د/بلازما
07.07.2012, 19:15
الحمدلله رب العالمين و الصلاة و السلام على أشرف المرسلين و المبعوث بالهدي المبين النبي العربي محمد بن عبدالله و على آله و صحبه أزكى الصلاة و التسليم.
فأني هنا أحاول إثارة موضوع قديم مجددا حول ‹‹محمديم›› الذي ما زال البعض يأخذ فيه مع ثبوت بطلان وجود النبي صلى الله عليه و سلم في نشيد الأنشاد.
انتشر كثيراً الزعم بأن النبي مُحمد صلى الله عليه و سلم هو ‹‹مَحمديم›› المذكور في سفر نشيد الأنشاد 5:16 حيث جاء:
((حلقه حلاوة و كله "مشتهيات" هذا حبيبي و هذا خليلي يا بنات اورشليم))
و بناءا على النص العبري:
חִכּוֹ, מַמְתַקִּים, וְכֻלּוֹ, מַחֲמַדִּים; זֶה דוֹדִי וְזֶה רֵעִי, בְּנוֹת יְרוּשָׁלִָם
فالكلمة المظللة بالأحمر تنطق (مَحمديم) بفتح الميم فزعم البعض أنها تتكلم عن النبي الكريم صلى الله عليه و سلم.
و ظهر فيلماً يزعمون بأنه فيلما وثائقيا "أمريكيا" يثبت بالدليل القاطع أن الرسول صلوات ربي و سلامه عليه مذكور في الكتاب المدعو مقدسا!!
لا أعرف كيف تقبل هؤلاء وجود اسم النبي صلى الله عليه و سلم في هذا السفر الجنسي! فنشيد الأنشاد هو "سفر البالغين" الذي كان يُقرأ في الخمارات، فهل يُذكر فيه النبي الكريم ؟!
إنه و الله لأمر عجيب لا يتقبله العقل و لا المنطق و بإذن الله بحثنا هذا سيتناول هذه القضية من حيث مصدر هذا الزعم و الرد عليه و الرد على "الفيلم" المزعوم.
‹‹مصدر النبوءة››
يكاد لا يخفى على أي أحد أن أول من تحدث عن هذه النبوءة المزعومة كان فارس الدعوة أحمد ديدات -رحمه الله-. و نحن نقول أننا بشر جميعا و لنا أخطاء و بعضنا يصيب و بعضنا يخطئ، و ما توفيق الإنسان إلا من الله و ما خطئه إلا منه و من الشيطان عليه لعائن الله.
جميعنا يذكر كيف تكلم الشيخ أحمد ديدات عن هذه النبوءة و قال أنه قد عرف عنها قبل أيام من إلقاءه محاضرته التي رد فيها على أحد المنصرين و المدافعين عن المسيحية.
لقد أخطئ الشيخ أحمد ديدات عندما ذكر هذه النبوءة، و نأتي بهذا البحث حتى نرد على هذا الزعم و نؤكد على براءة الإسلام و نبي الإسلام صلى الله عليه و سلم من هذا الزعم.
‹‹الرد اللغوي››
الكلمة المعنية هي "مَحمديم" מחמד و تنطق بفتح الميم، فكيف يستقيم ذلك و اسم النبي الكريم هو مُحمد بضم الميم؟! ألم يستغرب هؤلاء من هذا؟!
و طبقا لقاموس سترونج فمعنى الكلمة هي:
H4261
מחמד
machmâd
makh-mawd'
From H2530; delightful; hence a delight, that is, object of affection or desire: - beloved, desire, goodly, lovely, pleasant (thing).
و تأتي من الجذر (חמד) الذي يعني يشتهي أو يحب و لا علاقة له باسم شخص و هي أصلا ليست نبوءة!
فالمعنى لا يمت بصلى لصفة الحمد و لا اللفظ يتفق مع الإسم العربي. فقالوا أن التشكيل قد أضيف على اللغة العبرية لاحقا و كانت اللغة العبرية بدون تشكيل قبل ذلك، و في الحقيقة فإن الترجمة السبعينية اليونانية تشهد بعكس ذلك، فلقد تُرجمت الكلمة أيضا إلى ( شهوة ) و بذلك يندثر الإدعاء بأن محمد صلى الله عليه و سلم هو المذكور.
