أبو عبد الله محمد بن يحيى
08.11.2009, 08:58
السَّلامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُه
الْحَمْدُ لِلّهِ ، وَالصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى خَيْرِ مَبْعُوثٍ لِخَيِرِ أُمَّةٍ ، مُحَمَّدٍ صلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، - بِأَبِي هُوَ وَأُمِّي - ، وبعد :
أولا : أوجه التشابه :
•أن كلتا الفرقتين ، لم تحرر أصولهما وتنتشر ، إلا بعد وفاة مؤسسيهما ، أبو الحسن الأشعري رحمه الله ، بالنسبة للأشاعرة ، بالتفصيل المعلوم ، حيث أن أتباعه ، توقفوا في نسبة الأقوال إليه ، عند المرحلة الثانية من حياته ، التي انتقل فيها من مذهب المعتزلة إلى مذهب إثبات صفات المعاني والرد على المعتزلة ، بطريقة متأثرة بطريقتهم العقلية ، وأغفلوا المرحلة الثالثة من حياته ، وهي مرحلة إثباته للصفات الخبرية والفعلية ، ورجوعه ، إجمالا لمذهب أهل السنة والجماعة ، كما قرر ذلك الشيخ محب الدين الخطيب رحمه الله ، وأبو منصور الماتريدي رحمه الله بالنسبة للماتريدية .
•أن كلتا الفرقتين قد زلتا في مفهوم التوحيد ، فقصرته على توحيد الربوبية ، (أو ما يعبرون عنه بإثبات الصانع) ، مع إثبات أسماء الله عز وجل ، وبعض الصفات ، وهي الصفات الذاتية المعنوية ، وتأويل الصفات الذاتية الخبرية كاليد والفعلية التي تتعلق بمشيئة الخالق عز وجل ، كالغضب والرضا والمحبة ، بناءا على زعمهم بأن الحوادث لا تقوم إلا بحادث ، وهذا خلاف مذهب أهل السنة والجماعة ، في تقسيمهم للتوحيد إلى 3 أقسام ، (ربوبية وألوهية وأسماء وصفات) ، مع إهتمامهم الشديد بتقرير توحيد الألوهية ، حيث لأجله أرسلت الرسل ، وأنزلت الكتب ، وأقيمت الحجة على العالمين ، وإثباتهم الكامل لأسماء الله وصفاته ، كما أثبتها الله سبحانه وتعالى لنفسه وأثبتها له رسوله ، على التفصيل المذكور في كتب العقيدة عند أهل السنة والجماعة .
•موقف الفرقتين من الصحابة رضوان الله عليهم ، وترتيبهم من حيث الأفضلية ، وما وقع بينهم ، وما يتعلق بذلك من مسالة الإمامة ، حيث وافقوا أهل السنة والجماعة ، في هذه المسألة ، فالخلفاء الأربعة ، رضوان الله عليهم ، مقدمون على باقي الصحابة ، على ترتيبهم في تولي الخلافة ، خلاف المبتدعة من الإمامية الذين يقدمون عليا رضي الله عنه ، ويجحدون خلافة من سبقه ، ومن تلاه من غير ذريته ، على خلاف بينهم في تحديد الأولى بتولي الخلافة من ذريته ، وخلاف المبتدعة من الزيدية ، الذين يقدمون عليا رضي الله عنه ، مع إعترافهم بخلافة وفضل من سبقه ، لأن إمامة المفضول (ويعنون به أبا بكر وعمر وعثمان رضوان الله عليهم ، بزعمهم الباطل) ، عندهم جائزة ، مع وجود الفاضل ، (ويعنون به عليا رضي الله عنه) ، وخلاف المتشيعة من أهل السنة ، من أهل الكوفة ، الذين يقدمون عليا على عثمان ، ثم باقي العشرة المبشرين بالجنة ، ثم الذين يلونهم على التفصيل المذكور في كتب تراجم الصحابة كالإستيعاب وأسد الغابة والإصابة .
وأمسكوا كما أمسك أهل السنة والجماعة ، عما شجر بين الصحابة رضوان الله عليهم ، فهم مجتهدون فيما بدر منهم ، منهم من اجتهد فأصاب الحق ، فله أجران ، ومنهم من اجتهد فأخطأ ، فله أجر واحد ، فكان فريق علي رضي الله عنه أدنى للحق من فريق أصحاب الجمل رضي الله عنهم ، يوم الجمل ، وفريق معاوية رضي الله عنه يوم صفين ، فكان أكثر الحق مع علي رضي الله عنه ، وأقله مع خصومه ، وكان الحق بأكمله مع من اعتزل الفتنة فلم يحمل فيها سلاحا ، كابن عمر وسعد بن أبي وقاص وأبي بكرة وعمران بن حصين ، وأسامة بن زيد رضوان الله عليهم ، كما قرر ذلك الشيخ عثمان الخميس ، حفظه الله ، في كتابه "حقبة من التاريخ" ، فالقتال قتال فتنة ، والإمساك عنه كان أولى .
وقالوا ، كما قال أهل السنة ، بأن الأئمة من قريش ، فكل قرشي ، استوفى شروط الإمامة ، هو أحق بها من غيره .
•أن كلتا الفرقتين ، ظهر فيهما ، علماء اشتهروا بجمع الآثار النبوية وحفظها ، كما قرر ذلك شيخ الإسلام رحمه الله ، في بيانه لأسباب انتشار المذهب الأشعري ، وكما نبه إلى ذلك السمعاني رحمه الله في ترجمته لنجم الدين عمر النسفي رحمه الله ، حيث وصفه بأنه قد أوتي حب الحديث ولكنه لم يرزق فهمه ، فالأشاعرة والماتريدية ، رغم فشو الآثار النبوية بينهم ، لم يحسنوا الإستدلال بها ، وإنما أخضعوها للتأويل ، بلا قرائن دالة على ذلك ، أو بقرائن باطلة ، لا حجة لهم فيها من الأدلة الشرعية أو من كلام العرب الذي يحتج به ، في فهم النصوص ، فنرى الأشاعرة ، على سبيل المثال ، كما ذكر ذلك ، الشيخ الدكتور سفر الحوالي ، حفظه الله ، في رسالته ، عن منهج الأشاعرة في الإعتقاد ، يحتجون في مسائل الإيمان والإستواء والكلام ، ببيتي شعر للأخطل ، (وهو شاعر نصراني) ، فيحتجون في مسألتي الإيمان (وهو عندهم التصديق فقط) ، وكلام الله (وهو عندهم معنى واحد أزلي ، لا يتفاضل ، يعبرون عنه بالكلام النفسي القديم) ، بقول الأخطل :
إن الكلام لفي الفؤاد وإنما ****** جعل اللسان على الفؤاد دليلا .
ويحتجون في مسألة الإستواء ، (وهو عندهم بمعنى الإستيلاء) ، بقوله :
قد استوى بشر على العراق ****** من غير سيف أو دم مهراق .
•اعتماد كلتا الفرقتين ، على التأييد السياسي ، حيث اعتمد الأشاعرة في نشر مذهبهم على سلطان دولة السلاجقة الأتراك رحمهم الله ، (وكانوا أهل سنة ، في الجملة ، أصحاب جهاد ، معظمين لخلفاء بني العباس ، الخلفاء الشرعيين في ذلك الوقت ، خلاف من سبقهم من بني بويه ، قبحهم الله) ، وخاصة في عهد الوزير الفذ ، نظام الملك ، رحمه الله ، الذي أنشأ مدارس متخصصة لتدريس عقائد الأشعرية ، سميت "بالمدارس النظامية" نسبة له ، واعتمدوا كذلك ، على الدولة الزنكية ، بقيادة السلطان المجاهد نور الدين زنكي رحمه الله ، وعلى الدولة الأيوبية ، بقيادة مقدمها الهمام صلاح الدين والدنيا الأيوبي رحمه الله ، الذي ذكر في ترجمته ، أنه قرأ ، وهو صغير ، متنا من متون العقيدة الأشعرية ، على أحد شيوخ الشافعية وهو قطب الدين أبو المعالي مسعود بن محمد بن مسعود النيسابوري رحمه الله (ولست متأكدا من أنه شافعي ، ولكنه الغالب على ظني ، لأن صلاح الدين كان شافعي المذهب ، أضف إلى ذلك الإرتباط الوثيق بين الشافعية والأشعرية ، فمعظم متأخري الشافعية ، إما أن يكونوا أشاعرة خلص ، كالغزالي والآمدي والعز بن عبد السلام رحمهم الله ، وإما أن يكونوا ممن تأثر بالأشاعرة في بعض المسائل ، كالبيهقي والنووي وابن حجر رحمهم الله) ، ومن ثم نصر المذهب الأشعري في الأصول ، والشافعي في الفروع ، بعد فتحه لمصر ، وجعلهما المعتمدين في الأزهر ، ولا زال هذا الأمر إلى يومنا هذا ، فالعقيدة المعتمدة في المناهج الأزهرية ، هي الأشعرية ، ولهم عناية كبيرة بمتن الجوهرة ، وهو من أشهر متون الأشعرية ، والمذهب السائد ، في الفروع الفقهية ، هو المذهب الشافعي ، وخاصة في مدن الوجه البحري ، خلاف صعيد مصر الذي يغلب عليه المذهب المالكي ، اعتمدوا على سلطان الموحدين ، فقد كان قائدهم محمد بن تومرت ، ممن رحل إلى المشرق لطلب العلم ، والتقى بكبار الأشاعرة في ذلك الوقت ، كالغزالي رحمه الله ، وكانت لهم الغلبة في ذلك الوقت ، في العراق ، تحت ظل السلاجقة ، كما تقدم ، فأخذ عنهم عقيدة الأشاعرة ، وغلا في حرب من خالفه من فقهاء المالكية رحمهم الله ، في المغرب ، حتى رماهم بالكفر والتجسيم ، (وهي تهمة شهيرة يوجهها الأشاعرة ، لأهل السنة والجماعة) ، وخرج على دولة المرابطين السنية ، وأقام خليفته عبد المؤمن بن علي الكومي ، دولة الموحدين (وفي اسمها إشارة لمنهجهم في الأسماء والصفات) ، على أنقاض دولة المرابطين ، ولا زالت هذه العقيدة ، هي المعتمدة في دول المغرب حتى الآن .
