اعرض النسخة الكاملة : فضائل يجب على كل مسلم أن يتحلى بها ... شعاع الاسلام
بن الإسلام
29.12.2011, 14:29
الفضيلة وأبوابها
الطاعة
قال الله تبارك وتعالى:{ يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم، فان تنازعتم في شيء فردوه الى الله والرسول ان كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر، ذلك خير وأحسن تأويلا} النساء 59.
هناك حيثيات توجب هذا الأمر من الله تعالى لعباده فنحن ـولله المثل الأعلىـ نلحظ بعد صدور حكم قاض من المحكمة أنه يصدر على حيثيات لهاذا الحكم، وهذه الحيثيات هي التبرير القانوني للحكم سواء كان بالعقوبة أو بالبراءة.
اذن فالقاضي يحكم بناء على حدوث وقائع مطابقة لمواد القانون.
وعلى هذا فحيثيات أي حكم هي التبريرات القانونية التي تدل على سند هذا الحكم.
وقول الحق سبحانه وتعالى:{ أطيعوا الله وأطيعوا الرسول} فيه نلحظ أن الحق سبحانه لم يقل:" يا أيها الناس أطيعوا الله وأطيعوا الرسول" ولكنه سبحانه وتعالى قال:{ يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول}.
اذن فالحق سبحانه وتعالى لم يكلف مطلق الناس بأن يطيعوه، وانما كلف مطلق الناس أن يؤمنوا به.
اذن فحيثيات الطاعة لله وللرسول نشأت من الايمان بالله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم، وهذه عدالة من الخالق سبحانه وتعالى، فهو سبحانه لم يكلف واحدا أن يفعل فعلا الا اذا كان قد آمن به تعالى، وآمن بالرسول صلى الله عليه وسلم مبلغا وشرعا، ولذلك نجد كل تكليف من الله تعالى يبدأ بقوله سبحانه وتعالى:{ يا ايها الذين آمنوا}، اذن فحيثيات طاعة الله تعالى، وطاعة الرسول هي الايمان.
ولذلك نقول دائما: اياكم أن تقبلوا على أحكام الله بالبحث عن عللها أولا، ثم الايمان بها ثانيا، ولكن أقبلوا على أحكام الله أولا واسمعوا وأطيعوا، واخضعوا واخشعوا، ثم من بعد ذلك لا مانع من أن يقوم العقل بالتدبر والتأمل ليفهم شيئا من الحكمة التي من أجلها تم تحريم هذا الشيء أو ذاك، أقول بعض الحكمة وليس كل الحكمة، ذلك أن حكمة الله لا تتناهى ولا تدرك ولا يحاط بها.
وهناك فرق بين أمر البشر للبشر، وأمر الله تعالى للمؤمنين به، فان أمر الله للبشر تسبقه العلة وهي أن الانسان قد آمن به، أما أمر البشر للبشر فمنهم من يقول مثلا: أقنعني حتى أفعل ما تأمرني به، لأن عقلك ليس أكبر من عقلي، ولسن بأقدر على الفهم مني والانسان لا يصنع شيئا صادرا اليه من بشر الا اذا اقتنع به، وأن تكون التجارب قد أثبتت لك أن من يأمرك بهذا الأمر، أنه لا يغشك فتأخذ كلامه مصدقا، أما المساوي لك فأنت لا تأخذ كلامه على أنه واجب التنفيذ بأنه الاله الواحد الذي خلقك وأوجدك، ومنحك مقومات حياتك وهو سبحانه الغني عنك، وعن الكون كله.
الحق سبحانه وتعالى حين يطلب منا أن نؤمن به فهذه الطاعة ليست لصالح الله ولكن لصالح البشر. فالله سبحانه قد خلقنا وهو غني عنا، ولا يطلب منه شيئا لصالحه، ثم ان طاعتنا لا تضيف اليه سبحانه شيئا، وحتى خلقه لنا لا يضيف له صفة جديدة، بل هو سبحانه خالق قبل أن يخلقنا.
الحق سبحانه وتعالى يريد منا الطاعة باختيارنا، لا بالاكراه، ولا بالقهر، فالعبد يعبد الله تعالى لأنه سبحانه وحده المستحق للعبادة، يعبده طاعة له باختياره، فالعبد كما هو معلون منحه الله تعالى حق الاختيار في أن يؤمن أو لا يؤمن، فاذا اختار الانسان الطاعة على المعصية فهو محب لله فعلا، فهناك فرق بين من يقره الله على الطاعة، وبين من يذهب الى الطاعة باختياره.
1- الستر على الناس
يقول الشيخ محمد متولى الشعراوى فى فضيلة الستر على الناس
يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم:" مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم كمثل الغيث أصاب أرضا فكانت منها نقيّة قبلت الماء فلأنبتت الكلأ والعشب الكثير، وكانت منها أجادب أمسكت الماء فنفع الله بها الناس فشربوا وسقوا وزرعوا وأصابت منها طائفة أخرى انما هي قيعان لا تمسك ماء ولا تنبت كلأ. فذلك مثل من فقه في دين الله ونفعه ما بعثني الله به فعلم وعلّم ومثل لم يرفع بذلك رأسا ولم يقبل هدى الله الذي أرسلت به".
اذن فالله سبحانه وتعالى قد شبّه الناس بالأرض وقسمهم الى ثلاثة أقسام:
القسم الأول: قسم على الهدى فانتفع به، ثم نقل ما عنده الى الغير فنفع غيره، وهؤلاء مثلهم كمثل الأرض الخصبة التي ارتوت فأنبتت الزرع.
القسم الثاني: هم الذين يحملون المنهج ولا يعملون به، ولكن يبلغونه الى الناس، وعن هؤلاء يقول الحق سبحانه وتعالى:{ يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون} الصف 2،3. فهؤلاء مثل الأرض التي حجزت الماء فشرب منه الناس ولكنها لم تأخذ منه شيئا ولم تنفع نفسها كما نفعت غيرها.
وعلى المسلمين في هذه الحالة أن يأخذوا علمهم ويدعوا عملهم، ويجب عليهم ألا يعرضوا بهم ويوكلوهم الى الله تعالى لعله يهديهم أو يشرح صدرهم للعمل بما هم عليه من علم خاصة وأن التعريض بهم أو الفرح فيهم، يدور الآن على ما هم عليه من دين وليس على ما يفعلونه.
وفي الحديث:" من ستر مسلم ستره الله في الدنيا والآخرة" لأن من يعلم أمرا ما عن انسان لا يصح أن يفضح ذلك الانسان فليس هناك انسان معصوم الا الأنبياء والرسل، ولذلك فان لكل انسان زلات، كذلك اذا رأيت زلة لعالم من العلماء فاسترها حتى ينتفع الناس بعلمه، لأنك ان أذعتها وانصرف الناس عنه، ولم يأخذوا من عمله ما كان من الممكن أن ينتفعوا به في الدنيا والآخرة، وقديما قال الشاعر.
خذ بعلمي ولا تركن الى عملي وخلي العود للنار
القسم الثالث: وهم الذين لم ينتفعوا بمنهج الله تعالى، ولا نفعوا الناس به.
اذن فمنهج الله تعالى كالمطر الذي ينزل من السماء، مرة على أرض تنتفع به وتنفع الغير، ومرة ينزل على أرض لم تنتفع به الأرض ولا تنفع غيرها، ومرة ينزل على أرض لم تنتفع هي به، ولا نفعت به الغير.
بن الإسلام
31.12.2011, 13:45
2- التوكل على الله
ويقول الشيخ محمد متولى الشعراوى عن فضيلة التوكل على الله
يقول الحق سبحانه وتعالى:{ فاذا عزمت فتوكل على الله، ان الله يحب المتوكلين} آل عمران 159.
ان فائدة الايمان في هذه المعادلة الجميلة، أن الجوارح تعمل وعليها أن تأخذ بأسباب الله، والقلوب تتوكل على الحق سبحانه وتعالى، فالفلاح اذا أراد الزراعة لا بد أن يختار البذور، ويحسن التسميد، وأن يقوم بحرث جيّد للأرض، وأن ينتظم في مواعيد الري، وأن يحافظ على الزرع من الصقيع مثلا بتغطيته، ، فهذا كله من عمل الجوارح، وبعد ذلك تتوكل القلوب على الحق سبحانه وتعالى، اذن فلا يتأتى أبدا للفلاح أن يقول: المحصول آت لأنني أحسنت أسبابي، لكن المؤمن يتذكر دائما الحقيقة وهي أن فوق الأسباب خالق لها، فيقول: لقد فعلت كل ما أستطيع واستنفذت كل أسباب اتقان العمل، الله تعالى يقدر لي الخير ويبارك في زرعي.
لقد جاء الاسلام بهذه المعادلة، ليحقق الايمان لاله له طلاقة القدرة يخلق بأسباب، ويخلق بغير اسباب، فالأسباب هي لجوارح البشر، وفوق الأسباب قادر حكيم، فالانسان المؤمن حين يعمل فهو يأخذ بألسباب، وحين يتوكل المؤمن فانه يرجو عطاء الحق سبحانه وتعالى خالق الأسباب.
اذن فالجوارح تعمل والقلوب تتوكل، وهكذا يجب على كل مؤمن أن يضع تلك المعادلة الجميلة في بؤرة شعوره دائما.
ولا يظن ظانّ أن التوكل هو توقف الجوارح عن العمل، فهذا هو التوكل الكاذب، والدليل على كون هذا اللون من التوكل كاذبا، أن صاحبه يترك لعمل فيما فيه من مشقة ويزعم التوكل، والأمر السهل لا يتوكل فيه.
ان الذي يأخذ بالتوكل الكاذب هو الذي يمتنع عن العمل، ولا أحد فينا يرى رجلا من هؤلاء يأتي اليه الطعام ولا يمد يده اليه ويتناوله، اننا نقول لمثل هذا الرجل: لو كنت صادقا في التوكل اياك أن تمد يدك الى لقمة لتضعها في فمك واجعل التوكل الكاذب يقذف باللقمة الى فمك.
ومعلوم أن الاسلام ينهى عن التوكل الكاذب، وبلادة الحس الايماني، لذلك الحق سبحانه وتعالى يقول:{ فاذ عزمت فتوكل على الله} ولتتأمل كلمة { عزمت} و {فتوكل} فنرى أن العزم يقتضي عزيمة، والتوكل يقتضي اظهار اعجز، لأن معنى توكل الانسان أن يعلن عجز أسبابه، ويلجأ الى من عنده قدرة ليست عنده ونحن نرى انسانا يقول: لقد وكلت فلانا في هذا الأمر لأنني لا أقدر عليه، ان معنى هذا اظهار عجزه، وأنه ذهب الى من عنده القدرة ليفعل ما يعجز عنه هو.
فالتوكل الايماني هو تسليم زمام أمور الانسان الى الحق سبحانه وتعالى ثقة منه بحسن تدبيره وهذا هو التوكل المطلق، ولما كان الله تعالى هو سبحانه الذي أعطى الانسان الأسباب فعلى الانسان ألا يرد يد الله الممدودة بالأسباب ويقول له: عاوني يا رب، أ, اصنع لي، عليه قبل ذلك أن يستنفد كل الأسباب.
والحق سبحانه يقول في فاتحة الكتاب:{ اياك نعبد واياك نستعين} الفاتحة 5، وهذا يعني أننا نعمل ونطلب العون من الله، ويقول الحق سبحانه وتعالى:{ ان الله يحب المتوكلين} لماذا يحبهم؟ لأن المؤمنين به قد أخذوا بأسبابه ثم توكلوا عليه بعد ذلك.
بن الإسلام
08.01.2012, 11:32
ويقول الشيخ رحمه الله فى الفرق بين التوكل والتواكل
بين التوكل والتواكل
التوكل على الله يقتضي أن يعلم الانسان أن لكل جارحة في الانسان مهمة ايمانية تقف بالفكر عندما شرع الله، فالأذن تسمع فان سمعت أمرا من الحق فهي تنفذ الأمر، وان سمعت الذين يلحدون في آيات الله فانها تعرض عنهم، واللسان يتكلم لذلك لا تقل به الا الكلمة الطيبة، فلكل جارحة عمل، وعمل جارحة القلب هو اليقين والتوكل، وحيث أن التوكل على الله هو عمل القلب. فاياك أن تنقل عمل القلب الى عمل الجوارح، فتنقل التوكل الى الجوارح فلا تعمل، ان السعي للقدم، والعمل لليد، والتوكل للقلب فلا تنقل عمل القلب الى القدم أو اليد، لذلك فالتوكل الحقيقي هو أن الجوارح تجعل القلوب تتوكل فكم من عامل يعمل بلا توكل فتكون نتيجة عمله احباطا؟!
اننا نجد أن الزارع الذي لا يتوكل على الله وتنمو زراعته بشكل جيد ومتميز قد تهب عليه عاصفة فيصاب الزرع بالهلاك ويكون الاحباط هو النتيجة.
انك أيها المؤمن عليك أن تحذر اهمال الأسباب، واياك أيضا أن تفنمك الأسباب، انك ان أهملت الأسباب فأنت غير متوكل بل متواكل، فالتوكل عمل القلب، وأنت تنقل عمل القلب الى الجوارح ان الجوارح عليها أن تعمل، والقلوب عليها أن تتوكل، واذا قال لك واحد: أنا لا أعمل بل أتوكل على الله، قل له: هيا لنرى كيف يكون التوكل، وأحضر له طبق طعام يحبه، وعندما يمد يده الى الطعام قل له: لا أترك الطعام يقفز من الطبق الى فمك، ان هذا لفهم كاذب للتوكل!!.
بن الإسلام
09.01.2012, 13:43
3 - بذل الخير
ويقول الشيخ محمد متولى الشعراوى رحمه الله عن فضيلة بذل الخير
عندما ننظر في معنى كلمة خير نجد أن المقابل لها كلمة شر لكن كلمة خير هي الكلمة الوحيدة التي يكون فيها الاسم مساويا لأفعل التفضيل اذا أضيفت لها "من" لتصبح " خير من".
والخير هو ما يأتي بالنفع، ولكن مقياس النفع يختلف باختلاف الناس فواحد ينظر الى النفع العاجل، وواحد ينظر الى نفع آجل. ولنضرب مثلا على ذلك مثلا ـ ولله المثل الأعلى ـ بأخوين الأول يستيقظ باكرا ويذهب الى مدرسته، ويستمع الى أساتذته، ويواظب على قراءة دروسه واستيعابها، والآخر يوقظونه من النوم بمنتهى الصعوبة فاذا استيقظ فاستيقاظه قهر، ويخرج من المنزل لا الى المدرسة، ولكن ليتسكع في الشارع ليلعب مع هذا وذاك.
ان كلاهما يحب الخير لنفسه ولكن الخلاف بينهما يكون في تقييم الخير، واحد يفضل الخير الآجل، وآخر يفضل الخير العاجل ولو كان فيه ضياع لحياته.
واحد يفضل أن يتعب عشر أو خمسة عشر سنة ليكون انسانا ذا مكانة في المجتمع، وآخر يفضل أن يلعب الآن ولو كان ذلك فيه دمار لمستقبله.
مثال آخر فلاح يفلح الأرض، ويحسن زراعتها ورعايتها، ويعتبرها فضلا من الله تعالى فيرعى حق الخالق فيما وهب، ويروي الأرض ويسمدها، ويرجو الحق أن يبارك له في الرزق فيمر الوقت وينضج الزرع فيحصده ويملأ الرجل مخازنه برزق الله الوفير، ويزكي ماله وزرعه، ويظل طوال العام يأكل هو وأبناؤه مما رزقه الله نتيجة لتعبه وكدّه، وآخر لا يرعى حق الله فيما وهبه من أرض ويتركها ويهملها، ولا يرهق نفسه، ويستسلم للكسل، ويأخذ رزقه من السرقة والتسول.
اذن فهناك معايير مختلفة لحب الخير، فلماذا نرهق أنفسنا في وضع مقاييس للخير؟ ان الحق هو الذي أنزل الشريعة الغرّاء وبها كل معايير الخير، وان معايير الخير التي وضعها الحق لا تختل أبدا.
بن الإسلام
10.01.2012, 13:10
4 - العمل
يروى أن رجلا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم يسأله ويطلب منه مالا، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (أما في بيتك شيء؟). فقال الرجل: بلى، حلس (كساء) نلبس بعضه ونبسط بعضه، وقدح نشرب فيه الماء.
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (ائتني بهما)، فجاء بهما الرجل، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (مَنْ يشتري هذين؟). فقال رجل: أنا آخذهما بدرهم. فقال صلى الله عليه وسلم: (مَنْ يزيد على درهم؟)-مرتين أو ثلاثًا-.