من الجدير بالذكر أن التشابه في اللفظ لا يعني التشابه في المعنى بين اللغات السامية, و إذا تشابهت الألفاظ في منطوقها و معناها يُطلق على جذور هذه الألفاظ "جذر مشترك سامي". توجد الكثير من المفردات التي تتشابه في النطق بين اللغات السامية, لكنها لا تتشابه في المعنى.
نشر الأستاذ الدكتور حازم علي كمال الدين معجما لمفردات المشترك السامي بين اللغة العربية و اللغات السامية الأخرى مثل العبرية و الآرامية و الحبشية، و يعد معجمه من أهم المعاجم العربية المنشورة في الدراسات اللغوية المُقارنة، فلم يذكر الجذر ( حمد ) كجذر سامي مشترك، مع أن اللفظ موجود في اللغات السامية كلها، و قد علل ذلك قائلا:
((و المقصود بالمشترك السامي أن هذه الألفاظ توجد في جميع اللغات السامية الرئيسية و أنها ترجع إلى أصل اشتقاقي واحد، كما تتفق إلى حد ما في المعنى. ووجود الكلمة في اللغات السامية الرئيسية لا يعني أن ما عداها يخرج عن دائرة هذا المشترك، فقد تكون موجود في لغتين أو ثلاث و انقرضت من اللغات الأخرى، أو حلت محلها كلمات أخرى مرادفة لها.
و هذا يبين لنا أن دائرة المشترك السامي يمكن ان تتسع لتشمل الكلمات الموجودة في أكثر من لغتين ساميتين، و هذه اللغات تمثل بدورها أرجاء مختلفة من المنطقة السامية التي تتوزع ما بين جنوبية و شمالية و شرقية. إلا أن مثل هذه الكلمات تدخل في دائرة المشترك السامي عند الإفتقار إلى دليل أو سياق يوضح أنها أصيلة في لغة، و مقترضة في اللغات السامية الأخرى.
أما وحدة الأصل الاشتقاقي فلا بد أن يصاحبه وجود حقل مشترك للمعنى، و هو معيار يعد في غاية الأهمية، لأن الكلمة في حد ذاتها ما هي إلا قالب متشابك الشكل و المعنى. أي أن الكلمة إذا تعددت شكليا – فنولوجيا- و لم يوجد حقل مشترك بالنسبة للمعنى، فهي في هذه الحالة تعد قوالب (وحدات) مستقلة، و في مثل هذا الأمر يصعب تصور قالب مشترك تفرعت عنه هذه القوالب، و إذا تصورنا افتراضيا هذا القالب المشترك فانه سيكون مقتصرا على الشكل (الجانب الفنولوجي) دون المعنى، لأنه في هذه الحالة يصعب تحديد المعنى الذي ارتبط به هذا القالب التاريخي ، والذي يعد حقلا مشتركا لكل هذه المعاني المستحدثة ))
معجم مفردات المشترك السامي – الأستاذ الدكتور حازم علي كمال الدين – صفحات 19-20
و هذا هو بالضبط ما حصل مع الجذر (حمد) فاللفظ يتشابه بين العبرية و العربية شكليا –فنولوجيا- دون وجود اتفاق في المعنى و هو المعيار الذي يعد في غاية الأهمية كما قال الدكتور حازم فبذلك تخرج الكلمة عن نطاق المشترك السامي و بذلك تخرج عن نطاق الإتفاق في المعنى و ذلك يعني أن كلمة (مَحمد) و (مُحمد) بسبب اختلافهما بالمعنى يخرجان عن نطاق المشترك السامي. و بهذا يكونان متشابهان في البنية الفنولوجية دون المعنى و بالتالي يسقط الزعم القائل بأن مَحمديم هو الرسول الكريم مُحمد صلى الله عليه و سلم.
و هذا هو السبب الذي جعل الدكتور يستثني لفظ الـ"حمد" من معجمه مع وجود ألفاظ كثيرة أخرى مثل (قام) الذي تشترك فيه اللغات السامية جميعها في المعنى و في اللفظ المتقارب.
