تسجيل الدخول

اعرض النسخة الكاملة : الرفق


غدير عبدالله الحقبي
28.03.2017, 19:00
لقد جاء دين الإسلام منهج هداية للبشرية؛ لتصحيح عقائدها، وتهذيب نفوسها، وتقويم أخلاقها، وإصلاح مجتمعاتها، وتنظيم علاقاتها، ونشر الخير والفضيلة بين أفرادها، ومحاربة الشر والرذيلة، وإقصائها عن بيئاتها، وسد منافذ الفساد أن يتسلل إلى صفوفها؛ لذا فقد كانت مكارم الأخلاق، ومحاسن الآداب، ومعالي القيم، وفضائل الشيم، وكريم الصفات والسجايا؛ من أسمى ما دعا إليه الإسلام، وقد تميز بنظام أخلاقي فريد، لم ولن يصل إليه نظام بشري أبداً.
وقد سبق الإسلام بذلك نظم البشر كلها؛ ذلك لأن الروح الأخلاقية في هذا الدين منبثقة من جوهر العقيدة الصافية؛ لرفع الإنسان الذي كرمه الله، وكلفه بحمل الرسالة، وتحقيق العبادة من درك الشر والانحراف، وبؤر الرذائل والفساد إلى قمم الخير والصلاح، وأوج الاستقامة والفلاح؛ ليسود المجتمعَ السلامُ والمحبةُ والوئام، رائده نشر الخير والمعروف، ودرء الشر والمنكر والفساد.
و الأخلاق في كل أمة عنوان مجدها، ورمز سعادتها، وتاج كرامتها، وشعار عزها وسيادتها، وسر نصرها وقوتها.فصلاح الأفراد والأمم؛ مرده إلى الإيمان والأخلاق، وضعف الخلق؛ أمارةٌ على ضعف الإيمان، وإذا أصيبت الأمة في أخلاقها فقل: عليها السلام، فقد آذنت بتصدع أركانها، وزعزعة أمورها، وخراب شئونها، وفساد أبنائها، وإذا حصل ذلك فبطن الأرض خير من ظهرها.
و لقد بلغ من عِظَم مكانة الأخلاق في الإسلام أن حصر الرسول صلى الله عليه وسلم مهمة بعثته، وغاية دعوته، بكلمة عظيمة جامعة، فقال فيما رواه البخاري في وغيره: {إنما بُعثتُ لأتمم مكارم الأخلاق }.
وفي هذا أكبر دليل وأنصع حُجة على أن رسالة الإسلام حققت ذروة الكمال، وقمة الخير والفضيلة والأخلاق، كما أن قدوة هذه الأمة عليه الصلاة والسلام كان المثل الأعلى والنموذج الأسمى للخلق الكريم.
وحسبنا في ذلك ثناء ربه عليه في قوله سبحانه: وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ [القلم:4] فكان عليه الصلاة والسلام أحسن الناس خلقاً، وقد وصفت أمُّ المؤمنين عائشة رضي الله عنها خُلُقَه بوصف جامع، فقالت فيما رواه مسلم وغيره: [[كان خُلُقه القرآن ]].
أفلا يجدر بأمته وقد عصفت بها موجات الفساد من كل جانب، وأعاصير الشر من كل وسيلة وطريق أن تسلك سبيله, وتترسم خطاه، وتتمسك بسنته إن أرادت الخير والأمن والنصر والسلام؟
ومن السَّجايا الجميلة والخِصال النبيلة في منظومة مكارمِ الأخلاق في الإسلام: خُلُق الرِّفق بأشملِ معانيه وأوسع مضامينه، إنه الرِّفقُ الذي يعني: الاتِّصافَ باللِّين والسُّهولة في الأقوال والأفعال، والأخذ بالأسهل، والدفعَ بالأخفِّ، قال - جل وعلا -: فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ [آل عمران: 159].
إنه الرِّفقُ الذي يتضمَّنُ الرحمةَ بالمؤمنين، ولُطفَ الرعاية لهم، والبَشاشةَ والسماحةَ في التعامُل، إنه الرِّفقَ الذي يجلِبُ البُعدَ عن العُنفِ بشتَّى أشكالِه ومُختلَف صُورِه، والتخلُّصَ من الغِلظَة في المقال، والفَظاظَة في الأفعال، والفُحشَ في جميع الأحوال، وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ [الحجر: 88



