ابو اسامه المصرى
13.04.2012, 05:33
يحيى بن موسى الزهراني
المقدمة
الحمد لله فاطر السموات والأرض ، عالم الغيب والشهادة ، القوي الجبار ، شديد العقاب ، وأشهد أن لا إله إلا الله الواحد القهار ، رب الأرباب ، ومسبب الأسباب ، وقاهر الصلاب ، وخالق خلقه من تراب ، قاصم الجبابرة ، وقاهر الفراعنة ، والصلاة والسلام على من بعثه الله رحمة للعباد ، ليبين لهم الحلال والحرام ، وليحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه . . . أما بعد :
قلا شك أن الله تعالى خلق الخلق لعبادته سبحانه ، ولا يمكن ذلك إلا باتباع أوامره تعالى وأوامر رسوله صلى الله عليه وسلم ، واجتناب النواهي ، والبعد عن المحرمات ، والحذر من الكبائر ، فكل ذلك من السبل الموصلة إلى رضوان الله عز وجل ومن ثم يقر العبد بمغفرة ربه له ورحمته إياه ، ثم ينال بعد ذلك ما كان يصبو إليه العبد من دخول الجنة والنجاة من النار ، فمن أراد الجنة والفوز بها فطريقها واضح معلوم ، وكذلك النار والنجاة منها أيضاً واصح معلوم ، لا يغفل عنهما إلا حيوان لا عقل له أو من تشبه به من بني البشر ، فالله تعالى بحكمته البالغة ، وعلمه الذي وسع كل شيء بين للناس طريقي الخير والشر ، فقال تعالى : { إنا هديناه السبيل إما شاكراً وإما كفوراً } ( الإنسان 3 ) ، وقال عز وجل : { وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ } ( البلد ) ، فيجب على العبد وجوباً أن يحكم عقله ويعمل رأيه في ذلك لاختيار الطريق الذي يوصله إلى مرضاة ربه وبالتالي إلى جنة عرضها السموات والأرض . ولقد بين النبي صلى الله عليه وسلم ذلك الأمر بكلام واضح لا يحتاج معه المرء إلى تفسير أو توضيح وذلك في بيان طريقي الخير والشر وأن الجنة والنار قد حفت كل منهما بما يناسبها وبما يدعو العبد للعمل به ليدخل الجنة وبما يحذر منه فيجتنب النار فقال عليه الصلاة والسلام : [ حفت الجنة بالمكاره ، وحفت النار بالشهوات ] ( انظر صحيح الجامع 3147 ) ، فمن هذا المنطلق وجب على العبد أن يسعى في هذه الدنيا جاهداً كادحاً لإرضاء ربه ونبذ ما سواه من الشهوات والكبائر ، فاتباع الهوى سبب لوقوع العبد في المعصية وقد يزين له الشيطان هذه المعصية فيألفها العبد فيتخبط في المعاصي ويرتكب الكبائر غير مراع لما قد يحصل له من سوء الخاتمة عند إصراره على المعصية ، قال تعالى : { فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلوات واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غياً } ( مريم 59 ) . قال ابن حجر الهيتمي : [ اعلم أن جماعة من الأئمة أنكروا أن في الذنوب صغيرة ، وقالوا بل سائر المعاصي كبائر . . . وإنما يقال لبعضها : صغيرة وكبيرة بالإضافة إلى ما هو أكبر منها ، وقال جمهور العلماء : أ، المعاصي تنقسم إلى صغائر وكبائر ، ولا خلاف بين الفريقين في المعنى ، وإنما الأولون فروا من هذه التسمية وكرهوا تسمية معصية الله صغيرة ] انتهى .
وقال الذهبي : الكبيرة : ما نهى الله ورسوله عنه في الكتاب والسنة والأثر عن السلف الصالحين وقد ضمن اله تعالى في كتابه العزيز لمن اجتنب الكبائر والمحرمات أن يكفر عنه الصغائر من السيئات لقوله تعالى : { إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم وندخلكم مدخلاً كريماً } ( النساء31 ) ، وقال تعالى : { الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش إلا اللمم إن ربك واسع المغفرة } ( النجم32 ) ] انتهى .
فالذي دعاني للكتابة في هذا الموضوع الهام والخطير جداً ما يراه كل منصف ، وطالب للحق ، من اقتراف كثير من المسلمين لكبيرتين هما من أكبر الكبائر والعياذ بالله ، وذلك جهلاً منهم ، بل عناداً منهم ، وعدم تقبل لأوامر الله تعالى وأوامر رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم ، فاندفع أولئك الناس كالذئاب البرية المتوحشة ، يفتك بعضهم ببعض من أجل إشباع غريزة ما تلبث أن تُنسى لذتها وتَبقى تبعتها ، ويُقاسى عذابها عاجلاً أو آجلاً ، فلقد تهافت بعض ضعاف العقول والنفوس ، وقليلي الدين ، وقاصري التفكير على هاتين الفاحشتين العظيمتين : فاحشة الزنا وفاحشة اللواط ، أعاذ الله المسلمين من شرهما وعاقبتهما .
وخوفاً على مرتكبيها وشفقة بهم أن يصيبهم الله بعذاب من عنده أو بأيديهم فيصبحوا على ما فعلوا بأنفسهم نادمين ، وأيضاً من واجب النصح والتناصح بين المسلمين ، وحق الأخوة بين المؤمنين ، بسبب ذلك أردت أن أذكر وأنصح إخواني المسلمين ممن استزلهم الشيطان وأوقعهم في حبائله ، وأوردهم شباكه ، أن أنصحهم وأعظهم محذراً من شرور تلك الفاحشتين وأليم عقابهما ، وآمراً لهم بالمعروف ، وناهياً لهم عن المنكر ، ومتعاوناً وإياهم على البر والتقوى ، ومبتعداً وإياهم عن الإثم والعدوان .
فأسأل الله جلت قدرته أن يكتب لي التوفيق والسداد والعون والإعانة ، وأن يجعل التوفيق حليفي ، وأن ييسر لي أمري ويحلل عقدة من لساني ويسدد قلمي ورأي وخواطري نحو هذا الموضوع ، كما أسأله سبحانه أن يهيئ له قلوباً صاغية وعقولاً واعية ونفوساً مطمئنة إنه نعم المولى ونعم النصير ، وبالله التوفيق وهو حسبي ونعم الوكيل ، وحان أوان الشروع في المقصود .
فأقول وبالله التوفيق :
فاحشة الزنا
إن الله سبحانه وتعالى خلق الخلق وأوجدهم لغاية سامية ، واستخلفهم في الأرض لأمر عظيم ألا وهو عبادته وحده سبحانه دون سواه ، وأن يُطاع أبداً ، ولا يُعصى أبداً ، ولهذا قال تعالى : [ وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ] ( الذاريات 56 ) ، ولقد فرط كثير من المسلمين بأوامر الله عزوجل ، وأوامر نبيه صلى الله عليه وسلم ، بل وارتكبوا مانهوا عنه فاستحلوا ما حرم الله عليهم من المعاصي والفواحش بلا خوف ولا حياء حتى غطى الران قلوبهم واستحقوا غضب الله ومقته .
ولقد قرن الله سبحانه وتعالى الشرك والزنا واللواط بالنجاسة والخبث في كتابه دون سائر الذنوب ، وإن كانت جميع الذنوب تشتمل على ذلك ، لكن الله عزوجل خص هذه الذنوب الثلاثة لغلظها وقباحة فاعلها ومرتكبها عند الله تعالى وشناعة وبشاعة فعلها ، واستقذار ممارسيها عند الله تعالى ، وعند عباده ، لما فيها من تعد لحدود الله ، وعدم مبالاة بأوامره سبحانه وأوامر نبيه عليه الصلاة والسلام ، فقال تعالى : { ياأيها الذين آمنوا إنما المشركون نجس } ( التوبة 28 ) ، وقال في حق اللواط : { ولوطاً أتيناه حكماً وعلماً ونجيناه من القرية التي كانت تعمل الخبائث إنهم كانوا قوم سوء فاسقين } ( الأنبياء 74 ) ، وأما الزناة فجاء وصفهم صريحاً فقال تعالى : { الخبيثات للخبيثين والخبيثون للخبيثات } ( النور26 ) .
قال بن القيم رحمه الله تعالى : [ والمقصود بيان ما في الزنا واللواطة من نجاسة وخبث أكثر وأغلظ من سائر الذنوب ما دون الشرك ، وذلك لأنها تفسد القلب وتضعف توحيده جداً ، ولهذا كان أحظى الناس بهذه النجاسة أكثرهم شركاً ، فكلما كان الشرك في العبد أغلب كانت هذه النجاسة والخبائث فيه أكثر ، وكلما كان العبد أعظم إخلاصاً كان منها أبعد ، فليس في الذنوب أفسد للقلب والدين من هاتين الفاحشتين ] .
وقال بن حجر رحمه الله : [ لقد عد العلماء الزنا من الكبائر ، وبعض الزنا أغلظ من بعض ، فالزنا بحليلة الجار ، أو بذات الرحم ، أو بأجنبية في شهر رمضان ، أو البلد الحرام ، فاحشة مشينة ] .