من الألفاظ التي تتشابه بين اللغات السامية في اللفظ و تختلف في المعنى هو لفظ "لحم". فجميعنا يعلم أن "بيت لحم" / בֵּית לֶחֶם يعني "بيت الخبز" أو بمعنى أوسع "بيت الطعام" في العبرية بينما المعنى في العربية يخالف ذلك، و تتفق الآرامية مع العبرية في المعنى. فهل نستطيع أن نقول أن "بيت لحم" تعني في العربية بيت اللحوم أم بيت الخبز!؟ إن الألفاظ تشابهت فنولوجيا و اختلفت في المعنى فخرج اللفظ عن نطاق المشترك السامي. لكن لاحظ أن معنى كلمة "لحم" في العبرية و الآرامية كان شاملا للطعام بأكمله بينما اختص بــنوع واحد من الأطعمة في العربية و لم يخرج عن نطاق الطعام بأكمله.
و مثالا آخر؛ فلنأخذ ما ورد في المزمور 22 حيث جاء في العدد الأول:
(( الهي الهي لماذا تركتني بعيدا عن خلاصي عن كلام زفيري))
אֵלִ֣י אֵ֭לִי לָמָ֣ה עֲזַבְתָּ֑נִי רָחֹ֥וק מִֽ֝ישׁוּעָתִ֗י דִּבְרֵ֥י שַׁאֲגָתִֽי
و أظن أننا جميعا نذكر قولا مشابها لهذا في العهد الجديد حيث جاء على لسان إله النصارى في متى 27:46
((إلهي إلهي لماذا تركتني)).
النص اليوناني:
ηλι ηλι λεμα σαβαχθανι
النص السرياني من البشيطا:
ܐܺܝܠ ܐܺܝܠ ܠܡܳܢܳܐ ܫܒ݂ܰܩܬ݁ܳܢܝ
فلنراجع الكلمات الأصلية في لغاتها الأصلية، سنجد أن الكلمة العبرية المستخدمة في المزمور 22:1 هي(עֲזַבְתָּ֑נִי) و تُنطق ( عَذَّبتني ) و تعني ( تركتني ) بينما الكلمة الآرامية المستخدمة في العهد الجديد هي(ܫܒ݂ܰܩܬ݁ܳܢܝ ) وتنطق ( شبَقتَاني ) و تعني ( تركتني ) فنلاحظ أن الكلمة العبرية (عَذَبتني) تشابه الكلمة العربية ( عذَّب ) لكنها تختلف في المعنى، فبالعبرية تعني (تركتني) و في العربية تعني (أوقع به العذاب أو العقاب) و تختلف تماما عن المعنى العبري، فهل نأتي و نقول أن المعنى الأصلي هو يعذب أم يترك؟! إذن نستنتج أن التشابه في اللفظ لا يعني التشابه في المعنى و بذلك يظهر لنا واضحا جدا أن كلمة (مَحمديم) لا علاقة لها باسم محمد صلى الله عليه و سلم لا من قريب و لا من بعيد ناهيك عن الإختلاف في اللفظ بين فتح الميم و ضمها.
و لا ننسى أن نشير إلى أن لفظ "محمديم" قد ورد في العهد القديم في مواضع أخرى، فلما لم يقل البعض أنها تتكلم عن محمد صلى الله عليه و سلم!؟ راجع حزقيال 24: 16 ، 24: 25 / هوشع 9: 6 حيث ستجد كلمة "محمديم" و كلها لا تتكلم عن اسم شخص بل تعني شهوة أو مشتهيات.
‹‹القراءة التاريخية و النقدية لسفر نشيد الأنشاد››
و بعدما ثبت لنا من الناحية اللغوية أن التشابه في البنية الفنولوجية لا يعني التساوي أو التشابه في المعنى، سنعلم أيضا من خلال القراءة التاريخية لسفر نشيد الأنشاد أن هذا السفر لا يمكن أن يتكلم عن النبي الكريم صلى الله عليه و سلم.
أولا: لم يكتب السفر النبي سليمان عليه السلام
نقرأ في بداية نشيد الانشاد ( نشيد الانشاد الذي لسليمان) و لذلك يُعرف بين عوام النصارى أن هذا السفر منسوب لسليمان! و لكن المفاجأة أن سليمان لم يكتب هذا السفر.
