الاشبيلي
02.02.2011, 08:50
لا أنسى تلك الليلة منذ سنوات وأنا في رحلتي في أدغال أفريقيا الاستوائية أشق النيل العريض في سفينة نيلية وقد تجاوزنا الملكال ودخلنا منطقة يكثر فيها البعوض وينبسط فيها النيل على شكل مستنقعات على مدى البصر .
والسفينة تتهادى على سطح الماء في جو لزج شديد الرطوبة ويقع مريضاً بالملاريا كل من على السفينة حتى الربان.. و أنا أبتلع أقراص الكاموكين بانتظام خوفاً من الإصابة بالحمى .
و ذات ليلة خطر لي أن أصعد على سطح السفينة لأشاهد أفريقيا الاستوائية في الليل .
و دهنت وجهي و ذراعي بطارد البعوض و تسللت إلى السطح و كان ما رأيته شيئاً كالحلم .
كانت آلاف الأشجار تضيء و تنطفئ و أكنها أشجار الميلاد يلهو بها الأطفال و قد غطوها بآلاف القناديل الكهربائية الصغيرة يضيئونها و يطفئونها معاً .
و مسحت على عيني من الدهشة .ز و عدت أنظر .
كان ما أرى حقيقة لا خيالاً .
كانت الأشجار تومض بالفعل كأنها مغطاة بآلاف الكهارب ثم تنطفئ .
و أخبرتني أن ما رأيت في تلك الليلة كان هو الحقيقة بعينها .. و أن تلك الأشجار تغطيها آلاف من حشرات الحباحب المضيئة و أنها تضيء معاً لتجذب البعوض بضوئها ثم تأكله و تعود فتنطفئ من جديد .. و أن هذه سنة الطبيعة كلما تكاثرت فيها حشرة اصطنع لها الله حشرة مضادة تأكلها ليحفظ للمخلوقات توازنها فلا يطغى واحد على الآخر إلا بحساب .
و ظللت أذكر تلك الليلة .
و ظللت أذكر ذلك الحديث .
و كل يوم يجتمع لديّ المزيد من الأدلة بأن الكون هو بالفعل مسرح للتوازن العظيم في كل شيء .. و أن كل شيء قد قدر فيه تقديراً دقيقاً .
لو كانت الكرة الأرضية أصغر حجماً مما هي لضغطت جاذبيتها و لأفلت الهواء من جوها و تبعثر في الفضاء و لتبخر الماء و تبدد و لأصبحت جرداء مثل القمر لا ماء و لا هواء و لا جو و لاستحالت الحياة .
و لو كانت أكبر حجماً مما هي لازدادت قوتها الجاذبة و لأصبحت الحركة على سطحها أكثر مشقة و لازداد وزن كل منا أضعافاً و لأصبح جسده عبثاً ثقيلاً لا يمكن حمله .
و لو أنها دارت حول نفسها بسرعة أقل كسرعة القمر مثلاً لاستطال النهار إلى 14 يوماً و الليل إلى 14 ليلة و لتقلب الجو من حر مهلك بطول أسبوعين إلى صقيع قاتل بطول أسبوعين و لأصبحت الحياة مستحيلة .
و بالمثل لو أن الأرض اقتربت في فلكها من الشمس مثل حال الزهرة لأهلكتنا الحرارة .. و لو أنها ابتعدت في مدارها مثل زحل و المشتري لأهلكنا البرد .
و أكثر من هذا فنحن نعلم أنها تدور بزاوية ميل قدرها 33 درجة الأمر الذي تنشأ عنه المواسم و تنتج عنه صلاحية أكثر مناطق الأرض للزراعة و السكن .
و لو كانت قشرة الأرض أكثر سمكاً لامتصت الأكسجين , و لما وجدنا حاجتنا من هذا الغاز الثمين.
و لو كانت البحار أعمق لامتصت المياه الزائدة ثاني أكسيد الكربون و لما وجد النبات كفايته ليعيش و يتنفس .
