعة والسقيمة مجموعة من الكتاب والمؤرخين، فأهووا بعمرو إلى الحضيض، كالذي كتبه محمود شيت خطاب، وعبد الخالق سيد أبو رابية، وعباس محمود العقاد الذي يتعالى عن النظر في الإسناد، ويستخف بقارئه، ويظهر له صورة معاوية وعمرو رضي الله عنهما بأنهما انتهازيان، صاحبا مصالح، ولو أجمع النقاد التاريخيون على بطلان الروايات التي استند إليها في تحليله فهذا لا يعني للعقاد شيئًا!!
فقد قال بعد أن ذكر روايات ضعيفة واهية لا تقوم بها حجة: "وليقل الناقدون التاريخيون ما بدا لهم أن يقولوا في صدق هذا الحوار، وصحة هذه الكلمات وما ثبت نقله ولم يثبت منه سنده ولا نصه، فالذي لا ريب فيه، ولو أجمعت التواريخ قاطبة على نقضه أن الاتفاق بين الرجلين، كان اتفاق مساومة ومعاونة على الملك والولاية، وأن المساومة بينهما كانت على النصيب الذي آل إلى كل منهما، ولولاه ما كان بينهما اتفاق"!!
وهناك عدة دلائل ترد على الروايات الضعيفة، والموضوعة والسقيمة التي لاقت رواجًا واستقرارًا في تشويه عمرو بن العاص ومعاوية بالظلم والبهتان، منها ما عرف من صحة إسلام وتقوى معاوية بن أبي سفيان وعمرو بن العاص، وتاريخهما المضيء في خدمة دين الله منذ أسلما..
ففي معاوية يكفي دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما قال: "اللهم اجعله هاديًا مهديًا، واهدِ به"، وقوله صلى الله عليه وسلم: "اللهم علم معاوية الكتاب والحساب، وقه العذاب". وأما عمرو بن العاص فقد شهد له رسول الله صلى الله عليه وسلم بالإيمان حيث قال: "أسلم الناس وآمن عمرو بن العاص"، وفي حديث آخر - كما قدمنا - قال: "ابنا العاص مؤمنان: عمرو وهشام"، وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "وصدق عمرو، إن لعمرو عند الله لخيرًا كثيرًا".
وعلى هذا فإن بيعة عمرو لمعاوية في عهد عليّ كانت على الطلب بدم عثمان رضي الله عنه، فقد كان تأثُّر عمرو بمقتل عثمان عظيمًا، فعندما سمع خبر مقتل عثمان ارتحل راجلاً يبكي، ويقول: ياعثماناه أنعي الحياء والدين، حتى قدم دمشق، فقد كان من أقرب أصحابه وخلانه ومستشاريه، وكان يدخل في الشورى في عهد عثمان من غير ولاية، ومضى إلى معاوية رضي الله عنهم ليتعاونا معًا على الاقتصاص من قتلة عثمان، والثأر للخليفة الشهيد، لقد كان مقتل عثمان كافيًا لأن يحرك كل غضبه على أولئك المجرمين السفاكين، وكان لابد من اختيار مكان غير المدينة للثأر من هؤلاء الذين تجرؤوا على حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقتلوا خليفته على أعين الناس.
وأي غرابة أن يغضب عمرو لعثمان؟! وإن كان هناك من يشك في هذا الموضوع، فمداره على الروايات المكذوبة التي تصور عمرًا: كل همه السلطة والحكم..
ومن الدلائل على بطلان فرية إعطاء مصر طعمة لعمرو بن العاص ما ذكره أبو مخنف - أحد رواة الفرية السابقة - أن دفْع معاوية لجيشه إلى فتح مصر وأخذها من يد أنصار علي بن أبي طالب سنة 38هـ، وكان عمرو قائده في هذه الحملة، أنه كان يرجو أن يكون إذا ظهر عليها ظهر على حرب لعظم خراجها.. فكيف يهب معاوية ذلك الخراج كله لعمرو بن العاص وهو في مسيس الحاجة إليه؟!