ولهذا منع النبي صلى الله عليه وسلم كل الأسباب المؤدية إلى الزنا ، وجميع الدوافع الدافعة إليه ، فقال صلى الله عليه وسلم : [ أيما امرأة استعطرت فمرت على قوم ليجدوا ريحها فهي زانية ] ( النسائي وغيره ) ، وحذر نبي الأمة والرحمة من الدخول على النساء أو الاختلاط لأن ذلك مما قد يدفع ضعاف النفوس إلى ممارسة هذه الفاحشة العظيمة المشينة المحرمة ، فقال : [ إياكم والدخول على النساء ] ، فذكر له رجل ، فقال : أرأيت الحمو يارسول الله ، فقال : [ الحمو الموت ] ، أو كما جاء في الحديث ، فإذا كان هذا مع أخ الزوج ، فما بالنا بمن يتركون الرجال الأجانب يدخلون على نساءهم ومحارمهم دون أن يحرك ذلك ساكناً فيهم من شعور بالغيرة على أعراضهم ومحارمهم ، مدعين بذلك العفة لدى الجنسين ، وأقول : والله إنه ضعف في الدين ، وقلة حيلة لدى أولئك المساكين .
ولهذا قال تعالى محذراً من الدخول على النساء : { وإذا سألتموهن متاعاً فسألوهن من وراء حجاب } ثم ذكر المولى جل وعلا الحكمة البالغة من ذلك فقال : { ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن } ( الأحزاب 53 ) ، وحرم الإسلام على المرأة أن تخرج أمام الرجال الأجانب وهي متخذة زينتها لما في ذلك من جنوح إلى الذنب والمعصية ، وإقبال على الفاحشة والرذيلة ، واستمالة ضعاف النفوس والإيمان والتقوى للإنجراف في بحر الفاحشة ، والوقوع في براثن الزانيات العاهرات الداعيات إلى البعد عن عالم الخفيات فاطر الأرض والسموات ، فقال تعالى : { ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن أو آباءهن أو أباء بعولتهن أو أبناءهن أو أبناء بعولتهن أو إخوانهن أو بني إخوانهن أو بني أخواتهن أو نساءهن أو ماملكت أيمانهن أو التابعين غير أولي الإربة من الرجال أو الطفل الذين لم يظهروا على عورا النساء ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن وتوبوا إلى الله جميعاً أيها المؤمنون لعلكم تفلحون } ( النور31 ) ، ثم أمر المولى جلت قدرته عباده الذين لا ستطيعون النكاح ولا يجدون له طريقاً ومسلكاً ، أمرهم بالعفة إلى أن يكتب الله لهم ذلك ، فقال تعالى : { وليستعفف الذين لا يجدون نكاحاً حتى يغنيهم الله من فضله } ( النور 33 ) .
وحذر الله تعالى عباده من كل ما من شأنه أن يكون ذريعة إلى فعل فاحشة الزنا ، من الستر وعدم الاختلاط بين الرجال والنساء ، وعدم التكسر في كلام النساء مع الرجال ، وعدم خروج المرأة من بيتها بغير محرم لأن ذلك يفضي إلى عواقب وخيمة ، فيه فساد هذه الأمة ، وجاء الخطاب صريحاً لأمهات المؤمنين ، وقصد به نساء الأمة أجمعين ، فقال تعالى : { يا نساء النبي لستن كأحد من النساء إن اتقيتن فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض وقلن قولاً معروفاً * وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى وأقمن الصلاة وآتين الزكاة وأطعن الله ورسوله } ( الأحزاب 32/33 ) .
ومع ذلك كله فقد استهان كثير من الناس اليوم بكثير من المحرمات حتى أصبحت لديهم كأنها من المأمورات ، فاختلط الحلال بالحرام عند تلك الفئة من الناس ، فأضحوا لا يعرفون معروفاً ولا ينكرون منكراً ، ومن هذه الفواحش التي لعب الشيطان بعقول مرتكبيها فاحشة ( الزنا ) ، وسوف نتطرق إلى هذا الموضوع الهام والفاحشة العظيمة التي حرمها الإسلام ، ويمقتها أصحاب العقول والإلمام ، ويأباها صاحب الدين والخلق ، بل ترفضها البهائم العجماوات ، ولا تقبلها على ما فيها من فقد للعقول والأفهام ، قال تعالى : { قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق . . . } ( الأعراف 33 ) ، وقال تعالى : { ولا تقربوا الفواحش ماظهر منها وما بطن } ( الأنعام 151 ) . وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : [ ليس أحد أحب إليه المدح من الله عز وجل ، من أجل ذلك مدح نفسه ، وليس أحد أغير من الله عز وجل ، من أجل ذلك حرم الفواحش ، وليس أحد أحب إليه العذر من الله عز وجل ، من أجل ذلك أنزل الكتاب وأرسل الرسل ] ( مسلم ) .
ومن هذه الفواحش الزنا ، والزنا من أبشع الفواحش التي حرمها الله جل وعلا وحرمها رسوله صلى الله عليه وسلم ، وأجمعت الأمة قاطبة على تحريمه ، وهو من أقبح المعاصي والذنوب على الإطلاق ، ومن أعظم الجرائم ومن كبائر الذنوب والمعاصي ، لما فيه من اختلاط الأنساب الذي يبطل بسببه التعارف والتآلف والتعاون على الحق وفيه هلاك الحرث والنسل ، لأنه اشتمل على هذه الآثار القبيحة ، والنتائج السيئة ، ورتب الله عليه حداً صارماً وقاسياً ، وهو رجم الزاني بالحجارة حتى الموت إن كان متزوجاً ، والجلد والتغريب إن لم يكن متزوجاً ، ليحصل بذلك الارتداع والابتعاد عن هذه الفاحشة القبيحة ، والزنا من أكبر الكبائر بعد الكفر والشرك بالله وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق ، قال صلى الله عليه وسلم : [ اجتنبوا الكبائر وسددوا وأبشروا ] ( أحمد في صحيح الجامع برقم 146 ) .
وهو محرم بكتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم وإجماع الأمة الذي نقله كثير من أهل العلم ، قال تعالى : { ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيلا } ( الإسراء 32 ) ، وقال صلى الله عليه وسلم : [ لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ] ( متفق عليه ) ، وقال عليه الصلاة والسلام : [ إذا زنى العبد خرج منه الإيمان وكان كالظلة ، فإذا انقلع منها رجع إليه الإيمان ] ( قال الحاكم صحيح على شرط الشيخين ووافقه الذهبي ) .
فجاء التحريم مواكباً لما تقتضيه الطبيعة البشرية ، ولما يسببه الزنا من أضرار وأمراض بالغة ، سواءً العضوية أو النفسية أو الاجتماعية ، فالزنا يسبب أمراضاً خطيرة وفتاكة بالجسم ، ويؤدي إلى اضطراب المجتمعات ، وتفكك الأسر ، ولا أدل على ذلك من التفكك والضياع الذي تعيشه معظم الأسر الغربية وانحلال الحياء بسبب اقتراف فاحشة الزنا ، فمجتمع لا هم له إلا إشباع شهواته الغريزية ، ولذاته الجنسية ، ذاك مجتمع فاشل هابط ساقط ، ولا يأمن بعضه بعضاً لاستفحال هذه الفاحشة فيهم . فهم معرضون لشديد عقاب الله وأليم عذابه .