قد يتبادَر السؤال هُنا لِماذا آثرنا الحديث عن الرفق؟
1-لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمرنا بذلك فقال «عليك بالرِّفقِ، وإياك والعُنفَ والفُحشَ»؛ رواه البخاري. إذا لابد للمؤمن أن يكون رفيقًا في كُل شي في أقواله وأفعاله وفي جميع أحواله، وأن يكون هيِّنُ التعامُل، رقيقُ المعشَر، وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا [الفرقان: 63].
2-لأن الرِّفقُ ما صاحَبَ تصرُّفًا ولا مسلَكًا إلا زيَّنَه، ولا نُزِع من قولٍ ولا فعلٍ إلا شانَه وكدَّرَه، يقول - صلى الله عليه وسلم -: «إن الرِّفق لا يكون في شيءٍ إلا زانَه، ولا يُنزَع من شيءٍ إلا شانَه»؛ رواه مسلم.
ذلك هو الرِّفقُ الذي يمَسُّ بلُطفه القلوبَ القاسِية فيُحوِّلَها من قسوتها وجَفوتها إلى تعاطُفها وتجاذُبها، ومن شدَّتها وغِلظَتها إلى رقَّتها ولُطفها
معنى الرفق:
-"رفق: الراء والفاء والقاف أصل واحد يدل على موافقة ومقاربة بلا عنف فالرفق خلاف العنف .
" الرفق ضد العنف . والرفق: لين الجانب "
" ر ف ق ارفق به وترفق ورفق وفيه رفق وهو لين الجانب و لطافة العقل . و استرفقته فأرفقني بكذا نصحني . وارتفقت به : انتفعت "
الرفق – بالكسر- : ما استعين به واللطف رفق به وعليه مثلثة رفقا ومرفقا . والرفيق ضد الأخرق ورفق فلانا : نفعه ".
يقال : الله رفيق بعبادة من الرفق والرأفة فهو فعيل بمعنى فاعل والرفق : لين الجانب وهو خلاف العنف "
ومما تقدم يمكن تحديد جوانب الرفق بما يلي : نفع الآخرين والرحمة والرأفة بهم الأخذ بالأيسر والأسهل وعدم التشديد
لين الجانب واللطف بالقول والفعل ضد العنف وضد الخرق .
لفظ الرفق في ضوء القرآن الكريم :
ورد في الرقآن الكريم لفظ الرفق وما تصرف عنه في خمس آيات :
1-قال الله تعالى :" ...وحسن أولئك رفيقا" (النساء: 69)
" واللفظ يعم كل صالح وشهيد والله أعلم . والرفق : لين الجانب وسمي الصاحب رفيقا لارتفاقك بصحبته ومنه الرفقة لارتفاق بعضهم ببعض ويجوز : وحسن أولئك رفقاء"
2-قال تعالى : يا أيها الذين آمنوا.... إلى المرافق)( المائدة :6)
3قال تعالى : "ينشر لكم من رحمته ويهيئ لكم من أمركم مرفقا) الكهف :16
"مرفقا أي ما تنتفعون به قال المهايمي : يرفق بنفوسكم فيعطيها من لذات عبادته ما ينسيها سائر اللذات على أن لذاتها لم تخل من أذية وهذه خالية عن الأذيات كلها وجزمهم بذلك لنصوع يقينهم وقوة وثوقهم بفضل الله تعالى " وتوضح هذه الآية أحد معاني الرفق وهو النفع الذي لا أذية فيه من كرم الله لهؤلاء الفتية المؤمنين " يسهل وييسر لكم من أمركم الذي أنتم بصدده ما ترفقون به وتنتفعون بحصوله.
وفي هذه الآية وضح جل وعلا أن هؤلا الفتية عندا لجأو ا إلى الكهف حيث أبعدهم عن أعين الكفار وسلموا من القتل والبطش والفتنة في الدين
4- قوله تعالى .. وساءت مرتفقا" 0 الكهف 29"
قال ابن كثير وساءت (مرتفقا) أي وساءت النار منزلا ومقيلًا ومجتمعا ومو ضعا للإرتفاق "
وقال السعدي رحمه الله " (وساءت) النار (مرتفقا وهذا ذم لحالة النار إنها ساءت المحل الذي يرتفق به فإنما ليس فيها ارتفاق وإنما فيها العذاب العظيم الشاق الذي لايفتر عنهم ساعة وفي هذه الآية أن الجحيم ليس فيها ارتفاق ولا نفع ولا فائدة بل فيها الشقاء والعذاب الأليم .
5-قوله تعالى أولئك لهم جنات عدن تجري من تحتهم الأنهار يحلون فيها من أساور ... وحسنت مرتفقا (الكهف :31)
قال السعدي رحمه الله : "فهذه الدار الجليلة (نعم الثواب) للعاملين (وحسنت مرتفقا) يرتفقون بها ويتمتعون بما فيها مما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين من الحبرة والسرور والفرح الدائم واللذات المتواترة والنعم المتوافرة "
وفي هذة الأية بيان واضح أن فيها الفائدة والنفع مما تتلذب ه الأعين والأنفس والنعمنعيم المقيم واللذات المتوافرة وهو أحد معاني الرفق
ومن الآيات السابقة اتضح لنا أن بعض معاني الرفق ومرادفاتها منها :
في الآية الأولى : لين الجانب والصحبة .
والآية الثانية :المرافق وهو جمع مرفق وهو مايتكئ عليه ويستفاد منه وينتفع بة .
والآية الثالثة :الانتفاع وسهولة الأمر وتيسيره .
والآية الرابعة والخامسة :"مرتفقا" واختلف أهل ا بحسب الفعل :نِعم وبِئس .
ففي و"وسائت مرتفقا" ساء المحل والمقام الذي يسكنون فيه ولا يوجد نفع ولا فائدة والىخرى: " وحسنت مرتفقا" حسن التمتع والفائدة وحصول النفع لغيرة وهو أحد معاني الرفق .