ومن الدلائل أيضًا: أن معاوية كتب بعد استخلافه إلى عامله على خراج مصر وردان أن زد على كل امرئ من القبط قيراطًا، فرد عليه: كيف وفي عهدهم أن لا يزاد عليهم؟! ولم يل وردان خراج مصر لمعاوية إلا في ولاية عمرو بن العاص؛ لأن من ولوا مصر بعد موت عمرو، وهم: عتبة بن أبي سفيان، وعقبة بن عامر، ومسلمة بن مخلد، كانوا يتولون صلاتها وخراجها، وهذا الرواية صريحة قاطعة في الدلالة على اهتمام معاوية بزيادة حصيلة الخراج في مصر، وفي ولاية عمرو بن العاص عليها.
وهذا الاهتمام لا معنى له إلا إذا كان فائض الخراج في مصر يحمل إلى معاوية في دمشق ليواجه به وجوه الإنفاق المتنوعة، كما أن معاوية لم يكن يستحل أن يتنازل عن خراج مصر وهي من أغنى الأقاليم للدولة الإسلامية آنذاك لفرد واحد، وهو يعلم أنه حق الأمة كلها، وأنه لا يملك التنازل عنه، وقد روى ابن تميمة عن عطية بن قيس قال: سمعت معاوية بن أبي سفيان يخطبنا يقول: إن في بيت ملكم فضلاً بعد أعطياتكم وإني قاسمه بينكم، فإن كان يأتينا فضل عام قابل قسمناه عليكم، وإلا فلا عتبة عليّ؛ فإنه ليس بمالي وإنما هو مال الله الذي أفاءَه عليكم.
وإذا أضفنا إلى ذلك ما نعرفه من تنافس الأمصار الإسلامية مع بعضها، ووجود معارضة للأمويين في مصر كانت حديثة العهد منذ تبعية مصر لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه حتى دخلها عمرو بن العاص سنة 38هـ، لازددنا يقينًا أن أهلها لم يكونوا يقبلون ما يزعمه الرواة حول إعطائها طعمة لعمرو بن العاص رضي الله عنه..
وعلى ذات السبيل نذكر أن من رجال مصر من بذل في سبيل نصرة معاوية مثلما بذل عمرو بن العاص، إن لم يَفُقْهُ، كمعاوية بن حديج وأصحابه من العثمانية، وهؤلاء لا يقبلون بحال أن يمتاز عمرو عليهم كل هذا الامتياز، ونذكر أن معاوية بن حديج هذا قد أرجع ابن أخت معاوية عبد الرحمن بن أم الحكم الذي ولاه معاوية مصر، من قبل أن يدخلها، ورفض أن يتولى إمارتهم، ورده إلى الشام على نحو غير كريم، فما استطاع معاوية أن يُغضِب ابن حديج.
أمــة الله
09.02.2010, 23:14
دوافع فتح مصر
لم يكن فتح مصر عشوائيًا، وإنما كان ذلك بخطة محكمة ودراسة مسبقة، ويرجع السبب في ذلك إلى عده عوامل، منها ما هو ديني أو عسكري أو سياسي اقتصادي أو غير ذلك.
1- الدافع الديني:
يتمثل هذا الدافع في رغبة المسلمين في الاضطلاع بأعباء الدعوة الإسلامية العالمية، وضرورة أداء أمانة تبليغها إلى العالمين لإبراء الذمة أمام الله عز وجل، وقد سبق للمسلمين في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم دعوة المقوقس إلى الإسلام سلميا، فقد أرسل له النبي صلَّى الله عليه وسلم الصحابي الجليل حاطب بن أبي بلتعة، وكذلك أبو بكر الصديق رضي الله عنه أرسل إليه حاطبًا مرة أخرى، وفي عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه أرسل إليه كعب بن عدي بن حنظلة التنوخي، فما كان من المقوقس إلا أن اكتفي بالرد الحسن.
ولما كانت مصر خاضعة للإمبراطورية البيزنطية كان من الضروري مواجهة جند هذه الإمبراطورية على أرض مصر؛ ذلك أنهم يحولون بين المصريين وبين الدخول في الإسلام.
