فداء الرسول
17.01.2011, 07:40
العلم الأخروي سـبيل للتمكين الـدنيــوي
بقلم : حسين بن علي الشقراوي
ما أن تذكر كلمة "العلم" في مجلس إلا تبادر إلى الأذهان ما وصلت إليه الحضارة الغربية المادية من تطور في سائر المجالات من تقنية، ومخترعات، ووسائل مواصلات واتصالات وغيرها.
وفي المقابل حينما يذكر العالم الإسلامي سرعان ما تنصرف الأذهان إلى التخلف والجهل والأمية، متجاوزين بذلك حقيقة نسيتها الأمة الإسلامية ضمن ما نسيت من جذور ماضيها المشرق وركائز هويتها المتميزة، ألا وهي حقيقة ارتباط هذه الأمة بالعلم منذ بزوغ فجر هذا الدين ونزول الوحي على سيد المرسلين صل الله عليه وسلم بأمر ربه تبارك وتعالى له: اقرأ باسم ربك الذي خلق (1) خلق الإنسان من علق (2) اقرأ وربك الأكرم (3) الذي علم بالقلم (4) علم الإنسان ما لم يعلم (5) (العلق)
منذ تلك اللحظة وضع الرسول الأمي صل الله عليه وسلم قدمه على طريق العلم، وظل ثابتاً عليه مثابراً في طلبه حريصاً على استيعابه حتى توفاه ربه تبارك وتعالى: لا تحرك به لسانك لتعجل به 16 إن علينا جمعه وقرآنه 17 فإذا قرأناه فاتبع قرآنه 18 ثم إن علينا بيانه 19 (القيامة) وما طلب الزيادة في أمور الدنيا إلا من العلم وقل رب زدني علما.
ثم حمل راية العلم من بعده أصحابه رضوان الله عليهم أجمعين، وساروا على النهج نفسه.
أخرج البخاري في صحيحه تعليقاً، وفي "الأدب المفرد" من طريق ابن عقيل: أنه سمع جابر بن عبدالله يقول: بلغني عن رجل حديث سمعه من رسول الله صل الله عليه وسلم، فاشتريت بعيراً ثم شددت عليه رحلي فسرت إليه شهراً حتى قدمت الشام، فإذا عبدالله بن أنيس، فقلت للبواب: قل له: جابر على الباب، فقال: ابن عبدالله؟ قلت: نعم، فخرج فاعتنقني، فقلت: حديث بلغني عنك أنك سمعته من رسول الله صل الله عليه وسلم، فخشيت أن أموت قبل أن أسمعه، فقال: سمعت رسول الله صل الله عليه وسلم يقول: "يُحشر الناسٌُ يوم القيامة عراة.. الحديث".
وفي البخاري عن ابن عباس عن عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ قال: كنت أنا وجار لي من الأنصار في بني أمية بن زيد ـ وهي من عوالي المدينة ـ وكنا نتناوب النزول على رسول الله صل الله عليه وسلم، ينزل يوماً وأنزل يوماً، فإذا نزلت جئته بخبر ذلك اليوم من الوحي وغيره، وإذا نزل فعل مثل ذلك (الحديث)، ثم حمل أمانة العلم من بعدهم علماء القرون الفاضلة من التابعين، وتابعي التابعين.
قال صالح بن أحمد بن حنبل، رأى رجل مع أبي المحبرة، فقال له: يا أبا عبدالله، أنت قد بلغت هذا المبلغ وأنت إمام المسلمين؟ فقال ـ رحمه الله: معي المحبرة إلى المقبرة..
ومازالت الأمة الإسلامية تتوارث العلم خلفاً عن سلف إلى زماننا هذا يحدوهم قول الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق عليه عن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما: "من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين".، وقوله صل الله عليه وسلم فيما رواه الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه: "الدنيا ملعونة ملعون ما فيها إلا ذكر الله وما والاه، وعالماً ومتعلماً". أي بعيدة عن الله إلا ذكر الله وما والاه من طاعته سبحانه.
وحينما أهمل المسلمون ـ في زماننا هذا ـ تلك الركيزة الأساسية في حياة أمتنا ـ إلا بقية قليلة من العلماء ـ صاروا في ذيل الأمم، وصدق عليهم وصف العالم الثالث الموسوم بالجهل والأمية، والتخلف.
ورضي الله عن ابن مسعود الذي كان ينظر ببصيرة المؤمن حينما حذر من التساهل في ظل العلم خشية الهلاك، فقال: "إن أحدكم لم يولد عالماً، وإنما العلم بالتعلم، فاغد عالماً أو متعلماً أو مستمعاً ولاتكن الرابع فتهلك" صدق والله ـ رضي الله عنه.
فالعالم اليوم إما أمم متعلمة أو أمم تسعى إلى التعلم أو أمم غير متعلمة، ولاتسعى إلى التعلم وهي الدول المتخلفة وغالبيتها من الدول الإسلامية التي أصبحت عالة على غيرها من الأمم.