فقال رجل: أنا آخذهما بدرهمين، فأعطاهما إياه، وأخذ النبي صلى الله عليه وسلم الدرهمين، فأعطاهما الرجل الفقير، وقال له: (اشترِ بأحدهما طعامًا فانبذه إلى أهلك، واشترِ بالآخر قدومًا (فأسًا) فأتني به).
فاشتري الرجل قدومًا وجاء به إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، فوضع له الرسول صلى الله عليه وسلم يدًا وقال له: (اذهب فاحتطب وبع ولا أَرَينَّك (لا أشاهدنَّك) خمسة عشر يومًا).
فذهب الرجل يجمع الحطب ويبيعه، ثم رجع بعد أن كسب عشرة دراهم، واشترى ثوبًا وطعامًا، فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم: (هذا خير لك من أن تجيء المسألة نُكْتَةً (علامة) في وجهك يوم القيامة، إن المسألة لا تصلح إلا لثلاثة: لذي فقر مُدْقِع (شديد)، أو لذي غُرْم مفظع (كبير)، أو لذي دم موجع (عليه دية)) [أبو داود].
*ما هو العمل؟
للعمل معانٍ كثيرة واسعة، فهو يطلق على ما يشمل عمل الدنيا والآخرة.
عمل الآخرة : ويشمل طاعة الله وعبادته والتقرب إليه، والله -تعالى- يقول:
{فاستجاب لهم ربهم أني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى بعضكم من بعض} [آل عمران: 195].
وسُئِل النبي صلى الله عليه وسلم: أي الأعمال أفضل؟ قال: (إيمان بالله ورسوله)، قيل: ثم ماذا؟ قال: (جهاد في سبيل الله)، قيل: ثم ماذا؟ قال: (حج مبرور) [البخاري].
عمل الدنيا : ويطلق على كل سعي دنيوي مشروع، ويشمل ذلك العمل اليدوي وأعمال الحرف والصناعة والزراعة والصيد والتجارة والرعي وغير ذلك من الأعمال. وقد سئل الرسول صلى الله عليه وسلم: أي الكسب أفضل؟ فقال: (عمل الرجل بيده) [الحاكم].
أمرنا الله -تعالى- بالعمل، والجـد في شئون الحياة، في مواضع كثيرة من القرآن الكريم، فقال سبحانه:
{فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله واذكروا الله كثيرًا لعلكم تفلحون} [الجمعة: 10].
وقـال تعالى:
{هو الذي جعل لكم الأرض ذلولاً فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه وإليه النشور} [الملك: 15].
وقـال تعالى:
{وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون} [التوبة: 105].
وعلى كل مسلم أن يؤدي ما عليه من عملٍ بجد وإتقان؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمرنا بإحسان العمل وإتقانه، كذلك فإن الطالب عليه أن يجتهد في مذاكرته؛ لأنها عمله المكلف به؛ فيجب عليه أن يؤديه على خير وجه، حتى يحصل على النجاح والتفوق.
والمسلم لا يتوقف عن العمل مهما كانت الظروف، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن قامت الساعة وبيد أحدكم فسيلة؛ فإن استطاع أن لا تقوم حتى يغرسها، فليغرسها) [أحمد].
وقد نهى الإسلام عن أن يجلس الرجل بدون عمل، ثم يمد يده للناس يسألهم المال، وقد وصف الله -تعالى- فقراء المؤمنين بالعفة، فهم مهما اشتد فقرهم لا يسألون الناس ولا يلحُّون في طلب المال، يقول تعالى:
{للفقراء الذين أحصروا في سبيل الله لا يستطيعون ضربًا في الأرض يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف تعرفهم بسيماهم لا يسألون الناس إلحافًا} [البقرة: 273].
والذي يطلب المال من الناس مع قدرته على العمل ظالم لنفسه؛ لأنه يُعرِّضها لذل السؤال، وقد حذَّر النبي صلى الله عليه وسلم من المسألة، وبالغ في النهي عنها والتنفير منها، فقال صلى الله عليه وسلم: (اليد العُلْيَا خير من اليد السُّفْلَى، وابدأ بمن تعول، وخير الصدقة عن ظهر غنى، ومن يستعفف يعِفَّه الله، ومن يَسْتَغْنِ يُغْنِهِ الله) [متفق عليه]. وقال صلى الله عليه وسلم: (لأن يأخـذ أحدكم حبله فيحتطب على ظهره خير له من أن يأتي رجلا فيسأله أعطاه أو منعه) [البخاري].
ويقول عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-: لا يقعدن أحدكم عن طلب الرزق، ويقول: اللهم ارزقني، وقد علم أن السماء لا تمطر ذهبًا ولا فضة. فعلى المسلم أن يعمل ويجتهد حتى تتحقق قيمته في الحياة،....
العمل خلق الأنبياء:
عمل نبي الله نوح -عليه السلام- نجارًا، وقد أمره الله بصنع السفينة ليركب فيها هو ومن آمن معه. واشتغل يعقوب -عليه السلام- برعي الغنم. وعمل يوسف -عليه السلام- وزيرًا على خزائن مصر.
ويروى أن نبي الله إدريس -عليه السلام- كان خياطًا، فكان يعمل بالخياطة، ولسانه لا يكفُّ عن ذكر الله؛ فلا يغرز إبرة ولا يرفعها إلا سبح الله؛ فيصبح ويمسي وليس على وجه الأرض أحد أفضل منه. كما اشتغل نبي الله موسى
-عليه السلام- برعي الغنم عشر سنين.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (ما أكل أحدٌ طعامًا قط خيرًا من أن يأكل من عمل يده، وإن نبي الله داود كان يأكل من عمل يده) [البخاري]. وقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم نبي الله داود -عليه السلام- لأنه كان مَلِكًا، ومع كونه ملكًا له من الجاه والمال الكثير، إلا أنه كان يعمل ويأكل من عمل يده؛ فقد كان يشتغل بالحدادة، ويصنع الدروع الحديدية وآلات الحرب بإتقان وإحكام. وقد اشتغل رسول الله صلى الله عليه وسلم كذلك برعي الغنم في صغره، ثم عمل في شبابه بالتجارة.
فضل العمل:
المسلم يعمل حتى يحقق إنسانيته؛ لأنه كائن مُكلَّف بحمل رسالة، وهي عمارة الأرض بمنهج الله القويم، ولا يتم ذلك إلا بالعمل الصالح، كما أن الإنسان لا يحقق ذاته في مجتمعه إلا عن طريق العمل الجاد.
وبالعمل يحصل الإنسان على المال الحلال الذي ينفق منه على نفسه وأهله، ويسهم به في مشروعات الخير لأمته، ومن هذا المال يؤدي فرائض الله؛ فيزكي ويحج ويؤدي ما عليه من واجبات، وقد أمر الله عباده بالإنفاق من المال الطيب، فقال تعالى:
{ يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم} [البقرة: 267].
وقد ربط الله -عز وجل- بين العمل والجهاد في سبيل الله، فقال تعالى:
{وآخرون يضربون في الأرض يبتغون من فضل الله وآخرون يقاتلون في سبيل الله} [المزمل: 20].
وجعل النبي صلى الله عليه وسلم من يخرج ليعمل ويكسب من الحلال؛ فيعف نفسه أو ينفق على أهله، كمن يجاهد في سبيل الله. وقد مر رجل على النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فرأى الصحابة جده ونشاطه، فقالوا: يا رسول الله، لو كان هذا في سبيل الله؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن كان خرج يسعى على ولده صغارًا فهو في سبيل الله، وإن كان خرج يسعى على أبوين شيخين كبيرين فهو في سبيل الله، وإن كان خرج يسعى على نفسه يَعفُّها فهو في سبيل الله، وإن كان خرج يسعى رياءً ومفاخرة فهو في سبيل الشيطان) [الطبراني].
كما أن العمل يكسب المرء حب الله ورسوله واحترام الناس. روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله تعالى يحب العبد المؤمن المحترف (أي: الذي له عمل ومهنة يؤديها)) [الطبراني والبيهقي].
أخلاقيات العمل في الإسلام:
نظم الإسلام العلاقة بين العامل وصاحب العمل، وجعل لكلِّ منهما حقوقًا وواجبات.
أولا: حقوق العامل:
ضمن الإسلام حقوقًا للعامل يجب على صاحب العمل أن يؤديها له، ومنها:
* الحقوق المالية: وهي دفع الأجر المناسب له، قال الله تعالى:
{ولا تبخسوا الناس أشيائهم ولا تعثوا في الأرض مفسدين} [هود: 85]. ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (أعطوا الأجير أجره قبل أن يجف عرقه) [ابن ماجه].
* الحقوق البدنية: وهي الحق في الراحة، قال تعالى:
{لا يكلف الله نفسًا إلا وسعها} [البقرة: 286].
ويقول صلى الله عليه وسلم: (إخوانكم جعلهم الله تحت أيديكم، فمن كان أخوه تحت يده فلْيطعمه مما يأكل، وليلبسه مما يلبس، ولا تكلفوهم ما يغلبهم، فإن كلفتموهم فأعينوهم) [متفق عليه]. وكذلك يجب على صاحب العمل أن يوفر للعامل ما يلزمه من رعاية صحية.
* الحقوق الاجتماعية: وهي التي بينها النبي صلى الله عليه وسلم في قوله:
(مَنْ كان لنا عاملا فلم يكن له زوجة فليكتسب زوجة، فإن لم يكن له خادم فليكتسب له خادمًا، فإن لم يكن له مسكن فليكتسب مسكنًا. من اتخذ غير ذلك فهو غَالٌّ أو سارق) [أبو داود].
ثانيا: واجبات العامل:
وكما أن العامل له حقوق فإن عليه واجبات، ومن هذه الواجبات:
* الأمانة: فالغش ليس من صفات المؤمنين، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من غش فليس مني) [مسلم وأبو داود والترمذي].
* الإتقان والإجادة: لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه) [البيهقي].
* التبكير إلى العمل: حيث يكون النشاط موفورًا، وتتحقق البركة، قال صلى الله عليه وسلم: (اللهم بارك لأمتي في بكورها) [الترمذي وابن ماجه].
* التشاور والتناصح: حيث يمكن التوصل للرأي السديد، قال صلى الله عليه وسلم: (الدين النصيحة) [مسلم والترمذي].
* حفظ الأسرار: يجب على العامل أن يحفظ أسرار عمله، فلا يتحدث إلى أحد -خارج عمله- عن أمورٍ تعتبر من أسرار العمل.
* الطاعة: فيجب على العامل أن يطيع رؤساءه في العمل في غير معصية، وأن يلتزم بقوانين العمل.
اللهم ارزقنى عملا صالحا يقربنى اليك....... اللهم اجعلنى من حفظه القران الكريم.....واجعلنى من العاملين به........اللهم انى احبك واحب ان اكون بقربك فارزقنى قربك يا كريم.......
بن الإسلام
11.01.2012, 13:48
5 - الرفق
دخل أحد الأعراب الإسلام، وجاء ليصلى في المسجد مع الرسول صلى الله عليه وسلم، فوقف في جانب المسجد، وتبول، فقام إليه الصحابة، وأرادوا أن يضربوه، فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: (دعوه، وأريقوا على بوله ذنوبًا من ماء -أو سجلاً (دلوًا) من ماء- فإنما بعثتم مُيسِّرِين، ولم تبعثوا مُعَسِّرين) [البخاري].
***
ما هو الرفق؟
الرفق هو التلطف في الأمور، والبعد عن العنف والشدة والغلظة. وقد أمر الله بالتحلي بخلق الرفق في سائر الأمور، فقال: {خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين} [الأعراف: 199]، وقال تعالى: {ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم}.
[فصلت: 34].
رفق النبي صلى الله عليه وسلم:
كان النبي صلى الله عليه وسلم أرفق الناس وألينهم.. أتى إليه أعرابي، وطلب منه عطاءً، وأغلظ له في القول، فتبسم النبي صلى الله عليه وسلم في وجهه، ثم أعطاه حمولة جملين من الطعام والشراب، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يلاعب الحسن والحسين ويقبُّلهما، ويحملهما على كتفه.
وتحكي السيدة عائشة -رضي الله عنها- عن رفق النبي صلى الله عليه وسلم فتقول: ما خُيرَ رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أمرين قط إلا أخذ أيسرهما ما لم يكن إثمًا، فإن كان إثمًا كان أبعد الناس منه، وما انتقم رسول الله صلى الله عليه وسلم لنفسه في شيء قط إلا أن تُنْتَهَك حرمة الله؛ فينتقم لله -تعالى-. [متفق عليه]. وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول لأصحابه: (يسِّرُوا ولا تُعَسِّرُوا، وبَشِّرُوا ولا تُنَفِّروا) [متفق عليه].
أنواع الرفق:
الرفق خلق عظيم، وما وُجِدَ في شيء إلا حَسَّنَه وزَيَّنَه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه (حسنه وجمله)، ولا يُنْزَعُ من شيء إلا شانه (عابه) [مسلم].
ومن أشكال الرفق التي يجب على المسلم أن يتحلى بها:
الرفق بالناس : فالمسلم لا يعامل الناس بشدة أو عنف أو جفاء، وقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم أبعد ما يكون عن الغلظة والشدة، قال تعالى: {ولو كنت فظًا غليظ القلب لانفضوا من حولك}
[آل عمران: 159]. وقد جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أوصني؟ فقال له: (لا تغضب) [البخاري].
والمسلم لا يُعَير الناس بما فيهم من عيوب، بل يرفق بهم، رُوِي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تُظهر الشماتة لأخيك، فيرحمه الله ويبتليك (أي: يصيبك بمثل ما أصابه) [الترمذي].
والمسلم لا يسب الناس، ولا يشتمهم، وقد حذَّر النبي صلى الله عليه وسلم من ذلك فقال: (سباب المسلم فسوف وقتاله كفر) [متفق عليه].
الرفق بالخدم : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم رفيقًا بالخدم، وأمر من عنده خادم أن يطعمه مما يأكل، ويلبسه مما يلبس، ولا يكلفه ما لا يطيق، فإن كلَّفه ما لا يطيق فعليه أن يعينه. يقول صلى الله عليه وسلم في حق الخدم: (من لطم مملوكه أو ضربه فكفارته أن يعْتِقَه (يجعله حرًّا) [مسلم].
الرفق بالحيوانات : نهى الإسلام عن تعذيب الحيوانات والطيور وكل شيء فيه روح، وقد مَرَّ أنس بن مالك على قوم نصبوا أمامهم دجاجة، وجعلوها هدفًا لهم، وأخذوا يرمونها بالحجارة، فقال أنس: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تُصْبَرَ البهائم (أي تحبس وتعذب وتقيد وترمي حتى الموت). [مسلم].
ومَرَّ ابن عمر -رضي الله عنه- على فتيان من قريش، وقد وضعوا أمامهم طيرًا، وأخذوا يرمونه بالنبال، فلما رأوا ابن عمر تفرقوا، فقال لهم: مَنْ فعل هذا؟ لعن الله من فعل هذا، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن من اتخذ شيئًا فيه الروح غرضًا (هدفًا يرميه). [مسلم].
ومن الرفق بالحيوان ذبحه بسكين حاد حتى لا يتعذب ..
يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله كتب الإحسان على كل شيء، فإذا قتلتم (أي: في الحروب) فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبح، ولْيُحِدَّ أحدُكم شَفْرَتَه (السكينة التي يذبح بها)، ولْيُرِحْ ذبيحته) [متفق عليه].
وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم أن الله سبحانه قد غفر لرجل؛ لأنه سقى كلبًا كاد يموت من العطش. بينما دخلت امرأة النار؛ لأنها حبست قطة، فلم تطعمها ولم تَسْقِهَا حتى ماتت.
الرفق بالجمادات : المسلم رفيق مع كل شيء، حتى مع الجمادات، فيحافظ على أدواته، ويتعامل مع كل ما حوله بلين ورفق، ولا يعرضها للتلف بسبب سوء الاستعمال والإهمال.
فضل الرفق:
حثَّ النبي صلى الله عليه وسلم على الرفق، فقال: (إن الله رفيق يحب الرفق في الأمر كله) [متفق عليه]، وقال الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله رفيق، يحب الرفق، ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف، وما لا يعطي على ما سواه) [مسلم].
والمسلم برفقه ولينه يصير بعيدًا عن النار، ويكون من أهل الجنة، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ألا أخبركم بمن يحْرُم على النار؟ أو بمن تَحْرُم عليه النار؟ تَحْرُم النار على كل قريب هين لين سهل) [الترمذي وأحمد].
وإذا كان المسلم رفيقًا مع الناس، فإن الله -سبحانه- سيرفق به يوم القيامة، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو، فيقول: (اللهم مَنْ وَلِي من أمر أمتي شيئًا فرفق بهم، فارفق به) [مسلم].