لقد تطلع المسلمون إلى فتح مصر بعد ورودها في كثير من المواضع في القرآن الكريم عند التعرض لقصص الأنبياء الأولين، وتبشير النبي صلى الله عليه وسلم صحابته بفتحها وتنويهه بجندها، وتوصيته بأهلها خيراً، ومن أجل ذلك كله حرص المسلمون على فتحها.
2- الدافع العسكري:
كان هذا الفتح طبيعيا لأن مصر هي الامتداد الطبيعي الجنوبي لفلسطين، كما أن فتح ما فُتِحَ من مدن فلسطينية قد أجهد البيزنطيين، ولابد من ضربة قاصمة لوجودهم في هذه الأماكن الجنوبية فكان ذلك.
ومن ناحية أخرى فإن "أرطبون" قائد بيت المقدس قد انسحب منها بنظام إلى مصر لإعادة المقاومة، ودفع المسلمين عن الشام ثانية، ولذلك استدعى الأمر مباغتة هؤلاء والإيقاع بهم قبل تزايد خطرهم واستعمال قوتهم.
كما أن الاستيلاء على ما في مصر من ثغور وسفن سوف يمكِّن المسلمين من إخضاع مدن الشام الشمالية الواقعة على البحر المتوسط، والتي كانت لا تزال تقاوم المسلمين، ففتح مصر ضرورة حربية ملحة تكميلا لفتح بلاد الشام؛ لأن الإمبراطورية البيزنطية كانت تسيطر على الشام ومصر وبلاد المغرب، وتلك البلاد - عسكريا - تعد منطقة واحدة؛ إذ أن فتح جزء منها يستلزم فتح الأجزاء الأخرى نتيجة للتعرض للصدام مع عدو واحد يحتلها.
وكذلك كان من الممكن عند إغفال فتح مصر مهاجمة البيزنطيين دار الخلافة عن طريق البحر الأحمر، فتهبط قواتهم إلى ميناء جدة أو الجار، وتتم مهاجمة الحجاز.
وكان من دواعي فتح مصر أيضا أن البيزنطيين حاولوا استرداد الشام من المسلمين، وأرادوا عرقلة جهودهم للتوجه جنوبا، وهاجموهم من شمال الشام، فشعر المسلمون أنهم محاصرون بين قوات بيزنطة في آسيا الصغرى وقواتهم في مصر.
أضف إلى ذلك أيضا سهولة فتح مصر الذي لن يكلف العرب المسلمين سوى القليل من الأرواح والأموال؛ لقلة التحصينات بها.
كما أن معرفة عمرو بن العاص رضي الله عنه لمصر ودرايته بها، وهو القائد المختار لفتح البلاد، وَفَّرَ على المسلمين كثيرا من المعاناة والتكاليف. إضافة إلى أن أغلب الجند الذين اشتركوا في الفتح كانوا من العناصر اليمنية، وأغلبهم من قبيلتي غافق وعك على وجه الخصوص، وهؤلاء اليمانية مهروا في قتال الحصون الساحلية، واشتركوا مع عمرو في فتح الحصون ببلاد الشام، فهم أقدر الناس على فتح مصر ومعالجة شئونها العسكرية، كما كانوا على دراية ببناء المدن واختطاطها، والإلمام بالزراعة، فهم من هذه الناحية العسكرية أقدر الناس على تفهم أمور مصر ومعالجة شئونها.
3- الدافع السياسي الاقتصادي:
وهو يتعلق بما تَجَمَّع لدى المسلمين من معلومات عن أوضاع مصر السيئة في ظل حكم البيزنطيين، وما تَرَدَّتْ إليه أوضاعها الاقتصادية نتيجة المظالم المادية، والنهب المنظم لثروات البلاد لصالح الغرباء عنها.
ويُضَافُ إلى ذلك الصراع الديني المذهبي الذي أَجَّجَ العداوة والأحقاد بين عامة الشعب من القبط، وبين البيزنطيين.
