المساعد الشخصي الرقمي

اعرض النسخة الكاملة : نسف قصة الغرانيق


سيف الحتف
22.08.2009, 22:25
بسم الله الرحمن الرحيم

والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله

نسف قصة الغرانيق



نبدأ بحول الله وقوته في نسف قصة الغرانيق

القول بإن الرسول صلى الله عليه وسلم مدح وأثنى آلهة قريش هو قول باطل ومكذوب عنه صلى الله عليه وسلم ولننقض ذلك بالعقل والنقل


عقلاً

1- الرسول صلى الله عليه وسلم بعثه الله لهداية الناس أجمعين ونشر ديانة التوحيد وعبادة الله وحده ونبذ عبادة الأصنام التى كان عليها قومه ,فكيف يأتي الرسول صلى الله عليه وسلم ويمدح آلهة قريش ويثني عليها وهو في الأصل بُعث من أجل إنهاء عبادتها .

2- لنرى رد فعل الرسول صلى الله عليه وسلم حينما فتح مكة

http://www.albshara.com/forums/imgcache/2/7523albshara.jpg


قام بتحطيم الأصنام ! فهل نقول أن النبي صلى الله عليه وسلم أثنى على آلهة قريش في يوم من الأيـام ؟

3 - قريش كانت تترصد للنبي صلى الله عليه وسلم وتتلهف لوقوعه في خطأ واحد , أقول واحد فقط من أجل التشنيع في الرسول صلى الله عليه وسلم وفي رسالته , والتشكيك في مصداقية رسالته , وهذا بعد أن فشلوا في إغراء النبي صلى الله عليه وسلم بالمنصب والمال والجاه , فإن حدثت تلك القصة فلم لم نرى لها صيتاً بين العرب ؟؟؟ لماذا لم تنشر بين أنحاء الجزيرة أن محمداً صلى الله عليه وسلم أثنى على ألهة قريش ؟ إلا إن كانت هذه قصة مكذوبة ومنعدمة من أصول الصحة !

4- إن فعل الرسول صلى الله عليه ذلك فسيكون متناقضاً أمام أتباعه وستحدث بلبلة وفتنة في صفوف المسلمين " الأوائل " ولاحظوا " الأوائل " أي أنهم على عهد قريب بالوثنية , فإن أثنى صلى الله عليه وسلم على آلهة قريش فماذا سيكون رد فعلهم إلا الشك في صدق هذا الرجل , وسيترك أتباعه الدين فوراً والذهاب لعبادة الأوثان التي أثنى عليها بالأولى , ولكن هذا لم يحدث ؛ لأن القصة باطلة ومكذوبة .


نقلاً

هذه القصة مكذوبة سنداً ومتناً


سنداً

لقد منّ الله على هذه الأمة بعلم الحديث لمعرفة سند كل ماورد عن النبي صلى الله عليه وسلم لنميز بين صحيحه وسقيمه وموضوعه , وهذا العلم له أصول وقواعد ولا يوجد هذا العلم في أي ديانة غير الإسلام , لذلك نجد في المسيحية عدم وجود سند واحد صحيح متصل من أحد الكتبة الذين كتبوا الكتاب المقدس , بل والأدهى إن معظم الأناجيل كتابها مجهولين , فنحن لا نعرف من كتبها هل هو ثقة أم غير ثقة لعدم وجود سند صحيح متصل .

لنرى أسانيد القصة بتبسيط شديد

لم تروَ هذه القصة بسند متصل إلا عن بن عباس رضي الله عنه ولكن المشكلة أن هذا السند ضعيف واهي بل وشديد الضعف .

أما الأسانيد الصحيحة فم تروّ إلا عن بن جبير وأبي العالية وقتادة و أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث , ولكن صحتها لا تعنى قبولها ..لماذا ؟؟

لأن علتها الإرسال فهي مراسيل ولا يصح الإحتجاج بها , فالحديث المرسل فقد شرط هام من شروط الصحة وهي " إتصال السند" فالحديث المرسل هو من سقط أحد الرواة من سنده ونحن لانعرف هل هذا الساقط ثقة أم غير ثقة ..يحتج به أم لا , لذلك فالمرسل يندرج تحت " الخبر المردود "

قال الإمام مسلم في مقدمة صحيحه (( والمرسل في أصل قولنا وقول أهل العلم بالأخبارليس بحجة ))

قال الإمام ابن الصلاح في مقدمته (( و ما ذكرناه من سقوط الاحتجاج بالمرسل والحكم بضَعفه ، هو المذهب الذي استقر عليه آراء جماهير حفّاظ الحديث، و نقاد الأثر، و قد تداولوه في تصانيفهم ))

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في منهاج السنة النبوية
( 7/435) " وأما أحاديث سبب النزول فغالبها مرسل ليس بمسند "

قال الإمام أحمد بن حنبل (( ثلاث علوم لا إسناد لها ، وفي لفظ ليس لها أصل : التفسير والمغازي والملاحم ويعني أن أحاديثها مرسلة ))

لنرى أقوال العلماء في هذه القصة وما هو حكمهم عليها ؟

قال ابن حزم في كتاب " الفصل في الأهواء والنحل "
(2/311) : " وأما الحديث الذي فيه : ( وأنهن الغرانيق العلى ، وإن شفاعتها لترتجى ) فكذب بحت موضوع ، لأنه لم يصح قط من طريق النقل ، ولا معنى للاشتغال به ، إذ وضع الكذب لا يعجز عنه أحد " اهـ .

القاضي عياض في الشفا (2/79) : " هذا حديث لم يخرجه أحد من أهل الصحة ، ولا رواه ثقة بسند سليم متصل....، ومن حُكيت هذه الحكاية عنه من المفسرين والتابعين لم يسندها أحد منهم ، ولا رفعها إلى صاحب ، وأكثر الطرق عنهم فيها ضعيفة واهية ، والمرفوع فيه حديث شعبة عن أبي بشر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال فيما أحسب - الشك في الحديث - أن النبي - صلى الله عليه وسلم- كان بمكة ....، وذكر القصة " ، ثم نقل كلام البزار وقال : " فقد بين لك أبو بكر رحمه الله أنه لا يعرف من طريق يجوز ذكره سوى هذا ، وفيه من الضعف ما نبه عليه ، مع وقوع الشك فيه ، كما ذكرناه ، الذي لا يوثق به ، ولا حقيقة معه .

قال الشيخ الألباني رحمه الله في كتابه " نصب المجانيق لنسف قصة الغرانيق "

http://www.albshara.com/forums/imgcache/2/7524albshara.jpg

قال الإمام بن كثير رحمه الله في تفسيره :

http://www.albshara.com/forums/imgcache/2/7525albshara.jpg


وقال الإمام الشوكاني رحمه الله في تفسيره :

http://www.albshara.com/forums/imgcache/2/7526albshara.jpg



قال الإمام البيضاوي في تفسيره :

http://www.albshara.com/forums/imgcache/2/7527albshara.jpg

وقال الإمام فخر الدين الرازي في تفسيره :

http://www.albshara.com/forums/imgcache/2/7528albshara.jpg

وقال الإمام القرطبي في تفسيره :

http://www.albshara.com/forums/imgcache/2/7529albshara.jpg


أرأيتِ عزيزي القارئ بطلان وضعف وكذب هذه الفرية على المصطفى صلى الله عليه وسلم ؟؟؟؟

لنرى هل القصة صحيحة من موقع الدرر السنية :

http://www.albshara.com/forums/imgcache/2/7530albshara.jpg


وللأمانة العلمية فأنا دخلت على الأحاديث الصحيحة و الأحاديث أسانيدها صحيحة ووجدت الآتي :

http://www.albshara.com/forums/imgcache/2/7531albshara.jpg


طبعاً قد يتوهم القارئ بالتخريجات السابقة

رجاله رجال الصحيح

رجاله ثقات

إسناده صحيح

وسأبدأ بتوضيح الإسناد الصحيح

في التخريج السابق من موقع الدرر السنية نجد أن الإسناد صحيح والراوي هو الإمام السيوطي ...فما المشكلة؟

المشكلة :هي أن الإمام السيوطي رحمه الله متساهل جداً في التصحيح .

قال الشيخ عبد الفتاح أبو غدة في هامش كتاب "الأجوبة الفاضلة" للكنَوي عن السيوطي: "وهو أوسع العلماء الأجلَّة الذين ذكرتُهم تساهلاً في إيراد الحديث الضعيف والتالف والموضوع وشبهه في كتبه ورسائله"

وقال أبو غدة في نفس الصفحة: "والأحاديث الموضوعة التي وقعت للحافظ السيوطي رحمه الله تعالى في (الجامع الصغير) كثيرة غير قليلة"

وقال: "أما الأحاديث الضعيفة فقد أكثر منها جداً"

قال شيخنا المحدث عبدالعزيز الطريفي في جوابه على أسئلة المُلتقى :

السؤال الأربعون: ما رأيكم تصحيحات وتحسينات الإمام السيوطي؟

الجواب: السيوطي رحمه الله من الأئمة المحققين إلا أنه متساهل في تصحيح الأخبار بكثرة الطرق، حتى وإن كانت شديدة الضعف، ومن تأمل كتبه علم ذلك منه (رحمه الله)، وقد توسع في تقوية الاحاديث بالشواهد والمتابعات، ويقوي أحاديث لم يسبقه إلى تقويتها أحد من الحفاظ المعتبرين.

http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=7258 (http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=7258)

أما بخصوص القول بأن رجاله رجال الصحيح ورجاله ثقات

يقول ابن حجر في كتابه (( النكت عن ابن الصلاح ))

( ولا يلزم كون رجال الإسناد من رجال الصحيح أن يكون الحديث الوارد به صحيحاً ، لاحتمال أن يكون فيه شذوذ أو علة )

وأرجو الإطلاع على هذ الموضوع لشيخنا الحبيب " أبو حمزة السيوطي "

http://www.kalemasawaa.com/vb/t2928.html

يُتبع ..

سيف الحتف
22.08.2009, 22:53
( 2 )

نكمل بفضل الله

قد بيّنا في المداخلة السابقة ضعف الرواية وبطلانها , فالقول بأن الرسول صلى الله عليه وسلم مدح آلهة قريش هو قول باطل عارِ من الصحة .

وبعد نقل أقوال العلماء في تضعيف هذه القصة وبيان علة الطرق الصحيحة التي جاءت منها بإعتبار أنها مرسلة والمرسل يندرج تحت الخبر " المردود " وإستشهدت بقول الإمام مسلم ويكفي هذا ونأتي الآن للنقض القصة من ناحية المتن .

أولاً : القصة تعارض صريح القرآن الكريم , فالقرآن يبين أن الشيطان ليس له على أولياء الله سلطان {إن عبادي ليس لك عليهم سلطان} , فما بالنا برسول الله صلى الله عليه وسلم والذي قال في حقه جل وعلا { .. وَاللَّهُ يَعۡلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ } وأيضاً { لَعَمۡرُكَ إِنَّهُمۡ لَفِى سَكۡرَتِهِمۡ يَعۡمَهُونَ } من هذا الذي يُقسم الله بعمره إلا إن كان ذا شأن عظيم عند الله ؟؟ هو محمد صلى الله عليه وسلم , فإن كان أولياء الله يعجز الشيطان عن السيطرة عليهم , فما بالنا بأشرف المرسلين ؟؟؟

ثانياً : هذا القول بعيد عن حفظ الله تعالى لكتابه , يقول الله عزّ وجل { َلا يَأۡتِيهِ الۡبَاطِلُ مِن بَيۡنِ يَدَيۡهِ وَلَا مِنۡ خَلۡفِهِ تَنزِيلٌ مِّنۡ حَكِيمٍ حَمِيدٍ } ويقول تعالى ذكره { إِنَّا نَحۡنُ نَزَّلۡنَا الذِّكۡرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ } فكيف نقول أن الشيطان أضاف إلى كتاب الله ( تلك الغرانيق العلى وإن شفاعتهن لترتجى ) ؟؟

ثالثاً : سياق الآيات يدل على أن هذه القصة باطلة

لنرى سياق الآيات بوضع ( تلك الغرانيق العلى وإن شفاعتهن لترتجى )

{ أَفَرَأَيۡتُمُ اللَّاتَ وَالۡعُزَّى وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الۡأُخۡرَى تلك الغرانيق العلى وإن شفاعتهن لترتجى أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الۡأُنثَى تِلۡكَ إِذًا قِسۡمَةٌ ضِيزَى إِنۡ هِىَ إِلَّا أَسۡمَآءٌ سَمَّيۡتُمُوهَا أَنتُمۡ وَآبَاؤُكُم مَّا أَنزَلَ اللَّهُ بِهَا مِن سُلۡطَانٍ إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهۡوَى الۡأَنفُسُ وَلَقَدۡ جَآءهُم مِّن رَّبِّهِمُ الۡهُدَى }

مع فرض صحة ما قيل ..فإن الرسول يمدح إلهة قريش بهذه المقولة ويذمهم في الآيات التي تليها !!!!!! أي عقل هذا ؟؟؟

ولا يخفى عليكم أنهم عرب أقحاح وهم أرباب اللغة , فكيف سيتمسكون بآية واحدة من المدح ويسهون عن 4 آيات متتالية من الذم ؟ وأي سياق هذا الذي يمكن أن يتماشى ؟؟

يقول لهم الله { مَّا أَنزَلَ اللَّهُ بِهَا مِن سُلۡطَانٍ إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهۡوَى الۡأَنفُسُ }

يقول أن شفاعة آلهة قريش ترتجى ويقول بعدها أن الله لم ينزل بها من سلطان وأن هذا مجرد ظن لا أساس له من الصحة فهم يتبعون أهوائهم الزائغة !!

هل يتفق سياق الآيات هكذا ضيفتنا المحترمة ؟؟ أترك لك الإجابة على هذا السؤال

رابعاً : تفضل عزيزي القارئ بقراءة الآية الناسف للقصة من جذورها بتمعن شديد

{ وإن كادوا ليفتنونك عن الذي أوحينا إليك لتفتري علينا غيره وإذا لاتخذوك خليلاً * ولولا أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم شيئاً قليلاً }

{ كاد } فعل من أفعال المقاربة بمعنى أنهم إقتربوا أن يفتنوك عن الذي أوحينا إليك ولكننا ثبتناك من الركون إليهم .

فإن كان النبي عُصم من الركون قليلاً فكيف بكثيراً.. فضلاً عن أن يقول مثل هذا على الله عز وجل ؟

خامساً : الطرق الصحيحة المروية عن هذه القصة على ما أتذكر عن بن عباس وبن عمر وبن مسعود وأبو هريرة وهي ( أن النبي -صلى الله عليه وسلم- سجد بالنجم وسجد معه المسلمون والمشركون والجن والإنس )

لا يوجد ذكر لقصة الغرانيق !!!!

السؤال الأول : لماذا سجد النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمون ؟؟

الإجابة : لاحظ الصورة القادمة قارئي العزيز

http://www.albshara.com/forums/imgcache/2/7608albshara.png


العلامة المُشار إليها بالسهم هي علامة " السجود " بمعنى إن كنت اقرأ القرآن وصادفتني تلك العلامة علّي إذا أن أسجد لله تعالى تعظيماً له وخضوعاً لقدرته , ولاحظ الأمر من الله عز وجل { فأسجدوا } أمر من الله بالسجود ..لهذا سجد النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمون معه .


السؤال الثاني : لماذا سجد المشركون ؟

لاحظ سياق الآيات بما فيها من وعيد لهم بأنه أهلك قوم عاد وثمود ولم يُبق منهم أحدا,بل وأهلك المؤتفكة وغشاها بألوان من العذاب ما غشّى , ويجب أن تعرفي أن المشركين يؤمنون بالله ولكن إيمانهم يندرج تحت مسمى " توحيد الربوبية " هو الإقرار الجازم بأن الله هو رب كل شئ ومليكه ومقدره ومصرفه , ولكنهم لا يخصونه تعالى ويفردونه بالعبادة وهو ما يُسمى " توحيد الألوهية " قال الله عز وجل { وَلَئِن سَأَلۡتَهُم مَّنۡ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالۡأَرۡضَ وَسَخَّرَ الشَّمۡسَ وَالۡقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤۡفَكُونَ } ويقول الله عز وجل { وَلَئِن سَأَلۡتَهُم مَّن نَّزَّلَ مِنَ السَّمَآءِ مَآءً فَأَحۡيَا بِهِ الۡأَرۡضَ مِن بَعۡدِ مَوۡتِهَا لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الۡحَمۡدُ لِلَّهِ بَلۡ أَكۡثَرُهُمۡ َلا يَعۡقِلُونَ } وأيضاً { وَلَئِن سَأَلۡتَهُم مَّنۡ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالۡأَرۡضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلۡ أَفَرَأَيۡتُم مَّا تَدۡعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ إِنۡ أَرَادَنِىَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلۡ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوۡ أَرَادَنِى بِرَحۡمَةٍ هَلۡ هُنَّ مُمۡسِكَاتُ رَحۡمَتِهِ قُلۡ حَسۡبِىَ اللَّهُ عَلَيۡهِ يَتَوَكَّلُ الۡمُتَوَكِّلُونَ } وأيضاً
{ وَلَئِن سَأَلۡتَهُم مَّنۡ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالۡأَرۡضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الۡعَزِيزُ الۡعَلِيمُ } { وَلَئِن سَأَلۡتَهُم مَّنۡ خَلَقَهُمۡ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤۡفَكُونَ }

يعني هم يؤمنون بالله ولكنهم لا يخصونه بالعبادة بل يؤمنون أنه خلقهم ورزقهم ويدبر أمرهم , لذلك فإن سياق الآيات والوعيد جعلهم يرتعبون من كلام الله ولا سيما أنهم لم يسمعوا بمثله من قبل والشاهد على ما أقوله

قصة عتبة بن ربيعة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي :

http://www.albshara.com/forums/imgcache/2/7609albshara.png


أرأيتم ( فزع ) من كلام الله عز وجل , فهذا هو سبب سجود المشركين لما وجدوا من قوة وفصاحة القرآن وشدة وعيد الله لهم بأن يكون مآلهم وآل عاد وثمود .

سادساً : معنى الآية الواضح هو ما من نبي ولا رسول إلا إذا تمنى هداية قومه وإيمانهم ألقى الشيطان في سبيل أمنيته العقبات ,من الشبه والوساوس والشكوك للصد عن دين الله , حتى لا يتم للنبي أو الرسول ما تمناه , فينسخ الله تلك الشُّبَه والوساوس التي ألقاها الشيطان معنى أنه يبطلها ويذهبها .

وعلى فرض صحة القصة !
هل هذا يؤثر على مفهوم العصمة ؟؟

الإجابة : لا , لأن العصمة فيما إستقر عليه الوحي , وقد إستقر الوحي على أن الله تعالى مُحكِم آياته وأن الباطل لا يأتيه من بين يديه ولا من خلفه .

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..

سيف الحتف
22.08.2009, 23:31
بسم الله الرحمن الرحيم

والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله

أريد أن نجعل من هذا الموضوع مرجعاً يستند إليه المسلم للرد على هذه الشبهة التي يثيرها النصارى , وعلى ذلك لا أريد شكراً ولا ثناءاً بل من سيشارك ليتفضّل بوضع ردود أخرى على هذه الشبهة لإثراء الموضوع أكثر وأكثر ..

بارك الله فيكم

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

سيف الحتف
13.09.2009, 04:04
رد آخـــــــــــر


http://kalemasawaa.com/vb/showthread.php?t=471 (http://kalemasawaa.com/vb/showthread.php?t=471)

راجية الاجابة من القيوم
17.08.2010, 22:02
السلام عليكم
بارك الله فيكم يااخى واعزك ونصرك اللهم امين
شرح رائع ورد اللهم بارك
جزاك الله عنا خيرا

محمود جابر
18.08.2010, 01:56
جزاكم الله خيرا أخي الحبيب

ولشيخنا العلامة ناصر الدين الألبانى رحمه الله تعالى رسالة ماتعة في هذه المسألة تسمى

( نصب المنجنيق لنسف قصة الغرانيق ) وهي رائعة جدا

وهاك رابط تحميلها

قلها ثم اضغط عليها
سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم (http://www.maghrawi.net/?taraf=Daw2ia&op=geninfo&did=3073)

solema
30.08.2010, 13:42
رد الشيخ : منقذ السقار على الشبهة


http://www.youtube.com/watch?v=_fdFJDL2S_A

http://www.youtube.com/watch?v=PXtKYUfkt5c

أماني
30.08.2010, 15:12
اكرمكم الله اخي الفاضل

بل نسفتم الشبهة نسفا

وهي مكونه من شطرين, تفسير الايه 53 من سورة الحج, وسبب نزولها, وارتباطها بسورة النجم_التي ادعوا_
فيها حديثهم عن قصه الغرانيق.

قد ذكرتم في تفسيركم للايه الكريمه الصواب, اذ ان أمنيه كل نبي يحدث نفسه بالايمان هو الهدايه, فيلقي الشيطان في امنية كل نبي من هؤلاء العقبات والوساوس بتزيين الكفر لقومه,والقاءه في انفسهم مخالفة للرسول, وكأن في الايه تسليه له صلى الله عليه وسلّم,تقول لا تحزن يا محمد, على معاداة قومك لك فهذه سنة المرسلين.

