اعرض النسخة الكاملة : قراءة في كتاب : هداية الحيارى لابن القيم الجوزية
الاشبيلي
23.10.2010, 12:22
هداية الحيارى
ابن القيم الجوزية
قراءات لأخيكم الأشبيلي
من مقدمة الكتاب
الحمد لله الذي رضي لنا الإسلام ديناً، ونصب لنا الدلالة على صحته برهاناً مبيناً، وأوضح السبيل إلى معرفته واعتقاده حقاً يقيناً، ووعد من قام بأحكامه وحفظ حدوده أجراً جسيماً، وذخر لمن وافاه به ثواباً جزيلاً وفوزاً عظيماً، وفرض علينا الانقياد له ولأحكامه، والتمسك بدعائمه وأركانه، والاعتصام بعراه وأسبابه.
فهو دينه الذي ارتضاه لنفسه ولأنبيائه ورسله وملائكة قدسه، فبه اهتدى المهتدون وإليه دعا الأنبياء والمرسلون.
أفغير دين الله يبغون وله أسلم من في السموات والأرض طوعا وكرها وإليه يرجعون ، فلا يقبل من أحد ديناً سواه من الأولين والآخرين ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين .
شهد بأنه دينه قبل شهادة الأنام ، وأشاد به ورفع ذكره وسمى به أهله وما اشتملت عليه الأرحام، فقال تعالى: شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولو العلم قائما بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم * إن الدين عند الله الإسلام .
وجعل أهله هم الشهداء على الناس يوم يقوم الأشهاد، لما فضلهم به من الإصابة في القول والعمل والهدى والنية والاعتقاد، غذ كانوا أحق بذلك وأهله في سابق التقدير ، فقال وجاهدوا في الله حق جهاده هو اجتباكم وما جعل عليكم في الدين من حرج، ملة أبيكم إبراهيم، هو سماكم المسلمين من قبل وفي هذا ليكون الرسول شهيدا عليكم وتكونوا شهداء على الناس فأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واعتصموا بالله هو مولاكم فنعم المولى ونعم النصير .
وحكم سبحانه بأنه أحسن الأديان، ولا أحسن من حكمه ولا أصدق منه قبلا فقال: ومن أحسن دينا ممن أسلم وجهه لله وهو محسن واتبع ملة إبراهيم حنيفا واتخذ الله إبراهيم خليلا .
الاشبيلي
23.10.2010, 12:26
ثم يقول المؤلف رحمه الله تعالى ورفع منزلته وحشرنا معه في جنات الخلد
واصفا الدين النصراني بالأتي
(( دين أسس بنيانه على عبادة الصلبان والصور المدهونة في السقوف والحيطان، وأن رب العالمين نزل عن كرسي عظمته فالتحم ببطن أنثى وأقام هناك مدة من الزمان، بين دم الطمث في ظلمات الأحشاء تحت ملتقى الأعكان، ثم خرج صبياً رضيعً يشب شيئاً فشيئاً ويبكي وأكل ويشرب ويبول وينام ويتقلب مع الصبيان، ثم أودع في المكتب بين صبيان اليهود يتعلم ما ينبغي للإنسان هذا وقد قطعت منه القلفة حين الختان، ثم جعل اليهود يطردونه ويشردونه من مكان إلى مكان، ثم قبضوا عليه وأحلوه أصناف الذل والهوان، فعقدوا على رأسه من الشوك تاجاً من أقبح التيجان، وأركبوه قصبة ليس لها لجام ولا عنان، ثم ساقوه إلى خشبة الصلب مصفوعاً مبصوقاً على وجهه وهم خلفه وأمامه وعن شمائله وعن الأيمان.
ثم أركبوه ذلك المركب الذي تقشعر من القلوب مع الأبدان، ثم شدت بالحبال يداه ومع الرجلان، ثم خالطهما تلك المسامي التي تكسر العظام وتمزق اللحمان وهو يستغيث: يا قوم ارحموني! فلا يرحمه منه إنسان هذا وهو مدير العالم العلوي والسفلي الذي يسأله من في السماوات والأرض كل يوم هو في شأن ثم مات ودفن في التراب تحت صم الجنادل والصوان ، ثم قام من القبر وصعد إلى عرشه وملكه بعد أن كان ما كان فما ظنك بفروع هذا أصلها الذي قام عليه البنيان.))
الاشبيلي
23.10.2010, 12:30
وكان اهل الكتاب افضل الصنفين، وهم نوعان: مغضوب عليم ، وضالون.
فالامة الغضبية هم اليهود: اهل الكذب والبهت والغدر والمكر والحيل، قتلة الانبياء واكلة السحت – وهو الربا والرشا – اخبث الامم طوية، وأرداهم سجية وابعدهم من الرحمة، واقربهم من النقمة، عادتهم البغضاء، وديدنهم العداوة والشحناء، بيت السحر والكذب والحيل، لا يرون لمن خالفهم في كفرهم وتكذيبهم من الانبياء حرمة، ولا يرقبون في مؤمن الا ولا ذمة، ولا لمن وافقهم عندهم حق ولا شفقة، ولا لمن شاركهم عندهم عدل ولا نصفة، ولا لمن خلطهم طمأنينة ولا أمنة، ولا لمن استعملهم عندهم نصيحة، بل أخبثهم بيهودي على الحقيقة، أضيق الخلق صدوراً، واظلمهم بيوتاً وأنتنهم أفنية، واوحشهم سجية، تحيتهم لعنة ، ولقاؤهم طيرة، شعارهم الغضب، ودثارهم المقت.
والصنف الثاني: المثلثة أمة الضلال وعباد الصليب، الذين سبوا الله الخالق مسبة ما سبه اياها احد من البشر ، ولم يقروا بانه الواحد الاحد الفرد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد ، ولم يكن له كفواً احد، ولم يجعلوه اكبر من كل شئ، بل قالوا فيه ما تكاد السماوات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هدا ، فقل ما شئت في طائفة اصل عقيدتها: إن الله ثالث ثلاثة وان مريم صاحبته وان المسيح ابنه، وانه نزل عن كرسي عظمته والتحم ببطن الصاحبة، وجرى له ما جرى الى ان قتل ومات ودفن.
فدينها عبادة الصلبان، ودعاء الصور المنقوشة بالاحمر والاصفر في الحيطان، يقولون في دعائهم: (يا والدة الإله ارزقينا، واغفري لنا وارحمينا).
فدينهم شرب الخمور واكل الخنزير، وترك الختان، والتعبد بالنجاسات، واستباحة كل خبيث من الفيل الى البعوضة، والحلال ما حلله القس، والحرام ما حرمه، والدين ما شرعه، وهو الذي يغفر لهم الذنوب، وينجيهم من عذاب السعير.
الاشبيلي
23.10.2010, 12:33
ويقول رحمه الله
فلله الحمد الذي انقذنا بمحمد صلى الله عليه وسلم من تلك الظلمات، وفتح لنا به باب الهدى فلا يغلق الى يوم الميقات، وارانا في نوره اهل الضلال وهم في ضلالهم يتخبطون، وفي سكرتهم يعمهون، وفي جهالتهم يتقلبون، وفي ريبهم يترددون، يؤمنون ولكن بالجبت والطاغوت يؤمنون، ويعدلون ولكن بربهم يعدلون، ويعملون ولكن ظاهراً من الحياة الدنيا، وهم عن الآخرة غافلون، ويسجدون ولكن للصليب والوثن والشمس يسجدون ويمكرون وما يمكرون إلا بأنفسهم وما يشعرون لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة ويعلمكم ما لم تكونوا تعلمون * فاذكروني أذكركم واشكروا لي ولا تكفرون الحمد لله الذي أغنانا بشريعته التي تدعو إلى الحكمة والموعظة الحسنة، وتتضمن الأمر بالعدل والاحسان، والنهي عن الفحشاء والمنكر والبغي ، فله المنة والفضل على ما انعم به علينا وارهنا به على سائلا الامم واليه الرغبة ان يورعنا شكر هذه النعمة ، وان يفتح لنا ابواب التوبة والمغفرة والرحمة، فاحب الوسائل الى المحسن التوسل اليه باحسانه والاعتراف له بان الامر كله محض فضله وامتنانه، فله علينا النعمة السابغة كما له علينا الحجة البالغة.
طائر السنونو
23.10.2010, 12:38
تسجيل مُتَابَعَةْ
ابوالسعودمحمود
23.10.2010, 12:38
ثم قام من القبر وصعد إلى عرشه وملكه بعد أن كان ما كان فما ظنك بفروع هذا أصلها الذي قام عليه البنيان.))
فروع ليس لها قيمه طبعا
جزاك الله خيرا يااستاذ
الاشبيلي
23.10.2010, 12:40
ويقول المؤلف عن كتابه انه سماه
وسميته هداية الحيارى في أجوبة اليهود والنصارى.
وقسمته قسمين:
القسم الاول في اجوبة المسائل، والقسم الثاني في تقرير نبوة محمد -صلى الله عليه وسلم- بجميع أنواع الدلائل، فجاء بحمد الله ومنه وتوفيقه كتاباً ممتعاً معجباً، لا يسأم قاريه ولا يمل الناظر فيه، فهو كتاب يصلح للدنيا والآخرة، ولزيادة الايمان ، ولذة الانسان.
الاشبيلي
23.10.2010, 12:43
واياكم اخوتي الافاضل
لكم الشكر والتقدير على متابعتكم
بأذن الله نسير مع هذا الكتاب المهم خطوة بخطوة وذلك لنتعلم من اسلوب مؤلفه البارع رحمه الله
اساليب الرد على اهل الضلال
فأنا أقرأ الكتاب في المساء واقوم بأقتطاف بعض المقتطفات منه ووضعها هنا
والله الموفق
يتبع..........
هبة الرحمن
23.10.2010, 12:45
عرض طيب ورائع يا شيخنا
بارك الله فيك
وجزاك عنا كل خير
وننتظر المزيد
الاشبيلي
24.10.2010, 13:49
جزاكم الله خيرا اختنا هبة
نواصل
يقول المؤلف رحمه الله
أن الأديان على وجه الأرض لاتخلو من مقاربة ستة اديان رئيسية
وهذه الاديان الستة مذكورة في آية الفصل في قوله تعالى: إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئين والنصارى والمجوس والذين أشركوا إن الله يفصل بينهم يوم القيامة إن الله على كل شيء شهيد .
وهذه حقيقة فالأديان اما توحيدية او وثنية بالاضافة للمجوس والصابئة لأنها اديان مابين التوحيدية والوثنية
اما الملل الالحادية فلم يعدها رب العزة من الاديان لما تنكره من فكرة الدين
قال رب العزة عنهم ((أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (23) وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ وَمَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ (24) وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آَيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ مَا كَانَ حُجَّتَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا ائْتُوا بِآَبَائِنَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (25))) الجاثية
كذلك قوله تعالى عنهم بالعموم في سورة الماعون
بسم الله الرحمن الرحيم((أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ (1) فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ (2) وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ (3))) الماعون
الاشبيلي
24.10.2010, 13:52
المؤلف رحمه الله يفند تفنيد اولي انتشار الأسلام بالسيف حيث يقول
فلما بعث الله رسوله صلى الله عليه وسلم استجاب له ولخلفائه بعده اكثر اهل الاديان طوعاً واختياراً، ولم يكره احداً قط على الدين، وانما كان يقاتل من يحاربه ويقاتله، واما من سالمه وهادنه فلم يقاتله ولم يكرهه على الدخول في دينه امتثالاً لامر ربه سبحانه حيث يقول: لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي وهذا نفي في معنى النهي، أي لا تكرهوا احداً على الدين، نزلت هذه الآية في رجال من الصحابة كان لهم أولاد قد تهودوا وتنصروا قبل الاسلام فلما جاء الاسلام أسلم الآباء وأرادوا إكراه الأولاد على الدين، فنهاهم الله سبحانه عن ذلك حتى يكونوا هم الذين يختارون الدخول في الإسلام.