أدرك المسلمون ذلك كله، وأدركوا معه غنى مصر وثراءها، وعلموا أن ضمها إلى بلدان الإسلام يضمن انتعاشا في اقتصاد المسلمين، ويوفر لهم الأموال التي تساعد على مزيد من الفتوح، إضافة إلى أن مصر كانت مركزا رئيسيا لتمويل بيزنطة بالقمح، ومع انهيار الجيش البيزنطي، وما حَلَّ بمصر من ضعف وانقسام كانت الفرصة مواتية للإقدام على فتح مصر.
يتبع
أمــة الله
09.02.2010, 23:15
علاقة مصر بالدولة الإسلامية
مقدمة (http:///####script:Expand_Collapse%28%271%27%29)
جاء الفتح الإسلامي لمصر عام 640 - 642م، وهذا الفتح لم يكن على أي نسقٍ سابق أو لاحق، وبالرغم من أن الفتح الإسلامي قد محا كل أثر لأي غزو سابق، وبالرغم من أن أرض الكنانة مصر تعرضت لغزوات واحتلال بعد ذلك، فإن أيًا منها لم يستطع أن يغير شيئًا من نتائج الفتح الإسلامي على يد عمرو بن العاص في عهد الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنهما.
وعلى إثر هذا الفتح ظلت مصر عربية إسلامية إلى يومنا هذا، وإلى أن تقوم الساعة بإذن الله، وكان دخول المسلمين مصر في أعقاب دول وحضارات سبقت، بدأت بالفرعونية ثم الرومانية فالقبطية والبيزنطية.
المقوقس:
لم تكن كلمه "المقوقس" اسما لرجل، إنما كانت لقبا أو اسما لوظيفة، فهي كلمة يونانية معناها المفخم أو المبجل، كما نقول اليوم: صاحب الجلالة أو السمو، أو عظمة السلطان أو فخامة الرئيس. وقد ظهر هذا اللفظ أول ما ظهر في تاريخنا في رسالة النبي صلى الله عليه وسلم إلى المقوقس عظيم القبط، ثم عاد إلى الظهور مرة أخرى في أحداث فتح مصر.
ونذهب إلى أنه لم يكن مقوقسا واحدا، إنما كان هناك مقوقسان: أولهما الذي تلقى رسالة النبي صلى الله عليه وسلم، وكان اسمه جورج، وكما قال عنه الرواة المسلمون: جريج بن قرقب الرومي، وكان هو الحاكم الرومي من قِبَلِ القسطنطينية، وكانت رسالة النبي صلى الله عليه وسلم إليه تدعوه إلى الإسلام، وبالرغم من أنه لم يسلم لكنه أجاب جوابا جميلا، وبعث إلى النبي صلى الله عليه وسلم ببعض الهدايا.
أما المقوقس الثاني فقد ذكرته المصادر العربية باسم "فيرس"، وكتبها بعضهم "قيرس"، ونختار أن نكتبها كما تنطق وهي سيروس Cyrus وهو اسم مازال معروفا عند اليونانيين وغيرهم، وكان هو الحاكم الرومي من قبل هرقل على ولاية مصر، كما كان البطرك الملكاني لكنيسة الإسكندرية، فاجتمعت في يده السلطتان.
وبعض من كتب ذهب إلى أنه كان مصريا قبطيا، وبعضهم استند إلى رسالة النبي صلى الله عليه وسلم إليه التي استهلها بعبارة: "من محمد رسول الله إلى المقوقس عظيم القبط"، ويبنون على ذلك أنه كان من القبط، ولكن في روايات واضحة أنه كان من الروم، وفى أوضاع كالتي كانت في مصر حينذاك كان عظيم القبط من الروم.
