اعرض مشاركة منفردة
   
Share
  رقم المشاركة :2  (رابط المشاركة)
قديم 18.01.2015, 21:23
صور الشهاب الثاقب الرمزية

الشهاب الثاقب

مشرف عام

______________

الشهاب الثاقب غير موجود

الملف الشخصي
التسجيـــــل: 14.09.2011
الجــــنـــــس: ذكر
الــديــــانــة: الإسلام
المشاركات: 991  [ عرض ]
آخــــر نــشــاط
23.05.2024 (20:13)
تم شكره 689 مرة في 467 مشاركة
افتراضي


بسم الله الرحمن الرحيم
و به نستعين



بنو قينقاع وهم أول يهود أجلاهم النبي - صلى الله عليه وسلم - عن المدينة:

حالفهم رسول الله عند قدومه المدينة فيمن حالف من اليهود، وكانوا أشجع يهود، وقد حقدوا على المسلمين لانتصارهم ببدر، وأخذوا يتحرشون ويتنكرون للعهد الذي بينهم وبين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خيفة أن يستفحل أمره فلا يعودون يملكون مقاومته، بعدما انتصر على قريش في أول اشتباك بينه وبينهم.
وذكر الواقدي أن إجلاءهم كان في شوال سنة اثنتين؛ يعني بعد بدر بشهر.. ويؤيده ما رواه ابن إسحاق عن ابن عباس قال: لما أصاب رسول الله قريشا يوم بدر، جمع اليهود في سوق بني قينقاع فقال: "يا يهود، أسلموا قبل أن يصيبكم ما أصاب قريشا يوم بدر"، فقالوا: إنهم كانوا لا يعرفون القتال، ولو قاتلتنا لعرفت أنا الرجال، فأنزل الله: )قل للذين كفروا ستغلبون وتحشرون إلى جهنم وبئس المهاد (12) قد كان لكم آية في فئتين التقتا فئة تقاتل في سبيل الله وأخرى كافرة يرونهم مثليهم رأي العين والله يؤيد بنصره من يشاء إن في ذلك لعبرة لأولي الأبصار (13)( (آل عمران) [23].
وهكذا ندرك كيف بلغ الغرور مبلغه من اليهود حتى أصبحوا يبدون مظاهر العداوة للمسلمين، وتوسعوا في تحرشاتهم واستفزازاتهم، فكانوا يثيرون الشغب، ويواجهون بالأذى كل من ورد سوقهم من المسلمين، حتى أخذوا يتعرضون لنسائهم.
ومن تعرضهم لنساء الأنصار ما رواه ابن هشام، في قوله: "كان من أمر بني قينقاع أن امرأة من العرب قدمت بجلب لها فباعته بسوق بني قينقاع، وجلست إلى صائغ بها، فجعلوا يريدونها على كشف وجهها فأبت، فعمد الصائغ إلى طرف ثوبها فعقده إلى ظهرها، فلما قامت انكشفت سوءتها، فضحكوا بها، فصاحت فوثب رجل من المسلمين على الصائغ فقتله، وكان يهوديا، وشدت اليهود على المسلم فقتلوه، فاستصرخ أهل المسلم المسلمين على اليهود، فغضب المسلمون، فوقع الشر بينهم وبين بني قينقاع" [24].
وهكذا نجد أن ما فعله اليهود كان إعلانا بنبذ العهد منهم، فلو أن الحادث السابق حادث فردي لأمكن معالجته وقتل القاتل، لكن الملأ من اليهود هم الذين اجترءوا وقتلوا، فأنزل اللهسبحانه وتعالى: )وإما تخافن من قوم خيانة فانبذ إليهم على سواء إن الله لا يحب الخائنين (58)( (الأنفال).
فقال صلى الله عليه وسلم: "أنا أخاف بني قينقاع"؟ فسار إليهم - صلى الله عليه وسلم - يوم السبت النصف من شوال بعد بدر ببضعة وعشرين يوما، وفهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الحرب من الآية، فقال: "أنا أخاف بني قينقاع"؟ فاحتمال الغدر قائم كل لحظة، ولئن سكت المسلمون عن هذه الجريمة، فهذا يعني أنهم ضعاف، وبالتالي فهم معرضون للغزو في كل لحظة، ولم يكن هناك بديل من المعركة، وإن كان لا بد من ذلك، فليكن المسلمون هم البادئون، لقد نبذ إليهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - منذ أن دعاهم إلى الإسلام، وفي تحرك سريع وخاطف كان اليهود محاصرين في بيوتهم وحصونهم...
إن عرض المرأة المسلمة كفيل أن يشعل حربا رهيبة مع العدو، وقام الحصار الذي استمر خمسة عشر يوما على اليهود حتى استسلموا[25].
ولقد أكمل ابن إسحاق سياق الحادث بقوله: فحاصرهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى نزلوا على حكمه، فقام عبد الله بن أبي بن سلول - حين أمكنه الله منهم - فقال: يا محمد، أحسن إلي في موالي، وكانوا حلفاء الخزرج، قال: فأبطأ عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا محمد، أحسن إلي في موالي، قال: فأعرض عنه، فأدخل يده في جيب درع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أرسلني"، وغضب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى رأوا لوجهه ظللا، ثم قال: "ويحك! أرسلني"، قال: لا والله لا أرسلك حتى تحسن في موالي: أربعمائة حاسر، وثلاثمائة دارع، قد منعوني من الأحمر والأسود، تحصدهم في غداة واحدة!! إني والله امرؤ أخشى الدوائر، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: "هم لك".[26] وكان عبد الله بن أبي لا يزال صاحب شأن في قومه، فقبل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شفاعته في يهود بني قينقاع على أن يجلوا عن المدينة، وأن يأخذوا معهم أموالهم عدا السلاح.
وبذلك تخلصت المدينة من قطاع يهودي خبيث ذي قوة عظيمة، أساءوا الأدب مع الرسول - صلى الله عليه وسلم - فأدبهم الله أدبا يليق بهم في الدنيا وبأمثالهم، ومآلهم في النهاية إلى أمهم الهاوية[27].
وهكذا نجد أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يظلم بني قينقاع حينما أجلاهم عن المدينة.