فعند إقدام الزاني على الزنا وعند قيامه به في هذه الحالة قد ارتفع الإيمان فوق رأسه فهو بلا إيمان ، ففي هذه الحالة انتفى الإيمان من قلبه وجوارحه حتى يترك هذه المعصية ـ عياذا بالله من ذلك ـ فكيف إذا جاء ملك الموت لتنفيذ أمر الله وقبض الأرواح ، والزناة والزواني في هذه الحالة التي تغضب جبار السموات والأرض ، كيف سيكون المصير ؟ كيف وقد خرج الإيمان وجاء الموت ؟ على أي حال كان هذا الزاني وهذه الزانية ؟ إنهما كانا على حال تُغضب الله العزيز الجبار شديد العقاب ، فالله يمهل للظالم ولا يهمله ، وإذا أخذه لم يُفلته ، بل يأخذه أخذ عزيز مقتدر ، قال صلى الله عليه وسلم : [ إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته ، ثم قرأ : { وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد } ( هود102 ) ، فهل هناك أقبح من أن يأتي رجل امرأة لا تحل له ؟ وهل هناك أفظع من أن يضع رجل نطفته في فرج حرام لا يحل له ؟ فكيف إذا داهم ملك الموت هؤلاء الزناة ؟ كيف سيكون الخلاص ؟ وأين المهرب والملتجأ ؟ وأين الناصرون ؟ وأين المنقذون ؟ وأين الآمرون بالزنا ؟ وأين شيطانهم الذي دفعهم لارتكاب تلك الفاحشة الشنيعة ؟ إن الشيطان الذي زين لهم القيام بالزنا وهون أمره في قلوبهم سيتخلى عنهم في ذلك الموقف العصيب الرهيب ، ومن ينفع إذا جاء الموت ، وغرغرت الروح وبلغت الحلقوم ، والله لن ينفع العاصي في تلك اللحظة أحد من الخلق أجمعين ـ فنسأل الله أن يحسن خاتمتنا ـ ويرد عليهم الشيطان في قول الله تعالى : { وإذ زين لهم الشيطان أعمالهم وقال لاغالب لكم اليوم من الناس وإني جار لكم فلما تراءت الفئتان نكص على عقبيه وقال إني برئ منكم إني أرى مالا ترون إني أخاف الله والله شديد العقاب } ( الأنفال 48 ) ، ويقول جل وعلا : { وقال الشيطان لما قضي الأمر إن الله وعدكم وعد الحق ووعدتكم فأخلفتكم وما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي فلا تلوموني ولوموا أنفسكم ما أنا بمصرخكم وما أنتم بمصرخي إني كفرت بما أشركتمون من قبل إن الظالمين لهم عذاب أليم } ( إبراهيم 22 ) ، ماذا سيقول الزناة لهادم اللذات ؟ ومفرق الجماعات ؟ ماذا سيقولون لملك الموت ؟ أيقولون أمهلنا حتى نتوب إلى الله ، أم يقولون انظرنا حتى نعاهد الله ألا نعود لمثل ذلك ؟ يقول الله جل شأنه في أمثال أولئك : { حتى إذا جاء أحدهم الموت قال رب ارجعون * لعلي أعمل صالحاً فيما تركت كلا إنها كلمة هو قائلها ومن وراءهم برزخ إلى يوم يبعثون } ( المؤمنون 100 ) ، أتدري ما البرزخ ؟ إنه حياة القبر وما أعده الله للزناة والزواني فيه من ألوان العذاب التي لا يعلمها إلا هو سبحانه ، يقول تعالى : { وهو القاهر فوق عباده ويرسل عليكم حفظة حتى إذا جاء أحدكم الموت توفته رسلنا وهم لايفرطون * ثم ردوا إلى الله مولاهم الحق ألا له الحكم وهو أسرع الحاسبين } ( الأنعام 61/62 ) ، وقال تقدس في علاه : { قالوا ربنا غلبت علينا شقوتنا وكنا قوماً ضالين * ربنا أخرجنا منها فإن عدنا فإنا ظالمون * قال أخسئوا فيها ولا تكلمون } ( المؤمنون 106/107 ) . إن هناك من العذاب مالا تطيقة الجبال الراسيات ، فضلاً عن أن يطيقه إنسان اكتسى لحماً وعظماً ، أما كان لهؤلاء أن يصبروا على طاعة الله ، ويصبروا عن معاص الله ، ويعلموا أن من ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه ، وقد أمروا بترك الزنا والابتعاد عنه وأوجد لهم نبيهم عليه الصلاة والسلام طريقاً ومسلكاً يتبعه من لايستطيع الباءة والقدرة على الزواج من البنين والبنات ، فبين نبي الرحمة والهدى معالم الدين الحنيف لكافة الأمة ، كيف لا ؟ وقد قال الله عن نبيه صلى الله عليه وسلم : { لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم } ( التوبة 128 ) ، فهاهو النبي صلى الله عليه وسلم يبين الطريق الأمثل لمن لم يستطع الزواج والقدرة عليه بقوله عليه الصلاة والسلام : [ يامعشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج ، فإنه أحصن للفرج وأغض للبصر ، ومن لم يستطع فعليه بالصوم ، فإنه له وجاء ] ( البخاري ) ، ثم ماذا بعد الموت ؟ أين مصير الزناة والزواني ؟ يقول تعالى :{ ومن وراءهم برزخُ إلى يوم يبعثون } ( المؤمنون 100 ) ، البرزخ كما قلنا هو حياة القبر ، فماذا سيكون مصيرهم هناك ، إنه تنور ( فرن ) أسفله واسع وأعلاه ضيق يوضع فيه الزناة والزواني ويأتيهم العذاب والنار من تحتهم وهم يصرخون ويصيحون ، فمن ينصرهم في ذلك الموقف العسير ؟ فلا إله إلا الله ، ولاحول ولاقوة إلا بالله . اللهم أجرنا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة
ثم كيف بالزناة والزواني يخشون الناس ولايخشون الله ، ويستحيون من الناس ولايستحيون من الله ، ويستخفون من الناس ولايستخفون من الله . فتراهم يهربون إلى أماكن بعيدة حتى لا يراهم أحد من الناس ، ونسوا بل تناسوا أن الله يراهم وينظر إليهم في تلك اللحظات المشينة ، قال تعالى : { يستخفون من الناس ولا يستخفون من الله وهو معهم إذ يبيتون مالا يرضى من القول وكان الله بما يعملون محيطاً } ( النساء 108 ) ، وقال تعالى : { أتخشونهم فالله أحق أن تخشوه إن كنتم مؤمنين } ( التوبة 13 ) .
ولكنه اتباع الهوى والشهوات ، والبعد عن خالق الأرض والسموات ، قال تعالى : { فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غياً } ( مريم 59 ) ، وغي هذا هو واد في جهنم بعيد قعره ، فيه من ألوان العذاب مالا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ، نسي أولئك أنهم سيعودون إلى الله سبحانه وتعالى فيجازيهم بأعمالهم ، قال المولى جل وعلا : { أفحسبتم أنما خلقناكم عبثاً وأنكم إلينا لا ترجعون } ( المؤمنون 115 ) ، وأنه سيذكرهم ويقررهم بما عملوا ، فإن نسوا هم فإن الله لاينسى ، قال تعالى :{ في كتاب لايضل ربي ولا ينسى } ( طه52 ) ، نسوا أن الله سيسجل عليهم ذلك ويجدونه في صحائف أعمالهم ، وقال تعالى :{ ووضع الكتاب فترى المجرمين مشفقين مما فيه ويقولون ياويلتنا مال هذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها ووجدوا ما عملوا حاضراً ولا يظلم ربك أحداً } ( الكهف49 ) ، وقال تعالى :{ يوم يبعثهم الله جميعاً فينبئهم بما عملوا أحصاه الله ونسوه والله على كل شئ شهيد } ( المجادلة6 ) .
والآيات الدالة على البعث والحساب كثيرة وأن هؤلاء العصاة والبغاة سيعودون إلى الله ويحاسبون على أعمالهم الشنيعة التي أغضبت المولى جل وعلا ، وسيحاسبون على أفعالهم القبيحة التي لا يرضى عنها حتى من لا يؤمن بالله ، فالطباع السليمة لا ترضى مثل هذه الفاحشة التي توجب غضب الله وعقابه وسخطه ومقته ، وعندما بايع النبي صلى الله عليه وسلم النساء على ألا يشركن بالله شيئاً ولايسرقن ولا يزنين ، قالت هند بنت عتبة : أوَ تزني الحُرة ؟ ما كان نساء الصحابة رضوان الله عليهن يصدقن أن الحرة تزني ، ما كن يعرفن الزنا ، لأنه لم يكن موجوداً عند أهل الإيمان والتقوى ، فصاحب الزنا يشعر بأنه من أفسق الناس ومن أفجرهم ومن أجرم الناس على الإطلاق ، فهو أيضاً يُحس بوحشة وضيق في صدره من شناعة الجُرم والفاحشة التي قام بها فيتمنى لو أن الأرض تنشق وتبتلعه من قُبح ما فعل ، فإذا فعل فعلته التي فعل ، وانتهى من جرمه الذي عمل ، ضاق صدره وتألم قلبه لسوء فعلته ، وخساسة عمله فيُحس بقذارة ما فعل من فاحشة ( الزنا ) ويتمنى لو أنه لم يفعلها فيريد التوبة والعودة والإنابة إلى الله سبحانه ، والإقلاع عن تلك المعصية ، ولكن يأتيه الشيطان فيهون عليه تلك المعاصي والآثام ، ويُطمئِنُ قلبه بفعل تلك الذنوب العظام ، والكبائر الجسام ، والموبقات المهلكات ، فيهلكه بفعلها ويغرقه في لجج المعاصي والآثام فيقع فريسة سهلة للشيطان ، فتضيق عليه معيشته ويصبح كثير الشكوك وافر الظنون ، لأنه يخاف أن يفعل الناس بأهله الفاحشة كما يفعلها هو بمحارم الناس ( فكما تدين تدان ) ، قال صلى الله عليه وسلم : [ من وقاه الله شر ما بين لحييه ، وشر ما بين رجليه دخل الجنة ] ( السلسلة الصحيحة برقم 509 ) فصاحب الزنا يعيش بصير العين أعمى القلب ، ومن عمي قلبه فحياته فيها من التعاسة الشيء الكثير ، فهو خائف وقلق وفزع من هول تلك المعصية فيخاف من العقوبة في الدنيا ، أما الآخرة فقد نسيها ونسي الخالق سبحانه فالله سوف ينساه لأنه ماعرف لله حقاً ، وما ترك لله حداً ، فالجزاء من جنس العمل .
قال تعالى : { نسوا الله فنسيهم } ( التوبة 67 ) ، وقال تعالى : { استحوذ عليهم الشيطان فأنساهم ذكر الله أولئك حزب الشيطان ألا إن حزب الشيطان هم الخاسرون } ( المجادلة 19 ) .
أدلة تحريم الزنا :
أولاً : من الكتاب :
قال تعالى : { ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيلا } ( الإسراء32 ) ، وقال تعالى :{ ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاماً * يُضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مُهاناً } ( الفرقان68/69 ) ، وقال تعالى :{ الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ولاتأخذ كم بهما رأفة في دين الله إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين } ( النور2 ) ، ومما أنزله الله تعالى ثم نُسخ لفظاَ وبقي حُكماَ قوله تعالى :{ والشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة نكالاً من الله والله عزيزٌ حكيم } ورد ذلك في الحديث المتفق عليه ، ومعنى الشيخ والشيخة أي (الثيب والثيبة) ، وقال تعالى :{ الزاني لاينكح إلا زانية أو مشركة والزانية لاينكحها إلا زان أو مشرك وحُرم ذلك على المؤمنين } ( النور3 ) ، وقال الإمام الفخر الرازي من أحسن ما قيل في تفسير هذه الآية أن الفاسق الخبيث الذي من شأنه الزنا والفسق لايرغب في الزواج منه النساء الصوالح ، ولا يرغب هو في ذلك ، وإنما يرغب في نكاح فاسقة مثله أو في مشركة ، والفاسقة الخبيثة لايرغب في نكاحها الرجال الصلحاء وينفرون منها ، ويتنحون عنها ، ولا يرغب فيها إلا من هو من جنسها من الفسقة والمشركين ، ومن أدلة تحريم الزنا قوله تعالى : { ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن } ( الأنعام151 ) ، وقال تعالى : { الخبيثت للخبيثين والخبيثون للخبيثات والطيبات للطيبين والطيبون للطيبات أولئك مبرءون مما يقولون لهم مغفرة ورزق كريم } ( النور26 ) ، فصاحب الزنا خبيث وصاحبة الزنا خبيثة والخبيث للخبيثة ، أما الطاهرون من هذه الفاحشة الشنيعة فهم الطيبون والطيبات فهؤلاء لبعضهم البعض ، هؤلاء من التزموا أوامر اله تعالى ، وأوامر نبيه صلى الله عليه وسلم فهم الفائزون المفلحون بإذن ربهم ، لتمسكهم بتعاليم دينهم وعدم العدول عنه قيد أنملة ، فهنيئاً لهم . وتعساً لمن رضي الزنا والهوى ديناً ومسلكاً وطريقاً .