_____نرجع لمجمل ما جاء في تفسيرهم للايه 52 من سورة الحج في قوله تعالى:"وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلاَّ إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ "

القصه تقول انه صلى الله عليه وسلم لما قرا سورة"والنجم اذا هوى" بمحضر من المشركين والمسلمين, فلما بلغ"أفرأيتم اللات والعزى, ومناة الثالثه الأخرى"ألقى الشيطان على لسانه "تلك الغرانيق العلى, وإنّ شفاعتهن لترتجى" ففرح بذلك المشركون ولما انتهى من السورة سجد وسجد معه المشركون الى اخر الروايه.

يقول ابن العربي:إنّ جميع ما ورد في هذه القصه بـــــاطل لا أصل له
يقول ابن اسحاق:هي من وضع الزنادقه.
قال البيهقي:رواتها مطعون فيهم.
قال ابن كثير:ذكر كثير من المفسرين قصه الغرانيق وهي روايات مرسلات, منقطعات لا تصح!!!
قال القاضي عياض:هذا حديث لم يخرجه احد من اهل الصحّه ولا رواه احد بسند سليم.وإنّما أولع به وبمثله المفسّرون والمؤرخون المولعون بكل غريب المتلقفون من الصحف كل سقيم.


ومما يدل على بطلان هذه القصه, وقد ذكرها شيخنا الراجي رضا الله_حفظه المولى_ قوله تعالى في نفس السورة:"وما ينطق عن الهوى, ان هو إلاّ وحي يوحى",فكيف ينطق صلى الله عليه وسلم بهذا!!!

تقبل اضافتي اخي

تحيتي

د/مسلمة
03.02.2012, 17:51
بارك الله فيكم أخي الفاضل وجزاكم الله خيرًا

رد الأخ أبو عمر الباحث قناة مكافح الشبهات

http://www.kalemasawaa.com/web/videos/replies/anti-shubohat/media-55

وهنا

http://www.kalemasawaa.com/web/videos/replies/anti-shubohat/media-137

وموضوع ذو صلة

http://www.kalemasawaa.com/vb/t10160.html

Moustafa
04.02.2012, 08:03
الأحاديث المشكلة الواردة فى تفسير القرآن :-

المسألة [10]: في قصة الغرانيق.

المبحث الأول: ذكر الآية الواردة في المسألة:

قال الله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى [1] أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (52) لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِّلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ (53)} [الحج: 52 - 53].

المبحث الثاني: ذكر الحديث المشكل الوارد في تفسير الآية:

عن ابن عباس رضي الله عنهما: "أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - كان بمكة؛ فقرأ سورة النجم، حتى انتهى إلى قوله تعالى: {أفرأيتم اللَّاتَ وَالْعُزَّى (19) وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى (20)} [النجم: 19 - 20] فجرى على لسانه: (تلك الغرانيق [2] العُلى،الشفاعة منها تُرتجى) قال: فسمع ذلك مشركو مكة، فَسُرُّوا بذلك، فاشتَدَّ على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ فأنزل الله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (52)}". [3]

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] اختلف المفسرون في معنى قوله تعالى: (تَمَنَّى) على قولين:
الأول: أن تمنى بمعنى: قرأ وتلا، ومنه قول حسان في عثمان بن عفان - رضي الله عنه -:
تَمَنَّى كتاب الله أوَّل ليلِهِِ ... وآخِرها لاقى حِمام المقادِرِ
وعلى هذا المعنى الجمهور من المفسرين، كما حكاه البغوي، وابن القيم.
القول الثاني: أن تمنى في الآية من التمني المعروف، الذي أداته (ليت).
انظر: تفسير البغوي (3/ 293)، وإغاثة اللهفان، لابن القيم (1/ 93)، وأضواء البيان، للشنقيطي (5/ 729).

[2]الغرانيق: المراد بها ها هنا الأصنام، وهي في الأصل الذكور من طير الماء، واحدها غرنوق وغرنيق، سمي به لبياضه، وقيل: هو الكركي. والغرنوق أيضاً الشاب الناعم الأبيض، وكانوا يزعمون أن الأصنام تقربهم من الله وتشفع لهم فشبهت بالطيور التي تعلوا في السماء وترتفع. انظر: النهاية في غريب الحديث والأثر، لابن الأثير (3/ 364).

[3] رُوي هذا الحديث موصولاً عن ابن عباس رضي الله عنهما، ومرسلاً عن عدد من التابعين، وسأذكر هذه الروايات كلها مع تخريجها، واستيفاء طرقها، وبيان عللها:
أولاً: رواية ابن عباس رضي الله عنهما:
وقد رُويتْ عنه من خمسة طرق:
الطريق الأول: رواية سعيد بن جبير، عن ابن عباس:
وله عن سعيد بن جبير طريقان:
1 - عن أبي بشر، عن سعيد، به:

أخرجه البزار في مسنده [كما في كشف الأستار، للهيثمي (3/ 72)، وتخريج الأحاديث والآثار، للزيلعي (2/ 391)، وتفسير الحافظ ابن كثير (3/ 240)] قال البزار: حدثنا يوسف بن حماد، حدثنا أمية بن خالد، حدثنا شعبة، عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس - فيما أحسب، الشك في الحديث - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ... ، فذكره.
ثم قال البزار: «هذا حديث لا نعلمه يُروى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بإسناد متصل يجوز ذكره إلا بهذا الإسناد، ولا نعلم أحداً أسند هذا الحديث عن شعبة، عن أبي بشر، عن سعيد، عن ابن عباس، إلا أمية، ولم نسمعه نحن إلا من يوسف بن حماد، وكان ثقة، وغير أمية يحدث به عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير، مرسلاً، وإنما يُعرف هذا الحديث عن الكلبي، عن أبي صالح، عن ابن عباس، وأمية ثقة مشهور». اهـ

ورواه ابن مردويه في تفسيره [كما في تخريج الأحاديث والآثار، للزيلعي (2/ 394)] من حديث يوسف بن حماد، به، عن سعيد بن جبير قال: لا أعلمه إلا عن ابن عباس: «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان بمكة فقرأ سورة النجم، حتى بلغ: (أفرأيتم اللَّاتَ وَالْعُزَّى (19) وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى (20)) [النجم: 19 - 20]؛ فألقى الشيطان على لسانه: (تلك الغرانيق العلى، وإن شفاعتها لترتجى) فلما بلغ آخرها سجد وسجد معه المسلمون والمشركون، وأنزل الله: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (52)) [الحج: 52]».

وأخرجه الطبراني في المعجم الكبير (12/ 53)، عن الحسين بن إسحاق التستري، وعبدان بن أحمد، كلاهما عن يوسف بن حماد، به. وفيه: لا أعلمه إلا عن ابن عباس.
ومن طريق الطبراني أخرجه الضياء المقدسي في الأحاديث المختارة (10/ 89).
قال الهيثمي في مجمع الزوائد (7/ 115): «رواه البزار والطبراني، ورجالهما رجال الصحيح، إلا أن الطبراني قال: لا أعلمه إلا عن ابن عباس، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -». اهـ
قلت: لفظ رواية البزار هي المذكورة في المتن، والحديث من هذه الطريق فيه ثلاث علل:

الأولى: الاختلاف على شعبة في وصله وإرساله، حيث لم يصله عنه إلا أمية بن خالد، وهو وإن كان ثقة فقد خولف، خالفه - كما سيأتي - محمد بن جعفر، وعبد الصمد، وأبو داود، ثلاثتهم عن شعبة، عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير، مرسلاً. والقاعدة أن رواية الأكثر مقدمة على رواية الفرد، ونسبة الخطأ للواحد أقوى من نسبتها للجماعة.
العلة الثانية: التردد في وصل الحديث وإرساله، وهذه العلة وحدها تُعد كافية للقدح في الرواية الموصولة، وترجيح رواية الإرسال الصحيحة عليها، كما سيأتي.
العلة الثالثة: أن الحديث قد روي من وجه آخر عن سعيد بن جبير مرسلاً، فقد رواه الواحدي في أسباب النزول، ص (310) من طريق سهل العسكري، حدثنا يحيى - هو القطان - عن عثمان بن الأسود، عن سعيد بن جبير، مرسلاً، وقد رُوي موصولاً؛ لكن لا يصح، كما سيأتي.

إلا أن الحافظ ابن حجر لم يعتد بهذه العلل، حيث قال: «أما ضعفه فلا ضعف فيه أصلاً؛ فإن الجميع ثقات، وأما الشك فيه، فقد يجيء تأثيره ولو فرداً غريباً، لكن غايته أن يصير مرسلاً .... ، وهو حجة إذا اعتضد عند من يَرُدّ المرسل، وهو إنما يعتضد بكثرة المتابعات». اهـ من الكافي الشاف في تخريج أحاديث الكشاف (3/ 161).

2 - عن عثمان بن الأسود، عن سعيد بن جبير، به:
أخرجه ابن مردويه في تفسيره [كما في تخريج الأحاديث والآثار، للزيلعي (2/ 394)] قال: حدثني إبراهيم بن محمد، حدثني أبو بكر محمد بن علي المقرئ البغدادي، حدثنا جعفر بن محمد الطيالسي، حدثنا إبراهيم بن محمد بن عرعرة، حدثنا أبو عاصم النبيل، حدثنا عثمان بن الأسود، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس رضي الله عنهما: «أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قرأ: (أفرأيتم اللَّاتَ وَالْعُزَّى (19) وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى (20)) [النجم: 19 - 20] (تلك الغرانيق العلى، وشفاعتهن ترتجى) ففرح المشركون بذلك وقالوا: قد ذكر آلهتنا؛ فجاءه جبريل فقال: اقرأ علي ما جئتك به. فقرأ له كذلك؛ فقال: ما أتيتك بهذا، وإن هذا لمن الشيطان؛ فأنزل الله: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (52))».
ومن طريق ابن مردويه أخرجه الضياء المقدسي في الأحاديث المختارة (10/ 234).
قلت: الحديث من هذه الطريق معلول من أوجه:

الأول: جهالة حال أبي بكر محمد بن علي المقرئ:
وترجمته في تاريخ بغداد (3/ 68): «محمد بن علي بن الحسن، أبو بكر المقرئ، حدث عن محمود بن خداش، ومحمد بن عمرو، وابن أبى مذعور، روى عنه أحمد بن كامل القاضي، ومحمد بن أحمد بن يحيى العطشي، توفي سنة ثلاثمائة».
قال الألباني في نصب المجانيق، ص (17): «لم يذكر فيه الخطيب جرحاً ولا تعديلاً؛ فهو مجهول الحال، وهو علة هذا الإسناد الموصول». اهـ
الوجه الثاني: الاختلاف على أبي عاصم النبيل في وصله وإرساله، فقد رواه الواحدي في أسباب النزول، ص (310) من طريق سهل العسكري، عن يحيى القطان، عن عثمان بن الأسود، عن سعيد بن جبير، مرسلاً، ورواية الواحدي أصح، كما سيأتي.
الوجه الثالث: أن رواية الإرسال موافقة للرواية الصحيحة، من طريق شعبة، عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير، مرسلاً، وهي أصح ما في الباب، وقد رويت عن شعبة من ثلاثة طرق كلها صحيحة، كما سيأتي.

وقد أورد السيوطي في الدر المنثور (4/ 661) الحديث من طريق سعيد بن جبير، عن ابن عباس، بلا تردد، ونسبه للبزار، والطبراني، وابن مردويه، والضياء في المختارة، وقال: «بسند رجاله ثقات». وأما المتن فقد ساق متن رواية عثمان بن الأسود، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، والتي أخرجها ابن مردويه بلا تردد.
وقد تعقب الألبانيُ السيوطيَ، وادعى أنه وهم في عزوه للضياء في المختارة، وأن قوله: «بسند رجاله ثقات» إيهام منه، حيث يوحي بصحة الحديث، وأنه ليس بمعلول، قال: «وهذا خلاف الواقع، فإنه معلول بتردد الراوي في وصله، كما نقلناه عن تفسير الحافظ ابن كثير، وكذلك هو في تخريج الكشاف وغيره، وهذا ما لم يَرِدْ ذِكرُه في سياق السيوطي، ولا أدري أذلك اختصار منه، أم من بعض مخرجي الحديث؟ وأياً ما كان، فما كان يليق بالسيوطي أن يُغفل هذه العلة، لا سيما وقد صرح بما يشعر أن الإسناد صحيح، وفيه من التغرير ما لا يخفى، فإن الشك لا يوثق به، ولا حقيقة فيه». اهـ من نصب المجانيق، ص (12). وقد تبع الألبانيَ على ذلك: علي بن حسن بن عبد الحميد الحلبي، في كتابه دلائل التحقيق، ص (89).

قلت: لم يهم السيوطي في عزو الحديث للضياء في المختارة، فهو مخرج عنده، كما ذكرته آنفاً في تخريج الحديث، وأما إغفال السيوطي لتردد الراوي فليس ذاك عن سهوٍ أو خطأ منه؛ لأنه إنما أورد رواية عثمان بن الأسود، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، والتي أخرجها ابن مردويه بلا تردد، وظاهر إسنادها الصحة، وكأن السيوطي لم يقف على علة هذه الرواية، والألبانيُ اعتقد أن السيوطي أراد رواية أبي بشر، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، بالتردد، وقد خطأ السيوطيَ أيضاً في إيراده لمتن هذه الرواية، والحق أن السيوطي أوردها كما هي، وأن الوهم من الألباني، رحم الله الجميع.

وأما الحافظ ابن حجر فقد صحح الحديث من هذه الطريق فقال: «ورواه الطبري من طريق سعيد بن جبير مرسلاً، وأخرجه ابن مردويه من طريق أبي عاصم النبيل، عن عثمان بن الأسود، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، نحوه، ولم يشك في وصله، وهذا أصح طرق هذا الحديث». اهـ من الكافي الشاف، في تخريج أحاديث الكشاف (3/ 161).

إلا أن الألباني لم يرتضِ عبارة الحافظ هذه، واستبعد نسبتها إليه فقال: «وفي عبارة الحافظ شيء من التشويش، ولا أدري أذلك منه، أم من النساخ؟ وهو أغلب الظن، وذلك لأن قوله: «وهذا أصح طرق هذا الحديث» إن حملناه على أقرب مذكور، وهو طريق ابن مردويه الموصول كما هو المتبادر، منعنا من ذلك أمور:
الأول: قول الحافظ عقب ذلك: «فهذه مراسيل يقوي بعضها بعضاً» فإن فيه إشارة إلى أن ليس هناك إسناد صحيح موصول يعتمد عليه، وإلا لَعرَّج عليه وجعله أصلاً، وجعل الطريق المرسلة شاهدة ومُقَوية له، ويؤيده الأمر الآتي وهو:
الثاني: وهو أن الحافظ لما رَدَّ على القاضي عياض تضعيفه للحديث من طريق إسناد البزار الموصول بسبب الشك، قال الحافظ: «أما ضعفه فلا ضعف فيه أصلاً (قلت: يعني في رواته)؛ فإن الجميع ثقات، وأما الشك فيه، فقد يجيء تأثيره ولو فرداً غريباً ـ كذا ـ لكن غايته أن يصير مرسلاً، وهو حجة عند عياض وغيره ممن يقبل مرسل الثقة، وهو حجة إذا اعتضد عند من يَرُدّ المرسل، وهو إنما يعتضد بكثرة المتابعات».

قال الألباني: فقد سلَّم الحافظ بأن الحديث مُرْسَلٌ، ولكن ذهب إلى تقويته بكثرة الطرق .... ، فلو كان إسناد ابن مردويه الموصول صحيحاً عند الحافظ، لرد به على القاضي عياض، ولما جعل عمدته في الرد عليه هو كثرة الطرق، وهذا بيّن لا يخفى.
الثالث: أن الحافظ في كتابه فتح الباري لم يُشِرْ أدنى إشارة إلى هذه الطريق فلو كان هو أصح طرق الحديث، لذكره بصريح العبارة، ولجعله عمدته في هذا الباب كما سبق.
الرابع: أن من جاء بعده ـ كالسيوطي وغيره ـ لم يذكروا هذه الرواية.
فكل هذه الأمور تمنعنا من حمل اسم الإشارة (هذا) على أقرب مذكور، وتضطرنا إلى حمله على البعيد، وهو الطريق الذي قبل هذا، وهو طريق سعيد بن جبير المرسل. وهو الذي اعتمده الحافظ في الفتح وجعله أصلاً، وجعل الروايات الأخرى شاهدة له». اهـ كلام الألباني، من نصب المجانيق، ص (13 - 15).

قلت: يحتمل أن الحافظ ابن حجر لم يقف على رواية عثمان بن الأسود، وقت تعليقه على الحديث في فتح الباري، يقوي هذا الاحتمال أن هذه الرواية لم يُشرْ إليها الحافظ في الفتح أدنى إشارة، ولعله اطلع عليها بعد ذلك فدونها في تخريجه لأحاديث الكشاف، والله تعالى أعلم.

ثم وقفت على طريق أخرى لهذه الرواية؛ أخرجها أبو الليث السمرقندي في تفسيره (2/ 400) قال: حدثنا الخليل بن أحمد قال: حدثنا إبراهيم بن محمد قال: حدثنا جعفر بن محمد [في أصل الكتاب: جعفر بن زيد] الطيالسي قال: حدثنا إبراهيم بن محمد قال: حدثنا أبو عاصم، عن عثمان بن الأسود [في أصل الكتاب: عمار بن الأسود]، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: «قرأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى (20)) [النجم: 20] ثم قال: (تلك الغرانيق العلى، وإن الشفاعة منها ترتجى)، فقال المشركون: قد ذكر آلهتنا في أحسن الذكر؛ فنزلت الآية».

قلت: هذا الإسناد فيه سقط، وصوابه ما جاء في تفسير ابن مردويه: حدثني إبراهيم بن محمد، حدثني أبو بكر محمد بن علي المقرئ البغدادي، حدثنا جعفر بن محمد الطيالسي .... ، والساقط في الإسناد هو آفة الحديث، وهو أبو بكر المقرئ، وقد تقدم الكلام فيه.

الطريق الثاني: رواية العوفي، عن ابن عباس، به:
أخرجها ابن جرير الطبري في تفسيره (9/ 176)، قال: حدثني محمد بن سعد قال: ثني أبي قال: ثني عمي قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: «قوله تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (52)) وذلك أن نبي الله - صلى الله عليه وسلم - بينما هو يصلي إذ نزلت عليه قصة آلهة العرب، فجعل يتلوها، فسمعه المشركون فقالوا: إنا نسمعه يذكر آلهتنا بخير، فدنوا منه، فبينما هو يتلوها وهو يقول: (أفرأيتم اللَّاتَ وَالْعُزَّى (19) وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى (20)) [النجم: 19 - 20] ألقى الشيطان: (إن تلك الغرانيق العلى، منها الشفاعة ترتجى)، فجعل يتلوها فنزل جبرائيل عليه السلام فنسخها، ثم قال له: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (52))».

وأخرجه ابن مردويه في تفسيره [كما في تخريج الأحاديث والآثار، للزيلعي (2/ 394)]، عن أحمد بن كامل، عن محمد بن سعد، به.
محمد بن سعد: هو العوفي، لين الحديث.
قوله: حدثني أبي: هو سعد بن محمد بن الحسن، ضعيف.
قوله: حدثني عمي: هو الحسين بن الحسن بن عطية بن سعد العوفي، ضعيف.
قوله: حدثني أبي: هو الحسن بن عطية، متفق على ضعفه.
قوله: عن أبيه: هو عطية بن سعد بن جنادة، شيعي ضعيف مدلس.
وهذا الإسناد: ضعيف جداً؛ فإنه مسلسل بالعوفيين، وهي سلسلة واهية باتفاق النقاد من المحدثين.

الطريق الثالث: رواية الكلبي، عن أبي صالح، عن ابن عباس:
أخرجها ابن مردويه في تفسيره [كما في فتح الباري، لابن حجر (8/ 293)]، من طريق عباد بن صهيب، عن يحيى بن كثير، حدثنا الكلبي، عن أبي صالح، عن ابن عباس: «أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قرأ سورة النجم وهو بمكة فأتى على هذه الآية: (أفرأيتم اللَّاتَ وَالْعُزَّى (19) وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى (20)) فألقى الشيطان على لسانه: (إنهن الغرانيق العلى)؛ فأنزل الله: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (52))».
وإسناده ضعيف جداً؛ فيه: عباد بن صهيب البصري، أحد المتروكين، قال ابن المديني: ذهب حديثه. وقال البخاري، والنسائي، وغيرهما:متروك. وقال ابن حبان: كان قدرياً داعية، ومع ذلك يروي أشياء إذا سمعها المبتدي في هذه الصناعة شهد لها بالوضع. وقال أبو حاتم: متروك الحديث، ضعيف الحديث، تركت حديثه.
انظر: لسان الميزان (3/ 230).

وفيه الكلبي متهم بالكذب، كما في التقريب (2/ 173)، وقد روى ابن عدي، في كتابه الكامل في ضعفاء الرجال (6/ 115) بسنده عن سفيان الثوري قال: «قال الكلبي: كل شيء أحدث عن أبي صالح فهو كذب».

الطريق الرابع: رواية سليمان التيمي، عمن حدثه، عن ابن عباس:
ذكرها السيوطي في الدر (4/ 661) وعزاها لابن مردويه في تفسيره، وذكرها الحافظ ابن حجر في الفتح (8/ 293)، من طريق عباد بن صهيب، المتقدم، ولفظها لفظ رواية الكلبي نفسه، عن أبي صالح.
وهذه الرواية كسابقتها فيها عباد بن صهيب، وفيها راوٍ لم يُسمَّ.