و لو كان الغلاف الهوائي أقل كثافة لأحرقتنا النيازك و الشهب المتساقطة بدلاً من أن تستهلك هذه الشهب و تتفتت في أثناء اختراقها للغلاف الهوائي الكثيف كما يحدث حالياً .
و لو زادت نسبة الأكسجين عما هي عليه حاليّاً في الجو لازدادت القابلية للاحتراق و لتحولت الحرائق البسيطة إلى انفجارات هائلة .
و لو انخفضت لاستحال نشاطنا إلى خمول .
و لولا أن الثلج أقل كثافة من الماء لما طفا على السطح و لما حفظ أعماق البحار دافئة و صالحة لحياة الأسماك و الأحياء البحرية .
و لولا مظلة الأوزون المنصوبة في الفضاء فوق الأرض و التي تمنع وصول الأشعة فوق البنفسجية إلى الأرض إلا بنسب ضئيلة .. لأهلكتنا هذه الأشعة القاتلة .
فإذا جئنا إلى تشريح الإنسان نفسه فسوف نرى المعجز و الملغز من أمر هذا التوازن الدقيق المحسوب .. فكل عنصر له في الدم نسبة و مقدار .. الصوديوم .. البوتاسيوم .. الكالسيوم .. السكر .. الكوليسترول .. البولينا .
و أي اختلال في هذه النسب و لو بمقادير ضئيلة يكون معناه المرض .. فإذا تفاقم الاختلال فهو العجز و الموت .
و الجسم مسلح بوسائل آلية تعمل في تلقائية على حفظ هذا التوازن طوال الحياة .
بل إن قلوية الدم لها ضوابط لحفظها .
و حموضة البول لها ضوابط لحفظها .
و درجة الحرارة المكيفة دائماً عند 37 مئوية من ورائها عمليات فسيولوجية و كيميائية ثابتة متزنة عن هذا المستوى .
و كذلك ضغط الدم .
و توتر العضلات .
و نبض القلب .
و نظام الامتصاص و الإخراج .
و نظام الاحتراق الكيميائي في فرن الكبد .
ثم الاتزان العصبي بين عوامل التهدئة و الإثارة
والسفينة تتهادى على سطح الماء في جو لزج شديد الرطوبة ويقع مريضاً بالملاريا كل من على السفينة حتى الربان.. و أنا أبتلع أقراص الكاموكين بانتظام خوفاً من الإصابة بالحمى .
و ذات ليلة خطر لي أن أصعد على سطح السفينة لأشاهد أفريقيا الاستوائية في الليل .
و دهنت وجهي و ذراعي بطارد البعوض و تسللت إلى السطح و كان ما رأيته شيئاً كالحلم .
كانت آلاف الأشجار تضيء و تنطفئ و أكنها أشجار الميلاد يلهو بها الأطفال و قد غطوها بآلاف القناديل الكهربائية الصغيرة يضيئونها و يطفئونها معاً .
و مسحت على عيني من الدهشة .ز و عدت أنظر .
كان ما أرى حقيقة لا خيالاً .
كانت الأشجار تومض بالفعل كأنها مغطاة بآلاف الكهارب ثم تنطفئ .
و أخبرتني أن ما رأيت في تلك الليلة كان هو الحقيقة بعينها .. و أن تلك الأشجار تغطيها آلاف من حشرات الحباحب المضيئة و أنها تضيء معاً لتجذب البعوض بضوئها ثم تأكله و تعود فتنطفئ من جديد .. و أن هذه سنة الطبيعة كلما تكاثرت فيها حشرة اصطنع لها الله حشرة مضادة تأكلها ليحفظ للمخلوقات توازنها فلا يطغى واحد على الآخر إلا بحساب .
و ظللت أذكر تلك الليلة .
و ظللت أذكر ذلك الحديث .
و كل يوم يجتمع لديّ المزيد من الأدلة بأن الكون هو بالفعل مسرح للتوازن العظيم في كل شيء .. و أن كل شيء قد قدر فيه تقديراً دقيقاً .