اسم الله الرفيق :
ومن أسماء الله الحسنى : الرفيق ، وهو من الأسماء الحسنى الثابتة في السنة.
روى البخاري في صحيحه ، عن عروة ، عن عائشة _ رضى الله عنها _ قالت : استأذن رهط من اليهود على النبي _صلى الله عليه وسلم _ فقالوا: السام عليكم .فقلت : بل عليكم السام واللعنة . فقال: " يا عائشة، إن الله رفيق يحب الرفق في الأمر كله " ، قلت : أولم تسمع ما قالوا ؟ قال : " قلت : وعليكم ".وروى مسلم في صحيحه ، عن عمرة بنت عبد الرحمن ، عن عائشة رضى الله عنها ، أن رسول الله _ صلى الله عليه وسلم _ قال :" يا عائشة ، إن الله رفيق يحب الرفق ويعطى على الرفق ما لا يعطى على العنف ، وما لا يعطى على ما سواه".ففي الحديث التصريح بتسمية الله بالرفيق ، ووصفه سبحانه بالرفق ، وأن له من هذا الوصف أعلاه و أكمله وما يليق بجلال الرب _ سبحانه وتعالى _ وكماله 0
والرفق : اللين ، والسهولة ، والتأني في الأمور، والتمهل فيها وضده : العنف ، والتشديد ، والتصعيب ، والعجلة . فهو مأخوذ من الرفق الذي هو التأني في الأمور والتدريج فيها .