الطريق الخامس: رواية أبي بكر الهذلي، وأيوب، عن عكرمة، عن ابن عباس:
أخرجها ابن مردويه [كما في فتح الباري، لابن حجر (8/ 293)]، من طريق عباد بن صهيب، عن يحيى بن كثير، حدثنا أبو بكر الهذلي، وأيوب، عن عكرمة، عن ابن عباس، به. ولفظها لفظ رواية الكلبي نفسه، عن أبي صالح.
وهذه الرواية ضعيفة؛ فيها عباد بن صهيب، متروك كما تقدم.
ثانياً: رواية سعيد بن جبير، مرسلة:
وقد روُيت عنه من طريقين:
الأول: طريق شعبة، عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير، به.
وله عن شعبة ثلاثة طرق:
1 - طريق محمد بن جعفر:
أخرجه ابن جرير الطبري في تفسيره (9/ 176)، قال: حدثنا ابن بشار قال: ثنا محمد بن جعفر قال: ثنا شعبة، عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير قال: «لما نزلت هذه الآية: (أفرأيتم اللَّاتَ وَالْعُزَّى (19)) [النجم: 19] قرأها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: (تلك الغرانيق العلى، وإن شفاعتهن لترتجى)، فسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ فقال المشركون: إنه لم يذكر آلهتكم قبل اليوم بخير. فسجد المشركون معه فأنزل الله: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (52))».

2 - طريق عبد الصمد:
أخرجه ابن جرير في الموضع السابق قال: حدثنا ابن المثنى قال: ثني عبد الصمد قال: ثنا شعبة قال: ثنا أبو بشر، عن سعيد بن جبير قال: لما نزلت: (أفرأيتم اللَّاتَ وَالْعُزَّى (19)) .... ». قال ابن جرير: «ثم ذكر نحوه». يريد نحو رواية محمد بن جعفر السابقة.

3 - طريق أبي داود:
أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره [كما في تفسير ابن كثير (3/ 239)] قال: حدثنا يونس بن حبيب، حدثنا أبو داود، حدثنا شعبة، عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير قال: «قرأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بمكة النجم فلما بلغ هذا الموضع: (أفرأيتم اللَّاتَ وَالْعُزَّى (19) وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى (20)) [النجم: 19 - 20] قال: فألقى الشيطان على لسانه: (تلك الغرانيق العلى، وإن شفاعتهن ترتجى) قالوا: ما ذكر آلهتنا بخير قبل اليوم. فسجد وسجدوا؛ فأنزل الله عز وجل هذه الآية: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (52))».

وقد صحح إسناد هذه الرواية المرسلة عن سعيد بن جبير: الحافظ ابن حجر في الفتح (8/ 293)، والسيوطي في الدر (4/ 661)، وفي لباب النقول، ص (201)، والألباني في نصب المجانيق، ص (10) و (45).
قلت: وهو كما قالوا؛ إلا أن صحة إسنادها لا يعني قبولها؛ فهي ضعيفة لإرسالها.

الثاني: طريق عثمان بن الأسود، عن سعيد بن جبير، به.
أخرجه الواحدي في أسباب النزول، ص (310) قال: أخبرنا أبو بكر الحارثي قال: أخبرنا أبو بكر محمد بن حيان قال: أخبرنا أبو يحيى الرازي قال: أخبرنا سهل العسكري قال: أخبرنا يحيى، عن عثمان بن الأسود، عن سعيد بن جبير قال: «قرأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (أفرأيتم اللَّاتَ وَالْعُزَّى (19) وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى (20)) [النجم: 19 - 20] فألقى الشيطان على لسانه: (تلك الغرانيق العلى، وإن شفاعتهن ترتجى)؛ ففرح بذلك المشركون وقالوا: قد ذكر آلهتنا؛ فجاء جبريل عليه السلام إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقال: اعرض عليَّ كلام الله، فلما عرض عليه قال: أما هذا فلم آتك به، هذا من الشيطان، فأنزل الله تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (52))».
وإسناد هذه الرواية أصح من رواية ابن مردويه الموصولة.
قال الألباني في نصب المجانيق، ص (16) - بعد أن ساق رواية الواحدي هذه -: «فرجع الحديث إلى أنه عن عثمان بن الأسود، عن سعيد، مرسل، وهو الصحيح، لموافقة روايةِ عثمان هذه روايةَ أبي بشر، عن سعيد». اهـ

ثالثاً: رواية أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث، مرسلة:
أخرجها ابن جرير الطبري في تفسيره (9/ 177) قال: حدثني يونس قال: أخبرنا ابن وهب قال: أخبرني يونس، عن ابن شهاب: أنه سُئِل عن قوله: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (52)) قال ابن شهاب: ثني أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث: «أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو بمكة قرأ عليهم والنجم إذا هوى فلما بلغ: (أفرأيتم اللَّاتَ وَالْعُزَّى (19) وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى (20)) قال: (إن شفاعتهن ترتجى) وسها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فلقيه المشركون الذين في قلوبهم مرض فسلموا عليه وفرحوا بذلك فقال لهم: إنما ذلك من الشيطان؛ فأنزل الله: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (52))».
قال الحافظ ابن حجر في الفتح (8/ 293) عن هذه الرواية: مرسل رجاله على شرط الصحيحين. وقال السيوطي في الدر (4/ 662): مرسل صحيح الإسناد. ووافقهما الألباني في نصب المجانيق، ص (18) و (45).

رابعاً: رواية ابن شهاب الزهري، مرسلة:
أخرجها ابن أبي حاتم في تفسيره [كما في تفسير الحافظ ابن كثير (3/ 240)] قال: حدثنا موسى بن أبي موسى الكوفي، حدثنا محمد بن إسحاق المسيبي، حدثنا محمد بن فليح، عن موسى بن عقبة، عن ابن شهاب قال: «لما أنزلت سورة النجم وكان المشركون يقولون: لو كان هذا الرجل يذكر آلهتنا بخير أقررناه وأصحابه ولكن لا يذكر من خالف دينه من اليهود والنصارى بمثل الذي يذكر آلهتنا من الشتم والشر، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد اشتد عليه ما ناله وأصحابه من أذاهم وتكذيبهم، وأحزنته ضلالتهم، فكان يتمنى كف أذاهم؛ فلما أنزل الله سورة النجم قال: (أفرأيتم اللَّاتَ وَالْعُزَّى (19) وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى (20)) ألقى الشيطان عندها كلمات حين ذكر الطواغيت فقال: (وإنهن لهن الغرانيق العلى وإن شفاعتهن لهي التي ترتجى) فكان ذلك من سجع الشيطان وفتنته، فوقعت هاتان الكلمتان في قلب كل مشرك بمكة، وذلقت بها ألسنتهم، وتباشروا بها، وقالوا: إن محمداً قد رجع إلى دينه الأول ودين قومه، فلما بلغ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - آخر النجم سجد، وسجد كل من حضر من مسلم ومشرك ففشت تلك الكلمة في الناس، وأظهرها الشيطان حتى بلغت أرض الحبشة، فأنزل الله: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (52)) فلما بين الله قضاءه، وبرأه من سجع الشيطان انقلب المشركون بضلالتهم وعداوتهم للمسلمين، واشتدوا عليه».
وإسناده صحيح؛ إلا أن محمد بن فليح لم يُتابع في روايته عن موسى بن عقبة؛ فقد رواه البيهقي في دلائل النبوة (2/ 285)، من طريق إسماعيل بن أبي أويس، عن إسماعيل بن إبراهيم بن عقبة، عن عمه موسى بن عقبه .... ، فذكره بمثله سواء، ولم يذكر ابن شهاب؛ فيكون معضلاً.

خامساً: رواية عروة بن الزبير، مرسلة:

أخرجها الطبراني في المعجم الكبير (9/ 34)، قال: حدثنا محمد بن عمرو بن خالد الحراني، ثنا أبي، ثنا ابن لهيعة، عن أبي الأسود، عن عروة قال: «حين أنزل الله عز وجل السورة التي يذكر فيها (والنجم إذا هوى) قال المشركون من قريش: لو كان هذا الرجل يذكر آلهتنا بخير أقررناه وأصحابه، فإنه لا يذكر أحداً ممن خالف دينه من اليهود والنصارى بمثل الذي يذكر به آلهتنا من الشتم والشر؛ فلما أنزل الله عز وجل السورة التي يذكر فيها والنجم وقرأ:(أفرأيتم اللَّاتَ وَالْعُزَّى (19) وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى (20)) ألقى الشيطان فيها عند ذلك ذكر الطواغيت فقال: (وإنهن لمن الغرانيق العلى وإن شفاعتهم لترتجى) وذلك من سجع الشيطان وفتنته، فوقعت هاتان الكلمتان في قلب كل مشرك وذلقت بها ألسنتهم، واستبشروا بها وقالوا: إن محمداً قد رجع إلى دينه الأول ودين قومه، فلما بلغ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - آخر السورة التي فيها النجم سجد وسجد معه كل من حضر من مسلم ومشرك، غير أن الوليد بن المغيرة كان رجلاً كبيراً فرفع على كفه تراباً فسجد عليه، فعجب الفريقان كلاهما من جماعتهم في السجود لسجود رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ فأما المسلمون فعجبوا من سجود المشركين على غير إيمان ولا يقين ولم يكن المسلمون سمعوا الذي ألقى الشيطان على ألسنة المشركين، وأما المشركون فاطمأنت أنفسهم إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه لما سمعوا الذي ألقى الشيطان في أمنية النبي - صلى الله عليه وسلم -، وحدثهم الشيطان أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد قرأها في السجدة؛ فسجدوا لتعظيم آلهتهم، ففشت تلك الكلمة في الناس، وأظهرها الشيطان حتى بلغت الحبشة ... ، وكَبُرَ ذلك على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فلما أمسى أتاه جبريل عليه السلام فشكا إليه، فأمره فقرأ عليه، فلما بلغها تبرأ منها جبريل عليه السلام وقال: معاذ الله من هاتين، ما أنزلهما ربي ولا أمرني بهما ربك، فلما رأى ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شق عليه وقال: أطعت الشيطان وتكلمت بكلامه، وشركني في أمر الله. فنسخ الله عز وجل ما ألقى الشيطان وأنزل عليه: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (52))».
إسناده ضعيف، لضعف ابن لهيعة، قال الهيثمي في مجمع الزوائد (7/ 72): «رواه الطبراني، وفيه ابن لهيعة، ولا يحتمل هذا من ابن لهيعة».

سادساً: رواية محمد بن كعب القرضي، ومحمد بن قيس:
أخرجها ابن جرير الطبري في تفسيره (9/ 174)، قال: حدثنا القاسم قال: ثنا الحسين قال: ثنا حجاج، عن أبي معشر، عن محمد بن كعب القرظي، ومحمد بن قيس قالا: «جلس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في نادٍ من أندية قريش، كثير أهله، فتمنى يومئذ أن لا يأتيه من الله شيء فينفروا عنه؛ فأنزل الله عليه: (وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى (1) مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى (2)) [النجم: 1 - 2] فقرأها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى إذا بلغ: (أفرأيتم اللَّاتَ وَالْعُزَّى (19) وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى (20)) [النجم: 19 - 20] ألقى عليه الشيطان كلمتين: (تلك الغرانقة العلى، وإن شفاعتهن لترجى) فتكلم بها ثم مضى فقرأ السورة كلها، فسجد في آخر السورة، وسجد القوم جميعاً معه، ورفع الوليد بن المغيرة تراباً إلى جبهته فسجد عليه، وكان شيخاً كبيراً لا يقدر على السجود، فرضوا بما تكلم به وقالوا: قد عرفنا أن الله يحيي ويميت، وهو الذي يخلق ويرزق، ولكن آلهتنا هذه تشفع لنا عنده إذ جعلت لها نصيباً، فنحن معك. قالا: فلما أمسى أتاه جبرائيل عليه السلام فعرض عليه السورة، فلما بلغ الكلمتين اللتين ألقى الشيطان عليه قال: ما جئتك بهاتين. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: افتريت على الله، وقلت على الله ما لم يقل؛ فأوحى الله إليه: (وَإِن كَادُواْ لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذًا لاَّتَّخَذُوكَ خَلِيلاً (73) وَلَوْلاَ أَن ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلاً (74) إِذاً لَّأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لاَ تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيرًا (75)) [الإسراء: 73 - 75] فما زال مغموماً مهموماً حتى نزلت عليه: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (52))».
إسناده ضعيف، فيه أبو معشر، واسمه نجيح بن عبد الرحمن السندي، وهو ضعيف، كما في التقريب (2/ 303).
وأخرجه الطبري (9/ 175) من طريق آخر عن محمد بن كعب القرضي فقال: حدثنا ابن حميد قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن يزيد بن زياد المدني، عن محمد بن كعب القرظي قال: «لما رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تولي قومه عنه، وشق عليه ما يرى من مباعدتهم ما جاءهم به من عند الله، تمنى في نفسه أن يأتيه من الله ما يقارب به بينه وبين قومه، وكان يسره مع حبه وحرصه عليهم أن يلين له بعض ما غلظ عليه من أمرهم حين حدث بذلك نفسه، وتمنى وأحبه؛ فأنزل الله: (وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى (1)) [النجم: 1] فلما انتهى إلى قول الله: (أفرأيتم اللَّاتَ وَالْعُزَّى (19) وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى (20)) ألقى الشيطان على لسانه لما كان يحدث به نفسه ويتمنى أن يأتي به قومه: (تلك الغرانيق العلى، وإن شفاعتهن ترتضى)، فلما سمعت قريش ذلك فرحوا وسرهم وأعجبهم ما ذكر به آلهتهم، فأصاخوا له، والمؤمنون مصدقون نبيهم فيما جاءهم به عن ربهم، ولا يتهمونه على خطأ ولا وهم ولا زلل، فلما انتهى إلى السجدة منها وختم السورة سجد فيها، فسجد المسلمون بسجود نبيهم تصديقاً لما جاء به، واتباعاً لأمره، وسجد من في المسجد من المشركين من قريش وغيرهم؛ لما سمعوا من ذكر آلهتهم، فلم يبق في المسجد مؤمن ولا كافر إلا سجد، إلا الوليد بن المغيرة فإنه كان شيخاً كبيراً فلم يستطع؛ فأخذ بيده حفنة من البطحاء فسجد عليها .... ، وأتى جبرائيل النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا محمد، ماذا صنعت؟ لقد تلوت على الناس ما لم آتك به عن الله، وقلت ما لم يقل لك .... ».
وهو ضعيف أيضاً، فيه ابن حميد، واسمه محمد بن حميد بن حيان الرازي، ضعيف، كما في التقريب (2/ 165).

سابعاً: رواية الضحاك بن مزاحم:
أخرجها ابن جرير الطبري في تفسيره (9/ 177)، قال: حُدِّثتُ عن الحسين قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد قال: سمعت الضحاك يقول: في قوله: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ}: «أن نبي الله - صلى الله عليه وسلم - وهو بمكة أنزل الله عليه في آلهة العرب، فجعل يتلو اللات والعزى ويكثر ترديدها، فسمع أهل مكة نبي الله يذكر آلهتهم ففرحوا بذلك ودنوا يستمعون؛ فألقى الشيطان في تلاوة النبي - صلى الله عليه وسلم -: (تلك الغرانيق العلى، منها الشفاعة ترتجى) فقرأها النبي - صلى الله عليه وسلم - كذلك فأنزل الله عليه: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (52))».
وهذه الرواية ضعيفة؛ لانقطاعها؛ حيث لم يصرح الطبري بمن حدثه.

ثامناً: رواية أبي العالية الرياحي:
أخرجها ابن جرير الطبري في تفسيره (9/ 176) قال: حدثنا ابن عبد الأعلى قال: ثنا المعتمر قال: سمعت داود، عن أبي العالية قال: «قالت قريش لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إنما جلساؤك عبد بني فلان، ومولى بني فلان، فلو ذكرت آلهتنا بشيء جالسناك؛ فإنه يأتيك أشراف العرب، فإذا رأوا جلساءك أشراف قومك كان أرغب لهم فيك. قال: فألقى الشيطان في أمنيته؛ فنزلت هذه الآية: (أفرأيتم اللَّاتَ وَالْعُزَّى (19) وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى (20)) قال: فأجرى الشيطان على لسانه: (تلك الغرانيق العلى، وشفاعتهن ترجى، مثلهن لا ينسى) قال فسجد النبي - صلى الله عليه وسلم - حين قرأها، وسجد معه المسلمون والمشركون، فلما علم الذي أجري على لسانه كبر ذلك عليه؛ فأنزل الله: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (52))».
وأخرجه من وجه آخر عن أبي العالية فقال: حدثنا ابن المثنى قال: ثنا أبو الوليد قال: ثنا حماد بن سلمة، عن داود بن أبي هند، عن أبي العالية قال: .... ، فذكره بنحوه.
قال الحافظ ابن حجر في الفتح (8/ 293): «مرسل رجاله على شرط الصحيحين». وصحح إسناده السيوطي في الدر (4/ 663)، ووافقهما الألباني، في نصب المجانيق، ص (21) و (45).

تاسعاً: رواية قتادة بن دعامة السدوسي:
أخرجه عبد الرزاق في تفسيره (3/ 40) قال: أنا معمر، عن قتادة: «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يتمنى أن لا يعيب الله آلهة المشركين؛ فألقى الشيطان في أمنيته فقال: (إن الآلهة التي تدعى، إن شفاعتها لترتجى، وإنها للغرانيق العلى) فنسخ الله ذلك وأحكم الله آياته: (أفرأيتم اللَّاتَ وَالْعُزَّى (19))، حتى بلغ: (إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى (23)) قال قتادة: لما ألقى الشيطان ما ألقى قال المشركون: قد ذكر الله آلهتهم بخير، ففرحوا بذلك، فذكر قوله تعالى: (لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِّلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ (53)) [الحج: 53]».
وأخرجه ابن جرير الطبري في تفسيره (9/ 178)، من طريق عبد الرزاق، عن معمر، به.
وأخرجه أيضاً عن ابن عبد الأعلى قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، به.
وإسناده صحيح، صححه الألباني في نصب المجانيق، ص (23) و (45). لكنه مرسل.

عاشراً: رواية مجاهد بن جبر:
ذكرها السيوطي في الدر (4/ 663)، وعزاها لعبد بنحميد، عن مجاهد: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قرأ النجم؛ فألقى الشيطان على فيه، ثم أحكم الله آياته.
ولم أقف على إسناد هذه الرواية.

حادي عشر: رواية عكرمة مولى ابن عباس:
ذكرها السيوطي في الدر (4/ 663)، وعزاها لعبد بن حميد، عن عكرمة قال: «قرأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذات يوم: (أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى (19) وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى (20) أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثَى (21) تِلْكَ إِذًا قِسْمَةٌ ضِيزَى (22)) [النجم: 19 - 22] فألقى الشيطان على لسان رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (تلك إذن في الغرانيق العلى، تلك إذن شفاعة ترتجى) ففزع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وجزع؛ فأوحى الله إليه: (وَكَم مِّن مَّلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلَّا مِن بَعْدِ أَن يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَن يَشَاء وَيَرْضَى) [النجم: 26] ثم أوحى إليه، ففرج عنه: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (52))».
ولم أقف على إسناد هذه الرواية.

ثاني عشر: رواية السدي:
ذكرها السيوطي في الدر (4/ 663)، وعزاها لابن أبي حاتم في تفسيره، عن السدي قال: «خرج النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى المسجد ليصلي، فبينما هو يقرأ إذ قال: (أفرأيتم اللَّاتَ وَالْعُزَّى (19) وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى (20)) فألقى الشيطان على لسانه فقال: (تلك الغرانقة العلى، وإن شفاعتهن ترتجى) حتى إذا بلغ آخر السورة سجد، وسجد أصحابه، وسجد المشركون لذكره آلهتهم، فلما رفع رأسه حملوه فاشتدوا به بين قطري مكة يقولون: نبي بني عبد مناف، حتى إذا جاءه جبريل عرض عليه فقرأ ذينك الحرفين فقال جبريل: معاذ الله أن أكون أقرأتك هذا، فاشتد عليه؛ فأنزل الله يطيب نفسه: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (52))».
ولم أقف على إسناد هذه الرواية.

ثالث عشر: رواية محمد بن فضالة الظفري، والمطلب بن عبد الله بن حنطب:
أخرجها ابن سعد في الطبقات الكبرى (1/ 205) قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: حدثني يونس بن محمد بن فضالة الظفري، عن أبيه قال: .... ، وحدثني كثير بن زيد، عن المطلب بن عبد الله بن حنطب قالا: رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من قومه كفاً عنه، فجلس خالياً فتمنى فقال: ليته لا ينزل علي شيء ينفرهم عني، وقارب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قومه، ودنا منهم ودنوا منه، فجلس يوماً مجلساً في نادٍ من تلك الأندية حول الكعبة فقرأ عليهم: (وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى (1))، (أفرأيتم اللَّاتَ وَالْعُزَّى (19) وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى (20)) ألقى الشيطان كلمتين على لسانه: (تلك الغرانيق العلى، وإن شفاعتهن لترتجى) فتكلم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بهما ثم مضى فقرأ السورة كلها، وسجد وسجد القوم جميعاً، ورفع الوليد بن المغيرة تراباً إلى جبهته فسجد عليه، وكان شيخاً كبيراً لا يقدر على السجود .... ، فرضوا بما تكلم به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقالوا: قد عرفنا أن الله يحيي ويميت، ويخلق ويرزق، ولكن آلهتنا هذه تشفع لنا عنده، وأما إذ جعلت لها نصيباً فنحن معك، فَكَبُرَ ذلك على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من قولهم حتى جلس في البيت، فلما أمسى أتاه جبريل عليه السلام فعرض عليه السورة فقال جبريل: ما جئتك بهاتين الكلمتين. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: قلت على الله ما لم يقل؛ فأوحى الله إليه: (وَإِن كَادُواْ لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذًا لاَّتَّخَذُوكَ خَلِيلاً (73)) [الإسراء: 73]».
إسناده ضعيف: فيه محمد بن عمر الواقدي، متروك، كما في التقريب (2/ 203).
قال النحاس، في الناسخ والمنسوخ (2/ 529): «هذا حديث منكر منقطع، ولا سيما من حديث الواقدي».

