الوليــــد
22.12.2009, 16:26
البارحة و أنا أراجع شرح فضيلة الشيخ محمد حسان للأصول الثلاثة أعجبني كلام الشيخ عند حديثه عن الصبر عل الأذي في الدعوة فأحببت أن أنقله للإخوة الكرام
الإيمان يا أخوة ليس مجرد كلمة ترددها الألسنة فقط، لا، بل معتقدنا الذي ندين الله به أن الإيمان قول باللسان وتصديق بالجنان وعمل بالجوارح والأركان، يزيد بالطاعة، وينقص بالمعصية، كما سنفصل إن شاء الله بعد ذلك.
فالإيمان ليس كلمة ترددها الألسنة فحسب، الإيمان أمانة ذات تكاليف، ومسئولية ضخمة ذات أعباء، والله - تبارك وتعالى - يبتلي أهل الإيمان، ليميز الخبيث من الطيب، ليظهر الصادق من الكاذب، فكثير من الناس يردد كلمة الإيمان يحسبها سهلة هينة خفيفة الحمل، فهو يردد كلمة الإيمان وهو سائر على درب الدعوة، وعلى الطريق إلى الله - تبارك وتعالى - مع السائرين إن حصل من المغانم ما حصل ومن المكاسب المادية ما حصل فهو سائر على الدرب، أما إن تعرض لمحنة، وإن تعرض لفتنة، وإن تعرض لابتلاء، نكص على عقبيه هذا لا يستحق أن يشرف برفع راية الدعوة إلى الله، وليس جديراً أن يسير على هذا الطريق على درب الأنبياء، على درب نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد وغيرهم صلوات الله عليهم أجمعين .
ولو كان، احفظوا مني هذا، لو كان طريق الدعوة إلى الله هيناً ليناً سهلاً مفروشاً بالورد والزهور والرياحين لسهل على كل إنسان أن يكون صاحب دعوة، ولاختلطت حينئذ دعوة الحق بدعاوى الباطل وما أكثرها .
أكرر هذا الكلام لأهميته أقول: ليس الإيمان مجرد كلمة ترددها الألسنة فحسب، كلا بل الإيمان قول وتصديق وعمل، الإيمان أمانة عظيمة، ومسئولية كبيرة ذات تكاليف، ذات أعباء، ولا يجوز أبداً أن يردد الإنسان كلمة الإيمان دون أن يمحص وأن يبتلى، أيثبت على الدرب أم ينكص على عقبيه؟ قال - جلّ جلاله - ﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ ﴾[الحج:11] .
اللهم ثبتنا على الحق وعلى الإيمان ﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ ﴾ إن حقق المكاسب والمغانم سواء كانت مادية أو معنوية، فهو سائر على الدرب على طريق الإيمان مع السائرين، أما إن تعرض لمحنة ولم يكن صادقاً نكص على عقبيه، وترك الدرب، وقال أريد أن أربي الأولاد، أريد أن أعيش سعيداً، لا أريد أن أتعرض لأذى، لا أريد أن أتعرض لفتن، لا أريد أن أتعرض لمحن، هو يتصور أن كلمة الإيمان مجرد كلمة، أو أن الإيمان كلمة فقط، ﴿ أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ ﴾[العنكبوت:2] لا، لا، ﴿ وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ ﴾[العنكبوت:3] واسمحوا لى أن أطيل النفس الآن في هذه المسألة؛ لأنني أعالج بها واقعاً تحياه الأمة الآن، أعالج بها واقع شباب الصحوة الذي يعاني ويتساءل في كل لقاء من اللقاءات، فالفتن كثيرة والمحن كثيرة، والشباب إلى الآن لا يريد أن يتعلم أبداً الصبر، الشباب متعجل، ومن تعجل الشيء قبل آوانه عوقب بحرمانه، الشباب يستكثر هذه المحن والفتن والابتلاءات التي تمر بها الأمة الآن ويتساءل أين النصر؟ أين العزة؟ أين الاستعلاء؟ أين التمكين؟ أين الاستخلاف؟
بل لقد قال لي قائل بنفس اللفظ قال لي يا شيخ: هل خلق الله الكون ونفض يديه من الكون ولم يعد الله قادراً على ضبط الكون بميزان الحق والعدل ؟ ألا يرى هذه الدماء التي تسفك، والأشلاء التي تمزق ؟
أنستنا العجلة سنن الله الثابتة في الكون، إن لله سنناً ربانية لا تتبدل ولا تتغير ولا تجامل تلك السنن أحداً من الخلق بحال، مهما ادعى لنفسه من مقومات المحاباة .