الدكتور يوحنا قمير يقول لنا:
((نُسب هذا السفر في الماضي إلى زمن سليمان الحكيم، بل إلى سليمان نفسه، على ما ورّد في الآية الأولى من النشيد. لكن من يطالع السفر في لغته العبرية الأصلية يتبيّن لغة متأخرة تعود إلى العهد الفارسي (إلى القرن الخامس قبل الميلاد) بل إلى العهد اليوناني (إلى القرن الثالث قبل الميلاد) في حين أن سليمان قد ملَكً على اسرائيل في القرن العاشر قبل الميلاد (972-932).))
المصدر: كتاب: نشيد الأنشاد- أجمل نشيد في الكون – يوحنا قمير – صفحة 9
فكيف نأخذ بكلام لا يُعرف كاتبه ؟! و بغض النظر عن قبح الكلام الموجود في هذا السفر، فإن الكلام المجهول المصدر لا يؤخذ به في الدراسات الإسلامية فكيف أخذ هؤلاء بأن محمديم هو الرسول الكريم صلى الله عليه و سلم!؟
و الغريب و العجيب و المريب أن تجد المطرف المسلم يطعن في سفر نشيد الأنشاد بسبب كثرة الألفاظ القبيحة التي امتلئت بها ثنايا هذا السفر،و تجده بنفس الوقت يحاول التأكيد على وجود الرسول صلى الله عليه و سلم في هذا السفر مع طعنه فيه قبل ذلك بثواني معدودة!
إذن لا يجوز لنا الطعن في السفر ثم الإستدلال به بعد ذلك, إما أن تطعن و لا تستدل به و إما أن تستدل به و لا تطعن.
ثانيا: السفر هو عبارة عن كلام جنسي بحت, و القول بأن الرسول مذكور في نشيد الأنشاد هو اعتراف ضمني بصحة ما جاء في هذا السفر, و نحن لا نقبل أن ننسب هذا الكلام إلى الله سبحانه و تعالى بأي شكل من الأشكال
‹‹وقفات مع الفيلم الذي روّج لهذه الكذبة››
زعم البعض أن هذا الفيلم "الوثائقي" هو من انتاج علماء مسلمين و مسيحين و يهود, و يكاد لا يخفى على أي أحد أن الفيلم قد أُخذت مشاهده من أفلام وثاقية أخرى, كما أن الفيلم يشهد بأن صانعه مسلم و لا يوجد أي علاقة للنصارى أو اليهود به.
فنجده يضع مقطعا كاملا لشيخ فاضل يصف سيدنا محمد صلى الله عليه و سلم, فهل سيقوم بذلك النصارى و اليهود؟! يستحيل ذلك.
كما أن الفيديو يستشهد بآيات من القرآن الكريم التي تتحدث عن بني إسرائيل , فما فائدة النصارى و اليهود بهذا المقطع؟!
كما أن الفيديو يكشف عن نفسه عندما يطلب صانعه الدعاء في نهايته و هذا يثبت أن صانعه مسلم و لا يوجد علاقة لليهود أو النصارى به.
ختاما يقول ربي و أحق القول قول ربي:
(( وَلَن تَرْضَىٰ عَنكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَىٰ حَتَّىٰ تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ ۗ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَىٰ ۗ وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُم بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ ۙ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِن وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ))
‹‹النتيجة››
محمد صلى الله عليه و سلم لم يُذكر في نشيد الأنشاد .
التشابه في نطق الكلمات لا يعني التشابه في المعنى بناءا على كلام الدكتور حازم و الأمثلة اللغوية التي طرحتها أعلاه
القراءة التاريخية لسفر نشيد الأنشاد تفيد بأن هذا السفر مجهول المصدر و الكاتب, و لذلك القول بوجود الرسول الكريم صلى الله عليه و سلم في نشيد الأنشاد هو خاطئ.
الفيلم من صنع مسلم و ليس كما قيل حوله بأنه من صنع "علماء" مسيحين و يهود,فضلا على أن الفيديو لا يحتاج إلى "علماء" لصنعه, فبرنامج ناطق صوتي و مقاطع من عدة أفلام وثائقية و آيات قرآنية كافية لإتمام هذا الفيلم بدون جهود علماء .