كانت الكنيسة قد انشقت إلى كنيستين: الكنيسة اليعقوبية في الإسكندرية، وتقول بأن للمسيح إرادة واحدة وطبيعة واحدة إلهية، والكنيسة البيزنطية، وتقول بأن للمسيح إرادة واحدة وطبيعتين. وأراد هرقل - كما أشرنا - التوفيق بين الكنيستين، وابتدع سرجيوس بطرك القسطنطينية بدعة جديدة بأن للمسيح إرادة واحدة وأن يمتنع الناس عن الخوض في طبيعته، وتبنى هرقل هذا المذهب، وقَبِلَه سيروس مطران فاسيس فى مستهل عام 631م فولاه هرقل بطركة الإسكندرية، كما أسند إليه حكم مصر وجمع خراجها.
ولكن بنيامين تزعم القبط في رفض هذا المذهب الملكاني، وراح المقوقس يحارب القبط ومذهبهم ويضطهدهم لإجبارهم على مذهبه، حتى صار اسمه مفزعا للقبط كريها لديهم، ويذكر مؤرخو القبط أنهم ولمدة عشر سنين كانوا يخيرون بين قبول مذهب خلقيدونية أو الجلْد أو الموت، حتى قال بتلر: "... علينا أن نبين هنا بيانا لا شك فيه أنه لم يكن في ذلك الوقت شيء اسمه القبط في ميدان النضال، ولم تكن منهم طائفة لها يد فيه، بل كان القبط إذ ذاك بمنحاة عنه، قد أذلهم قيرس وأرغم أنوفهم...".
وقد دبر فريق من الجايانية من القبط لقتل سيروس، ولكن أخبار المؤامرة نمت إلى علمه فقضى عليها، ولم يكن القبط وحدهم الذين عارضوا المقوقس سيروس، وإنما الملكانيون أيضا لم يعجبهم ذلك المذهب الوسط بين المذهبين، وتزعم معارضتهم صفرونيوس بطرك القدس.
ثم جاء المسلمون وفتحوا الفرما ثم بلبيس ثم هزموا الروم في عين شمس وحاصروا حصن بابليون وكان به المقوقس، ثم عبر إلى جزيرة (الروضة) في 6 يونيه 641م، وبعث إلى عمرو ليفاوضه، ومال المقوقس إلى الصلح ولكن من معه عارضوه، فرحل إلى الإسكندرية في النهر، واستاء منه هرقل فاستدعاه إلى القسطنطينية، ورفض الصلح وأسلمه إلى حاكم المدينة ليهينه ويشهر به ثم نفاه.
ومات هرقل وكانت زوجته مارتينا ذات نفوذ؛ وكان سيروس من حزبها فأعيد إلى الإسكندرية ومعه أمداد من جند الروم، وعاد إلى عسفه بالقبط، ثم قدم على عمرو في بابليون وأذعن له بأداء الجزية، واتفق معه على تسليم الإسكندرية بعد 11 شهرا!!
لم يذكر المقوقس أمر الصلح لأهل الإسكندرية حتى حل الموعد وتحرك المسلمون إليها، فأعلن الأمر وغضب الناس وتظاهروا عند قصره، وبرر ما عمل بأنه لصالحهم وحقن دمائهم ولعجز دولتهم، فقبلوا كلامه وجمعوا الجزية، وحملها سيروس إلى عمرو (ربما في أول المحرم 22 هـ - 642م).
وفي القسطنطينية زال أمر مارتينا وتم نفيها وإذلالها؛ فتكاثرت على سيروس الأحزان وقد زال أمره هو الآخر، وأصيب بالدوسنتاريا مع شيخوخته، فمات في 21 مارس، ولم يكن مقوقسا يوم مات لكنه كان مازال بطركا للكنيسة الملكانية بالإسكندرية، وبعد ثلاثة أشهر ألبسوا الشماس بطرس رداء البطركة في 14 يوليه. (1)
أمــة الله
09.02.2010, 23:17
العلاقة بين مصر والدولة الإسلامية قبل الفتح (http:///####script:Expand_Collapse%28%272%27%29)
لم تبدأ علاقة المسلمين بمصر بفتحها على يد عمرو بن العاص رضي الله عنه، وإنما سبق ذلك مقدمات في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، ثم في خلافة أبي بكر الصديق وعمر بن الخطاب رضي الله عنهما..