وأما الماتريدية ، فقد اعتمدوا على سلطان بني عثمان ، فقد اشتهر عن سلاطين الخلافة العثمانية ، أنهم كانوا ماتريدية متصوفة ، أحنافا في الفروع ، وهذه سمة غالبة على الماتريدية ، فجلهم أحناف .
•ظهور بدعة التصوف في كلا المذهبين ، ومن أشهر متصوفة الأشاعرة ، الغزالي رحمه الله ، ومن أشهر من تبنى التصوف من الماتريدية ، خلفاء بني عثمان ، كما تقدم ، وفي العصر الحديث ، المدارس الماتريدية ، في المشرق ، وعلى رأسها المدرسة الديوبندية .
•تقسيمهم الدين إلى إلهيات ، يندرج تحتها ، مسائل الصفات ، ومصدرها العقل عندهم ، وسمعيات ، يندرج تحتها الأمور الغيبية ، كأشراط الساعة وأمور الآخرة ، ومصدرها عندهم النقل ، وهذا تقسيم مخالف لتقسيم أهل السنة ، الذين يعتمدون على (القرآن والسنة وإجماع القرون المفضلة) ، كمصادر للتلقي ، فالعقل عندهم تابع للنص ، لا متبوع ، وعند التعارض ، يقدم النقل ، طالما كان صحيحا ، مع الجزم بأنه لا يمكن أن يتعارض النقل الصحيح مع العقل الصريح ، فإن وقع هذا التعارض ، فإما أن يكون النص غير صحيح ، أو العقل غير صريح ، كما قرر ذلك شيخ الإسلام رحمه الله ، وأما الأشاعرة والماتريدية ، فيقدمون أقيستهم العقلية المحدثة على النصوص ، إن حدث تعارض بينهما ، حتى أنهم يؤولون النصوص المتواترة ، التي لا شك في صحتها ، إن عارضت عقولهم .
•ظهور الإرجاء ، عند كلتا الفرقتين ، وهذا ناتج من قولهم بأن الإيمان هو التصديق ، فأخرجوا الأعمال من مسمى الإيمان ، خلاف أهل السنة الذين أدخلوا الأعمال في مسمى الإيمان ، فالأعمال عندهم ، إما أن تكون شرطا لكمال الإيمان الواجب ، المنجي من الوعيد ، كالواجبات ، وإما أن تكون شرطا لكمال الإيمان المستحب ، كالنوافل ، مع اختلافهم في بعض أعمال الجوارح كالصلاة ، هل هي شرط لصحة الإيمان ، يكفر تاركها ، كما هو مذهب الحنابلة رحمهم الله ، أم شرط لكمال الإيمان الواجب ، لا يكفر بتركها ، وإن كان متعرضا للوعيد الشديد ، كما هو مذهب الجمهور رحمهم الله ، فالإيمان عندهم يشمل تصديق القلب وقول اللسان وأعمال الجوارح ، على التفصيل السابق ، وهم وسط بين الخوارج وبعض المعتزلة من جهة ، الذين قالوا بأن الأعمال شرط لصحة الإيمان ، والمرجئة الذين أخرجوا الأعمال من مسمى الإيمان .
•تأويل الصفات وتفويضها ، وهي أشهر مسالة خالفوا فيه أهل السنة ، على خلاف بينهم ، فالغالب على الأشاعرة ، التأويل ، وأما الماتريدية ، فمنهم من قال بالتأويل ، ومنهم من قال بالتفويض (أي تفويض معنى صفات الخالق عز وجل وكيفياتها) ، ومنهم من فصل ، فقال بأن التأويل هو الأنسب لأهل النظر ، والتفويض هو الأنسب لعوام المسلمين ، وهذا خلاف مذهب أهل السنة الذين أثبتوا الأسماء والصفات ، كما أثبتها الله عز وجل لنفسه في كتابه ، وأثبتها له رسوله صلى الله عليه وسلم في سنته ، من غير تحريف ولا تأويل ولا تكييف ولا تمثيل ، فمذهبهم ، كما قرر شيخ الإسلام رحمه الله : "اثبات بلا تشبيه وتنزيه بلا تعطيل" ، فهم وسط بين نفاة الصفات من جهة ، والمجسمة والمشبهة من جهة أخرى .
•في مسألة الواجب الأول على المكلف ، انقسم الأشاعرة إلى فريقين ، فريق يرى أنه "النظر" ، ومعناه أن يعمد المكلف إلى البراهين العقلية ، لتحصيل الإيمان ، دون الإكتفاء بالأدلة الفطرية ، وفريق يرى أنه "القصد إلى النظر" ، كما هو مذهب الجويني رحمه الله ، "علم التوحيد المبادئ والمقدمات ، للشيخ الدكتور أبي عبد الله محمد بن يسري حفظه الله ، ص111 ، وهذا يقترب جدا ، إن لم يماثل ، مسألة معرفة الله عز وجل بالعقل قبل ورود السمع ، عند الماتريدية ، خلاف أهل السنة والجماعة ، الذين يرون أن أول واجب على المكلف ، هو شهادة أن لا إله إلا الله ، وبها يصير المكلف مسلما ، وإن قالها تقليدا ، دون سبق نظر ، طالما كان مخلصا في إعتقاده .
•القول بوقوع المجاز في القرآن الكريم ، مع التوسع في بيانه ، وتقسيماته ، إلى مفرد وركب وعقلي وبالحذف وبالزيادة ، ....... الخ ، لكي يعتمدوا عليه في تأويلاتهم ، وأما أهل السنة ، فجمهورهم قال بوقوع المجاز في القرآن الكريم ، واستدل ببعض الآثار ، كقول ابن عباس رضي الله عنهما : (يكني الله بما شاء) ، في تفسيره للفظ (الملامسة) ، في آية المائدة ، فمعناها هو (الجماع) ، ولم يرد التصريح به في الآية ، بتصرف من شرح الشيخ الدكتور محمد بن عبد المقصود ، حفظه الله ، لمذكرة أصول الفقه للشنقيطي رحمه الله .
وهناك فريق قال بعدم وقوع المجاز في القرآن الكريم ، وعلى رأسهم شيخ الإسلام ابن تيمية ، وتلميذه ابن القيم ، وابن خويز منداد ، من المالكية ، وأبو الحسن الخرزي البغدادي الحنبلي ، وأبو عبد الله بن حامد ، وأبو الفضل التميمي ، ومن الظاهرية داود بن علي وابنه أبو بكر ، وعالم الأندلس المنذر بن سعيد البلوطي ، رحمهم الله ، ومن المتأخرين ، الشيخ العلامة القرآني محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله ، وقد بين حجة من قال بهذا القول ، وهي أن المجاز يجوز نفيه ، فإذا رأيت رجلا شجاعا ، فقلت : رأيت أسدا ، فإنه يسع أي إنسان أن ينفي قولك ، بقوله : لا ليس بأسد ، وإنما هو رجل شجاع ، وهذا النفي محال في القرآن الكريم ، وبهذا النفي الباطل ، توصل المعطلون إلى نفي صفات الله عز وجل ، فإذا أراد أحدهم أن يؤول صفة اليد لله عز وجل ، فإنه يقول : لا ليست بيد ، وإنما هي مجاز عن القدرة أو النعمة أو القوة ، ثم شرع ، رحمه الله ، في بيان الآيات التي ادعى المخالف وقوع المجاز فيها ، وكان تركيزه الأول على بيان أن الأساليب المذكورة ، في تلك الآيات ، أساليب معروفة في لغة العرب ، وعليه فلا يمكن اعتبارها من قبيل المجاز ، وإنما هي حقيقة ، في لغة العرب لشهرة استعمالها ، مذكرة في أصول الفقه ص68 _75 ، ورغم وقوع هذا الخلاف ، إلا أن الفريقين اتفقا على عدم جواز وقوع المجاز في آيات الصفات ، فهي من الآيات المحكمة ، وإن كانت كيفيات هذه الصفات مجهولة بالنسبة لنا ، ولكن معانيها معلومة لكل من قرأها ، فهي محكمة من جهة معانيها ، متشابهة من جهة كيفياتها .