و الحمدلله رب العالمين
فأني هنا أحاول إثارة موضوع قديم مجددا حول ‹‹محمديم›› الذي ما زال البعض يأخذ فيه مع ثبوت بطلان وجود النبي صلى الله عليه و سلم في نشيد الأنشاد.
انتشر كثيراً الزعم بأن النبي مُحمد صلى الله عليه و سلم هو ‹‹مَحمديم›› المذكور في سفر نشيد الأنشاد 5:16 حيث جاء:
((حلقه حلاوة و كله "مشتهيات" هذا حبيبي و هذا خليلي يا بنات اورشليم))
و بناءا على النص العبري:
חִכּוֹ, מַמְתַקִּים, וְכֻלּוֹ, מַחֲמַדִּים; זֶה דוֹדִי וְזֶה רֵעִי, בְּנוֹת יְרוּשָׁלִָם
فالكلمة المظللة بالأحمر تنطق (مَحمديم) بفتح الميم فزعم البعض أنها تتكلم عن النبي الكريم صلى الله عليه و سلم.
و ظهر فيلماً يزعمون بأنه فيلما وثائقيا "أمريكيا" يثبت بالدليل القاطع أن الرسول صلوات ربي و سلامه عليه مذكور في الكتاب المدعو مقدسا!!
لا أعرف كيف تقبل هؤلاء وجود اسم النبي صلى الله عليه و سلم في هذا السفر الجنسي! فنشيد الأنشاد هو "سفر البالغين" الذي كان يُقرأ في الخمارات، فهل يُذكر فيه النبي الكريم ؟!
إنه و الله لأمر عجيب لا يتقبله العقل و لا المنطق و بإذن الله بحثنا هذا سيتناول هذه القضية من حيث مصدر هذا الزعم و الرد عليه و الرد على "الفيلم" المزعوم.
‹‹مصدر النبوءة››
يكاد لا يخفى على أي أحد أن أول من تحدث عن هذه النبوءة المزعومة كان فارس الدعوة أحمد ديدات -رحمه الله-. و نحن نقول أننا بشر جميعا و لنا أخطاء و بعضنا يصيب و بعضنا يخطئ، و ما توفيق الإنسان إلا من الله و ما خطئه إلا منه و من الشيطان عليه لعائن الله.
جميعنا يذكر كيف تكلم الشيخ أحمد ديدات عن هذه النبوءة و قال أنه قد عرف عنها قبل أيام من إلقاءه محاضرته التي رد فيها على أحد المنصرين و المدافعين عن المسيحية.
لقد أخطئ الشيخ أحمد ديدات عندما ذكر هذه النبوءة، و نأتي بهذا البحث حتى نرد على هذا الزعم و نؤكد على براءة الإسلام و نبي الإسلام صلى الله عليه و سلم من هذا الزعم.
‹‹الرد اللغوي››
الكلمة المعنية هي "مَحمديم" מחמד و تنطق بفتح الميم، فكيف يستقيم ذلك و اسم النبي الكريم هو مُحمد بضم الميم؟! ألم يستغرب هؤلاء من هذا؟!
و طبقا لقاموس سترونج فمعنى الكلمة هي:
H4261
מחמד
machmâd
makh-mawd'
From H2530; delightful; hence a delight, that is, object of affection or desire: - beloved, desire, goodly, lovely, pleasant (thing).
و تأتي من الجذر (חמד) الذي يعني يشتهي أو يحب و لا علاقة له باسم شخص و هي أصلا ليست نبوءة!
فالمعنى لا يمت بصلى لصفة الحمد و لا اللفظ يتفق مع الإسم العربي. فقالوا أن التشكيل قد أضيف على اللغة العبرية لاحقا و كانت اللغة العبرية بدون تشكيل قبل ذلك، و في الحقيقة فإن الترجمة السبعينية اليونانية تشهد بعكس ذلك، فلقد تُرجمت الكلمة أيضا إلى ( شهوة ) و بذلك يندثر الإدعاء بأن محمد صلى الله عليه و سلم هو المذكور.