أقوال العلماء في نقد أسانيد هذه القصة:-

وبعد أن خلصنا من تخريج القصة، وبيان طرقها وعللها، نذكر الآن ما قاله النقاد من أهل الحديث في الحكم عليها:
قال ابن خزيمة: «هذه القصة من وضع الزنادقة». نقله عنه الفخر الرازي في تفسيره (23/ 44).

وقال البيهقي: «هذه القصة غير ثابتة من جهة النقل». نقله عنه الفخر الرازي في تفسيره (23/ 44).

وقال القاضي عياض، في الشفا (2/ 79): «هذا حديث لم يخرجه أحد من أهل الصحة، ولا رواه ثقة بسند سليم متصل .... ، ومن حُكيت هذه الحكاية عنه من المفسرين والتابعين لم يسندها أحد منهم، ولا رفعها إلى صاحب، وأكثر الطرق عنهم فيها ضعيفة واهية، والمرفوع فيه حديث شعبة: عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: فيما أحسب ـ الشك في الحديث ـ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان بمكة .... ، وذكر القصة». اهـ

ثم نقل كلام البزار، وقال: «فقد بين لك أبو بكر رحمه الله أنه لا يُعرف من طريق يجوز ذكره سوى هذا، وفيه من الضعف ما نبه عليه، مع وقوع الشك فيه، كما ذكرناه، الذي لا يوثق به، ولا حقيقة معه.
قال: وأما حديث الكلبي فمما لا تجوز الراوية عنه، ولا ذكره؛ لقوة ضعفه وكذبه، كما أشار إليه البزار رحمه الله.
والذي منه في الصحيح أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قرأ: والنجم - وهو بمكة - فسجد معه المسلمون والمشركون والجن والإنس». اهـ

وقال الحافظ ابن كثير في تفسيره (3/ 239): «قد ذكر كثير من المفسرين قصة الغرانيق، وما كان من رجوع كثير من المهاجرة إلى أرض الحبشة، ظناً منهم أن مشركي قريش قد أسلموا، ولكنها من طرق كلها مرسلة، ولم أرها مسندة من وجه صحيح، والله أعلم». اهـ

وأما الحافظ ابن حجر فيرى ثبوت القصة لكثرة طرقها، لكنه مع ذلك يوجب تأويلها، وعدم حملها على ظاهرها؛ لما فيها من القدح بعصمة النبي - صلى الله عليه وسلم -.

قال الحافظ ابن حجر في الفتح (8/ 293) - بعد أن ساق بعضاً من روايات القصة وطرقها -: «وكلها سوى طريق سعيد بن جبير إما ضعيف وإلا منقطع، لكن كثرة الطرق تدل على أن للقصة أصلاً، مع أن لها طريقين آخرين مرسلين، رجالهما على شرط الصحيحين، أحدهما: ما أخرجه الطبري من طريق يونس بن يزيد، عن ابن شهاب، حدثني أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام .... ، فذكره. والثاني: ما أخرجه أيضاً من طريق المعتمر بن سليمان، وحماد بن سلمة، فرقهما عن داود بن أبي هند، عن أبي العالية.
قال: وقد تجرأ أبو بكر بن العربي كعادته فقال: ذكر الطبري في ذلك روايات كثيرة باطلة لا أصل لها. وهو إطلاق مردود عليه، وكذا قول عياض: .... ، ثم ساق كلامه وقال: وجميع ذلك لا يتمشى على القواعد، فإن الطرق إذا كثرت وتباينت مخارجها دل ذلك على أن لها أصلاً، وقد ذكرتُ أن ثلاثة أسانيد منها على شرط الصحيح، وهي مراسيل يحتج بمثلها من يحتج بالمرسل، وكذا من لا يحتج به؛ لاعتضاد بعضها ببعض، وإذا تقرر ذلك تعين تأويل ما وقع فيها مما يستنكر، وهو قوله: «ألقى الشيطان على لسانه (تلك الغرانيق العلى، وإن شفاعتهن لترتجى)» فإن ذلك لا يجوز حمله على ظاهره؛ لأنه يستحيل عليه - صلى الله عليه وسلم - أن يزيد في القرآن عمداً ما ليس منه، وكذا سهواً إذا كان مغايراً لما جاء به من التوحيد؛ لمكان عصمته، وقد سلك العلماء في ذلك مسالك .... ». اهـ. ثم ذكر هذه المسالك، وسيأتي ذكرها في أصل المسألة عند ذكر مذاهب العلماء تجاه الإشكال الوارد في الحديث.

الخلاصة:

وبعد هذا الاستطراد في تخريج الحديث يحسن بنا تلخيصه في النقاط الآتية:
أولاً: طُرق الحديث:

1 - رُوي مسنداً عن ابن عباس رضي الله عنهما، من عدة طرق، ولا يصح منها شيء.
2 - رُوي عن سعيد بن جبير، مرسلاً، وموصولاً إلى ابن عباس، ولا يصح إلا المرسل فقط.
3 - رُوي مرسلاً عن أربعة عشر تابعياً، ولا يصح إلا رواية سعيد بن جبير، وأبي العالية، وأبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث، وقتادة؛ وهي وإن صحت إليهم فإن ذلك لا يعني قبولها؛ لأنها مراسيل، والمُرسَل في عداد الحديث الضعيف.

ثانياً: ألفاظ الحديث:
رُوي بثلاثة ألفاظ:
الأول: أن الشيطان ألقى على لسان النبي - صلى الله عليه وسلم - قوله: «تلك الغرانيق العلى ... ».
جاء ذلك في رواية ابن عباس، من طريق سعيد بن جبير، عنه.
ومن طريق الكلبي، وسليمان التيمي، وأبي بكر الهذلي، وأيوب، عنه.
ورُوي هذا اللفظ عن: سعيد بن جبير، وأبي العالية، ومحمد بن كعب القرضي، ومجاهد، وعكرمة، والسدي، ومحمد بن فضالة الظفري، والمطلب بن عبد الله بن حنطب.

اللفظ الثاني: أن الشيطان هو الذي تكلم بتلك الكلمات.
جاء ذلك في رواية ابن عباس، من طريق العوفي، عنه.
ورُوي هذا اللفظ عن: ابن شهاب الزهري، وعروة بن الزبير، ومحمد بن كعب القرضي ـ في رواية أخرى عنه ـ ومحمد بن قيس، والضحاك، وقتادة.

اللفظ الثالث: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سها فقال تلك الكلمات.
جاء ذلك في رواية أبي بكر بن عبد الرحمن.

Moustafa
04.02.2012, 08:13
المبحث الثالث: بيان وجه الإشكال في الحديث:

ظاهر الحديث الوارد في سبب نزول الآية أنَّ الشيطان ألقى على لسان النبي - صلى الله عليه وسلم - تلك الجملة الباطلة التي تمدح أصنام المشركين، وهي قوله: "تلك الغرانيق العلى، وإن شفاعتهن لترتجى" وهذا مشكل ؛ لما فيه من القدح بعصمة النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ إذ قد أجمعت الأمة [1] على عصمته - صلى الله عليه وسلم - من جريان الكفر على قلبه أو لسانه، لا عمداً ولا سهواً، أو أن يَشْتَبِهَ عليه ما يُلقِيهِ الملَكُ بما يلقي الشيطان، أو أن يكون للشيطان عليه سبيل، أو أن يَتَقَوَّلَ على الله ما لم يَقُلْ، لا عمداً ولا سهواً. [2]

قال الآلوسي: «يلزم على القول بأنَّ الناطق بذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - بسبب إلقاء الشيطان المُلَبّسِ بالملك - أمور منها: تسلط الشيطان عليه - صلى الله عليه وسلم -، وهو - صلى الله عليه وسلم - بالإجماع معصوم من الشيطان، لا سيما في مثل هذا من أمور الوحي والتبليغ والاعتقاد، وقد قال سبحانه: {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ}[الحجر: 42] وقال تعالى: {إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ}[النحل: 99] إلى غير ذلك. ومنها: زيادته - صلى الله عليه وسلم - في القرآن ما ليس منه، وذلك مما يستحيل عليه - صلى الله عليه وسلم -؛ لمكان العصمة. ومنها: اعتقاد النبي - صلى الله عليه وسلم - ما ليس بقرآن أنه قرآن، مع كونه بعيد الالتئام، متناقضاً، ممتزج المدح بالذم، وهو خطأ شنيع لا ينبغي أن يُتساهل في نسبته إليه - صلى الله عليه وسلم -. ومنها: أنه إما أن يكون عليه الصلاة والسلام عند نطقه بذلك معتقداً ما اعتقده المشركون، من مدح آلهتهم بتلك الكلمات؛ وهو كفر محال في حقه - صلى الله عليه وسلم -، وإما أن يكون معتقداً معنى آخر، مخالفاً لما اعتقدوه، ومبايناً لظاهر العبارة، ولم يبينه لهم مع فرحهم وادعائهم أنه مدح آلهتهم؛ فيكون مقراً لهم على الباطل، وحاشاه - صلى الله عليه وسلم - أن يُقرَّ على ذلك. ومنها: كونه - صلى الله عليه وسلم - اشتبه عليه ما يلقيه الشيطان بما يلقيه عليه الملك، وهو يقتضي أنه عليه الصلاة والسلام على غير بصيرة فيما يوحى إليه، ويقتضي أيضاً جواز تَصَوّر الشيطان بصورة الملك، ملبساً على النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا يصح ذلك.
ومنها: التقوّل على الله تعالى إما عمداً أو خطأ أو سهواً، وكل ذلك محال في حقه عليه الصلاة والسلام، وقد أجمعت الأمة على ما قال القاضي عياض على عصمته - صلى الله عليه وسلم - فيما كان طريقه البلاغ من الأقوال، عن الإخبار بخلاف الواقع، لا قصداً ولا سهواً. ومنها: الإخلال بالوثوق بالقرآن فلا يُؤمن فيه التبديل والتغيير ولا يندفع».[3]

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1]حكى الإجماع القاضي عياض في الشفا (2/ 80).
[2]انظر حكاية الإشكال في الكتب الآتية: الشفا بتعريف حقوق المصطفى - صلى الله عليه وسلم -، للقاضي عياض (2/ 80)، ولباب التأويل في معاني التنزيل، للخازن (3/ 261)، وعصمة الأنبياء، للرازي، ص (83)، ونصب المجانيق لنسف قصة الغرانيق، للألباني، ص (35 - 36).
[3]روح المعاني (17/ 230 - 231).

Moustafa
04.02.2012, 09:06
المبحث الرابع: مسالك العلماء في دفع الإشكال الوارد في الحديث:
للعلماء في دفع الإشكال الوارد في الحديث أربعة مسالك، نجملها أولاً ثم نتكلم عنها بالتفصيل:

الأول: مسلك رد الحديث وإنكاره، مع توجيهه على التسليم بثبوته.
الثاني: مسلك رد الحديث وإنكاره مطلقاً.
الثالث: مسلك قبول الحديث، مع تأويله وصرفه عن ظاهره.
الرابع: مسلك قبول الحديث مطلقاً، وإعماله على ظاهره من دون تأويل.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

وفيما يلي تفصيل هذه المسالك:

الأول: مسلك رد الحديث وإنكاره، مع توجيهه على التسليم بثبوته.
وهذا مسلك جمع من المفسرين والمحدثين، وممن ذهب إليه: النحاس، وأبو بكر الباقلاني، وابن العربي، والقاضي عياض، وابن الجوزي، وأبو عبد الله القرطبي، وابن كثير، والتفتازاني، والشوكاني، والطاهر ابن عاشور، والشنقيطي، والألباني.

حيث ذهب هؤلاء إلى تضعيف الحديث الوارد في سبب نزول الآية، والإجابة عنه على التسليم بثبوته.

قال القاضي عياض: «اعلم ـ أكرمك الله ـ أنَّ لنا في الكلام على مشكل هذا الحديث مأخذين: أحدهما: في توهين أصله، والثاني: على تسليمه؛ أما المأخذ الأول .... »، ثم ذكر هذا المأخذ مبيناً فيه علل الحديث، وقد نقلتُ لك كلامه عند تخريجي للحديث.
ثم قال: «فأما من جهة المعنى؛ فقد قامت الحجة، وأجمعت الأمة على عصمته - صلى الله عليه وسلم - ونزاهته عن مثل هذه الرذيلة، إما من تمنيه أن ينزل عليه مثل هذا، من مدح آلهةٍ غير الله، وهو كفر، أو أن يَتَسَوَّرَ عليه الشيطان، ويشبِّهَ عليه القرآن حتى يجعل فيه ما ليس منه، ويعتقد النبي - صلى الله عليه وسلم - أنَّ من القرآن ما ليس منه، حتى ينبهه جبريل عليه السلام، وذلك كله ممتنع في حقه - صلى الله عليه وسلم -، أو يقول ذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - من قِبَلِ نفسه عمداً؛ وذلك كفر، أو سهواً؛ وهو معصوم من هذا كله. وقد قررنا بالبراهين والإجماع عصمته - صلى الله عليه وسلم - من جريان الكفر على قلبه أو لسانه، لا عمداً ولا سهواً، أو أن يشتبه عليه ما يلقيه الملك بما يلقي الشيطان، أو يكون للشيطان عليه سبيل، أو أن يتقوَّلَ على الله، لا عمداً ولا سهواً، ما لم يُنْزلْ عليه، وقد قال الله تعالى: {وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ (44) لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ (45) ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ (46)} [الحاقة: 44 - 46]، وقال تعالى: {وَإِن كَادُواْ لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذًا لاَّتَّخَذُوكَ خَلِيلاً (73) وَلَوْلاَ أَن ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلاً (74) إِذاً لَّأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لاَ تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيرًا (75)} [الإسراء: 73ـ75] .... ».
ثم قال: «فلم يبق في الآية إلا أنَّ الله تعالى امتنَّ على رسوله بعصمته وتثبيته مما كاده به الكفار، وراموا من فتنته، ومرادنا من ذلك تنزيهه وعصمته - صلى الله عليه وسلم -، وهو مفهوم الآية». اهـ [1]

أجوبة أصحاب هذا المسلك عن الحديث على التسليم بثبوته:

أصحاب هذا المسلك ينكرون ثبوت القصة مطلقاً؛ إلا أنهم أجابوا عنها بأجوبة، وذلك على التسليم بصحتها، ومن أجوبتهم:

الجواب الأول: أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يرتل القرآن بمحضر من مشركي قريش، فارتصده الشيطان في سكتة من سكتاته، فنطق بتلك الكلمات محاكياً نغمة النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ فسمعها من دنا إليه من المشركين، وظنها من قراءة النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ فأشاعوها وتناقلوها على أنها من قوله - صلى الله عليه وسلم -.
وممن قال بهذا الجواب:
ابن العربي، والقاضي عياض، وابن الجوزي، وأبو عبد الله القرطبي، وابن كثير، والتفتازاني، والشوكاني، والشنقيطي، والألباني. [2]
قال ابن العربي: «أخبر الله تعالى أنَّ من سنته في رسله وسيرته في أنبيائه أنهم إذا قالوا عن الله قولاً زاد الشيطان فيه من قِبَلِ نفسه؛ كما يفعل سائر المعاصي .... ، فهذا نص في أنَّ الشيطان زاد في الذي قاله النبي - صلى الله عليه وسلم -، لا أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - قاله. وذلك أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا قرأ تلا قرآناً مقطعاً، وسكت في مقاطع الآي سكوتاً محصلاً، وكذلك كان حديثه مترسلاً متأنياً، فيتبع الشيطان تلك السكتات التي بين قوله: {وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى (20)} [النجم: 20]، وبين قوله تعالى: {أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنثَى (21)} [النجم: 21] فقال يحاكي صوت النبي - صلى الله عليه وسلم -: "وإنهن الغرانقة العلى، وإن شفاعتهن لترتجى"». اهـ [3]
وقال القاضي عياض: «والذي يظهر ويترجح في تأويله ـ على تسليمه ـ أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - كان ـ كما أمره ربه ـ يرتل القرآن ترتيلاً، ويفصِّلُ الآي تفصيلاً في قراءته، كما رواه الثقات عنه، فيمكن ترصُد الشيطان لتلك السكتات، ودسِّه فيها ما اختلقه من تلك الكلمات، محاكياً نغمة النبي - صلى الله عليه وسلم -، بحيث يسمعه من دنا إليه من الكفار، فظنوها من قول النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأشاعوها، ولم يقدح ذلك عند المسلمين بحفظ السورة قبل ذلك على ما أنزلها الله، وتحققهم من حال النبي - صلى الله عليه وسلم - في ذم الأوثان وعيبها على ما عُرِفَ منه». اهـ [4]

وتعقب هذا الجواب الفخر الرازي فقال: «وهذا ضعيف؛ فإنك إذا جوزت أن يتكلم الشيطان في أثناء كلام الرسول - صلى الله عليه وسلم - بما يشتبه على كل السامعين كونه كلاماً للرسول - صلى الله عليه وسلم -، بقي هذا الاحتمال في كل ما يتكلم به الرسول - صلى الله عليه وسلم -، فيفضي إلى ارتفاع الوثوق عن كل الشرع». اهـ [5]

الجواب الثاني: أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - قال ذلك ـ في أثناء تلاوته ـ على جهة التقريع والتوبيخ للكفار. وهذا جواب أبي بكر الباقلاني. [6]
قال القاضي عياض: «وهذا ممكن، مع بيان الفصلِ، وقرينةٍ تدل على المراد، وأنه ليس من المتلوِ، ولا يُعترضُ على هذا بما رُوي أنه كان في الصلاة؛ فقد كان الكلام قبلُ فيها غير ممنوع». اهـ [7]

الجواب الثالث: أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - لما قرأ هذه السورة، وبلغ ذكر اللات والعزى، ومناة الثالثة الأخرى، خاف الكفارُ أن يأتي بشيء من ذمِّها؛ فسبقوا إلى مدحها بتلك الكلمتين؛ ليُخَلِّطوا في تلاوة النبي - صلى الله عليه وسلم -، ويشنِّعوا عليه على عادتهم وقولهم: {لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ} [فصلت: 26] ونُسِبَ هذا الفعل إلى الشيطان لحمله لهم عليه.
وهذا جواب الطاهر ابن عاشور. [8]
وذكره القاضي عياض، والفخر الرازي، ولم ينسباه لأحد. [9]
إلا أنَّ الفخر الرازي تعقبه فقال: «هذا ضعيف لوجهين: أحدهما: أنه لو كان كذلك لكان يجب على الرسول - صلى الله عليه وسلم - إزالة الشبهة، وتصريح الحق، وتبكيت ذلك القائل، وإظهار أنَّ هذه الكلمة منه صدرت. وثانيهما: لو فعل ذلك لكان ذلك أولى بالنقل». اهـ [10]

الجواب الرابع: أنَّ المراد بالغرانيق العلى: الملائكة [11] وكان الكفار يقولون: الملائكة بنات الله، ويعبدونها، فَسِيقَ ذِكْرُ الكلِّ لِيَرُدَّ عليهم بقوله: {أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنثَى (21)}؛ فلما سمعه المشركون حملوه على الجميع، وقالوا: قد عظَّم آلهتنا، ورضوا بذلك، فنسخ الله تلك الكلمتين وأحكم آياته.
وهذا جواب أبي جعفر النحاس. [12]
وذكره القاضي عياض جواباً آخر، على تسليم القصة. [13]
وتعقبه القشيري [14] فقال: «وهذا غير سديد؛ لقوله: {فَيَنسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ} أي يبطله، وشفاعة الملائكة غير باطلة». اهـ [15]

الجواب الخامس: أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يتكلم بقوله: "تلك الغرانيق العلى"، ولا الشيطان تكلم به، ولا أحد تكلم به، لكنه عليه السلام لما قرأ سورة النجم اشتبه الأمر على الكفار فحسبوا بعض ألفاظه مما رووه من قولهم: "تلك الغرانيق العلى" وذلك على حسب ما جرت العادة به من توهم بعض الكلمات على غير ما يقال.
ذكر هذا الجواب الفخر الرازي وتعقبه فقال: «وهو ضعيف لوجوه: أحدها: أنَّ التوهم في مثل ذلك إنما يصح فيما قد جرت العادة بسماعه، فأما غير المسموع فلا يقع ذلك فيه. وثانيها: أنه لو كان كذلك لوقع هذا التوهم لبعض السامعين دون البعض؛ فإن العادة مانعة من اتفاق الجم العظيم في الساعة الواحدة على خيال واحد فاسد في المحسوسات. وثالثها: لو كان كذلك لم يكن مضافاً إلى الشيطان». اهـ [16]

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


الثاني: مسلك رد الحديث وإنكاره مطلقاً.