ثانياً : من السنة :
في الزنا إماتة في قلب الزاني والزانية لروح الإيمان والتقوى والخوف من الجبار سبحانه ، ولا يقبل فاحشة الزنا ذو عقل أو همة أو من في قلبه غيرة .
قال صلى الله عليه وسلم : [ خذوا عني خذوا عني قد جعل الله لهن سبيلا ، البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام ، والثيب بالثيب جلد مائة والرجم ] ( مسلم واحمد وغيرهما ) .
وقال صلى الله عليه وسلم : [ لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث : الثيب الزاني ، والنفس بالنفس ، والتارك لدينه المفارق للجماعة ] ( متفق عليه ) .
وقال عليه الصلاة والسلام : [ ما من ذنب بعد الشرك أعظم عند الله من نطفة وضعها رجل في رحم لا يحل له ] .
وقال صلى الله عليه وسلم : [ ثلاثة لايكلمهم الله ولا ينظر إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذابُ أليم : شيخٌ زان ، وملك كذاب ، وعائل مستكبر ] (مسلم وأحمد والنسائي) ، وقال صلى الله عليه وسلم :[ لايزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ] (متفق عليه) ، ولما سئل صلى الله عليه وسلم عن أعظم الذنب ذكر منها : [ أن تزاني بحليلة جارك ] ( متفق عليه ) ، وحليلة جارك يعني زوجة جارك .
وعن بن عباس رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : [ إياكم والزنا ، فإن في الزنا ست خصال : ثلاث في الدنيا ، وثلاث في الآخرة . فأما اللواتي في الدنيا : فذهاب نور الوجه ، وانقطاع الرزق ، وسرعة الفناء . وأما اللواتي في الآخرة : فغضب الرب ، وسوء الحساب ، والخلود في النار ، إلا أن يشاء الله ] ( رواته ثقات وفيه انقطاع) .
ثالثاً : الإجماع :
أجمعت الأمة الإسلامية من عهد النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدون والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يومنا هذا أجمعت الأمة على تحريم الزنا وأن الزاني يُرجم إن كان محصناً ، ويجلد ويُغرب إن كان غير محصن ، فرجم النبي صلى الله عليه وسلم ماعزا ورجم الغامد ية ورجم التي زنا بها العسيف ( الأجير ) ورجم اليهوديين ، ثم بعد موته عليه الصلاة والسلام ، رجم الصحابة من زنا في عهدهم رضي الله عنهم أجمعين ، وتلقى الناس هذا الحكم وعملوا به إلى يومنا هذا في كل بلد تطبق أحكام الإسلام . (مجلة البحوث الإسلاميةج8 ) .
وقد أجمع أهل الملل على تحريمه ، فلم يحل في ملة قط . ولو أحل في ملة ما لكان ذلك مشاهداً عياناً بياناً ، ولعلم ذلك لارتكاب مستحليه علانية وجهراً لا خفية وسراً ، ولكن لما لم يحدث ذلك ولم ينقل عن أهل ملة من تلك الملل عُلم بذلك تحريمه في جميع الملل . ولذا كان حده أشد الحدود ، لأنه جناية على الأعراض والأنساب . وهو من جملة الكليات الخمس ، وهي حفظ النفس والدين والنسب والعقل والمال التي حرم الإسلام التعرض لها ، وجاء التحريم أيضاً في سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم في خطبة الوداع عندما حرم الدماء والأموال والأعراض بين المسلمين ، وأوضح عليه الصلاة والسلام أنها حرام عليكم كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا في عامكم هذا .
عقوبة الزنا :
أولاً : في الدنيا :
عقوبة الزاني والزانية الرجم إن كانا محصنين ، والجلد والتغريب إن لم يكونا محصنين ، فقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم رجم من زنا في عصره ، وكذلك الخلفاء الراشدون رضوان الله عليهم رجموا من زنا في عصرهم ، وقد تلقى المسلمون هذا الحكم بالقبول إلى يومنا هذا ، قال صلى الله عليه وسلم : [ لايحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث ، وذكر منها ( الثيب الزاني ) . . . ] ( متفق عليه ) ، وقال عليه الصلاة والسلام : [ إذا ظهر الزنا والربا في قوم فقد أحلوا بأنفسهم عذاب الله ] ( الحاكم وصحح إسناده ) ، وقال صلى الله عليه وسلم : [ لم تظهر الفاحشة في قوم حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضوا ] ( ابن ماجة ) .
وقال صلى الله عليه وسلم : [ والثيب بالثيب جلد مائة والرجم ] ( مسلم وغيره ) .
كيفية الجلد :
اتفق الفقهاء على أن الجلد يكون بسوط معتدل ، ليس رطباً ، ولا شديد اليبوسة ، ولا خفيفاً لا يؤلم ، ولا غليظاً يجرح ، ولا يرفع الضارب يده بحيث يبدو بياض إبطه ، ويفرق الجلدات على بدنه .
ويتقي المقاتل لأنها مواضع يسرع القتل إلى صاحبها بالضرب عليها ، والقصد من الحد الردع والزجر لا القتل ، ويجتنب الوجه لأنه أشرف أعضاء الإنسان ومعدن جمله فلا بد من تجنبه خوفاً من تجريحة وتقبيحة ، قال صلى الله عليه وسلم : [ إذا ضرب أحدكم فليجنب الوجه ] ( البخاري في الفتح وأحمد ) ، وقال علي رضي الله عنه للجلاد : [ أعط كل عضو حقه واتق الوجه والمذاكير ] . ويجلد الرجل قائماً ، والمرأة جالسة وهذا مذهب أبي حنيفة والشافعي وأحمد .
كيفية الرجم :
إذا كان المرجوم رجلاً أقيم عليه حد الرجم وهو قائم ولم يوثق ولم يحفر له سواءً ثبت زناه ببينة أو بإقرار ، وهذا محل اتفاق بين الفقهاء .
أما المرأة فيحفر لها عند الرجم إلى صدرها إن ثبت زناها ببينة ، لئلا تتكشف عورتها ، ويؤتى بحجارة متوسطة تملأ الكف ، ويضرب المرجوم حتى الموت ، ويخص بالرجم مقاتل المرجوم ، ويقف الناس صفوفاً كصفوف الصلاة وهذا قول الحنفية ، وقال الحنابلة : يسن أن يدور الناس حول المرجوم من كل جانب كالدائرة إن ثبت زناه ببينة ، ولا يسن ذلك إن ثبت زناه بإقرار ، وقال الشافعية : يحيط الناس به . ( الموسوعة الفقهية زنا ، رجم ، جلد ) .
فمن يطيق أن يفعل به هذا العذاب الأليم ، وهذا العقاب الشديد ، وهذا في الدنيا أما الآخرة فهي أشد وأبقى { كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلوداً غيرها ليذوقوا العذاب } ( النساء 56 ) . أم كان له أن ينقذ نفسه من رق العبودية للشهوة والهوى ، ويقي جسده من نار تلظى . أما كان من الواجب عليك أن تتعظ بما حل بالأمم السالفة ، وما يحصل من سوء خاتمة لمن بلوا أنفسهم بفاحشة الزنا ممن نعاصرهم .
فاعتبروا يا أولي الأبصار !! .
ثانياً : في القبر :
يوضع الزناة والزواني في تنور ( فرن ) أسفله واسع وأعلاه ضيق ، وتعلق الزانيات بثديهن وتأتيهم النار من تحتهم وهم يصرخون ويتضأضأون ، ولكن هيهات هيهات لهم أن يخرجوا ، ففي الحديث الطويل الذي رواه البخاري رحمه الله عن سمرة بن جندب رضي الله عنه قال : [ . . . وإنه قال لنا ( النبي صلى الله عليه وسلم ) ذات غداة : " إنه أتاني الليلة آتيان ، وإنهما قالا لي انطلق ، وإني انطلقت معهما ، . . . ، فانطلقنا فأتينا على مثل التنور فأحسب أنه قال فإذا فيه لغط وأصوات ، فاطلعنا فيه فإذا فيه رجال ونساء عراة ، وإذا هم يأتيهم لهب من أسفل منهم فإذا أتاهم ذلك اللهب ضوضئوا ، قلت ما هؤلاء ؟ قالا لي : انطلق انطلق ، . . . ، إلى أن قال : فإني رأيت الليلة عجباً ؟ فما هذا الذي رأيت ؟ قالا لي : أما إنا سنخبرك : إلى أن قال : وأما الرجال والنساء العراة الذين هم في مثل التنور فإنهم الزناة والزواني ] وهذا هو مصيرهم في القبورإلى قيام الساعة ، والساعة أدهى وأمرّ .