بنو النضير ومحاولتهم قتل النبي صلى الله عليه وسلم:
روى ابن سعد أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خرج يوم السبت، فصلى في مسجد قباء، ومعه نفر من أصحابه من المهاجرين والأنصار، ثم أتى بني النضير، فكلمهم أن يعينوه في دية القتيلين اللذين قتلهما عمرو بن أمية الضمري، وكان لهما من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جوار وعهد، وكان بين بني النضير وبين بني عامر عقد وحلف، وذلك على ما رواه ابن إسحاق وغيره، فقالوا: نفعل يا أبا القاسم ما أحببت، وخلا بعضهم ببعض وهموا بالغدر. وقال عمرو بن جحاش النضري: أنا أظهر على البيت فأطرح عليه صخرة، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - واقفا إلى جنب جدار من بيوتهم.
وزاد ابن سعد أن سلام بن مشكم - وهو من يهود بني النضير - قال لهم: لا تفعلوا، والله ليخبرن بما هممتم به، وإنه لنقض العهد الذي بيننا وبينه. فجاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم ـالخبر بما هموا، فنهض سريعا كأنه يريد حاجة، وتوجه إلى المدينة، ولحقه أصحابه، ثم أرسل إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أن اخرجوا من بلدي؛ فقد هممتم بما هممتم به من الغدر، وقد أجلتكم عشرا، فمن رئي بعد ذلك ضربت عنقه".
فأخذوا يتهيئون للخروج، ولكن عبد الله بن أبي بن سلول أرسل إليهم ألا تخرجوا من دياركم وأقيموا في حصنكم، فإن معي ألفين من قومي وغيرهم يقاتلون عنكم، فعادوا عما عزموا عليه من الخروج وتحصنوا في حصونهم. فأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالتهيؤ لحربهم، ثم سار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إليهم، وقد تحصن اليهود بحصونهم معهم النبل والحجارة. ولكن ابن أبي خذلهم فلم ينفذ وعده معهم، فحاصرهم النبي - صلى الله عليه وسلم - وأمر بقطع نخيلهم وإتلافها، فنادوه: يا محمد، قد كنت تنهى عن الفساد وتعيبه على من يصنعه، فما بال قطع النخيل وتحريقها؟ فأنزل الله - سبحانه وتعالى - في ذلك قوله: )ما قطعتم من لينة أو تركتموها قائمة على أصولها فبإذن الله وليخزي الفاسقين (5)( (الحشر) [28].
فعرضوا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يخرجوا من المدينة كما أراد، ولكنه - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا أقبله إلا على أن تخرجوا بدمائكم فقط، وليس لكم من أموالكم إلا ما حملته الإبل، عدا الحلقة"،[29] فنزل اليهود على ذلك، واحتملوا من أموالهم ما استقلت به الإبل[30].
وهكذا فإن النبي أجلى بني النضير لغدرهم به، وليس في إجلائهم أدنى ظلم منه لهم كما يزعم الطاعنون.