•استخدام نفس المقاييس العقلية لإثبات وجود الله عز وجل ، ودليلهم في ذلك هو حدوث الأعراض "أي الأفعال" ، والجواهر "أي الأجسام" ، فالأفعال عندهم تدل على الحدوث ، والحوادث عندهم لا تقوم إلا بحادث ، وعليه فلا يوصف الله عز وجل بأي صفة فعلية ، لأنها تدل على الحدوث الذي يتنافى مع قدم الخالق عز وجل ، وهذا ما أدى بهم إلى نفي الصفات الفعلية ، وتأويلها بالإرادة ، كالكلام "باعتبار آحاده" ، والمحبة والرضا "فهما عندهم بمعنى إرادة الثواب" والغضب "فهو عندهم بمعنى إرادة الإنتقام" ، وهكذا ، وهذا خلاف مذهب أهل السنة والجماعة ، فهم يثبتون أفعال الخالق عز وجل ، دون أن يقولوا بالحدوث مطلقا ، وإنما يفصلون ، فيقولون ، بأن هذه الصفات قديمة النوع ، لنفي شبهة الحدوث ، حادثة الأفراد ، فأفرادها حادثة ، فالله عز وجل يتكلم بآحاد الكلام متى شاء ، وإن كانت صفة الكلام ، باعتبار نوعها ، صفة قديمة للخالق عز وجل ، فلا يلزم من وصف شخص ما بأنه متكلم ، أن يتكلم على الدوام ، وإنما يوصف بهذا ، وإن لم يتكلم في بعض الأحيان ، ولله المثل الأعلى .
•اثبات صفات المعاني التي يدل عليها العقل ، عندهم ، وهي سبعة عند الأشاعرة ، مجموعة في قوله :
له الحياة والكلام والبصر ****** سمع إرادة وعلم واقتدر
وثمانية عند الماتريدية ، بزيادة صفة التكوين ،وهذا خلاف مذهب أهل السنة والجماعة ، الذين يثبتون صفات الخالق عز وجل ، طالما وردت في النصوص الصحيحة ، سواءا كانت ذاتية معنوية أو خبرية ، أم فعلية ، فمرد الأمر عندهم إلى صحة النصوص الدالة على هذه الصفات ، دون تفريق بين متواتر أو آحاد .
•عدم التفرقة بين وصف الخالق عز وجل والإخبار عنه ، فقد أطلقوا على الله عز وجل ، أسماءا لم ترد بها النصوص ، مثل (الصانع والقديم) ، فلا يوصف الخالق عز وجل بهما ، وإن كان الإخبار عنه بهما جائزا .
فلا يقال بأن الله عز وجل قديم ، وإنما يقال بأنه يتصف بالقدم ، لأن مرد هذا الأمر ، هو الألفاظ التي وردت في النصوص الشرعية ، كما أكد على ذلك شيخ الإسلام رحمه الله بقوله : "إن السلف كانوا يراعون لفظ القرآن والحديث فيما يثبتونه وينفونه في الله وصفاته وأفعاله ، فلا يأتون بلفظ محدث مبتدع في النفي والإثبات ، بل كل معنى صحيح فإنه داخل فيما أخبر به الرسول" اهــ ، لأن الألفاظ المحدثة ، ألفاظ مجملة ، فهي وإن دلت على معان صحيحة ، إلا أنها قد تدل على معان أخرى باطلة ، فلا تقبل بإطلاق ، ولا ترد بإطلاق ، وإنما يسأل المتكلم عن مراده ، فإن كان حقا قبل ، وإن كان باطلا رد ، فلفظ الجهة ، على سبيل المثال ، لفظ مجمل ، يحتمل حقا وباطلا ، فلو قيل بأن الله عز وجل لا يوصف بأنه في جهة العلو ، فإن المتكلم يسأل عن قصده ، هل يعني جهة العلو ، المخلوقة ، المشاهدة بالنسبة لنا ، فهذا معنى صحيح ، لأن الله عز وجل لا يحيط به شيء من مخلوقاته ، والسماء من مخلوقاته ، أما إن كان يقصد نفي علو الله عز وجل المطلق على خلقه ، فهذا معنى باطل ، لأنه يؤدي إلى القول ببدع الإتحاد والحلول ، وهي بدع كفرية ، تنقل عن الملة .
•زللهم في مسألة كلام الله عز وجل ، حيث قالوا بأنه معنى واحد قديم ، قائم بذات الله عز وجل ، لا يتفاضل ، مجرد عن الصيغة ، فجعلوا الكلام صفة ذاتية لله عز وجل ، ونفوا كونه صفة فعلية تتعلق بمشيئته ، وهذا خلاف مذهب أهل السنة والجماعة ، الذين أثبتوا صفة الكلام لله عز وجل ، لفظا ومعنى ، وقالوا بأن كلام الله ، من حيث نوعه ، صفة ذات لله عز وجل ، ومن حيث أفراده ، صفة فعلية تتعلق بمشيئته عز وجل ، كما قرر ذلك الشيخ ابن عثيمين رحمه الله ، وهو من حيث مسألة التفاضل ، يحتاج إلى تفصيل ، كما قرر ذلك شيخ الإسلام رحمه الله ، فإن قيل بعدم التفاضل بالنسبة للمتكلم ، فهو معنى صحيح ، لأن القرآن الكريم كله من كلام الله عز وجل ، فهو سبحانه وتعالى قد تكلم به كله ، خلافا للأشاعرة الذين قالوا بنسبة المعنى لله عز وجل ، واللفظ المتكلم به لجبريل أو محمد عليهما الصلاة والسلام ، على خلاف بينهم ، كما ذكر ذلك الشيخ الدكتور سفر الحوالي حفظه الله في رسالته عن منهج الإعتقاد عند الأشاعرة ، وإن قيل بعدم التفاضل بالنسبة للمتكلم عنه ، فهذا معنى باطل ، إذ كيف تستوي آيات الصفات ، التي تتكلم عن أشرف معلوم ، وهو الله عز وجل ، مع الآيات التي تتكلم عن آحاد خلقه ، كقوله تعالى : (تبت يدا أبي لهب وتب) ، فيلزمهم على هذا القول الباطل ، القول باتحاد هذين المعنيين ، والقول بأن كتب الله عز وجل المنزلة ، كلها معنى واحد ، إن تكلم به المتكلم بالعبرية ، فهو التوراة ، وإن تكلم بالسريانية ، (وهي لغة الإنجيل على ما أظن ، والله أعلم) ، فهو الإنجيل ، وإن تكلم به بالعربية فهو القرآن ، ولا يخفى بطلان هذا اللازم على كل ذي عقل .
•تناقضهم في مسألة إثبات رؤية الله عز وجل ، فأثبتوا رؤية الله عز وجل في الآخرة ، مع نفي جهة العلو لله عز وجل ، وهذا تناقض غريب ، إذ كيف يمكن ، إثبات رؤية السماء ، على سبيل المثال ، مع نفي علوها ، ولله المثل الأعلى ، بل إن المعتزلة ، مع عظم جرمهم في هذه المسألة ، لم يقعوا في هذا التناقض ، حيث نفوا الأمرين معا ، فنفوا الرؤية ، ونفوا لازمها من العلو ، وهذا ما أدى ببعض الأشاعرة ، كالرازي رحمه الله ، إلى الإقتراب من مذهب المعتزلة ، حيث فسر الرؤية بأنها مزيد من الإنكشاف العلمي ، بينما لم يقع أهل السنة والجماعة في هذا التناقض ، فأثبتوا الرؤية ولازمها من العلو ، وقالوا بأن الرؤية ، لا تعني الإحاطة ، فالله سبحانه ، تعالى أن يحيط به شيء من خلقه ، فكانوا ، كعادتهم ، وسطا بين غلاة نفاة الرؤية من المعتزلة ، الذين نفوا الرؤية في الدنيا والآخرة ، وغلاة مثبتة الرؤية من الصوفية ، الذين قالوا بجواز الرؤية في الدنيا ، لبعض مشايخهم ، والآخرة .