وهذا مسلك الأكثر من المفسرين والمحدثين، وممن ذهب إليه: ابن خزيمة، والجصاص، وابن حزم، والبيهقي، والقاضي ابن عطية، والسهيلي، والفخر الرازي، وأبو العباس القرطبي، وعبد العظيم المنذري، والبيضاوي، والطيبي، وأبو حيان، والعيني، وأبو السعود، والآلوسي، والقاسمي، والمباركفوري، وسيد قطب، والأستاذ محمد عبده، وابن باز. [17]
قال ابن خزيمة: «هذه القصة من وضع الزنادقة». [18]
وقال ابن حزم: «وأما الحديث الذي فيه: (وأنهن الغرانيق العلى، وإن شفاعتها لترتجى) فكذب بحت موضوع؛ لأنه لم يصح قط من طريق النقل، ولا معنى للاشتغال به، إذ وضع الكذب لا يعجز عنه أحد». اهـ [19]
وقال البيهقي: «هذه القصة غير ثابتة من جهة النقل». [20]
وقال ابن عطية: «وهذا الحديث الذي فيه (هن الغرانقة) وقع في كتب التفسير ونحوها، ولم يدخله البخاري ولا مسلم، ولا ذكره في علمي مصنف مشهور، بل يقتضي مذهب أهل الحديث أنَّ الشيطان ألقى، ولا يعينون هذا السبب ولا غيره، ولا خلاف أنَّ إلقاء الشيطان إنما هو لألفاظ مسموعة بها وقعت الفتنة». اهـ [21]

أدلة القائلين بضعف الحديث وبطلانه، وهم أصحاب المسلك الأول والثاني:
استدل هؤلاء على بطلان القصة بأدلة منها:

الأول: أنَّ في سياق آيات النجم التي تخللها إلقاء الشيطان المزعوم قرينة قرآنية واضحة على بطلان هذا القول؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قرأ بعد موضع الإلقاء المزعوم بقليل قوله تعالى - في اللات والعزى -: {إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاء سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَاؤُكُم مَّا أَنزَلَ اللَّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ} [النجم: 23] وليس من المعقول أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - يسب آلهتهم هذا السب العظيم في سورة النجم متأخراً عن ذكره لها بالخير المزعوم، إلا وغضبوا ولم يسجدوا؛ لأن العبرة بالكلام الأخير. [22]

الدليل الثاني: أنه قد دلت آيات قرآنية على بطلان هذا القول وهي الآيات الدالة على أنَّ الله لم يجعل للشيطان سلطاناً على النبي - صلى الله عليه وسلم - وإخوانه من الرسل وأتباعهم المخلصين؛ كقوله تعالى: {إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (99) إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُم بِهِ مُشْرِكُونَ (100)} [النحل: 99 - 100]، وقوله تعالى: {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلاَّ مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ (42)} [الحجر: 42]، وقوله تعالى: {وَمَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِم مِّن سُلْطَانٍ} [سبأ: 21]، وقوله: {وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي} [إبراهيم: 22]، وعلى القول المزعوم أنَّ الشيطان ألقى على لسانه - صلى الله عليه وسلم - ذلك الكفر البواح، فأي سلطان له أكبر من ذلك. [23]

الدليل الثالث: قوله تعالى في النبي - صلى الله عليه وسلم -: {وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى (4)} [النجم: 3 - 4]، وقوله: {هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَن تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ (221) تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ (222)} [الشعراء: 221 - 222]، وقوله: {وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ (44) لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ (45) ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ (46)} [الحاقة: 44 - 46]، وقوله - في القرآن العظيم -: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (9)} [الحجر: 9]، وقوله تعالى: {وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ (41) لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ (42)} [فصلت: 41 - 42]، فقوله: {لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ} فعلٌ في سياق النفي، والفعل في ساق النفي من صيغ العموم، وهو في الآية يعم نفي كل باطل يأتي القرآن، وقد أكد هذا العموم بقوله: {مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ}، فلو قدَّرْنا أنَّ الشيطان أدخل في القرآن على لسان النبي - صلى الله عليه وسلم - قوله: "تلك الغرانيق العلى" لكان قد أتى القرآنَ أعظمُ باطلٍ بين يديه ومن خلفه؛ فيكون تصريحاً بتكذيب الله جل وعلا في قوله: {لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ}، وكلُّ خبرٍ ناقضَ القرآنَ العظيم فهو كاذب؛ للقطع بصدق القرآن العظيم، ونقيضُ الصادقِ كاذبٌ ضرورة. [24]

الدليل الرابع: قوله تعالى: {وَإِن كَادُواْ لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذًا لاَّتَّخَذُوكَ خَلِيلاً (73) وَلَوْلاَ أَن ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلاً (74)} [الإسراء: 73 - 74]، وهاتان الآيتان تردان الخبر المروي في سبب نزول الآية؛ لأن الله تعالى ذكر أنهم كادوا يفتنونه حتى يفتري، وأنه لولا أن ثبته لكاد يركن إليهم؛ فمضمون هذا ومفهومه أنَّ الله تعالى عصمه من أن يفتري، وثبته حتى لم يركن إليهم قليلاً، فكيف كثيراً! وفي هذا الخبر الواهي أنه زاد على الركون والافتراء بمدح آلهتهم وأنه - صلى الله عليه وسلم - قال: افتريت على الله، وقلت ما لم يقل، وهذا ضد مفهوم الآية، وهو يدل على ضعف الحديث وبطلانه. [25]

الدليل الخامس: الإجماع على عصمته - صلى الله عليه وسلم - ونزاهته عن مثل هذه الرذيلة، إما من تمنيه أن ينزل عليه مثل هذا من مدح آلهة غير الله، وهو كفر، أو أن يتسور عليه الشيطان، ويشبه عليه القرآن، حتى يجعل فيه ما ليس منه، ويعتقد النبي - صلى الله عليه وسلم - أنَّ من القرآن ما ليس منه حتى ينبهه جبريل عليه السلام، وذلك كله ممتنع في حقه - صلى الله عليه وسلم -، أو يقول ذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - من قبل نفسه عمداً، وذلك كفر، أو سهواً، وهو معصوم من هذا كله. [26]

الدليل السادس: أنَّ الحديث قد رُوي من طرق صحيحة متعددة: «أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَرَأَ سُورَةَ النَّجْمِ فَسَجَدَ بِهَا، وَسَجَدَ مَعَهُ الْمُسْلِمُونَ وَالْمُشْرِكُونَ وَالْجِنُّ وَالْإِنْسُ». [27]
وليس في هذه الطرق ذكر لقصة الغرانيق، ولو كانت صحيحة لنقلت عبر هذه الأسانيد، وهذا يدل على بطلانها ووضعها. [28]

الدليل السابع: أنَّ إثبات مثل هذه القصة يرفع الأمان والوثوق بالوحي، ويُجوِّزُ إدخال الشيطان فيه ما ليس منه، وهذا محال وباطل. [29]

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


الثالث: مسلك قبول الحديث، مع تأويله وصرفه عن ظاهره.

وهذا مذهب: الواحدي، وأبي المظفر السمعاني، والزمخشري، والنسفي، وشيخ الإسلام ابن تيمية، وابن جزي الكلبي، والحافظ ابن حجر، والملا علي القاري.
وممن ذهب إليه من المتأخرين: إبراهيم الكوراني [30] ، وقد نقل كلامه الآلوسي في تفسيره، وذكر عنه أنه تحصل له بعد كلام طويل: «أنَّ الحديث أخرجه غير واحد من أهل الصحة، وأنه رواه ثقات بسند سليم متصل عن ابن عباس، وبثلاث أسانيد صحيحة عن ثلاث من التابعين من أئمة الآخذين عن الصحابة، وهم سعيد بن جبير، وأبو بكر بن عبد الرحمن، وأبو العالية، وقد قال السيوطي في (لباب النقول في أسباب النزول) [31]: قال الحاكم (في علوم الحديث) [32]: «إذا أخبر الصحابي الذي شهد الوحي والتنزيل عن آية من القرآن أنها نزلت في كذا فإنه حديث مسند. ومشى عليه ابن الصلاح وغيره.
ثم قال: ما جعلناه من قبيل المسند من الصحابي إذا وقع من تابعي فهو مرفوع أيضاً لكنه مرسل، فقد يُقبل إذا صح السند إليه وكان من أئمة التفسير الآخذين عن الصحابة؛ كمجاهد، وعكرمة، وسعيد بن جبير، أو اعتضد بمرسل ونحو ذلك، فعلى هذا يكون الخبر في القصة مسنداً من الطريق المتصلة بابن عباس، مرسلاً مرفوعاً من الطرق الثلاثة، والزيادة فيه -التي رواها الثقات عن ابن عباس في غير رواية البخاري [33] - ليست مخالفة لما في البخاري عنه؛ فلا تكون شاذة؛ فإطلاق الطعن فيه من حيث النقل ليس في محله». اهـ [34]

هذا وقد ذكر أصحاب هذا المسلك عدة تأويلات للحديث دفعوا بها ما فيه من إشكال:

الأول: أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يرتل القرآن بمحضر من مشركي قريش، فارتصده الشيطان في سكتة من سكتاته، فنطق بتلك الكلمات محاكياً نغمة النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ فسمعها من دنا إليه من المشركين، وظنها من قراءة النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ فأشاعوها وتناقلوها على أنها من قوله - صلى الله عليه وسلم -.
وهذا التأويل ذكره أصحاب المسلك الأول في أجوبتهم عن الحديث على التسليم بثبوته، وقد تقدم.
وذكره أيضاً بعض أصحاب هذا المسلك، وهم القائلون بثبوت الحديث، ومن القائلين بهذا التأويل:
أبو المظفر السمعاني، والنسفي، وشيخ الإسلام ابن تيمية[35] وابن جزي، والحافظ ابن حجر، والملا علي القاري. [36]

قال شيخ الإسلام ابن تيمية: «التَّمَنِّي فِي الْآيَةِ فِيهِ قَوْلَانِ: الْأَوَّلُ: أَنَّ الْإِلْقَاءَ هُوَ فِي سَمْعِ الْمُسْتَمِعِينَ وَلَمْ يَتَكَلَّمْ بِهِ الرَّسُولُ. وَهَذَا قَوْلُ مَنْ تَأَوَّلَ الْآيَةَ بِمَنْعِ جَوَازِ الْإِلْقَاءِ فِي كَلَامِهِ. والثَّانِي - وَهُوَ الَّذِي عَلَيْهِ عَامَّةُ السَّلَفِ وَمَنْ اتَّبَعَهُمْ -: أَنَّ الْإِلْقَاءَ فِي نَفْسِ التِّلَاوَةِ، كَمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ الْآيَةُ وَسِيَاقُهَا مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ، وكَمَا وَرَدَتْ بِهِ الْآثَارُ الْمُتَعَدِّدَةُ، وَلَا مَحْذُورَ فِي ذَلِكَ، إلَّا إذَا أُقِرَّ عَلَيْهِ، فَأَمَّا إذَا نَسَخَ اللَّهُ مَا أَلْقَى الشَّيْطَانُ وَأَحْكَمَ آيَاتِهِ فَلَا مَحْذُورَ فِي ذَلِكَ، وَلَيْسَ هُوَ خَطَأً وَغَلَطاً فِي تَبْلِيغِ الرِّسَالَةِ إلَّا إذَا أُقِرَّ عَلَيْهِ. وَلَا رَيْبَ أَنَّهُ مَعْصُومٌ فِي تَبْلِيغِ الرِّسَالَةِ أَنْ يُقَرَّ عَلَى خَطَأٍ، كَمَا قَالَ: «فَإِذَا حَدَّثْتُكُمْ عَنْ اللَّهِ بِشَيْءِ فَخُذُوا بِهِ فَإِنِّي لَنْ أَكْذِبَ عَلَى اللَّهِ» [37]، وَلَوْلَا ذَلِكَ لَمَا قَامَتْ الْحُجَّةُ بِهِ، فَإِنَّ كَوْنَهُ رَسُولَ اللَّهِ يَقْتَضِي أَنَّهُ صَادِقٌ فِيمَا يُخْبِرُ بِهِ عَنْ اللَّهِ، وَالصِّدْقُ يَتَضَمَّنُ نَفْيَ الْكَذِبِ وَنَفْيَ الْخَطَأِ فِيهِ. (فَلَوْ جَازَ عَلَيْهِ الْخَطَأُ فِيمَا يُخْبِرُ بِهِ عَنْ اللَّهِ وَأُقِرَّ عَلَيْهِ لَمْ يَكُنْ كُلمَا يُخْبِرُ بِهِ عَنْ اللَّهِ) [38].
وَاَلَّذِينَ مَنَعُوا أَنْ يَقَعَ الْإِلْقَاءُ فِي تَبْلِيغِهِ فَرُّوا مِنْ هَذَا وَقَصَدُوا خَيْرًا وَأَحْسَنُوا فِي ذَلِكَ; لَكِنْ يُقَالُ لَهُمْ: أَلْقَى ثُمَّ أَحْكَمَ فَلَا مَحْذُورَ فِي ذَلِكَ. فَإِنَّ هَذَا يُشْبِهُ النَّسْخَ لِمَنْ بَلَغَهُ الْأَمْرُ وَالنَّهْيُ مِنْ بَعْضِ الْوُجُوهِ فَإِنَّهُ إذًا مُوقِنٌ مُصَدِّقٌ بِرَفْعِ قَوْلٍ سَبَقَ لِسَانُهُ بِهِ لَيْسَ أَعْظَمَ مِنْ إخْبَارِهِ بِرَفْعِهِ». اهـ [39]

وقال الحافظ ابن حجر بعد أن قرر صحة الحديث: «وإذا تقرر ذلك تعين تأويل ما وقع فيها مما يستنكر، وهو قوله: «ألقى الشيطان على لسانه: (تلك الغرانيق العلى، وإن شفاعتهن لترتجى)»؛ فإن ذلك لا يجوز حمله على ظاهره؛ لأنه يستحيل عليه - صلى الله عليه وسلم - أن يزيد في القرآن عمداً ما ليس منه، وكذا سهواً، إذا كان مغايراً لما جاء به من التوحيد، لمكان عصمته، وقد سلك العلماء في ذلك مسالك .... ».
ثم ذكر هذه المسالك، وقد نقلها من كتاب الشفا، للقاضي عياض، ثم قال بعد أن أورد التوجيه المذكور: «قال: وهذا أحسن الوجوه، ويؤيده ما تقدم في صدر الكلام عن ابن عباس [40]:من تفسيره (تمنى) بـ: (تلا)». اهـ [41]

التأويل الثاني: أنَّ ذلك جرى على لسان النبي - صلى الله عليه وسلم - حين أصابته سِنَةٌ وهو لا يشعر، فلما علم بذلك أحكم الله آياته. ذكره القاضي عياض، ونسبه لقتادة، ومقاتل. [42] وهو الظاهر من كلام الواحدي. [43]
وتعقب هذا التأويل القاضي عياض فقال: «وهذا لا يصح، إذ لا يجوز على النبي - صلى الله عليه وسلم - مثله في حالة من أحواله، ولا يخلقه الله على لسانه، ولا يستولي الشيطان عليه في نوم ولا يقظة؛ لعصمته في هذا الباب من جميع العمد والسهو». اهـ [44]
وتعقبه أيضاً الفخر الرازي فقال: «وهذا ضعيف لوجوه: أحدها: أنه لو جاز هذا السهو لجاز في سائر المواضع، وحينئذ تزول الثقة عن الشرع. وثانيها: أنَّ الساهي لا يجوز أن يقع منه مثل هذه الألفاظ المطابقة لوزن السورة وطريقتها ومعناها، فإنا نعلم بالضرورة أنَّ واحداً لو أنشد قصيدة لما جاز أن يسهو حتى يتفق منه بيت شعر في وزنها ومعناها وطريقتها. وثالثها: هب أنه تكلم بذلك سهواً، فكيف لم ينتبه لذلك حين قرأها على جبريل عليه السلام، وذلك ظاهر». اهـ [45]

التأويل الثالث: أنَّ الشيطان ألجأ النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى أن قال ذلك بغير اختيار منه - صلى الله عليه وسلم -.
ذكره الحافظ ابن حجر دون نسبة.[46]
وتعقبه الفخر الرازي فقال: «وهذا فاسد لوجوه: أحدها: أنَّ الشيطان لو قَدِرَ على ذلك في حق النبي - صلى الله عليه وسلم - لكان اقتداره علينا أكثر، فوجب أن يزيل الشيطان الناس عن الدين، ولجاز في أكثر ما يتكلم به الواحد منا أن يكون ذلك بإجبار الشياطين. وثانيها: أنَّ الشيطان لو قدر على هذا الإجبار لارتفع الأمان عن الوحي لقيام هذا الاحتمال. وثالثها: أنه باطل بدلالة قوله تعالى حاكياً عن الشيطان: {وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلاَ تَلُومُونِي وَلُومُواْ أَنفُسَكُم} [إبراهيم: 22] وقال تعالى: {إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (99) إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُم بِهِ مُشْرِكُونَ (100)} [النحل: 99 - 100] وقال: (إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ (40)) [الحجر: 40] ولا شك أنه عليه السلام كان سيد المخلصين». اهـ [47]

التأويل الرابع: أنَّ ذلك جرى على لسان النبي - صلى الله عليه وسلم - على سبيل السهو والغلط.
جاء ذلك في رواية أبي بكر بن عبد الرحمن. [48]
وهو رأي الزمخشري، قال: «ولم يفطن له النبي - صلى الله عليه وسلم - حتى أدركته العصمة فتنبه عليه». اهـ [49]
وتعقبه القاضي عياض فقال: «وهذا السهو في القراءة إنما يصح فيما ليس طريقه تغيير المعاني، وتبديل الألفاظ، وزيادة ما ليس من القرآن، بل السهو عن إسقاط آية منه أو كلمة، ولكنه لا يُقرُّ على هذا السهو، بل يُنَبَّهُ عليه، ويُذَكَّرُ به للحين». اهـ [50]

التأويل الخامس: أنَّ ذلك جرى على لسان النبي - صلى الله عليه وسلم - حقيقة لكنه أراد بالغرانيق: الملائكة.
وهذا رأي عمر بن رسلان البلقيني [51]حيث قال: «التحقيق أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - تكلم بهذا اللفظ - يعني: (تلك الغرانيق العلى) بطوعه، وأنه آية من القرآن نُسِخَ تلاوتُها، قال: والمشار إليه بتلك الغرانيق: الملائكة، قال: وأتى العيني والحافظ بروايتين صحيحتين مرفوعتين على هذا القول الصحيح». اهـ
نقله عنه المباركفوري، وتعقبه فقال: «وكلامه هذا مردود عليه؛ فإنه لم يثبت برواية مرفوعة صحيحة أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - تكلم بهذا اللفظ بطوعه، وأنه آية من القرآن نسخ تلاوتها، وأما قوله: وأتى العيني والحافظ بروايتين صحيحتين مرفوعتين على هذا القول الصحيح. فخطأ فاحش ووهم قبيح؛ فإنه لم يأت العيني ولا الحافظ برواية مرفوعة صحيحة على هذا القول، فضلاً عن روايتين مرفوعتين صحيحتين». اهـ [52]

التأويل السادس: أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - نطق بذلك على فهم أنه استفهام إنكاري حُذِفَ منه الهمزة، أو نطق به وقصده حكاية قولهم.
قاله إبراهيم الكوراني. [53]

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


الرابع: مسلك قبول الحديث مطلقاً، وإعماله على ظاهره من دون تأويل.

