هِداية
07.06.2009, 13:55
إن الداعية الحق شخصية متميزة فهو كالمنارة الهادية من بُعد لمن ضلّ أو حار، وهو كالظل الوارف لمن لفحه حر الشمس والمسير في الهجير، وبالتالي فهو نقطة تجمّع بالنسبة للمدعوّين، ولذا فإنه يحتاج إلى أن يتحلى برحابة الصدر وسماحة النفس ليستوعب الناس ويستميلهم للخير والحق "فالناس في حاجة إلى كنف رحيم، وإلى رعاية فائقة، وإلى بشاشة سمحة، وإلى ودٍّ يسعهم، وحلم لا يضيق بجهلهم وضعفهم ونقصهم، في حاجة إلى قلب كبير يعطيهم ولا يحتاج منهم إلى عطاء، ويحمل همومهم ولا يعنيهم بهمه، ويجدون عنده دائماً الاهتمام والرعاية والعطف والسماحة والود والرضاء"[1] (http://kalemasawa.abed-alkarem.com/#_ftn1).
وهكذا كان قلب رسول الله r وهكذا كانت حياته مع الناس، "ما غضب لنفسه قط، ولا ضاق صدره بضعفهم البشري، ولا احتجز لنفسه شيئاً من أعراض هذه الحياة، بل أعطاهم كل ما ملكت يداه في سماحة ندية، ووسعهم حلمه وبره وعطفه ووده الكريم، وما من واحد منهم عاشره أو رآه إلا امتلأ قلبه بحبه، نتيجة لما أفاض عليه r من نفسه الكبيرة والرحيبة"[2] (http://kalemasawa.abed-alkarem.com/#_ftn2).
والناس مشاربهم شتى، وسلوكياتهم متباينة، واحتياجاتهم كثيرة، واستفزازاتهم مثيرة، وهذا لا بد أن يقابله الداعية بالاحتمال؛ لأن الاحتمال – كما قيل – قبر المعايب.
وهذه الخصيصة مهمة في تكوين الداعية، يحتاج أن يجتهد في اكتسابها لأنها وقود محرك له في دعوته، كما أنها ترفع كفاءة القبول، وتكبح جماح الانفعالات النفسية ذات الآثار السلبية، وتتجلى هذه الخصيصة في عدد من الخلال توضحها وتبين أثرها ومن أهمها:
أولاً: الرحمة والشفقة:
"إن الداعي لا بد أن يكون ذا قلب ينبض بالرحمة والشفقة على الناس، وإرادة الخير لهم والنصح لهم، ومن شفقته عليهم دعوتهم إلى الإسلام؛ لأن في هذه الدعوة نجاتهم من النار وفوزهم برضوان الله تعالى، وأن يحب لهم ما يحب لنفسه وأعظم ما يحبه لنفسه الإيمان والهدى فهو يحب ذلك إليهم أيضاً"[3] (http://kalemasawa.abed-alkarem.com/#_ftn3).
وهذا الشعور الغامر بالشفقة على الناس يبعث في النفس الحزن والأسى على حال المعرضين والعاصين، ويتولد إثر ذلك قوة نفسية دافعة لاستنقاذهم من الخطر المحدق بهم، والهلاك القادمين إليه، وما أبلغ وأدق النص القرآني في بيان هذه الصفة عند الرسول الكريم r{فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِن لَّمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا} (الكهف/6) وقوله {لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ} (الشعراء/3).
تأمل هذه الآيات فإنه "من فرط شفقته r داخله الحزن لامتناعهم عن الإيمان، فهوّن الله سبحانه عليه الحال، بما يشبه العتاب في الظاهر كأنه قال له: لم كل هذا؟ ليس في امتناعهم – في عدِّنا – أثر، ولا في الدين من ذلك ضرر"[4] (http://kalemasawa.abed-alkarem.com/#_ftn4).
وقال ابن كثير في تفسيره: يقول تعالى {فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ} مسلياً لرسوله r في حزنه على المشركين لتركهم الإيمان وبُعدهم عنه"[5] (http://kalemasawa.abed-alkarem.com/#_ftn5).
فهذه نفس الرسول r ملئت رحمة وشفقة على هؤلاء حتى كاد يُهلك نفسه وهو يدعوهم ويحرص على هدايتهم، ثم يخالط مشاعره الحزن عليهم والأسى لهم.