لو كانت الكرة الأرضية أصغر حجماً مما هي لضغطت جاذبيتها و لأفلت الهواء من جوها و تبعثر في الفضاء و لتبخر الماء و تبدد و لأصبحت جرداء مثل القمر لا ماء و لا هواء و لا جو و لاستحالت الحياة .
و لو كانت أكبر حجماً مما هي لازدادت قوتها الجاذبة و لأصبحت الحركة على سطحها أكثر مشقة و لازداد وزن كل منا أضعافاً و لأصبح جسده عبثاً ثقيلاً لا يمكن حمله .
و لو أنها دارت حول نفسها بسرعة أقل كسرعة القمر مثلاً لاستطال النهار إلى 14 يوماً و الليل إلى 14 ليلة و لتقلب الجو من حر مهلك بطول أسبوعين إلى صقيع قاتل بطول أسبوعين و لأصبحت الحياة مستحيلة .
و بالمثل لو أن الأرض اقتربت في فلكها من الشمس مثل حال الزهرة لأهلكتنا الحرارة .. و لو أنها ابتعدت في مدارها مثل زحل و المشتري لأهلكنا البرد .
و أكثر من هذا فنحن نعلم أنها تدور بزاوية ميل قدرها 33 درجة الأمر الذي تنشأ عنه المواسم و تنتج عنه صلاحية أكثر مناطق الأرض للزراعة و السكن .
و لو كانت قشرة الأرض أكثر سمكاً لامتصت الأكسجين , و لما وجدنا حاجتنا من هذا الغاز الثمين.
و لو كانت البحار أعمق لامتصت المياه الزائدة ثاني أكسيد الكربون و لما وجد النبات كفايته ليعيش و يتنفس .
و لو كان الغلاف الهوائي أقل كثافة لأحرقتنا النيازك و الشهب المتساقطة بدلاً من أن تستهلك هذه الشهب و تتفتت في أثناء اختراقها للغلاف الهوائي الكثيف كما يحدث حالياً .
و لو زادت نسبة الأكسجين عما هي عليه حاليّاً في الجو لازدادت القابلية للاحتراق و لتحولت الحرائق البسيطة إلى انفجارات هائلة .
و لو انخفضت لاستحال نشاطنا إلى خمول .
و لولا أن الثلج أقل كثافة من الماء لما طفا على السطح و لما حفظ أعماق البحار دافئة و صالحة لحياة الأسماك و الأحياء البحرية .
و لولا مظلة الأوزون المنصوبة في الفضاء فوق الأرض و التي تمنع وصول الأشعة فوق البنفسجية إلى الأرض إلا بنسب ضئيلة .. لأهلكتنا هذه الأشعة القاتلة .
فإذا جئنا إلى تشريح الإنسان نفسه فسوف نرى المعجز و الملغز من أمر هذا التوازن الدقيق المحسوب .. فكل عنصر له في الدم نسبة و مقدار .. الصوديوم .. البوتاسيوم .. الكالسيوم .. السكر .. الكوليسترول .. البولينا .
و أي اختلال في هذه النسب و لو بمقادير ضئيلة يكون معناه المرض .. فإذا تفاقم الاختلال فهو العجز و الموت .
و الجسم مسلح بوسائل آلية تعمل في تلقائية على حفظ هذا التوازن طوال الحياة .
بل إن قلوية الدم لها ضوابط لحفظها .
و حموضة البول لها ضوابط لحفظها .
و درجة الحرارة المكيفة دائماً عند 37 مئوية من ورائها عمليات فسيولوجية و كيميائية ثابتة متزنة عن هذا المستوى .
و كذلك ضغط الدم .
و توتر العضلات .
و نبض القلب .
و نظام الامتصاص و الإخراج .
و نظام الاحتراق الكيميائي في فرن الكبد .
ثم الاتزان العصبي بين عوامل التهدئة و الإثارة