فهل من توبة ؟ وهل من عودة إلى الله سبحانه وتعالى ؟ وهل من معتبر ؟
المقدمة
الحمد لله فاطر السموات والأرض ، عالم الغيب والشهادة ، القوي الجبار ، شديد العقاب ، وأشهد أن لا إله إلا الله الواحد القهار ، رب الأرباب ، ومسبب الأسباب ، وقاهر الصلاب ، وخالق خلقه من تراب ، قاصم الجبابرة ، وقاهر الفراعنة ، والصلاة والسلام على من بعثه الله رحمة للعباد ، ليبين لهم الحلال والحرام ، وليحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه . . . أما بعد :
قلا شك أن الله تعالى خلق الخلق لعبادته سبحانه ، ولا يمكن ذلك إلا باتباع أوامره تعالى وأوامر رسوله صلى الله عليه وسلم ، واجتناب النواهي ، والبعد عن المحرمات ، والحذر من الكبائر ، فكل ذلك من السبل الموصلة إلى رضوان الله عز وجل ومن ثم يقر العبد بمغفرة ربه له ورحمته إياه ، ثم ينال بعد ذلك ما كان يصبو إليه العبد من دخول الجنة والنجاة من النار ، فمن أراد الجنة والفوز بها فطريقها واضح معلوم ، وكذلك النار والنجاة منها أيضاً واصح معلوم ، لا يغفل عنهما إلا حيوان لا عقل له أو من تشبه به من بني البشر ، فالله تعالى بحكمته البالغة ، وعلمه الذي وسع كل شيء بين للناس طريقي الخير والشر ، فقال تعالى : { إنا هديناه السبيل إما شاكراً وإما كفوراً } ( الإنسان 3 ) ، وقال عز وجل : { وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ } ( البلد ) ، فيجب على العبد وجوباً أن يحكم عقله ويعمل رأيه في ذلك لاختيار الطريق الذي يوصله إلى مرضاة ربه وبالتالي إلى جنة عرضها السموات والأرض . ولقد بين النبي صلى الله عليه وسلم ذلك الأمر بكلام واضح لا يحتاج معه المرء إلى تفسير أو توضيح وذلك في بيان طريقي الخير والشر وأن الجنة والنار قد حفت كل منهما بما يناسبها وبما يدعو العبد للعمل به ليدخل الجنة وبما يحذر منه فيجتنب النار فقال عليه الصلاة والسلام : [ حفت الجنة بالمكاره ، وحفت النار بالشهوات ] ( انظر صحيح الجامع 3147 ) ، فمن هذا المنطلق وجب على العبد أن يسعى في هذه الدنيا جاهداً كادحاً لإرضاء ربه ونبذ ما سواه من الشهوات والكبائر ، فاتباع الهوى سبب لوقوع العبد في المعصية وقد يزين له الشيطان هذه المعصية فيألفها العبد فيتخبط في المعاصي ويرتكب الكبائر غير مراع لما قد يحصل له من سوء الخاتمة عند إصراره على المعصية ، قال تعالى : { فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلوات واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غياً } ( مريم 59 ) . قال ابن حجر الهيتمي : [ اعلم أن جماعة من الأئمة أنكروا أن في الذنوب صغيرة ، وقالوا بل سائر المعاصي كبائر . . . وإنما يقال لبعضها : صغيرة وكبيرة بالإضافة إلى ما هو أكبر منها ، وقال جمهور العلماء : أ، المعاصي تنقسم إلى صغائر وكبائر ، ولا خلاف بين الفريقين في المعنى ، وإنما الأولون فروا من هذه التسمية وكرهوا تسمية معصية الله صغيرة ] انتهى .
وقال الذهبي : الكبيرة : ما نهى الله ورسوله عنه في الكتاب والسنة والأثر عن السلف الصالحين وقد ضمن اله تعالى في كتابه العزيز لمن اجتنب الكبائر والمحرمات أن يكفر عنه الصغائر من السيئات لقوله تعالى : { إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم وندخلكم مدخلاً كريماً } ( النساء31 ) ، وقال تعالى : { الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش إلا اللمم إن ربك واسع المغفرة } ( النجم32 ) ] انتهى .
فالذي دعاني للكتابة في هذا الموضوع الهام والخطير جداً ما يراه كل منصف ، وطالب للحق ، من اقتراف كثير من المسلمين لكبيرتين هما من أكبر الكبائر والعياذ بالله ، وذلك جهلاً منهم ، بل عناداً منهم ، وعدم تقبل لأوامر الله تعالى وأوامر رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم ، فاندفع أولئك الناس كالذئاب البرية المتوحشة ، يفتك بعضهم ببعض من أجل إشباع غريزة ما تلبث أن تُنسى لذتها وتَبقى تبعتها ، ويُقاسى عذابها عاجلاً أو آجلاً ، فلقد تهافت بعض ضعاف العقول والنفوس ، وقليلي الدين ، وقاصري التفكير على هاتين الفاحشتين العظيمتين : فاحشة الزنا وفاحشة اللواط ، أعاذ الله المسلمين من شرهما وعاقبتهما .
وخوفاً على مرتكبيها وشفقة بهم أن يصيبهم الله بعذاب من عنده أو بأيديهم فيصبحوا على ما فعلوا بأنفسهم نادمين ، وأيضاً من واجب النصح والتناصح بين المسلمين ، وحق الأخوة بين المؤمنين ، بسبب ذلك أردت أن أذكر وأنصح إخواني المسلمين ممن استزلهم الشيطان وأوقعهم في حبائله ، وأوردهم شباكه ، أن أنصحهم وأعظهم محذراً من شرور تلك الفاحشتين وأليم عقابهما ، وآمراً لهم بالمعروف ، وناهياً لهم عن المنكر ، ومتعاوناً وإياهم على البر والتقوى ، ومبتعداً وإياهم عن الإثم والعدوان .
فأسأل الله جلت قدرته أن يكتب لي التوفيق والسداد والعون والإعانة ، وأن يجعل التوفيق حليفي ، وأن ييسر لي أمري ويحلل عقدة من لساني ويسدد قلمي ورأي وخواطري نحو هذا الموضوع ، كما أسأله سبحانه أن يهيئ له قلوباً صاغية وعقولاً واعية ونفوساً مطمئنة إنه نعم المولى ونعم النصير ، وبالله التوفيق وهو حسبي ونعم الوكيل ، وحان أوان الشروع في المقصود .
فأقول وبالله التوفيق :
فاحشة الزنا
إن الله سبحانه وتعالى خلق الخلق وأوجدهم لغاية سامية ، واستخلفهم في الأرض لأمر عظيم ألا وهو عبادته وحده سبحانه دون سواه ، وأن يُطاع أبداً ، ولا يُعصى أبداً ، ولهذا قال تعالى : [ وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ] ( الذاريات 56 ) ، ولقد فرط كثير من المسلمين بأوامر الله عزوجل ، وأوامر نبيه صلى الله عليه وسلم ، بل وارتكبوا مانهوا عنه فاستحلوا ما حرم الله عليهم من المعاصي والفواحش بلا خوف ولا حياء حتى غطى الران قلوبهم واستحقوا غضب الله ومقته .
ولقد قرن الله سبحانه وتعالى الشرك والزنا واللواط بالنجاسة والخبث في كتابه دون سائر الذنوب ، وإن كانت جميع الذنوب تشتمل على ذلك ، لكن الله عزوجل خص هذه الذنوب الثلاثة لغلظها وقباحة فاعلها ومرتكبها عند الله تعالى وشناعة وبشاعة فعلها ، واستقذار ممارسيها عند الله تعالى ، وعند عباده ، لما فيها من تعد لحدود الله ، وعدم مبالاة بأوامره سبحانه وأوامر نبيه عليه الصلاة والسلام ، فقال تعالى : { ياأيها الذين آمنوا إنما المشركون نجس } ( التوبة 28 ) ، وقال في حق اللواط : { ولوطاً أتيناه حكماً وعلماً ونجيناه من القرية التي كانت تعمل الخبائث إنهم كانوا قوم سوء فاسقين } ( الأنبياء 74 ) ، وأما الزناة فجاء وصفهم صريحاً فقال تعالى : { الخبيثات للخبيثين والخبيثون للخبيثات } ( النور26 ) .
قال بن القيم رحمه الله تعالى : [ والمقصود بيان ما في الزنا واللواطة من نجاسة وخبث أكثر وأغلظ من سائر الذنوب ما دون الشرك ، وذلك لأنها تفسد القلب وتضعف توحيده جداً ، ولهذا كان أحظى الناس بهذه النجاسة أكثرهم شركاً ، فكلما كان الشرك في العبد أغلب كانت هذه النجاسة والخبائث فيه أكثر ، وكلما كان العبد أعظم إخلاصاً كان منها أبعد ، فليس في الذنوب أفسد للقلب والدين من هاتين الفاحشتين ] .
وقال بن حجر رحمه الله : [ لقد عد العلماء الزنا من الكبائر ، وبعض الزنا أغلظ من بعض ، فالزنا بحليلة الجار ، أو بذات الرحم ، أو بأجنبية في شهر رمضان ، أو البلد الحرام ، فاحشة مشينة ] .