ومعنى الاسم في حق الله تعالى :
1-رفيق في قضائه وقدره .
2-رفيق في أفعاله :
أنه _ سبحانه _ خلق المخلوق كلها بالتدرج شيئا فشيئا ؛ بحسب حكمته ورفقه مع أنه قادر على خلقها دفعة واحدة وفى لحظة واحدة ، وهو دليل على حلم الله وحكمته وعلمه ولطفه .وقد ورد عن الصحابة – رضى الله عنهم _ حمد الله عز وجل على رفقه في الخلق ، وتصريفه الدائم للمخلوقات ، وأنه لم يجعل الخلق ثابتا على هيئه واحدة ؛ روى ابن أبى الدنيا بسند جيد ، عن الحسن البصري رحمه الله أنه قال : " كانوا يقولون _ يعنى أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم _ : الحمد لله الرفيق الذي لو جعل هذا الخلق خلقا دائما لا يتصرف لقال الشك في الله : لو كان لهذا الخلق ربا يحادثه، وأن الله عز وجل قد حادث بما ترون من الآيات ؛ أنه جاء بضوء طبق ما بين الخافقين ، وجعل فيها معاش ، وسراجا وهاجا ، ثم إذا شاء ذهب بذلك الخلق ، وجاء بظلمة طبقت ما بين الخافقين ، وجعل فيها سكن ونجوما وقمرا منيرا ، وإذا شاء بنى بناء _ يريد السحاب _ جعل فيه من المطر والبرق والرعد والصواعق ما شاء ، وإذا شاء صرف ذلك ، وإذا شاء جاء ببرد يقر قف الناس ، وإذا شاء ذهب بذلك وجاء بحر يأخذ بأنفاس الناس ؛ ليعلم الناس أن لهذا الخلق ربا هو يحادثه بما يرون من الآيات ، كذلك إذا شاء ذهب بالدنيا وجاء بالآخرة 0
3-رفيق في أومره وأحكامه ودينه وشرعه:
؛ فلا يكلف عباده بالتكليف ما لا يطيقون ، وجعل فعل الأوامر قدر الاستطاعة ، وأسقط عنهم كثيرا من الأعمال لمجرد المشقة ؛ رخصة لهم ، ورفقا بهم ، ورحمة لهم ، ولم يأخذ عباده بالتكاليف دفعة واحدة ؛ بل تدرج بهم من حال إلي حال ؛ حتى تألف النفوس ، وتلين الطباع ، ويتم الانقياد. ومن رفقه جل وعلا : إمهال راكب الخطيئة ، ومقترف الذنب ، وعدم معالجته بالعقوبة ؛ لينيب إلي ربه ، وليتوب من ذنبه ، وليعود إلي رشدة 0
قال الله تعالى : (( لَوْ يُؤَاخِذُهُم بِمَا كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذَابَ بَل لَّهُم مَّوْعِدٌ لَّن يَجِدُوا مِن دُونِهِ مَوْئِلاً )) الكهف :58 ، وقال تعالى : (( وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِم مَّا تَرَكَ عَلَيْهَا مِن دَآبَّةٍ وَلَكِن يُؤَخِّرُهُمْ إلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى فَإِذَا جَاء أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ )) النحل :61 0
فبين سبحانه أنه لو يؤاخذ الناس بما كسبو من الذنب _ كالكفر والمعاصي لعجل لهم العذاب ؛ لشناعة ما يرتكبونه ، ولكنه حليم رفيق لا يعجل بالعقوبة ؛ بل يمهل ولا يهمل 0



فضل الرفق:
1- سبب لمحبة الله :
قال صلى الله عليه وسلم " إن الله رفيق يحب الرفق في الأمر كله " وفيه فضل الرفق، والتأني في الأمر قبل القطع فيه، وبخاصة في دعاة الخير، تأنَّ قبل أن تدعو، تبصَّر فيما ستقول وفيما ستعمل، كم من إشاعة بنى عليها بعض الناس أمورا فزادوا الفساد فسادا، ولو أنهم ترفقوا وترووا وتأنوا لصلح العطب وزال الشر والفساد.
قال صلى الله عليه وسلم" إن الله يحب الرفق ويرضاه ويعين عليه مالا يعين على العنف" فالرفيق يحبه الله عز وجل، والإنسان الرفيق حسن الخلق يكون بجوار النبي صلى الله عليه وسلم يوم القيامة، والإنسان الرفيق يعينه الله سبحانه وتعالى.وفي الحديث هنا قال: (يعين عليه ما لا يعين على العنف).فإذا أردت أمراً بمعروف أو نهياً عن منكر بطريقة فيها لطف وفيها رفق، فإن الله يعينك عليه أكثر من أن تكون الطريقة فيها عنف وشدة، وكأن العنيف اعتمد على نفسه، وكأنه يقول: أنا سأغير، وأما الرفيق فاعتمد على ربه سبحانه، فاستحق الرفيق أن يعان من عند الله عز وجل، وأما العنيف فوكله الله عز وجل إلى نفسه.
2- علامة لإرادة الله الخير:
قال صلى الله عليه وسلم "من اعطي حظه من الرفق اعطي حظه من الخير ومن حرم حظه من الرفق حرم حظه من الخير" إذ بالرفق تنال المطالب الدنيوية والأخروية وبفوته تفوتان ، ففيه فضل الرفق والحث على التخلق به وذم العنف ، وقال في اللمعات : يعني أن نصيب الرجل من الخير على قدر نصيبه من الرفق وحرمانه منه على قدر حرمانه منه انتهى .-تحفة الأحوذي-
قال صلى الله عليه وسلم "إذا أراد الله بأهل بيت خيرا أدخل عليهم الرفق "
3- سبب لتحريم النار :
قال صلى الله عليه وسلم: " ألا أخبركم بمن يحرم على النار ، وبمن تحرم عليه النار ؟ على كل قريب هين سهل ".

