أحمد صلاح الدين
08.07.2015, 16:44
الملحد يرفض كل ما هو خارج عن نطاق الإدراك الحسى؛ فلا يؤمن بالله إلا إذا أخضعه لحواسه ليكون عندئذ؛ كما يظن؛ علمياً تجريبيا فهو لا يصدق ما ليس له لون أو طعم أو رائحة أو وزن أو حجم أو شكل أو أبعاد ... إلى آخر ما يطلبه المعمل لإقامة الدليل الفيزيائى، و قد خاطب القرآن تلك العقلية قائلا: (وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَة...)، ولو افترضنا جدلا أن الخالق لبى طلب الملحد و أخضع نفسه لإدراك حواسه كى يؤمن به؛ فظهر له، و خلق له من العدم ما يشاء أمام عينيه؛ فهل ذلك كفيل بحل الإشكالية ؟
إن آمن الملحد فى تلك الحالة بالإله الماثل أمامه فقد ناقض نفسه لأنه أصبح إزاء كينونة مادية مدركة بالحواس؛ كما طلب؛ إسمها "الخالق"، ومن ثم وحسب قانون عدم فناء واستحداث المادة الذى يؤمن به الملحد وغير الملحد فإن هذه الكينونة المادية الخالقة التى أمامه لم تعد خالقة فقط؛ بل خالقة و مخلوقة؛ حيث تتطلب موجدا لها و إلا فسيصطدم بقانون السببية causality؛ و سيتحول سؤاله إلى: من أوجد ذلك الخالق؟ وهكذا يصبح السؤال داخلا ضمن حتمية عجلة السبب و المسبب اللانهائية دون جدوى.
لم يؤمن الملحد إذن؛ لا بالخالق - حتى و لو كان أمامه - ولا بالسببية التى تستدعى مسببا لهذا الخالق؛ فكيف يرى نفسه علميا و واقعيا وعقلانيا، خصوصا وأن الأسئلة مازالت تحوم من حوله تأبى إلا أن تجاب: من أين أتى السبب الأول first cause؟؛ الخلية الأولى؟، ومن أين جاءت قوانين الطبيعة التى لولاها لما تفتق الكون؟؛ وما هو مصدر المعلومات الجينية و خطة عمل الأحماض النووية التى تقطع بوجود قدرة ذكية فاعلة تبرمجها مثل لغة الكومبيوتر binary؟ ومن أين أتت "عشوائية" أو "فوضى" الكون chaotic universe حسب زعمه ؟ أليس للعشوائية وللفوضوية موجد؟
لذلك، فإما أن يظل الملحد على حاله معللا أسباب ذلك كله لغيب سيكشفه العلم يوما، و إما أن يتحول إلى لا أدرى agnostic؛ وفى كلا الحالين يظل حكمه بعدم وجود خالق فاقدا أى صلة بالعلمية أو المنهجية؛ لأنه كيف يقطع بأن العلم سيكشف شيئا فى المستقبل الذى هو غيبى إلا إذا كان الملحد يؤمن أساسا بالغيب و هذا غير حقيقى أولا؛ و لا يتمشى مع قناعته بما هو مدرك فقط فى عالمه الواقعى المحسوس ثانيا، و ثالثا؛ أن العلم لا يأتينا دائما بكل ما نريد!!
قيمة الإلحاد إذاً لا تكمن فى عقلانية أومنهجية علمية لا غنى عنهما لتأسيس الإلحاد، بل تكمن فى عقدة نفسية من خارج صندوق المنهجية العلمية إسمها "عقدة الدين" التى أدت لخصومة مع الحياة ومع العلم فى العصور الوسطى طوال عشرة قرون وقع بعدها الطلاق البائن بين الدين و العلم، فظلت تداعيات هذه العقدة المزمنة فى ذاكرة العقل الغربى حائلا دون قبول الدين مفسرا لأى شئ، ثم سار على نفس الدرب عقول عربية ناقلة وليست عاقلة، معظمها مسيحى النشأة، وبالتالى فالملحد يرفض الخالق أو فكرة وجود مصمم خارق الذكاء لأنظمة بيولوجية وكونية لا تقبل الانتقاص Irreducible complexity تأسيساً على عقدته مع الدين وليس تأسيسا على المنهج العلمى فى البحث.