إن الداعية ينظر إلى المدعوين نظرة الطبيب إلى مرضاه، يرحمهم ويشفق عليهم لعلمه بدائهم وخطورته، وتلطف في علاجهم، وإن رأى منهم عزوفاً عن الدواء لصعوبته أو مرارته هاله الأمر واحتال بكل الطرق لتوصيل الدواء، وإقناعهم بضرورة تناوله، ولا يمكن أن يتركهم وشأنهم بحجة أنهم هم المفرطون، وهكذا فإن "الداعي الرحيم لا يكف عن دعوته ولا يسأم من الرد والإعراض؛ لأنه يعلم خطورة عاقبة المعرضين العصاة، وأن إعراضهم بسبب جهلهم، فهو لا ينفك عن إقناعهم وإرشادهم"[6] (http://kalemasawa.abed-alkarem.com/#_ftn6).
فالرحمة – كما ترى – باعث دافع ومحرك للدعوة استنقاذاً للناس من الهلاك، وهي في الوقت نفسه عامل استمرار وإصرار وتوسيع لدائرة الاستيعاب والتأثير رغم الصد والإعراض.
ولا ينبغي أن تفهم الرحمة على أنها لين وتهاون بل تأتي الرحمة
أحياناً كثيرة في ثنايا الحزم وفي أعطاف الشدة التي تهدف لصالح المدعو، كما قد يشتد الطبيب مع مريضه الذي لا يدرك خطورة مرضه وعظمة الخطر في ترك التداوي أو التقصير فيه "فليست الرحمة حناناً لا عقل معه، أو شفقة تتنكر للعدل والنظام، كلا إنها عاطفة ترعى هذه الحقوق جميعاً"[7] (http://kalemasawa.abed-alkarem.com/#_ftn7).
وإن في سيرة المصطفى الكريم r أعظم وأروع الأمثلة على الرحمة سيما في المواقف العصيبة التي بلغت فيها المعاناة أشد مراحلها التي تضغط بعنف على النفس لتشتد وتقسو، وعلى الصدر ليضيق ويتبرم، ومع ذلك تبقى نفسه الكبيرة ورحمته العظيمة هي الغالبة كما حصل يوم رجوعه عليه الصلاة والسلام من الطائف بعد أن ذهب إليها وفي قلبه أمل، فلقى فيها أعظم مما كان يتصور من الإعراض فرجع كسير القلب، فلما بلغ قرن المنازل بعث الله جبريل ومعه ملك الجبال، يستأمره أن يطبق الأخشبين على أهل مكة، فقال النبي r "بل أرجو أن يُخرج الله عز وجل من أصلابهم من يعبد الله عز وجل وحده لا يشرك به شيئاً "[8] (http://kalemasawa.abed-alkarem.com/#_ftn8).
وفي يوم أحد عندما شج وجهه الشريف، وكسرت رباعيته، ودخلت حلقتا المغفر في وجنتيه[9] (http://kalemasawa.abed-alkarem.com/#_ftn9)، وبينما الدم يسيل على وجهه يقول عليه الصلاة والسلام "اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون" وفي صحيح مسلم قال عبد الله بن مسعود t: كأني أنظر إلى رسول الله r يحكي نبياً من الأنبياء، صلوات الله وسلامه عليهم، ضربه قومه وهو يمسح الدم عن وجهه ويقول: "رب اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون"[10] (http://kalemasawa.abed-alkarem.com/#_ftn10)، ومن هنا جاء الوصف الرباني العظيم في ثنايا الآيات التي نزلت في غزوة أحد {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ } (آل عمران/159).
"لقد أراد الله أن يمتنّ على العالم برجل يمسح آلامه، ويخفف أحزانه، ويرثي لخطاياه، ويستميت في هدايته، ويأخذ يناصر الضعيف، ويقاتل دونه قتال الأم عن صغارها، ويخضد شوكة القوي حتى يرده إنساناً سليم الفطرة لا يضري ولا يطغى فأرسل محمداً r وسكب في قلبه من العلم والحلم، وفي خلقه من الإيناس والبر، وفي طبعه من السهولة والرفق، وفي يده من السخاوة والندى، ما جعله أزكى عباد الله رحمة وأوسعهم عاطفة، وأرحبهم صدراً"[11] (http://kalemasawa.abed-alkarem.com/#_ftn11).