الرِّفقُ بهذا المعنى الواسعِ الجميل والمفهوم الشامل لكل مجالات الحياة مطلوبٌ من كل أحدٍ، رِفقُ الوالي برعيَّته، رِفقُ القاضي في قضائِه، رِفقُ المسؤول لمن هو تحت مسؤوليَّته، رِفقُ الوالدِ بولدِه، رِفقُ الزوجِ بزوجته، وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا [البقرة: 83].





ومن رفقه سبحانه : أنه دينه كله رفق ويسر ورحمة ، وأمر عباده بالرفق ، ويعطيهم على الرفق ما لا يعطى على الشدة ، ولا يكون الرفق في شئ من الأمور إلا زانه ، ومن حرمه حرم الخير 0وكان نبينا محمد _ صلى الله عليه وسلم _ أرفق الناس ، وشواهد رفقه في سنته ظاهرة ، ودلائل حلمه وأناته في سيرته واضحة ؛ بل أنه ضرب أروع الأمثلة في تحقيق الرفق والأناة في تعامله مع الناس ، ودعوته إلي دين الله ومعالجته لما قد يقع من أخطاء أو مخالفات وإليك بعض من صور مجالات الرفق في حياة النبي صلى الله عليه وسلم

المجال الصورة
رفقه مع أهله : قالت عائشة رضي الله عنها: (ما ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا قط بيده ولا امرأة ولا خادما إلا أن يجاهد في سبيل الله وما نيل شيء منه قط فينتقم من صاحبه إلا أن ينتهك شيء من محارم الله تعالى فينتقم لله تعالى). رواه مسلم. وكانت زوجه عائشة إذا هويت شيئا أتبعها إياه ما لم يكن إثما وقد أذن لها صلى الله عليه وسلم بالنظر إلى أهل الحبشة وهم يلعبون وأذن لها بالفرح واللعب يوم العيد
رفقه مع خادمه فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: (خدمت رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر سنين والله ما قال لي أف قط ولا قال لي لشيء لم فعلت كذا وهلا فعلت كذا). روه مسلم
رفقه مع الأطفال فعن عائشة رَضِيَ اللهُ عَنْهُا قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤتى بالصبيان فيبرك عليهم ويحنكهم ويدعو لهم). أخرجه البخاري. وعن أنس رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يزور الأنصار ويسلم على صبيانهم ويمسح على رؤوسهم). رواه النسائي. وكان دائما يقبل الحسن والحسين ويلاعبهما. وحمل أمامة بنت زينب في الصلاة رفقا بها.
رفقه مع السائل قال أنس : (كنت أمشي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه برد نجراني غليظ الحاشية فأدركه أعرابي فجبذه بردائه جبذة شديدة فنظرت إلى صفحة عاتق النبي صلى الله عليه وسلم وقد أثرت بها حاشية الرداء من شدة جبذته ثم قال يا محمد مر لي من مال الله الذي عندك فالتفت إليه فضحك ثم أمر له بعطاء). متفق عليه .
رفقه في تعليم الجاهل عن معاوية بن الحكم السلمي رضي الله عنه يقول: (بينما أنا أصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذ عطس رجل من القوم، فقلت: يرحمك الله. فرماني القوم بأبصارهم فقلت: واثكل أميّاه، ما شأنكم تنظرون إلي فجعلوا يضربون بأيديهم على أفخاذهم، فلما رأيتهم يصمتونني، لكن سكت، فلما صلى النبي صلى الله عليه وسلم، فبأبي هو وأمي، ما رأيت معلماً قبله ولا بعده أحسن تعليماً منه، فو الله ما كهرني ولا ضربني، ولا شتمني، قال: إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس، إنما هو التسبيح والتكبير، وقراءة القرآن). رواه مسلم.
رفقه في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عن أَبي هريرة رضي الله عنه قَالَ : (بال أعرابي في المسجد فقام الناس إليه ليقعوا فيه فقال النبي صلى الله عليه وسلم دعوه وأريقوا على بوله سجلا من ماء أو ذنوبا من ماء إنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين). رواه البخاري.
رفقه مع العاصي التائب عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: (بينما نحن جلوس عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ جاءه رجل فقال يا رسول الله هلكت، قال ما لك قال وقعت على امرأتي وأنا صائم فقال صلى الله عليه وسلم هل تجد رقبة تعتقها قال: لا قال فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين؟ قال: لا فقال فهل تجد إطعام ستين مسكينا قال لا فمكث النبي صلى الله عليه وسلم قال فبينما نحن على ذلك أُتي النبي صلى الله عليه بعرق فيه تمر والعرق المكتل فقال: أين السائل فقال: أنا فقال: خذه فتصدق به). متفق عليه. وكذلك رفق مع الرجل الذي قبل امرأة وجاء نادما فبين له أن الصلاة كفارة لذنبه ولم يعنف عليه وهذا ثابت في الصحيح.
رفقه في التعامل مع الكفار فعن عائشة رضي الله عنها قالت: (دخل رهط من اليهود على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: السام عليك ففهمتها فقلت: عليكم السام واللعنة. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مهلاً يا عائشة فإن الله يحب الرفق في الأمر كله، فقلت: يا رسول الله، أولم تسمع ما قالوا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فقد قلت عليكم). متفق عليه. وكان صلى الله عليه وسلم يخاطب الكفار ويناظرهم ويقبل هديتهم ويعود مريضهم ويجيرهم ويحسن إليهم إذا اقتضت المصلحة ذلك.
رفقه مع النفس في التطوع فعن عائشة رضي الله عنها قالت (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم حتى نقول لا يفطر ويفطر حتى نقول لا يصوم). متفق عليه. وكان عمله ديمة ولو قل. وقال صلى الله عليه وسلم: (خذوا من الأعمال ما تطيقون فإن الله لا يمل حتى تملوا). متفق عليه. ونهى عبد الله بن عمرو عن المبالغة في العبادة خشية تضييع الحقوق والواجبات