والصحيح أن الآية على عمومها في حق كل كافر، وهذا ظاهر على قول من يجوز اخذ الجزية من جميع الكفار، فلا يكرهون على الدخول في الدين، بل اما ان يدخلوا في الدين واما ان يعطوا الجزية كما يقوله اهل العراق وأهل المدينة، وان استثنى هؤلاء بعض عبدة الأوثان.
ومن تأمل سيرة النبي صلى الله عليه وسلم تبين له انه لم يكره أحداً على دينه قط وانه انما قاتل من قاتله واما من هادنه فلم يقاتله مادام مقيما على هدنته لم ينقض عهد، بل امره الله تعالى ان يفي لهم بعهدهم ما استقاموا له كما قال تعالى: فما استقاموا لكم فاستقيموا لهم .
ولما قدم المدينة صالح اليهود واقرهم على دينهم ، فلما حاربوه ونقضوا عهده وبدؤوه بالقتال قاتلهم، فمن على بعضهم، وأجلى بعضهم، وقبل بعضهم.
وكذلك لما هادن قريشا عشر سنين لم يبدأهم بقتال حتى بدأوا هم بقتاله ونقضوا عهده، فعند ذلك غزاهم في ديارهم، وكانوا هم يغزونه قبل ذلك كما قصدوه يوم أحد ويوم الخندق، ويوم بدر ايضاً هم جاءوا لقتاله ولو انصرفوا عنه لم يقاتلهم.
والمقصود: انه صلى الله عليه وسلم لم يكره احداً على الدخول في دينه البتة، وانما دخل الناس في دينه اختياراً وطوعاً فاكثر اهل الارض دخلوا في دعوته لما تبين لهم الهدى وانه رسول الله حقاً فهؤلاء اهل اليمن كانوا لى دين اليهودية أو اكثرهم كما قال النبي لمعاذ لما بعثه الى اليمن: انك ستأتي قوما أهل كتاب فليكن اول ما تدعوهم اليه شهادة ان لا اله الا الله .
ثم دخلوا في الاسلام من غير رغبة ولا رهبة، وكذلك من اسلم من يهود المدينة وهم جماعة كثيرون غير عبد الله بن سلام مذكورون في كتب السير والمغازي لم يسلموا رغبة في الدنيا ولا رهبة من السيف بل اسلموا في حال حاجة المسلمين وكثرة اعدائهم ومحاربة اهل الارض لهم من غير سوط ولا نوط، بل تحملوا معاداة اقربائهم وحرمانهم نفعهم بالمال والبدن مع ضعف شوكة المسلمين وقلة ذات ايديهم.
الاشبيلي
24.10.2010, 13:54
ويذكر المؤلف تفصيل رائع للأسباب التي قد تمنع الأنسان من اتباع الحق
الاسباب المانعة من قبول الحق
والاسباب المانعة من قبول الحق كثيرة جداً فمنها: الجهل به ، وهذا السبب هو الغالب على اكثر النفوس، فان من جهل شيئاً عاداه وعادى اهله ، فان انضاف الى هذا السبب بغض من امره بالحق ومعاداته له وحسده كان المانع من القبول اقوى، فان انضاف الى ذلك الفه وعادته ومرباه على ما كان عليه اباؤه ومن يحبه ويعظمه قوي المانع، فان انضاف الى ذلك توهميه ان الحق الذي دعي اليه يحول بينه وبين جاهه وعزه وشهواته واغراضه قوي المانع من القبول جداً.
فان انضاف الى ذلك خوفه من اصحابه وعشيرته وقومه على نفسه وماله وجاهه كما وقع لهرقل ملك النصارى بالشام على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ازداد المانع من قبول الحق قوة، فان هرقل عرف الحق وهم بالدخول في الاسلام فلم يطاوعه قومه وخافهم على نفسه فاختار الكفر على الاسلام بعد ما تبين له الهدى
ومن اعظم هذه الاسباب : الحسد، فانه جاء كامن في النفس، ويرى الحاسد المحسود قد فضل عليه واوتي ما لم يؤت نظيره فلا يدعه الحسد ان ينقاد له ويكون من اتباعه.
وهل منع ابليس من السجود لادم الا الحسد ؟! فانه لما رآه قد فضل عليه ورفع غص بريقه واختار الكفر على الايمان بعد ان كان بين الملائكة.
وهذا الداء هو الذي منع اليهود من الايمان بعيسى ابن مريم وقد علموا علماً لا شك فيه انه رسول الله جاء بالبينات والهدى فحملهم الحسد على ان اختاروا الكفر على الايمان واطبقوا عليه، وهم امة فيهم الاحبار والعلماء والزهاد والقضاة والملوك والامراء.
الاشبيلي
24.10.2010, 13:56
يتبع.........
الاشبيلي
25.10.2010, 12:40
ويسرد المؤلف سبب حجد النصارى لرسالة محمد صلى الله عليه وسلم
فيقول
لا غرابة في جحد النصارى رسالة محمد وقد سبوا الله
وقد ذكرنا اتفاق امة الضلال وعبادة الصليب على مسبة رب العالمين اقبح مسبة ، على ما يعلم بطلانه بصريح العقل ، فان خفي عليهم ان هذا مسبة لله مع ان العق يحكم ببطلانه وبفساده من اول وهلة ، لم يكثر على تلك العقول السخيفة ان تسب بشراً ارسله الله ، وتجحد نبوته ، وتكابر ما دل عليه صريح العقل من صدقه وصحة رسالته ، فلو قالوا فيه ما قالوا لم يبلغ بعض قولهم في رب الارض والسموات الذي صاروا به ضحة بين جميع اصناف بني ادم.
فانه اطبقت على ان الاله الحق – سبحانه عما يقولون – صلب وصفح وسمر ووضع الشوك على راسه ودفن في التراب ، ثم قام في اليوم الثالث وصعد وجلس على عرشه يدبر امر السموات والارض ، لا يكثر عليها ان تطبق على جحد نبوة من جاء بسبها ولعنها ومحاربتها وابداء معايبها والنداء على كفرها بالله ورسوله ، والشهادة على براءة المسيح منها ومعاداته لها ثم قاتلها واذلها واخرجها من ديارهم وضرب عليها الجزية ، واخبر انها من اهل الجحيم خالدة مخلدة لا يغفر الله لها وانها شر من الحمير ، بل هي شر الدواب عند الله.
وكيف ينكر لامة اطبقت على صلب معبودها والهها ثم عمدت الى الصليب فعبدته وعظمته ، وكان ينبغي لها ان تحرق كل صليب تقدر لى احراقه ، وان تهينه غاية الاهانة اذ صلب عليه الهها الذي يقولون تارة : انه الله ، وتارة يقولون انه ابنه ، وتارة يقولون ثالث ثلاثة؟ فجحدت حق خالقها وكفرتت به اعظم كفر وسبته اقبح مسبة ، ات تجحد حق عبده ورسوله وتكفر به.
وكيف يكثر على امة قالت في رب الارض والسموات انه ينزل من السماء ليكلم الخلق بذاته لئلا يكون لهم حجة عليه ، فااراد ان يقطع حجتهم بتكليمه لهم بذاته لترتفع المعاذير عمن ضيع عهده بعد ما كلمه بذاته؟ فهبط بذاته من السماء ، والتحم في بطن مريم ، فاخذ منها حجاباً ، وهو مخلوق من طريق الجسم ، وخالق من طريق النفس ، وهو الذي خلق جسمه وخلق امه ، وامه كانت قبله بالناسوت ، وهو كان من قبلها باللاهوت ، وهو الاله التام ، والانسان التال ، ومن تمام رحمته تبارك وتعالى على عباده انه رضي باراقة دمه عنهم على خشبة الصليب ، فمكن اعداءه اليهود من نفسه ليتم سخطه عليهم، فاخذوه وصلبونه وصفعوه وبصقوا في وجهه ، وتوجوه بتاج من الشوك على راسه وغار دمه في اصبعه لانه لو وقع منه شيء الى الارض ليب كلما كان على وجهها ، فثبت في موضع صلبه النوار.
الاشبيلي
28.10.2010, 09:28
يقول المؤلف عن النصارى ((وأما السؤال الثالث وهو : قال السائل : مشهور عندكم في الكتاب والسنة أن نبيكم كان مكتوباً عندهم في التوراة والإنجيل لكنهم محوه عنهما لسبب الرياسة والمأكلة ، والعقل يستشكل ذلك ، أفكلهم اتفقوا على محو اسمه من الكتب المنزلة من ربهم شرقاً وغرباً جنوباً وشمالاً ؟! هذا أمر يستشكله العقل أعظم من نفيهم بألسنتهم لأنه يمكن الرجوع عما قالوا بألسنتهم والرجوع عما محوا أبعد. والجواب: إن هذا السؤال مبني على فهم فاسد ، وهو أن المسلمين يعتقدون أن اسم النبي صلى الله عليه وسلم الصريح وهو محمد بالعربية مذكور في التوراة والإنجيل - وهما الكتابان المتضمنان لشريعتين – وأن المسلمين عتقدون : ان اليهود والنصارى في جميع اقطار الأرض محوا ذلك الاسم وأسقطوه جملة من الكتابين وتواصوا بذلك بعداً وقرباً وشرقاً وغرباً. وهذا لم يقله عالم من علماء المسلمين ولا أخبر الله سبحانه به في كتابه عنهم ، ولا رسوله ولا بكتهم به يوماً من الدهر ، ولا قاله أحد من الصحابة ، ولا الأئمة بعدهم ، ولا علماء التفسير، ولا المعتنون بأخبار الأمم وتواريخهم . وإن قدر أنه قاله بعض عوام المسلمين يقصد به نصر الرسول فقد قيل : يضر الصديق الجاهل أكثر مما يضر العدو العاقل. وإنما أتى هؤلاء من قلة (فهمهم ل) القرآن، وظنوا أن قوله تعالى الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ، دل على الاسم الخاص بالعربية في التوراة والإنجيل المخصوصين وأن ذلك لم يوجد البتة. والحق … أن الرب سبحانه : انما أخبر عن كون رسوله مكتوباً عندهم أي الإخبار عنه وصفته ومخرجه ونعته ، ولم يخبر بأن صريح اسمه العربي مذكور عندهم في التوراة والإنجيل ، وهذا واقع في الكتابين كما سنذكر ألفاظهما إن شاء اله ، وهذا أبلغ من ذكره بمجرد اسمه ، فإن الاشتراك د يقع في الاسم فلا يحصل التعريف والتمييز ، ولا يشاء أحد يسمى بهذا الاسم أن يدعى به بيان ولا تعريف ولا هدى، بخلاف ذكره بنعته صفته وعلاماته ودعوته وصفة أمته ووقت مخرجه ونحو ذلك فإن هذا يعينه ويميزه ويحصر نوعه في شخصه.))
الاشبيلي
28.10.2010, 09:30
وهذا القدر مذكور في التوراة والإنجيل وغيرها من النبوات التي بأيدي أهل الكتاب كما سنذكرها ، ويدل عليه وجوه: الوجه الأول : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان أحرص الناس على تصديقه واتباعه إياه وإقامة الحجة على من خالفه وجحد نبوته ، ولا سيما أهل العلم والكتاب، فإن الاستدلال عليهم بما يعلمون بطلانه قطعاً لا يفعله عاقل ، وهو بمنزلة من يقول لرجل علامة صدقي أنك فلان بن فلان ، وصنعتكم كيت وكيت، وتعرف بكيت وكيت ، ولم يكن الأمر كذلك بل بضده ، فهذا لا يصدر ممن له مسكة عقل ، ولا يصدقه أحد على ذلك ، ولا يتبعه أحد على ذلك ، بل ينفر العقلاء كلهم عن تصديقه واتباعه، والعادة تحيل سكوتهم عن الطعن عليه والرد والتهجين لقوله ،ومن المعلوم بالضرورة أن محمداً بن عبد الله صلوات الله وسلامه عليه نادى معلناً في هاتين الأمتين اللتين هما أعلم المم في الأرض قبل مبعهث بأن ذكره ونعته وصفته بعينه عندهم ف كتبهم وهو يتلو ذلك عليهم ليلاً ونهاراً ، وسراً وجهاراً ، في كل مجمع ، وفي كل ناد يدعوهم بذلك إلى تصديقه والإيمان به.