من الجدير بالذكر أن التشابه في اللفظ لا يعني التشابه في المعنى بين اللغات السامية, و إذا تشابهت الألفاظ في منطوقها و معناها يُطلق على جذور هذه الألفاظ "جذر مشترك سامي". توجد الكثير من المفردات التي تتشابه في النطق بين اللغات السامية, لكنها لا تتشابه في المعنى.
نشر الأستاذ الدكتور حازم علي كمال الدين معجما لمفردات المشترك السامي بين اللغة العربية و اللغات السامية الأخرى مثل العبرية و الآرامية و الحبشية، و يعد معجمه من أهم المعاجم العربية المنشورة في الدراسات اللغوية المُقارنة، فلم يذكر الجذر ( حمد ) كجذر سامي مشترك، مع أن اللفظ موجود في اللغات السامية كلها، و قد علل ذلك قائلا:
((و المقصود بالمشترك السامي أن هذه الألفاظ توجد في جميع اللغات السامية الرئيسية و أنها ترجع إلى أصل اشتقاقي واحد، كما تتفق إلى حد ما في المعنى. ووجود الكلمة في اللغات السامية الرئيسية لا يعني أن ما عداها يخرج عن دائرة هذا المشترك، فقد تكون موجود في لغتين أو ثلاث و انقرضت من اللغات الأخرى، أو حلت محلها كلمات أخرى مرادفة لها.
و هذا يبين لنا أن دائرة المشترك السامي يمكن ان تتسع لتشمل الكلمات الموجودة في أكثر من لغتين ساميتين، و هذه اللغات تمثل بدورها أرجاء مختلفة من المنطقة السامية التي تتوزع ما بين جنوبية و شمالية و شرقية. إلا أن مثل هذه الكلمات تدخل في دائرة المشترك السامي عند الإفتقار إلى دليل أو سياق يوضح أنها أصيلة في لغة، و مقترضة في اللغات السامية الأخرى.
أما وحدة الأصل الاشتقاقي فلا بد أن يصاحبه وجود حقل مشترك للمعنى، و هو معيار يعد في غاية الأهمية، لأن الكلمة في حد ذاتها ما هي إلا قالب متشابك الشكل و المعنى. أي أن الكلمة إذا تعددت شكليا – فنولوجيا- و لم يوجد حقل مشترك بالنسبة للمعنى، فهي في هذه الحالة تعد قوالب (وحدات) مستقلة، و في مثل هذا الأمر يصعب تصور قالب مشترك تفرعت عنه هذه القوالب، و إذا تصورنا افتراضيا هذا القالب المشترك فانه سيكون مقتصرا على الشكل (الجانب الفنولوجي) دون المعنى، لأنه في هذه الحالة يصعب تحديد المعنى الذي ارتبط به هذا القالب التاريخي ، والذي يعد حقلا مشتركا لكل هذه المعاني المستحدثة ))
معجم مفردات المشترك السامي – الأستاذ الدكتور حازم علي كمال الدين – صفحات 19-20
و هذا هو بالضبط ما حصل مع الجذر (حمد) فاللفظ يتشابه بين العبرية و العربية شكليا –فنولوجيا- دون وجود اتفاق في المعنى و هو المعيار الذي يعد في غاية الأهمية كما قال الدكتور حازم فبذلك تخرج الكلمة عن نطاق المشترك السامي و بذلك تخرج عن نطاق الإتفاق في المعنى و ذلك يعني أن كلمة (مَحمد) و (مُحمد) بسبب اختلافهما بالمعنى يخرجان عن نطاق المشترك السامي. و بهذا يكونان متشابهان في البنية الفنولوجية دون المعنى و بالتالي يسقط الزعم القائل بأن مَحمديم هو الرسول الكريم مُحمد صلى الله عليه و سلم.
و هذا هو السبب الذي جعل الدكتور يستثني لفظ الـ"حمد" من معجمه مع وجود ألفاظ كثيرة أخرى مثل (قام) الذي تشترك فيه اللغات السامية جميعها في المعنى و في اللفظ المتقارب.