ففي شهر ذي الحجة من العام السادس حدث صلح الحديبية بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين قريش، وقضت شروط الصلح بهدنة بين الطرفين مقدارها عشر سنوات، وما إن عاد رسول الله صلى الله عليه وسلم من الحديبية إلى المدينة حتى بعث كتبه مع مبعوثه إلى الملوك من حوله يدعوهم إلى الإسلام.
فقد قام رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر فحمد الله، وأثنى عليه وتشهد ثم قال: "أما بعد، فإني أريد أن أبعث بعضكم إلى ملوك العجم، فلا تختلفوا عليَّ كما اختلفت بنو إسرائيل على عيسى بن مريم، وذلك أن الله تبارك وتعالى أوحى إلى عيسى أن ابعث إلى ملوك الأرض فبعث الحواريين، فأما القريب مكانا فرضي، وأما البعيد مكانا فكره، وقال: لا أحسن كلام من تبعثني إليه، فقال عيسى: اللهم أمرت الحواربين بالذي أمرتني فاختلفوا عليَّ، فأوحى الله إليه أني سأكفيك، فأصبح كل إنسان منهم يتكلم بلسان الذي وُجِّهَ إليهم." فقال المهاجرون: يا رسول الله، والله لا نختلف عليك أبدا في شيء، فمرنا وابعثنا، فبعث حاطب بن أبي بلتعة إلى المقوقس صاحب الإسكندرية، وشجاع بن وهب الأسدي إلى كسرى، وبعث دحية بن خليفة إلى قيصر (هرقل)، وبعث عمرو بن العاص إلى ابني الجلندي أميري عمان. (2)
مضى حاطب بن أبي بلتعة رضي الله عنه بكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المقوقس، وأترك سيدنا حاطب رضي الله عنه يتحدث عن نفسه إذ يقول:
"ثم توجهت أريد مصر ولم أزل إلى أن أتيتها، فلما وصلت إلى باب الملك، قالوا: من أين جئت؟ قلت: أنا رسول إلى ملككم، فقالوا: من عند من؟ قلت: من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما سمعوا بذلك أحاطوا بي وأوصلوني إلى قصر الشمع بعد أن استأذنوا لي، وأوقفوني على باب الملك فأمرهم بإحضاري بين يديه، فعقلت راحلتي وسرت معهم عند المقوقس، وإذا هو في قبة كثُرَ الجوهر في حافتها، ولمع الياقوت من أركانها، والحجَّاب بين يديه، فأومأت بتحية الإسلام، فقال حاجبه: يا أخا العرب، أين رسالتك؟ قال: فأخرجت الكتاب، فأخذه الملك من يدي بيده. قال: فباسه ووضعه على عينيه، وقال: مرحبا بكتاب النبي العربي، ثم قرأه وزيره الباكلمين، فقال له: اقرأه جهراً؛ فإنه من عند رجل كريم، فقرأه الوزير إلى أن أتى إلى آخره، وهذا نصه:
بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد رسول الله إلى المقوقس عظيم القبط، سلام على من اتبع الهدى، أما بعد؛ فإني أدعوك بدعاية الإسلام، فَأَسْلِمْ تسلم، وأسلم يؤتك الله أجرك مرتين، [يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ] {آل عمران: 64} فقال الملك لخادمه الكبير: هات السفط الذي عندك؛ فأتى به ففتحه واستخرج نمطا ففتح ذلك النمط، وإذا فيه صفة آدم وجميع الأنبياء صلوات الله عليهم أجمعين وفي آخره صفة محمد صلى الله عليه وسلم، فقال لي: صِفْ صاحبك حتى كأني أراه.
قال حاطب: ومن يقدر أن يصف عضوا من أعضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: لابد من ذلك، قال: فوقفت بعدما كنت جالسا، وقلت: إن صاحبي وسيم قسيم، معتدل القامة، بعيد الهامة، بين كتفيه شامة، وله علامة كالقمر إذا برز، صاحب خشوع وديانة، وعفة وصيانة، صادق اللهجة، واضح البهجة، أشم العرنين، واضح الجبين، سهل الخدين، رقيق الشفتين، براق الثنايا، بعينيه دعج، وبحاجبيه زجج، وصدره يترجرج، وبطنه كطي الثوب المدبج، له لسان فصيح، ونسب صحيح، وخُلُقٌ مليح.