فمنهم من يصدق ويؤمن به ، ويخبر بما في كتبهم من نعته وصفته وذكره كما سيمر بك إن شاء الله ، وغاية المكذب الجاحد أن يقول هذا النعت والوصف حق ولكن لست أنت المراد به بل نبي آخر، وهذا غاية ما يمكنه من المكابرة ، ولم تجد عليه هذه المكابرة إلا كشفه عورته وإبدائه الفضيحة بالذب والبهتان ، فالصفات والنعوت والعلامات الم1كورة عندهم منطبقة عليه حذو القذة بالقذة بحيث لا يشك من عرفها ورآه أنه هو كما عرفه قيصر وسلمان بتلك العلامات المذكورات التي كانت عنده من بعض علمائه وكذك هرقل عرف نبوته بما وصف له من العلامات التي سأل عنها أبا سفيان فطابقت ما عنده ، فقال : إن يكن ما تقول حقاً فإنه نبي وسيملك ما تحت قدمي هاتين .
وكذلك من قدمنا ذكرهم من الأحبار والرهبان الذين عرفوه بنعته وصفته كما يعرفون أبناءهم.
قال تعالى: الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم ، وإن فريقاً منهم ليكتمون الحق وهم يعلمون قال تعالى: الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم الذين خسروا أنفسهم فهم لا يؤمنون ومعلوم أن هذه المعرفة إنما هي بالنعت والصفة المكتوبة عندهم التي هي منطبقة عليه ، كما قال بعض المؤمنين منهم : واله لحدنا أعرف به من ابنه ، إن أحدنا ليخرج من عند امرأته وما يدري ما يحدث بعده
الاشبيلي
28.10.2010, 09:33
مجمل الأدلة على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مذكور في الكتب القديمة
وإذا عرف هذا فالعلم بأنه صلى الله عليه وسلم مذكور في الكتب المتقدمة يعرف من وجوه متعددة.
أحدها: أخبار من قد ثبتت نبوته قطعاً بانه مذكور عندهم في كتبهم ، فقد أخبر به من قام الدليل القطعي على صدقه فيجب تصديقه فيه ، إذ تكذيبه والحالة هذه ممتنع لذاته ، هذا لو لم يعلم ذلك إلا من مجرد خبره فكيف إذا تطابقت الأدلة على صحة ما أخبر به .
الوجه الثاني : أنه جعل الإخبار به من أعظم أدلة صدقه وصحة نبوته ، وهذا يستحيل أن يصدر إلا من واثق كل الوثوق بذلك وأنه على يقين جازم به.
الثالث: أن المؤمنين به من الحبار والرهبان الذي آثروا الحق على البالط صدقوه في ذلك وشهدوا له بما قال.
الرابع: أن المكذبين والجاحدين لنبوته لم يمكنهم إنكار البشارة والإخبار بنبوة نبي عظيم الشأن صفته كذا وكذا وصفة أمته مخرجه وشأنه ، لكن جحدوا أن يكون هو الذي وقعت به البشارة وأنه نبي آخر غيره ، وعلموا هم والمؤمنون به من قومهم أنهم ركبوا متن المكابرة وامتطوا قارب البهت.
الخامس : أن كثيراً منهم صرح لخاصته وبطانته بأنه هو بعينه ، وأنه عازم على عداوته ما بقي ، كما تقدم.
السادس : أن إخبار النبي صلى الله عليه وسلم بأنه مذكور في كتبهم هو فرد من أفراد إخباراته بما عندهم في كتبهم من شأن أنبيائهم وقومهم وما جرى لهم وقصص النبياء المتقدمين وأممهم وشأن المبدأ والمعاد وغير ذلك مما أخبرت به الأنبياء ، وكل ذلك مما يعلمون صدقه فيه ومطابقته لما عندهم ، وتلك الإخبارات أكثر من أن تحصى ، ولم يكذبون يوماً واحداً في شئ منها ، وكانوا أحرص شئ على أن يظفروا منه بكذبة واحدة أو غلطة أو سهو فينادون بها عليه ، ويجدون بها السبيل إلى تنفير الناس عنه ، فلم يقل أحد منهم يوماً من الدهر أنه أخبر بكذا وكذا في كتبنا وهو كاذب فيه بل كانوا يصدقونه في ذلك وهم مصرون على عدم اتباعه ، وهذا من أعظم الأدلة على صدقه فيما أخبر به لو لم يعلم إلا بمجرد خبره.
السابع : أنه أخبر بهذا لأعدائه من المشركين الذين لا كتاب عندهم وأخبر به لأعدائه من أهل الكتاب وأخبر به لأتباعه ، فلو كان هذا باطلا لا صحة له ، لكان ذلك تسليطاً للمشركين أن يسألوا أهل الكتاب فينكرون ذلك وتسليطاً لأهل الكتاب على الإنكار وتسليطاً لأتباعه على الرجوع عنه والتكذيب له بعد تصديقه ، وذلك ينقض الغرض المقصود بإخباره من كل وجه ، وهذا لا يصدر من عاقل ولا مجنون، فهذه الوجوه يعلم بها صدق ما أخبر به وإن لم يعلم وجوده من ير جهة إخباره ، فكيف وقد علم وجود ما أخبر به؟
الثامن : أنه لو قدر أ،هم لم يعلموا بشارة الأنبياء به وإخبارهم بنعته وصفته لم يلزم أن لا يكونوا ذكروه وأخبروا به وبشروا بنبوته إذ ليس كل ما قاله الأنبياء المتقدمون وصل إلى المتأخرين وأحاطوا به علما وهذا مما يعلم بالاضطرار ، فكم من قول قد قاله موسى وعيسى ولا علم لليهود والنصارى به ، فإذا أخبر به من قام الدليل القطعي على صدقه لم يكن جهلهم به موجباً لرده وتكذيبه.
الاشبيلي
28.10.2010, 09:34
التاسع : أنه يمكن أن يكون في نسخ غير هذه النسخ التي بأيديهم فأزيل من بعضها ونسخت هذه مما أزيل منه.
وقولهم إن نسخ التوراة متفقة في شرق الأرض وغربها كذب ظاهر ، فهذه التوراة التي بأيدي السامرة تخالف هذه وهذه ، وهذه نسخ الإنجيل يخالف بعضها بعضاً ويناقضه .
فدعواهم : أن نسخ التوارة والإنجيل متفقة شرقاً وغرباً من البهت والكذب الذي يروجونه على أشباه الأنعام ، وان هذه التوارة التي بأيدي اليهود فيها من الزيادة والتحريف والنقصان م لا يخفى لى الراسخين في العلم ، وهم يعلمون قطعاً أن ذلك ليس في التوارة التي أنزلها الله لعى موسى ، وأن هذه الأناجيل التي بأيدي النصارى فيها من الزيادة والتحريف والنقصان ما لا يخفى على الراسخين في العلم .
وهم يعلمون قطعا أن ذلك ليس في الإنجيلالذي أنزله الله عل المسيح ، وكيف يكون في التوارة قصة موت موسى ودفنه في أرض موآب ؟ وكيف يكون في الإنجيل الذي أنزل على المسيح قصة صلبه وما جرى له ، وأنه أصابه كذا وكذا ، وصلب يوم كذا وكذا ، وأنه قام من القبر بعد ثلاث ، وغير ذلك مما هو من كلام شيوخ النصارى ، وغايته أن يكون من كلام الحواريين خلطوه بالإنجيل وسموا الجميع إنجيلاً ، وكذلك كانت الأناجيل عندهم أربعة يخالف بعضها بعضاً.
ومن بهتهم وكذبهم قولهم : أن التوارة التي بأيديهم وأيدي اليهود والسامرة سواء والنصارى لا يقرون أن الإنجيل منزل من عند الله على المسيح وأنه كلام الله : بل كل فرقهم مجمعون على أنها أربعة تواريخ ألفها أربعة رجال معروفون في أزمان مختلفة ولا يعرفون عن الإنجيل غير هذا : إنجيل ألفه (متى) تلميذ المسيح بعد تسع سنين من رفع المسيح وكتب بالعبرانية في بلد يهود بالشام.
وإنجيل ألفه مرقس الهاروني تلميذ شمعون بعد ثلاث وعشرين سنة من رفع المسيح ، وكتبه باليونانية في بلاد أنطاكية من بلاد الروم ، ويقولون أن شمعون المذكور هو ألفه ثم محى اسمه من أوله ونسب لى تلميذه مرقس.
وإنجيل ألفه (يوحنا) تلميذ المسيح بع ما رفع المسيح ببضع وستين سنة ، كتبه باليونانية.
وكل واحد من هذه الأربعة يسمونه الإنجيل ، وبينها من التفاوت والزيادة والنقصان ما يعلمه الواقف عليها ، وبين توراة السامرة واليهود والنصارى من ذلك ما يعلمه من وقف عليها.
فدعوى الكاذب الباهت أن نسخ التوراة والإنجيل متفقة شراً وغرباً بعداً وقرباً من أعظم الفرية والكذب ، وقد ذكر غير واحد من علماء الإسلام ما بينها من التفاوت والزيادة والنقصان والتناقض لمن أراد الوقوف عليه ولولا الإطالة وقصد ما هو اهم منه لذكرنا منه طرفاً كبيراً.
وقد وبخهم الله سبحانه وبكتهم على لسان رسوله بالتحريف والكتمان والإخفاء ، فقال تعالى : يا أهل الكتاب لم تلبسون الحق بالباطل وتكتمون الحق وأنتم تعلمون؟ وقال تعالى : إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون ، وقال تعالى : إن الذين يكتمون ما أنزل الله من الكتاب ويشترون به ثمناً قليلاً أولئك ما يأكلون في بطونهم إلا النار ، ولا يكلمهم الله يوم القيامة ، ولا يزكيهم ، ولهم عذاب أليم ، وقال تعالى : يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم كثيرا مما كنتم تخفون من الكتاب ويعفو عن كثير قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين * يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام ويخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه ويهديهم إلى صراط مستقيم .
الاشبيلي
28.10.2010, 09:35
وأما التحريف : فقد أخبر سبحانه عنهم في مواضع متعددة ، وكذلك لي اللسان بالكتاب ليحسبه السامع منه وما هو منه .
فهذه خمسة أمور:
أحدها : لبس الحق بالباطل وهو خلطه به بحيث لا يتميز الحق من الباطل.
الثاني : كتمان الحق.
الثالث : إخفاؤه وهو قريب من كتمانه.
الرابع : تحريف الكلم عن مواضعه ، وهو نوعان : تحريف لفظه وتحريف معناه.
الخامس : لي اللسان به ليلبس على السامع اللفظ المنزل بغيره وهذه الأمور إنما ارتكبوها لأغراض لهم دعته إلى ذلك .
فإذا عادوا الرسول وجحدوا نبوته وكذبوه وقاتلوه فهم إلى أن يجحدوا نعته وصفته ويكتموا ذلك ويزيلوه عن مواضعه ويتأولوه على غير تأويله أقرب بكثير ، وهكذا فعلوا ، لكن لكثرة البشارات وتهوعها غلبوا عن كتمانها وإخفائها فصاروا إلى تحريف التأويل وإزالة معناها عمن لا تصلح لغيره ، وجعلها لمعدوم لم يخلقه الله ولا وجود له البتة.