نعم "إن الرحمة كمال في الطبيعة يجعل المرء يرق لآلام الخلق ويسعى لإزالتها، ويأسى لأخطائهم فيتمنى لهم الهدى، هي كمال في الطبيعة، لأن تبلد الحس يهوي بالإنسان إلى منزلة الحيوان ويسلبه أضل ما فيه، وهو العاطفة الحية النابضة بالحب والرأفة"[12] (http://kalemasawa.abed-alkarem.com/#_ftn12).
وهكذا كان قلب رسول الله r وهكذا كانت حياته مع الناس، "ما غضب لنفسه قط، ولا ضاق صدره بضعفهم البشري، ولا احتجز لنفسه شيئاً من أعراض هذه الحياة، بل أعطاهم كل ما ملكت يداه في سماحة ندية، ووسعهم حلمه وبره وعطفه ووده الكريم، وما من واحد منهم عاشره أو رآه إلا امتلأ قلبه بحبه، نتيجة لما أفاض عليه r من نفسه الكبيرة والرحيبة"[2] (http://kalemasawa.abed-alkarem.com/#_ftn2).
والناس مشاربهم شتى، وسلوكياتهم متباينة، واحتياجاتهم كثيرة، واستفزازاتهم مثيرة، وهذا لا بد أن يقابله الداعية بالاحتمال؛ لأن الاحتمال – كما قيل – قبر المعايب.
وهذه الخصيصة مهمة في تكوين الداعية، يحتاج أن يجتهد في اكتسابها لأنها وقود محرك له في دعوته، كما أنها ترفع كفاءة القبول، وتكبح جماح الانفعالات النفسية ذات الآثار السلبية، وتتجلى هذه الخصيصة في عدد من الخلال توضحها وتبين أثرها ومن أهمها:
أولاً: الرحمة والشفقة:
"إن الداعي لا بد أن يكون ذا قلب ينبض بالرحمة والشفقة على الناس، وإرادة الخير لهم والنصح لهم، ومن شفقته عليهم دعوتهم إلى الإسلام؛ لأن في هذه الدعوة نجاتهم من النار وفوزهم برضوان الله تعالى، وأن يحب لهم ما يحب لنفسه وأعظم ما يحبه لنفسه الإيمان والهدى فهو يحب ذلك إليهم أيضاً"[3] (http://kalemasawa.abed-alkarem.com/#_ftn3).
وهذا الشعور الغامر بالشفقة على الناس يبعث في النفس الحزن والأسى على حال المعرضين والعاصين، ويتولد إثر ذلك قوة نفسية دافعة لاستنقاذهم من الخطر المحدق بهم، والهلاك القادمين إليه، وما أبلغ وأدق النص القرآني في بيان هذه الصفة عند الرسول الكريم r{فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِن لَّمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا} (الكهف/6) وقوله {لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ} (الشعراء/3).
تأمل هذه الآيات فإنه "من فرط شفقته r داخله الحزن لامتناعهم عن الإيمان، فهوّن الله سبحانه عليه الحال، بما يشبه العتاب في الظاهر كأنه قال له: لم كل هذا؟ ليس في امتناعهم – في عدِّنا – أثر، ولا في الدين من ذلك ضرر"[4] (http://kalemasawa.abed-alkarem.com/#_ftn4).
وقال ابن كثير في تفسيره: يقول تعالى {فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ} مسلياً لرسوله r في حزنه على المشركين لتركهم الإيمان وبُعدهم عنه"[5] (http://kalemasawa.abed-alkarem.com/#_ftn5).
فهذه نفس الرسول r ملئت رحمة وشفقة على هؤلاء حتى كاد يُهلك نفسه وهو يدعوهم ويحرص على هدايتهم، ثم يخالط مشاعره الحزن عليهم والأسى لهم.
إن الداعية ينظر إلى المدعوين نظرة الطبيب إلى مرضاه، يرحمهم ويشفق عليهم لعلمه بدائهم وخطورته، وتلطف في علاجهم، وإن رأى منهم عزوفاً عن الدواء لصعوبته أو مرارته هاله الأمر واحتال بكل الطرق لتوصيل الدواء، وإقناعهم بضرورة تناوله، ولا يمكن أن يتركهم وشأنهم بحجة أنهم هم المفرطون، وهكذا فإن "الداعي الرحيم لا يكف عن دعوته ولا يسأم من الرد والإعراض؛ لأنه يعلم خطورة عاقبة المعرضين العصاة، وأن إعراضهم بسبب جهلهم، فهو لا ينفك عن إقناعهم وإرشادهم"[6] (http://kalemasawa.abed-alkarem.com/#_ftn6).