إجلاء بني قريظة:

وكان ذلك بسبب تآمرهم مع المشركين على الرسول - صلى الله عليه وسلم - والمسلمين، وكانت الرأس المدبرة لتلك المكيدة المسماة بالأحزاب تتمثل في شيطان اليهود حيي بن أخطب، فإذا تجمع خبث اليهود ودنسهم وخستهم وكيدهم ومكرهم في شخص، لكان هذا الشخص حيي بن أخطب.. فهو عدو رسول الله صلى الله عليه وسلم، وله من ذلك بين اليهود موقع الصدارة.
كان حيي بن أخطب على رأس الشياطين اليهود الذين حزبوا الأحزاب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهم: سلام بن أبي الحقيق النضري، وكنانة بن أبي الحقيق النضري، وهوذة بن قيس الوائلي، وأبو عمار الوائلي، خرجوا حتى قدموا على قريش في مكة، فدعوهم إلى حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقالوا: إنا سنكون معكم عليه حتى نستأصله، فقالت لهم قريش: يا معشر يهود، إنكم أهل الكتاب الأول والعلم بما أصبحنا نختلف فيه نحن ومحمد، أفديننا خير أم دينه؟ قالوا: بل دينكم خير من دينه، وأنتم أولى بالحق منه، فهم الذين أنزل الله - سبحانه وتعالى - فيهم: )ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت ويقولون للذين كفروا هؤلاء أهدى من الذين آمنوا سبيلا (51)( (النساء) إلى قوله سبحانه وتعالى: )أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة وآتيناهم ملكا عظيما (54) فمنهم من آمن به ومنهم من صد عنه وكفى بجهنم سعيرا (55)( (النساء)، فلما قالوا ذلك لقريش سرهم ونشطوا لما دعوهم إليه من حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ثم خرج حيي في أولئك النفر من يهود، حتى جاءوا غطفان - من قيس عيلان - فدعوهم إلى حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأخبروهم أنهم سيكونون معهم عليه، وأن قريشا قد تابعوهم على ذلك، فاجتمعوا معهم فيه.
وخرج عدو الله حيي بن أخطب حتى أتى كعب بن أسد القرظي - صاحب عقد بني قريظة وعهدهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم - فلم يزل حيي بكعب، حتى نقض كعب بن أسد عهده مع رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وأي موقف خانت فيه يهود رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أو حاولت خداعه والغدر به، كان على رأسهم حيي الذي كان يعلم صدق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ونبوته حتى مكن الله من رقبته[31]، وبعد جمعه لهؤلاء الأحزاب خرجوا لملاقاة الرسول - صلى الله عليه وسلم - ولكن الله لم يفلح كيد الخائنين، وعاد جيش الإسلام منتصرا بفضل الله، ثم بفضل رسوله - صلى الله عليه وسلم - وإيمان المسلمين بنصر الله لهم.
الأمر الرباني بالخروج:
ولما رجع - صلى الله عليه وسلم - بأصحابه، وأراد أن يخلع لباس الحرب، أمره الله باللحوق ببني قريظة، حتى يطهر أرضه من قوم لم تعد تنفع معهم العهود، ولا تربطهم المواثيق، ولا يأمن المسلمون جانبهم في شدة، فقال لأصحابه: «لا يصلين أحد العصر إلا في بني قريظة» [32]، فساروا مسرعين، وتبعهم - صلى الله عليه وسلم - راكبا على حماره، ولواؤه بيد علي بن أبي طالب، وخليفته على المدينة عبد الله ابن أم مكتوم، وكان عدد المسلمين ثلاثة آلاف، وقد أدرك جماعة من الأصحاب صلاة العصر في الطريق فصلاها بعضهم حاملين أمر الرسول - صلى الله عليه وسلم - بعدم صلاتها على قصد السرعة، ولم يصلها الآخرون إلا في بني قريظة بعد مضي وقتها حاملين الأمر على حقيقته، فلم يعنف فريقا منهم.