العاشر : أنه استشهد على صحة نبوته بعلماء أهل الكتاب ، وقد شهد له عدولهم فلا يقدح جحد الكفرة الكاذبين المعاندين بعد ذلك ، قال تعالى : ويقول الذين كفروا لست مرسلاً قل كفى بالله شهيداً بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب .
وقال تعالى : قل أرأيتم إن كان من عند الله وكفرتم به وشهد شاهد من بني إسرائيل على مثله فآمن واستكبرتم إن الله لا يهدي القوم الظالمين .
وقال تعالى وإن من أهل الكتاب لمن يؤمن بالله وما أنزل إليكم وما أنزل إليهم خاشعين لله لا يشترون بآيات الله ثمنا قليلاً أولئك لهم أجرهم عند ربهم إن الله سريع الحساب .
وقال تعالى : ذلك بأن منهم قسيسين ورهبانا وأنهم لا يستكبرون * وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول ترى أعينهم تفيض من الدمع مما عرفوا من الحق يقولون ربنا آمنا فاكتبنا مع الشاهدين .
وقال تعالى : الذين آتيناهم الكتاب من قبله هم به يؤمنون * وإذا يتلى عليهم قالوا آمنا به إنه الحق من ربنا إنا كنا من قبله مسلمين * أولئك يؤتون أجرهم مرتين بما صبروا ويدرؤون بالحسنة السيئة ومما رزقناهم ينفقون .
وإذا شهد واحد من هؤلاء لم يوزن به ملء الأرض من الكفرة ، ولا تعارض شهادته بجحود ملء الأرض من الكفار ، كيف والشاهد له من علماء أهل الكتاب أضعاف أضعاف المكذبين له منهم؟ وليس كل من قال من أشباه الحمير من عباد الصليب وأمة الغب : إنه من علمائهم فهو كذلك وإذا كان أكثر من يظن عوام المسلمين أنه من علمائهم ليس كذلك فما الظن بغيرهم؟ وعلماء أهل الكتاب إن لم يدخل فيهم من لم يعمل بعلمه فليس علماؤهم إلا من آمن به وصدقه، وإن دخل فيهم من علم ولم يعمل كعلماء السوء لم يكن إنكارهم لنبوته قادحاً في شهادة العلماء العاملين بعلمهم.
الاشبيلي
28.10.2010, 09:37
الحادي عشر : أنه لو قدر أنه لا ذكر لرسول الله صلى الله عليه وسلم بنعته ولا صفته ولا علامته في الكتب التي بأيدي أهل الكتاب اليوم لم يلزم من ذلك أن لا يكون مذكوراً في الكتب التي كانت بأيدي أسلافهم وقت متعثه ولا تكون اتصلت على وجهها إلى هؤلاء ، بل حرفها أوئك وبدلوا وكتموا ، وتواصوا وكتبوا ما أرادوا ، وقالوا هذا من عند الله ، ثم اشتهرت تلك الكتب وتناقلها خلفهم عن سلفهم ، فصارتالمغيرة المبدلة هي المشهورة والصحيحة بينهم خفية جداً ولا سبيل إلى العلم لاستحالة ذلك ، بل هو في غاية الإمكان ، فهؤلاء السامرة غيروا مواضع من التوراة ثم اشتهرت النسخ المغيرة عند جميعهم فلا يعرفون سواها وهجرت بينهم الصحيحة بالكلية ، وكذلك التوراة التي بأيدي النصارى ، وهكذا تبدل الأديان والكتب ولولا أن الله سبحانه تولى حفظ القرآن بنفسه وضمن للأمة أن لا تجتمع على ضلالة لأصابه ما أصاب الكتب قبله ، قال تعالى : إنا نحن نزلنا الذكروإنا له لحافظون.
الثاني عشر : أنه من الممتنع أن تخلو الكتب المتقدمة عن الإخبار بهذا الأمر العظيم الذي لم يطرق العالم من حين خلق إلى قيام الساعة أمر أعظم منه ولا شأن أكبر منه ، فإنه قلب العالم وطبق مشارق الأرض ومغاربها ، واستمر على العالم على تعاقب القرون وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها ، ومثل هذا النبأ العظيم لا بد أن تتطابق الرسل على الإخبار به.
وإذا كان الدجال رجل كاذب يخرج في آخر الزمان وبقاؤه في الأرض أربعين يوماً قد تطابقت الرسل على الإخبار به وأنذر به كل نبي قومه من نوح إلى خاتم الرسل فكيف تتطابق الكتب الإلهية من أولها إلى آخرها على السكوت عن الإخبار بهذاالأمر العظيم الذي لم يطرق العالم أمر أعظم منه ولا يطرقه أبداً.
هذا ما لا يسوغه عقل عاقل وتأباه حكمة أحكم الحاكمين ، بل المر بضد ذلك ، وما بعث الله سبحانه نبيا إلا أخذ عليه الميثاق بالإيمان بمحمد وتصديقه ، كما قال تعالى : وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمةثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه قال أأقررتم وأخذتم على ذلكم إصريقالوا أقررنا قال فاشهدوا وأنا معكم من الشاهدين، قال ابن عباس : ما بعث الله من نبي إلا أخذ عليه الميثاق لئن بعث محمد وهو حي ليؤمنن به ولينصرنه ، وأمره أن يأخذ الميثاق على أمته لئن بعث محمد وهم أحياء ليؤمنن به وليتابعنه
يتبع
..........
هبة الرحمن
28.10.2010, 20:09
قراءات رائعة ومفيدة كثيرا
بارك الله فى الأخ الفاضل الاشبيلى
رفع الله قدركم ونفع بكم
الاشبيلي
11.11.2010, 08:48
نواصل باذن الله
فصل نص بعض النبوءات عن النبي محمد صلى الله عليه وسلم في الكتب السالفة
فصـل
نصوص من التوراة
(الوجه الأول) : قوله تعالى في التوارة سأقيم لبني أسرائيل نبياً من إخوتهم مثلك أجعل كلامي في فيه ويقول لهم ما آمره به والذي لا يقبل قول ذلك النبي الذي يتكلم باسمي أنا أنتقم منه ومن سبطه.
فهذا النص مما لا يمكن أحداً منهم جحده وإنكاره : ولكن لأهل الكتاب فيه أربعة طرق : أحدها حمله على المسيح وهذه طريقة النصارى ، وأما اليهود فلهم فيه ثلاثة طرق :
أحدها أنه على حذف أداة الاستفهام ، والتقدير أقيم لبني إسرائيل نبياً من إخوتهم أي لا أفعل هذا ، فهو استفهام إنكار حذفت منه أداة الاستفهام.
الثاني أنه خبر ووعد ولكن المراد به شمويل النبي فإنه من بني إسرائيل ، والبشارة إنما وقعت ببني من إخوتهم ، وإخوة القوم ثم بنو أبيهم ، وهم بنو إسرائيل.
الثالث أنه نبي يبعثه الله في آخر الزمان يقيم به ملك اليهود ويعلو به شأنهم وهم ينتظرونه إلى الآن.
وقال المسلمون : البشارة صريحة في النبي صلى الله عليه وسلم العربي الأمي محمد بن عبد الله صلوات الله وسلامه عليه لا يحتمل غيره ، فإنها إنما وقعت ببني من إخوة بني إسرائيل لا من بني إسرائيل نفسهم ، والمسيح من بني إسرائيل ، فلو كان المراد بها هو المسيح لقال أقيم لهم نبياً من أنفسهم ، كما قال تعالى : لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم ، وأخوة بني إسرائيل هم بنو إسماعيل ، ولا يعقل في لغة أمة من الأمم أن بني إسرائيل هم إخوة بني إسرائيل ، كما ، إخوة زيد لا يدخل فيهم زيد نفسه.
وأيضا فإنه قال نبي مثلك وهذا يدل على أنه صاحب شريعة عامة مثل موسى ، وهذا يبطل حمله على شمويل من هذا الوجه أيضاً ، ويبطل حمله على يوشع من ثلاثة أوجه
أحدها أنه من بني إسرائيل لا من إخوتهم ، الثاني أنه لم يكن مثل موسى ، وفي التوارة: لا يقوم في بني إسرائيل مثل موسى ، الثالث أن يوشعنبي في زمن موسى ، وهذا الوعد إنما هو ببني بقيمه الله بعد موسى.
وبهذه الوجوه الثلاثة يبطل حمله على هارون ، مع أن هارون توفى قبل موسى ، ونبأه الله مع موسى في حياته ، ويبطل ذلك من وجه رابع أيضاً وهو : أن في هذه البشارة أنه ينزل عليه كتاباً يظهر للناس من فيه وهذا لم يكن لأحد بعد موسى غير النبي صلى الله عليه وسلم ، وهذا من علامات نبوته التي أخبرت بها الأنبياء المتقدمون ، قال تعالى : وإنه لتنزيل رب العالمين * نزل به الروح الأمين * على قلبك لتكون من المنذرين * بلسان عربي مبين * وإنه لفي زبر الأولين * أو لم يكن لهم آية أن يعلمه علماء بني إسرائيل .
فالقرآن نزل على قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم وظهر للأمة من فيه ، ولا يصح حمل هذه البشارة على قلب المسيح باتفاق النصارى لأنها إنما جاءت بواحد من إخوة بني إسرائيل ، وبنو إسرائيل وإخوتهم كلهم عبيد ليس فيهم إله ، والمسيح عندهم إله معبود ، وهو أجل عندهم من أن يكون من إخوة العبيد ، والبشارة وقعت بعبد مخلوق يقيمه الله من جملة عبيده وأخوتهم ، وغايته أن يكون نبياً لا غاية له فوقها وهذا ليس هو المسيح عند النصارى.
وأما قول المحرفين لكلام الله : إن ذلك على حذف ألف الاستفهام وهو استفهام إنكار والمعنى لا أقيم لبني إسرائيل نبياً .
فتلك عادة لهم معروفة في تحريف كلام الله عن مواضعه والكذب على الله ، وقولهم لما يبدلونه ويحرفونه هذا من عند الله .
وحمل هذا الكلام على الاستفهام والإنكار غاية ما يكون من التحريف والتبديل ، وهذا التحريف والتبديل من معجزات النبي صلى الله عليه وسلم التي أخبر بها عن الله من تحريفهم وتبديلهم ، فأظهر الله صدقه في ذلك لكل ذي لب وعقل ، فازداد إيماناً إلى إيمانه ، وازداد الكافرون رجساً إلى رجسهم.
الاشبيلي
11.11.2010, 08:53
(الوجه الثاني) : قال فيالتوراةفي (السفر الخامس) : أقبل الله من سيناء ، وتجلى من ساعير ، وظهر من جبال فاران ، ومعه ربوات الأطهار عن يمينه
وهذه متضمنة للنبوات الثلاثة : نبوة موسى ، ونبوة عيسى ، ونبوة محمد صلى الله عليه وسلم ، فمجيئه من سينا وهو الجبل الذي كلم الله عليه موسى ونبأه عليه إخبار عن نبوته ، وتجليه من ساعير هو مظهر المسيح من بيت المقدس.
وساعير : قرية معروفة هناك إلى اليوم ،وهذه بشارة بنبوة المسيح.
وفاران : هي مكة ، وشبه سبحانه نبوة موسى بمجئ الصباح، ونبوة المسيح بعدها بإشراقه وضيائه ، ونبوة خاتم الأنبياء بعدهما باستعلاء الشمسوظهور ضوءها في الآفاق ، ووقع الأمر كما أخبر به سواء ، فإن الله
سبحانه صدع بنبوة موسى ليل الكفر فأضاء فجره بنبوته ، وزاد الضياء والإشراق بنبوة المسيح ، وكمل الضياء واستعلن وطبق الأرض بنبوة محمد صلوات الله وسلامه عليهم
وذكر هذه النبوات الثلاثة التي اشتملت عليها هذه البشارة نظير ذكرها في أول سورة والتين والزيتون * وطور سينين * وهذا البلد الأمينفذكر أمكنة هؤلاء الأنبياء وأرضهم التي خرجوا منها ، والتين والزيتون: والمراد بهما منبتهما وأرضهما وهي الأرض المقدسة التي هي مظهر المسيح ، وطور سينينالذي كلم الله عليه موسى فهو مظهر نبوته ، وهذا البلد الأمين: مكة حرم الله وأمنه التي هي مظهر نبوة محمد صلوات الله وسلامه عليهم.