ولهذا منع النبي صلى الله عليه وسلم كل الأسباب المؤدية إلى الزنا ، وجميع الدوافع الدافعة إليه ، فقال صلى الله عليه وسلم : [ أيما امرأة استعطرت فمرت على قوم ليجدوا ريحها فهي زانية ] ( النسائي وغيره ) ، وحذر نبي الأمة والرحمة من الدخول على النساء أو الاختلاط لأن ذلك مما قد يدفع ضعاف النفوس إلى ممارسة هذه الفاحشة العظيمة المشينة المحرمة ، فقال : [ إياكم والدخول على النساء ] ، فذكر له رجل ، فقال : أرأيت الحمو يارسول الله ، فقال : [ الحمو الموت ] ، أو كما جاء في الحديث ، فإذا كان هذا مع أخ الزوج ، فما بالنا بمن يتركون الرجال الأجانب يدخلون على نساءهم ومحارمهم دون أن يحرك ذلك ساكناً فيهم من شعور بالغيرة على أعراضهم ومحارمهم ، مدعين بذلك العفة لدى الجنسين ، وأقول : والله إنه ضعف في الدين ، وقلة حيلة لدى أولئك المساكين .
ولهذا قال تعالى محذراً من الدخول على النساء : { وإذا سألتموهن متاعاً فسألوهن من وراء حجاب } ثم ذكر المولى جل وعلا الحكمة البالغة من ذلك فقال : { ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن } ( الأحزاب 53 ) ، وحرم الإسلام على المرأة أن تخرج أمام الرجال الأجانب وهي متخذة زينتها لما في ذلك من جنوح إلى الذنب والمعصية ، وإقبال على الفاحشة والرذيلة ، واستمالة ضعاف النفوس والإيمان والتقوى للإنجراف في بحر الفاحشة ، والوقوع في براثن الزانيات العاهرات الداعيات إلى البعد عن عالم الخفيات فاطر الأرض والسموات ، فقال تعالى : { ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن أو آباءهن أو أباء بعولتهن أو أبناءهن أو أبناء بعولتهن أو إخوانهن أو بني إخوانهن أو بني أخواتهن أو نساءهن أو ماملكت أيمانهن أو التابعين غير أولي الإربة من الرجال أو الطفل الذين لم يظهروا على عورا النساء ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن وتوبوا إلى الله جميعاً أيها المؤمنون لعلكم تفلحون } ( النور31 ) ، ثم أمر المولى جلت قدرته عباده الذين لا ستطيعون النكاح ولا يجدون له طريقاً ومسلكاً ، أمرهم بالعفة إلى أن يكتب الله لهم ذلك ، فقال تعالى : { وليستعفف الذين لا يجدون نكاحاً حتى يغنيهم الله من فضله } ( النور 33 ) .
وحذر الله تعالى عباده من كل ما من شأنه أن يكون ذريعة إلى فعل فاحشة الزنا ، من الستر وعدم الاختلاط بين الرجال والنساء ، وعدم التكسر في كلام النساء مع الرجال ، وعدم خروج المرأة من بيتها بغير محرم لأن ذلك يفضي إلى عواقب وخيمة ، فيه فساد هذه الأمة ، وجاء الخطاب صريحاً لأمهات المؤمنين ، وقصد به نساء الأمة أجمعين ، فقال تعالى : { يا نساء النبي لستن كأحد من النساء إن اتقيتن فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض وقلن قولاً معروفاً * وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى وأقمن الصلاة وآتين الزكاة وأطعن الله ورسوله } ( الأحزاب 32/33 ) .
ومع ذلك كله فقد استهان كثير من الناس اليوم بكثير من المحرمات حتى أصبحت لديهم كأنها من المأمورات ، فاختلط الحلال بالحرام عند تلك الفئة من الناس ، فأضحوا لا يعرفون معروفاً ولا ينكرون منكراً ، ومن هذه الفواحش التي لعب الشيطان بعقول مرتكبيها فاحشة ( الزنا ) ، وسوف نتطرق إلى هذا الموضوع الهام والفاحشة العظيمة التي حرمها الإسلام ، ويمقتها أصحاب العقول والإلمام ، ويأباها صاحب الدين والخلق ، بل ترفضها البهائم العجماوات ، ولا تقبلها على ما فيها من فقد للعقول والأفهام ، قال تعالى : { قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق . . . } ( الأعراف 33 ) ، وقال تعالى : { ولا تقربوا الفواحش ماظهر منها وما بطن } ( الأنعام 151 ) . وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : [ ليس أحد أحب إليه المدح من الله عز وجل ، من أجل ذلك مدح نفسه ، وليس أحد أغير من الله عز وجل ، من أجل ذلك حرم الفواحش ، وليس أحد أحب إليه العذر من الله عز وجل ، من أجل ذلك أنزل الكتاب وأرسل الرسل ] ( مسلم ) .
ومن هذه الفواحش الزنا ، والزنا من أبشع الفواحش التي حرمها الله جل وعلا وحرمها رسوله صلى الله عليه وسلم ، وأجمعت الأمة قاطبة على تحريمه ، وهو من أقبح المعاصي والذنوب على الإطلاق ، ومن أعظم الجرائم ومن كبائر الذنوب والمعاصي ، لما فيه من اختلاط الأنساب الذي يبطل بسببه التعارف والتآلف والتعاون على الحق وفيه هلاك الحرث والنسل ، لأنه اشتمل على هذه الآثار القبيحة ، والنتائج السيئة ، ورتب الله عليه حداً صارماً وقاسياً ، وهو رجم الزاني بالحجارة حتى الموت إن كان متزوجاً ، والجلد والتغريب إن لم يكن متزوجاً ، ليحصل بذلك الارتداع والابتعاد عن هذه الفاحشة القبيحة ، والزنا من أكبر الكبائر بعد الكفر والشرك بالله وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق ، قال صلى الله عليه وسلم : [ اجتنبوا الكبائر وسددوا وأبشروا ] ( أحمد في صحيح الجامع برقم 146 ) .
وهو محرم بكتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم وإجماع الأمة الذي نقله كثير من أهل العلم ، قال تعالى : { ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيلا } ( الإسراء 32 ) ، وقال صلى الله عليه وسلم : [ لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ] ( متفق عليه ) ، وقال عليه الصلاة والسلام : [ إذا زنى العبد خرج منه الإيمان وكان كالظلة ، فإذا انقلع منها رجع إليه الإيمان ] ( قال الحاكم صحيح على شرط الشيخين ووافقه الذهبي ) .
فجاء التحريم مواكباً لما تقتضيه الطبيعة البشرية ، ولما يسببه الزنا من أضرار وأمراض بالغة ، سواءً العضوية أو النفسية أو الاجتماعية ، فالزنا يسبب أمراضاً خطيرة وفتاكة بالجسم ، ويؤدي إلى اضطراب المجتمعات ، وتفكك الأسر ، ولا أدل على ذلك من التفكك والضياع الذي تعيشه معظم الأسر الغربية وانحلال الحياء بسبب اقتراف فاحشة الزنا ، فمجتمع لا هم له إلا إشباع شهواته الغريزية ، ولذاته الجنسية ، ذاك مجتمع فاشل هابط ساقط ، ولا يأمن بعضه بعضاً لاستفحال هذه الفاحشة فيهم . فهم معرضون لشديد عقاب الله وأليم عذابه .