وإذا أرادت الأمة الإسلامية أن تحيا من جديد ويستقيم أمرها، فعليها أن تبدأ بما بدأ به رسولها صل الله عليه وسلم وهو العلم، كما في تمام حديث معاوية السابق "ولن يزال أمر هذه الأمة مستقيماً، حتى تقوم الساعة، وحتى يأتي أمر الله" قال القرطبي: ظاهر السياق أن أول الحديث مرتبط بآخره.. أي لايزال أمر هذه الأمة مستقيماً مادامت متفقهة في دينها..
العلم المطلوب
إن أهم وأول علم تحتاج إليه الأمة الإسلامية هو العلم الشرعي.
قال الإمام الغزالي "وهو علم معاملة العبد لربه"، فهذا هو أصل العلوم كلها، وهو المقصود في الآيات الكريمة والأحاديث النبوية، وهو ما جاءت النصوص بالحث عليه، ومدحه ومدح أهله كما قال تعالى: يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات (المجادلة: 11)
وقوله صلى الله عليه وسلم فيما رواه ابن ماجة بسند حسن عن أنس: "طلب العلم فريضة على كل مسلم".
ولايعني ذلك إهمال العلوم الأخرى بل جميعها تقع تحت قاعدة "مالايتم الواجب إلا به فهو واجب".
ولقد أبدع المسلمون الأوائل من ذلك في العصور الزاهرة فاستفادوا من علوم الأمم السابقة، وبرعوا في الكيمياء والفيزياء والطب والرياضيات وفنون الحرب وكثير من العلوم حتى أصبحت دولهم ملتقى الأمم لطلب العلم ومحطات للحضارة والتقدم ووضعوا قواعد العلوم الحديثة لمن بعدهم.. كل ذلك كان في إطار العلم الشرعي الذي هذب أخلاقهم، فسخروا العلوم الدنيوية لخدمة البشرية لا لتدميرها كما في زماننا هذا، وتنبع أهمية العلم في حياتنا من عدة أمور منها:
أولاً: حفظ الدين:
فدين الله تبارك وتعالى، وهو الإسلام، يحفظ بأمرين وصنفين من الناس: بالعلم والجهاد وبأهلهما، وهم العلماء والمجاهدون..
قال تعالى: وما كان المؤمنون لينفروا كافة فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون122(التوبة)، فبدون العلم الشرعي تضل الأمة وتهيم في أودية التيه والضلال، ولو كانت تؤوي بين جنباتها جهابذة علوم الدنيا.
وواقعنا وواقع الغرب خير شاهد على ذلك، إذ سخر علومه لخدمة شهواته واستعباد شعوب الأرض المستضعفة بل وهلاك الحرث والنسل ما بين هيروشيما إلى ناجازاكي.
بقلم : حسين بن علي الشقراوي
ما أن تذكر كلمة "العلم" في مجلس إلا تبادر إلى الأذهان ما وصلت إليه الحضارة الغربية المادية من تطور في سائر المجالات من تقنية، ومخترعات، ووسائل مواصلات واتصالات وغيرها.
وفي المقابل حينما يذكر العالم الإسلامي سرعان ما تنصرف الأذهان إلى التخلف والجهل والأمية، متجاوزين بذلك حقيقة نسيتها الأمة الإسلامية ضمن ما نسيت من جذور ماضيها المشرق وركائز هويتها المتميزة، ألا وهي حقيقة ارتباط هذه الأمة بالعلم منذ بزوغ فجر هذا الدين ونزول الوحي على سيد المرسلين صل الله عليه وسلم بأمر ربه تبارك وتعالى له: اقرأ باسم ربك الذي خلق (1) خلق الإنسان من علق (2) اقرأ وربك الأكرم (3) الذي علم بالقلم (4) علم الإنسان ما لم يعلم (5) (العلق)
منذ تلك اللحظة وضع الرسول الأمي صل الله عليه وسلم قدمه على طريق العلم، وظل ثابتاً عليه مثابراً في طلبه حريصاً على استيعابه حتى توفاه ربه تبارك وتعالى: لا تحرك به لسانك لتعجل به 16 إن علينا جمعه وقرآنه 17 فإذا قرأناه فاتبع قرآنه 18 ثم إن علينا بيانه 19 (القيامة) وما طلب الزيادة في أمور الدنيا إلا من العلم وقل رب زدني علما.
ثم حمل راية العلم من بعده أصحابه رضوان الله عليهم أجمعين، وساروا على النهج نفسه.
أخرج البخاري في صحيحه تعليقاً، وفي "الأدب المفرد" من طريق ابن عقيل: أنه سمع جابر بن عبدالله يقول: بلغني عن رجل حديث سمعه من رسول الله صل الله عليه وسلم، فاشتريت بعيراً ثم شددت عليه رحلي فسرت إليه شهراً حتى قدمت الشام، فإذا عبدالله بن أنيس، فقلت للبواب: قل له: جابر على الباب، فقال: ابن عبدالله؟ قلت: نعم، فخرج فاعتنقني، فقلت: حديث بلغني عنك أنك سمعته من رسول الله صل الله عليه وسلم، فخشيت أن أموت قبل أن أسمعه، فقال: سمعت رسول الله صل الله عليه وسلم يقول: "يُحشر الناسٌُ يوم القيامة عراة.. الحديث".