لقد هُزم المسلمون في أحد، لا تجمل اللفظة أبداً، نعم هُزموا، وقائد الميدان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وتساءل الصحابة كيف نهزم ؟ وقائد الميدان رسول الله، كيف نهزم وعدونا هم المشركون؟ فنزل قرآن يربي الصحابة والأمة من بعدهم ﴿ أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ ﴾ لا تعلق أخطاءك على الحكام تارة ولا على العلماء تارة ولا على الأعداء تارة بل تقصيرك أنت هو السبب، وتقصيري أنا هو السبب، لماذا أنظر إلى القذاة في عينك، وأغض الطرف عن عود في عيني؟ لماذا نبرر لأنفسنا دائماً الأخطاء والتقصير؟ لماذا نعلق دائماً على غيرنا، ونتجاهل سنن الله في الكون التى لا تجامل أحداً من الخلق بحال مهما ادعى لنفسه من مقومات المحاباة؟ تسمع الآن من يقول إحنا حبايب النبي، وإحنا بتوع النبي، واللى يحب النبي يزأ"يدفع"، ما هذا ؟ هذا خلل في فهم القرآن وفى فهم السنة وفي فهم سنن الله الكونية التى يضبط بها الكون، ويضبط بها الحياة.
﴿ إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ ﴾[الرعد:11] .
قال تعالى ﴿ ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ ﴾[الأنفال:53] سنن ثابتة لا تتبدل ولا تتغير، فالشباب الآن متعجل النصر مع أننا لم نبذل بعد كل أسباب النصر، كل أسباب التمكين، كل أسباب العز، لا نريد إلى هذه اللحظة أن نتعلم الصبر.
الكل متعجل بل الكل يتساءل الآن وربما بجرأة لماذا لا ينصرنا الله ؟ لماذا؟ جرأة على الله - تبارك وتعالى - أنت لست مسئولاً عن النتائج، ولست أغير على دين الله من الله، ولست أغير على المستضعفين الذين تسفك دماؤهم وتمزق أشلاؤهم من الله، ولست أغير على الدين ولا على الأمة من الله، لكن الله لا يعجل لعجلة أحد .
تدبروا هذا الدرس أيها الأحبة، ولكن الله لا يعجل لعجلة أحد أبداً، ما عليك إلا أن تبذل وأن تأخذ بالأسباب وأن تبذر في حقل الإسلام بذراً صحيحاً على القرآن والسنة بفهم سلف الأمة وأن نتأدب مع الله وندع النتائج له - تبارك وتعالى - فإن الله - عزّ وجلّ - لا يعجل بعجلة أحد .
وأكرر من تعجل الشيء قبل آوانه عوقب بحرمانه، سنن ثابتة لا تتبدل ولا تتغير .
فتدبر معي مرة أخرى قول الله - جلّ جلاله - ﴿ أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا ﴾ ويفتح صدره على آخره آمنا، ثم إذا تعرض لمحنة أو فتنة أو ابتلاء، نكص على عقبية وترك الدرب وحاد عن الطريق ﴿ أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ ﴿2﴾ وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ ﴾ تصور أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - يبتلى ويؤذى فالطريق لابد أن تؤذى فيه، ولابد أن تصبر نفسك على الأذى الذي ستتعرض إليه على هذا الدرب وعلى هذا الطريق.
فمن سلك هذا الدرب لابد أن يؤذى، قال - جلّ جلاله - ﴿ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً مِنَ الْمُجْرِمِينَ ﴾[الفرقان:31] .