•تصدي كلتا الفرقتين ، للفرق المنحرفة ، كالمعتزلة والرافضة ، ولهم في هذا جهد مشكور ، لا ينكره إلا جاحد ، فحسناتهم على نوعين ، كما قرر ذلك شيخ الإسلام رحمه الله ، إما موافقة السنة والحديث ، وقد سبق أن كثيرا منهم كانوا على علم بالحديث ، وإن لم يوفقوا في فهمه الفهم الصحيح ، وإما الرد على من خالف السنة والحديث ببيان تناقض حججهم ، ويقول أيضا : "ومنهم من يذمهم لما وقع في كلامهم من البدع والباطل ، وخير الأمور الوسط" ، درء التعارض 2/102 ، 103 ، ويقول في كتاب النبوات : "حيث إن خطأهم بعد اجتهادهم مغفور" ، وأخيرا يقول : "... فإن الواحد من هؤلاء له مساع مشكورة في نصرة ما نصره من الإسلام والرد على طوائف من المخالفين لما جاء به الرسول ، فحمدهم والثناء عليهم بما لهم من السعي الداخل في طاعة الله ورسوله وإظهار العلم الصحيح ... وما من أحد من هؤلاء ومن هو أفضل منه إلا وله غلط في مواضع" ، درء التعارض 8/275 ، " نقلا عن أصول الفرق الإسلامية للشيخ الدكتور عمر عبد العزيز حفظه الله ، ص297" .
ولكن ينبغي التنبيه على أن الأشاعرة والماتريدية ، استعملوا في تصديهم للفرق المنحرفة ، أساليب عقلية ، لم تكن دائما موافقة للمنهج القرآني السلفي في المناظرة والجدال ، وذلك بطبيعة الحال ، نتيجة تأثرهم بمناهج من يناظرونهم ، ولعل أبرز مثال يتضح به هذا الأمر ، هو منهج الغزالي رحمه الله ، في نقض مذهب الفلاسفة ، حيث ظهر تأثره بمصطلحاتهم الفلسفية ، وأسلوبها في الإستدلال ، حتى قال تلميذه الإمام أبو بكر بن العربي رحمه الله : "شيخنا أبو حامد دخل في بطون الفلاسفة ، ثم أراد أن يخرج منهم فما قدر" ، وكذا اعتمد الإمام الغزالي رحمه الله ، في نقضه لفرقة من الفرق ، على أقوال الفرقة المعارضة لها ، وإن لم تكن هذه الأقوال صحيحة ، فهو يستعين بالمعتزلة على نقض مذهب الفلاسفة ، وبالمعتزلة على نقض مذهب الروافض ، وهكذا ، بغض النظر عن صحة هذه الأقوال ، فالمهم ، هو إبطال كلام المخالف ورده ، وهذا خلاف طريقة أهل السنة والجماعة في هذه المسألة ، فهم يقبلون الحق ، والحق فقط ، من أي أحد ، ومن أبرز الأمثلة على ذلك استعانة شيخ الإسلام رحمه الله ، بكلام ابن النوبختي الرافضي ، في الرد على المعتزلة ، فلم تمنعه بدعة ابن النوبختي ، من الإستعانة بكلامه ، إن وافق الحق ، بتصرف من سلسلة "رجل لكل العصور" للشيخ الدكتور محمد إسماعيل المقدم حفظه الله .
ثانيا : أوجه الإختلاف :
•موقف الأشاعرة ، بشكل عام تجاه أحاديث الآحاد أقل حدة من موقف الماتريدية ، حيث يحتجون بها في السمعيات وفي مسائل العقيدة ، التي لا تتعارض مع العقل ، بزعمهم ، أما الماتريدية ، فموقفهم من أحاديث الآحاد ، أشد غلوا ، فهم يبطلون الإحتجاج بها في مسائل العقيدة ، وإن اشتملت على كل الشروط المذكورة في كتب الأصول ، وهذا خلاف أهل السنة والجماعة ، الذين يحتجون بأحاديث الآحاد ، متى ثبتت صحتها ، في مسائل العقائد والأحكام ، على السواء ، فلا تفريق عندهم بين المتماثلات ، فكل ورد به الدليل الشرعي ، ولا تعارض عندهم بين الأدلة الشرعية والعقل ، فالكل من عند الله ، فالأول أمره ، والثاني خلقه ، ويستحيل التناقض بين أمر الله وخلقه ، ومرد الأمر عندهم ، كما سبق ، هو صحة الدليل الشرعي ، فمتى ثبتت صحته ، وجب الإستدلال به ، وموقفهم من أحاديث الآحاد ، موقف منصف متزن ، فهي عندهم تفيد العلم ، على خلاف في شرط إفادتها العلم ، فمنهم من اشترط أن يكون الرواة عدولا ضابطين ، كما روي عن أحمد رحمه الله ، وحكاه الباجي عن ابن خويز منداد ، وهو مذهب الظاهرية ، كما قرر ذلك الإمام ابن حزم رحمه الله بقوله : "إن خبر الواحد العدل عن مثله إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوجب العلم والعمل معا" ، ومنهم من اشترط أن يحتف بها من القرائن ، ما يؤيد صحتها ، كإخراج الشيخين لها ، أو تلقي الأمة لها بالقبول ، أو تسلسلها برواية الأئمة الحفاظ ، …. الخ ، كما قرر ذلك شيخ الإسلام ، وابن الحاجب المالكي وإمام الحرمين والآمدي والبيضاوي من الشافعية رحمهم الله ، مذكرة أصول الفقه ، ص123 .
•ذهب الأشاعرة إلى القول بأن التحسين والتقبيح لا يكون إلا بالشرع ، ولا دخل للعقل فيه ألبتة ، وبنوا على هذا ، القول بأن الشرع قد يجافي الفطرة ، وأن أفعال الله عز وجل لا تعلل بالأغراض ، ولازم هذا نفي الحكمة عن أفعال الله عز وجل ، وأنه يجوز التكليف بما لا يطاق ، وإن لم يقع ذلك شرعا ، وأما الماتريدية ، فاقتربوا من المعتزلة في هذه المسألة ، وقالوا بأن التحسين والتقبيح مسألة عقلية ، فالعقل عندهم ، يستقل بمعرفة الحسن والقبيح ، وأما أهل السنة والجماعة ، فمذهبهم وسط في هذه المسألة ، وهو أن ما في الفعل من حسن يدركه العقل يجعل الفعل صالحا لأن يأمر به الشرع ، وأن ما في الفعل من قبح يدركه العقل يجعل الفعل صالحا لأن ينهى عنه الشرع ، ولا يقال : إن الحسن والقبح موجبان لحكم الله بالأمر والنهي . الوجيز في أصول الفقه للدكتور عبد الكريم زيدان ص71 ،72 .
•في مسألة التأويل ، وإن اتفقا في تأويل الصفات الفعلية ، إلا أن الأشاعرة يؤولونها بالإرادة ، بينما يؤولها الماتريدية بالتكوين ، وأما أهل السنة والجماعة ، فأثبتوها على الوجه الذي يليق بجلال الله سبحانه وتعالى ، كما تقدم .
•في مسألة القضاء والقدر ، خالف الأشاعرة أهل السنة والجماعة ، وقالوا بنظرية "الكسب" ، وهي محاولة غير ناجحة للتوسط بين أهل السنة والمعتزلة في هذه المسألة ، حيث قالوا بأن الله عز وجل ، هو فاعل فعل العبد على الحقيقة ، (وهذا يؤول إلى الجبر لا محالة) ، وأما العبد فهو كاسب لهذا الفعل ، وعلاقة إرادته بفعله ، علاقة إقترانية ، لا تأثيرية ، فلا تأثير لإرادة العبد في فعله ، وإنما هو مجرد إقتران بينهما في الحدوث ، فالنار عندهم ، لا يحصل الإحراق بها ، وإنما يحصل عندها ، ولازم هذا إنكار السببية ، وهذا أمر ظاهر الغرابة والبطلان ، حدا بكثير من الأشاعرة ، وعلى رأسهم إمام الحرمين رحمه الله ، إلى إنكار هذه النظرية ، حتى حكي عن أبي الحسن الأشعري رحمه الله الرجوع عنها ، وأما الماتريدية ، فوافقوا أهل السنة في هذه المسألة ، فالله عز وجل هو خالق فعل العبد ، والعبد هو فاعل فعله حقيقة ، بإرادة مؤثرة فيه ، خلقها الله للعبد ، لا تخرج عن إرادته سبحانه وتعالى ، فالخالق عز وجل هو خالق طاقة الفعل "أي الإرادة التي تؤدي لحصول الفعل" ، والفعل نفسه ، وقد يقال بأن الله سبحانه وتعالى "فاعل" ، ولكن بمعنى الخلق ، لا المعنى الذي قصده الأشاعرة ، والعبد "منفعل" ، أي مكتسب لفعله ، ولكن ليس بمعنى الكسب عن الأشاعرة ، وإنما بمعنى تحصيل الفعل بإرادة مؤثرة فيه ، خلقها الله عز وجل ، كما سبق بيانه .
والله أعلى وأعلم .