ولما رأى بنو قريظة جيش المسلمين ألقى الله الرعب في قلوبهم، وأرادوا التنصل من فعلتهم القبيحة، وهي الغدر بمن عاهدوهم وقت الشغل بعدو آخر، ولكن أنى لهم ذلك وقد ثبت للمسلمين غدرهم؟ فلما رأوا ذلك تحصنوا بحصونهم وحاصرهم المسلمون خمسا وعشرين ليلة، فلما رأوا أن لا مناص من الحرب، وأنهم إن استمروا على ذلك ماتوا جوعا، طلبوا من المسلمين أن ينزلوا على ما نزل عليه بنو النضير من الجلاء بالأموال وترك السلاح، فلم يقبل الرسول صلى الله عليه وسلم، فطلبوا أن يجلوا بأنفسهم من غير مال ولا سلاح فلم يرض أيضا، بل قال: لا بد من النزول والرضا بما يحكم عليهم خيرا كان أو شرا، فقالوا له: أرسل لنا أبا لبابة نستشيره، وكان أوسيا من حلفاء بني قريظة، له بينهم أولاد وأموال، فلما توجه إليهم استشاروه في النزول على حكم الرسول، فقال لهم: انزلوا، وأومأ بيده إلى حلقه، يريد أن الحكم الذبح، ويقول أبو لبابة: لم أبارح موقفي حتى علمت أني خنت الله ورسوله، فنزل من عندهم قاصدا المدينة خجلا من مقابلة رسول الله، وربط نفسه في سارية من سواري المسجد حتى يقضي الله فيه أمره، ولما سأل عنه - صلى الله عليه وسلم - أخبر بما فعل، فقال: أما لو جاءني لاستغفرت له، أما وقد فعل ما فعل فنتركه حتى يقضي الله فيه، ثم إن بني قريظة لما لم يروا بدا من النزول على حكم رسول الله فعلوا، فأمر برجالهم فكتفوا، فجاءه رجال من الأوس وسألوه أن يعاملهم كما عامل بني قينقاع حلفاء إخوانهم الخزرج، فقال لهم: ألا يرضيكم أن يحكم فيهم رجل منكم؟ فقالوا: نعم. واختاروا سيدهم سعد بن معاذ الذي كان جريحا من السهم الذي أصيب به في الخندق، وكان مقيما بخيمة في المسجد معدة لمعالجة الجرحى، فأرسل - صلى الله عليه وسلم - من يأتي به، فحملوه على حماره، والتف عليه جماعة من الأوس يقولون له: أحسن في مواليك، ألا ترى ما فعل ابن أبي في مواليه؟ فقال: لقد آن لسعد ألا تأخذه في الله لومة لائم.
ولما أقبل على الرسول وأصحابه وهم جلوس، قال صلى الله عليه وسلم: "قوموا إلى سيدكم فأنزلوه"، ففعلوا، وقالوا له: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد ولاك أمر مواليك لتحكم فيهم. وقال له الرسول صلى الله عليه وسلم: "احكم فيهم يا سعد"؛ فالتفت سعد للناحية التي ليس فيها رسول الله، وقال: عليكم عهد الله وميثاقه أن الحكم كما حكمت؟ فقالوا: نعم، فالتفت إلى الجهة التي فيها الرسول - صلى الله عليه وسلم - وقال: وعلى من هنا كذلك؟ وهو غاض طرفه إجلالا، فقالوا: نعم، فقال: فإني أحكم أن تقتلوا الرجال، وتسبوا النساء والذرية، فقال صلى الله عليه وسلم: "لقد حكمت فيهم بحكم الله يا سعد".