وقال - جلّ جلاله - ﴿ إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آَمَنُوا يَضْحَكُونَ ﴿29﴾ وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ ﴿30﴾ وَإِذَا انْقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمُ انْقَلَبُوا فَكِهِينَ ﴿31﴾ وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَؤُلَاءِ لَضَالُّونَ ﴿32﴾﴾ [ المطففين:29-32] أصوليون، وصوليون، فضوليون، فوضويون، همجيون، رجعيون، متأخرون، متخلفون، جامدون، لا يفهمون الواقع، لا يعرفون شيئاً عن الزمن، إلى آخر هذه التهم المعلبة، التى تكال الآن للمؤمنين في الليل والنهار، سنة، سنة، لا تتعجل ولا تغضب ولا تحزن، بل أنا أتصور أن المؤمن العاقل يستبشر لأن الله يشهد له في هذه الآية بالإيمان إن تعرض للأذى والتهم وهو على الحق فليبشر؛ لأنها شهادة له من الله أنه على الإيمان ﴿ إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آَمَنُوا يَضْحَكُونَ ﴾ شهادة من الله تعالى.
فأرجو أن تتصوروا أنه ما من رسول ولا نبي ولا مصلح سلك هذا الدرب سلك الطريق إلى الله، سلك طريق الدعوة إليه - جلّ جلاله - إلا وتعرض للأذى إلا وتعرض للمحن، إلا وتعرض لابتلاءات، والمؤمن هو الذي يصبر نفسه على الأذى وعلى المحن وعلى الفتن حتى يلقى الله - جلّ جلاله - وليس من الضرورة أن يجني ثمرة الصبر في حياته بل النصر الحقيقي أن تموت وأنت على الدين .
هذا هو النصر، أن تظل ثابتاً على دين الله - جلّ جلاله - حتى تلقى الله - تبارك وتعالى - وليست بالضرورة ألبتة أن تجني ثمرة الصبر على الأذى في عصرك في عهدك، ولا في عهد ولدك ولا في عهد أحفادك ليس هذا من شأننا ولا من شأن العبيد، إنما هو أمر شأن العزيز الحميد - جلّ جلاله - الذي ينصر دينه وقتما أراد أن ينصر دينه، ويمكِّن لدينه في الوقت الذي أراد أن يمكِّن لدينه، فما علينا نحن إلا أن نبذل وأن نمتثل وأن نجتنب، وأن نقف عند الحد وأن نعمل ما أمر الله به ورسوله - صلى الله عليه وسلم - وأن ندع النتائج له - تبارك وتعالى - .
ما من نبي ولا رسول إلا وتعرض للأذى ﴿ وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ ﴾[الأنعام: 34] انظر إلى هذا الخطاب إلى النبي محمد - صلى الله عليه وسلم - ﴿ وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا ﴾ [الأنعام:34].
الإيمان يا أخوة ليس مجرد كلمة ترددها الألسنة فقط، لا، بل معتقدنا الذي ندين الله به أن الإيمان قول باللسان وتصديق بالجنان وعمل بالجوارح والأركان، يزيد بالطاعة، وينقص بالمعصية، كما سنفصل إن شاء الله بعد ذلك.
فالإيمان ليس كلمة ترددها الألسنة فحسب، الإيمان أمانة ذات تكاليف، ومسئولية ضخمة ذات أعباء، والله - تبارك وتعالى - يبتلي أهل الإيمان، ليميز الخبيث من الطيب، ليظهر الصادق من الكاذب، فكثير من الناس يردد كلمة الإيمان يحسبها سهلة هينة خفيفة الحمل، فهو يردد كلمة الإيمان وهو سائر على درب الدعوة، وعلى الطريق إلى الله - تبارك وتعالى - مع السائرين إن حصل من المغانم ما حصل ومن المكاسب المادية ما حصل فهو سائر على الدرب، أما إن تعرض لمحنة، وإن تعرض لفتنة، وإن تعرض لابتلاء، نكص على عقبيه هذا لا يستحق أن يشرف برفع راية الدعوة إلى الله، وليس جديراً أن يسير على هذا الطريق على درب الأنبياء، على درب نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد وغيرهم صلوات الله عليهم أجمعين .
ولو كان، احفظوا مني هذا، لو كان طريق الدعوة إلى الله هيناً ليناً سهلاً مفروشاً بالورد والزهور والرياحين لسهل على كل إنسان أن يكون صاحب دعوة، ولاختلطت حينئذ دعوة الحق بدعاوى الباطل وما أكثرها .
أكرر هذا الكلام لأهميته أقول: ليس الإيمان مجرد كلمة ترددها الألسنة فحسب، كلا بل الإيمان قول وتصديق وعمل، الإيمان أمانة عظيمة، ومسئولية كبيرة ذات تكاليف، ذات أعباء، ولا يجوز أبداً أن يردد الإنسان كلمة الإيمان دون أن يمحص وأن يبتلى، أيثبت على الدرب أم ينكص على عقبيه؟ قال - جلّ جلاله - ﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ ﴾[الحج:11] .