فهذه الثلاثة نظير تلك الثلاثة سواء قالت اليهود فاران هي أرض الشام وليست أرض الحجاز أم لم تقل
إليكم صورة لخريطة مرسومة بخط اليد ونشرت عام 1685 بباريس عن منطقة شبه الجزيرة العربية
أنظروا إلى سلسلة الجبال التي وضعت شكلا بيضاويا حولها في نفس الصورة ... هنا
http://img528.imageshack.us/img528/6541/23septarabia4cg4.png
المصدر :
http://www.oldmapsbooks.com/MapPage/...2375arabia.htm (http://www.oldmapsbooks.com/MapPage/...2375arabia.htm)
من موضوع للاخت الفاضلة زهراء
http://www.kalemasawaa.com/vb/t4204.html.
ويقال لهؤلاء المكابرين : أي نبوة خرجت من الشام فاستعلت استعلاء ضياء الشمس، وظهرت فوق ظهور النبوتين قبلها ؟! وهل هذا إلا بمنزلة مكابرة من يرى الشمس قد طلعت من المشرق فيغالط ويكابر ويقول بل طلعت من المغرب !!.
قال : وليس بين المسلمين وأهل الكتاب خلاف في أن فاران هي مكة ، فإن ادعوا أنها غير مكة فليس ينكر ذلك من تحريفهم وإفكهم ، قلنا أليس في التوراة أن ابراهيم أيكن هاجر واسماعيل فاران ؟! وقلنا دلونا على الموضع الذي استعلن الله منه وسامه فاران ، والنبي الذي أنزل عليه كتاباً بعد المسيح؟! أوليس استعلن وعلن بمعنى واحد ، وهما ظهر وانكشف فهل تعلمون ديناً ظهر ظهور دين الإسلام وفشا في مشارق الأرض ومغاربها فشوة ؟! قال علماء الإسلام وساعير جبال بالشام منه ظهور نبوة المسيح ، وإلى جانبه قرية بيت لحم ، القرية التي ولد فيها المسيح تسمى اليوم ساعير ولها جبال تسمى ساعير وفي التوراة أن نسل العيص كانوا سكاناً بساعير ، وأمر الله موسى أن لا يؤذيهم .
قال شيخ الإسلام : وعلى هذا فيكون قد ذكر الجبال الثلاثة حراء الذي ليس حول مكة أعلى منه ، وفيه ابتدئ رسول الله صلى الله عليه وسلم بنزول الوحي عليه ، وحوله جبال كثيرة ، وذلك المكان يسمى فاران إلى هذا اليوم ، والبرية التي بين مكة وطور سيناء تسمى برية فاران ، ولا يمكن أحداً أن يدعي أنه بعد المسيح نزل كتاب في شئ من تلك الأرض ولا بعث نبي فعلم أنه ليس المراد باستعلانه من جبال فاران إلا إرلاسال محمد صلى الله عليه وسلم ، وهو سبحانه ذكر هذا في التوراة على ترتيب الزمان ، فذكر إنزال التوراة ثم الإنجيل ثم القرآن وهذه الكتب نور الله وهداه ، وقال في الأول :جاء وظهر ، وفي الثاني أشرق ، وفي الثالث استعلن فكان مجئ التوراة مثل طلوع الفجر ، ونزول الإنجيل مثل إشراق الشمس ، ونزول القرآن بمنزلة ظهور الشمس في السماء ، ولهذا قال واستعلن من جبال فاران فإن محمداً صلى الله عليه وسلم ظهر به نور اله وهداه في مشرق الأرض ومغربها أعظم مما ظهر بالكتابين المتقدمين كما يظهر نور الشمس في مشارق الأرض ومغاربها إذا استعلت وتوسطت السماء ، ولهذا سماه الله سراجاً منيراً وسمى الشمس سراجاً وهاجاً والخلق يحتاجون إلى السراج المنير أعظم من حاجتهم إلى السراج الوهاج ، فإن هذا يحتاجون إليه في وقت دون وقت ، وأما السراج المنير فيحتاجون إليه كل وقت وفي كل مكان ليلاً ونهاراً سراً وعلانية.
وقد ذكر الله تعالى هذه الأماكن الثلاثة في قوله : والتين والزيتون * وطور سينين * وهذا البلد الأمين (فالتين والزيتون) هو في الأرض المقدسة التي بعث منها المسيح ، وأنزل عليه فيها الإنجيل (وطور سينين) وهو الجبل الذي كلم الله عليه موسى تكليماً وناداه من واديه الأيمن من البقعة المباركة من الشجرة التي فيه ، وأقسم (بالبلد الأمين) وهو مكة التي أسكن إبراهيم وإسماعيل وأمه فيه وهو فاران كما تقدم ، ولما كان ما في التوراة خبراً عن ذلك أخبر به لعى الترتيب الزماني ، فقد الأسبق ، ثم الذي يليه ، وأما القرآن فإنه أقسم بها تعظيماً لشأنها وإظهاراً لقدرته وآياته وكتبه ورسله ، فأقسم بها على وجه التدريج درجة بعد درجة بعد درجة ، فبدأ بالعالي ، ثم انتقل إلى أعلا منه ، ثم أعلا منهما ، فإن أشرف الكتب القرآن ، ثم التوراة ، ثم الإنجيل ، وكذلك الأنبياء.
وهذا الذي ذكره ابن قتيبة وغيره من علماء المسلمين من تأمل التوراة وجدها ناطقة به صريحة فيه ، فإن فيها وعد ابراهيم بأخذ الغلام وأخذ خبزاً وسقاء من ماء ودفعه إلى هاجر وحمله عليها ، وقال لها اذهبي ، فانطلقت هاجر ، ونفذ الماء الذي كان معها ، فطرحت الغلام تحت شجرة ، وجلست مقابلته على مقدار رمية الحجر لئلا تبصر الغلام حين يموت ، ورفعت صوتها بالبكاء ، وسمع اله صوت الغلام حيث هو ، فقال لها الملك : قومي فاحملي الغلام وشدي يدك فإني جاعله لأمة عظيمة ، فتح الله عينيها فبصرت ببئر ماء فسقت الغلام وملأت سقاها ، وكان اله مع الغلام فتربى وسكن في برية فاران.
فهذا نص التوراة أن غسماعيل ربى وسكن في برية فاران بعد أن كاد يموت من العطش ، وأن الله سقاه من بئر ماء ، قد علم بالتواتر واتفاق الأمم أن اسماعيل إنما ربى بمكة، وهو وأبوه ابراهيم نبيا البيت ، فعلم قطعاً أن فاران هي أرض مكة.
ومثل هذه البشارة من كلام شمعون فيما قبلوه ورضوا ترجتمع جاء الله من جبال فاران ، وامتلأت السموات والأرض من تسبيحه وتسبيح أمته ولم يخرج أحد من جبال فاران التي امتلأت السموات والأرض من تسبيحه وتسبيح أمته سوى محمد صلى الله عليه وسلم : فإن المسيح لم يكن بأرض فاران البتة ، وموسى إنما كلم من الطور ، والطور ليس من أرض فاران ، وإن كانت البرية التي بين مكة والطور تسمة برية فاران فلم ينزل الله فيها التوراة وبشارة التوراة قد تقدمت بجبل الطور ، وبشارة الإنجيل بجبل ساعير.
ونظير هذا ما نقلوه ورضوا ترجمته ف نبوة حبقوق جاء الله من التيمن، وظهر القدس على جبال فاران ، وامتلأت الأرض من تحميد أحمد ، وملك بيمينه رقاب الأمم ، وأنارات الأرض لنوره ، وحملت خيله في البحر.
الاشبيلي
11.11.2010, 08:56
)الوجه الثالث): قال في التوراة في (السفر الأول): إن الملك ظهر لهاجر أم اسماعيل ، فقال : يا هاجر من أي اقبلت ؟ والى أين تريدين ؟ فلما شرحت له الحال قال : ارجعي فإني سأكثر ذريتك وزرعك حتى لا يحصون كثرة ، وها أنت تحبلين وتلدين ابناً اسمه اسماعيل لأن الله قد سمع تذللك وخضوعك وولدك يكون وحش الناس وتكون يده على الكل ويد الكل مبسوطة إليه بالخضوع
وهذه بشارة تضمنت أن يد ابنها على يد كل الخلائق ، وأن كلمته العليا وأن أيدي الخلق تحت يده ، فمن هذا الذي ينطبق عليه هذا الوصف سوى محمد بن عبد الله صلوات الله وسلامه عليه؟!.
وكذلك في السفر الأول من التوراة: أن الله قال لإبراهيم إني جاعل ابنك إسماعيل لأمة عظيمة إذ هو من زرعك وهذه بشارة بمن جعل من ولده لأمة عقيمة ، وليس هو سوى محمد بن عبد الله الذي هو من صميم ولده ، فإنه جعل لأمة عظيمة
. ومن تدبر هذه البشارة جزم بأن المراد بها رسول الله صلى الله عليه وسلم لأن اسماعيل لم تكن يده فوق يد اسحاق قط، وكانت يد اسحاق مبسوطة اليه بالخضوع ، وكيف يكون ذلك وقد كانت النبوة والملك في اسرائيل وعيسى ، وهما ابنا اسحاق.
فلما بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم وانتقلت النبوة إلى ولد اسماعيل ودانت له الأمم وخضعت له الملوك وجعل خلافة الملك إلى أهل بيته إلى آخر الدهر وصارت أيديهم فوق أيدي الجميع مبسوطة إليهم بالخضوع
وكذلك في التوراة في (السفر الأول) : إن الله تعالى قال لإبراهيم إن في هذا العام يولد لك ولد اسمه اسحاق ، فقال إبراهيم ليت إسماعيل هذا يحيى بين يديك يمجدك ، فقال الله تعالى قد استجبت لك في إسماعيل وإني أباركه وأنمه وأعظمه جداً بما قد استجبت فيه ، وإني أصيره إلى أمة كثيرة وأعطيه شعباً جليلاً.
والمراد بهذا كله الخارج من نسله ، فإنه هو الذي عظمه الله جداً جداً وصيره إلى أمة كثيرة وأعطاه شعباً جليلاً ، ولم يأت من صلب إسماعيل من بورك وعظم وانطبقت عليه هذه العلامات غير رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأمته ملأوا الآفاق وأربوا في الكثرة على نسل إسحاق.
الاشبيلي
11.11.2010, 08:57
الوجه الرابع) : قال في التوراة في )السفر الخامس) : قال موسى لبني إسرائيل لا تطيعوا العرافين ولا المنجمين ، فسيقيم لكم الرب نبياً من إخوتكم مثلي ، فأطيعوا ذلك النبي ولا يجوز أن يكون هذا النبي الموعود به من أنفس بني إسرائيل لما تقدم أن أخوة القوم ليسوا أنفسهم ، كما يقول بكر وتغلب ابنا وائل ، ثم يقول تغلب أخوة بكر وبنو بكر أخوة بني تغلب ، فلو قلت : أخوة بني بكر بنو بكر كان محالاً ، ولو قلت لرجل أتيني برجل من أخوة بني بكر بن وائل لكان الواجب أن يأتيك برجل من بني تغلب بن وائل لا بواحد من بني بكر
الاشبيلي
11.11.2010, 08:58
فصـل نصوص من الإنجيل
(الوجه الخامس) : ما في الإنجيل إن المسيح قال للحواريين : إني ذاهب وسيأتيكم الفار قليط روح الحق ، لا يتكلم من قبل نفسه ، إنما هو كما يقال له ، وهو يشهد على وأنتم تشهدون لأنكم معي من قبل الناس ، وكل شئ أعده الله لكم يخبركم به
فصـل
نصوص خاصة بكلمة فارقليط
وفي إنجيل يوحنا : الفار قليط لا يجيئكم ما لم أذهب ، وإذا جاء وبخ العالم على الخطيئة ، ولا يقول من تلقاء نفسه ولكنه مما يسمع به ، ويكلمكم ويسوسكم بالحق ويخبركم بالحوادث والغيوب.