وقد جاءت أيضا قصة حكم سعد بن معاذ على يهود بني قريظة في صحيح البخاري بلفظ آخر، فعن أبي سعيد الخدري أنه قال: «لما نزلت بنو قريظة على حكم سعد - هو ابن معاذ - بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكان قريبا منه، فجاء على حمار، فلما دنا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قوموا إلى سيدكم"، فجاء فجلس إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال له: "إن هؤلاء نزلوا على حكمك" قال: فإني أحكم أن تقتل المقاتلة وأن تسبى الذرية، قال: "لقد حكمت فيهم بحكم الملك» [33]؛ لأن هذا جزاء الخائن الغادر، ثم أمر بتنفيذ الحكم فنفذ فيهم وجمعت غنائمهم[34].
وهكذا قضى الله - عز وجل - أن يكون جزاؤهم من جنس ما أرادوا للمسلمين، وأبى الله - عز وجل - إلا أن يصلوا هم إلى النهاية المريبة، التي أرادوا للمسلمين الوصول إليها، )ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله( (فاطر: ٤٣).
وهنا أمر آخر يتمثل في أن الحكم الذي أصدره سعد بن معاذ على يهود بني قريظة، وأقره النبي - صلى الله عليه وسلم - وقام بتنفيذه، قد جاء تماما وفق الشريعة الموسوية عند اليهود أنفسهم، كما ورد في التوراة عندهم في شأن قرى الأعداء ومدنهم: "وإن لم تسالمك بل عملت معك حربا فحاصرها، وإذا دفعها الرب إلهك إلى يدك فاضرب جميع ذكورها بحد السيف، وأما النساء والأطفال والبهائم وكل ما في المدينة كل غنيمتها، فتغتنمها لنفسك، وتأكل غنيمة أعدائك التي أعطاك الرب إلهك". (التثنية 20: 12ـ 14).
وبتمام هذه الغزوة أراح الله المسلمين من شر مجاورة اليهود الذين تعودوا الغدر والخيانة[35].
ونخلص مما سبق كله إلى أن ثمة أسبابا وعوامل جوهرية وقفت وراء إجلاء النبي - صلى الله عليه وسلم - اليهود جميعهم، فما ظلمهم النبي - صلى الله عليه وسلم - ولكن كانوا أنفسهم يظلمون. وإنا لنسأل مثيري هذه الشبهة سؤالا مؤداه: أي أسباب واهية تلك التي زعمتم أنه - صلى الله عليه وسلم - اختلقها ليحارب اليهود ويطردهم من المدينة؟!
الخلاصة:
كان العمل الثالث المهم الذي قام به النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد دخوله المدينة كتابته كتابا بين المهاجرين والأنصار، وكذلك بين المسلمين واليهود، وادع فيه اليهود وعاهدهم وأقرهم على دينهم وأموالهم، وشرط لهم واشترط عليهم.
لم يلتزم اليهود بعهدهم مع النبي - صلى الله عليه وسلم - وراحوا يكيدون له وللإسلام، ويحرضون المنافقين على قتال المسلمين، وقد سلكوا شتى الطرق للنيل من الإسلام ودولته؛ فقد عملوا جاهدين على تصديع الجبهة الإسلامية الداخلية، وتهجموا على الذات الإلهية، وساء أدبهم مع الله - عز وجل - ورسله الكرام وكتابه الكريم، حتى إنهم لم يتورعوا عن أن يحاولوا قتل النبي - صلى الله عليه وسلم - نفسه.
كان لزاما على النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يطرد هؤلاء الخائنين الناقضين للعهود والمواثيق، وهذا ما كان، ولا يعقل أن يقول منصف: إنه - صلى الله عليه وسلم - صدر في صنيعه هذا عن روح عدوانية ظالمة، ولكنه صدر فيه عن قاعدة مقررة تنص على أن "الجزاء من جنس العمل".
إن ثمة مبررات قانونية وأخلاقية تقف وراء إجلاء النبي - صلى الله عليه وسلم - اليهود جميعهم من المدينة؛ وذلك لأنهم نقضوا عهدهم، وخانوا وغدروا وكادوا، فلا سبيل إذن لما زعم من أن النبي - صلى الله عليه وسلم - اختلق أسبابا واهية لحربهم وطردهم من المدينة.