هَذَا، وَجَزَاكُمْ اللهُ خَيْرًا
والله الْمُسْتَعَانْ
ادْعُوا لأَخِيكُمْ
بحث لأخ،، لا أذكر المصدر
الْحَمْدُ لِلّهِ ، وَالصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى خَيْرِ مَبْعُوثٍ لِخَيِرِ أُمَّةٍ ، مُحَمَّدٍ صلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، - بِأَبِي هُوَ وَأُمِّي - ، وبعد :
أولا : أوجه التشابه :
•أن كلتا الفرقتين ، لم تحرر أصولهما وتنتشر ، إلا بعد وفاة مؤسسيهما ، أبو الحسن الأشعري رحمه الله ، بالنسبة للأشاعرة ، بالتفصيل المعلوم ، حيث أن أتباعه ، توقفوا في نسبة الأقوال إليه ، عند المرحلة الثانية من حياته ، التي انتقل فيها من مذهب المعتزلة إلى مذهب إثبات صفات المعاني والرد على المعتزلة ، بطريقة متأثرة بطريقتهم العقلية ، وأغفلوا المرحلة الثالثة من حياته ، وهي مرحلة إثباته للصفات الخبرية والفعلية ، ورجوعه ، إجمالا لمذهب أهل السنة والجماعة ، كما قرر ذلك الشيخ محب الدين الخطيب رحمه الله ، وأبو منصور الماتريدي رحمه الله بالنسبة للماتريدية .
•أن كلتا الفرقتين قد زلتا في مفهوم التوحيد ، فقصرته على توحيد الربوبية ، (أو ما يعبرون عنه بإثبات الصانع) ، مع إثبات أسماء الله عز وجل ، وبعض الصفات ، وهي الصفات الذاتية المعنوية ، وتأويل الصفات الذاتية الخبرية كاليد والفعلية التي تتعلق بمشيئة الخالق عز وجل ، كالغضب والرضا والمحبة ، بناءا على زعمهم بأن الحوادث لا تقوم إلا بحادث ، وهذا خلاف مذهب أهل السنة والجماعة ، في تقسيمهم للتوحيد إلى 3 أقسام ، (ربوبية وألوهية وأسماء وصفات) ، مع إهتمامهم الشديد بتقرير توحيد الألوهية ، حيث لأجله أرسلت الرسل ، وأنزلت الكتب ، وأقيمت الحجة على العالمين ، وإثباتهم الكامل لأسماء الله وصفاته ، كما أثبتها الله سبحانه وتعالى لنفسه وأثبتها له رسوله ، على التفصيل المذكور في كتب العقيدة عند أهل السنة والجماعة .
•موقف الفرقتين من الصحابة رضوان الله عليهم ، وترتيبهم من حيث الأفضلية ، وما وقع بينهم ، وما يتعلق بذلك من مسالة الإمامة ، حيث وافقوا أهل السنة والجماعة ، في هذه المسألة ، فالخلفاء الأربعة ، رضوان الله عليهم ، مقدمون على باقي الصحابة ، على ترتيبهم في تولي الخلافة ، خلاف المبتدعة من الإمامية الذين يقدمون عليا رضي الله عنه ، ويجحدون خلافة من سبقه ، ومن تلاه من غير ذريته ، على خلاف بينهم في تحديد الأولى بتولي الخلافة من ذريته ، وخلاف المبتدعة من الزيدية ، الذين يقدمون عليا رضي الله عنه ، مع إعترافهم بخلافة وفضل من سبقه ، لأن إمامة المفضول (ويعنون به أبا بكر وعمر وعثمان رضوان الله عليهم ، بزعمهم الباطل) ، عندهم جائزة ، مع وجود الفاضل ، (ويعنون به عليا رضي الله عنه) ، وخلاف المتشيعة من أهل السنة ، من أهل الكوفة ، الذين يقدمون عليا على عثمان ، ثم باقي العشرة المبشرين بالجنة ، ثم الذين يلونهم على التفصيل المذكور في كتب تراجم الصحابة كالإستيعاب وأسد الغابة والإصابة .
وأمسكوا كما أمسك أهل السنة والجماعة ، عما شجر بين الصحابة رضوان الله عليهم ، فهم مجتهدون فيما بدر منهم ، منهم من اجتهد فأصاب الحق ، فله أجران ، ومنهم من اجتهد فأخطأ ، فله أجر واحد ، فكان فريق علي رضي الله عنه أدنى للحق من فريق أصحاب الجمل رضي الله عنهم ، يوم الجمل ، وفريق معاوية رضي الله عنه يوم صفين ، فكان أكثر الحق مع علي رضي الله عنه ، وأقله مع خصومه ، وكان الحق بأكمله مع من اعتزل الفتنة فلم يحمل فيها سلاحا ، كابن عمر وسعد بن أبي وقاص وأبي بكرة وعمران بن حصين ، وأسامة بن زيد رضوان الله عليهم ، كما قرر ذلك الشيخ عثمان الخميس ، حفظه الله ، في كتابه "حقبة من التاريخ" ، فالقتال قتال فتنة ، والإمساك عنه كان أولى .
وقالوا ، كما قال أهل السنة ، بأن الأئمة من قريش ، فكل قرشي ، استوفى شروط الإمامة ، هو أحق بها من غيره .
•أن كلتا الفرقتين ، ظهر فيهما ، علماء اشتهروا بجمع الآثار النبوية وحفظها ، كما قرر ذلك شيخ الإسلام رحمه الله ، في بيانه لأسباب انتشار المذهب الأشعري ، وكما نبه إلى ذلك السمعاني رحمه الله في ترجمته لنجم الدين عمر النسفي رحمه الله ، حيث وصفه بأنه قد أوتي حب الحديث ولكنه لم يرزق فهمه ، فالأشاعرة والماتريدية ، رغم فشو الآثار النبوية بينهم ، لم يحسنوا الإستدلال بها ، وإنما أخضعوها للتأويل ، بلا قرائن دالة على ذلك ، أو بقرائن باطلة ، لا حجة لهم فيها من الأدلة الشرعية أو من كلام العرب الذي يحتج به ، في فهم النصوص ، فنرى الأشاعرة ، على سبيل المثال ، كما ذكر ذلك ، الشيخ الدكتور سفر الحوالي ، حفظه الله ، في رسالته ، عن منهج الأشاعرة في الإعتقاد ، يحتجون في مسائل الإيمان والإستواء والكلام ، ببيتي شعر للأخطل ، (وهو شاعر نصراني) ، فيحتجون في مسألتي الإيمان (وهو عندهم التصديق فقط) ، وكلام الله (وهو عندهم معنى واحد أزلي ، لا يتفاضل ، يعبرون عنه بالكلام النفسي القديم) ، بقول الأخطل :
إن الكلام لفي الفؤاد وإنما ****** جعل اللسان على الفؤاد دليلا .
ويحتجون في مسألة الإستواء ، (وهو عندهم بمعنى الإستيلاء) ، بقوله :
قد استوى بشر على العراق ****** من غير سيف أو دم مهراق .
•اعتماد كلتا الفرقتين ، على التأييد السياسي ، حيث اعتمد الأشاعرة في نشر مذهبهم على سلطان دولة السلاجقة الأتراك رحمهم الله ، (وكانوا أهل سنة ، في الجملة ، أصحاب جهاد ، معظمين لخلفاء بني العباس ، الخلفاء الشرعيين في ذلك الوقت ، خلاف من سبقهم من بني بويه ، قبحهم الله) ، وخاصة في عهد الوزير الفذ ، نظام الملك ، رحمه الله ، الذي أنشأ مدارس متخصصة لتدريس عقائد الأشعرية ، سميت "بالمدارس النظامية" نسبة له ، واعتمدوا كذلك ، على الدولة الزنكية ، بقيادة السلطان المجاهد نور الدين زنكي رحمه الله ، وعلى الدولة الأيوبية ، بقيادة مقدمها الهمام صلاح الدين والدنيا الأيوبي رحمه الله ، الذي ذكر في ترجمته ، أنه قرأ ، وهو صغير ، متنا من متون العقيدة الأشعرية ، على أحد شيوخ الشافعية وهو قطب الدين أبو المعالي مسعود بن محمد بن مسعود النيسابوري رحمه الله (ولست متأكدا من أنه شافعي ، ولكنه الغالب على ظني ، لأن صلاح الدين كان شافعي المذهب ، أضف إلى ذلك الإرتباط الوثيق بين الشافعية والأشعرية ، فمعظم متأخري الشافعية ، إما أن يكونوا أشاعرة خلص ، كالغزالي والآمدي والعز بن عبد السلام رحمهم الله ، وإما أن يكونوا ممن تأثر بالأشاعرة في بعض المسائل ، كالبيهقي والنووي وابن حجر رحمهم الله) ، ومن ثم نصر المذهب الأشعري في الأصول ، والشافعي في الفروع ، بعد فتحه لمصر ، وجعلهما المعتمدين في الأزهر ، ولا زال هذا الأمر إلى يومنا هذا ، فالعقيدة المعتمدة في المناهج الأزهرية ، هي الأشعرية ، ولهم عناية كبيرة بمتن الجوهرة ، وهو من أشهر متون الأشعرية ، والمذهب السائد ، في الفروع الفقهية ، هو المذهب الشافعي ، وخاصة في مدن الوجه البحري ، خلاف صعيد مصر الذي يغلب عليه المذهب المالكي ، اعتمدوا على سلطان الموحدين ، فقد كان قائدهم محمد بن تومرت ، ممن رحل إلى المشرق لطلب العلم ، والتقى بكبار الأشاعرة في ذلك الوقت ، كالغزالي رحمه الله ، وكانت لهم الغلبة في ذلك الوقت ، في العراق ، تحت ظل السلاجقة ، كما تقدم ، فأخذ عنهم عقيدة الأشاعرة ، وغلا في حرب من خالفه من فقهاء المالكية رحمهم الله ، في المغرب ، حتى رماهم بالكفر والتجسيم ، (وهي تهمة شهيرة يوجهها الأشاعرة ، لأهل السنة والجماعة) ، وخرج على دولة المرابطين السنية ، وأقام خليفته عبد المؤمن بن علي الكومي ، دولة الموحدين (وفي اسمها إشارة لمنهجهم في الأسماء والصفات) ، على أنقاض دولة المرابطين ، ولا زالت هذه العقيدة ، هي المعتمدة في دول المغرب حتى الآن .