وهذا مذهب ابن قتيبة، وابن بطال، ومرعي بن يوسف الكرمي، وعبد الرحمن السعدي. [54]
قال السعدي: «وهذه الآيات فيها بيان أنَّ للرسول - صلى الله عليه وسلم - أسوةً بإخوانه المرسلين، لما وقع منه عند قراءته - صلى الله عليه وسلم - (وَالنَّجْمِ) فلما بلغ: {أفرأيتم اللَّاتَ وَالْعُزَّى (19) وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى (20)}[النجم: 19 - 20] ألقى الشيطان في قراءته: (تلك الغرانيق العلى وإن شفاعتهن لترتجى)، فحصل بذلك للرسول - صلى الله عليه وسلم - حزن، وللناس فتنة، كما ذكر الله؛ فأنزل الله هذه الآيات».
قال: «وقد عصم الله الرسل بما يبلغون عن الله، وحفظ وحيه أن يشتبه أو يختلط بغيره، ولكن هذا إلقاء من الشيطان غير مستقر ولا مستمر، وإنما هو عارض يعرض ثم يزول، وللعوارض أحكام». اهـ [55]
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــ
[1] الشفا بتعريف حقوق المصطفى (2/ 79 - 81)، باختصار.
[2]انظر على الترتيب: أحكام القرآن، لابن العربي (3/ 306 - 307)، والشفا بتعريف حقوق المصطفى، للقاضي عياض (2/ 79 - 83)، وزاد المسير (322)، وكشف المشكل (1/ 274)، كلاهما لابن الجوزي، وتفسير القرطبي (12/ 56)، وتفسير ابن كثير (3/ 240)، وشرح المقاصد في علم الكلام، للتفتازاني (2/ 197)، وفتح القدير، للشوكاني (3/ 662)، وأضواء البيان، للشنقيطي (5/ 731) و (10/ 209)، ونصب المجانيق، للألباني، ص (63).
[3] أحكام القرآن، لابن العربي (3/ 306).
[4] الشفا بتعريف حقوق المصطفى (2/ 82).
[5] مفاتيح الغيب (23/ 46).
[6] الانتصار للقرآن (1/ 63).
[7] الشفا بتعريف حقوق المصطفى (2/ 82).
[8] التحرير والتنوير، لابن عاشور (17/ 305).
[9] انظر: الشفا بتعريف حقوق المصطفى، للقاضي عياض (2/ 83)، ومفاتيح الغيب، للرازي (23/ 46).
[10] مفاتيح الغيب، للرازي (23/ 46).
[11] روي عن مجاهد والكلبي تفسير الغرانيق بالملائكة. انظر: الشفا بتعريف حقوق المصطفى (2/ 82).
[12] إعراب القرآن، للنحاس (3/ 103).
[13] الشفا بتعريف حقوق المصطفى (2/ 82).
[14] هو: بكر بن محمد بن العلاء بن محمد بن زياد، أبو الفضل، القشيري، ويقال له: بكر بن العلاء: قاضٍ من علماء المالكية من أهل البصرة. انتقل إلى مصر قبل سنة 330 هـ وتوفي بها عن نيف وثمانين سنة. له كتب، منها (أحكام القرآن) و (الرد على المزني) و (الأشربة) و (أصول الفقه) ومسائل الخلاف) و (الرد على القدرية). قال القاضي عياض: ورأيت له كتاب (مآخذ الأصول) وكتاب (تنزيه الأنبياء عليهم السلام) وكتاب (ما في القرآن من دلائل النبوة). (ت: 344 هـ). انظر: الأعلام، للزركلي (2/ 69).
[15] نقله عنه القرطبي في تفسيره (12/ 57).
[16] مفاتيح الغيب (23/ 45).
[17] انظر على الترتيب: مفاتيح الغيب، للرازي (23/ 44)، وفيه النقل عن ابن خزيمة، وأحكام القرآن، للجصاص (3/ 322)، والفصل في الملل والأهواء والنحل، لابن حزم (2/ 311)، وشرح الطيبي على مشكاة المصابيح (3/ 4)، وفيه النقل عن البيهقي، والمحرر الوجيز، لابن عطية (4/ 129)، والروض الأنف، للسهيلي (2/ 154)، ومفاتيح الغيب، للرازي (23/ 44)، والمفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم، للقرطبي (2/ 198)، وعيون الأثر في فنون المغازي والشمائل والسير، لابن سيد الناس (1/ 141)، وفيه النقل عن المنذري، وتفسير البيضاوي (4/ 134)، وشرح الطيبي على مشكاة المصابيح (3/ 4)، وتفسير البحر المحيط، لأبي حيان (6/ 352)، وعمدة القاري، للعيني (7/ 100)، وتفسير أبي السعود (6/ 113)، وروح المعاني، للآلوسي (17/ 240)، ومحاسن التأويل، للقاسمي (7/ 255)، وتحفة الأحوذي، للمباركفوري (3/ 137)، وفي ظلال القرآن، لسيد قطب (4/ 2433)، ومحاسن التأويل، للقاسمي (7/ 261 - 269)، وفيه النقل عن محمد عبده، ومجموع فتاوى ومقالات متنوعة، لابن باز (8/ 301 - 302) و (24/ 282).
[18] نقله عنه الفخر الرازي في «مفاتيح الغيب» (23/ 44).
[19] الفصل في الملل والأهواء والنحل (2/ 311).
[20] نقله عنه الطيبي في شرح مشكاة المصابيح (3/ 4).
[21] المحرر الوجيز (4/ 129).
[22] انظر: أضواء البيان، للشنقيطي (5/ 729)، وروح المعاني، للآلوسي (17/ 236)، والتحرير والتنوير، لابن عاشور (17/ 304 - 305).
[23] انظر: أضواء البيان، للشنقيطي (5/ 729)، وروح المعاني، للآلوسي (17/ 230).
[24] انظر: مفاتيح الغيب، للرازي (23/ 44)، وفتح القدير، للشوكاني (3/ 661)، وأضواء البيان (5/ 729)، ورحلة الحج إلى بيت الله الحرام، ص (112 - 113)، كلاهما للشنقيطي.
[25] انظر: الشفا بتعريف حقوق المصطفى، للقاضي عياض (2/ 81)، ومفاتيح الغيب، للرازي (23/ 44)، وتفسير القرطبي (12/ 56)، وفتح القدير، للشوكاني (3/ 661).
[26] انظر: الشفا بتعريف حقوق المصطفى (2/ 80)، وأحكام القرآن، لابن العربي (3/ 304).
[27] رُويت عدة أحاديث عن عدد من الصحابة - رضي الله عنهم - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قرأ سورة النجم، وسجد بها، وليس في هذه الأحاديث ذكرٌ لقصة الغرانيق، ومن هذه الأحاديث:
1 - حديث عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه -: «أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَرَأَ سُورَةَ النَّجْم؛ ِ فَسَجَدَ بِهَا، فَمَا بَقِيَ أَحَدٌ مِنْ الْقَوْمِ إِلَّا سَجَدَ، فَأَخَذَ رَجُلٌ مِنْ الْقَوْمِ كَفًّا مِنْ حَصًى أَوْ تُرَابٍ فَرَفَعَهُ إِلَى وَجْهِهِ وَقَالَ: يَكْفِينِي هَذَا. قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: فَلَقَدْ رَأَيْتُهُ بَعْدُ قُتِلَ كَافِرًا». أخرجه البخاري في صحيحه، في كتاب الجمعة، حديث
(1070).
2 - حديث ابن عباس رضي الله عنهما: «أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - سَجَدَ بِالنَّجْمِ، وَسَجَدَ مَعَهُ الْمُسْلِمُونَ وَالْمُشْرِكُونَ وَالْجِنُّ وَالْإِنْسُ». أخرجه البخاري في صحيحه، في كتاب الجمعة، حديث (1071).
3 - حديث جَعْفَرِ بْنِ أَبِي وَدَاعَةَ السَّهْمِيِّ، عَنْ أَبِيهِ قَال: َ قَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بِمَكَّةَ سُورَةَ النَّجْم؛ ِ فَسَجَدَ وَسَجَدَ مَنْ عِنْدَهُ؛ فَرَفَعْتُ رَأْسِي وَأَبَيْتُ أَنْ أَسْجُدَ، وَلَمْ يَكُنْ أَسْلَمَ يَوْمَئِذٍ الْمُطَّلِبُ، وَكَانَ بَعْدُ لَا يَسْمَعُ أَحَدًا قَرَأَهَا إِلَّا سَجَدَ». أخرجه الإمام أحمد في مسنده (3/ 420)، وصحح إسناده الحافظ ابن حجر في الفتح (8/ 481).
4 - حديث ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَرَأَ بِالنَّجْمِ فَسَجَدَ وَسَجَدَ مَعَهُ الْمُسْلِمُونَ وَالْمُشْرِكُونَ حَتَّى سَجَدَ الرَّجُلُ عَلَى الرَّجُلِ، وَحَتَّى سَجَدَ الرَّجُلُ عَلَى شَيْءٍ رَفَعَهُ إلَى وَجْهِهِ بِكَفِّهِ». أخرجه الطحاوي في شرح معاني الآثار (1/ 353).
5 - حديث أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَرَأَ وَالنَّجْمِ فَسَجَدَ وَسَجَدَ مَعَهُ مَنْ حَضَرَهُ مِنْ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالشَّجَرِ». أخرجه الطحاوي في شرح معاني الآثار (1/ 353).
[28] انظر: مفاتيح الغيب، للرازي (23/ 44)، وروح المعاني، للآلوسي (17/ 237).
[29] انظر: مفاتيح الغيب، للرازي (23/ 45)، وأحكام القرآن، لابن العربي (3/ 304).
[30] هو إبراهيم بن حسن بن شهاب الدين الشهراني الشهرزوري الكوراني، برهان الدين: مجتهد، من فقهاء الشافعية. عالم بالحديث. قيل: إن كتبه تنيف عن ثمانين، منها (إتحاف الخلف بتحقيق مذهب السلف) و (جلاء الأنظار بتحرير الجبر والاختيار) مخطوطتان. وغيرهما. ولد بشهران (من أعمال شهرزور) بجبال الكرد، وسمع الحديث بالشام ومصر والحجاز، وسكن المدينة، وتوفي بها ودفن بالبقيع سنة (1101 هـ)، وكان مع علمه بالعربية يجيد الفارسية والتركية. انظر: الأعلام، للزركلي (1/ 35).
[31] انظر: لباب النقول في أسباب النزول، للسيوطي (1/ 13). طبعة دار إحياء العلوم.
[32] انظر: معرفة علوم الحديث، للحاكم (1/ 20).
[33] أخرج البخاري في صحيحه، في كتاب الجمعة، حديث (1071)، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: «أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - سَجَدَ بِالنَّجْمِ، وَسَجَدَ مَعَهُ الْمُسْلِمُونَ وَالْمُشْرِكُونَ وَالْجِنُّ وَالْإِنْسُ».
[34] روح المعاني، للآلوسي (17/ 231).
[35] جزم بنسبته لابن تيمية الألباني في نصب المجانيق، ص (63).
[36] انظر على الترتيب: تفسير السمعاني (3/ 449) و (5/ 294)، وتفسير النسفي (3/ 161)، ومجموع الفتاوى، لابن تيمية (10/ 289 - 292)، والتسهيل لعلوم التنزيل، لابن جزي (2/ 43)، وفتح الباري، لابن حجر (8/ 294)، ومرقاة المفاتيح، للملا علي القاري (3/ 97).
[37] أخرجه مسلم في صحيحه، في كتاب الفضائل، حديث (4356).
[38] هذه الجملة التي بين القوسين يظهر أن في آخرها سقطاً، ولم أهتدِ لتصويبه.
[39] مجموع الفتاوى (15/ 191)، وانظر: (10/ 289 - 292)، ومنهاج السنة النبوية (1/ 471)
و (2/ 409 - 410)، والجواب الصحيح (2/ 35).
[40] أخرجه البخاري في صحيحه، معلقاً، في كتاب التفسير، سورة الحج. ووصله الطبري في تفسيره (9/ 177)، ولفظه: «إذا حدّث ألقى الشيطان في حديثه».
قلت: هناك فرق في المعنى بين (تلا) و (حدّث)؛ فالتلاوة لا تكون إلا للقرآن وحده، بخلاف الحديث.
وقد روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه كان يقرأ: (وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي ولا مُحَدَّثٍ).
قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري (7/ 63): «أخرجه سفيان بن عيينة في أواخر جامعه، وأخرجه عبد بن حميد من طريقه، وإسناده إلى ابن عباس صحيح». اهـ وانظر: تغليق التعليق (4/ 65).
والْمُحَدَّث - بِالْفَتْحِ -: هُوَ الرَّجُل الصَّادِق الظَّنّ، وَهُوَ مَنْ أُلْقِيَ فِي رُوعه شَيْء مِنْ قِبَل الْمَلَأ الْأَعْلَى، فَيَكُون كَالَّذِي حَدَّثَهُ غَيْره بِهِ. وَقِيلَ: مَنْ يَجْرِي الصَّوَاب عَلَى لِسَانه مِنْ غَيْر قَصْد. انظر: فتح الباري
(7/ 62).
[41] فتح الباري (8/ 294). قلت: وعبارة الحافظ هذه ليست صريحة في اعتماده لهذا التوجيه؛ لقوله: قال، وهذه توحي بأن القائل (وهذا من أحسن الوجوه) هو القاضي عياض؛ لأن الحافظ ابن حجر ينقل المسالك عنه، والقاضي عياض قد اعتمد فعلاً هذا المسلك، وقد رأيت بعض العلماء تتابعوا على نسبة هذا التوجيه للحافظ؛ كالمباركفوري والألباني وغيرهما، ولا أرى ذلك يصح؛ إلا أن يكون هناك نُسَخ أخرى لكتاب فتح الباري قد كُتبت فيها بلفظ (قلت)، ولا أظن ذلك يكون.
بقي أن الحافظ لا يرى أن قوله: (تلك الغرانيق .... ) قد جرى على لسان النبي - صلى الله عليه وسلم -، كما هو صريح من عبارته، ولم يبين لنا رأيه في توجيه هذه الرواية، وهو يرى صحتها وثبوتها!!!
[42] الشفا بتعريف حقوق المصطفى، للقاضي عياض (2/ 81).
[43] الوسيط في تفسير القرآن المجيد، للواحدي (3/ 277).
[44] الشفا بتعريف حقوق المصطفى (2/ 81).
[45] مفاتيح الغيب، للرازي (23/ 46).
[46] فتح الباري، لابن حجر (8/ 294).
[47] مفاتيح الغيب، للرازي (23/ 47)، وانظر: تفسير القرطبي (12/ 56).
[48] تقدم تخريجها في أول المسألة.
[49] الكشاف، للزمخشري (3/ 161).
[50] الشفا بتعريف حقوق المصطفى، للقاضي عياض (2/ 82).
[51] هو عمر بن رسلان بن نصير بن صالح الكناني، العسقلاني الأصل، ثم البلقيني، المصري الشافعي، أبو حفص، سراج الدين: مجتهد حافظ للحديث، ولد في بلقينة (من غربية مصر) وتعلم بالقاهرة. وولي قضاء الشام سنة 769 هـ، وتوفي بالقاهرة سنة (805هـ). من كتبه (العرف الشذي على جامع الترمذي)، لم يكمله. انظر: كشف الظنون، لحاجي خليفة (1/ 559)، والأعلام، للزركلي (5/ 46).
[52] تحفة الأحوذي، للمباركفوري (3/ 138).
[53] نقله عنه الآلوسي في روح المعاني (17/ 232).
[54] انظر على الترتيب: تأويل مختلف الحديث، لابن قتيبة، ص (169)، وشرح صحيح البخاري، لابن بطال (3/ 57)، وقلائد المرجان في بيان الناسخ والمنسوخ من القرآن، للكرمي، ص (131)، وتيسير الكريم الرحمن، للسعدي، ص (889).
[55] تيسير الكريم الرحمن، ص (888 - 889).

Moustafa
04.02.2012, 09:41
المبحث الخامس: الترجيح:

الحق أنَّ هذه القصة ضعيفة بل باطلة، لأنَّ كل الروايات الواردة فيها مُعَلَّةٌ؛ إما بالإرسال، أو الضعف، أو الجهالة، وليس فيها ما يصلح للاحتجاج به، لا سيّما في مثل هذا الأمر الخطير، الذي يمس مقام نبينا الكريم - صلى الله عليه وسلم -.[1]
والحق أنَّ الآية لا يصح في سبب نزولها شيء، وغاية ما في الآية الإخبار من الله تعالى أنَّ الشيطان يُلقي شيئاً ما عند [2] تلاوة نبي من الأنبياء، إلا أننا لا نستطيع الجزم بتعيين ذلك الشيء، ولا يَحِلُّ لنا تعيينه بناء على روايات ضعيفة لا يعتمد عليها؛ فإن ذلك من التفسير المذموم الذي حَذَّرَ منه النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -. [3]

والأقرب في معنى الآية: أنَّ الله تعالى يُذَكِّرُ نبيه بأنه ما أرسل من قبله من رسول ولا نبي إلا وحاله أنه إذا قرأ شيئاً من الآيات - على المعنى الذي أراد الله تعالى - ألقى الشيطان في قلوب أوليائه وأتباعه معنىً غير المعنى الذي أراد الله تعالى، من الشُّبَه والوساوس والمعاني الباطلة، فينسخ الله تلك الشُّبَه التي ألقاها الشيطان، بمعنى أنه يبطلها ويذهبها، ثم يحكم آياته فلا يبقى إلا الحق الذي أراده سبحانه، وهذا الإلقاء إنما هو من الشيطان، وهو على صورة إيحاء، وهو كائن في قلوب الذين كفروا، وليس هو إلقاء من الشيطان، في قراءة نبي من الأنبياء؛ بصوت مسموع، فهو لا يستطيع ذلك.

وقد قدَّر الله تعالى إيقاع هذه الإيحاءات من الشيطان، ابتلاءً منه وامتحاناً؛ ليجعل ذلك فتنة للذين في قلوبهم مرض والقاسية قلوبهم. [4]

قال الشنقيطى : «والمراد بالنسخ في الآية هو النسخ اللغوي، الذي هو بمعنى الإزالة والإبطال، لا النسخ الشرعي الذي هو: رفع حكم شرعي بخطاب جديد؛ لأن ما ألقاه الشيطان ليس بحكم، حتى يكون رفعه نسخاً شرعياً؛ بل هو باطل أبطله الله وأزاله». [5]

إذا علمت هذا فإن الآية تدل على أنَّ الله ينسخ شيئاً ألقاه الشيطان، ليس مما يقرؤه الرسول أو النبي، وأن ما يلقيه الشيطان: هي الشكوك والوساوس المانعة من تصديق القرآن وقبوله؛ كإلقائه عليهم أنه سحر أو شعر أو أساطير الأولين، وأنه مفترى على الله وليس منزل من عنده، والدليل على هذا المعنى: أنَّ الله بين أنَّ الحكمة - في الإلقاء المذكور - هي امتحان الخلق؛ لأنه قال: {لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِّلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ} [الحج: 53]، ثم قال: {وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ} [الحج: 54]، فقوله: {وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ} يدل على أنَّ الشيطان يلقي عليهم: أنَّ الذي يقرؤه النبي ليس بحق؛ فيصدقه الأشقياء، ويكون ذلك فتنة لهم، ويكذبه المؤمنون الذين أوتوا العلم، ويعلمون أنه الحق، لا الكذب، كما يزعم لهم الشيطان في إلقائه، فهذا الامتحان لا يناسب شيئاً زاده الشيطان من نفسه في القراءة. [6]

قال الألبانى : «هذا هو المعنى المراد من هذه الآية الكريمة، وهي كما ترى ليس فيها إلا أنَّ الشيطان يلقي عند تلاوة النبي - صلى الله عليه وسلم - ما يفتتن به الذين في قلوبهم مرض، ولكن أعداء الدين الذين قعدوا له في كل طريق، وترصدوا له كل مرصد، لا يرضيهم إلا أن يدسوا فيه ما ليس منه، ولم يقله رسوله، فذكروا ما لا يليق بمقام النبوة والرسالة وذلك دَيْدَنهم منذ القديم، كما فعلوا في غير ما آية وردت في غيره - صلى الله عليه وسلم - من الأنبياء، كداود، وسليمان، ويوسف عليهم الصلاة والسلام، فرووا في تفسيرها من الإسرائيليات ما لا يجوز نسبته إلى رجل مسلم فضلاً عن نبي مُكَرَّم، كما هو مبين في محله من كتب التفاسير والقصص». [7]

وهذا المعنى الذي قلناه في تفسير الآية يشهد له آيات من كتاب الله عز وجل؛ كقوله تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نِبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاء رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ (112) وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُواْ مَا هُم مُّقْتَرِفُونَ (113)} [الأنعام: 112 - 113]، وقوله تعالى: {وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَآئِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ} [الأنعام: 121].

وأما ما ذهب إليه الحافظ ابن حجر من تصحيح الحديث وقبوله، فهو اجتهاد منه رحمه الله، وقد خالفه جمع من العلماء المحققين، كما تقدم، وردَّ عليه آخرون وبيّنوا أنَّ الصواب هو ضعف الحديث وبطلانه، وأجود من ناقش هذه المسألة مع الحافظ ابن حجر هو الألباني في كتابه «نصب المجانيق»[8] وقد
آثرتُ أن أنقل كلامه بطوله؛ لجودته ونفاسته، ولكن بعد نقل كلام الحافظ بتمامه، حتى يلتئم الكلام بعضه مع بعض.

قال الحافظ ابن حجر - بعد أن ساق بعضاً من روايات الحديث -: «وكلها سوى طريق سعيد بن جبير إما ضعيف أو منقطع، لكن كثرة الطرق تدل على أنَّ للقصة أصلاً، مع أنَّ لها طريقين آخرين مرسلين، رجالهما على شرط الصحيحين، أحدهما: ما أخرجه الطبري من طريق يونس بن يزيد، عن ابن شهاب، حدثني أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام .... ، فذكره. والثاني: ما أخرجه أيضاً من طريق المعتمر بن سليمان، وحماد بن سلمة، فرقهما عن داود بن أبي هند، عن أبي العالية.
قال: وقد تجرأ أبو بكر بن العربي كعادته فقال: ذكر الطبري في ذلك روايات كثيرة باطلة لا أصل لها. وهو إطلاق مردود عليه، وكذا قول عياض: هذا الحديث لم يخرجه أحد من أهل الصحة، ولا رواه ثقة بسند سليم متصل، مع ضعف نقلته، واضطراب رواياته، وانقطاع إسناده. وكذا قوله: ومن حُمِلَتْ عنه هذه القصة من التابعين والمفسرين لم يسندها أحد منهم، ولا رفعها إلى صاحب، وأكثر الطرق عنهم في ذلك ضعيفة واهية. قال: وقد بين البزار أنه لا يُعرف من طريق يجوز ذكره؛ إلا طريق أبي بشر، عن سعيد بن جبير، مع الشك الذي وقع في وصله، وأما الكلبي فلا تجوز الرواية عنه؛ لقوة ضعفه. ثم رده من طريق النظر: بأن ذلك لو وقع لارتد كثير ممن أسلم. قال: ولم ينقل ذلك. انتهى.