اللادينى أمره مختلف؛ فهو يؤمن بالخالق و لا يؤمن بالدين لأنه يرى أن الدين لا قيمة له، و أنه سبب متجدد للخلاف والاقتتال؛ و لكنه بذلك وقع هو الآخر فى إشكالية كبرى إذ كيف يكون الخالق موجودا ونظم الكون بقوانين فيزيائية ضابطة؛ و صنع توازنا فى البيئة محكما، و قدر كل شئ بدقة؛ ثم يترك الإنسان منبوذا؛ و هو سيد مخلوقاته؛ بل و يلغزه و يحيره و يضلله بأديان ملفقة منذ خلقه وعلى مدى ٤ ملايين عاما دون أن يتواصل معه بكلمة واحدة؟!!
أيليق بهذا الخالق أن يطلق رسلا مضلة تتكلم عنه، وكتبا منسوبة إليه يتم التلاعب بنصوصها و تزوير مضامينها، وتصورات متباينة عنه تارةً تسميه بـ "ياهويه" و"زيوس" و"أبوللو" و"براهما" و"جانيشا" و"كريشنان" و"ألله" ... إلخ؛ ثم يترك الإنسان تائها وسط هذا التلفيق المزمن؛ و هو من أبدع كل شئ سبحانه؟!
هل هو يختبره؟ و كيف يختبره و المناهج "الأديان" ملفقة؟! والمعلمون "الرسل"غائبون؟!!
ما الذى سنستذكره و ما الذى سنُمتحن فيه؟ ماذا يريد الإله منا عندما خلقنا؟ وكيف يقبل العقل فكرة الإله دون عقد فريد يحدد فيه الإله كـ "طرف أول" بنود شروطه ومطالبه من "الطرف الثانى"؟ كيف يتصور عاقل حاكماً بلا دستور، ودولة دون قوانين؟!
و إن كان إله اللادينى لا يريد منا شيئا فلماذا خلقتنا؟ و لو آمن بأنه خلقه ضمن نظام ينطق بوجوده فى كل لحظة؛ أليس من المنطق والعقلانية أن يكون اللادينى قطعة لها وظيفة فى آلة الكون المعقدة؟! و إن كانت لكل قطعة فى الكون وظيفة تخدمه؛ فمن الذى يخدمه فى النهاية؟ و وفق أى شروط يخدمه؟
لذا فإن وجود الخالق والدين متلازمان؛ و العقل السليم لا يقبل سوى الإيمان بهما معا فى تلازم منطقى لا يدركه سوى العقلاء.
إن آمن الملحد فى تلك الحالة بالإله الماثل أمامه فقد ناقض نفسه لأنه أصبح إزاء كينونة مادية مدركة بالحواس؛ كما طلب؛ إسمها "الخالق"، ومن ثم وحسب قانون عدم فناء واستحداث المادة الذى يؤمن به الملحد وغير الملحد فإن هذه الكينونة المادية الخالقة التى أمامه لم تعد خالقة فقط؛ بل خالقة و مخلوقة؛ حيث تتطلب موجدا لها و إلا فسيصطدم بقانون السببية causality؛ و سيتحول سؤاله إلى: من أوجد ذلك الخالق؟ وهكذا يصبح السؤال داخلا ضمن حتمية عجلة السبب و المسبب اللانهائية دون جدوى.
لم يؤمن الملحد إذن؛ لا بالخالق - حتى و لو كان أمامه - ولا بالسببية التى تستدعى مسببا لهذا الخالق؛ فكيف يرى نفسه علميا و واقعيا وعقلانيا، خصوصا وأن الأسئلة مازالت تحوم من حوله تأبى إلا أن تجاب: من أين أتى السبب الأول first cause؟؛ الخلية الأولى؟، ومن أين جاءت قوانين الطبيعة التى لولاها لما تفتق الكون؟؛ وما هو مصدر المعلومات الجينية و خطة عمل الأحماض النووية التى تقطع بوجود قدرة ذكية فاعلة تبرمجها مثل لغة الكومبيوتر binary؟ ومن أين أتت "عشوائية" أو "فوضى" الكون chaotic universe حسب زعمه ؟ أليس للعشوائية وللفوضوية موجد؟
لذلك، فإما أن يظل الملحد على حاله معللا أسباب ذلك كله لغيب سيكشفه العلم يوما، و إما أن يتحول إلى لا أدرى agnostic؛ وفى كلا الحالين يظل حكمه بعدم وجود خالق فاقدا أى صلة بالعلمية أو المنهجية؛ لأنه كيف يقطع بأن العلم سيكشف شيئا فى المستقبل الذى هو غيبى إلا إذا كان الملحد يؤمن أساسا بالغيب و هذا غير حقيقى أولا؛ و لا يتمشى مع قناعته بما هو مدرك فقط فى عالمه الواقعى المحسوس ثانيا، و ثالثا؛ أن العلم لا يأتينا دائما بكل ما نريد!!