اللهم رقق قلوبنا لذكرك
اللهم انا نسالك ألسنةً تلهج بشكرك
اللهم إنا نسالك ايمانا كاملا و يقينا صادقا و قلبا خاشعا و علما نافعا و عملا صالحا مقبولا
بن الإسلام
12.01.2012, 13:23
6- الصدق
ويقول الشيخ محمد متولى الشعراوى رحمه الله عن فضيلة الصدق
يقول الحق سبحانه وتعالى:{ يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين} التوبة 119. أي يا من أمنتم بالله اتقوا الله أي اجعلوا بينكم وبين الله وقاية، ولكن من المفروض أن المؤمن يكون في معية الله فكيف يطلب الحق سبحانه وتعالى منا أن نجعل بيننا وبينه وقاية؟
نقول، أي اجعلوا بينكم وبين صفات الجلال في الله وقاية، وهنا يأتي من يتساءل بأن الله سبحانه وتعالى يقول:{ اتقوا الله} ويقول سبحانه:{ اتقوا النار} فكيف ينسجم المعنى؟نقول: ان المعنى منسجم، لأن النار جند من جنود الله تعالى، فكأن الحق سبحانه وتعالى يقول: اجعلوا بينكم وبين النار التي هي من جنودي صفات الجلال وقاية.وقول الحق سبحانه وتعالى:{ وكونوا مع الصادقين} أي التحموا بهم فتكونوا في معية الله، فاذا جاء من بعدكم وجدوكم من الصادقين.اذن فـ { مع الصادقين} سابقة { لمن الصادقين} يوسف 51.ولكن من هم الصادقون؟مادة هذه الكلمة الصاد، والدال، والواو تدل على أن هناك نسبا يجب أن تتوافق مع بعضها البعض فما معنى هذه النسب؟ان انسان حين يتكلم فانه قبل أن ينطق بالكلمة تمر على ذهنه نسبة ذهنية قبل أن تكون نسبة كلامية مثل اذا أردت أن أقول:" محمد زارني" قبل أن تسمع لساني ينطق بهذه العبارة فانها تمر على ذهني أولا، والمستمع لا يدري شيئا عنها، فاذا قلت لي كلاما أعلم أن النسبة الذهنية جاءت الى عقلك فتردمها لسانك الى نسبة كلامية فنطق بها فلما سمعها السامع عرف أولا النسبتين، وقد تكون هذه النسبة صحيحة وواقعة، حينئذ يكون الصدق، وقد تكون غير صحيحة ويكون الكذب.اذن فالصدق هو أن تطابق النسبة الكلامية الواقع، واذا لم تتوافق فهو من الكذب، فكل كلام يقال محتمل الصدق أو الكذب، والصدق هو الذي يجمع كل خصال الايمان، وجاء في الأثر حديث البدوي الذي جاء الى النبي صلى الله عليه وسلم وقال له: في ثلاث خصال لا أقدر عليها:" الأولى النساء، والثانية الخمر، والثالثة الكذب، وقد جئتك بخصلة من الخصال الثلاثة أتوب منها فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: كن صادقا وما عليك" فلما ألحت عليه خصلة شرب الخمر قال: وان سألني رسول الله صلى الله عليه وسلم:" أشربت الخمر" فماذا أقول له؟ لا بدّ ان أقول له الصدق فأمتنع عن شرب الخمر، وعندما نظر الى امرأة واشتهاها قال: ان سألني رسول الله:" ماذا فعلت مع النساء؟ فماذا أقول له؟ لا بد أن أقول له الصدق فامتنع عن النساء، وهكذا منعه الصدق من المعاصي، ولذلك عندما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أيسرق المؤمن؟ قال نعم. أيزني المؤمن؟ قال نعم، أيكذب المؤمن؟ قال: لا.والله سبحانه وتعالى ينبه الى أنه لا بدّ أن يكون كلامك مطابقا لواقع فعلك، واياك أن تقول كلامك وفعلك غيره، ولذلك يقول الحق سبحانه وتعالى:{ يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون} الصف 2، 3.
بن الإسلام
14.01.2012, 13:39
7- الصبر
ويقول الشيخ محمد متولى الشعراوى رحمه الله عن فضيلة الصبر
الصبر هو حبس النفس بحيث ترضى بمكروه نزل بها، والمكروه له مصدران:
الأول: أمر لا غريم لك فيه، فان أصابك مثلا مرض أو عجز، أو فقدت أحد أولادك بموت، فهذا ليس لك غريم فيه، ولا تستطيع أن تفعل معه شيئا.
والثاني: أمر لك غريم فيه كأن يعتدي عليك أحد، أو يسرق مالك أو غير ذلك.
الأمر الذي لا غريم لك فيه: ليس أمامك الا الصبر، والأمر الذي لك غريم فيه تكون نفسك مشتعلة برغبة الانتقام، ولذلك يحتاج الى صبر أكبر وصبر اطول، لأن غريمك أمامك، فنفسك تطالبك بالانتقام منه، ولذلك يفرق الله سبحانه وتعالى بين الصابرين فيقول سبحانه وتعالى:{ واصبر على ما أصابك ان ذلك من عزم الأمور} لقمان 17، ويقول سبحانه وتعالى في آية أخرى:{ ولمن صبر وغفر ان ذلك من عزم الأمور} الشورى 43، ووجود اللام هنا يدلنا على أننا نحتاج الى الصبر على غريم لنا، والى قوة ارادة وعزيمة حتى نمنع أنفسنا من الانتقام.
والصبر له دوافع، فمن الناس من يأتيه أحداث شديدة فيظهر أمام الناس أنه اقوى من الأحداث التي لا تستطيع أن تنال منه، وانه جلد، وأنه صبور فهذا صبر ليس لابتغاء وجه الله، ولكنه صبر ليبين نفسه أنه فوق الأحداث، أو صبر أمام أعدائه حتى لا يشمتوا فيه، فقد قال الشاعر:
وتجلدي للشامتين أريهم أني لريب الدهر لا أتضعضع
ولكن الحق سبحانه وتعالى يريد منا أن نصبر ابتغاء وجهه الكريم، فعندما ترى أمرا يحدث فاعرف أن فيه خيرا كثيرا، واعلم أن لله فيه حكمة، ولو أنك خيّرت بين ما كان يجب أن يقع وبين ما وقع لاخترت ما وقع.
اذن فالذي صبر ابتغاء وجه الله ينظر الى مناط الحكمة في مورد القضاء عليه، ولذلك يقول: أحمدك يا ربي على كل قضائك، وجميع قدرك حمد الرضا بحكمك لليقين بحكمتك، هذا تيقن بالحكمة فلا تأخذ الأمور بسطحية.
**
ألوان الصبر
ان الصبر في البأساء هو الصبر على ما يعتري الانسان من بؤس وفقر، أما الصبر في الضراء فهو الصبر على آلام البدن من مرض أو علل أو عاهات، والصبر حين البأس هو الصبر الذي يطلق على الصبر والمصابرة في القتال أثناء الالتقاء بالعدو، اذن فنحن أمام ثلاثة ألوان من الصبر:
الأول: صبر على حال بؤس أو فقر.
الثاني: الصبر على الابتلاء في البدن.
الثالث: الصبر في لقاء العدو.
ولذك يروى أن النبي الكريم صلى الله عليه وسلم قال: قال الله تبارك وتعالى:" اذا ابتليت عبدي المؤمن فلم يشكني الى عوّاده أطلقته من اساري ثم أبدلته لحما خيرا من لحمه ودما خيرا من دمه ثم ليستأنف العمل". معنى ذلك أن الانسان اذا أصابه الله بأمر من امور الابتلاء الذي يؤلم، ولم يتذمر العبد بالشكوى انما صبر على ذلك الابتلاء فان مات فان الله تعالى يغفر له ويرحمه، وان عافاه كانت عافيته بلا ذنب.
لكن لا يجب أن نفهم من ذلك أن يستسلم الانسان للأحداث أو الابتلاءات دون أن يبحث عن حلول لها عند الأطباء مثلا ان كنت مريضا، أو أن يأخذ بأسباب الله لازالة هذه النكبات، علينا أن نفهم أننا يجب أن نأخذ بأسباب الله دون ضجر بما يمر علينا من أحداث.
بن الإسلام
18.01.2012, 11:31
-" الإحسان "
مرَّ عبد الله بن عمر بن الخطاب -رضي الله عنهما- على غلام يرعى أغنامًا لسيده، فأراد ابن عمر أن يختبر الغلام
فقال له: بع لي شاة. فقال الصبي: إنها ليست لي، ولكنها ملك لسيدي، وأنا عبد مملوك له.
فقال ابن عمر: إننا بموضع لا يرانا فيه سيدك، فبعني واحدة منها، وقل لسيدك: أكلها الذئب.
فاستشعر الصبي مراقبة الله، وصاح: إذا كان سيدي لا يرانا، فأين الله؟!
فسُرَّ منه عبد الله بن عمر ، ثم ذهب إلى سيده، فاشتراه منه وأعتقه.
ما هو الإحسان؟
الإحسان هو مراقبة الله في السر والعلن، وفي القول والعمل، وهو فعل الخيرات على أكمل وجه، وابتغاء مرضات الله.
أنواع الإحسان:
الإحسان مطلوب من المسلم في كل عمل يقوم به ويؤديه.
وفي ذلك يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (إن الله كتب الإحسان على كل شيء، فإذا قتلتم فأحسنوا القِتْلَة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبح، ولْيحد أحدكم شَفْرته، ولْيُرِح ذبيحته) [مسلم].
ومن أنواع الإحسان:
1-الإحسان مع الله:
وهو أن يستشعر الإنسان وجود الله معه في كل لحظة، وفي كل حال، خاصة عند عبادته لله -عز وجل-، فيستحضره كأنه يراه وينظر إليه.
قال صلى الله عليه وسلم: (الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك) [متفق عليه].
2-الإحسان إلى الوالدين:
المسلم دائم الإحسان والبر لوالديه، يطيعهما، ويقوم بحقهما، ويبتعد عن الإساءة إليهما،
قال تعالى: {وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانًا** [الإسراء: 23].
3-الإحسان إلى الأقارب:
المسلم رحيم في معاملته لأقاربه، وبخاصة إخوانه وأهل بيته وأقارب والديه، يزورهم ويصلهم، ويحسن إليهم.
قال الله تعالى: {واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام** [النساء: 1].
وقال صلى الله عليه وسلم: (من سرَّه أن يُبْسَطَ له في رزقه (يُوَسَّع له فيه)، وأن يُنْسأ له أثره (يُبارك له في عمره)، فليصل رحمه) [متفق عليه]،
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فَلْيَصِل رحمه) [البخاري].
و قال صلى الله عليه وسلم: (الصدقة على المسكين صدقة، وهي على ذي الرحم ثنتان: صدقة، وصلة)[الترمذي].
4-الإحسان إلى الجار:
المسلم يحسن إلى جيرانه، ويكرمهم امتثالا لقول النبي صلى الله عليه وسلم
قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننتُ أنه سيورِّثه).[متفق عليه].
ومن كمال الإيمان عدم إيذاء الجار،
قال صلى الله عليه وسلم: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يُؤْذِ جاره) [متفق عليه].
والمسلم يقابل إساءة جاره بالإحسان،
فقد جاء رجل إلى ابن مسعود -رضي الله عنه- فقال له: إن لي جارًا يؤذيني، ويشتمني، ويُضَيِّقُ علي. فقال له ابن مسعود: اذهب فإن هو عصى الله فيك، فأطع الله فيه.
وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال عن حق الجار: (إذا استعان بك أعنتَه، وإذا استقرضك أقرضتَه، وإذا افتقر عُدْتَ عليه (ساعدته)، وإذا مرض عُدْتَه (زُرْتَه)، وإذا أصابه خير هنأتَه، وإذا أصابته مصيبة عزَّيته، وإذا مات اتبعتَ جنازته، ولا تستطلْ عليه بالبناء، فتحجب عنه الريح إلا بإذنه، ولا تؤذِه بقتار قِدْرِك (رائحة الطعام) إلا أن تغرف له منها، وإن اشتريت فاكهة فأهدِ له منها، فإن لم تفعل، فأدخلها سرًّا، ولا يخرج بها ولدك ليغيظ بها ولده) [الطبراني].
5-الإحسان إلى الفقراء:
المسلم يحسن إلى الفقراء، ويتصدق عليهم، ولا يبخل بماله عليهم، وعلى الغني الذي يبخل بماله على الفقراء ألا ينسى أن الفقير سوف يتعلق برقبته يوم القيامة وهو يقول: رب، سل هذا -مشيرًا للغني- لِمَ منعني معروفه، وسدَّ بابه دوني؟
ولابد للمؤمن أن يُنَزِّه إحسانه عن النفاق والرياء، كما يجب عليه ألا يمن بإحسانه على أصحاب الحاجة من الضعفاء والفقراء؛ ليكون عمله خالصًا لوجه الله.
قال تعالى: {قول معروف ومغفرة خير من صدقة يتبعها أذى والله غني حليم** [البقرة: 263].
6-الإحسان إلى اليتامى والمساكين:
أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم بالإحسان إلى الأيتام، وبشَّر من يكرم اليتيم، ويحسن إليه بالجنة،
فقال: (أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا) وأشار بأصبعيه: السبابة، والوسطى، وفرَّج بينهما شيئًا.
[متفق عليه].
وقال صلى الله عليه وسلم: (الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله) [متفق عليه].
7-الإحسان إلى النفس:
المسلم يحسن إلى نفسه؛ فيبعدها عن الحرام، ولا يفعل إلا ما يرضي الله، وهو بذلك يطهِّر نفسه ويزكيها، ويريحها من الضلال والحيرة في الدنيا، ومن الشقاء والعذاب في الآخرة،
قال تعالى: {إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم** [الإسراء: 7].
8-الإحسان في القول:
الإحسان مطلوب من المسلم في القول، فلا يخرج منه إلا الكلام الطيب الحسن،
يقول تعالى: {وهدوا إلى الطيب من القول**[الحج: 24]،
وقال تعالى: {وقولوا للناس حسنًا** [البقرة: 83].
9-الإحسان في التحية:
والإحسان مطلوب من المسلم في التحية، فعلى المسلم أن يلتزم بتحية الإسلام، ويرد على إخوانه تحيتهم.
قال الله -تعالى-: {وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها** [النساء: 86].
10-الإحسان في العمل:
والمسلم يحسن في أداء عمله حتى يتقبله الله منه، ويجزيه عليه،
قال صلى الله عليه وسلم: (إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه) [البيهقي].
11-الإحسان في الزينة والملبس:
قال تعالى: {يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد** [الأعراف: 31].
جزاء الإحسان:المحسنون لهم أجر عظيم عند الله،
قال تعالى: {هل جزاء الإحسان إلا الإحسان** [الرحمن: 60].
وقال: {إنا لا نضيع أجر من أحسن عملاً** [الكهف: 30].
وقال: {وأحسنوا إن الله يحب المحسنين** [البقرة: 195].
http://www.samysoft.net/forumim/nehaya/43534534.gif
بن الإسلام
19.01.2012, 11:54
9-الحِلْم:
خلق من أخلاق الإسلام العظيمة، والذى يتمثل فى تريث الإنسان وتثبته فى الأمر، ويعنى الأناة وضبط النفس.
وهو ضبط إرادى للانفعال فى مواجهة إساءات الآخرين، ابتغاء وجه الله.
ويعطى الحليم الفرصة للتفكير الهادئ والتقدير السديد لتلك الإساءات، فيقرر بطريقة سليمة خلقيًا ودينيًا أن يقابلها بمثلها، أو يعفو عنها.
وهكذا يكفل الحلم لصاحبه البقاء ضمن إطار القانون والفضيلة ويجنبه تجاوزهما.
أما الخير الذى يجنيه الغير من حلم الحليم فهو الأمن من الظلم أو انتهاك الفضيلة والقانون بالاعتداء أو بالعقاب المخالف لهما، وكذلك يتيح الحلم للغير الفرصة لنيل العفو والصفح عن إساءته
وعندما نتأمل آيات القرآن الكريم التى تعالج الحلم نجد أنها تذكره كصفة لله -عز وجل- ثم لأنبيائه - صلوات الله وسلامه عليهم. وأنها تقرنه -غالبًا- بالمغفرة.
يقول تعالى: { لاَّ يُؤَاخِذُكُمُ اللهُ بِاللَّغْوِ فِى أَيْمَانِكُمْ وَلَكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ } [البقرة: 225].
وقوله:{اعلّموا أّن اللَّه غّفور حّلٌيم} [البقرة: 235].