قال الحافظ ابن حجر: وجميع ذلك لا يتمشى على القواعد؛ فإن الطرق إذا كثرت وتباينت مخارجها دل ذلك على أنَّ لها أصلاً، وقد ذكرتُ أنَّ ثلاثة أسانيد منها على شرط الصحيح، وهي مراسيل يحتج بمثلها من يحتج بالمرسل، وكذا من لا يحتج به؛ لاعتضاد بعضها ببعض ... ». اهـ [9]

مناقشة الألباني لابن حجر:
قال الألباني - بعد أن أورد كلام الحافظ السابق -: «والجواب عن ذلك من وجوه:

أولاً: أنَّ القاعدة التي أشار إليها، وهي تقوية الحديث بكثرة الطرق ليست على إطلاقها، وقد نبّه على ذلك غير واحد من علماء الحديث المحققين، منهم الحافظ أبو عمر بن الصلاح حيث قال رحمه الله في (مقدمة علوم الحديث): «لعل الباحث الفهم يقول: إنا نجد أحاديث محكوماً بضعفها، مع كونها قد رُويَت بأسانيد كثيرة من وجوه عديدة، مثل حديث: «الأذنان من الرأس» [10] ونحوه، فهلاّ جعلتم ذلك وأمثاله من نوع الحسن؛ لأن بعض ذلك عضد بعضاً كما قلتم في نوع الحسن على ما سبق آنفاً؟!
وجواب ذلك: أنه ليس كل ضعف في الحديث يزول بمجيئه من وجوه، بل ذلك يتفاوت، فمنه ما يزيله ذلك بأن يكون ضعفه ناشئاً من ضعف حفظ راويه، ولم يختلّ فيه ضبطه له، وكذلك إذا كان ضَعفه من حيث الإرسال زال بنحو ذلك، كما في المرسل الذي يرسله إمام حافظ، إذ فيه ضعف قليل يزول بروايته من وجه آخر، ومن ذلك ضعف لا يزول بنحو ذلك لقوة الضعف، وتقاعد هذا الجابر عن جبره ومقاومته، وذلك كالضعيف الذي ينشأ من كون الراوي متهماً بالكذب، أو كون الحديث شاذاً. وهذه جملة تفاصيلها تُدرَك بالمباشرة والبحث، فاعلم ذلك فإنه من النفائس العزيزة». [11]

قال الألباني: ولقد صدق رحمه الله تعالى، فإن الغَفْلَةَ عن هذه النفيسة قد أوقعت كثيراً من العلماء، لا سيّما المشتغلين منهم بالفقه في خطأ فاضح، ألا وهو تصحيح كثير من الأحاديث الضعيفة اغتراراً بكَثرة طُرقها، وذهولاً منهم عن كون ضعفها من النوع الذي لا ينجبر الحديث بضعفها، بل لا تزيده إلا وَهناً على وهن، ومن هذا القبيل حديث ابن عباس في هذه القصة، فإن طرقه كلها ضعيفة جداً كما تقدم، فلا يتقوى بها أصلاً.

لكن يبقى النظر في طرق الحديث الأخرى، هل يَتَقَوّى الحديث بها، أم لا؟
فاعلم أنها كلها مرسلة، وهي على إرسالها مُعَلَّةٌ بالضعف والجهالة، سوى الطرق الأربعة الأولى منها [12] ، فهي التي تستحق النظر؛ لأن الحافظ رحمه الله جعلها عمدته في تصحيحه هذه القصة، وتقويته لها بها، وهذا مما نخالفه فيه، ولا نوافقه عليه، وبيان ذلك يحتاج إلى مقدمة وجيزة مفيدة إن شاء الله تعالى، وهي:

الوجه الثاني: وهو يحتوي على تحقيق أمرين أساسيين:

الأول: أنَّ الحديث المُرسَل، ولو كان المُرسِل ثقة، لا يُحتج به عند أئمة الحديث، كما بيّنه ابن الصلاح في (علوم الحديث) وجزم هو به فقال: «ثم اعلم أنَّ حكم المُرسَل حكم الحديث الضعيف، إلا أن يصح مخرجه بمجيئه من وجه آخر كما سبق بيانه ... ، وما ذكرناه من سقوط الاحتجاج بالمرسل والحكم بضَعفه، هو المذهب الذي استقرَّ عليه آراء جماهير حفّاظ الحديث، ونقاد الأثر، وقد تداولوه في تصانيفهم». اهـ [13]

قال الألباني: الأمر الثاني: معرفة سبب عدم احتجاج المحدثين بالمُرسَل من الحديث، فاعلم أنَّ سبب ذلك إنما هو جَهالة الوساطة التي روى عنها المُرسِلُ الحديثَ، وقد بيّن ذلك الخطيب البغدادي في (الكفاية في علم الرواية) حيث قال - بعد أن حكى الخلاف بالعمل بالمرسل-: «والذي نختاره سقوط فرض العمل بالمراسيل، وأن المرسل غير مقبول، والذي يدل على ذلك: أنَّ إرسال الحديث يؤدي إلى الجهل بعين راويه، ويستحيل العلم بعدالته مع الجهل بعينه، وقد بيّنا من قبل أنه لا يجوز قبول الخبر إلا ممن عُرِفَتْ عدالته، فوجب كذلك كونه غير مقبول، وأيضاً فإن العدل لو سُئِلَ عمن أرسل عنه؟ فلم يُعدّله، لم يجب العمل بخبره، إذا لم يكن معروفَ العدالةِ من جهة غيره، وكذلك حاله إذا ابتدأ الإمساك عن ذكره وتعديله، لأنه مع الإمساك عن ذكره غير مُعدّل له، فوجب أن لا يُقبل الخبر عنه». اهـ [14]

وقال الحافظ ابن حجر في (شرح نخبة الفكر) - بعد أن ذكر الحديث المرسل في أنواع الحديث المردود: «وإنما ذكر في قسم المردود للجهل بحال المحذوف، لأنه يحتمل أن يكون صحابياً، ويحتمل أن يكون تابعياً، وعلى الثاني يحتمل أن يكون ضعيفاً، ويحتمل أن يكون ثقة، وعلى الثاني يحتمل أن يكون حُمل عن صحابي، ويحتمل أن يكون حمل عن تابعي آخر، وعلى الثاني فيعود الاحتمال السابق ويتعدد، أما بالتجويز العقلي، فإلى مالا نهاية، وأما بالاستقراء، فإلى ستة أو سبعة، وهو أكثر ما وُجِدَ من رواية بعض التابعين عن بعض، فإن عُرِفَ من عادة التابعي أنه لا يرسل إلا عن ثقة، فذهب جمهور المحدثين إلى التوقف، لبقاء الاحتمال، وهو أحد قولي أحمد، وثانيهما: يُقبلُ مطلقاً، وقال الشافعي رضي الله عنه: يُقبل إن اعتضد بمجيئه من وجه آخر يباين الطريق الأولى مسنداً كان أو مرسلاً؛ ليترجّح احتمال كون المحذوف ثقة في نفس الأمر». اهـ [15]

قال الألباني: فإذا عُرِفَ أنَّ الحديث المُرسَل لا يقبل، وأن السبب هو الجهل بحال المحذوف فيرد عليه أنَّ القول بأنه يقوى بمرسل آخر غير قوي لاحتمال أن يكون كل من أرسله إنما أخذه عن راوٍ واحد، وحينئذ ترد الاحتمالات الذي ذكرها الحافظ، وكأن الإمام الشافعي رحمه الله تعالى قد لاحظ ورود هذا الاحتمال وقوته، فاشترط في المرسل الآخر أن يكون مُرسِله أخذ العلم عن غير رجال التابعي الأول، كما حكاه ابن الصلاح [16] وكأن ذلك لَيغلب على الظن أنَّ المحذوف في أحد المرسَلين هو غيره في المرسَل الآخر.
وهذه فائدة دقيقة لم أجدها في غير كلام الشافعي رحمه الله، فاحفظها وراعِها فيما يمر بك من المرسَلات التي يذهب البعض إلى تقويتها لمجرد مجيئها من وجهين مرسَلين، دون أن يراعوا هذا الشرط المهم.

ثم رأيت شيخ الإسلام ابن تيمية قد نصّ أيضاً على هذا الشرط في كلام له مفيد في أصول التفسير، نقله عنه الحافظ محمد بن عبد الهادي [17] في كتاب له مخطوط في الأحاديث الضعيفة والموضوعة، حديث (405/ 221)، فقال ابن تيمية رحمة الله تعالى: «وأما أسباب النزول، فغالبها مرسل، ليس بمسند، لهذا قال الإمام أحمد: «ثلاث علوم لا إسناد لها. وفي لفظ: ليس لها أصل: التفسير، والمغازي، والملاحم». [18] يعني أنَّ أحاديثها مرسلة، ليست مسندة .. والمراسيل قد تنازع الناس في قَبولها وردها. وأصح الأقوال: أنَّ منها المقبول، ومنها المردود، ومنها الموقوف، فمن عُلم من حاله أنه لا يرسل إلا عن ثقة قُبل مُرسَلُه، ومن عُرف أنه يُرسِل عن الثقة وغير الثقة، كان إرساله رواية عمن لا يُعرف حاله، فهو موقوف. وما كان من المراسيل مخالفاً لما رواه الثقات، كان مردوداً، وإن جاء المرسَل من وجهين، كل من الراويين أخذ العلم عن غير شيوخ الآخر، فهذا يدل على صدقه فإن مثل ذلك لا يُتصور في العادة تماثل الخطأ فيه وتعمد الكذب ... ». اهـ

قال الألباني: ومع أنَّ التحقق من وجود هذا الشرط في كل مرسَل من هذا النوع، ليس بالأمر الهيِّن، فإنه لو تحققنا من وجوده، فقد يَردُ إشكال آخر، وهو أنه يحتمل أن يكون كل من الواسطتين أو أكثر ضعيفاً، وعليه يحتمل أن يكون ضعفهم من النوع الأول الذي ينجبر بمثله الحديث على ما سبق نقله عن ابن الصلاح، ويحتمل أن يكون من النوع الآخر الذي لا يقوى الحديث بكثرة طرقه، ومع ورود هذه الاحتمالات يسقط الاستدلال بالحديث المرسل وإن تعددت طرقه. وهذا التحقيق مما لم أجد مَن سبقني إليه، فإن أصبت فمن الله تعالى وله الشكر، وإن أخطأت فمن نفسي، وأستغفر الله من ذنبي.
وبالجملة فالمانع من الاستدلال بالحديث المرسل الذي تعدد مرسِلوه أحد الاحتمالين: الأول: أن يكون مصدر المرسلين واحداً.
الثاني: أن يكونوا جمعاً، ولكنهم جميعاً ضعفاء ضعفاً شديداً.

وبعد هذه المقدمة نستطيع أن نقول:

إننا لو ألقينا النظر على روايات هذه القصة، لألفيناها كلها مرسَلة، حاشا حديث ابن عباس، ولكن طرقه كلها واهية شديدة الضعف لا تنجبر بها تلك المراسيل، فيبقى النظر في هذه المراسيل، وهي كما علمت سبعة، صح إسناد أربعة منها، وهي مرسل سعيد بن جبير، وأبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث، وأبي العالية، ومرسل قتادة، وهي مراسيل يرد عليها أحد الاحتمالين السابقين، لأنهم من طبقة واحدة: فوفاة سعيد بن جبير سنة (95) وأبي بكر بن عبد الرحمن سنة (94)، وأبي العالية - واسمه رفيع مصغراً - سنة (90) وقتادة سنة بضع عشرة ومائة، والأول كوفي، والثاني مدني، والأخيران بصريان.

فجائز أن يكون مصدرهم - الذي أخذوا منه هذه القصة ورووها عنه - واحداً لا غير، وهو مجهول، وجائز أن يكون جمعاً، ولكنهم ضعفاء جميعاً، فمع هذه الاحتمالات لا يمكن أن تطمئن النفس لقَبول حديثهم هذا، لا سيّما في مثل هذا الحدث العظيم الذي يمسّ المقام الكريم، فلا جَرَم تتابع العلماء على إنكارها، بل التنديد ببطلانها، ولا وجه لذلك من جهة الرواية إلا ما ذكرنا .... ». اهـ [19]

وقال الألباني: «وأما قول الحافظ في (الفتح) بعد أن نقل خلاصة عن الوجوه التي تقدمت عن الإمامين المذكورَيْن في إعلال القصة وتوهينها: «وجميع ذلك لا يتمشى على القواعد، فإن الطرق إذا كثرت وتباينت مخارجها، دلّ ذلك على أنَّ لها أصلاً، وقد ذكرت أنَّ ثلاثة أسانيد منها على شرط الصحيح، وهي مراسيل يحتج بمثلها من يحتج بالمرسل، وكذا من لا يحتج به لاعتضاد بعضها ببعض». اهـ

فأقول: إن هذا الجواب ليس بالقوي على إطلاقه لما بيَّنّا فيما تقدم أنَّ تقوية الحديث بكثرة الطرق ليس قاعدة مضطردة، نعم من ذهب إلى الاحتجاج بالمرسل مطلقاً أو عند اعتضاده، ففي الجواب رد قوي عليه، كالقاضي عياض و غيره ممن يقبل مرسل الثقة، أما نحن فهو غير وارد علينا لما أوردنا من الاحتمالات التي تمنع الاحتجاج بالحديث المرسل، ولو من غير وجه، ولعل هذا مذهب الحافظ ابن كثير حيث قال عند تفسيره للآية السابقة: «قد ذكر كثير من المفسرين هاهنا قصة الغرانيق، وما كان من رجوع كثير من المهاجرة إلى أرض الحبشة، ظناً منهم أنَّ مشركي قريش قد أسلموا، ولكنها من طرق كلها مرسلة، ولم أرها مسندة من وجه صحيح». اهـ [20]
فإن ابن كثير يعلم أنَّ بعض هذه المراسيل التي أشار إليها أسانيدها صحيحة إلى مُرْسِلها، فلو كان بعضها يعضد بعضاً عنده وتقوى القصة بذلك، لما ضعفها بحجة أنه لم يرها مسندة من وجه صحيح، وهذا بيِّن لا يخفى.

ثم إن من الغريب أنَّ الحافظ ابن حجر مع ذهابه إلى تقوية القصة يرى أنَّ فيها ما يُستنكر وأنه يجب تأويله فيقول - بعد كلامه الذي نقلته آنفاً-: «وإذا تقرر ذلك تعيَّن تأويل ما وقع فيها مما يستنكر وهو قوله: ألقى الشيطان على لسانه: (تلك الغرانيق العلى، وإن شفاعتهن لترتجى)؛ فإن ذلك لا يجوز حمله على ظاهره؛ لأنه يستحيل عليه - صلى الله عليه وسلم - أن يزيد في القرآن عمداً ما ليس منه، وكذا سهواً إذا كان مغايراً لما جاء به من التوحيد لمكان عصمته». اهـ [21]

ثم ذكر الحافظ مسالك العلماء في تأويل ذلك، ثم اعتمد على الوجه الأخير منها [22] ، وهو الذي نقلناه عن القاضي عياض قُبَيْلَ هذا الفصل، وقلنا إنه رجَّحه، ثم قال الحافظ: «وهذا أحسن الوجوه، ويؤيِّده ما تقدم في صدر الكلام عن ابن عباس من تفسير تمنَّى بـ (تلا)». [23]

فينتج من ذلك أنَّ الحافظ رحمه الله، قد سلَّم أنَّ الشيطان لم يتكلم على لسان النبي - صلى الله عليه وسلم - بتلك الجملة، وإنما ألقاها الشيطان بلسانه في سكتة النبي - صلى الله عليه وسلم -، فهذا لا يتفق ألبتة مع القول بصحة القصة، أو أنَّ لها أصلاً، فإن كان يريد بذلك أنَّ لها أصلاً في الجملة، أعني بدون هذه الزيادة، فهذا ليس هو موضع خلاف بينه وبين العلماء الذين ردّ عليهم قولهم ببطلان القصة، وإنما الخلاف في الجملة التي تزعم الروايات أنَّ الشيطان ألقاها على لسانه - صلى الله عليه وسلم -؛ فإذ قد صرح الحافظ بإنكارها وتنزيه النبي - صلى الله عليه وسلم - عنها .

فنستطيع أن نقول: إن الحافظ متفق مع ابن كثير وغيره ممن سبقه ولحقه على إنكار القصة على ما وردت في الروايات، حتى التي صحَّحها الحافظ، وأما ما بقي منها مما لا يتنافى مع عصمة النبي - صلى الله عليه وسلم - فلا خلاف في إمكان وقوعها، بل الظاهر أنَّ هذا القدر هو الذي وقع بدليل ظاهر آية الحج حسبما تقدم تفسيرها في أوائل الرسالة.

نعم يرد على الحافظ هنا اعتراضان:

الأول: تليينه العبارة في إنكار تلك الزيادة، لأنه إنما أنكرها بطريق تأويلها! وحقه أن ينكرها من أصلها، لأن التأويل الذي زعمه ليست تفيده تلك الزيادة أصلاً.

الثاني: تشنيعه القول على ابن العربي والقاضي عياض لإنكارهما القصة، ومع أنه يعلم أنهما أنكراها لِمَ فيها من البواطيل التي لا تتفق مع القول بعصمة الرسول الكريم، منها هذه الزيادة التي وافقهما الحافظ على استنكارها، مع فارق شكلي وهو أنهما كانا صريحين في إنكارها من أساسها، بينما الحافظ إنما أنكرها بطريق تأويلها ـ زعم ـ.

ومن هنا يتبين لك ضعف ما قاله الحافظ ابن حجر في رده على القاضي في (تخريج الكشاف): «وأما طعنه فيه باختلاف الألفاظ فلا تأثير للروايات الواهية في الرواية القوية، فيعتمد من القصة على الرواية الصحيحة، أي: يُعتمد على الرواية المتابعة، وليس فيها وفيما تابعها اضطراب والاضطراب في غيرها، وأما طعنه من جهة المعنى فله أسوة كثيرة من الأحاديث الصِّحاح التي لا يؤخذ بظاهرها، بل يرد بالتأويل المعتمد إلى ما يليق بقواعد الدين». اهـ [24]

قال الألباني: إن هذا الرد ضعيف؛ لأن الرواية الصحيحة التي أشار إليها هي رواية ابن جُبير، وفيها كما في غيرها من الروايات المتابعة الأمر المستنكر باعترافه، بل في بعض الروايات عن سعيد ما هو أنكر من ذلك وهو قوله: ثم جاءه جبريل بعد ذلك فقال: اعرض علي ما جئتك به، فلما بلغ: "تلك الغرانيق العلى، وإن شفاعتهن لترتجى" قال له جبريل: لم آتك بهذا، وهذا من الشيطان!! وقد جاء هذا في غير رواية سعيد كما تقدم، ولازمه أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - قد انطلى عليه وحي الشيطان واختلط عنده بوحي الرحمن، حتى لم يميِّز بينهما، وبقي على هذه الحالة ما بقي، إلى أن جاءه جبريل في المساء! سبحانك هذا بهتان عظيم، وافتراء جسيم.
فاتضح أن ليس هناك رواية معتمدة صحيحة بالمعنى العلمي الصحيح، وأن الرواية التي صححها الحافظ قد أنكر بعضها هو نفسه فأين الاعتماد.
وأما قوله: «إن حديث الغرانيق له أسوة بكثير من الأحاديث الصحيحة» فصحيح لو صح إسناده، وأمكن تأويله، وكلا الأمرين لا نسلِّم به.
أما الأول فلما علمت من إرساله من جميع الوجوه حاشا ما اشتد ضعفه من الموصول، وإنها على كثرتها لا تعضده. وأما الأمر الآخر فلأن التأويل الذي ذهب إليه الحافظ رحمه الله هو في الحقيقة ليس تأويلاً، بل هو تعطيل لحقيقة الجملة المستنكرة، وهو أشبه ما يكون بتأويلات بل تعطيلات القرامطة والرافضة للآيات القرآنية والأحاديث المصطفوية. تأييداً لمذاهبهم الهدّامة وآرائهم الباطلة، خلافاً للحافظ رحمه الله فإنه إنما فعل ذلك دفاعاً عن مقام الحضرة النبوية والعصمة المحمدية، فهو مشكور على ذلك ومأجور، وإن كان مخطئاً عندنا في ذلك التأويل مع تصحيح القصة». اهـ [25]
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــ
[1] انظر: نصب المجانيق، للألباني، ص (35).
[2] نقل القرطبي في تفسيره (12/ 56)، عن سليمان بن حرب: أن «في» في قوله: (أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ) بمعنى عند؛ أي ألقى الشيطان في قلوب الكفار عند تلاوة النبي - صلى الله عليه وسلم -، كقوله عز وجل: (وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ) [الشعراء: 18]، أي عندنا.
[3] عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ قَالَ فِي الْقُرْآنِ بِغَيْرِ عِلْمٍ فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ».
أخرجه الترمذي في سننه، في كتاب التفسير، حديث (2950)، وقال: «هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ».
[4] انظر: روح المعاني، للآلوسي (17/ 225).
[5] انظر: رحلة الحج إلى بيت الله الحرام، للشنقيطي، ص (128).