من الألفاظ التي تتشابه بين اللغات السامية في اللفظ و تختلف في المعنى هو لفظ "لحم". فجميعنا يعلم أن "بيت لحم" / בֵּית לֶחֶם يعني "بيت الخبز" أو بمعنى أوسع "بيت الطعام" في العبرية بينما المعنى في العربية يخالف ذلك، و تتفق الآرامية مع العبرية في المعنى. فهل نستطيع أن نقول أن "بيت لحم" تعني في العربية بيت اللحوم أم بيت الخبز!؟ إن الألفاظ تشابهت فنولوجيا و اختلفت في المعنى فخرج اللفظ عن نطاق المشترك السامي. لكن لاحظ أن معنى كلمة "لحم" في العبرية و الآرامية كان شاملا للطعام بأكمله بينما اختص بــنوع واحد من الأطعمة في العربية و لم يخرج عن نطاق الطعام بأكمله.
و مثالا آخر؛ فلنأخذ ما ورد في المزمور 22 حيث جاء في العدد الأول:
(( الهي الهي لماذا تركتني بعيدا عن خلاصي عن كلام زفيري))
אֵלִ֣י אֵ֭לִי לָמָ֣ה עֲזַבְתָּ֑נִי רָחֹ֥וק מִֽ֝ישׁוּעָתִ֗י דִּבְרֵ֥י שַׁאֲגָתִֽי
و أظن أننا جميعا نذكر قولا مشابها لهذا في العهد الجديد حيث جاء على لسان إله النصارى في متى 27:46
((إلهي إلهي لماذا تركتني)).
النص اليوناني:
ηλι ηλι λεμα σαβαχθανι
النص السرياني من البشيطا:
ܐܺܝܠ ܐܺܝܠ ܠܡܳܢܳܐ ܫܒ݂ܰܩܬ݁ܳܢܝ
فلنراجع الكلمات الأصلية في لغاتها الأصلية، سنجد أن الكلمة العبرية المستخدمة في المزمور 22:1 هي(עֲזַבְתָּ֑נִי) و تُنطق ( عَذَّبتني ) و تعني ( تركتني ) بينما الكلمة الآرامية المستخدمة في العهد الجديد هي(ܫܒ݂ܰܩܬ݁ܳܢܝ ) وتنطق ( شبَقتَاني ) و تعني ( تركتني ) فنلاحظ أن الكلمة العبرية (عَذَبتني) تشابه الكلمة العربية ( عذَّب ) لكنها تختلف في المعنى، فبالعبرية تعني (تركتني) و في العربية تعني (أوقع به العذاب أو العقاب) و تختلف تماما عن المعنى العبري، فهل نأتي و نقول أن المعنى الأصلي هو يعذب أم يترك؟! إذن نستنتج أن التشابه في اللفظ لا يعني التشابه في المعنى و بذلك يظهر لنا واضحا جدا أن كلمة (مَحمديم) لا علاقة لها باسم محمد صلى الله عليه و سلم لا من قريب و لا من بعيد ناهيك عن الإختلاف في اللفظ بين فتح الميم و ضمها.
و لا ننسى أن نشير إلى أن لفظ "محمديم" قد ورد في العهد القديم في مواضع أخرى، فلما لم يقل البعض أنها تتكلم عن محمد صلى الله عليه و سلم!؟ راجع حزقيال 24: 16 ، 24: 25 / هوشع 9: 6 حيث ستجد كلمة "محمديم" و كلها لا تتكلم عن اسم شخص بل تعني شهوة أو مشتهيات.
‹‹القراءة التاريخية و النقدية لسفر نشيد الأنشاد››
و بعدما ثبت لنا من الناحية اللغوية أن التشابه في البنية الفنولوجية لا يعني التساوي أو التشابه في المعنى، سنعلم أيضا من خلال القراءة التاريخية لسفر نشيد الأنشاد أن هذا السفر لا يمكن أن يتكلم عن النبي الكريم صلى الله عليه و سلم.
أولا: لم يكتب السفر النبي سليمان عليه السلام
نقرأ في بداية نشيد الانشاد ( نشيد الانشاد الذي لسليمان) و لذلك يُعرف بين عوام النصارى أن هذا السفر منسوب لسليمان! و لكن المفاجأة أن سليمان لم يكتب هذا السفر.