وقوله -عز وجل- { إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لأوَّاهٌ حَلِيمٌ } [التوبة: 114].
ويقول واصفًا إسماعيل -عليه السلام.. { فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ } [الصافات: 101].
وفى كتاب الله فضلا عن هذا ثناء كبير على {وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ } [آل عمران:134].
وتقدير مرموق للمؤمنين { وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ } [الشورى: 37].
وقد ورد فى السنة النبوية العديد من الأحاديث التى تحث على فضيلة الحلم وتغرى المسلمين على الالتزام بها.
يقول النبى – صلى الله عليه وسلم-: «ما من جرعة أعظم أجرًا عند الله من جرعة غيظ كظمها عبد ابتغاء وجه الله»
ويقول – صلى الله عليه وسلم-: «ألا أدلكم على أشدكم؟ أملككم لنفسه عند الغضب»
ويقول -أيضًا-: «ليس الشديد بالصرعة، إنما الشديد الذى يملك نفسه عند الغضب»
ففى هذه الأحاديث - فضلا عن الحث الصريح والندب الواضح إلى فضيلة الحلم - بيان لعدة حقائق تتعلق بهذه الفضيلة.
1- كون الغيظ أو الغضب العنيف مسلمة أولية للحلم، وإذا لم يوجد غضب لأى سبب، لم يعد للحلم مكان.
2-أن الحلم فضيلة صعبة المنال؛ لأنها تتطلب شخصية وإرادة خلقية قوية، لضبط الانفعال العنيف.
3- أن الحلم فضيلة عالية القيمة.
4- أن القيمة الخلقية للحلم ترتهن بنية الفوز برضا الله أو قصد وجه الله.
ولقد حذر الرسول – صلى الله عليه وسلم- من الغضب الذى يخرج صاحبه عن حد الاعتدال.
فعن أبى هريرة -رضى الله عنه- «أن رجلا قال للنبى – صلى الله عليه وسلم - أوصنى قال: «لا تغضب» فردد مرارًا قال «لا تغضب».
ـ فضل الحلم والصفح:
بالتأمل فى صفة الحلم نجد أنها تعود على صاحبها بالخير والسعادة فى الدنيا والآخرة، نجمل منها:
1- جعل الله -عز وجل- الحلم والعفو من صفات المتقين الذين يسارعون إلى مغفرة الله وإلى الجنة،
فقال تعالى: {وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِى السَّرَّاء وَالضَّرَّاء وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}[آل عمران: 133- 134].
2-الحلم يحيل العداوة مودة،
يقول الله تعالى{ وَلا تَسْتَوِى الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِى هِى أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِى بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِى حَمِيمٌ وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ }[فصلت: 34- 35]
3- جعل الله تعالى الصفح، والعفو والحلم من علامات القوة، وليس من علامات الضعف والعجز،
قال تعالى: { وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ} [الشورى: 43]
4- الحلم يحبه الله تعالى،
عن عائشة - رضى الله عنها- قالت: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم-: «إن الله يحب الرفق ويعطى على الرفق ما لا يعطى على العنف، وما لا يعطى على ما سواه»
وعنها - أيضًا- قالت: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم-: «إن الرفق لا يكون فى شيء إلا زانه ولا ينزع من شيء إلا شانه»
5- الحليم العفو يدعوه الله يوم القيامة ليخيّره من الحور العين ما شاء،
فعن معاذ بن أنس - رضى الله عنه- أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم - قال: «من كظم غيظًا وهو قادر على أن ينفذه دعاه الله سبحانه وتعالى على رؤوس الخلائق يوم القيامة حتى يخيره من الحور العين ما شاء»
6- جعل الله تعالى الحلم من صفات عباده فقال تعالى: {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلاما} [الفرقان: 63].
7- يُحرِّم الله تعالى النار على كل هين لين سهل،
فعن ابن مسعود - رضى الله عنه- قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم-: «ألا أخبركم بمن يحرم على النار - أو بمن تحرم عليه النار- تحرم على كل قريب هين لين سهل»
ـ نماذج عملية فى الحلم:
1- حلم النبى – صلى الله عليه وسلم-:
فعن عائشة -رضى الله عنها- قالت: «ما خُيِّر رسول الله – صلى الله عليه وسلم - بين أمرين إلا أخذ أيسرهما، ما لم يكن إثمًا، فإن كان إثمًا كان أبعد الناس منه، وما انتقم رسول الله – صلى الله عليه وسلم - لنفسه فى شىء قط، إلا أن تُنتهك حرمة الله فينتقم لله تعالى»
وعن أنس بن مالك - رضى الله عنه- قال: «كنت أمشى مع رسول الله – صلى الله عليه وسلم - وعليه برد نجرانى غليظ الحاشية، فأدركه أعرابى، فجبذه بردائه جبذة شديدة، حتى نظرت إلى صفحة عاتق رسول الله – صلى الله عليه وسلم - قد أثّرت به حاشية البرد من شدة جبذته - ثم قال: يا محمد، مر لى من مال الله الذى عندك، فالتفت إليه رسول الله – صلى الله عليه وسلم - ثم أمر له بعطايا»
هذا مثل رائع فى حلم النبى – صلى الله عليه وسلم - مع الأعرابى الذى تطاول عليه بيده وبلسانه، وكان رد فعل الرسول – صلى الله عليه وسلم - فى هذا الموقف الذى يطيش فيه عقل أهل الأرض أن يضرب المثل الأعلى فى الحلم، فيبتسم، ويأمر له بعطاء على بعيرين، أحدهما عليه شعير، وعلى الآخر تمرًا.
وقد اتسع حلمه – صلى الله عليه وسلم - حتى شمل الناس جميعًا،
فقد روى جابر بن عبد الله - رضى الله عنهما- قال: أتى رجل رسول الله – صلى الله عليه وسلم - بالجعرانة منصرفه من حنين، وفى ثوب بلال فضة، ورسول الله – صلى الله عليه وسلم - يقبض منها، يعطى الناس، فقال: يا محمد، اعدل. قال: «ويلك، ومن يعدل إذا لم أكن أعدل؟ لقد خبت وخسرت إن لم أكن أعدل»، فقال عمر - رضى الله عنه-: دعنى يا رسول الله، فأقتل هذا المنافق، فقال: «معاذ الله أن يتحدث الناس أنى أقتل أصحابى، إن هذا وأًصحابه يقرأون القرآن لا يجاوز حناجرهم، يمرقون منه كما يمرق السهم من الرمية»
2-حلم أبو بكر الصديق - رضى الله عنه-:
لقد كان أبو بكر - رضى الله عنه- لين الطبع يؤثر العفو على المؤاخذة، والحلم على الثأر والانتقام، ولكن رغم ذلك فإن موقف مسطح (وكان من أقاربه) من حادث الإفك -حين خاض مسطح مع الخائضين فيه- غضب أبو بكر وأقسم ألا ينفق عليه، فنزل القرآن ليرد أبا بكر إلى صوابه وحلمه وعفوه، فقال تعالى: { وَلا يَأْتَلِ أُوْلُوا الْفَضْلِ مِنكُمْ وَالسَّعَةِ أَن يُؤْتُوا أُوْلِى الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِى سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } [النور: 22]. فرجع أبو بكر مرة أخرى للإنفاق على مسطح.
3- حلم عمر بن الخطاب - رضى الله عنه-:
على قدر ما كان عمر بن الخطاب- رضى الله عنه-قويًا فى الحق،لا يخشى فى الله لومة لائم، كان حليمًا عفوًا
فعن ابن عباس -رضى الله عنهما- قال: قدم عيينة بن حصن فنزل على ابن أخيه الحُر بن قيس فقال عيينة لابن أخيه:( يا ابن أخى لك وجه عند هذا الأمير) فأذنْ لى عليه، فاستأذن، فإذن له عمر.
فلما دخل قال: هِى يا ابن الخطاب، فوالله ما تعطينا الجزل، ولا تحكم فينا بالعدل فغضب عمر - رضى الله عنه- حتى هَمَّ أن يوقع به. فقال له الحر: يا أمير المؤمنين: إن الله تعالى قال لنبيه – صلى الله عليه وسلم-: «خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين،) والله ما جاوزها عمر حين تلاها، وكان وقّافًا عند كتاب الله تعالى»
4- حلم الشافعى رحمه الله:
روى أن الشافعى - رحمه الله - خرج ذات يوم من المسجد فقال له رجل: يا شافعى أنت فاسق!
فقال الشافعى: اللهم إنْ كنتُ كما قال فتب عليَّ. وإن لم أكن كما قال فاغفر لى.
وفى اليوم الثانى: حدث كما حدث فى اليوم الأول، وفى اليوم الثالث كذلك.
فقال له الشافعى: يا هذا ..إن العالم كالشجرة والعلم كالثمرة. فخذ الثمر ولا شأن لك بالشجرة،
وعندما عوتب في ذلك قال الشافعى:
يخاطبنى السفيه بكل قبح وآبى أن أكون له مجيبا ...
يزيد سفاهة وأزيد حلما كعود زاده الإحراق طيبا ...
ما أحوجنا فى هذه الأيام لإشاعة خُلق الحلم والصفح ...
فى تعاملنا مع الآخرين.. والله الهادى إلى سواء السبيل.
http://www.samysoft.net/forumim/nehaya/56527858.gif
بن الإسلام
24.01.2012, 12:09
10- الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
أولاً: تعريفه وأنواعه:
المعروف: يطلق المعروف على كل ما تعرفه النفس من الخير، وتطمئن إليه، فهو معروف بين الناس لا ينكرونه. وقيل: هو ما عرف حسنه شرعاً وعقلاً.
المنكر: ضد المعروف، وهو ما عرف قبحه شرعاً وعقلاً وسمّي منكراً، لأن أهل الأيمان ينكرونه ويستعظمون فعله.
والمعروف يدخل فيه كل ما أمر الله به ورسوله من الأمور الظاهرة والباطنة ، مثل: شرائع الإسلام والإيمان بالله والصلوات الخمس والزكاة والحج، والإحسان في عبادة الله وإخلاص الدين لله، والتوكل عليه ومحبته ورجائه، وغيرها من أعمال القلوب، وصدق الحديث والوفاء بالعهود وأداء الأمانات وبر الوالدين وصلة الأرحام والإحسان إلى الجار واليتيم، ومكارم الأخلاق.
والمنكر يدخل فيه كل ما نهى الله عنه ورسوله مثل: الشرك بالله صغيره وكبيره، وكبائر الذنوب: كالزنا والقتل والسحر وأكل أموال الناس بالباطل، والمعاملات المحرمة: كالربا والميسر والقمار، وقطيعة الرحم وعقوق الوالدين، وسائر البدع الاعتقادية والعملية، وغير ذلك مما نهى الله عنه ورسوله.
ثانياً: حكمه:
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أعظم الواجبات، وأكبر المهمات، وقد دل على وجوبه الكتاب والسنة والإجماع. وقد دلت النصوص على الأمر به، وجعله من الصفات اللازمة للمؤمنين، وسبباً لخيرية الأمة وأن تركه يؤدي لوقوع اللعن والإبعاد ونزول الهلاك وانتفاء الإيمان عمن قعد عنه حتى بالقلب.
يقول تعالى: {ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر } [آل عمران: 104].
ويقول تعالى: {ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة } [النحل: 125].
ويقول عليه الصلاة والسلام (من رأى منكم منكراً فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان ) رواه مسلم.
ثالثاً: مراتب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:
لقد بين صلى الله عليه وسلم مراتب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهي ثلاث: ..
المرتبة الأولى: الإنكار باليد مع القدرة، وذلك خاص بمن له ولاية من مسؤول أو محتسب ممن يقدر على ذلك. وهكذا المرء مع أهله وأولاده، يأمرهم بالصلاة وسائر الواجبات، وينهاهم عما حرم الله.
المرتبة الثانية: إن عجز المحتسب عن الإنكار باليد انتقل إلى الإنكار باللسان، فيعظهم ويذكرهم ويعاملهم بالأسلوب الحسن مع الرفق، ويستعمل الألفاظ الطيبة والكلمات المناسبة، حتى لو قوبل بالسوء فهو لا يقابل إلا بالتي هي أحسن.
المرتبة الثالثة: الإنكار بالقلب وهي آخر المرتب، ولا رخصة لأحد في تركها ألبته، بل يجب ترك المنكر وبغضه بغضاً تاماً مستمراً. وهذا يقتضي مفارقة أهل المعصية ومجانبتهم حال معصيتهم..
يقول تعالى: {وقد نزّل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله يكفر بها ويستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره ، إنّكم إذاً مثلهم } [النساء: 140].
ففي الآية نهي صريح عن مجالسة أصحاب المنكر حال مواقعته، حتى يتحولوا عنه، وإلا كانوا مثلهم في الإثم، لرضاهم بذلك.
رابعاً: وسائله وأساليبه:
قال تعالى: {ادع إلي سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن } [النحل: 125]...
فالدعوة بالحكمة تكون بحسب حال المدعو وفهمه، وقبوله، ومن الحكمة: العلم والحلم والرفق واللين والصبر على ذلك. والموعظة الحسنة: تكون مقرونة بالترغيب والترهيب والوعد والوعيد والمجادلة بالتي هي أحسن. وهي الطرق التي تكون أدعى للاستجابة عقلاً ونقلاً، لغة وعرفاً .
قال سفيان الثوري: "ينبغي للآمر الناهي أن يكون رفيقاً فيما يأمر به، رفيقاً فيما ينهى عنه، عدلاً فيما يأمر به، عدلاً فيما ينهى عنه، عالماً بما يأمر به، عالماً بما ينهى عنه ".
ووسائل الخير كثيرة لا تحصر، فيسلك الداعي فيها أفضل الطرق، وأدعاها للقبول والاستجابة، ومنها: الخطب في أيام الجمع والأعياد والمجامع العامة، والعناية بتربية الأولاد ونشر العلم الشرعي، والإحسان إلى الناس بالقول والفعل، والكتابة والنصيحة المباشرة لصاحب المنكر، ومعاونة أفراد هيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وشد أزرهم.
خامساً: قصص نبوية في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:
1. عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم:(رأى خاتمًا من ذهب في يد رجل فنزعه فطرحه وقال: يعمد أحدكم إلى جمرة من نار فيجعلها في يده .فقيل للرجل بعد ما ذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم: خذ خاتمك انتفع به. قال: لا والله لا آخذه ابداً وقد طرحه رسول الله صلى الله عليه وسلم ) رواه مسلم.
2. عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل المسجد فدخل رجل فصلى، فسلم على النبي صلى الله عليه وسلم فردّ، وقال: (ارجع فصل فإنك لم تصل فرجع يصلى كما صلى، ثم جاء فسلم على النبي صلى الله عليه وسلم فرده وقال: ارجع فصل فإنك لم تصل ) فرجع ثلاثا،ً فقال والذي بعثك بالحق ما أحسن غيره فعلمني؟ فقال: إذا قمت إلى الصلاة فكبر، ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن، ثم اركع حتى تطمئن راكعاً، ثم ارفع حتى تعتدل قائماً، ثم اسجد حتى تطمئن ساجداً، وافعل ذلك في صلاتك كلها ) رواه البخاري.
3. عن أبي هريرة رضي الله عنه أن أعرابياً دخل المسجد ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس فصلى ركعتين، ثم قال: اللهم ارحمني ومحمداً ولا ترحم معنا أحداً فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (لقد تحجرت واسعاً ) ثم لم يلبث أن بال في ناحية المسجد، فأسرع إليه الناس فنهاهم النبي عليه الصلاة والسلام وقال: (إنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين صبوا عليه سجلاً من ماء ، أو قال: ذنوباً من ماء ) رواه أبو داود، ووصحه الألباني. تحجرت واسعاً: ضيقت ما وسعه الله، وخصصت به نفسك دون غيرك.
الذنوب: الدلو العظيمة.
اللهم اجعلنا من الامرين بالمعروف والناهين عن المنكر ...
اللهم اجعلنا ممن يقيمون حدود الله
بن الإسلام
25.01.2012, 13:23
11-الأمانة
هي ضد الخيانة ، والأمانة كلمة واسعة المفهوم ، يدخل فيها أنواع كثيرة ، منها :
1- الأمانة العظمى ، وهي الدين والتمسك به ، قال تعالى : ( إنا عرضنا الأمانة على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوماً جهولا ). قال القرطبي في تفسير هذه الآية : الأمانة تعم جميع وظائف الدين ا هـ .
وتبليغ هذا الدين أمانة أيضاً ، فالرسل أمناء الله على وحيه ، قال صلى الله عليه وسلم : " ألا تأمنوني وأنا أمين من في السماء ، يأتيني خبر السماء صباحاً ومساء ). وكذلك كل من جاء بعدهم من العلماء والدعاة، فهم أمناء في تبليغ هذا الدين . وكل ما يأتي من أنواع يمكن دخولها في هذا النوع .