وفي موضع آخر : إني سائل له أن يبعث إليكم فار قليطا أخر يكون معكم إلى الأبد وهو يعلمكم كل شئ.
وفي موضع آخر : ابن البشر ذاهب والفار قليط من بعده يجئ لكم بالأسرار ويفسر لكم كل شئ وهو يشهد لي كما شهدت له فإني أجيئكم بالأمثال وهو يأتيكم بالتأويل .
قال أبو محمد بن قتيبة : وهذه الأشياء على اختلافها متقاربة وإنما اختلفت لن من نقلها عن المسيح صلى الله عليه وسلم في الإنجيل من الحواريين عدة والفار قليط بلغتهم لفظ من ألفاظ الحمد ، إما أ،مد أو محمد أو محمود أو حامد أو نحو ذلك ، وهو في الإنجيل الحبشي : برنعطيس.
وفي موضع آخر : إن كنتم تحبوني فاحفظوا وصاياي ، وأنا أطلب من الأب أن يعطيكم فار قليطاً آخر يثبت معكم إلى الأبد ويتكلم بروح الحق الذي لم يطق العالم أن يقبلوه لنهم لم يعرفوه ولست أدعكم أيتاماً إني سآتيكم عن قريب.
وفي موضع آخر : ومن يحبني نحفظ كلمتي وأبي يحبه وإليه يأتي وعنده يتحد المنزل ، كلمتكم بهذا لأني لسب عندكم مقيماً ، والفار قليط روح الحق الذي يرسله أبي هو يعلمكم كل شئ ، وهو يذكركم كل ما قلته لكم ، استودعتكم سلامي ، لا تقلق قلوبكم ولا تجزع فإني منطلق وعائد إليكم ، لو كنت تحبوني كنتم تفرحون ، فإن ثبت كلامي فيكم كان لكم كل ما تريدون.
وفي موضع آخر : إذا جاء الفار قليط الذي أبي يرسله روح الحق الذي أبي يشهد لي ، قلت لكم حتى إذا كان تؤمنون ولا تشكون فيه.
الاشبيلي
11.11.2010, 08:59
وفي موضع آخر : إن لي كلاماً كثيراً أريد أن أقوله لكم ولكنكم لا تستطيعون عمله ، لكن إذا جاء روح الحق ذاك يرشدكم إلى جميع الحق ، لأنه ليس ينطق من عنده بل يتكلم بما يسمع ، ويخبركم بكل ما يأتي ويعرفكم جميع ما للأب.
قال يوحنا : قال المسيح : إن أركون العالم سيأتي وليس له في شئ.
قال متى قال المسيح : ألم تروا أن الحجر الذي أخره البناؤون صار أساً للزاوية من عند الله ، كان هذا وهو عيب في أعيننا ، ومن أجل ذلك أقول لكم أن ملكوت الله سيؤخذ منكم ويدفع إلى أمة أخرى تعطي ثماره ، ومن سقط على هذا الحجر ينشدخ ، وكل من سقط هو عليه يمحقه.
(في معنى كلمة الفار قليط) وقد اختلف في الفار قليط في لغتهم فذكروا فيه أقوالاً ترجع إلى ثلاثة: أحدها أنه الحامد والحماد أو الحمد كما تقدم ، ورججت طائفة هذا القول ، وقال الذي يقوم عليه البرهان في لغتهم أنه الحمد .
والدليل عليه قول يوشع: من عمل حسنة يكون له فار قليط جيد.
أي حمد جيد.
الاشبيلي
11.11.2010, 09:00
والقول الثاني : وعليه أكثر النصارى أنه المخلص والمسيح نفسه يسمونه المخلص ، قالوا وهذه كلمة سريانية ومعناها المخلص ، قالوا : وهو بالسريانية فاروق فجعل (فارق) ، قالوا و(ليط) كلمة تزاد ، ومعناها كمعنى قول العرب : رجل هو ، وحجر هو ، وفرس هو .
قالوا : فكذلك معنى (ليط) في السريانية.
وقالت طائفة أخرى من النصارى : معناه بالسريانية المعزي قالوا وكذلك هو في اللسان اليوناني .
ويعترض على هذين القولين بأن المسيح لم يكن لغته سريانية لا يونانيةبل عبرانية ، وأجيب عن هذا بأنه يتكلم بالعبرانية ، والإنجيل إنما نزل باللغة العبرانية وترجم عنه بلغة السريانية والرومية واليونانية وغيرهما، وأكثر النصارى على أنه المخلص ، والمسيح نفسه يسمونه المخلص ، وفي الإنجيل الذي بأيديهم أنه قال : إنما أتيت لأخلص العالم والنصارى يقولون ي صلاتهم : لقد ولدت لنا مخلصاً.
ولما لم يمكن النصارى إنكار هذه النصوص حرفوها أنواعاً من التحريف ، فمنهم من قال : هو روح نزلت عل الحواريين ، ومنهم من قال : هو السن نارية نزلت من السماء على التلاميذ ففعلوا بها الآيات والعجائب ، ومنهم من يزعم أنه المسيح نفسه لكونه جاء بعد الصلب بأربعين يوماً وكونه قام من قبره ، ومنهم من قال لا يعرف ما المراد بهذا الفار قليط ولا يتحقق لنا معناه.
الاشبيلي
11.11.2010, 09:01
ومن تأمل ألفاظ الإنجيل وسياقها علم أن تفسيره بالروح باطل ، وأبطل منه تفسيره بالألسن النارية ، وابطل منهما تفسيره بالمسيح ، فإن روح القدس ما زالت تنزل على الأنبياء والصالحين قبل المسيح وبعده وليست موصوفة بهذه الصفات وقد قال تعالى : لا تجد قوماً يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم أولئك كتب في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه .
وقال النبي صلى الله عليه وسلم لحسان بن ثابت لما كان يهجو المشركين : اللهم أيده بروح القدس .
وقال : إن روح القدس معك ما زلت تنافح عن نبيه .
وإذا كان كذلك ولم يسم أحد هذه الروح فار قليطاً علم أن الفار قليط أمر غير هذا.
وأيضاً فمثل هذه الروح لا زالت يؤيد بها الأنبياء والصالحون وما بشر به المسيح ووعد به أمر عظيم يأتي بعده أعظم من هذا.
وأيضاً فإنه وصف الفار قليط بصفات لا تناسب هذا الروح وإنما تناب رجلاً يأتي بعده نظيراً له ، فإنه قال : إن كنتم تحبوني فاحفظوا وصاياي وأنا أطلب من الأب أن يعطيكم فار قليطاً آخر يثبت معكم إل الأبد فقوله فار قليطاً آخر دل على أنه ثان لأول كان قبله ، وأنه لم يكن معهم في حية المسيح وإنما يكون بعد ذهابه وتوليه عنهم.
وأيضاً فإنه قال : يثبت معكم إلى البد وهذا إنما يكون لما يدوم ويبقى معهم إلى آخر الدهر ومعلوم أنه لم يرد بقاء ذاته بقاء شرعه وأمره ، والفار قليط الأول لم يثبت معهم شرعه ودينه إلى البد ، وهذا يبين أن الثاني صاحب شرع لا ينسخ بل يبقى إلى الأبد بخلاف الأول ، وهذا إنما ينطبق على محمد صلى الله عليه وسلم.
وأيضاً فإنه أخبر أن هذا الفار قليط الذي أخبر به ويشه له ويعلمهم كل شئ وأنه يذكر لهم كل ما قال المسيح وأنه يوبخ العالم على خطيئته فقال : والقار قليط الذي يرسله أبي هو يعلمكم كل شئ وهو يذكركم كل ما قلت لكم ، وقال إذا جاء الفار قليط الذي أبي يرسله هو يشهد أني قلت لكم هذا حتى إذا كان تؤمنون به ، ولا تشكوا فيه ، وقال أن خيراً لكم أن أنطلق إلى أبي ، إن لم أذهب لم يأتكم الفار قليط ، فإذا انطلقت أرسلته إليكم ، فهو يوبخ العالم على الخطيئة ، فإنه لي كلاماً كثيراً أريد أن أقوم لكم ولكنكم لا تستطيعون حمله لكن إذ جاء روح الحق ذاك الذي يرشدكم إلى جميع الحق ، لأنه ليس ينطق من عنده نفسه بل يتكلم بما يسمع ويخبركم بكل ما يأتي ويعرفكم جميع ما للأب.
الاشبيلي
11.11.2010, 09:02
فهذه الصفات والنعوت التي تلقوها عن المسيح لا تنطبق على أمر معنوي في قلب بعض الناس لا يراه أحد ولا يسمع كلامه .
ونما تنطبق على من يراه الناس ويسمعون كلامه ، فيشهد للمسيح ، ويعلمهم كل شئ ، ويذكرهم بكل ما قال لهم المسيح ، ويوبخ العالم على الخطيئة ، ويرشد الناس إلى جميع الحق ، ولا ينطق من عنده بل يتكلم بما يسمع ، ويخبرهم بكل ما يأتي ، ويعرفهم جميع ما لرب العالمين وهذا لا يكون ملكاً لا يراه أحد ولا يكون هدى وعلماً في قلب بعض الناس.
ولا يكون إلا إنساناً عظيم القدر يخاطب بما أخبر به المسيح ، وهذا لا يكون إلا بشراً رسولاً ، بل يكون أعظم من المسيح ، فإن المسيح أخبر أنه يقدر على ما لا يقدر عليه المسيح ، ويعلم ما لا يعلمه المسيح ، ويخبر بكل ما يأتي وبما يستحق الرب حيث قال : إن لي كلاماً كثيراً أريد أن أقوله ولكنكم لا تستطيعون حمله ، ولكن إذا جاء روح الحق ذاك الذي يرشدكم إل جميع الحق ، لأنه ليس ينطق من عنده بل يتكلم بما يسمع ويخبركم بكل ما يأتي ، ويعرفكم جميع ما للأب.
فلا يستريب عاقل أن هذه الصفات لا تنطبق إلا على محمد صلى الله عليه وسلم ، وذلك لأن الإخبار عن الله بما هو متصف به من الصفات وعن ملائكته وعن ملكوته وعما أعده في الجنة لأوليائه وفي النار لأعدائه أمر لا تحتمل عقول أكثر الناس معرفته على التفصيل .
قال علي رضي الله عنه: حدثوا الناس بما يعرفون ودعوا ما ينكرون ، أتريدون أن يكذب الله ورسوله.
وقال بان مسعود : ما من رجل يحدث قوماً بحديث لا تبلغه عقولهم إلا كان فتنة لبعضهم.
وسأل رجل ابن عباس عن قوله تعالى: الذي خلق سبع سماوات ومن الأرض مثلهن يتنزل الأمر بينهن قال : ما يؤمنك أن لو أخبرتك بها لكفرت .
يعني لو اخبرتك بتفسيرها لكفرت بها وكفرك بها تكذيب بها.
فقال لهم المسيح : إن لي كلاماً كثيراً أريد أن أقوله لكم ولكنكم لا تستطيعون حمله وهو الصادق المصدوق في هذا ، ولهذا ليس في الإنجيل من صفات اله تعالى وصفات ملكوته وصفات اليوم الآخر إلا أمور مجملة ، وكذلك التوراة ليس فيها من ذكر اليوم الآخر إلا أمور مجملة ، مع أن موسى صلى الله عليه وسلم كان قد سهل الأمر للمسيح ، ومع هذا فقد قال لهم المسيح: إن لي كلاماً كثيراً أريد أن أقوله لكم ولكنكم لا تستطيعون حمله.