[6] انظر: أضواء البيان، للشنقيطي (5/ 732).
[7] انظر: نصب المجانيق، ص (9).
[8] وناقشه آخرون، منهم: المباركفوري، في تحفة الأحوذي (3/ 137)، والقاسمي في تفسيره (7/ 263).
[9] فتح الباري، لابن حجر (8/ 293).
[10] قال الألباني في حاشية الكتاب، ص (39) معلقاً على هذا الحديث: «هذا الحديث عندنا صحيح لغيره، فقد رُوي عن سبعة نفر من الصحابة من طرق مختلفة قوّى المنذري، وابن دقيق العيد، وابن التركماني، والزيلعي أحدها، ولذلك أوردناه في كتابنا (صحيح سنن أبي داود) وتكلمنا عليه هناك رقم (123) ثم نشرناه في (سلسلة الأحاديث الصحيحة) رقم (36)، وذكرنا فيه طرقه وبعضها صحيح لذاته، فراجعه إن شئت». اهـ وانظر: سلسلة الأحاديث الصحيحة (1/ 81).
[11] انظر: مقدمة ابن الصلاح في علوم الحديث، ص (34 - 35).
[12] يريد رواية سعيد بن جبير المرسلة، ورواية أبي بكر بن عبد الرحمن، ورواية أبي العالية، ورواية قتادة، وقد تقدم تخريجها في أول المسألة.
[13] النكت على كتاب ابن الصلاح، لابن حجر (2/ 567).
[14] الكفاية في علم الرواية، للخطيب البغدادي (1/ 387).
[15] شرح نخبة الفكر، لابن حجر، ص (17).
[16] انظر: مقدمة ابن الصلاح في علوم الحديث، ص (33).
[17] هو: محمد بن عبد الهادي التتوي، أبو الحسن، نور الدين السندي: عالم بالحديث والتفسير والعربية. أصله من السند ومولده فيها، وتوطن بالمدينة إلى أن توفي. له (حاشية على سنن ابن ماجة) و (حاشية على سنن أبي داود) و (حاشية على صحيح البخاري) و (حاشية على مسند الإمام أحمد) و (حاشية على صحيح مسلم) و (حاشية على سنن النسائي) و (حاشية على البيضاوي) وغير ذلك.
(ت: 1138 هـ). انظر: الأعلام، للزركلي (6/ 253).
[18] نقله عن الإمام أحمد: الزركشي في «البرهان في علوم القرآن» (2/ 292).
[19] نصب المجانيق، ص (38 - 46) .
[20] تفسير ابن كثير (3/ 239).
[21] فتح الباري، لابن حجر (8/ 293).
[22] يرى الألباني نسبة هذا التوجيه للحافظ ابن حجر، وقد ذكرتُ سابقاً أنه لا يصح، وقلت هناك: إن عبارة الحافظ لا تفيد ذلك، فراجعه إن شئت، ص (699).
[23] فتح الباري، لابن حجر (8/ 294).
[24]الكافي الشاف في تخريج أحاديث الكشاف، لابن حجر (3/ 161).
[25]انظر: نصب المجانيق، للألباني، ص (60 - 65).

Moustafa
04.02.2012, 09:44
حمل الكتاب بصيغة pdf

http://www.waqfeya.com/book.php?bid=2811

حمل الكتاب للشاملة موافق للمطبوع .

http://shamela.ws/index.php/book/7532

نسأل الله أن ينفع به الجميع و يخرس به ألسنة النصارى الأفاكين .

كلنا نريد السعادة
18.11.2012, 09:51
بارك الله فيكم اخوتي على هذا البيان الناصع
وبورك رد الاخ مناصر الاسلام على هذا الجلاء للأفهام واتيان بالنقول التي في صميم الموضوع
وكم يعجبني الرد على الشبهة من كلا الطريقين
اي بعدم تسليم ثبوت القصة
وعلى فرض التسليم بصحتها فان لها اوجها للرد
لان مسلم الضعيف العلم لو سمع انها صحيحة فسيقع في ورطة كبيرة
فنكون بذكر التوجيه للشبهة قد حفظنا عليه اعتقاده ولا يقع في الحيرة
واذكر انني قرأن - ونسيت اسم الكتاب- انه ن المحتمل ان المشركين لما فزعوا وسجدوا ندموا بعد رفعهم على سجودهم وخافوا من كلام العرب فيهم فاخترعوا هذه الكلمات ونسبوها زوراً الى النبي صلى الله عليه وسلم ليبرؤوا ساحتهم امام العرب الذين سينتقدون سجودهم
والله اعلم

حارس الحدود (أستاذ باحث)
12.04.2014, 20:53
هذه القصة أبطلها 44 من علماء التفسير والتحقيق وقد تناولت هذا الموضوع وأبطلته في كتاب ألفته سأرفعه قريبا بإذن الله تعالى ... وما قلتموه هنا يغني النذر ..


بارك الله فيكم جميعا

حارس الحدود (أستاذ باحث)
12.04.2014, 21:09
واسال من الله أن يعيننا على إظهار الحق ..

أبو إسلام المغربي
13.04.2014, 15:38
رد العبد الفقير إلى ربه - أبو إسلام المغربي :
http://antitansseer.wordpress.com/2013/06/08/gharaniq/

نسف قصة الغرانيق
الحمد لله الذي اصطفى نبينا على سائر البشر ، وعصمه من الشيطان أن يوحي إليه بشرِّ ، فقال تعالى مخاطباً إبليس اللعين : ( إن عبادي ليس لك عليهم سلطان إلا من اتبعك من الغاوين ) [الحجر : 42]، أتيرت شبهة منذ مدة حول قصة الغرانيق التي ملخصها أن الشيطان أوحى إلى النبي عليه الصلاة و السلام كلاما فقاله… و بفضل الله قد علمائنا رحمهم الله و حفظ أحيائهم على هذه الفرية مما أغنى الرد مرة أخرى، و من هؤلاء العلماء العلامة محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله و قد ألف رسالة في هذا : “نصب المجانيق لنسف قصة الغرانيق (http://islamport.com/d/1/alb/1/84/681.html#)” ، و رد فيها ردا كافيا شافيا و رد كل طرقها التي وردت بها، و هي عبارة عن عشر طرق و كلها ضعيفة، و لعدم إطالة الموضوع سننقل هذه الطرق و حكم الإمام الألباني عليها رحمه الله، الرد على بركة الله :
أولاً كلام الإمام الألباني رحمه الله في رسالته (http://islamport.com/d/1/alb/1/84/681.html#):
1 ـ عن سعيد بن جبير
فثبت مما تقدم صواب ما كنا جزمنا به قبل الإطلاع على إسناد ابن مردويه ” أن العلة فيه فيمن دون أبي عاصم النبيل ” ، وازددنا تأكداً من أن الصواب عن عثمان بن الأسود إنما هو عن سعيد بن جبير مرسلاً كما رواه الواحدي ، خلافاً لرواية ابن مردويه عنه .
وبالجملة ، فالحديث مرسل ، ولا يصح عن سعيد بن جبير موصولاً بوجه من الوجوه .
2 ـ عن ابن شهاب
رواه ابن جرير ( 17 / 121 ) وإسناده إلى أبي بكر بن عبد الرحمن صحيح ، كما قال السيوطي تبعاً للحافظ ، لكن علته أنه مرسل [1] وعزاه السيوطي لعبد بن حميد أيضاً ، وأخرجه ابن أبي حاتم من طريق محمد بن فليح ، عن موسى بن عقبة ، عن ابن شهاب قال : فذكره مطولاً ، ولم يذكر في إسناده أبا بكر بن عبد الرحمن ، فهو مرسل ، بل معضل
3 ـ عن أبي العالية.
أخرجه الطبري ( 17 / 120 ) من طريقين عن داود بن أبي هند عنه ، وإسناده صحيح إلى أبي العالية ، لكن علته الإرسال ، وكذلك رواه ابن المنذر ، وابن أبي حاتم .
4 ـ عن محمد بن كعب القرظي ، ومحمد بن قيس قالا :
أخرجه ابن جرير ( 17 / 119 ) عن طريق أبي معشر عنهما ، وأبو معشر ضعيف ، كما قال الحافظ في ” التقريب ” واسمه نجيح بن عبد الرحمن السندي .
ثم أخرجه ابن جرير من طريق ابن إسحاق ، عن يزيد بن زياد المدني ، عن محمد بن كعب القرظي وحده به أتمّ منه ، وفيه : ” فلما سمعت قريش ذلك فرحوا ، وسرهم وأعجبهم ما ذكر به آلهتهم ، فأصاخوا له ، والمؤمنون مصدقون نبيهم فيما جاء به عن ربهم ، ولا يتهمونه على خطأ ولا وهم ولا زلل ، الحديث ” .
ويزيد هذا ثقة ، لكن الراوي عنه ابن إسحاق مدلس ، وقد عنعنه .
5 ـ عن قتادة
أخرجه ابن جرير ( 17 / 122 ) من طريقين عن معمر عنه ، وهو صحيح إلى قتادة ، ولكنه مرسل أو معضل . وقد رواه ابن أبي حاتم كما في ” الدر ” بلفظ أتم منه وهو : ” قال : بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي عند المقام ، نعس ، فألقى الشيطان على لسانة كلمة فتكلم بها ، وتعلق بها المشركون عليه ، فقال : ( أفرءئتم اللات والعزى ( 19 ) ومناة الثالثة الأخرى ( 20 ) ) ( النجم ) ، فألقى الشيطان على لسانه ولغى : ” وإن شفاعتهن لترتجى وإنها لمع الغرانيق العلى ” فحفظها المشركون ، واخبرهم الشيطان أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قد قرأها ، فذلت بها ألسنتهم ، فأنزل الله : ( ومأ أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي ) الآية ( الحج : 52 ) ، فدحر الله الشيطان ولقن نبيه حجته ” .
6 ـ عن عروة ـ يعني ابن الزبير ـ
رواه الطبراني هكذاً مرسلاً ، كما في ” المجمع ” ( 6 / 32 ـ 34 و 7 / 70 ـ 72 ) [10] وقال :
” وفيه ابن لهيعة ، ولا يحتمل هذا من ابن لهيعة ” .
7- عن صالح
قلت: وقد رُوي موصولاً عن ابن عباس أخرجه ابن مرديه من طريق الكلبي، عن أبي صالح، عن ابن عباس. و هذا إسناد ضعيف جداً، بل موضوع، فقد قال سفيان: ” قال لي الكلبي: كل ما حدثتك عن أبي صالح فهو كذب”، و الكلبي هذا اسمه محمد بن السائب، و قد كان مفسراً نسّابة أخبارياً. وقال ابن حبان: كان الكلبي سبائياً من أؤلئك الذين يقولون: إن علياً لم يمت و أنه راجع إلى الدنيا، و يملؤها عدلاً كما ملئت جوراً، و إن رأوا سحابة قالوا: أمير المؤمنين فيها”. قال: و مذهبه في الدين، و وضوح الكذب فيه أظهر من أن يحتاج إلى الإغراق في وصفه، و يروي عن أبي صالح عن ابن عباس التفسير، و أبو صالح لم ير ابن عباس و لا سمع الكلبي من أبي صالح إلا الحرف بعد الحرف، لا يحل ذكره في الكتب، فكيف الاحتجاج به؟![2]
و روي من وجوه أخرى عن ابن عباس سيأتي ذكرها، لا يصح شيء منها.
8- عن الضحاك
أخرجه ابن جرير (17/121) قال: حدثت عن الحسين يقول: سمعت معاذاً يقول: أخبرنا عبيد قال: سمعت معاذاً يقول: أخبرنا عبيد قال: سمعت الضحاك يقول:
قلت: و هذا إسناد ضعيف منقطع مرسل، الضحاك هذا الظاهر أنه ابن مزاحم الهلالي الخرساني، هو كثير الإرسال، كما قال الحافظ، حتى قيل: إنه لم يثبت له سماع من أحد من الصحابه، و الراوي عنه عبيد لم أعرفه [3]، و ابو معاذ الظاهر أنه سليمان بن أرقم البصري، و هو ضعيف، كما في “التقريب”، و الراوي عنه الحسين هو ابن الفرج أبو علي و قيل: أبو صالح، و يعرف بابن الخياط و البغدادي، و هو ضعيف متروك، و له ترجمه في “تاريخ بغداد” و “الميزان” و “اللسان” ثم شيخ ابن جرير فيه مجهول لم يُسَمَّ.
9- عن محمد بن فضالة الظفري، و المطلب بن عبدالله بن حنطب
قلت: و هذا إسناد ضعيف جداً، لأن محمد بن عمر، هو الواقدي، قال الحافظ في “التقريب”: “متروك مع سعة علمه”. و شيخه في الإسناد الأول يونس بن محمد، و والده محمد بن فضالة، لم أجد لهما ترجمة، ثم رأيت ابن أبي حاتم أوردهما (4/1/55 و 4/2/246) و لم يذكر فيهما جرحاً و لا تعديلاً. و في إسناده الثاني كثير بن زيد وهو الأسلمي المدني مُختَلف فيه، قال الحافظ: “صدوق يخطيء”.
ثم هو مرسل فإن المطلب بن عبدالله بن حنطب كثير التدليس و الإرسال، كما في “التقريب”. و لذلك قال القرطبي بعد أن ساق الرواية الثانية، و حُكي عن النحاس تضعيفها كما سبق نقله عنه هناك قال: قلت: فذكره مختصراً ثم قال:
“قال النحّاس: هذا حديث مُنكَر منقطع، و لا سيما من حديث الواقدي”.
10- عن ابن عباس
قلت: فهذه طرق ثلاث عن ابن عباس و كلها ضعيفه.
أما الطريق الأولى: ففيها الكلبي و هو كذّاب كما تقدم بيانه قريباً.
و أما الطريق الثانية: ففيها من لم يسمّ.
و أما الطريق الثالثة: ففيها أبو بكر الهذلي. قال الحافظ في “التقريب”: “أخباري متروك الحديث” لكن قد قرن فيها أيوب، و الظاهر أنه السختياني، فلا بد أن يكون في الطريق إليه من لا يُحتَج به لأن الحافظ قال في “الفتح” (8/355) بعد أن ساقه من الطرق الثلاث:
“و كلها ضعيف أو منقطع”.
و قد ذكر ما يفيد أن ابن مردويه أخرجها من طريق عباد بن صهيب، و هو أحد المتروكين، كما قال الحافظ الذهبي في ترجمته من “الميزان”.
و له طريق رابع، أخرجه ابن جرير (17/120)، حدثني محمد بن سعد قال: ثني أبي قال: ثني عمي. ثني أبي عن أبيه عن ابن عباس، “أن نبي الله صلى الله عليه و سلم بينما هو يُصلّي إذ نزلت عليه قصة آلهة العرب، فجعل يتلوها، فسمعه المشركون، فقالوا: إنا نسمعه يذكر آلهتنا بخير، فدنوا منه، فبينما هو يقول: (أفرأيتم اللات و العزى (19) و مناة الثالثة الأخرى (20)) [النجم]، ألقى الشيطان: “إن تلك الغرانيق العلى، منها الشفاعة ترتجى”، فجعل يتلوها، فنزل جبريل صلى الله عليه و سلم فنسخها، ثم قال له: (و ما أرسلنا من قبلك …) الآية [الحج: 52].
رواه ابن مردويه أيضاً كما في “الدرر” (4/366).
قلت: و هذا إسناد ضعيف جداً، مُسَلسَل بالضعفاء: محمد ابن سعد، هو ابن محمد بن الحسن بن عطية بن جُنادة أبو جعفر العوفي ترجمه الخطيب في “تاريخ بغداد” (5/322-323) و قال: “كان ليّناً في الحديث”.
و والده سعد بن محمد ترجمه الخطيب أيضاً (9/126- 127) و روى عن أحمد أنه قال فيه: “لم يكن ممن يستأهل أن يكتب عنه، و لا كان موضعاً لذلك”.
و عمه هو الحسين بن الحسن بن عطية بن سعد، و هو متفق على ضَعفه ترجمه الخطيب (8/29- 32)و غيره.
و أبوه الحسن بن عطية ضعيف أيضاً اتفاقاً، و قد أورده ابن حبان في “الضعفاء” و قال: “مُنكَر الحديث، فلا أدري البَلِيّة منه أو من ابنه، أو منها معاً؟” ترجمته في “تهذيب التهذيب”.
و كذا والده عطية، و هو مشهور بالضَّعف [4]
(انتهى من “نصب المجانيق لنسف قصة الغرانيق (http://islamport.com/d/1/alb/1/84/681.html#)” بتصرف)

ثانياً : أقوال أهل العلم في الرواية
قال ابن كثير رحمه الله : ” قد ذكر كثير من المفسرين قصة الغَرَانيق ، وما كان من رجوع كثير من المهاجرة إلى أرض الحبشة ، ظَنا منهم أن مشركي قريش قد أسلموا ، ولكنها من طرق كلها مرسلة ، ولم أرها مسندة من وجه صحيح ، والله أعلم ” (5)
و قال أيضا رحمه الله :
{وقد ذكرها محمد بن إسحاق في السيرة بنحو من هذا، وكلها مرسلات ومنقطعات} (6)
سئل عنها الإمام بن خزيمة رحمه الله فقال : ” هذه القصة من وضع الزنادقة ” (7)
الإمام البيهقي رحمه الله قوله : ” هذه القصة غير ثابتة من جهة النقل ” (8)
وقال ابن حزم رحمه الله : ” (9)
وقال القاضي عياض رحمه الله : ” هذا حديث لم يخرجه أحد من أهل الصحة ، ولا رواه ثقة بسند سليم متصل….، ومن حُكيت هذه الحكاية عنه من المفسرين والتابعين لم يسندها أحد منهم ، ولا رفعها إلى صاحب ، وأكثر الطرق عنهم فيها ضعيفة واهية ، والمرفوع فيه حديث شعبة عن أبي بشر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال فيما أحسب ء الشك في الحديث – أن النبي ء صلى الله عليه وسلم- كان بمكة ….، وذكر القصة ” ، ثم نقل كلام البزار وقال : ” فقد بين لك أبو بكر رحمه الله أنه لا يعرف من طريق يجوز ذكره سوى هذا ، وفيه من الضعف ما نبه عليه ، مع وقوع الشك فيه ، كما ذكرناه ، الذي لا يوثق به ، ولا حقيقة معه .
قال : وأما حديث الكلبي فمما لا تجوز الراوية عنه ولا ذكره لقوة ضعفه وكذبه كما أشار إليه البراز رحمه الله ، والذي منه في الصحيح أن النبي – صلى الله عليه وسلم- قرأ : (والنجم ) وهو بمكة فسجد معه المسلمون والمشركون والجن والإنس” (10)
قال أبو حيان الأندلسي رحمه الله : “قال البيهقي: هي غير ثابتة من جهة النقل، وقال ما معناه : إن رواتها مطعون عليهم وليس في الصحاح ولا في التصانيف الحديثة شيء مما ذكروه فوجب اطّراحه. ولذلك نزهت كتابي عن ذكره فيه” (11)
قال الإمام القرطبي رحمه الله : “وضعف الحديث مغن عن كل تأويل، والحمد لله.” (12)
قال الرازي رحمه الله : “وأما أهل التحقيق فقد قالوا : هذه الرواية باطلة وموضوعة، واحتجوا عليه بالقرآن والسنة والمعقول” (13)
و قال القاضي عياض : “لقد بُلي الناس ببعض أهل الأهواء والتفسير، وتعلق بذلك الملحدون مع ضعف نقلته واضطراب رواياته وانقطاع إسناده واختلاف كلماته، فقائل يقول: إنه في الصلاة، وآخر يقول: قالها في نادي قومه حين أنزلت عليه السورة، وآخر يقول قالها وقد أصابته سِنة، وآخر يقول: بل حدث نفسه فيها، وآخر يقول: إن الشيطان قالها على لسانه، وأن النبي ر لما عرضها على جبريل قال: ما هكذا أقرأتك، وآخر يقول: بل أعلمهم الشيطان أن النبي ؟ قرأها، فلما بلغ النبي ؟ ذلك قال: والله ما هكذا نزلت، إلى غير ذلك من اختلاف الرواة” (14)

كتبه أَبُو إِسْلاَم الْمَغْرِبِي
__________________________________________________ _________________________________________
هوامش :
(1) وقال النحاس : ” هذا حديث منقطع وفيه هذا الأمر العظيم ” ذكره القرطبي ( 12 / 81 )
(2) نقلته من ” ميزان الإعتدال في نقد الرجال ” للإمام الذهبي
(3) ثم تبين لي أنه ابن سليمان الباهلي وروى عن الضحاك بن مزاحم وعنه جمع منهم أبومعاذ الفضل بن خالد النحوي . قال في ” التقريب ” : لا بأس به . ومما ذكرنا نتبين أيضا أن أبا معاذ الراوي عن عبيد ليس هوسليمان بن أرقم وإنما هوالفضل بن خالد النحوي أورده ابن أبي حاتم في ” الجرح والتعديل ” ( 3 / 2 / 61 ) ولم يذكر فيه جرحا أوتعديلا
(4) قلت : ومما يدل على بطلان نسبة هذه القصة إلى ابن عباس لا سيما من رواية أيوب عن عكرمة عنه أن الطبراني أخرجها مختصرا في ” المعجم الكبير ” ( ورقة 138 وجه 1 ) [ المطبوعة 11 / 11866 ] من طريقين عن عبد الوارث : ثنا أيوب عن عكرمة عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم سجد وهو بمكة ب ( النجم ) وسجد معه المسلمون والمشركون وهذا إسناد صحيح على شرط البخاري فهذا القدر من القصة هوالصحيح عن ابن عباس وغيره من الصحابة مما سيأتي ذكره
(5) “تفسير ابن كثير” (5 /441)
(6) “تفسير ابن كثير رحمه الله لسورة الحج الآية 53″
(7) نقل ذلك الفخر الرازي في تفسيره (23/44)
(8) نفس المصدر السابق
(9) الفصل في الأهواء والنحل ” (2/311)
(10) الشفا بتعريف حقوق المصطفى، (2/79)
(11) تفسير البحر المحيط – أبي حيان الأندلسي – ج 6 – الصفحة 352
(12) تفسير القرطبي – القرطبي – ج 12 – الصفحة 84
(13) لتفسير الكبير، الرازي (23/50).
(14) الشفا بتعريف حقوق المصطفى، (2/125).

حارس الحدود (أستاذ باحث)
28.04.2014, 14:06
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

جزاكم الله خيرا .. ونفع بكم