قيمة الإلحاد إذاً لا تكمن فى عقلانية أومنهجية علمية لا غنى عنهما لتأسيس الإلحاد، بل تكمن فى عقدة نفسية من خارج صندوق المنهجية العلمية إسمها "عقدة الدين" التى أدت لخصومة مع الحياة ومع العلم فى العصور الوسطى طوال عشرة قرون وقع بعدها الطلاق البائن بين الدين و العلم، فظلت تداعيات هذه العقدة المزمنة فى ذاكرة العقل الغربى حائلا دون قبول الدين مفسرا لأى شئ، ثم سار على نفس الدرب عقول عربية ناقلة وليست عاقلة، معظمها مسيحى النشأة، وبالتالى فالملحد يرفض الخالق أو فكرة وجود مصمم خارق الذكاء لأنظمة بيولوجية وكونية لا تقبل الانتقاص Irreducible complexity تأسيساً على عقدته مع الدين وليس تأسيسا على المنهج العلمى فى البحث.
اللادينى أمره مختلف؛ فهو يؤمن بالخالق و لا يؤمن بالدين لأنه يرى أن الدين لا قيمة له، و أنه سبب متجدد للخلاف والاقتتال؛ و لكنه بذلك وقع هو الآخر فى إشكالية كبرى إذ كيف يكون الخالق موجودا ونظم الكون بقوانين فيزيائية ضابطة؛ و صنع توازنا فى البيئة محكما، و قدر كل شئ بدقة؛ ثم يترك الإنسان منبوذا؛ و هو سيد مخلوقاته؛ بل و يلغزه و يحيره و يضلله بأديان ملفقة منذ خلقه وعلى مدى ٤ ملايين عاما دون أن يتواصل معه بكلمة واحدة؟!!
أيليق بهذا الخالق أن يطلق رسلا مضلة تتكلم عنه، وكتبا منسوبة إليه يتم التلاعب بنصوصها و تزوير مضامينها، وتصورات متباينة عنه تارةً تسميه بـ "ياهويه" و"زيوس" و"أبوللو" و"براهما" و"جانيشا" و"كريشنان" و"ألله" ... إلخ؛ ثم يترك الإنسان تائها وسط هذا التلفيق المزمن؛ و هو من أبدع كل شئ سبحانه؟!
هل هو يختبره؟ و كيف يختبره و المناهج "الأديان" ملفقة؟! والمعلمون "الرسل"غائبون؟!!
ما الذى سنستذكره و ما الذى سنُمتحن فيه؟ ماذا يريد الإله منا عندما خلقنا؟ وكيف يقبل العقل فكرة الإله دون عقد فريد يحدد فيه الإله كـ "طرف أول" بنود شروطه ومطالبه من "الطرف الثانى"؟ كيف يتصور عاقل حاكماً بلا دستور، ودولة دون قوانين؟!
و إن كان إله اللادينى لا يريد منا شيئا فلماذا خلقتنا؟ و لو آمن بأنه خلقه ضمن نظام ينطق بوجوده فى كل لحظة؛ أليس من المنطق والعقلانية أن يكون اللادينى قطعة لها وظيفة فى آلة الكون المعقدة؟! و إن كانت لكل قطعة فى الكون وظيفة تخدمه؛ فمن الذى يخدمه فى النهاية؟ و وفق أى شروط يخدمه؟
لذا فإن وجود الخالق والدين متلازمان؛ و العقل السليم لا يقبل سوى الإيمان بهما معا فى تلازم منطقى لا يدركه سوى العقلاء.