وأما الماتريدية ، فقد اعتمدوا على سلطان بني عثمان ، فقد اشتهر عن سلاطين الخلافة العثمانية ، أنهم كانوا ماتريدية متصوفة ، أحنافا في الفروع ، وهذه سمة غالبة على الماتريدية ، فجلهم أحناف .
•ظهور بدعة التصوف في كلا المذهبين ، ومن أشهر متصوفة الأشاعرة ، الغزالي رحمه الله ، ومن أشهر من تبنى التصوف من الماتريدية ، خلفاء بني عثمان ، كما تقدم ، وفي العصر الحديث ، المدارس الماتريدية ، في المشرق ، وعلى رأسها المدرسة الديوبندية .
•تقسيمهم الدين إلى إلهيات ، يندرج تحتها ، مسائل الصفات ، ومصدرها العقل عندهم ، وسمعيات ، يندرج تحتها الأمور الغيبية ، كأشراط الساعة وأمور الآخرة ، ومصدرها عندهم النقل ، وهذا تقسيم مخالف لتقسيم أهل السنة ، الذين يعتمدون على (القرآن والسنة وإجماع القرون المفضلة) ، كمصادر للتلقي ، فالعقل عندهم تابع للنص ، لا متبوع ، وعند التعارض ، يقدم النقل ، طالما كان صحيحا ، مع الجزم بأنه لا يمكن أن يتعارض النقل الصحيح مع العقل الصريح ، فإن وقع هذا التعارض ، فإما أن يكون النص غير صحيح ، أو العقل غير صريح ، كما قرر ذلك شيخ الإسلام رحمه الله ، وأما الأشاعرة والماتريدية ، فيقدمون أقيستهم العقلية المحدثة على النصوص ، إن حدث تعارض بينهما ، حتى أنهم يؤولون النصوص المتواترة ، التي لا شك في صحتها ، إن عارضت عقولهم .
•ظهور الإرجاء ، عند كلتا الفرقتين ، وهذا ناتج من قولهم بأن الإيمان هو التصديق ، فأخرجوا الأعمال من مسمى الإيمان ، خلاف أهل السنة الذين أدخلوا الأعمال في مسمى الإيمان ، فالأعمال عندهم ، إما أن تكون شرطا لكمال الإيمان الواجب ، المنجي من الوعيد ، كالواجبات ، وإما أن تكون شرطا لكمال الإيمان المستحب ، كالنوافل ، مع اختلافهم في بعض أعمال الجوارح كالصلاة ، هل هي شرط لصحة الإيمان ، يكفر تاركها ، كما هو مذهب الحنابلة رحمهم الله ، أم شرط لكمال الإيمان الواجب ، لا يكفر بتركها ، وإن كان متعرضا للوعيد الشديد ، كما هو مذهب الجمهور رحمهم الله ، فالإيمان عندهم يشمل تصديق القلب وقول اللسان وأعمال الجوارح ، على التفصيل السابق ، وهم وسط بين الخوارج وبعض المعتزلة من جهة ، الذين قالوا بأن الأعمال شرط لصحة الإيمان ، والمرجئة الذين أخرجوا الأعمال من مسمى الإيمان .
•تأويل الصفات وتفويضها ، وهي أشهر مسالة خالفوا فيه أهل السنة ، على خلاف بينهم ، فالغالب على الأشاعرة ، التأويل ، وأما الماتريدية ، فمنهم من قال بالتأويل ، ومنهم من قال بالتفويض (أي تفويض معنى صفات الخالق عز وجل وكيفياتها) ، ومنهم من فصل ، فقال بأن التأويل هو الأنسب لأهل النظر ، والتفويض هو الأنسب لعوام المسلمين ، وهذا خلاف مذهب أهل السنة الذين أثبتوا الأسماء والصفات ، كما أثبتها الله عز وجل لنفسه في كتابه ، وأثبتها له رسوله صلى الله عليه وسلم في سنته ، من غير تحريف ولا تأويل ولا تكييف ولا تمثيل ، فمذهبهم ، كما قرر شيخ الإسلام رحمه الله : "اثبات بلا تشبيه وتنزيه بلا تعطيل" ، فهم وسط بين نفاة الصفات من جهة ، والمجسمة والمشبهة من جهة أخرى .
•في مسألة الواجب الأول على المكلف ، انقسم الأشاعرة إلى فريقين ، فريق يرى أنه "النظر" ، ومعناه أن يعمد المكلف إلى البراهين العقلية ، لتحصيل الإيمان ، دون الإكتفاء بالأدلة الفطرية ، وفريق يرى أنه "القصد إلى النظر" ، كما هو مذهب الجويني رحمه الله ، "علم التوحيد المبادئ والمقدمات ، للشيخ الدكتور أبي عبد الله محمد بن يسري حفظه الله ، ص111 ، وهذا يقترب جدا ، إن لم يماثل ، مسألة معرفة الله عز وجل بالعقل قبل ورود السمع ، عند الماتريدية ، خلاف أهل السنة والجماعة ، الذين يرون أن أول واجب على المكلف ، هو شهادة أن لا إله إلا الله ، وبها يصير المكلف مسلما ، وإن قالها تقليدا ، دون سبق نظر ، طالما كان مخلصا في إعتقاده .
•القول بوقوع المجاز في القرآن الكريم ، مع التوسع في بيانه ، وتقسيماته ، إلى مفرد وركب وعقلي وبالحذف وبالزيادة ، ....... الخ ، لكي يعتمدوا عليه في تأويلاتهم ، وأما أهل السنة ، فجمهورهم قال بوقوع المجاز في القرآن الكريم ، واستدل ببعض الآثار ، كقول ابن عباس رضي الله عنهما : (يكني الله بما شاء) ، في تفسيره للفظ (الملامسة) ، في آية المائدة ، فمعناها هو (الجماع) ، ولم يرد التصريح به في الآية ، بتصرف من شرح الشيخ الدكتور محمد بن عبد المقصود ، حفظه الله ، لمذكرة أصول الفقه للشنقيطي رحمه الله .
وهناك فريق قال بعدم وقوع المجاز في القرآن الكريم ، وعلى رأسهم شيخ الإسلام ابن تيمية ، وتلميذه ابن القيم ، وابن خويز منداد ، من المالكية ، وأبو الحسن الخرزي البغدادي الحنبلي ، وأبو عبد الله بن حامد ، وأبو الفضل التميمي ، ومن الظاهرية داود بن علي وابنه أبو بكر ، وعالم الأندلس المنذر بن سعيد البلوطي ، رحمهم الله ، ومن المتأخرين ، الشيخ العلامة القرآني محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله ، وقد بين حجة من قال بهذا القول ، وهي أن المجاز يجوز نفيه ، فإذا رأيت رجلا شجاعا ، فقلت : رأيت أسدا ، فإنه يسع أي إنسان أن ينفي قولك ، بقوله : لا ليس بأسد ، وإنما هو رجل شجاع ، وهذا النفي محال في القرآن الكريم ، وبهذا النفي الباطل ، توصل المعطلون إلى نفي صفات الله عز وجل ، فإذا أراد أحدهم أن يؤول صفة اليد لله عز وجل ، فإنه يقول : لا ليست بيد ، وإنما هي مجاز عن القدرة أو النعمة أو القوة ، ثم شرع ، رحمه الله ، في بيان الآيات التي ادعى المخالف وقوع المجاز فيها ، وكان تركيزه الأول على بيان أن الأساليب المذكورة ، في تلك الآيات ، أساليب معروفة في لغة العرب ، وعليه فلا يمكن اعتبارها من قبيل المجاز ، وإنما هي حقيقة ، في لغة العرب لشهرة استعمالها ، مذكرة في أصول الفقه ص68 _75 ، ورغم وقوع هذا الخلاف ، إلا أن الفريقين اتفقا على عدم جواز وقوع المجاز في آيات الصفات ، فهي من الآيات المحكمة ، وإن كانت كيفيات هذه الصفات مجهولة بالنسبة لنا ، ولكن معانيها معلومة لكل من قرأها ، فهي محكمة من جهة معانيها ، متشابهة من جهة كيفياتها .
