نضال 3
01.11.2010, 22:58
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
من أراد أن يعلم حقيقة الرضى عن الله عز وجل في أفعاله ، وأن
يدري من أين ينشأ الرضى ، فليفكر في أحوال رسول الله صلى
الله عليه وسلم .
فإنه لما تكاملت معرفته بالخالق سبحانه ، رأى أن الخالق مالك ،
وللمالك التصرف في مملوكه، ورآه حكيماً لا يصنع شيئاً عبثاً،
فسلم تسليم مملوك لحكيم ، فكانت العجائب تجري عليه ، ولا
يوجد منه تغير ، ولا من الطبع تأفف.
ولا يقول بلسان الحال : لو كان كذا ، بل يثبت للأقدار ثبوت
الجبل لعواصف الرياح . هذا سيد الرسل صلى الله عليه وسلم ،
بعث إلى الخلق وحده ، والكفر قد ملأ الآفاق ، فجعل يفر من
مكان إلى مكان، واستتر في دار الخيزران ، وهم يضربونه إذا
خرج ، ويدمون عقبه ، وشق السلى على ظهره وهو ساكت
ساكن .
ويخرج كل موسم فيقول: من يؤويني من ينصرني ؟.
ثم خرج من مكة ، فلم يقدر على العود ؛ إلا في جوار كافر ، ولم
يوجد من الطبع تأنف ، ولا من الباطن اعتراض ؛ إذا لو كان
غيره لقال : يا رب أنت مالك الخلق ، واقدر على النصر ، فلم
أذل ؟ كما قال عمر رضي الله عنه يوم صلح الحديبية: ألسنا على
الحق ؟ فلم. نعطي الدنية في ديننا ؟ ولما قال هذا ، قال له رسول
صلى الله عليه وسلم : إني عبد الله ولن يضيعني . فقوله : إني
عبد الله ، إقرار بالملك وكأنه قال: أنا مملوك يفعل بي ما يشاء ،
وقوله: لن يضيعني بيان حكمته ، وأنه لا يفعل شيئاً عبثاً.
ثم يبتلى بالجوع فيشد الحجر ، ولله خزائن السموات والأرض .
وتقتل أصحابه ، ويشج وجهه ، وتكسر رباعيته ، ويمثل بعمه
وهو ساكت .
ثم يرزق ابناً ، ويسلب منه ، فيتعلل بالحسن والحسين ، فيخبر
بما سيجري عليهما.
ويسكن بالطبع إلى عائشة رضي الله عنها ، فينغص عيشه
بقذفها.
ويبالغ في إظهار المعجزات ؛ فيقام في وجهه مسيلمة ، والعنسي
، وابن صياد.
ويقيم ناموس الأمانة والصدق ، فيقال : كذاب ساحر ،ثم يعلقه
المرض كما يوعك رجلان وهو ساكن ساكت.
فإن أخبر بحاله فليعلم الصبر.
ثم يشدد عليه الموت ، فيسلب روحه الشريفة ، وهو مضطجع في
كساء ملبد وإزار غليظ ، وليس عندهم زيت يوقد به المصباح
ليلتئذ .
هذا الشيء ما قدر على الصبر عليه كما ينبغي نبي قبله ، ولو
ابتليت به الملائكة ما صبرت !!
هذا آدم عليه السلام يباح له الجنة ، سوى شجرة ، فلا يقع ذباب
حرصه إلا على الفقر.
ونبينا صلى الله عليه وسلم يقول في المباح :/ ما لي وللدنيا !.
وهذا نوح عليه السلام يضج مما لاقى ، فيصيح من كمد وجده "
لا تَذر على الأرض من الكافرين دياراً " . ونبينا صلى الله عليه
وسلم يقول : اللهم اهد قدمي فإنهم لا يعلمون.
هذا الكليم موسى صلى الله عليه وسلم ، يستغيث عند عبادة قومه
العجل ويتوكأ على القدر قائلاً: " إن هي إِلاَّ فتنتك " ويوجه إليه
ملك الموت فيقلع عينه.
وعيسى عليه السلام يقول : إن صرفت الموت عن أحد
فاصرفه عني .
ونبينا صلى الله عليه وسلم يخير بين البقاء والموت، فيختار
الرحيل إلى الرفيق الأعلى.
هذا سليمان صلى الله عليه وسلم يقول: هب لي ملكاً، ونبينا صلى
الله عليه وسلم يقول: اللهم اجعل رزق آل محمد قوتاً.
هذا والله فعل رجل عرف الوجود والموجد، فماتت أغراضه،
وسكنت اعتراضاته فصار هواه فيما يجري.