2- كل ما أعطاك الله من نعمة فهي أمانة لديك يجب حفظها واستعمالها وفق ما أراد منك المؤتمن ، وهو الله جل وعلا ، فالبصر أمانة ، والسمع أمانة، واليد أمانة ، والرجل أمانة ، واللسان أمانة ، والمال أمانة أيضاً ، فلا ينفق إلا فيما يرضي الله .
3- العرض أمانة ، فيجب عليك أن تحفظ عرضك ولا تضيعه ، فتحفظ نفسك من الفاحشة ، وكذلك كل من تحت يدك ، وتحفظهم عن الوقوع فيها ، قال أبي كعب رضي الله عنه : من الأمانة أن المرأة أؤتمنت على حفظ فرجها
4- الولد أمانة ، فحفظه أمانة ، ورعايته أمانة ، وتربيته أمانة .
5- العمل الذي توكل به أمانة ، وتضييعه خيانة ، فعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة " ، قال : كيف إضاعتها يا رسول الله ؟ قال : " إذا أسند الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة )( ) وقال صلى الله عليه وسلم لأبي ذر لما سأله أن يوليه قال : ( ………. وإنها أمانة ……… )
6- السر أمانة ، وإفشاؤه خيانة ، ولو حصل بينك وبين صاحبك خصام فهذا لا يدفعك لإفشاء سره ، فإنه من لؤم الطباع ، ودناءة النفوس ، قال صلى الله عليه وسلم : ( إذا حدث الرجل بحديث ثم التفت فهي أمانة ) ومن أشد ذلك إفشاء السر بين الزوجين ، فعن أبي سعيد الخدري ـ رضي الله عنه ـ قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن من أشد الناس عذاباً يوم القيامة : الرجل يفضي إلى امرأته وتفضي إليه ، ثم ينشر سرها ).
7- الأمانة ، بمعنى الوديعة ، وهذه يجب المحافظة عليها ، ثم أداؤها كما كانت .
الأمر بحفظ الأمانة :
قد أمر الشارع بحفظ الأمانة وأدائها ، وذم الخيانة ، وحذر منها في نصوص كثيرة منها :
أ- قال تعالى ( إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها ) . ذكر ابن كثير ـ رحمه الله ـ أنها عامة في جميع الأمانات الواجبة على الإنسان، وهي نوعان :
1- حقوق الله تعالى من صلاة وصيام وغيرهما .
2- حقوق العباد كالودائع وغيرها .
ب- وقال تعالى في صفات المؤمنين ( والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون).
ج- وقال تعالى ( يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون )
قال ابن كثير: والخيانة تعم الذنوب الصغار والكبار ، وعن ابن عباس في الأمانة قال : الأعمال التي أؤتمن عليها العباد .
د- وقال صلى الله عليه وسلم في الأمر بردها : " أد الأمانة إلى من ائتمنك ، ولا تخن من خانك ".
ه- وقال صلى الله عليه وسلم في ذم الخيانة : ( آية المنافق ثلاث : إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف ، وإذا أؤتمن خان ).
مما ورد في فضل الأمانة
قال صلى الله عليه وسلم : الخازن الأمين المسلم الذي ينفذ ما أمر به كاملاً موفراً طيبة به نفسه ، فيدفعه إلى الذي أمر له به ، أحد المتصدقين ).
الخيانة من الكبائر :
الخيانة من كبائر الذنوب ، قال الإمام الذهبي في كتاب الكبائر : والخيانة في كل شيء قبيحة ، وبعضها شر من بعض ، وليس من خانك في فلس كمن خانك في أهلك ومالك ، وارتكب العظائم . اهـ وقال صلى الله عليه وسلم : ( لا إيمان لمن لا أمانة له ، ولا دين لمن لا عهد له ).
من صور الأمانة :
1- قال صلى الله عليه وسلم وهو يحكي لأصحابه رضي الله عنهم : " اشترى رجل من رجل عقاراً له ، فوجد الذي اشترى العقار في عقاره جرة فيها ذهب ، فقال له الذي اشترى العقار : خذ ذهبك مني ، إنما اشتريت منك الأرض ، ولم ابتع منك الذهب ، فقال الذي شرى الأرض ( أي : الذي باعها ) : إنما بعتك الأرض وما فيها ، قال : فتحاكما إلى رجل ، فقال الذي تحاكما إليه : ألكما ولد ؟ فقال أحدهما : لي غلام ، وقال الآخر : لي جارية ، قال : أنكحوا الغلام بالجارية ، وأنفقوا على أنفسكما منه ، وتصدقا "
2- ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن رجل من بني إسرائيل أنه سأل رجلاً من بني إسرائيل أن يسلفه ألف دينار ، فقال : ائتني بالشهداء أشهدهم ، فقال : كفى بالله شهيدا ، قال : فائتني بالكفيل ، قال : كفى بالله كفيلا ، قال : صدقت ، فدفعها إليه على أجل مسمى ، فخرج في البحر ، فقضى حاجته ، ثم التمس مركباً يركبها ، يقدم عليه للأجل الذي أجله ، فلم يجد مركباً ، فأخذ خشبة ونقرها ، فأدخل فيها ألف دينار ، وصحيفة منه إلى صاحبه ، ثم زجج موضعها ، ثم أتى بها البحر ، فقال : اللهم إنك تعلم أني كنت تسلفت فلاناً ألف دينار فسألني كفيلا ، فقلت : كفى بالله كفيلا ، فرضي بك ، وسألني شهيداً فقلت : كفى بالله شهيداً ، فرضي بذلك ، وإني جهدت أن أجد مركباً أبعث إليه الذي له فلم أقدر ، وإني استودعكها ، فرمى بها في البحر حتى ولجت فيه ، ثم انصرف ، وهو في ذلك يلتمس مركباً يخرج إلى بلده .
فخرج الرجل الذي كان أسلفه ، ينظر لعل مركباً قد جاء بماله ، فإذا بالخشية التي فيها المال ، فأخذها لأهله حطباً ، فلما نشرها وجد المال والصحيفة . ثم أقدم الذي كان أسلفه فأتى بالألف دينار ، فقال : والله ما زلت جاهداً في طلب مركبة لآتيك بمالك ، فما وجدت مركباً قبل الذي أتيت فيه ، قال : هل كنت بعثت إلي شيء ؟ قال : أخبرك أني لم أجد مركباً قبل الذي جئت فيه . قال : فإن الله قد أدى عنك الذي بعثت في الخشبة ، فانصرف بالألف دينار راشداً
بن الإسلام
29.01.2012, 13:12
12 - التعاون على البر
ويقول الشيخ رحمه الله فى فضيلة التعاون على البر
حقيقة البر
يقول الحق سبحانه وتعالى:{ وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الاثم والعدوان} المائدة2. فما هو البر؟
البر: ما اطمأنت اليه نفسك، والاثم: هو ما حاك في صدرك وخشيت أن يطلع عليه أحد، بمعنى: أن الأمر الذي تفعله وتخاف أن يطلع عليه الناس، هو الاثم، لأنه لو لم يكن اثما لحببت أن يراك الناس وأنت تفعله.
اذن فقول الحق سبحانه وتعالى:{ وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الاثم والعدوان} هو أن كل جماعة من الناس تأتي لتتعاون على مشروع خيري فنقول لها: فليبارك الله لك ونشد على يديك، ولكن نحذرك من شيء واحد هو ألا تجعلي لجمعياتك نشاطا ينتسب الى غير دينك، مثال ذلك تلك الجمعيات المسماة بـ الروتاري أو ما شابه ذلك من الأسماء المشبوهة والوافدة الينا من الغرب ويقال ان نشاطها خيري، لماذا لا تقدمون الخير ما دام منكم ولاخوانكم باسم الاسلام.
ان الخير كل الخير ألا ننخرط في هذه الجمعيات فان بدا فيها خير ظاهر فما تبطنه من شر أضعاف مضاعفة، وان كان لواحد منا طاقة على العمل الخيري فليفعل ذلك من خلال دينه وعقيدته، وليعلم كل انسان أن الاسلام طلب منا أن تكون كل حياتنا للخير وذلك ما يجب أن يستقر في الأذهان حتى لا يأخذ الظن الخطأ كل ما يصيبه الخير من هذه الجمعيات أن الخير قادم من غير دين الاسلام أن من أميز ما يميز المؤمن.. { وكانوا يسارعون في الخيرات} الأنبياء 90..
وليعلم كل مسلم أنه ليس فقيرا الى القيم حتى يتسولها من الخارج، بل ان في دين الاسلام ما يغنينا جميعا عن هؤلاء، فاذا كنا نفعل الخير، ونقدم الخدمة الاجتماعية للناس، فلماذا لا نسميها بمسمياتنا نحن؟ ونأخذ أهدافها من ديننا نحن؟ ولماذا نجري وراء كل ما هو غربي؟
ولنقرأ جميعا قول الحق سبحانه وتعالى:{ ومن أحسن قولا ممن دعا الى الله وعمل صالحا وقال انني من المسلمين} فصلت 33.
**
التعاون على البر
يقول الحق سبحانه وتعالى:{ وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الاثم والعدوان} المائدة 2.
الحق سبحانه وتعالى يريد منا أن ننمي الخير ونمنع الهدم، وما دمنا نتعاون على الخير فعلى كل منا أن يعرف أنه يستطيع أن يقيم كل أبنية الخير، اننا نسأل الفقير فنجده أحيانا صاحب ثوب واحد، ويتناول وجبة واحدة، وعندما تسأله من أين تأتي برغيف الخبز فانه يشير الى البقال الذي أعطاه هذا الرغيف، وهذا يلفتنا الى أن الله قد سخر البائع أن ياتي بالخبز ليشتري منه كل الناس، ولو سألت البائع من أين أتيت بالخبز الذي تبيعه لقال لك أنه من المخبز.
وعندما نذهب الى المخبز فنجد بعض العمال يعجنون الدقيق وآخر يخبز، ولو سألت صاحب المخبز من أين أتيت بالدقيق الى المخبز؟ لقال لك من المطحن.
وفي المطحن نجد عشرات العمال والمهندسين يعملون من أجل طحن الدقيق، وهذا يلفتنا الى قدرة الله سبحانه الذي سخر بعضا من الممولين الذين اشتروا هذه الآلات الضخمة التي لا يستطيع فرد واحد أن يشتريها بمفرده، وهذه الآلات الضخمة قامت بانتاجها معامل ومصانع ضخمة فيها الكثير من العلماء الأفذاذ الذين قاموا بدراسة الحركة والطاقة من أجل تصميم هذه الأجهزة.
ان الانسان عندما يأكل رغيفا واحدا يعلم أن هناك عشرات من الدول والأفراد يعملون من أجل هذا الرغيف، وتلك مشيئة الحق سبحانه وتعالى من أجل تنظيم كل حركة الحياة، فالبقال الذي عرض الخبز عاون الناس، وكذلك الخباز، ومن قبله الطحان والعجان، والذي استورد الآلة، والذي صمم الآلة، والكلية التي علمت المهندس الذي صممها.
اذن فالكل يتعاون من أجل رغيف خبز، ولا أحد منا يفكر في هذا الرغيف الا ساعة أن يجوع، فحركة الحياة كلها تمّ بناؤها بالتعاون بين خلق الله كلهم، فالكل مسخر لخدمة الكل.
بن الإسلام
05.02.2012, 13:09
13-الشكر
ما هو الشكر؟
الشكر هو المجازاة على الإحسان، والثناء الجميل على من يقدم الخير والإحسان.
شكر الأنبياء:
كان الشكر خلقًا لازمًا لأنبياء الله -صلوات الله عليهم-، يقول الله -تعالى- عن إبراهيم -عليه السلام-: {إن إبراهيم كان أمة قانتًا لله حنيفًا ولم يك من المشركين. شاكرًا لأنعمه اجتباه وهداه إلى صراط مستقيم}.
[النحل: 120-121].
ووصف الله -عز وجل- نوحًا -عليه السلام- بأنه شاكر، فقال: {ذرية من حملنا مع نوح إنه كان عبدًا شكورًا} [الإسراء: 3]. وقال الله تعالى عن سليمان -عليه السلام-: {قال هذا من فضل ربي ليبلوني أأشكر أم أكفر ومن شكر فإنما يشكر لنفسه ومن كفر فإن ربي غني كريم} [النمل: 40].
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم كثير الشكر لربه، وقد علَّمنا أن نقول بعد كل صلاة: (اللهم أعنِّي على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك)
[أبو داود والنسائي].
وتحكي السيدة عائشة -رضي الله عنها- أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يقوم الليل، ويصلي لله رب العالمين حتى تتشقق قدماه من طول الصلاة والقيام؛ فتقول له: لِمَ تصنع هذا يا رسول الله، وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟! فيرد عليها النبي صلى الله عليه وسلم قائلا: (أفلا أكون عبدًا شَكُورًا)
[متفق عليه].
أنواع الشكر:
المسلم يشكر كل من قدم إليه خيرًا، أو صنع إليه معروفًا، ومن أنواع الشكر:
شكر الله: المسلم يشكر ربه على نعمه الكثيرة التي أنعم بها عليه، ولا يكفر بنعم الله إلا جاحد، قال تعالى: {فاذكروني أذكركم واشكروا لي ولا تكفرون} [البقرة: 152].
ويقول تعالى: {يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم واشكروا لله إن كنتم إياه تعبدون} [البقرة: 172].
ونعم الله على الإنسان لا تعد ولا تُحْصَى، يقول تعالى: {وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها} [إبراهيم: 34].
ويقول تعالى: {قل هو الذي أنشأكم وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة قليلاً ما تشكرون} [الملك: 23].
ويقول تعالى: {وأيدكم بنصره ورزقكم من الطيبات لعلكم تشكرون}
[الأنفال: 26].
ويقول تعالى: {ومن رحمته جعل لكم الليل والنهار لتسكنوا فيه ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون} [القصص: 73].
ويتحقق شكر الله بالاعتراف بالنعم، والتحدث بها، واستخدامها في طاعة الله، قال تعالى: {وأما بنعمة ربك فحدث} [الضحى: 11].
وقال صلى الله عليه وسلم: (التحدُّث بنعمة الله شكر، وتركها كفر، ومن لا يشكر القليل لا يشكر الكثير، ومن لا يشكر الناس لا يشكر الله) [البيهقي]. وقال صلى الله عليه وسلم: (إن الله ليرضى عن العبد أن يأكل الأَكْلَة فيحمده عليها، أو يشرب الشَّربة فيحمده عليها) [مسلم والترمذي وأحمد].
وقال صلى الله عليه وسلم: (إن الله يحب أن يرى أثر نعمته على عبده) [أبوداود والترمذي].
وقال عمر بن عبد العزيز عن الشكر: تذكروا النعم؛ فإنَّ ذكرها شكرٌ..
والرضا بقضاء الله شكر، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا مات ولد العبد، قال الله لملائكته: قبضتم ولد عبدي؟! فيقولون: نعم. فيقول: قبضتم ثمرة فؤاده؟!
فيقولون: نعم. فيقول: ماذا قال عبدي؟ فيقولون: حمدك واسترجع. فيقول الله: ابنوا لعبدي بيتًا في الجنة، وسمُّوه بيت الحمد) [الترمذي وأحمد]..
وعلمنا النبي صلى الله عليه وسلم أن نسجد لله سجدة شكر إذا ما حدث لنا شيء يسُرُّ، أو إذا عافانا الله من البلاء.
شكر الوالدين: أمر الله -عز وجل- بشكر الوالدين والإحسان إليهما، يقول تعالى: {أن اشكر لي ولواديك إلي المصير} [لقمان: 14]. فالمسلم يقدم شكره لوالديه بطاعتهما، وبرهما، والإحسان إليهما، والحرص على مرضاتهما، وعدم إغضابهما.
شكر الناس: المسلم يقدِّر المعروف، ويعرف للناس حقوقهم، فيشكرهم على ما قدموا له من خير. قال صلى الله عليه وسلم: (لا يشْكُرُ اللهَ من لا يشْكُرُ الناسَ) [أبو داود والترمذي]. وقال صلى الله عليه وسلم: (إن أشكر الناس لله -عز وجل- أشكرهم للناس) [أحمد].
وأحق الناس بأن تقدم له الشكر مُعَلِّمُك؛ لما له عليك من فضل، قال الشاعر:
قُم للمُـعَلِّم وفِّـه التبـجـيـلا
كــاد العلـم أن يكـون رســولا
وحثنا النبي صلى الله عليه وسلم أن نقدم كلمة الشكر لمن صنع إلينا معروفًا؛ فنقول له: جزاك الله خيرًا. قال صلى الله عليه وسلم: (من صُنِع إليه معروف، فقال لفاعله: جزاك الله خيرًا، فقد أَبْلَغَ في الثناء) [الترمذي والنسائي].