•استخدام نفس المقاييس العقلية لإثبات وجود الله عز وجل ، ودليلهم في ذلك هو حدوث الأعراض "أي الأفعال" ، والجواهر "أي الأجسام" ، فالأفعال عندهم تدل على الحدوث ، والحوادث عندهم لا تقوم إلا بحادث ، وعليه فلا يوصف الله عز وجل بأي صفة فعلية ، لأنها تدل على الحدوث الذي يتنافى مع قدم الخالق عز وجل ، وهذا ما أدى بهم إلى نفي الصفات الفعلية ، وتأويلها بالإرادة ، كالكلام "باعتبار آحاده" ، والمحبة والرضا "فهما عندهم بمعنى إرادة الثواب" والغضب "فهو عندهم بمعنى إرادة الإنتقام" ، وهكذا ، وهذا خلاف مذهب أهل السنة والجماعة ، فهم يثبتون أفعال الخالق عز وجل ، دون أن يقولوا بالحدوث مطلقا ، وإنما يفصلون ، فيقولون ، بأن هذه الصفات قديمة النوع ، لنفي شبهة الحدوث ، حادثة الأفراد ، فأفرادها حادثة ، فالله عز وجل يتكلم بآحاد الكلام متى شاء ، وإن كانت صفة الكلام ، باعتبار نوعها ، صفة قديمة للخالق عز وجل ، فلا يلزم من وصف شخص ما بأنه متكلم ، أن يتكلم على الدوام ، وإنما يوصف بهذا ، وإن لم يتكلم في بعض الأحيان ، ولله المثل الأعلى .
•اثبات صفات المعاني التي يدل عليها العقل ، عندهم ، وهي سبعة عند الأشاعرة ، مجموعة في قوله :
له الحياة والكلام والبصر ****** سمع إرادة وعلم واقتدر
وثمانية عند الماتريدية ، بزيادة صفة التكوين ،وهذا خلاف مذهب أهل السنة والجماعة ، الذين يثبتون صفات الخالق عز وجل ، طالما وردت في النصوص الصحيحة ، سواءا كانت ذاتية معنوية أو خبرية ، أم فعلية ، فمرد الأمر عندهم إلى صحة النصوص الدالة على هذه الصفات ، دون تفريق بين متواتر أو آحاد .
•عدم التفرقة بين وصف الخالق عز وجل والإخبار عنه ، فقد أطلقوا على الله عز وجل ، أسماءا لم ترد بها النصوص ، مثل (الصانع والقديم) ، فلا يوصف الخالق عز وجل بهما ، وإن كان الإخبار عنه بهما جائزا .
فلا يقال بأن الله عز وجل قديم ، وإنما يقال بأنه يتصف بالقدم ، لأن مرد هذا الأمر ، هو الألفاظ التي وردت في النصوص الشرعية ، كما أكد على ذلك شيخ الإسلام رحمه الله بقوله : "إن السلف كانوا يراعون لفظ القرآن والحديث فيما يثبتونه وينفونه في الله وصفاته وأفعاله ، فلا يأتون بلفظ محدث مبتدع في النفي والإثبات ، بل كل معنى صحيح فإنه داخل فيما أخبر به الرسول" اهــ ، لأن الألفاظ المحدثة ، ألفاظ مجملة ، فهي وإن دلت على معان صحيحة ، إلا أنها قد تدل على معان أخرى باطلة ، فلا تقبل بإطلاق ، ولا ترد بإطلاق ، وإنما يسأل المتكلم عن مراده ، فإن كان حقا قبل ، وإن كان باطلا رد ، فلفظ الجهة ، على سبيل المثال ، لفظ مجمل ، يحتمل حقا وباطلا ، فلو قيل بأن الله عز وجل لا يوصف بأنه في جهة العلو ، فإن المتكلم يسأل عن قصده ، هل يعني جهة العلو ، المخلوقة ، المشاهدة بالنسبة لنا ، فهذا معنى صحيح ، لأن الله عز وجل لا يحيط به شيء من مخلوقاته ، والسماء من مخلوقاته ، أما إن كان يقصد نفي علو الله عز وجل المطلق على خلقه ، فهذا معنى باطل ، لأنه يؤدي إلى القول ببدع الإتحاد والحلول ، وهي بدع كفرية ، تنقل عن الملة .
•زللهم في مسألة كلام الله عز وجل ، حيث قالوا بأنه معنى واحد قديم ، قائم بذات الله عز وجل ، لا يتفاضل ، مجرد عن الصيغة ، فجعلوا الكلام صفة ذاتية لله عز وجل ، ونفوا كونه صفة فعلية تتعلق بمشيئته ، وهذا خلاف مذهب أهل السنة والجماعة ، الذين أثبتوا صفة الكلام لله عز وجل ، لفظا ومعنى ، وقالوا بأن كلام الله ، من حيث نوعه ، صفة ذات لله عز وجل ، ومن حيث أفراده ، صفة فعلية تتعلق بمشيئته عز وجل ، كما قرر ذلك الشيخ ابن عثيمين رحمه الله ، وهو من حيث مسألة التفاضل ، يحتاج إلى تفصيل ، كما قرر ذلك شيخ الإسلام رحمه الله ، فإن قيل بعدم التفاضل بالنسبة للمتكلم ، فهو معنى صحيح ، لأن القرآن الكريم كله من كلام الله عز وجل ، فهو سبحانه وتعالى قد تكلم به كله ، خلافا للأشاعرة الذين قالوا بنسبة المعنى لله عز وجل ، واللفظ المتكلم به لجبريل أو محمد عليهما الصلاة والسلام ، على خلاف بينهم ، كما ذكر ذلك الشيخ الدكتور سفر الحوالي حفظه الله في رسالته عن منهج الإعتقاد عند الأشاعرة ، وإن قيل بعدم التفاضل بالنسبة للمتكلم عنه ، فهذا معنى باطل ، إذ كيف تستوي آيات الصفات ، التي تتكلم عن أشرف معلوم ، وهو الله عز وجل ، مع الآيات التي تتكلم عن آحاد خلقه ، كقوله تعالى : (تبت يدا أبي لهب وتب) ، فيلزمهم على هذا القول الباطل ، القول باتحاد هذين المعنيين ، والقول بأن كتب الله عز وجل المنزلة ، كلها معنى واحد ، إن تكلم به المتكلم بالعبرية ، فهو التوراة ، وإن تكلم بالسريانية ، (وهي لغة الإنجيل على ما أظن ، والله أعلم) ، فهو الإنجيل ، وإن تكلم به بالعربية فهو القرآن ، ولا يخفى بطلان هذا اللازم على كل ذي عقل .
•تناقضهم في مسألة إثبات رؤية الله عز وجل ، فأثبتوا رؤية الله عز وجل في الآخرة ، مع نفي جهة العلو لله عز وجل ، وهذا تناقض غريب ، إذ كيف يمكن ، إثبات رؤية السماء ، على سبيل المثال ، مع نفي علوها ، ولله المثل الأعلى ، بل إن المعتزلة ، مع عظم جرمهم في هذه المسألة ، لم يقعوا في هذا التناقض ، حيث نفوا الأمرين معا ، فنفوا الرؤية ، ونفوا لازمها من العلو ، وهذا ما أدى ببعض الأشاعرة ، كالرازي رحمه الله ، إلى الإقتراب من مذهب المعتزلة ، حيث فسر الرؤية بأنها مزيد من الإنكشاف العلمي ، بينما لم يقع أهل السنة والجماعة في هذا التناقض ، فأثبتوا الرؤية ولازمها من العلو ، وقالوا بأن الرؤية ، لا تعني الإحاطة ، فالله سبحانه ، تعالى أن يحيط به شيء من خلقه ، فكانوا ، كعادتهم ، وسطا بين غلاة نفاة الرؤية من المعتزلة ، الذين نفوا الرؤية في الدنيا والآخرة ، وغلاة مثبتة الرؤية من الصوفية ، الذين قالوا بجواز الرؤية في الدنيا ، لبعض مشايخهم ، والآخرة .