نماذج للرفق من القرآن الكريم في حياة الأنبياء :


- وعن عروة بن الزبير قال: (كان يقال: الرِّفق رأس الحكمة)
- وعن حبيب بن حجر القيسيِّ قال: (كان يقال: ما أحسن الإيمان يزينه العلم، وما أحسن العلم يزينه العمل، وما أحسن العمل يزينه الرِّفق)
وقال ابن حجر: (لا يتعمق أحد في الأعمال الدينية ويترك الرِّفق، إلا عجز وانقطع فيغلب)
وقال أبو حاتم: (الواجب على العاقل لزوم الرِّفق في الأمور كلها، وترك العجلة والخفَّة فيها، إذ الله تعالى يحب الرِّفق في الأمور كلها، ومن منع الرِّفق منع الخير ،كما أنَّ من أعطي الرِّفق أعطي الخير، ولا يكاد المرء يتمكن من بغيته في سلوك قصده في شيء من الأشياء على حسب الذي يحب، إلا بمقارنة الرِّفق ومفارقة العجلة)
قال أبو الدرداء رضي الله عنه " إن من فقه الرجل رفقه في معيشته "
عن قيس بن أبي حازم قال " من يعط الرفق في الدنيا نفعه في الآخرة "


المراجع :خطبة الشيخ السديس (أهمية الأخلاق في الأمم- عظم مكانة الأخلاق في الإسلام –فساد الأخلاق في واقع الأمة )خطبة الشيخ حسين آل الشيخ " الحث على الرفق "مقال خلق الرفق في حاية النبي صلى الله عليه وسلم / خالد بن سعود البليهد موقع صيد الفوائد شرح الترغيب والترهيب – الترغيب في الرفق الأناة والحلم . للشيخ : أحمد حطيبة . نضرة النعيم فقة الأسماء الحسنى .



كتبت هذا البحث غدير عبدالله الحقبي

أسأل الله النفع لي ولكم وجعله خالصا لوجهه الكريم