وفي البخاري عن ابن عباس عن عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ قال: كنت أنا وجار لي من الأنصار في بني أمية بن زيد ـ وهي من عوالي المدينة ـ وكنا نتناوب النزول على رسول الله صل الله عليه وسلم، ينزل يوماً وأنزل يوماً، فإذا نزلت جئته بخبر ذلك اليوم من الوحي وغيره، وإذا نزل فعل مثل ذلك (الحديث)، ثم حمل أمانة العلم من بعدهم علماء القرون الفاضلة من التابعين، وتابعي التابعين.
قال صالح بن أحمد بن حنبل، رأى رجل مع أبي المحبرة، فقال له: يا أبا عبدالله، أنت قد بلغت هذا المبلغ وأنت إمام المسلمين؟ فقال ـ رحمه الله: معي المحبرة إلى المقبرة..
ومازالت الأمة الإسلامية تتوارث العلم خلفاً عن سلف إلى زماننا هذا يحدوهم قول الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق عليه عن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما: "من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين".، وقوله صل الله عليه وسلم فيما رواه الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه: "الدنيا ملعونة ملعون ما فيها إلا ذكر الله وما والاه، وعالماً ومتعلماً". أي بعيدة عن الله إلا ذكر الله وما والاه من طاعته سبحانه.
وحينما أهمل المسلمون ـ في زماننا هذا ـ تلك الركيزة الأساسية في حياة أمتنا ـ إلا بقية قليلة من العلماء ـ صاروا في ذيل الأمم، وصدق عليهم وصف العالم الثالث الموسوم بالجهل والأمية، والتخلف.
ورضي الله عن ابن مسعود الذي كان ينظر ببصيرة المؤمن حينما حذر من التساهل في ظل العلم خشية الهلاك، فقال: "إن أحدكم لم يولد عالماً، وإنما العلم بالتعلم، فاغد عالماً أو متعلماً أو مستمعاً ولاتكن الرابع فتهلك" صدق والله ـ رضي الله عنه.
فالعالم اليوم إما أمم متعلمة أو أمم تسعى إلى التعلم أو أمم غير متعلمة، ولاتسعى إلى التعلم وهي الدول المتخلفة وغالبيتها من الدول الإسلامية التي أصبحت عالة على غيرها من الأمم.
وإذا أرادت الأمة الإسلامية أن تحيا من جديد ويستقيم أمرها، فعليها أن تبدأ بما بدأ به رسولها صل الله عليه وسلم وهو العلم، كما في تمام حديث معاوية السابق "ولن يزال أمر هذه الأمة مستقيماً، حتى تقوم الساعة، وحتى يأتي أمر الله" قال القرطبي: ظاهر السياق أن أول الحديث مرتبط بآخره.. أي لايزال أمر هذه الأمة مستقيماً مادامت متفقهة في دينها..
العلم المطلوب
إن أهم وأول علم تحتاج إليه الأمة الإسلامية هو العلم الشرعي.
قال الإمام الغزالي "وهو علم معاملة العبد لربه"، فهذا هو أصل العلوم كلها، وهو المقصود في الآيات الكريمة والأحاديث النبوية، وهو ما جاءت النصوص بالحث عليه، ومدحه ومدح أهله كما قال تعالى: يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات (المجادلة: 11)
وقوله صلى الله عليه وسلم فيما رواه ابن ماجة بسند حسن عن أنس: "طلب العلم فريضة على كل مسلم".
ولايعني ذلك إهمال العلوم الأخرى بل جميعها تقع تحت قاعدة "مالايتم الواجب إلا به فهو واجب".
ولقد أبدع المسلمون الأوائل من ذلك في العصور الزاهرة فاستفادوا من علوم الأمم السابقة، وبرعوا في الكيمياء والفيزياء والطب والرياضيات وفنون الحرب وكثير من العلوم حتى أصبحت دولهم ملتقى الأمم لطلب العلم ومحطات للحضارة والتقدم ووضعوا قواعد العلوم الحديثة لمن بعدهم.. كل ذلك كان في إطار العلم الشرعي الذي هذب أخلاقهم، فسخروا العلوم الدنيوية لخدمة البشرية لا لتدميرها كما في زماننا هذا، وتنبع أهمية العلم في حياتنا من عدة أمور منها:
أولاً: حفظ الدين:
فدين الله تبارك وتعالى، وهو الإسلام، يحفظ بأمرين وصنفين من الناس: بالعلم والجهاد وبأهلهما، وهم العلماء والمجاهدون..
قال تعالى: وما كان المؤمنون لينفروا كافة فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون122(التوبة)، فبدون العلم الشرعي تضل الأمة وتهيم في أودية التيه والضلال، ولو كانت تؤوي بين جنباتها جهابذة علوم الدنيا.
وواقعنا وواقع الغرب خير شاهد على ذلك، إذ سخر علومه لخدمة شهواته واستعباد شعوب الأرض المستضعفة بل وهلاك الحرث والنسل ما بين هيروشيما إلى ناجازاكي.