فعند إقدام الزاني على الزنا وعند قيامه به في هذه الحالة قد ارتفع الإيمان فوق رأسه فهو بلا إيمان ، ففي هذه الحالة انتفى الإيمان من قلبه وجوارحه حتى يترك هذه المعصية ـ عياذا بالله من ذلك ـ فكيف إذا جاء ملك الموت لتنفيذ أمر الله وقبض الأرواح ، والزناة والزواني في هذه الحالة التي تغضب جبار السموات والأرض ، كيف سيكون المصير ؟ كيف وقد خرج الإيمان وجاء الموت ؟ على أي حال كان هذا الزاني وهذه الزانية ؟ إنهما كانا على حال تُغضب الله العزيز الجبار شديد العقاب ، فالله يمهل للظالم ولا يهمله ، وإذا أخذه لم يُفلته ، بل يأخذه أخذ عزيز مقتدر ، قال صلى الله عليه وسلم : [ إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته ، ثم قرأ : { وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد } ( هود102 ) ، فهل هناك أقبح من أن يأتي رجل امرأة لا تحل له ؟ وهل هناك أفظع من أن يضع رجل نطفته في فرج حرام لا يحل له ؟ فكيف إذا داهم ملك الموت هؤلاء الزناة ؟ كيف سيكون الخلاص ؟ وأين المهرب والملتجأ ؟ وأين الناصرون ؟ وأين المنقذون ؟ وأين الآمرون بالزنا ؟ وأين شيطانهم الذي دفعهم لارتكاب تلك الفاحشة الشنيعة ؟ إن الشيطان الذي زين لهم القيام بالزنا وهون أمره في قلوبهم سيتخلى عنهم في ذلك الموقف العصيب الرهيب ، ومن ينفع إذا جاء الموت ، وغرغرت الروح وبلغت الحلقوم ، والله لن ينفع العاصي في تلك اللحظة أحد من الخلق أجمعين ـ فنسأل الله أن يحسن خاتمتنا ـ ويرد عليهم الشيطان في قول الله تعالى : { وإذ زين لهم الشيطان أعمالهم وقال لاغالب لكم اليوم من الناس وإني جار لكم فلما تراءت الفئتان نكص على عقبيه وقال إني برئ منكم إني أرى مالا ترون إني أخاف الله والله شديد العقاب } ( الأنفال 48 ) ، ويقول جل وعلا : { وقال الشيطان لما قضي الأمر إن الله وعدكم وعد الحق ووعدتكم فأخلفتكم وما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي فلا تلوموني ولوموا أنفسكم ما أنا بمصرخكم وما أنتم بمصرخي إني كفرت بما أشركتمون من قبل إن الظالمين لهم عذاب أليم } ( إبراهيم 22 ) ، ماذا سيقول الزناة لهادم اللذات ؟ ومفرق الجماعات ؟ ماذا سيقولون لملك الموت ؟ أيقولون أمهلنا حتى نتوب إلى الله ، أم يقولون انظرنا حتى نعاهد الله ألا نعود لمثل ذلك ؟ يقول الله جل شأنه في أمثال أولئك : { حتى إذا جاء أحدهم الموت قال رب ارجعون * لعلي أعمل صالحاً فيما تركت كلا إنها كلمة هو قائلها ومن وراءهم برزخ إلى يوم يبعثون } ( المؤمنون 100 ) ، أتدري ما البرزخ ؟ إنه حياة القبر وما أعده الله للزناة والزواني فيه من ألوان العذاب التي لا يعلمها إلا هو سبحانه ، يقول تعالى : { وهو القاهر فوق عباده ويرسل عليكم حفظة حتى إذا جاء أحدكم الموت توفته رسلنا وهم لايفرطون * ثم ردوا إلى الله مولاهم الحق ألا له الحكم وهو أسرع الحاسبين } ( الأنعام 61/62 ) ، وقال تقدس في علاه : { قالوا ربنا غلبت علينا شقوتنا وكنا قوماً ضالين * ربنا أخرجنا منها فإن عدنا فإنا ظالمون * قال أخسئوا فيها ولا تكلمون } ( المؤمنون 106/107 ) . إن هناك من العذاب مالا تطيقة الجبال الراسيات ، فضلاً عن أن يطيقه إنسان اكتسى لحماً وعظماً ، أما كان لهؤلاء أن يصبروا على طاعة الله ، ويصبروا عن معاص الله ، ويعلموا أن من ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه ، وقد أمروا بترك الزنا والابتعاد عنه وأوجد لهم نبيهم عليه الصلاة والسلام طريقاً ومسلكاً يتبعه من لايستطيع الباءة والقدرة على الزواج من البنين والبنات ، فبين نبي الرحمة والهدى معالم الدين الحنيف لكافة الأمة ، كيف لا ؟ وقد قال الله عن نبيه صلى الله عليه وسلم : { لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم } ( التوبة 128 ) ، فهاهو النبي صلى الله عليه وسلم يبين الطريق الأمثل لمن لم يستطع الزواج والقدرة عليه بقوله عليه الصلاة والسلام : [ يامعشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج ، فإنه أحصن للفرج وأغض للبصر ، ومن لم يستطع فعليه بالصوم ، فإنه له وجاء ] ( البخاري ) ، ثم ماذا بعد الموت ؟ أين مصير الزناة والزواني ؟ يقول تعالى :{ ومن وراءهم برزخُ إلى يوم يبعثون } ( المؤمنون 100 ) ، البرزخ كما قلنا هو حياة القبر ، فماذا سيكون مصيرهم هناك ، إنه تنور ( فرن ) أسفله واسع وأعلاه ضيق يوضع فيه الزناة والزواني ويأتيهم العذاب والنار من تحتهم وهم يصرخون ويصيحون ، فمن ينصرهم في ذلك الموقف العسير ؟ فلا إله إلا الله ، ولاحول ولاقوة إلا بالله . اللهم أجرنا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة
ثم كيف بالزناة والزواني يخشون الناس ولايخشون الله ، ويستحيون من الناس ولايستحيون من الله ، ويستخفون من الناس ولايستخفون من الله . فتراهم يهربون إلى أماكن بعيدة حتى لا يراهم أحد من الناس ، ونسوا بل تناسوا أن الله يراهم وينظر إليهم في تلك اللحظات المشينة ، قال تعالى : { يستخفون من الناس ولا يستخفون من الله وهو معهم إذ يبيتون مالا يرضى من القول وكان الله بما يعملون محيطاً } ( النساء 108 ) ، وقال تعالى : { أتخشونهم فالله أحق أن تخشوه إن كنتم مؤمنين } ( التوبة 13 ) .
ولكنه اتباع الهوى والشهوات ، والبعد عن خالق الأرض والسموات ، قال تعالى : { فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غياً } ( مريم 59 ) ، وغي هذا هو واد في جهنم بعيد قعره ، فيه من ألوان العذاب مالا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ، نسي أولئك أنهم سيعودون إلى الله سبحانه وتعالى فيجازيهم بأعمالهم ، قال المولى جل وعلا : { أفحسبتم أنما خلقناكم عبثاً وأنكم إلينا لا ترجعون } ( المؤمنون 115 ) ، وأنه سيذكرهم ويقررهم بما عملوا ، فإن نسوا هم فإن الله لاينسى ، قال تعالى :{ في كتاب لايضل ربي ولا ينسى } ( طه52 ) ، نسوا أن الله سيسجل عليهم ذلك ويجدونه في صحائف أعمالهم ، وقال تعالى :{ ووضع الكتاب فترى المجرمين مشفقين مما فيه ويقولون ياويلتنا مال هذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها ووجدوا ما عملوا حاضراً ولا يظلم ربك أحداً } ( الكهف49 ) ، وقال تعالى :{ يوم يبعثهم الله جميعاً فينبئهم بما عملوا أحصاه الله ونسوه والله على كل شئ شهيد } ( المجادلة6 ) .
والآيات الدالة على البعث والحساب كثيرة وأن هؤلاء العصاة والبغاة سيعودون إلى الله ويحاسبون على أعمالهم الشنيعة التي أغضبت المولى جل وعلا ، وسيحاسبون على أفعالهم القبيحة التي لا يرضى عنها حتى من لا يؤمن بالله ، فالطباع السليمة لا ترضى مثل هذه الفاحشة التي توجب غضب الله وعقابه وسخطه ومقته ، وعندما بايع النبي صلى الله عليه وسلم النساء على ألا يشركن بالله شيئاً ولايسرقن ولا يزنين ، قالت هند بنت عتبة : أوَ تزني الحُرة ؟ ما كان نساء الصحابة رضوان الله عليهن يصدقن أن الحرة تزني ، ما كن يعرفن الزنا ، لأنه لم يكن موجوداً عند أهل الإيمان والتقوى ، فصاحب الزنا يشعر بأنه من أفسق الناس ومن أفجرهم ومن أجرم الناس على الإطلاق ، فهو أيضاً يُحس بوحشة وضيق في صدره من شناعة الجُرم والفاحشة التي قام بها فيتمنى لو أن الأرض تنشق وتبتلعه من قُبح ما فعل ، فإذا فعل فعلته التي فعل ، وانتهى من جرمه الذي عمل ، ضاق صدره وتألم قلبه لسوء فعلته ، وخساسة عمله فيُحس بقذارة ما فعل من فاحشة ( الزنا ) ويتمنى لو أنه لم يفعلها فيريد التوبة والعودة والإنابة إلى الله سبحانه ، والإقلاع عن تلك المعصية ، ولكن يأتيه الشيطان فيهون عليه تلك المعاصي والآثام ، ويُطمئِنُ قلبه بفعل تلك الذنوب العظام ، والكبائر الجسام ، والموبقات المهلكات ، فيهلكه بفعلها ويغرقه في لجج المعاصي والآثام فيقع فريسة سهلة للشيطان ، فتضيق عليه معيشته ويصبح كثير الشكوك وافر الظنون ، لأنه يخاف أن يفعل الناس بأهله الفاحشة كما يفعلها هو بمحارم الناس ( فكما تدين تدان ) ، قال صلى الله عليه وسلم : [ من وقاه الله شر ما بين لحييه ، وشر ما بين رجليه دخل الجنة ] ( السلسلة الصحيحة برقم 509 ) فصاحب الزنا يعيش بصير العين أعمى القلب ، ومن عمي قلبه فحياته فيها من التعاسة الشيء الكثير ، فهو خائف وقلق وفزع من هول تلك المعصية فيخاف من العقوبة في الدنيا ، أما الآخرة فقد نسيها ونسي الخالق سبحانه فالله سوف ينساه لأنه ماعرف لله حقاً ، وما ترك لله حداً ، فالجزاء من جنس العمل .
قال تعالى : { نسوا الله فنسيهم } ( التوبة 67 ) ، وقال تعالى : { استحوذ عليهم الشيطان فأنساهم ذكر الله أولئك حزب الشيطان ألا إن حزب الشيطان هم الخاسرون } ( المجادلة 19 ) .
أدلة تحريم الزنا :
أولاً : من الكتاب :
قال تعالى : { ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيلا } ( الإسراء32 ) ، وقال تعالى :{ ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاماً * يُضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مُهاناً } ( الفرقان68/69 ) ، وقال تعالى :{ الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ولاتأخذ كم بهما رأفة في دين الله إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين } ( النور2 ) ، ومما أنزله الله تعالى ثم نُسخ لفظاَ وبقي حُكماَ قوله تعالى :{ والشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة نكالاً من الله والله عزيزٌ حكيم } ورد ذلك في الحديث المتفق عليه ، ومعنى الشيخ والشيخة أي (الثيب والثيبة) ، وقال تعالى :{ الزاني لاينكح إلا زانية أو مشركة والزانية لاينكحها إلا زان أو مشرك وحُرم ذلك على المؤمنين } ( النور3 ) ، وقال الإمام الفخر الرازي من أحسن ما قيل في تفسير هذه الآية أن الفاسق الخبيث الذي من شأنه الزنا والفسق لايرغب في الزواج منه النساء الصوالح ، ولا يرغب هو في ذلك ، وإنما يرغب في نكاح فاسقة مثله أو في مشركة ، والفاسقة الخبيثة لايرغب في نكاحها الرجال الصلحاء وينفرون منها ، ويتنحون عنها ، ولا يرغب فيها إلا من هو من جنسها من الفسقة والمشركين ، ومن أدلة تحريم الزنا قوله تعالى : { ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن } ( الأنعام151 ) ، وقال تعالى : { الخبيثت للخبيثين والخبيثون للخبيثات والطيبات للطيبين والطيبون للطيبات أولئك مبرءون مما يقولون لهم مغفرة ورزق كريم } ( النور26 ) ، فصاحب الزنا خبيث وصاحبة الزنا خبيثة والخبيث للخبيثة ، أما الطاهرون من هذه الفاحشة الشنيعة فهم الطيبون والطيبات فهؤلاء لبعضهم البعض ، هؤلاء من التزموا أوامر اله تعالى ، وأوامر نبيه صلى الله عليه وسلم فهم الفائزون المفلحون بإذن ربهم ، لتمسكهم بتعاليم دينهم وعدم العدول عنه قيد أنملة ، فهنيئاً لهم . وتعساً لمن رضي الزنا والهوى ديناً ومسلكاً وطريقاً .