فالرحمة – كما ترى – باعث دافع ومحرك للدعوة استنقاذاً للناس من الهلاك، وهي في الوقت نفسه عامل استمرار وإصرار وتوسيع لدائرة الاستيعاب والتأثير رغم الصد والإعراض.
ولا ينبغي أن تفهم الرحمة على أنها لين وتهاون بل تأتي الرحمة
أحياناً كثيرة في ثنايا الحزم وفي أعطاف الشدة التي تهدف لصالح المدعو، كما قد يشتد الطبيب مع مريضه الذي لا يدرك خطورة مرضه وعظمة الخطر في ترك التداوي أو التقصير فيه "فليست الرحمة حناناً لا عقل معه، أو شفقة تتنكر للعدل والنظام، كلا إنها عاطفة ترعى هذه الحقوق جميعاً"[7] (http://kalemasawa.abed-alkarem.com/#_ftn7).
وإن في سيرة المصطفى الكريم r أعظم وأروع الأمثلة على الرحمة سيما في المواقف العصيبة التي بلغت فيها المعاناة أشد مراحلها التي تضغط بعنف على النفس لتشتد وتقسو، وعلى الصدر ليضيق ويتبرم، ومع ذلك تبقى نفسه الكبيرة ورحمته العظيمة هي الغالبة كما حصل يوم رجوعه عليه الصلاة والسلام من الطائف بعد أن ذهب إليها وفي قلبه أمل، فلقى فيها أعظم مما كان يتصور من الإعراض فرجع كسير القلب، فلما بلغ قرن المنازل بعث الله جبريل ومعه ملك الجبال، يستأمره أن يطبق الأخشبين على أهل مكة، فقال النبي r "بل أرجو أن يُخرج الله عز وجل من أصلابهم من يعبد الله عز وجل وحده لا يشرك به شيئاً "[8] (http://kalemasawa.abed-alkarem.com/#_ftn8).
وفي يوم أحد عندما شج وجهه الشريف، وكسرت رباعيته، ودخلت حلقتا المغفر في وجنتيه[9] (http://kalemasawa.abed-alkarem.com/#_ftn9)، وبينما الدم يسيل على وجهه يقول عليه الصلاة والسلام "اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون" وفي صحيح مسلم قال عبد الله بن مسعود t: كأني أنظر إلى رسول الله r يحكي نبياً من الأنبياء، صلوات الله وسلامه عليهم، ضربه قومه وهو يمسح الدم عن وجهه ويقول: "رب اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون"[10] (http://kalemasawa.abed-alkarem.com/#_ftn10)، ومن هنا جاء الوصف الرباني العظيم في ثنايا الآيات التي نزلت في غزوة أحد {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ } (آل عمران/159).
"لقد أراد الله أن يمتنّ على العالم برجل يمسح آلامه، ويخفف أحزانه، ويرثي لخطاياه، ويستميت في هدايته، ويأخذ يناصر الضعيف، ويقاتل دونه قتال الأم عن صغارها، ويخضد شوكة القوي حتى يرده إنساناً سليم الفطرة لا يضري ولا يطغى فأرسل محمداً r وسكب في قلبه من العلم والحلم، وفي خلقه من الإيناس والبر، وفي طبعه من السهولة والرفق، وفي يده من السخاوة والندى، ما جعله أزكى عباد الله رحمة وأوسعهم عاطفة، وأرحبهم صدراً"[11] (http://kalemasawa.abed-alkarem.com/#_ftn11).
نعم "إن الرحمة كمال في الطبيعة يجعل المرء يرق لآلام الخلق ويسعى لإزالتها، ويأسى لأخطائهم فيتمنى لهم الهدى، هي كمال في الطبيعة، لأن تبلد الحس يهوي بالإنسان إلى منزلة الحيوان ويسلبه أضل ما فيه، وهو العاطفة الحية النابضة بالحب والرأفة"[12] (http://kalemasawa.abed-alkarem.com/#_ftn12).