قال: والملك ينظر في النمط، فلما فرغت قال: صدقت يا عربي هكذا صفته، فبينما هو يخاطبني إذ نُصِبت الموائد، وأحضروا الطعام؛ فأمرني أن أتقدم فامتنعت، فتَبَسَّمَ وقال: وقد علمتُ ما أُحِلَّ لكم وحُرِّمَ عليكم، ولم أقدم لك إلا لحم الطير، فقلت: إني لا آكل في هذه الصحاف الذهب والفضة؛ فإن الله قد وعدنا بها في الجنة، قال: فبدلوا طعامي في صحاف فخار فأكلت، فقال: أي طعام أحب إلى صاحبك؟ فقلت: الدباء (يعني: القرع)، فإذا كان عندنا منه شيء آثرناه على غيره. فقال: ففي أي شيء يشرب الماء؟ فقلت: في قعب من خشب. قال: أيحب الهدية؟ قلت: نعم؛ فإنه قال صلى الله عليه وسلم: "لو دُعِيتُ إلى كراع لأجبت، ولو أُهديَ إليَّ ذراع لقبلت". قال: أيأكل الصدقة؟ قلت: لا، بل يقبل الهدية ويأبى الصدقة، وقد رأيته إذا أُتِيَ بهدية لا يأكل منها حتى يأكل صاحبها. فقال الملك: أيكتحل؟ قلت: نعم، في عينه اليمنى ثلاثا وفي اليسرى اثنتين، وقال: "من شاء اكتحل أكثر من ذلك أو أقل" وكحله الإثمد، وينظر في المرآة، ويرجل شعره، ويستاك.
فقال المقوقس: إذا ركب ما الذي يحمل على رأسه؟ فقلت: راية سوداء ولواء أبيض، وعلى اللواء مكتوب لا إله إلا الله محمد رسول الله. فقال: أله كرسي يجلس عليه أو قبة. قلت: نعم، له قبة حمراء تسع نحو الأربعين. قال: فما الذي يحب من الخيل؟ قلت: الأشقر الأرتم الأغر المحجل في الساق، وقد تركت عنده فرسا يقال لها: المرعد.
قال: فلما سمع كلامي انتخب من خيله فرسا أفخر خيول مصر الموصوفة، وأمر به فأسرج وألجم، فأعده هدية لرسول الله صلى الله عليه وسلم وهو فرسه المأمون، وأرسل معه حمارا يقال له: عفير، وبغلة يقال لها: دلدل، وجارية اسمها: بريرة وكانت سوداء، وجارية بيضاء من أجمل بنات القبط اسمها: مارية، وغلام اسمه: محبوب، وطيب وعود وند ومسك وعمائم وقباطي، وأمر وزيره أن يكتب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم كتابا يقول فيه: "باسمك اللهم، من المقوقس إلى محمد، أما بعد؛ فقد وصل كتابك وفهمته، أنت تقول: إن الله أرسلك رسولا وفضلك تفضيلا وأنزل عليك قرآنا مبينا، فكشفنا - يا محمد - خبرك، فوجدناك أقرب داع إلى الله وأصدق من تكلم بالصدق، ولولا أنني ملكت مُلكا عظيما لكنت أول من آمن لعلمي أنك خاتم النبيين وإمام المرسلين، والسلام عليك ورحمة الله وبركاته مني إلى يوم الدين.