الدكتور يوحنا قمير يقول لنا:
((نُسب هذا السفر في الماضي إلى زمن سليمان الحكيم، بل إلى سليمان نفسه، على ما ورّد في الآية الأولى من النشيد. لكن من يطالع السفر في لغته العبرية الأصلية يتبيّن لغة متأخرة تعود إلى العهد الفارسي (إلى القرن الخامس قبل الميلاد) بل إلى العهد اليوناني (إلى القرن الثالث قبل الميلاد) في حين أن سليمان قد ملَكً على اسرائيل في القرن العاشر قبل الميلاد (972-932).))
المصدر: كتاب: نشيد الأنشاد- أجمل نشيد في الكون – يوحنا قمير – صفحة 9
فكيف نأخذ بكلام لا يُعرف كاتبه ؟! و بغض النظر عن قبح الكلام الموجود في هذا السفر، فإن الكلام المجهول المصدر لا يؤخذ به في الدراسات الإسلامية فكيف أخذ هؤلاء بأن محمديم هو الرسول الكريم صلى الله عليه و سلم!؟
و الغريب و العجيب و المريب أن تجد المطرف المسلم يطعن في سفر نشيد الأنشاد بسبب كثرة الألفاظ القبيحة التي امتلئت بها ثنايا هذا السفر،و تجده بنفس الوقت يحاول التأكيد على وجود الرسول صلى الله عليه و سلم في هذا السفر مع طعنه فيه قبل ذلك بثواني معدودة!
إذن لا يجوز لنا الطعن في السفر ثم الإستدلال به بعد ذلك, إما أن تطعن و لا تستدل به و إما أن تستدل به و لا تطعن.
ثانيا: السفر هو عبارة عن كلام جنسي بحت, و القول بأن الرسول مذكور في نشيد الأنشاد هو اعتراف ضمني بصحة ما جاء في هذا السفر, و نحن لا نقبل أن ننسب هذا الكلام إلى الله سبحانه و تعالى بأي شكل من الأشكال
‹‹وقفات مع الفيلم الذي روّج لهذه الكذبة››
زعم البعض أن هذا الفيلم "الوثائقي" هو من انتاج علماء مسلمين و مسيحين و يهود, و يكاد لا يخفى على أي أحد أن الفيلم قد أُخذت مشاهده من أفلام وثاقية أخرى, كما أن الفيلم يشهد بأن صانعه مسلم و لا يوجد أي علاقة للنصارى أو اليهود به.
فنجده يضع مقطعا كاملا لشيخ فاضل يصف سيدنا محمد صلى الله عليه و سلم, فهل سيقوم بذلك النصارى و اليهود؟! يستحيل ذلك.
كما أن الفيديو يستشهد بآيات من القرآن الكريم التي تتحدث عن بني إسرائيل , فما فائدة النصارى و اليهود بهذا المقطع؟!
كما أن الفيديو يكشف عن نفسه عندما يطلب صانعه الدعاء في نهايته و هذا يثبت أن صانعه مسلم و لا يوجد علاقة لليهود أو النصارى به.
ختاما يقول ربي و أحق القول قول ربي:
(( وَلَن تَرْضَىٰ عَنكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَىٰ حَتَّىٰ تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ ۗ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَىٰ ۗ وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُم بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ ۙ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِن وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ))
‹‹النتيجة››
محمد صلى الله عليه و سلم لم يُذكر في نشيد الأنشاد .
التشابه في نطق الكلمات لا يعني التشابه في المعنى بناءا على كلام الدكتور حازم و الأمثلة اللغوية التي طرحتها أعلاه
القراءة التاريخية لسفر نشيد الأنشاد تفيد بأن هذا السفر مجهول المصدر و الكاتب, و لذلك القول بوجود الرسول الكريم صلى الله عليه و سلم في نشيد الأنشاد هو خاطئ.
الفيلم من صنع مسلم و ليس كما قيل حوله بأنه من صنع "علماء" مسيحين و يهود,فضلا على أن الفيديو لا يحتاج إلى "علماء" لصنعه, فبرنامج ناطق صوتي و مقاطع من عدة أفلام وثائقية و آيات قرآنية كافية لإتمام هذا الفيلم بدون جهود علماء .
و الحمدلله رب العالمين