فضل الشكر:
إذا تحلى المسلم بخلق الشكر والحمد لربه، فإنه يضمن بذلك المزيد من نعم الله في الدنيا، ويفوز برضوانه وجناته، ويأمن عذابه في الآخرة، قال تعالى: {لئن شكرتم لأزيدنكم} [إبراهيم: 7]. وقال سبحانه: {ما يفعل الله بعذابكم إن شكرتم وآمنتم وكان الله شاكرًا عليمًا} [النساء: 147]. وقال الحسن: كلما شكرتَ نعمة، تَجَدَّدَ لك بالشكر أعظم منها.
عدم الشكر وآثاره: المسلم ليس من الذين لا يقَدِّرُون المعروف، ولا يشكرون الله -سبحانه- على نعمه، ولا يشكرون الناس، فإن هؤلاء هم الجاحدون الذين ينكرون المعروف، وقد ذمهم القرآن الكريم، فقال تعالى: {ومن شكر فإنما يشكر لنفسه ومن كفر فإن ربي غني كريم} [النمل: 40].
وقال الإمام على -رضي الله عنه-: كفر النعمة لؤم. وقال تعالى: {لئن شكرتم لأزيدنكم ولئن كفرتم إن عذابي لشديد} [إبراهيم: 7]. فقد جعل الله الجنة جزاءً للشاكرين الحامدين، وجعل النار عقابًا للجاحدين المنكرين.
يحكى أن
رجلا ابتلاه الله بالعمى وقطع اليدين والرجلين، فدخل عليه أحد الناس فوجده يشكر الله على نعمه، ويقول: الحمد الله الذي عافاني مما ابتلى به غيري، وفضَّلني على كثير ممن خلق تفضيلا، فتعجب الرجل من قول هذا الأعمى مقطوع اليدين والرجلين، وسأله: على أي شيء تحمد الله وتشكره؟
فقال له: يا هذا، أَشْكُرُ الله أن وهبني لسانًا ذاكرًا، وقلبًا خاشعًا وبدنًا على البلاء صابرًا.
يحكى أن
رجلا ذهب إلى أحد العلماء، وشكا إليه فقره، فقال العالم: أَيسُرُّكَ أنك أعمى ولك عشرة آلاف درهم؟ فقال الرجل: لا. فقال العالم: أيسرك أنك أخرس ولك عشره آلاف درهم؟ فقال الرجل: لا. فقال العالم: أيسرك أنك مجنون ولك عشرة آلاف درهم؟ فقال الرجل: لا. فقال العالم: أيسرك أنك مقطوع اليدين والرجلين ولك عشرون ألفًا؟ فقال الرجل: لا. فقال العالم، أما تستحي أن تشكو مولاك وله عندك نعم بخمسين ألفًا.
فعرف الرجل مدى نعمة الله عليه، وظل يشكر ربه ويرضى بحاله ولا يشتكي إلى أحد أبدًا.
بن الإسلام
15.02.2012, 13:27
http://1.1.1.1/bmi/www.samysoft.net/forumim/slam/uityuty67.gif
14 - الرحمة ..
دخل رجل على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فوجده يقَبِّلُ حفيده
الحسن بن علي -رضي الله عنهما-، فتعجب الرجل، وقال: والله يا رسول الله إن لي عشرة من الأبناء ما قبَّلتُ أحدًا منهم أبدًا، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من لا يرْحم لا يرْحم) [متفق عليه].
*يحكي لنا النبي صلى الله عليه وسلم قصة رجل غفر الله له؛ لأنه سقى كلبًا عطشان، فيقول صلى الله عليه وسلم: (بينما رجل يمشي بطريق اشتد عليه العطش فوجد بئرًا فيها، فشرب، ثم خرج، فإذا كلب يلهث، يأكل الثرى من العطش، فقال الرجل لقد بلغ هذا الكلب من العطش مثل الذي كان بلغ بي، فنزل البئر فملأ خُفَّهُ (حذاءه) بالماء، ثم أمسكه بفيه (بفمه)، فسقى الكلب، فشَكَرَ اللهُ له، فَغَفَر له).
فقال الصحابة: يا رسول الله، وإن لنا في البهائم لأجرًا؟
قال: (في كل ذات كبد رطبة أجر (يقصد أن في سقي كل كائن حي ثوابًا) [البخاري].
*ما هي الرحمة؟
الرحمة هي الرقة والعطف والمغفرة. والمسلم رحيم القلب، يغيث الملهوف، ويصنع المعروف، ويعاون المحتاجين، ويعطف على الفقراء والمحرومين، ويمسح دموع اليتامى؛ فيحسن إليهم، ويدخل السرور عليهم.
ويقول الشاعر:
ارحم بُنَي جمـيــع الخـلـق كُلَّـهُـمُ ... وانْظُرْ إليهــم بعين اللُّطْفِ والشَّفَقَةْ
وَقِّــرْ كبيـرَهم وارحم صغيـرهــم ... ثم ارْعَ في كل خَلْق حقَّ مَنْ خَلَـقَـهْ
رحمة الله:
يقول الله تعالى: {كتب ربكم على نفسه الرحمة} [الأنعام: 54].
ويقول الله تعالى: {فالله خير حافظ وهو أرحم الراحمين} [يوسف: 64].
ونحن دائمًا نردد في أول أعمالنا: (بسم الله الرحمن الرحيم).
ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لما خلق الله الخلق كتب عنده فوق عرشه: إن رحمتي سبقت غضبي) [متفق عليه].
فرحمة الله -سبحانه- واسعة، ولا يعلم مداها إلا هو،
فهو القائل: {ورحمتي وسعت كل شيء فسأكتبها للذين يتقون} [الأعراف: 156].
ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: (جعل الله الرحمة مائة جزءٍ، فأمسك تسعة وتسعين، وأنزل في الأرض جزءًا واحدًا، فمن ذلك الجزء تتراحم الخلائق؛ حتى ترفع الدابة حافرها عن ولدها خشية أن تصيبه) [متفق عليه].
رحمة النبي صلى الله عليه وسلم:
الرحمة والشفقة من أبرز أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم، وقد وصفه الله في القرآن الكريم بذلك،
فقال تعالى: {لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رءوف رحيم} [التوبة: 128].
وقال تعالى عن النبي صلى الله عليه وسلم: {وما أرسلناك إلا رحمة للعاملين} [الأنبياء: 107].
وقال تعالى: {فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظًا غليظ القلب لانفضوا من حولك} [آل عمران: 159].
*وتحكي السيدة عائشة -رضي الله عنها- عن رحمة النبي صلى الله عليه وسلم، فتقول: ما ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده خادمًا له قط ولا امرأة) [أحمد].
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقَبِّلُ ابنه إبراهيم عند وفاته وعيناه تذرفان بالدموع؛ فيتعجب عبدالرحمن بن عوف ويقول: وأنت يا رسول الله؟!
فيقول النبي صلى الله عليه وسلم: (يابن عوف، إنها رحمة، إن العين تدمع، والقلب يحزن، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا، وإنا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون) [البخاري].
وكان صلى الله عليه وسلم يدخل في الصلاة، وهو ينوي إطالتها، فإذا سمع طفلاً يبكي سرعان ما يخففها إشفاقًا ورحمة على الطفل وأمه.
قال صلى الله عليه وسلم: (إني لأدخل في الصلاة، فأريد إطالتها، فأسمع بكاء الصبي؛ فأتجوَّز لما أعلم من شدة وَجْدِ (حزن) أمه من بكائه) [متفق عليه].
رحمة البشر:
قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (ارحم من في الأرض، يرحَمْك من في السماء) [الطبراني والحاكم]، وقال صلى الله عليه وسلم: (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم؛ مثل الجسد؛ إذا اشتكى منه عضو، تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى) [مسلم].
والمسلم رحيم في كل أموره؛ يعاون أخاه فيما عجز عنه؛ فيأخذ بيد الأعمى في الطرقات ليجنِّبه الخطر، ويرحم الخادم؛ بأن يحسن إليه، ويعامله معاملة كريمة، ويرحم والديه، بطاعتهما وبرهما والإحسان إليهما والتخفيف عنهما.
والمسلم يرحم نفسه، بأن يحميها مما يضرها في الدنيا والآخرة؛ فيبتعد عن المعاصي، ويتقرب إلى الله بالطاعات، ولا يقسو على نفسه بتحميلها ما لا تطيق، ويجتنب كل ما يضر الجسم من أمراض، فلا يؤذي جسده بالتدخين أو المخدرات... إلى غير ذلك. والمسلم يرحم الحيوان، فرحمة المسلم تشمل جميع المخلوقات بما في ذلك الحيوانات.
الغلظة والقسوة:
حذَّر النبي صلى الله عليه وسلم من الغلظة والقسوة، وعدَّ الذي لا يرحم الآخرين شقيا .....
فقال صلى الله عليه وسلم: (لا تُنْزَعُ الرحمةُ إلا من شَقِي)
[أبو داود والترمذي] وقال صلى الله عليه وسلم: (لا يرحم اللهُ من لا يرحم الناس) [متفق عليه].
وأخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم أن امرأة دخلت النار من أجل قسوتها وغلظتها مع قطة، فيقول صلى الله عليه وسلم: (دخلت امرأة النار في هرة (قطة) ربطتها، فلم تطعمها، ولم تدعْها تأكل من خشاش الأرض (دوابها كالفئران والحشرات)) [متفق عليه].
فهذه المرأة قد انْتُزِعَت الرحمة من قلبها، فصارت شقية بتعذيبها للقطة المسكينة التي لا حول لها ولا قوة.
أما المسلم فهو أبعد ما يكون عن القسوة، وليس من أخلاقه أن يرى الجوعى ولا يطعمهم مع قدرته، أو يرى الملهوف ولا يغيثه وهو قادر، أو يرى اليتيم ولا يعطف عليه، ولا يدخل السرور على نفسه؛ لأنه يعلم أن من يتصف بذلك شقي ومحروم.
اللهم اجعلنى ممن يعفو ويسامح ويرحم ويعطف ويفرج عن الناس كربهم
بن الإسلام
16.02.2012, 11:16
15 - كظم الغيظ
ويقول الشيخ الشعراوى رحمه الله فى فضيلة كظم الغيظ
كظم الغيظ
يقول الحق سبحانه وتعالى في وصف المتقين{ الذين ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين} آل عمران 134.
ان من صفات المتقين كظم الغيظ، فعندما جاء الى الرسول صلى الله عليه وسلم خبر مقتل عمه حمزة وقالوا له: ان هندا قد انتزعت كبده وأكلته، فسأل الرسول صلى الله عليه وسلم هل مضغتها؟.
قالوا: لا، لفظتها.
لقد جعلها الله عصية عليها, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما كان الله ليعذب بعض حمزة في النار كأنها هي ستذهب الى النار لو أكلتها لتمثلت خلايا كبده وعندما تذهب هند الى النار فمعنى ذلك أن بعض حمزة قد دخل النار، لذلك فكان لا بد أن تكون كبد حمزة عصية عليها وتلفظها، ولما كان مقتل حمزة رضي الله عنه من المواقف التي سببت ألما شديدا لرسول الله صلى الله عليه وسلم، قال صلى الله عليه وسلم: لأن أظفرني الله بهم لأقتلن منهم سبعين، وهنا جاء القول الحق:{ والكاظمين الغيظ}.
ان الحق سبحانه وتعالى يأخذ ذروة الحدث وقمته في رسول الله من أكثر شيء اغتاظ منه، فيرشده سبحانه ويعلمه وينزل عليه القرآن الكريم وفيه:{ وان عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به، ولئن صبرتم لهو خير للصابرين}. النحل 126.
ذلك حتى نعرف أن الله لا ينفعل لأحد، لأن الانفعال من صفات الأغيار، لذلك أنزل الله سبحانه وتعالى على رسوله صلى الله عليه وسلم{ وان عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به} فكان كظم الغيظ، وكانت التوجيهات الالهية لرسول الله صلى الله عليه وسلم في أحداث أحد ثم بعد ذلك يشيعها الحق قضية عامة لتكون في السلم كما كانت في الحرب، ولتكون أيضا معلما ومرشدا للناس للارتقاء في مراتب اليقين.
ان الأمور المعنوية مأخوذة من الحسيات، فأصل الكظم أن تملأ القربة، والقربة هي وعاء نقل الماء عند العرب مصنوعة من جلد مقلوب، فاذا ملئت بالماء شدّ على رأسها، أي ربطت ربطا محكما عند فوهتها بحيث لا يخرج منها ما فيها، وهذا يسمى كظم القربة، أي ملؤها وربطها بشكل جيد.
والقربة بطبيعتها لينة، فلو وضعت على ظهر الدابة أو حملها رجل دون كظمها حينئذ يندفع الماء خارجا منها، ولكن كظم القربة يجعل الماء لا يخرج منها.
كذلك كظم الغيظ يصنع في النفس البشرية هياجا، ولا يمنع الله الهياج في النفس، لأنه انفعال طبيعي، وهذه الانفعالات الطبيعية لو لم يردها الله لمنع أسبابها في التكوين الانساني، ولكن الحق يريدها لأشياء، مثال ذلك الغريزة الجنسية فيريدها الله لبقاء النوع ولكنه يهذبها.
وكذلك الغيظ فهو طبيعة بشرية، والاسلام لا يريد من المؤمن أن تكون عواطفه في قالب من حديد، ولكن الاسلام يطلب من المؤمن أن ينفعل للأحداث الانفعال المناسب للحدث، الانفعال المثمر، لا الانفعال المدمر.
وقول الحق سبحانه وتعالى:{ والعافين عن الناس} آل عمران 134، يبين أن هناك فرقا بين الانفعال في ذاته الذي يبقى في النفس وتكظمه، وبين العفو، فالعفو هو: أن تخرج الغيظ من قلبك، وأن تمحو كل أثر لما جرى، وكأن الأمر لم يحدث، وهذه مرتبة ثانية. أما المرتبة الثالثة: فهي أن تنفعل انفعالا مقابلا فعندما تريد أن تعاقب فأنت تستبدل ذلك بالاحسان اليه.
اذن ففي الآيات ثلاث مراحل:
الأولى: كظم الغيظ.
الثانية: العفو.
الثالثة: أن يجاوز الانسان الكظم والعفو بأن يحسن الى المسيء اليه، وهذا هو الارتقاء في مراتب اليقين.
ولكن ما معنى الارتقاء في مراتب اليقين؟
أنه عندما لا تكظم غيظك وتنفعل، فالمقابل لك أيضا أنك لا تستطيع أن تضبط انفعالك بحيث يساوي انفعاله، ويكون المقابل لك ممتلئا بالحدة والغضب، بل قد يظل الغيظ آنذاك ناميا، لكن اذا ما كظمت الغيظ، انخفض في المقابل لك الغضب وبذلك ستنتهي المشكلة.
بن الإسلام
18.02.2012, 14:13
16 - المعاملة باحسان
ويقول الشيخ الشعراوى رحمه الله عن فضيلة المعامله بالإحسان
المعاملة بالإحسان
الحق سبحانه وتعالى أمرنا بمعاملة الوالدين بالاحسان، لأنهما السبب المباشر في وجودنا، وكما ربى الله عباده على النعم، فالوالدان مكلفان من الحق أن يربيا الابن صغيرا.
والاحسان للوالدين هو الأمر الذي يجب أن تزيد فيه الرعاية عن المطلوب، فليست رعاية الوالدين مجرد نفقة مادية يؤديها الانسان على كره منه، انماهي القيام برعايتهما بما يرتفع ويزيد من حدود الرعاية التقليدية، واذا كان الله تعالى فرض على كل مؤمن أن يعامل اخوانه بالحسنى الا انه سبحانه خص وأكد على ثلاث طوائف هي:
الطائفة الأولى: الوالدان:
ان رعاية الوالدين أمر لا يستحب فيه القيام بالواجب في أقل الحدود، وانما يجب أن يكون أعلى بأكثر من المطلوب، وحتى نفهم معنى الاحسان فلنا أن نعرف أن الذي يصلي الفروض الخمسة هو انسان أدى ما عليه، ولكن اذا جاء في الليل وصلى عشر ركعات أو عشرين ركعة طلبا في زيادة في المثوبة والأجر من الله تعالى، فذلك ارتقاء من مرتبة الأداء الى مقام الاحسان، وهو الذي يفتح للانسان المؤمن الود مع الرحمن سبحانه وتعالى. ولذلك نجد الله سبحانه وتعالى يقول عن أصحاب مقام الاحسان:{ ان المتقين في جنات وعيون آخذين ما أتاهم ربهم، انهم كانوا قبل ذلك محسنين كانوا قليلا من الليل ما يهجعون وبالأسحار هم يستغفرون وفي أموالهم حق للسائل والمحروم} الذاريات 15ـ19.