قال: وسلم الكتاب والهدية إلي و قبلني بين عيني، وقال: بالله عليك قَبِّلْ بين عيني محمد عني هكذا، ثم بعث معي من يوصلني إلى بلاد العرب وإلى مأمني. قال: فوجدنا قافلة من بلاد الشام وهي تريد المدينة فصحبتها إلى أن وردت المدينة، فأتيت المسجد وأنخت ناقتي ودخلت، وسلمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنشأت أقول:
أنعم صباحا يا وسيلة أحمد ... نرجو النجاة غدا بيوم الموقف
إني مضيت إلى الذي أرسلتني ... أطوي المهامة كالمجد المعنف
حتى رأيت بمصر صاحب ملكهم ... فبدا إليَّ بمثل قول المنصف
فقرأ كتابك حين فك ختامه ... فأطل يرعد كاهتزاز المرهف
قال البطارقة الذين تجمعوا ... ماذا يروعك من كتاب مشرف
قالوا: وهمت فقال: لست بواهم ... إني قرأت بيان لفظ الأحرف
هذا الكتاب كتابه لك جامعا ... يا خير مأمول بحبك نكتفي (3)
ويذكر ابن عبد الحكم أن المقوقس قال لحاطب بن أبي بلتعة رضى الله عنه بعد أن قرأ الكتاب: ما منعه إن كان نبيا أن يدعو عليَّ فيُسلَّط عليَّ! فقال له حاطب: ما منع عيسى بن مريم أن يدعو على من أبى عليه أن يُفعَل به ويُفعَل؟ فوجم ساعة، ثم استعادها فأعاد عليه حاطب فسكت، فقال له حاطب: إنه قد كان قبلك رجل زعم أنه الرب الأعلى فانتقم الله به ثم انتقم منه، فاعتبِر بغيرك ولا يُعتبَر بك، وإن لك دينًا لن تدعه إلا لما هو خير منه، وهو الإسلام الكافي – والله - به فَقْدَ ما سواه، وما بشارة موسى بعيسى من قبل إلا كبشارة عيسى بمحمد، وما دعاؤنا إياك إلى القرآن إلا كدعائك أهل التوراة إلى الإنجيل، ولسنا ننهاك عن دين المسيح، ولكنا نأمرك به.
ويروي ابن عبد الحكم أيضا أن المقوقس أرسل ذات ليلة إلى حاطب رضي الله عنه وليس عنده أحد إلا ترجمان له فقال: ألا تخبرني عن أمور أسألك عنها؟ فإني أعلم أن صاحبك قد تخيرك حين بعثك قال: لا تسألني عن شيء إلا صدقتك. قال: إلام يدعو محمد؟ قال: إلى أن تعبد الله، لا تشرك به شيئا، وتخلع ما سواه، ويأمر بالصلاة. قال: فكم تصلون؟ قال: خمس صلوات في اليوم والليلة، وصيام شهر رمضان، وحج البيت، والوفاء بالعهد، وينهى عن أكل الميتة والدم. قال: من أتباعه؟ قال: الفتيان من قومه وغيرهم، قال: فهل يقاتل قومه؟ قال: نعم. قال: صفه لي، فوصفه بصفة من صفته لم آتِ عليها، قال: قد بقيت أشياء لم أَرَكَ ذكرتها: في عينه حمرة قلما تفارقه، وبين كتفيه خاتم النبوة، يركب الحمار ويلبس الشملة، ويجتزيء بالتمرات والكسر، لا يبالي من لاقى من عَمٍّ ولا ابن عم. قلت: هذه صفته. قال: قد كنت أعلم أن نبيا قد بقي، وقد كنت أظن أن مخرجه الشام، وهناك كانت تخرج الأنبياء من قبله، فأراه قد خرج من العرب، في جهد وبؤس، والقبط لا تطاوعني في اتِّباعه، ولا أحب أن يُعْلَمَ بمحاورتي إياك، وسيظهر على البلاد وينزل أصحابه من بعده بساحتنا هذه حتى يظهروا على ما هاهنا، وأنا لا أذكر القبط من هذه حرفًا، فارجع إلى صاحبك..
المراجع:
(1) راجع أحمد عادل كمال: الفتح الإسلامي لمصر.
(2) المرجع السابق 5/ 221.
(3) راجع: فتوح الشام 1/ 284،285.
..يتبع
vBulletin® v3.8.7, Copyright ©2000-2025, Jelsoft Enterprises Ltd.
diamond