اللهم ثبتنا على الحق وعلى الإيمان ﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ ﴾ إن حقق المكاسب والمغانم سواء كانت مادية أو معنوية، فهو سائر على الدرب على طريق الإيمان مع السائرين، أما إن تعرض لمحنة ولم يكن صادقاً نكص على عقبيه، وترك الدرب، وقال أريد أن أربي الأولاد، أريد أن أعيش سعيداً، لا أريد أن أتعرض لأذى، لا أريد أن أتعرض لفتن، لا أريد أن أتعرض لمحن، هو يتصور أن كلمة الإيمان مجرد كلمة، أو أن الإيمان كلمة فقط، ﴿ أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ ﴾[العنكبوت:2] لا، لا، ﴿ وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ ﴾[العنكبوت:3] واسمحوا لى أن أطيل النفس الآن في هذه المسألة؛ لأنني أعالج بها واقعاً تحياه الأمة الآن، أعالج بها واقع شباب الصحوة الذي يعاني ويتساءل في كل لقاء من اللقاءات، فالفتن كثيرة والمحن كثيرة، والشباب إلى الآن لا يريد أن يتعلم أبداً الصبر، الشباب متعجل، ومن تعجل الشيء قبل آوانه عوقب بحرمانه، الشباب يستكثر هذه المحن والفتن والابتلاءات التي تمر بها الأمة الآن ويتساءل أين النصر؟ أين العزة؟ أين الاستعلاء؟ أين التمكين؟ أين الاستخلاف؟
بل لقد قال لي قائل بنفس اللفظ قال لي يا شيخ: هل خلق الله الكون ونفض يديه من الكون ولم يعد الله قادراً على ضبط الكون بميزان الحق والعدل ؟ ألا يرى هذه الدماء التي تسفك، والأشلاء التي تمزق ؟
أنستنا العجلة سنن الله الثابتة في الكون، إن لله سنناً ربانية لا تتبدل ولا تتغير ولا تجامل تلك السنن أحداً من الخلق بحال، مهما ادعى لنفسه من مقومات المحاباة .
لقد هُزم المسلمون في أحد، لا تجمل اللفظة أبداً، نعم هُزموا، وقائد الميدان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وتساءل الصحابة كيف نهزم ؟ وقائد الميدان رسول الله، كيف نهزم وعدونا هم المشركون؟ فنزل قرآن يربي الصحابة والأمة من بعدهم ﴿ أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ ﴾ لا تعلق أخطاءك على الحكام تارة ولا على العلماء تارة ولا على الأعداء تارة بل تقصيرك أنت هو السبب، وتقصيري أنا هو السبب، لماذا أنظر إلى القذاة في عينك، وأغض الطرف عن عود في عيني؟ لماذا نبرر لأنفسنا دائماً الأخطاء والتقصير؟ لماذا نعلق دائماً على غيرنا، ونتجاهل سنن الله في الكون التى لا تجامل أحداً من الخلق بحال مهما ادعى لنفسه من مقومات المحاباة؟ تسمع الآن من يقول إحنا حبايب النبي، وإحنا بتوع النبي، واللى يحب النبي يزأ"يدفع"، ما هذا ؟ هذا خلل في فهم القرآن وفى فهم السنة وفي فهم سنن الله الكونية التى يضبط بها الكون، ويضبط بها الحياة.
﴿ إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ ﴾[الرعد:11] .
قال تعالى ﴿ ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ ﴾[الأنفال:53] سنن ثابتة لا تتبدل ولا تتغير، فالشباب الآن متعجل النصر مع أننا لم نبذل بعد كل أسباب النصر، كل أسباب التمكين، كل أسباب العز، لا نريد إلى هذه اللحظة أن نتعلم الصبر.
الكل متعجل بل الكل يتساءل الآن وربما بجرأة لماذا لا ينصرنا الله ؟ لماذا؟ جرأة على الله - تبارك وتعالى - أنت لست مسئولاً عن النتائج، ولست أغير على دين الله من الله، ولست أغير على المستضعفين الذين تسفك دماؤهم وتمزق أشلاؤهم من الله، ولست أغير على الدين ولا على الأمة من الله، لكن الله لا يعجل لعجلة أحد .