الله تبارك وتعالى يوضح مرتبة الاحسان فيصف سبحانه أهلها بأنهم لا يقومون فقط بما فرض عليهم من فرائض، بل يزيدون عليها فيدخلون بأنفسهم مقام الايمان، ثم يترقون بكثرة الطاعات وعمل الخيرات ومراقبة الله تعالى في كل أمر فيدخلون الى مقام الاحسان.
انهم لا يقومون الى الصلاة في ميقاتها فقط، ولكن يزيدون عليها بالنوافل، ولا يقومون بالفرائض فقط، ولكن يزيدون عليها بالاستغفار والذكر والتضرع الى الله تعالى في السحر، ولا يؤدون الزكاة فقط، ولكنهم يعتبرون أن أي مال لهم هم مستخلفون فيه، ويعتبرون أن للسائل والمحروم حقا فيه، وهكذا يكون الاحسان.
ان الله أمر بالاحسان للوالدين وهو أن يقوم الابن بما يتجاوز ما هو مفروض لهم خشية لوم الناس، بل هو الارتفاع بمعاملة الأب والأم الى مقام الاحسان ومرضاة الله تعالى، ووفاء حقهم عليه.
الطائفة الثانية: ذوو القربة.
ان الحق سبحانه وتعالى يحرض على السعي في طلب الرزق ويرغب فيه، ليعود بالنفع على المجتمع كله، فعندما يعمل الانسان عليه أن يجدّ في عمله ليعود ثمرة عمله عليه ويفيض منه ما ينفق على والديه وأقاربه، وليس هنا فحسب فكل ضعاف المسلمين، وأبناء السبيل يجب أن يكونوا في باله حينما يسعى للرزق وعندما يعمل كل انسان بهذا الفكر فلا بدّ للمجتمع كله أن يرتقي، ولسوف نجد دوائر الأقارب ترقى في مستوى انساني لا يسمح بفوارق شاسعة في مستويات الحياة، وعندما تترقى دوائر القربى وتزدهر العلاقات الانسانية فانه ينقي النفوس من جشع الثراء ولو على حساب الأقربين، أو جشع تدمير الآخرين، ومثال على ذلك تلك السلسلة من العمارات السكنية التي تنهار من وقت لآخر أقامها الطمع الجاهل، واستبد بأصحابها الجشع القاتل فأصاب المجتمع بكوارث، ان تمّ علاجها ماديا فسوف تأخذ وقتا لعلاج آثارها النفسية، وذلك لغيبة الايمان في قلب من أقامها، وضاع الضمير في سبيل الحرص على سرعة الثراء مما أودى بحياة ساكني هذه المباني الى الهلاك.
ان الاحسان في معاملة ذوي القربى يجعل من المجتمع الانساني مجتمعا متكافلا متآزرا فلن نجد فقيرا يعاني من العوز، ولن نجد مسكينا الا في أقل القليل، ولذلك علينا أن نلحظ أن الحق سبحانه وتعالى لم يشرع نظام الزواج وعلانيته الا ليضمن سعادة الأفراد والمحافظة على الأنساب وضرورة التكافل الاجتماعي، فيجعل من الانسان مسؤولية ايمانية هي رعاية والديه وأقاربه، فلن نجد في دائرة القربى لرجل أعطاه الله المال الكثير وهو حسن الايمان من يشكو العوز، لأن الارتفاع الى مقام الاحسان يتطلب من الغني أن يرعى حق الله في ذوي قرباه.
الطائفة الثالثة: اليتامى
الانسان اليتيم هو الذي فقد الأب المسؤول عن الرعاية ماديا ومعنويا بينما نجد في الحيوان اليتيم هو من فقد الأم، ذلك أن الابن عند الحيوان يعتمد في نموه وطعامه وتدريبه على الأم، كما أن نسب الأبناء في الانسان يكون لآبائهم، أما في الحيوانات فيصعب أن نجد هذا النسب، ذلك لأن الحيوانات لا تعرف نظام الزواج الذي كرّم الله به الانسان.
والأم في المجتمع الانساني ترعى وتعطي حنانا وقيما، والأب يعطي قدوة في السعي والحصول على الرزق الحلال، ونحن نرى في هذا العصر الكثير من النساء متخليات عن الأبناء، ونرى الكثير من الآباء مشغولين عن أبنائهم، كل ذلك جريا وراء نهج الحضارة الغربية التي يأخذون منها بأسباب العلم الذي يمكن أن يرتفع بمجتمعاتنا الى مستوى المجتمعات المتقدمة تكنولوجيا.
ان مهمة الأم في الحياة شاقة فهي: حمل ورضاعة ورعاية لمدة ثلاثين شهرا، لقد حملته كرها ووضعته ألما ثم تعهدته في مهده بالعناية والرعاية واحتضنته حتى يبلغ سن النضج التي يصبح فيها قادرا على الأخذ عن أبيه، وهي في ذلك كله تعطي بحنان وحب ورقة مشاعر.
كذلك مهمة الأب في الحياة شاقة انه قدوة سلوكية للابن، ورعاية كاملة عاطفيا وعقليا لذلك، فالرحمة واجب ايماني من الابن لأبويه.
بن الإسلام
27.02.2012, 14:33
معاني الحكمة
ويقول الشيخ الشعراوى رحمه الله عن معانى الحكمة
ان كلمة الحكمة تطلق في الأصل على قطعة الحديد التي توضع في الحصان لتلجمه حتى يتحكم فيه الفارس، ذلك أن الحصان حيوان مدلل يحتاج الى ترويض فقطعة الحديد التي توضع في فمه تجعله محكوما من صاحبه.
والحكمة ضد السفه، والسفه كما نعرف هو أن نصنع الشيء دون دراية، وهكذا تكون الحكمة هي أن يوضع مجال لكل حركة لتنسجم مع غيرها.
فالكون محكوم بالحق سبحانه وتعالى، وهو الحكيم العليم الذي يضع لكل كائن اطاره وحدوده
والحكمة في عموم حركة الحياة :
فالحكمة في النحو أن تضع الكلمة في مكانها وباعرابها.
والحكمة في الفقه أن نستنبط الحكم الصحيح.
والحكمة في الشعر أن نزن الكلمات على التفاعيل.
والحكمة في الطب أن نعرف تشخيص المرض والدواء المناسب له.
والحكمة في الهندسة هي أن تصمم المستشفى وفق احتياج المريض والطبيب الى أجهزة العلاج وأماكن لاجراء الجراحة، وكذلك تصميم أسلوب الاضاءة وبقية المرافق، وتحديد أماكن المصاعد ومخازن الأدوية وأماكن اعداد الطعام، وأماكن النقاهة، ثم أماكن العلاج الخارجي.
وهذا التصميم للمستشفى يختلف بحكمته عن تصميم منزل سكني، وتنظيم عمارة للسكنى يستوجب توزيع الشقق لراحة السكان جميعا، وحكمة بناء منزل تختلف عن حكمة بناء قصر أو مكان عمل.
فالحكمة اذن هي التوفيق، فاعداد مكان ليصلح لعمل معين أو وظيفة محددة يختلف عن أخذ مكان للسكن أو ليكون ديوانا حكوميا.
اذن فالحكمة هي وضع الشيء في موضعه، نشهد ذلك في أي آلة من الآلات، فالآلة على سبيل المثال قد تكون مكوّنة من خمسين قطعة وكل قطعة ترتبط بالأخرى بمسامير أو غير ذلك، وما دامت كل قطعة في مكانها فان الآلة تسير سيرا حسنا، أما اذا توقفت الآلة لخروج قطعة عن موضعها أو كسرها فاننا نستدعي المهندس ليضع كل قطعة في مكانها فتعود الآلة للعمل باستقامة، ومثال ذلك ما يكون في الوجود مبنيا على حكمة فلا ينشأ فيه فساد، فان حدث الفساد فانه ينشأ من حركات تحدث بدون أن تكون حكيمة.
قديما على سبيل المثال كنا نرى الأسلاك الكهربائية دون عوازل فكان يحدث منها ماس كهربائي، وكلما نجد خطأ فاننا نعدّل من صنيعنا للشيء وهذه حكمة.
وقديما كنا نجد جميع الأسلاك التي في السيارة ذات شكل واحد فكان يحدث ارتباك عند الاصلاح، لكن عندما جعل كل سلك بلون معين فهذا يسهل عملية الاصلاح عند أي ارتباك وهذا حكمة.
ان الحكمة كما قلنا اذن هي وضع الشيء في موضعه، وما دام الأمر كذلك فان كل صانع يصلح لصنعته ويقدم لها دليل الصيانة الكامل،
ولما كنا نحن البشر خلقا من خلق الله تعالى فهو سبحانه أعلم بمواطن الضعف والخلل فينا، وكيفية معالجتها،
وسبحانه لم يخلقنا هملا ولا عبثا بل أرسل سبحانه الرسل وأنزل الكتب لتعالج داءات المجتمع وأمراضه، فأعرضنا عنها وشرعنا لأنفسنا ما يوسوس حياتنا فاختلفت الموازين وانقلبت القيم وضاعت الأعراف بين الناس،
ودائما ما نقول اذا رأينا خللا في أي مجتمع فلنعلن أن هناك شيئا قد ناقض حكمة الله تعالى،
وعندما نبحث عن العطب سوف نجده تماما مثل أي عطب في أي آلة، فتأتي لها بالمهندس الذي يصلحها، واذا ما حدث فساد في المجتمع فاننا يجب أن نرده الى خالق الخلق سبحانه، من خلال كتاب ربنا وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم.
بن الإسلام
01.03.2012, 11:18
17 - العدل
ويقول الشيخ الشعراوى رحمه الله فى فضيلة العدل
كل انسان منا لو أدى ما في ذمته من حق للغير لما وجد التشاحن، ولما وجدت الخصومة، لذلك لا توجد في مثل تلك الحالة ضرورة للمحاكم ومجالس فض النزاعات، ولكن الحق الذي خلق الخلق، يعلم أن الانسان من الأغيار. لذا فمنهم من يغفل عن هذه القضية، قضية أداء الحقوق فينشأ عنها الفساد في الأرض، لذلك قضى الحق سبحانه وتعالى بشيء آخر اسمه العدل فلو أن الانسان قد أدى حقوق الغير كاملة لما احتجنا الى المحاكم، لأنه لا يوجد خلاف أصلا.
لكن الحق سبحانه وتعالى وهو أعلم بمن خلق، ومن علمه أن خلقه سيطغى بعضهم على بعض، لذلك أوجد العدل للقصاص ممن يبغي على غيره، واعطاء كل ذي حق حقه قال تعالى:{ واذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل} النساء 58.
والحق لم يقل اذا ائتمنتم فأدوا.. ولكنه سبحانه وتعالى قال:{ ان الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات الى أهلها} النساء 58.
فاذا حدثت الغفلة عن أداء الأمانة فالذي ينصر أداء الأمانة خلال الغفلة هو العدل؛ فما هو العدل؟
اننا نعرف الأمانة وهو أن تؤدي حقا أو متعلق حق في ذمتك للغير، ولكن العدل غير ذلك فهو تأدية للغير، وذلك يكون عن طريق الحكم، وهنا لا يكون هناك شيء متعلق للغير بذمتك ولكنه بشيء مكتوب أو مشهود عليه.
**
مطلوبات الأمانة..
ومطلوبات العدل
كما أن أداء الأمانة عامة فلا بدّ أن تكون آية العدل عامة أيضا فقوله سبحانه وتعالى:{ واذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل} لا تخص هذه الآية الحاكم وحده ولكنها تخص كل واحد من البشر المكلفين، فلو كنت محكما من طرف قوم، ورضي الناس بك حكما بينهم في خصومة ما فعليك أن تحكم بالعدل، وقد تكون لا ولاية لك على هؤلاء الناس، ولكن أصحاب المظلمة أو المشكلة حكموك فيها فعليك أن تحكم بين الناس بالعدل.
اذن فلا بد أن تتمثل بمنهج الله تعالى:{واذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل} وذلك يكون في أي أمر من الأمور حتى ولو كان الأمر يتعلق بحق من حقوق التكريم والموهبة، وليس من الضروري أن يكون الحكم بالعدل في الأمور المادية،
فها هو ذا الامام علي رضي الله عنه يرى غلامين يحتكمان الى ابنه الحسن ليحكم بينهما في أمر هو: أي الخطين أجمل من الآخر، خط الأول أم خط الثاني؟ وهذا أمر قد ينظر الناس اليه على أنه أمر لا قيمة له، فما الذي يستفيده واحد منهما باعلان تفوقه على الآخر في كتابة الخط، لكن الامام عليا رضي الله عنه رأى في المسألة أمرا مهما، لأنها شغلت الطفلين، وصار كل واحد منهما يطلب معرفة ما يميزه عن الآخر في كتابة الخط فقال الامام علي لابنه الحسن رضي الله تعلى عنه: يا بني انظر كيف تقضي في هذا الحكم، والله تعالى سائلك عنه يوم القيامة.
وفي العصر الحديث نرى أنه قد وضع قواعد محكمة للحكام الذين يقفون قضاة حتى ولو في المباريات الرياضية المختلفة سواء كرة القدم أو الملاكمة أو غيرها فلكل لعبة قوانين يترتب عليها قياس المهارات المختلفة بين البشر، وما دام الواحد منا قبل أن يكون قاضيا حتى ولو كان في اللعب فعليه أن يعرف كيف يحكم بالعدل، ولذلك نرى نحن غضب المتفرجين اذا تغاضى الحكم عن ضربة جزاء لصالح فرقة من الفرق، ونتعجب عندما نرى أن المجتمع يصمت عند حدوث خلل في الأمور الجادة في الحياة، ففي اللعب نتمسك بقوانين الجد، ولكن نحن تركنا الجد بعد أن جردناه من قانون خالقه جل وعلا، فلو اعتنينا بالجد كاعتنائنا باللعب لصارت أمورنا الى خير عميم.
اذن فالعدل هو حق في ذمة الغير للغير، ونحن أمناء عليه وعلينا أن نتحرى الصواب قدر الاستطاعة لقول الله تعالى:{ ان الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات الى اهلها واذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل، ان الله نعمّا يعظكم به، ان الله كان سميعا بصيرا} النساء 58.
وقوله تعالى:{ نعمّا} هي أنه لا يوجد أفضل من هذه العظة فهي نعمة تستقيم بها حركة الحياة، وهي نعمة أداء الأمانة والحكم بالعدل بين الناس، فاذا أدى الناس الأمانة فلا نزاع، ولا خلاف، واذا قاموا بالحكم وظهر أنه خلاف للعدل، فالعدل ينهيه، واذا كان المجتمع عدل يحرس حقوق الناس عند الناس فلن يجرؤ ظالم على الظلم.
فالدقة في العدل تورث ميزة الأمانة ان غفل الناس عنها، فالذي يغري الناس بالظلم هو أن بعض الأحكام الدنيوية لا تأتي بالعدل، فيقال: ان فلانا كان له سابقة وفعل مثلها ولم ينتبه أحد، وبذلك يتم الاغراء بالظلم، لكن لو أننا في كل صغيرة وكبيرة وجدنا الحكم يردع الظالم ويرد الحق لصاحبه لانتشر العدل والأمانة، فذلك قول الحق سبحانه وتعالى:{ ان الله نعمّا يعظكم به} وقد سميت هذه المسألة عظة، والوعظ هو ترقيق القلب للميل الى الحكم، لأن الله في أمره ونهيه لا حاجة له في أن يفعل الناس أو لا يفعلوا ولكنها مصلحة البشر مع البشر.
ومعلوم أن أحسن ألوان الأمر ما لا يعود على الآمر بفائدة، لأن في عودة الفائدة على الآمر قد يشكك في الأمر، وقد يوجد انسان يأمر ولا يكون لأمره منفعة لنفسه ولكنه لا يكون واسع العلم، ولا واسع الحكمة، لكن الحق سبحانه وتعالى ليس له مصلحة في الأمر، وهو سبحانه واسع العلم والحكمة، لذلك فالعظة منه هي العظة العظمى وهو سبحانه لا ينتفع بأمره.
ان قوله:{ ان الله نعمّا يعظكم به} أي: من نعم ما يعظكم به الله هو أن تؤدي الأمانات الى أهلها وأن تحكموا بين الناس بالعدل.