[ صيد الخاطر لابن الجوزي ]
فما أطيبك يا حبيبي حيّا و ميّتا
من أراد أن يعلم حقيقة الرضى عن الله عز وجل في أفعاله ، وأن
يدري من أين ينشأ الرضى ، فليفكر في أحوال رسول الله صلى
الله عليه وسلم .
فإنه لما تكاملت معرفته بالخالق سبحانه ، رأى أن الخالق مالك ،
وللمالك التصرف في مملوكه، ورآه حكيماً لا يصنع شيئاً عبثاً،
فسلم تسليم مملوك لحكيم ، فكانت العجائب تجري عليه ، ولا
يوجد منه تغير ، ولا من الطبع تأفف.
ولا يقول بلسان الحال : لو كان كذا ، بل يثبت للأقدار ثبوت
الجبل لعواصف الرياح . هذا سيد الرسل صلى الله عليه وسلم ،
بعث إلى الخلق وحده ، والكفر قد ملأ الآفاق ، فجعل يفر من
مكان إلى مكان، واستتر في دار الخيزران ، وهم يضربونه إذا
خرج ، ويدمون عقبه ، وشق السلى على ظهره وهو ساكت
ساكن .
ويخرج كل موسم فيقول: من يؤويني من ينصرني ؟.
ثم خرج من مكة ، فلم يقدر على العود ؛ إلا في جوار كافر ، ولم
يوجد من الطبع تأنف ، ولا من الباطن اعتراض ؛ إذا لو كان
غيره لقال : يا رب أنت مالك الخلق ، واقدر على النصر ، فلم
أذل ؟ كما قال عمر رضي الله عنه يوم صلح الحديبية: ألسنا على
الحق ؟ فلم. نعطي الدنية في ديننا ؟ ولما قال هذا ، قال له رسول
صلى الله عليه وسلم : إني عبد الله ولن يضيعني . فقوله : إني
عبد الله ، إقرار بالملك وكأنه قال: أنا مملوك يفعل بي ما يشاء ،
وقوله: لن يضيعني بيان حكمته ، وأنه لا يفعل شيئاً عبثاً.
ثم يبتلى بالجوع فيشد الحجر ، ولله خزائن السموات والأرض .
وتقتل أصحابه ، ويشج وجهه ، وتكسر رباعيته ، ويمثل بعمه
وهو ساكت .
ثم يرزق ابناً ، ويسلب منه ، فيتعلل بالحسن والحسين ، فيخبر
بما سيجري عليهما.
ويسكن بالطبع إلى عائشة رضي الله عنها ، فينغص عيشه
بقذفها.
ويبالغ في إظهار المعجزات ؛ فيقام في وجهه مسيلمة ، والعنسي
، وابن صياد.
ويقيم ناموس الأمانة والصدق ، فيقال : كذاب ساحر ،ثم يعلقه
المرض كما يوعك رجلان وهو ساكن ساكت.
فإن أخبر بحاله فليعلم الصبر.
ثم يشدد عليه الموت ، فيسلب روحه الشريفة ، وهو مضطجع في
كساء ملبد وإزار غليظ ، وليس عندهم زيت يوقد به المصباح
ليلتئذ .
هذا الشيء ما قدر على الصبر عليه كما ينبغي نبي قبله ، ولو
ابتليت به الملائكة ما صبرت !!
هذا آدم عليه السلام يباح له الجنة ، سوى شجرة ، فلا يقع ذباب
حرصه إلا على الفقر.
ونبينا صلى الله عليه وسلم يقول في المباح :/ ما لي وللدنيا !.
وهذا نوح عليه السلام يضج مما لاقى ، فيصيح من كمد وجده "
لا تَذر على الأرض من الكافرين دياراً " . ونبينا صلى الله عليه
وسلم يقول : اللهم اهد قدمي فإنهم لا يعلمون.
هذا الكليم موسى صلى الله عليه وسلم ، يستغيث عند عبادة قومه
العجل ويتوكأ على القدر قائلاً: " إن هي إِلاَّ فتنتك " ويوجه إليه
ملك الموت فيقلع عينه.
وعيسى عليه السلام يقول : إن صرفت الموت عن أحد
فاصرفه عني .
ونبينا صلى الله عليه وسلم يخير بين البقاء والموت، فيختار
الرحيل إلى الرفيق الأعلى.
هذا سليمان صلى الله عليه وسلم يقول: هب لي ملكاً، ونبينا صلى
الله عليه وسلم يقول: اللهم اجعل رزق آل محمد قوتاً.
هذا والله فعل رجل عرف الوجود والموجد، فماتت أغراضه،
وسكنت اعتراضاته فصار هواه فيما يجري.
[ صيد الخاطر لابن الجوزي ]
فما أطيبك يا حبيبي حيّا و ميّتا