•تصدي كلتا الفرقتين ، للفرق المنحرفة ، كالمعتزلة والرافضة ، ولهم في هذا جهد مشكور ، لا ينكره إلا جاحد ، فحسناتهم على نوعين ، كما قرر ذلك شيخ الإسلام رحمه الله ، إما موافقة السنة والحديث ، وقد سبق أن كثيرا منهم كانوا على علم بالحديث ، وإن لم يوفقوا في فهمه الفهم الصحيح ، وإما الرد على من خالف السنة والحديث ببيان تناقض حججهم ، ويقول أيضا : "ومنهم من يذمهم لما وقع في كلامهم من البدع والباطل ، وخير الأمور الوسط" ، درء التعارض 2/102 ، 103 ، ويقول في كتاب النبوات : "حيث إن خطأهم بعد اجتهادهم مغفور" ، وأخيرا يقول : "... فإن الواحد من هؤلاء له مساع مشكورة في نصرة ما نصره من الإسلام والرد على طوائف من المخالفين لما جاء به الرسول ، فحمدهم والثناء عليهم بما لهم من السعي الداخل في طاعة الله ورسوله وإظهار العلم الصحيح ... وما من أحد من هؤلاء ومن هو أفضل منه إلا وله غلط في مواضع" ، درء التعارض 8/275 ، " نقلا عن أصول الفرق الإسلامية للشيخ الدكتور عمر عبد العزيز حفظه الله ، ص297" .
ولكن ينبغي التنبيه على أن الأشاعرة والماتريدية ، استعملوا في تصديهم للفرق المنحرفة ، أساليب عقلية ، لم تكن دائما موافقة للمنهج القرآني السلفي في المناظرة والجدال ، وذلك بطبيعة الحال ، نتيجة تأثرهم بمناهج من يناظرونهم ، ولعل أبرز مثال يتضح به هذا الأمر ، هو منهج الغزالي رحمه الله ، في نقض مذهب الفلاسفة ، حيث ظهر تأثره بمصطلحاتهم الفلسفية ، وأسلوبها في الإستدلال ، حتى قال تلميذه الإمام أبو بكر بن العربي رحمه الله : "شيخنا أبو حامد دخل في بطون الفلاسفة ، ثم أراد أن يخرج منهم فما قدر" ، وكذا اعتمد الإمام الغزالي رحمه الله ، في نقضه لفرقة من الفرق ، على أقوال الفرقة المعارضة لها ، وإن لم تكن هذه الأقوال صحيحة ، فهو يستعين بالمعتزلة على نقض مذهب الفلاسفة ، وبالمعتزلة على نقض مذهب الروافض ، وهكذا ، بغض النظر عن صحة هذه الأقوال ، فالمهم ، هو إبطال كلام المخالف ورده ، وهذا خلاف طريقة أهل السنة والجماعة في هذه المسألة ، فهم يقبلون الحق ، والحق فقط ، من أي أحد ، ومن أبرز الأمثلة على ذلك استعانة شيخ الإسلام رحمه الله ، بكلام ابن النوبختي الرافضي ، في الرد على المعتزلة ، فلم تمنعه بدعة ابن النوبختي ، من الإستعانة بكلامه ، إن وافق الحق ، بتصرف من سلسلة "رجل لكل العصور" للشيخ الدكتور محمد إسماعيل المقدم حفظه الله .
ثانيا : أوجه الإختلاف :
•موقف الأشاعرة ، بشكل عام تجاه أحاديث الآحاد أقل حدة من موقف الماتريدية ، حيث يحتجون بها في السمعيات وفي مسائل العقيدة ، التي لا تتعارض مع العقل ، بزعمهم ، أما الماتريدية ، فموقفهم من أحاديث الآحاد ، أشد غلوا ، فهم يبطلون الإحتجاج بها في مسائل العقيدة ، وإن اشتملت على كل الشروط المذكورة في كتب الأصول ، وهذا خلاف أهل السنة والجماعة ، الذين يحتجون بأحاديث الآحاد ، متى ثبتت صحتها ، في مسائل العقائد والأحكام ، على السواء ، فلا تفريق عندهم بين المتماثلات ، فكل ورد به الدليل الشرعي ، ولا تعارض عندهم بين الأدلة الشرعية والعقل ، فالكل من عند الله ، فالأول أمره ، والثاني خلقه ، ويستحيل التناقض بين أمر الله وخلقه ، ومرد الأمر عندهم ، كما سبق ، هو صحة الدليل الشرعي ، فمتى ثبتت صحته ، وجب الإستدلال به ، وموقفهم من أحاديث الآحاد ، موقف منصف متزن ، فهي عندهم تفيد العلم ، على خلاف في شرط إفادتها العلم ، فمنهم من اشترط أن يكون الرواة عدولا ضابطين ، كما روي عن أحمد رحمه الله ، وحكاه الباجي عن ابن خويز منداد ، وهو مذهب الظاهرية ، كما قرر ذلك الإمام ابن حزم رحمه الله بقوله : "إن خبر الواحد العدل عن مثله إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوجب العلم والعمل معا" ، ومنهم من اشترط أن يحتف بها من القرائن ، ما يؤيد صحتها ، كإخراج الشيخين لها ، أو تلقي الأمة لها بالقبول ، أو تسلسلها برواية الأئمة الحفاظ ، …. الخ ، كما قرر ذلك شيخ الإسلام ، وابن الحاجب المالكي وإمام الحرمين والآمدي والبيضاوي من الشافعية رحمهم الله ، مذكرة أصول الفقه ، ص123 .
•ذهب الأشاعرة إلى القول بأن التحسين والتقبيح لا يكون إلا بالشرع ، ولا دخل للعقل فيه ألبتة ، وبنوا على هذا ، القول بأن الشرع قد يجافي الفطرة ، وأن أفعال الله عز وجل لا تعلل بالأغراض ، ولازم هذا نفي الحكمة عن أفعال الله عز وجل ، وأنه يجوز التكليف بما لا يطاق ، وإن لم يقع ذلك شرعا ، وأما الماتريدية ، فاقتربوا من المعتزلة في هذه المسألة ، وقالوا بأن التحسين والتقبيح مسألة عقلية ، فالعقل عندهم ، يستقل بمعرفة الحسن والقبيح ، وأما أهل السنة والجماعة ، فمذهبهم وسط في هذه المسألة ، وهو أن ما في الفعل من حسن يدركه العقل يجعل الفعل صالحا لأن يأمر به الشرع ، وأن ما في الفعل من قبح يدركه العقل يجعل الفعل صالحا لأن ينهى عنه الشرع ، ولا يقال : إن الحسن والقبح موجبان لحكم الله بالأمر والنهي . الوجيز في أصول الفقه للدكتور عبد الكريم زيدان ص71 ،72 .
•في مسألة التأويل ، وإن اتفقا في تأويل الصفات الفعلية ، إلا أن الأشاعرة يؤولونها بالإرادة ، بينما يؤولها الماتريدية بالتكوين ، وأما أهل السنة والجماعة ، فأثبتوها على الوجه الذي يليق بجلال الله سبحانه وتعالى ، كما تقدم .
•في مسألة القضاء والقدر ، خالف الأشاعرة أهل السنة والجماعة ، وقالوا بنظرية "الكسب" ، وهي محاولة غير ناجحة للتوسط بين أهل السنة والمعتزلة في هذه المسألة ، حيث قالوا بأن الله عز وجل ، هو فاعل فعل العبد على الحقيقة ، (وهذا يؤول إلى الجبر لا محالة) ، وأما العبد فهو كاسب لهذا الفعل ، وعلاقة إرادته بفعله ، علاقة إقترانية ، لا تأثيرية ، فلا تأثير لإرادة العبد في فعله ، وإنما هو مجرد إقتران بينهما في الحدوث ، فالنار عندهم ، لا يحصل الإحراق بها ، وإنما يحصل عندها ، ولازم هذا إنكار السببية ، وهذا أمر ظاهر الغرابة والبطلان ، حدا بكثير من الأشاعرة ، وعلى رأسهم إمام الحرمين رحمه الله ، إلى إنكار هذه النظرية ، حتى حكي عن أبي الحسن الأشعري رحمه الله الرجوع عنها ، وأما الماتريدية ، فوافقوا أهل السنة في هذه المسألة ، فالله عز وجل هو خالق فعل العبد ، والعبد هو فاعل فعله حقيقة ، بإرادة مؤثرة فيه ، خلقها الله للعبد ، لا تخرج عن إرادته سبحانه وتعالى ، فالخالق عز وجل هو خالق طاقة الفعل "أي الإرادة التي تؤدي لحصول الفعل" ، والفعل نفسه ، وقد يقال بأن الله سبحانه وتعالى "فاعل" ، ولكن بمعنى الخلق ، لا المعنى الذي قصده الأشاعرة ، والعبد "منفعل" ، أي مكتسب لفعله ، ولكن ليس بمعنى الكسب عن الأشاعرة ، وإنما بمعنى تحصيل الفعل بإرادة مؤثرة فيه ، خلقها الله عز وجل ، كما سبق بيانه .
والله أعلى وأعلم .
هَذَا، وَجَزَاكُمْ اللهُ خَيْرًا
والله الْمُسْتَعَانْ
ادْعُوا لأَخِيكُمْ
بحث لأخ،، لا أذكر المصدر