تدبروا هذا الدرس أيها الأحبة، ولكن الله لا يعجل لعجلة أحد أبداً، ما عليك إلا أن تبذل وأن تأخذ بالأسباب وأن تبذر في حقل الإسلام بذراً صحيحاً على القرآن والسنة بفهم سلف الأمة وأن نتأدب مع الله وندع النتائج له - تبارك وتعالى - فإن الله - عزّ وجلّ - لا يعجل بعجلة أحد .
وأكرر من تعجل الشيء قبل آوانه عوقب بحرمانه، سنن ثابتة لا تتبدل ولا تتغير .
فتدبر معي مرة أخرى قول الله - جلّ جلاله - ﴿ أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا ﴾ ويفتح صدره على آخره آمنا، ثم إذا تعرض لمحنة أو فتنة أو ابتلاء، نكص على عقبية وترك الدرب وحاد عن الطريق ﴿ أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ ﴿2﴾ وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ ﴾ تصور أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - يبتلى ويؤذى فالطريق لابد أن تؤذى فيه، ولابد أن تصبر نفسك على الأذى الذي ستتعرض إليه على هذا الدرب وعلى هذا الطريق.
فمن سلك هذا الدرب لابد أن يؤذى، قال - جلّ جلاله - ﴿ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً مِنَ الْمُجْرِمِينَ ﴾[الفرقان:31] .
وقال - جلّ جلاله - ﴿ إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آَمَنُوا يَضْحَكُونَ ﴿29﴾ وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ ﴿30﴾ وَإِذَا انْقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمُ انْقَلَبُوا فَكِهِينَ ﴿31﴾ وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَؤُلَاءِ لَضَالُّونَ ﴿32﴾﴾ [ المطففين:29-32] أصوليون، وصوليون، فضوليون، فوضويون، همجيون، رجعيون، متأخرون، متخلفون، جامدون، لا يفهمون الواقع، لا يعرفون شيئاً عن الزمن، إلى آخر هذه التهم المعلبة، التى تكال الآن للمؤمنين في الليل والنهار، سنة، سنة، لا تتعجل ولا تغضب ولا تحزن، بل أنا أتصور أن المؤمن العاقل يستبشر لأن الله يشهد له في هذه الآية بالإيمان إن تعرض للأذى والتهم وهو على الحق فليبشر؛ لأنها شهادة له من الله أنه على الإيمان ﴿ إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آَمَنُوا يَضْحَكُونَ ﴾ شهادة من الله تعالى.
فأرجو أن تتصوروا أنه ما من رسول ولا نبي ولا مصلح سلك هذا الدرب سلك الطريق إلى الله، سلك طريق الدعوة إليه - جلّ جلاله - إلا وتعرض للأذى إلا وتعرض للمحن، إلا وتعرض لابتلاءات، والمؤمن هو الذي يصبر نفسه على الأذى وعلى المحن وعلى الفتن حتى يلقى الله - جلّ جلاله - وليس من الضرورة أن يجني ثمرة الصبر في حياته بل النصر الحقيقي أن تموت وأنت على الدين .
هذا هو النصر، أن تظل ثابتاً على دين الله - جلّ جلاله - حتى تلقى الله - تبارك وتعالى - وليست بالضرورة ألبتة أن تجني ثمرة الصبر على الأذى في عصرك في عهدك، ولا في عهد ولدك ولا في عهد أحفادك ليس هذا من شأننا ولا من شأن العبيد، إنما هو أمر شأن العزيز الحميد - جلّ جلاله - الذي ينصر دينه وقتما أراد أن ينصر دينه، ويمكِّن لدينه في الوقت الذي أراد أن يمكِّن لدينه، فما علينا نحن إلا أن نبذل وأن نمتثل وأن نجتنب، وأن نقف عند الحد وأن نعمل ما أمر الله به ورسوله - صلى الله عليه وسلم - وأن ندع النتائج له - تبارك وتعالى - .
ما من نبي ولا رسول إلا وتعرض للأذى ﴿ وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ ﴾[الأنعام: 34] انظر إلى هذا الخطاب إلى النبي محمد - صلى الله عليه وسلم - ﴿ وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا ﴾ [الأنعام:34].