ثانياً : من السنة :
في الزنا إماتة في قلب الزاني والزانية لروح الإيمان والتقوى والخوف من الجبار سبحانه ، ولا يقبل فاحشة الزنا ذو عقل أو همة أو من في قلبه غيرة .
قال صلى الله عليه وسلم : [ خذوا عني خذوا عني قد جعل الله لهن سبيلا ، البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام ، والثيب بالثيب جلد مائة والرجم ] ( مسلم واحمد وغيرهما ) .
وقال صلى الله عليه وسلم : [ لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث : الثيب الزاني ، والنفس بالنفس ، والتارك لدينه المفارق للجماعة ] ( متفق عليه ) .
وقال عليه الصلاة والسلام : [ ما من ذنب بعد الشرك أعظم عند الله من نطفة وضعها رجل في رحم لا يحل له ] .
وقال صلى الله عليه وسلم : [ ثلاثة لايكلمهم الله ولا ينظر إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذابُ أليم : شيخٌ زان ، وملك كذاب ، وعائل مستكبر ] (مسلم وأحمد والنسائي) ، وقال صلى الله عليه وسلم :[ لايزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ] (متفق عليه) ، ولما سئل صلى الله عليه وسلم عن أعظم الذنب ذكر منها : [ أن تزاني بحليلة جارك ] ( متفق عليه ) ، وحليلة جارك يعني زوجة جارك .
وعن بن عباس رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : [ إياكم والزنا ، فإن في الزنا ست خصال : ثلاث في الدنيا ، وثلاث في الآخرة . فأما اللواتي في الدنيا : فذهاب نور الوجه ، وانقطاع الرزق ، وسرعة الفناء . وأما اللواتي في الآخرة : فغضب الرب ، وسوء الحساب ، والخلود في النار ، إلا أن يشاء الله ] ( رواته ثقات وفيه انقطاع) .
ثالثاً : الإجماع :
أجمعت الأمة الإسلامية من عهد النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدون والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يومنا هذا أجمعت الأمة على تحريم الزنا وأن الزاني يُرجم إن كان محصناً ، ويجلد ويُغرب إن كان غير محصن ، فرجم النبي صلى الله عليه وسلم ماعزا ورجم الغامد ية ورجم التي زنا بها العسيف ( الأجير ) ورجم اليهوديين ، ثم بعد موته عليه الصلاة والسلام ، رجم الصحابة من زنا في عهدهم رضي الله عنهم أجمعين ، وتلقى الناس هذا الحكم وعملوا به إلى يومنا هذا في كل بلد تطبق أحكام الإسلام . (مجلة البحوث الإسلاميةج8 ) .
وقد أجمع أهل الملل على تحريمه ، فلم يحل في ملة قط . ولو أحل في ملة ما لكان ذلك مشاهداً عياناً بياناً ، ولعلم ذلك لارتكاب مستحليه علانية وجهراً لا خفية وسراً ، ولكن لما لم يحدث ذلك ولم ينقل عن أهل ملة من تلك الملل عُلم بذلك تحريمه في جميع الملل . ولذا كان حده أشد الحدود ، لأنه جناية على الأعراض والأنساب . وهو من جملة الكليات الخمس ، وهي حفظ النفس والدين والنسب والعقل والمال التي حرم الإسلام التعرض لها ، وجاء التحريم أيضاً في سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم في خطبة الوداع عندما حرم الدماء والأموال والأعراض بين المسلمين ، وأوضح عليه الصلاة والسلام أنها حرام عليكم كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا في عامكم هذا .
عقوبة الزنا :
أولاً : في الدنيا :
عقوبة الزاني والزانية الرجم إن كانا محصنين ، والجلد والتغريب إن لم يكونا محصنين ، فقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم رجم من زنا في عصره ، وكذلك الخلفاء الراشدون رضوان الله عليهم رجموا من زنا في عصرهم ، وقد تلقى المسلمون هذا الحكم بالقبول إلى يومنا هذا ، قال صلى الله عليه وسلم : [ لايحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث ، وذكر منها ( الثيب الزاني ) . . . ] ( متفق عليه ) ، وقال عليه الصلاة والسلام : [ إذا ظهر الزنا والربا في قوم فقد أحلوا بأنفسهم عذاب الله ] ( الحاكم وصحح إسناده ) ، وقال صلى الله عليه وسلم : [ لم تظهر الفاحشة في قوم حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضوا ] ( ابن ماجة ) .
وقال صلى الله عليه وسلم : [ والثيب بالثيب جلد مائة والرجم ] ( مسلم وغيره ) .
كيفية الجلد :
اتفق الفقهاء على أن الجلد يكون بسوط معتدل ، ليس رطباً ، ولا شديد اليبوسة ، ولا خفيفاً لا يؤلم ، ولا غليظاً يجرح ، ولا يرفع الضارب يده بحيث يبدو بياض إبطه ، ويفرق الجلدات على بدنه .
ويتقي المقاتل لأنها مواضع يسرع القتل إلى صاحبها بالضرب عليها ، والقصد من الحد الردع والزجر لا القتل ، ويجتنب الوجه لأنه أشرف أعضاء الإنسان ومعدن جمله فلا بد من تجنبه خوفاً من تجريحة وتقبيحة ، قال صلى الله عليه وسلم : [ إذا ضرب أحدكم فليجنب الوجه ] ( البخاري في الفتح وأحمد ) ، وقال علي رضي الله عنه للجلاد : [ أعط كل عضو حقه واتق الوجه والمذاكير ] . ويجلد الرجل قائماً ، والمرأة جالسة وهذا مذهب أبي حنيفة والشافعي وأحمد .
كيفية الرجم :
إذا كان المرجوم رجلاً أقيم عليه حد الرجم وهو قائم ولم يوثق ولم يحفر له سواءً ثبت زناه ببينة أو بإقرار ، وهذا محل اتفاق بين الفقهاء .
أما المرأة فيحفر لها عند الرجم إلى صدرها إن ثبت زناها ببينة ، لئلا تتكشف عورتها ، ويؤتى بحجارة متوسطة تملأ الكف ، ويضرب المرجوم حتى الموت ، ويخص بالرجم مقاتل المرجوم ، ويقف الناس صفوفاً كصفوف الصلاة وهذا قول الحنفية ، وقال الحنابلة : يسن أن يدور الناس حول المرجوم من كل جانب كالدائرة إن ثبت زناه ببينة ، ولا يسن ذلك إن ثبت زناه بإقرار ، وقال الشافعية : يحيط الناس به . ( الموسوعة الفقهية زنا ، رجم ، جلد ) .
فمن يطيق أن يفعل به هذا العذاب الأليم ، وهذا العقاب الشديد ، وهذا في الدنيا أما الآخرة فهي أشد وأبقى { كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلوداً غيرها ليذوقوا العذاب } ( النساء 56 ) . أم كان له أن ينقذ نفسه من رق العبودية للشهوة والهوى ، ويقي جسده من نار تلظى . أما كان من الواجب عليك أن تتعظ بما حل بالأمم السالفة ، وما يحصل من سوء خاتمة لمن بلوا أنفسهم بفاحشة الزنا ممن نعاصرهم .
فاعتبروا يا أولي الأبصار !! .
ثانياً : في القبر :
يوضع الزناة والزواني في تنور ( فرن ) أسفله واسع وأعلاه ضيق ، وتعلق الزانيات بثديهن وتأتيهم النار من تحتهم وهم يصرخون ويتضأضأون ، ولكن هيهات هيهات لهم أن يخرجوا ، ففي الحديث الطويل الذي رواه البخاري رحمه الله عن سمرة بن جندب رضي الله عنه قال : [ . . . وإنه قال لنا ( النبي صلى الله عليه وسلم ) ذات غداة : " إنه أتاني الليلة آتيان ، وإنهما قالا لي انطلق ، وإني انطلقت معهما ، . . . ، فانطلقنا فأتينا على مثل التنور فأحسب أنه قال فإذا فيه لغط وأصوات ، فاطلعنا فيه فإذا فيه رجال ونساء عراة ، وإذا هم يأتيهم لهب من أسفل منهم فإذا أتاهم ذلك اللهب ضوضئوا ، قلت ما هؤلاء ؟ قالا لي : انطلق انطلق ، . . . ، إلى أن قال : فإني رأيت الليلة عجباً ؟ فما هذا الذي رأيت ؟ قالا لي : أما إنا سنخبرك : إلى أن قال : وأما الرجال والنساء العراة الذين هم في مثل التنور فإنهم الزناة والزواني ] وهذا هو مصيرهم في القبورإلى قيام الساعة ، والساعة أدهى وأمرّ .
فهل من توبة ؟ وهل من عودة إلى الله سبحانه وتعالى ؟ وهل من معتبر ؟