الاشبيلي
11.11.2010, 09:03
ثم قال : ولكن إذا جاء روح الحق فذاك الذي يرشدكم إلى جميع الحق ، وإنه يخبركم بكل ما يأتي ، وبجميع ما للرب فدل هذا على أن الفار قليط هو الذي يفعل هذا دون المسيح وكذلك كان فإن محمداً صلى الله عليه وسلم أرشد الناس إلى جميع الحق حتى أكمل الله به الدين وأتم به النعمة ، ولهذا كان خاتم الأنبياء فإنه لم يبق نبي يأتي بعده غيره ، وأخبر محمد صلى الله عليه وسلم بكل ما يأتي من أشراط الساعة والقيامة والحساب والصراط ووزن الأعمال ، والجنة وأنواع نعيمها ، والنار وأنواع عذابها، ولهذا كان في القرآن تفصيل أمر الآخرة وذكر الجنة والنار وما يأتي أمور كثيرة لا توجد لا في التوراة ولا في الإنجيل ، وذلك تصديق قول المسيح أنه يخبر بكل ما يأتي ، وذلك يتضمن صدق المسيح وصدق محمد صلى الله عليه وسلم.
وهذا معنى قوله تعالى : إنهم كانوا إذا قيل لهم لا إله إلا الله يستكبرون * ويقولون أإنا لتاركوا آلهتنا لشاعر مجنون * بل جاء بالحق وصدق المرسلين .
أي : مجيئه تصديق للرسل قلبه ، فإنهم أخبروا بمجيئه فجاء كما أخبروا به ، فتضمن مجيئه تصديقهم ، ثم شهد هو بصدقهم فصدقهم بقوله ومجيئه ، ومحمد صلى الله عليه وسلم بعثه الله بين يدي الساعة كما قال : بعثت أنا والساعة كهاتين وأشار بإصبعيه السبابة والوسطى وكان إذا ذكر الساعة علا صوته واحمر وجهه واشتد غضبه ، وقال : أنا النذير العريان .
فأخبر من الأمور التي تأتي في المستقبل بما لم يأت به نبي من الأنبياء كما نعته به المسيح حيث قال : أنه يخبركم بكل ما يأتي ولا يوجد مثل هذا أصلاً عن أحد من الأنبياء قبل محمد صلى الله عليه وسلم فضلاً عن أن يوجد عن شئ نزل على قلب بعض الحواريين.
وأيضاً فإنه قال : ويعرفكم جميع ما للرب فبين أنه يعرف الناس جميع ما لله، وذلك يتناول ما لله من الأسماء والصفات وما له من الحقوق وما يجب من الإيمان به وملائكة وكتبه ورسله بحيث يكون يأتي به جامعاً لما يستحقه الرب، وهذا لم يأت به غير محمد-صلى الله عليه وسلم- فإنه تضمن ما جاء به من الكتاب والحكمة.
وأيضاً فإن المسيح قال: إذا جاء الفارقليط الذي يرسله أبي فهو يشهد لي، قلت لكم هذا حتى إذا كان تؤمنوا به، فأخبر أنه أشهد له، وهذه صفة نبي بشر به المسيح ويشهد للمسيح، كما قال تعالى: وإذ قال عيسى ابن مريم يا بني إسرائيل إني رسول الله إليكم مصدقا لما بين يدي من التوراة ومبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد .
وأخبر أنه يوبخ العالم على الخطيئة، وهذا يستحيل حمله على معنى يوم بقلب الحواريين فإنهم آمنوا به وشهدوا له قبل ذهابه فكيف يقول إذا جاء فإنه يشهد لي ويوصيهم بالإيمان به ؟ أفترى الحواريين لم يكونوا مؤمنين بالمسيح فهذا من أعظم جهل النصارى وضلالهم.
الاشبيلي
11.11.2010, 09:03
وأيضاً فإنه لم يوجد أحد وبخ جميع العالم على الخطيئة إلا محمد-صلى الله عليه وسلم-، فإنه أنذر جميع العالم من أصناف الناس ووبخهم على الخطيئة من الكفر والفسوق والعصيان ولم يقتصر على مجرد الأمر والنهي بل وبخهم وفزعهم وتهددهم.
وأيضاً فإنه أخبر أنه ليس ينطلق من عنده بل يتكلم بكل ما يسمع.
وهذا إخبار بأن كل ما يتكلم به فهو وحي يسمعه ليس هو شيئاً تعلمه من الناس أو عرفه باستنباط، وهذه خاصة محمد -صلى الله عليه وسلم-، وأما المسيح فكان عنده علم بما جاء به موسى قبله يشاركه به أهل الكتاب تلقاه عمن قبله، ثم جاءه وحي خاص من الله فوق ما كان عنده، قال تعالى: ويعلمه الكتاب والحكمة والتوراة والإنجيل فأخبر سبحانه أنه يعلمه التوراة التي تعلمها بنو إسرائيل، وزاده تعليم الإنجيل الذي اختص به، والكتاب الذي هو الكتابة ومحمد -صلى الله عليه وسلم- لم يكن يعلم قبل الوحي شيئاً ألبتة، كما قال تعالى: وكذلك أوحينا إليك روحاً من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان .
وقال تعالى: نحن نقص عليك أحسن القصص بما أوحينا إليك هذا القرآن وإن كنت من قبله لمن الغافلين ، فلم يكن -صلى الله عليه وسلم- ينطق من تلقاء نفسه بل إنما كان ينطق بالوحي كما قال تعالى: وما ينطق عن الهوى * إن هو إلا وحي يوحى أي ما نطقه إلا وحي يوحى، وهذا مطابق لقول المسيح أنه لا يتكلم من تلقاء نفسه بل إنما يتكلم بما يوحى إليه، الله تعالى أمره أن يبلغ ما أنزل إليه، وضمن له العصمة في تبليغ رسالاته، فلهذا أرشد الناس إلى جميع الحق وألقى للناس ما لم يكن غيره من الأنبياء إلقاه خوفاً أن يقتله قومه، وقد أخبر المسيح بأنه لم يذكر لهم جميع ما عنده، وأنهم لا يطيقون حمله وهم معترفون بأنه كان يخاف منهم إذا أخبرهم بحقائق الأمور، ومحمد -صلى الله عليه وسلم- أيده الله سبحانه تأييداً لم يؤيده لغيره، فعصمه من الناس حتى لم يخف من شيء يقوله، وأعطاه من البيان والعلم ما لم يؤته غيره، وأيد أمته تأييداً أطاقت به حمل ما ألقاه إليهم، فلم يكونوا كأهل التوراة الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها، ولا كأهل الإنجيل الذين قال لهم المسيح: إن لي كلاماً كثيراً أريد أن أقوله لكم ولكن لا تستطيعون حمله .
ولا ريب أن أمة محمد -صلى الله عليه وسلم- أكمل عقولاً وأعظم إيماناً وأتم تصديقاً وجهاداً، ولهذا كانت علومهم وأعمالهم القلبية وإيمانهم أعظم، وكانت العبادات البدنية لغيرهم أعظم.
وأيضاً فإنه أخبر عن الفارقليط أنه سيشهد له، وأنه يعلمهم كل شيء، وأنه يذكرهم كل ما قال المسيح، ومعلوم أن هذه الشهادة لا تكون إلا إذا شهد له شهادة يسمعها الناس لا تكون هذه الشهادة في قلب طائفة قليلة، ولم يشهد أحد للمسيح شهادة سمعها عامة الناس إلا محمد-صلى الله عليه وسلم-، فإنه أظهر أمر المسيح وشهد له بالحق حتى سمع شهادته له عامة أهل الأرض، وعلموا أنه صدق المسيح ونزهه عما افترته عليه اليهود وما غلت فيه النصارى، فهو الذي شهد له بالحق
ولهذا لما سمع النجاشي من الصحابة ما شهد به محمد -صلى الله عليه وسلم- للمسيح قال لهم: ما زاد عيسى على ما قلتم هذا العود.
وجعل الله أمة محمد-صلى الله عليه وسلم-: شهداء على الناس شهدوا عليهم بما علموا من الحق، إذ كانوا وسطاً عدولاً لا يشهدون بباطل، فإن الشاهد لا يكون إلا عدلاً، بخلاف من جار في شهادته فزاد على الحق أو نقص منه كشهادة اليهود للنصارى في المسيح.
.
الاشبيلي
11.11.2010, 09:05
وأيضاً فإن معنى الفارقليط إن كان هو الحامد أو الحماد أو المحمود أو الحمد، فهذا الوصف ظاهر في محمد-صلى الله عليه وسلم-، فإنه وأمته الحمادون الذين يحمدون الله على كل حال، وهو صاحب لواء الحمد، والحمد مفتاح خطبته ومفتاح صلاته، ولما كان حماداً سمى بمثل وصفه فهو محمد على وزن: مكرم ومعظم ومقدس، وهو الذي يحمد أكثر مما يحمد غيره ويستحق ذلك، فلما كان حماداً لله كان محمداً، وفي شعر حسان :-
أغــر عليه للنبـوة خـاتم من الله ميمون يلوح ويشهــد
وضم الإله إسم النبي إلى إسمه إذا قال في الخمس المؤذن أشهد
وشـق له من إسمـه ليجـله فذو العرش محمود وهذا محمـد
وأما أحمد فهو أفعل التفضيل، أي هو أحمد من غيره أي أحق بأن يكون محموداً أكثر من غيره، يقال: هذا أحمد من هذا، أي هذا أحق بأن يحمده من هذا، فيكون تفضيل على غيره في كونه محموداً.
فلفظ محمد يقتضي زيادة في الكمية، ولفظ أحمد يقتضي زيادة في الكيفية.
ومن الناس من يقول: معناه أنه أكثر حمداً لله من غيره وعلى هذا فيكون بمعنى الحامد والحماد، وعلى الأول بمعنى المحمود.
وأن كان الفارقليط بمعنى الحمد فهو تسمية بالمصدر مبالغة في كثرة الحمد، كما يقال: رجل عدل ورضى ونظائر ذلك، وبهذا يظهر سر ما أخبر به القرآن عن المسيح من قوله: (ومبشراً برسول يأتي من بعدي إسمه أحمد) فإن هذا هو معنى الفارقليط كما تقدم
وقالت طائفة أخرى: بل هي صريح إسم (محمد)، قالوا ويدل عليه أن ألفاظ العبرانية قريبة من ألفاظ العربية فهي أقرب اللغات إلى العربية، فإنهم يقولون لإسماعيل شماعيل وسمعتك شمعتين، وإياه أوثو، وقدسك قد شيخا، وأنت أنا وإسرائيل، فتأمل قوله في التوراة قدس لي خل بخور خل ريخم بني سرائيل باذام ويبيمالي، معناه: قدس لي كل بكر كل أول مولود رحم في بني إسرائيل من إنسان إلى بهيمة لي .
وتأمل قوله: نابي أقيم لاهيم تقارب أخيهم كانوا أخا ايلاؤه شماعون فإن معناه: نبياً أقيم لهم من وسط إخوتهم مثلك به يؤمنون وكذلك قوله: أنتم عابر تم بعيولي اجيخيم بنوا عيصاه ، معناه : أنتم عابرون في تخم اخوتكم بني العيص.
ونظائر ذلك أكثر من أن تذكر ، فإذا أخذت لفظة بماد ماد وجدتها أقرب شئ إلى لفظة محمد ، وإذا أردت تحقيق ذلك فطابق بين ألفاظ العبرية ، وكذلك يقولون : اصبوع أو لوهم هوم ، أي أصبع الله كتب له بها التوراة ، ويدل على ذلك أداة الباء في قوله : بماد ماد ، ولا يقال أعظمه بجداً جداً بخلاف أعظمه بمحمد .