وهنا نجد ملحظا في الأداء البياني في القرآن الكريم فقول الحق:{ أن تؤدوا} هو أمر للجماعة، وهذا يعني أن كل واحد من الجماعة المسلمة مطالب بأن يؤدي هذا الحكم أولا، وليس الأمر متوقفا عند ذلك الحد ولكن المهمة تتعدى الى الآخرين، فالمهمة لا تقتصر على حفظ حقوق الجماعة المؤمنة فقط ولكن الجماعة المؤمنة مكلفة بأن تصون الحقوق بين الناس جميعا مؤمنهم وكافرهم فالحق سبحانه قال:{ واذا حكمتم بين الناس} فهذا يقتضي حماية حتى لمن لا يؤمن بدين الاسلام, ولا توجد حماية لمن لا يؤمن بدين الاسلام أكثر من هذا، وأنه سبحانه يريد منا أن نؤدي الأمانة الى كل الناس سواء كانوا مؤمنين أو غير مؤمنين.
ان كلمة {الناس} في أمر الحق سبحانه وتعالى تدل على عدالة الأمر من الله تعالى وهو رب الناس، كل الناس مؤمنهم وكافرهم، فما دام الله هو الذي استدعى الانسان الى الدنيا ومنهم المؤمن والكافر فلا أحد يخرج عن نطاق الربوبية لله، انه سبحانه وتعالى تكفل برزق الجميع، ولذلك أمر الله الكون أن يعطي من أخذ بالأسباب أن يصل الى الغاية بالمسببات سواء كان مؤمنا أم كان كافرا، انه عطاء الربوبية.
الله سبحانه وتعالى لم يسخر الكون للمؤمن فقط وانما سخره للمؤمن والكافر، ولذلك طلب الحق منا أن نعدل بين المؤمن والكافر ولذلك تكون الأمانة فيه مطلوبة للمؤمن والكافر، وهي مطلوبة للبار والفاجر، كذلك صلة الرحم مطلوبة للبار والفاجر وذلك يدل على سعة رحمة الدين، ولذلك يترك الحق سبحانه وتعالى بعض الأقضية لتنشأ في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فتأتي أشياء لتبين لنا بالتطبيق أن هناك فرقا بين أن يكون الأمر نظريا، ولكنه سبحانه يريد الأمر مطبقا عمليا.
والله سبحانه وتعالى خلق الخلق جميعا ويعرف عواطفهم، وأن هذه العواطف عند المؤمنين في بعض الأحيان قد تحابي المؤمن على حساب غيره، لذلك يشاء الله سبحانه وتعالى أن يجعل في تاريخ محمد صلى الله عليه وسلم أشياء تحدث معه هو ثم ينزل الله التشريع على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويكون الرسول صلى الله عليه وسلم أول المكلفين به ليدلنا على أن التشريع في المسألة الانسانية العامة تشريع لا يخص المؤمنين فقط ولكن المؤمنين والكافرين ويكون ذلك اما دافعا لهم على الدخول في هذا الدين، واما حسرة في نفوسهم لما يروا ما يتمتع به المسلمون من سمو ايماني وعدالة وانتصار للحق، ولكن لو ظلم المسلمون، لقال الكافرون ان المسلمين ظلمونا ولوجدوا في ذلك مبررا للكفر.
وتروي كتب الحديث والتفسير قصة طعمة بن أبيريق الذي سرق درعا من زيد بن رفاعة عم قتادة بن النعمان وكلاهما مسلم والدرع كما نعرف هو اللباس الذي يحمي من طعنة العدو، ووضع طعمة الدرع المسروق في جوال كان به دقيق، وغفل طعمة عن وجود بعض آثار الدقيق بين أنسجة الجوال فلما حمل طعمة الدرع في الجوال تناثر الدقيق، وترك علامات في الطريق وهو يسير من بيت النعمان الى بيته، وعندما وصل طعمة الى بيته جاءه هاجس هو أن الناس قد تنتبه الى وجود الدرع عنده فذهب بالدرع داخل الجوال الى بيت يهودي هو زيد السمين فترك الدرع عنده، فلما فطن قتادة بن النعان الى ضياع الدرع خرج معلنا سرقة الدرع، وسار هو وبعض أصحابه ليتتبعوا الأثر فوجدوه يقودهم الى بيت طعمة بن أبيرق فقال طعمة: أنا لم أسرق.
وتتبعوا الأثر ثانية فوجدوا الدرع عند زيد السمين اليهودي، ولما رفع الأمر الى رسول الله صلى الله عليه وسلم كان طعمة بن أبيرق من قبيلة بني ظفر، وجاء أعوان القبيلة الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكروا للرسول تفاصيلها وقالوا: لو أنصفنا زيد بن السمين فانه ستتم مؤاخذة طعمة بن ابيريق، وهذه سبة لنا وللمسلمين وسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم كلامهم وهو أحرص الناس على ألا توجد سبة للمسلمين، ولا أن يوجد بينهم لص، وسكت صلى الله عليه وسلم حتى يأتيه الوحي من ربه في هذه القضية واذا بالأمين جبريل ينزل بقوله تعالى:{ انّا أنزلنا اليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله، ولا تكن للخائنين خصيما واستغفر الله، ان الله كان غفورا رحيما ولا تجادل عن الذين يختانون أنفسهم، ان الله لا يحب من كان خوّانا أثيما} النساء 105ـ107.
اذن فالحق سبحانه أخبر رسوله صلى الله عليه وسلم أن صاحب الحق أولى ولو كان غير مسلم، وقال له: استغفر الله ان كان جال بخاطرك أن ترفع رأس مسلم خان على يهودي لم يخن.
ان استحياء بني ظفر من فضيحة طعمة بن أبيريق بين الناس لا يجب أن يلهيهم عن الفضيحة الأكبر وهي الفضيحة عند الله تعالى فلا براءة لطعمة عند الله اذ يقول الحق سبحانه:{ ها أنتم هؤلاء جادلتم عنهم في الحياة الدنيا فمن يجادل الله عنهم يوم القيامة} النساء 109.
اذن فقول الحق سبحانه وتعالى:{ واذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل} النساء 58، هذا القول يقتضي أن يكون الحكم والأمانة أمرا شائعا بين كل الناس فلا يخص المؤمنين فقط ولكن يخص المؤمنين والكافرين طالما ارتضوا أن يعيشوا في دولة الاسلام.
ولذلك أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم من يقضي بين الناس أن يسوي بين الخصمين فلا ينظر لواحد دون الآخر أي: لا يكرم واحدا دون الآخر، وذلك حتى يشعر الطرفان بالمساواة أمام القاضي فلا ينظر القاضي الى طرف بحنان وعطف، وينظر الى الآخر بجفاء، ان النظرة يجب أن تكون متساوية، ولذا نجد الامام عليا رضي الله تعالى عنه قد ردّ القاضي لأنه قال له: يا أبا الحسن! فقال علي رضي الله عنه:أنت لا تصلح لأن تقضي بيني وبين خصمي لأنك كنّيتني دون أن تكنّيه، فالتكنية دليل المودة والتعظيم، ورسول الله صلى الله عليه وسلم حين يقول للقاضي:" سوّ بينهم في لحظك ولفظك" وذلك حتى يعرف القاضي أن فوقه الها بصيرا بالعباد.
بن الإسلام
05.03.2012, 11:03
18 - استقبال قضاء الله
ويقول الشيخ الشعراوى رحمه الله فى فضيلة استقبال قضاء الله
الحق سبحانه وتعالى هو الذي خلق الضر كما هو خالق النفع، والضر يلفت الانسان الى نعم الله تعالى في الدنيا فاذا ما رضي الانسان وصبر فان الله يرفع عنه الضر، فالضر لا يستمر على انسان الا اذا كان غير راض بقدر الله.
والحق سبحانه وتعالى لا يرفع قضاءه في خلقه الا بعد أن يرضى به الخلق، فالذي لا يقبل بقضاء الله في المصائب مثلا تستمر معه المصائب، أما الذي يريد أن يرفع الله عنه القضاء فليقل: رضيت بقضاء الله تعالى، ويحمد الله على كل ما أصابه.
والحق سبحانه وتعالى يعطينا نماذج على مثل هذا الأمر فها هو ذا الخليل ابراهيم عليه السلام يتلقى الأمر بذبح ابنه الوحيد اسماعيل عليه السلام، وهذا الأمر قد يراه غير المؤمن بقضاء الله شديد القسوة، وليس هذا فقط، بل على ابراهيم عليه السلام أن يذبح ابنه بنفسه.. وهذا ارتقاء في الابتلاء، ولم يلتمس ابراهيم عذرا ليهرب من ابتلاء الله له، ولم يقل انها مجرد رؤيا وليست وحيا فقد جاء الأمر في رؤية أراها الله لابراهيم عليه السلام.
ولنتأمل عظمة الرضا في استقبال أوامر الله فيلهمه الحق أن يشرك ابنه اسماعيل في نيل ثواب الرضا فيقول له كما قصّ القرآن الكريم:{ فلما بلغ معه السعي قال يابنيّ انّي أرى في المنام اني أذبحك فانظر ماذا ترى، قال يا أبت افعل ما تؤمر ستجدني ان شاء الله من الصابرين} الصافات 102
لقد بلغ اسماعيل ذروة السعي في مطالب الحياة مع أبيه، وجاء الأمر في المنام لابراهيم أن يذبح ابنه، وامتلأ قلب اسماعيل بالرضا بقضاء الله، ولم يقاوم، ولم يدخل في معركة جدلية بل قال:{ يا أبت افعل ما تؤمر} لقد أخذ اسماعيل عليه السلام أمر الله بقبول ورضا ولذلك يقول الحق سبحانه عنهما معا:{ فلما أسلما وتلّه للجبين وناديناه أن يا ابراهيم قد صدّقت الرؤيا، انّا كذلك نجزي المحسنين ان هذا لهو البلاء المبين وفديناه بذبح عظيم}.
لقد اشترك الاثنان في قبول قضاء الله برضا، وأسلم كل منهما للأمر، أسلم ابراهيم كفاعل، وأسلم اسماعيل كمفعول به, ورأى الله تعالى صدق كل منهما في استقبال أمر الله، وهنا نادى الحق خليله ابراهيم عليه السلام لقد استجبت أنت واسماعيل الى قضائي وحسبكما هذا الامتثال، ولذلك يجيء اليك والى ابنك التخفيف.
اذن، فنحن البشر لن نطيل على أنفسنا أمد القضاء بعدم قبولنا له، لكن لو سقط على انسان أمر بدون أن يكون له سبب فيه واستقبله من مجريه عليه وهو ربه بمقام الرضا فان الحق سبحانه وتعالى سيرفع عنه القضاء، فاذا رأيت انسانا طال عليه أمد القضاء فاعلم أنه فاقد الرضا.
بن الإسلام
06.03.2012, 12:17
19 - الانفاق ابتغاء مرضاة الله
يقول الشيخ الشعراوى رحمه الله عن فضيلة الانفاق ابتغاء مرضاة الله
يقول الله تعالى:{ ومثل الذين ينفقون أموالهم ابتغاء مرضات الله وتثبيتا من أنفسهم كمثل جنّة بربوة أصابها وابل فآتت أكلها ضعفين فان لم يصبها وابل فطل، والله بما تعملون بصير} البقرة 265.
ان ابتغاء مرضاة الله في الانفاق يعني خروج الرياء من دائرة الانفاق.
ان الانفاق يكون أولا انفاقا في سبيل الله، ويكون ذلك باعتقاد النفس الجازم أن الله سبحانه هو الذي وهب المؤمن ماله ودمه،
والجنة تطلق في اللغة: على المكان الذي يوجد به زرع كثيف أخضر يستر من يدخله، ومنها: " جنّ" أي ستر فمن يدخل الجنة يكون مستورا.
الحق سبحانه بريد أن يضرب لنا المثل الذي يوضح الصنف الثاني من المنفقين في سبيل الله ابتغاء مرضاته، وتثبيتا من أنفسهم ضد الأنفس الشهوانية، فيكون الفرد منهم كمن دخل جنة كثيفة الزرع، هذه الجنة توجد في ربوة عالية محاطة بأمكنة منخفضة عنها فماذا يفعل المطر بهذه الجنة التي توجد على هذه الربوة؟
الله سبحانه أخبرنا بما سيحدث لمثل هذه الجنة قبل أن يتقدم العلم الحديث، ويكشف أسرار المياه الجوفية وفائدتها للزراعة، وهو أن الجنة التي في ربوة عالية لا يوجد بها مياه جوفية، لأن المياه الجوفية ان وجدت فانها تذهب الى جذر النباتات الشعرية فتفسدها بالعطن، فلا تستطيع هذه الجذور أن تمتص الغذاء اللازم للنبات فيشحب النبات بالاصفرار ويموت بعد ذلك.
أما الجنة التي بربوة عالية، فالمياه التي تنزل عليها من المطر لها مصارف من جميع الجهات المنخفضة التي حولها، وكأنها ترتوي بأحدث ما توصل اليه العلم من وسائل الري، انها تأخذ المياه من أعلى أي من مطر، فتنزل المياه على الأوراق بما يجعلها تؤدي دورها فيما نسميه نحن بالتمثيل الكلورفيلي، وبعد ذلك تنساب المياه الى الجذور لتذيب العناصر اللازمة في التربة لغذاء النبات، وتأخذ الجذور حاجتها من الغذاء المذاب في الماء، وينزل الماء الزائد من ذلك الى المصارف المنخفضة، وهذا أحدث اكتشاف لري الأرض الزراعية، فالمحصول يتضاعف انتاجه عندما يروى بقدر.
اذن فالحق سبحانه وتعالى يخبرنا أن من ينفقون أموالهم ابتغاء مرضاة الله وتثبيتا من أنفسهم هم مثل هذه الجنة التي تروى بأسلوب رباني، فاذا نزل عليها المطر الغزير أخذت منه حاجتها وينصرف باقي المطر عنها، وان لم يصبها مطرغزير فطل، والطل، وهو الرذاذ القليل يكفيها، لتؤتي ضعفين من انتاجها، واذا كان الضعف هو ما يساوي الشيء مرتين، فالضعفان يساويان الشيء أربع مرات، ولكن الحق سبحانه وتعالى يريد أن يوضح لنا ان الذي ينفق ماله ابتغاء وجه الله، هو غير الذي ينفق ماله رئاء الناس فيقول سبحانه:{ أيود أحدكم أن تكون له جنة من نخيل وأعناب تجري من تحتها الأنهار له فيها من كل الثمرات وأصابه الكبر وله ذرية ضعفاء فأصابها اعصار فيه نار فاحترقت، كذلك يبيّن الله لكم الآيات لعلكم تتفكرون} البقرة 266.
الحق سبحانه وتعالى يشركنا في الصورة كأنه يريد أن يأخذ منا الشهادة الواضحة، فهل يود أحدكم أن تكون له جنة من نخيل وأعناب تجري من تحتها الأنهار، وفيها من كل الثمرات ؟ ان الجنة بهذه الصفة فيها خير كثير، لكن صاحبها يصيبه الكبر ولم تعد فيه صحة وفتوة الشباب.. انه محاط بالخير وهو أحوج ما يكون الى ذلك الخير، لأنه أصبح في الكبر وليس له طاقة يعمل بها.
وهكذا تكون نفسه معلقة بعطاء هذه الجنة لا لنفسه فقط، ولكن لذريته الضعفاء.
هذه قمة التصوير للاحتياج الى الخير لا للنفس فقط ولكن للأبناء الضعفاء، اننا أمام رجل محاط بثلاثة ظروف:
الظرف الأول: هوالجنة التي فيها من كل الخير.
الظرف الثاني: هو الكبر والضعف والعجز عن العمل.
الظرف الثالث: هو الذرية الضعفاء.
هذه الجنة هاجمها اعصار فيه نار فاحترقت فأي حسرة يكون فيها هذا الرجل؟ انها حسرة شديدة، هكذا تكون حسرة من يفعل الخير رئاء الناس.
والاعصار كما نعرف هو الريح الشديدة المصحوبة برعد وبرق وأحيانا يكون فيه نار وذلك حين تكون الشحنات الكهربائية ناتجة من تصادم السحب أو حاملة لقذائف نارية من بركان ثائر. هكذا يكون حال من ينفق ماله رئاء الناس، ابتداء مطمع وانتهاء يائس.
اذن فكل انسان مؤمن عليه أن يتذكر ساعة أن ينفق هذا الابتداء المثير للطمع وذلك الانتهاء المليء باليأس، انها الفاجعة التي يصورها الشاعر بقوله:
فأصبحت من ليلة الغداة كقابض على الماء خانته فروج الأصابع
كلما أبرقت قوما عطاشا غمامة فلما رأوها اقشعت وتجلت
vBulletin® v3.8.7, Copyright ©2000-2025, Jelsoft Enterprises Ltd.
diamond