بسم الله الرحمن الرحيم
الشعراء مثل كل المخلوقات ، ألمّ المرض بهم أو بأقربائهم ، فمنهم من تلقاه بالصبر ورحابة الصدر ، ومنهم من حزن وسالت دموعه ، ومنهم من سخر من المرض وتصدى له .
وفي كل هذا وذاك أوحى المرض إليهم شعرا ، وفاضت أنفسهم بشعر نضحت حروفه بالحزن
والمرارة والألم .
وهذا أبو العتاهية في مرضه الأخير ، وقد أحس بقرب الأجل ، ينظم قصيدة رائعة يرجو فيها عفو ربه، ويندم على ما أسرف من عمل في دنياه :
إلهي لا تعذبني فإني **** مقر بالذي قد كـان مني
فما لي حيلة إلا رجائي **** لعفوك فاحطط الأوزار عني
وكم من زلة لي في الخطايا**** وأنت علي ذو فضل ومَنِّ
إذا فكرت في ندمي عليها****عضضت أناملي وقرعت سني
ومن الشعراء من سخط على المرض ، ونقم عليه .. فهذا أبو القاسم الشابي وقد أصبح جل شعره مسطرا بالمرض ، فقد راح المرض ينخر في صدره ، وصار شبحا لا يفارقه في ليل أو نهار . وهذه قصيدة قالها قبل وفاته وهو في سن الخامسة والعشرين ، يقول :
سأعيش رغم الداء والأعداء**** كالنسر فوق القمة الشماء
أدنو إلى الشمس المضية هازئا****بالسحب والأمطار والأنواء
لا ألمح الظل الكئيب ولا أرى****ما في قرار الهوة السوداء
فالمرض تسلل إلى ألفاظه ومعانيه: الداء والأعداء ، والسحب والمطار والأنواء ، وهو يحاول التخلص منها ويتمرد تارة عليها فيقول :
فاصدم فؤادي ما استطعت فإنه***سيكون مثل الصخرةالصماء
لا يعرف الشكوى الذليلة والبكا***وضراعة الأطفال والضعفاء
ولكنه يبدو في النهاية ضعيفا أمام الداء ، إذ يقول :
أما إذا خمدت حياتي وانقضى**عمري وأخرست المنية نائي
وخبا لهيب الكون في قلبي الذي**قد عاش مثل الشعلة الحمراء
فأنا السعيد بأنني متحول****عن عالم الآثام والبــغضاء
أما الشاعر عبد السلام حافظ فقد أصيب بمرض في أحد صمامات قلبه ، فأثر فيه أشد تأثير ، وطبع شعره بمسحة من الحزن . ويثور الشاعر مرة فيقول :
أنا لست وحدي في الحياة أعذب **** كل الوجود تألــم وتغرب
فمن يرى مصائب الآخرين تهون عليه مصيبته . وهو يحمل بذلك إيمانا قويا ، ونظرة ثاقبة تتجاوز تلك النظرة السوداوية التي غلفت نفس الشاعر وطبعت شعره بمسحة الحزن والألم :
أوّاه للقلب عانى بالقلاب صبا****وجاءه الألم المجــنون يخترم
أصاب صمامه ضيق يغلغله****ويرهب الجسم يا للنفس تنهدم
وفي قصيدة " راهب الفكر " يصف الشاعر عبد السلام حافظ معاناته مع مرضه فيقول :
أنا لوعة شوهاء يهواها النواح **أنا ليل أحزان تجاهله الصباح
أنا عالم ضلت بمركبة الحياة****فغدا يصارع موجها العاتي الرهي
قلبي المجرح لا يجاب على نداه****والهم يأكل منه ألحــان اللهيب
أحيا بآلامي الكئيبة في متاه****شط السلامة من جحيمي لا أراه
وفي غمرة هذا كله يدرك الشاعر أن ليس للإنسان من ملجأ إلا الله ، فلا يشكو إلا لرب الأكوان . يقول في قصيدة بعنوان ( إلى الله ) :
رباه هذه شكاة الكل يا أملي****البؤس والزمن الداجي وأسـقامي
إني بليت بداء القلب يحرمني****من متعة العيش والذكرى وأحلامي
أدعوك يا رب تفريجا لكربتنا****فجودك الخالد المحمود إلــهامي
من منحك العادل المرجو لضائقتي**** فأنت كل الرجا يا رية الظـامـي
من كتابات الدكتور حسان شمسي باشا
منقوول
اللهم اشفيني من مرضي واشف جميع مرضى المسلمين والمسلمات
تقبل الله منا ومنكم صالح الاعمالللمزيد من مواضيعي