وكذلك فإن عظم به وازداد شرفاً إلى شرفه ، بل تعظيمه ، بمحمد ابنه صلى الله عليه وسلم فوق تعظيم كل والد بولده العظيم القدر ، فالله سبحانه كبره بمحمد صلى الله عليه وسلم.
وعلى التقديرين فالنص من أظهر البشارات به ، أما على هذا التفسير فظاهر جداً ، وأما على التفسير الأول فإنما كبر اسماعيل وعظم على اسحاق جداً جداً بابنه محمد صلى الله عليه وسلم .
فإذا طابقت بين معنى الفار قليط ومعنى بمود مود - التي تكتب بماد ماد - معنى محمد ، وأحمد ونظرت إلى خصال الحمد التي فيه تسمية أمته بالحمادين وافتتاح كتابه بالحمد وافتتاح الصلاة بالحمد ، وكثرة خصال الحمد التي فيه وفي أمته وفي دينه وفي كتابه ، وعرفت ما خلص به العالم من أنواع الشرك والكفر والخطايا والبدع ، والقول على الله بلا علم ، وما أعز الله به الحق وأهله ، وقمع به الباطل وحزبه ، تيقنت أنه الفار قليط بالاعتبارات كلها.
فمن هذا الذي هو روح الحق الذي لا يتكلم إلا بما يوحى إليه ؟! ومن هو العاقب للمسيح ، والشاهد لما جاء به والمصدق له بمجيئه ؟! ومن ذا الذي أخبرنا بالحوادث في الأزمنة المستقبلة كخروج وظهور الدابة ، وطلوع الشمس من مغربها ، وخروج يأجوج ومأجوج ونزول المسيح بن مرييم ، وظهور النار التي تحشر الناس وأضعاف أضعاف ذلك من الغيوب التي قبل يوم القيامة ، والغيوب الواقعة من الصراط والميزان والحساب وأخذ الكتب بالأيمان والشائل ، وتفاصيل ما في الجنة والنار ما لم يذكر في التوراة و الإنجيل غير محمد صلى الله عليه وسلم؟!.
الاشبيلي
11.11.2010, 09:06
ومن الذي وبخ العالم على الخطايا سواه ؟! ومن الذي عرف الأمة ينبغي لله حق التعريف غيره ؟! ومن الذي تكلم في هذا الباب بما لم يطق أكثر العالم أن يقبلوه غيره حتى عجزت عنه عقول كثير ممن صدقه وآمن به فساموه أواع التحريف والتأويل لعجز عقولهم عن حمله كما قال أخوه المسيح صلوات الله عليهما وسلامه؟! ومن الذي أرسل إلى جميع الخلق بالحق قولاً وعملاً واعتقاداً في معرفة الله وأسمائه وصفاته وأحكامه وأفعاله وقضائه وقدره وغيره؟! ومن هو أركون العالم الذي أتى بعد المسيح غيره؟ وأركون العالم هو عظيم العالم وكبير العالم وتأمل قول المسيح في هذه البشارة التي لا نيكرونها : إن أركون العالم سيأتي وليس لي من الأمر شئ كيف ؟ وهي شاهدة بنبوة المسيح ونبوة محمد معاً فإنه لما جاء صار الأمر له دون المسيح .
فوجب على العالم كلهم طاعته والانقياد لأمره وصار الأمر له حقيقة.
ولم يبق بأيدي النصارى إلا دين باطله أضعاف أضعاف حقه ، وحقه منسوخ بما بعث الله به محمداً صلى الله عليه وسلم فطابق قول المسيح قول أخيه محمد صلى الله عليه وسلم : ينزل فيكم ابن مريك حكماً عدلاً وإماماً مقسطاً فيحكم بكتاب ربكم وقوله في اللفظ الآخر : يأتيكم بكتاب ربكم ، فطابق قول الرسولين الكريمين وبشر الأول بالثاني وصدق الثاني بالأول.
وتأمل قوله في البشارة الأخرى : ألم تر إلى الحجر الذي أخره البناؤون صار أساً للزاوية؟ كيف تجده مطابقاً لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ومثل الأنبياء قبلي كمثل رجل بنى داراً فأكملها وأتمها إلا موضع لبنة منها ، فجعل الناس يطوفون بها ويعجبون منها ، ويقولون هلا وضعت تلك اللبنة ؟ فكنت أن تلك اللبنة .
وتأمل قول المسيح في هذه البشارة : إن ذلك عجيب في أعيننا وتأمل قوله فيها : إن ملكوت الله سيؤخذ منكم ويدفع إلى أمة أخرى كيف تجده مطابقاً لقوله تعالى : ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون وقوله تعالى : وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم ، وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم ، وليبدلنهم من بعد خوفهم أمناً ، يعبدونني لا يشركون بي شيئاً، ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون .
وتأمل قوله في الفار قليط المبشر به : يفشي لكم الأسرار ، ويفسر لكم كل شئ ، فإني أجيئكم بالأمثال وهو يأتيكم بالتأويل وكيف تجده مطابقا للواقع من كل وجه وقوله تعال: ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء ، ولقوله تعالى : ما كان حديثا يفترى ولكن تصديق الذي بين يديه وتفصيل كل شيء وهدى ورحمة لقوم يؤمنون .
وإذا تأملت التوراة و الإنجيل والكتب وتأملت القرآن وجدته كالتفصيل لمجملها والتأويل لأمثالها والشرح لرموزها، وهذا حقيقة قول المسيح : أجيئكم بالأمثال ويجيئكم بالتأويل ، ويفسر لكم كل شئ ، وإذا
تأملت قوله : وكل شئ عده الله لكم به وتفاصيل ما أخبر به من الجنة والنار والثواب والعقاب تيقنت صدق الرسولين الكريمين ، ومطابقة الإخبار المفصلة عن محمد صلى الله عليه وسلم للخبر المجمل من أخيه المسيح.
وتأمل قوله في الفار قليط : وهو يشهد لي كما شهدت له كيف تجده منطبقاً على محمد بن عبد الله، وكيف تجده شاهاً بصدق الرسولين ، وكيف تجده صريحاً في رجل يأتي عبد المسيح يشهد له بأ،ه عبد الله ورسوله كما شهد له المسيح؟! فلقد إذن المسيح بنبوة محمد صلوات الله وسلامه عليهما أذاناً لم يؤذنه نبي قبله ، وأعلن بتكبير ربه أني تكون له صاحبة أو ولد؟ ثم رفع صوته بشهادة أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، إلهاً واحداً أ،داً فرداً صمداً لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد ، ثم أعلن بشهادة أن محمداً عبده ورسوله الشاهد له بنبوته المؤيد بروح الحق الذي لا يقول من تلقاء نفسه بل يتكلم بما يوحى إليه ويعلمهم كل شئ ويخبرهم ما أعد الله لهم ، ثم رفع صوته بحي على الفرح باتباعه والايمان به وتصديقه وأنه ليس له من الأمر معه شئ ، وختم التأذين بأن ملكوت الله سؤخذ ممن كذبه ويدفع إلى اتباعه والمؤمنين به ، فهلك من هلك عن بينة وعاش من عاش عن بينة فاستجاب أتباع المسيح حقاً لهذا التأذين ، وأباه الكافرون ، والجاحدون، فقال تعالى : إني متوفيك ورافعك إلي ومطهرك من الذين كفروا وجاعل الذين اتبعوك فوق الذين كفروا إلى يوم القيامة ثم إلي مرجعكم فأحكم بينكم فيما كنتم فيه تختلفون
وهذه بشارة بأن المسلمين لا يزالون فوق النصارى إلى يوم القيامة فإن المسلمين هم أتباع المرسلين في الحقيقة وأتباع جميع الأنبياء لا أعداؤه ، وأعداؤه عبادالصليب الذين رضوا أن يكون إلهاً مصفوعاً مصلوباً مقتولاً ولم يرضوا أن يكون الصليب نبياً عبداً لله وجيهاً عنده مقراً لديه ، فهؤلاء أعداؤه حقاً والمسلمون أتباعه حقاً.
والمقصود أن بشارة المسيح بالنبي صلى الله عليه وسلم فوق كل بشارة لما كان أقرب الأنبياء إليه وأولاهم به وليس بينه وبينه نبي.
وتأمل قول المسيح : إن أركون العالم سيأتي وأركون العالم هو سيد العالم وعظيمه.
ومن الذي ساد العالم وأطاعه العالم بعد المسيح غير النبي صلى الله عليه وسلم؟! وتأمل قول النبي صلى الله عليه وسلم وقد سئل ما أول أمرك قال: أنا دعوة أبي إبراهيم وبشرى عيسى.
الاشبيلي
11.11.2010, 09:08
وطابق بين هذا وبين هذه البشارات التي ذكرها المسيح ، فمن الذي ساد العالم باطناً وظاهراً وانقادت له القلوب والأجساد وأطيع في السر والعلانية في محياه وبعد مماته في جميع الأعصار ، وأفضل الأقاليم والأمصار ، وسارت دعوته مسير الشمس ، وبلغ دينه ما بلغ الليل والنهار ، وخرت لمجيئه الأمم على الأذقان ، وبطلت به عبادة الأوثان ، وقامت به دعوة الرحمن ، واضمحلت به دعوة الشيطان ، وأذل الكافرين والجاحدين ، وأعز المؤمنين وجاء بالحق وصدق المرسلين ، حتى أعلن بالتوحيد على رؤوس الأشهاد وعبد الله وحده لا شريك له في كل حاضر وباد ، وامتلأت به الأرض تحميداً وتكبيراً لله وتهليلاً وتسبيحاً ، واكتست به بعد الظلم والظلام عدلاً ونوراً؟ وطابق بين قول المسيح : إن أركون العالم سيأتيكم وقول أخيه محمد صلى الله عليه وسلم : أنا سيد ولد آدم ولا فخر ، آدم فمن دونه تحت لواثي ، وأنا خطيب الأنبياء إذا وفدوا وإمامهم إذا جمعوا ومبشرهم إذا أيسوا ، لواء الحمد بيدي وأنا أكرم ولد آدم على ربي.
وفي قول المسيح في هذه البشارة وليس لي من الأمر شئ إشارة إلى التوحيد وأن الأمر كله لله ، فتضمنت هذه البشارة أصلى الدين : إثباتب التوحيد ، وإثبات النبوة
الاشبيلي
11.11.2010, 09:10
وهذا الذي قاله المسيح مطابق لما جاء به أخوه محمد بن عبد الله عن ربه من قوله له : ليس لك من الأمر شيء فمن تأمل حال الرسولين الكريمين ودعوتهما وجدهما متوافقين متطابقين حذو القذة ، وأنه لا يمكن التصديق بأحدهما مع التكذيب بالآخر البتة ، وأن المكذب بمحمد صلى الله عليه وسلم أشد تكذيباً للمسيح الذي هو المسيح ابن مريم عبد الله ورسوله ، وإن آمن بمسيح لا حقيقة له ولا وجود وهو أبطل الباطل ، وقد قال يوحنا في رسالته الأولى :أحبابي إياكم أن تؤمنوا بكل روح ، لكن ميزوا الأرواح التي من عند الله من غيرها واعلموا أن كل روح تؤمن بأن يسوع المسيح قد جاء وكان جسدانياً فهي من عند الله وكل روح لا تؤمن بأن المسيح قد جاء وكان جسدانياً فليست من عند الله بل من المسيح الكذاب الذي هو الآن في العالم.
الاشبيلي
11.11.2010, 09:13
اكتفي بهذا وسوف نواصل بعد اجازة العيد ان شاء الله تعالى
الاشبيلي
29.12.2010, 13:50
يمكن تحميل الكتاب كاملا من خلال الرابط ادناه حيث انه كتاب قيم
لم استطع الحذف او التلخيص اكثر فكله درر
ورحم الله مؤلفه
vBulletin® v3.8.7, Copyright ©2000-2025, Jelsoft Enterprises Ltd.
diamond