(*) المستشرقون والإسلام، محمد قطب، مكتبة وهبة، القاهرة، ط1، 1420هـ / 1999م. بلاد العرب, ديفيد جورج هوجارث, ترجمة: صبري محمد حسن، دار الأهرام, القاهرة، د. ت.
[1]. رسالة من النبي إلى الأمة من خلال تعامله مع خيانات اليهود، د. طه حبيشي، مكتبة رشوان، القاهرة، ط1، 1421هـ/2000م، ص26, 27 بتصرف يسير.
[2]. اعتبط مؤمنا: قتله بلا جناية توجب قتله.
[3]. القود: القصاص.
[4]. يوتغ: يهلك.
[5]. هدي السيرة النبوية في التغيير الاجتماعي, د. حنان اللحام, دار الفكر، دمشق، ط1، 1422هـ/2001م, ص174، 175.
[6]. تجار: تعطى الحماية.
[7]. هدي السيرة النبوية في التغيير الاجتماعي, د. حنان اللحام, دار الفكر، دمشق، ط1، 1422هـ/2001م, ص176، 177 بتصرف.
[8]. الدر المنقوش في الرد على جورج بوش, عبد البديع كفافي، دار الفتح للإعلام العربي, القاهرة، 2005م، ص412 بتصرف يسير.
[9]. رسالة من النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلى الأمة من خلال تعامله مع خيانات اليهود, د. طه حبيشي، مكتبة رشوان، القاهرة، ط1، 1421هـ/2000م، ص23.
[10]. الغلس: ظلمة آخر الليل إذا اختلطت بضوء الصباح.
[11]. السيرة النبوية، ابن هشام، مكتبة الإيمان، مصر، ط1، 1416هـ/1995م، ج2، ص108.
[12]. السيرة النبوية, د. علي الصلابي, دار الفجر للتراث، القاهرة، ط1، 1424هـ/ 2002م, ج1, ص555.
[13]. السيرة النبوية, ابن هشام, مكتبة الإيمان، مصر، ط1، 1416هـ/1995م, ج2, ص135، 136.
[14]. السيرة النبوية, ابن هشام, مكتبة الإيمان، مصر، ط1، 1416هـ/1995م, ج2, ص137، 138.
[15]. السام: الموت.
[16]. أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الجهاد والسير، باب الدعاء على المشركين بالهزيمة والزلزلة (2777)، وفي مواضع أخرى، ومسلم في صحيحه، كتاب السلام، باب النهي عن ابتداء أهل الكتاب بالسلام وكيف يرد عليهم (5786)، واللفظ له.
[17]. أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب السلام، باب النهي عن ابتداء أهل الكتاب بالسلام وكيف يرد عليهم (5787).
[18]. أخرجه ابن جرير الطبري في تفسيره (3/ 110)، تفسير سورة البقرة (آية: 136).
[19]. السيرة النبوية, ابن هشام, مكتبة الإيمان، مصر، ط1، 1416هـ/1995م، ج2، ص144.
[20]. أخرجه محمد بن إسحاق في السيرة (ص184)، باب أحاديث الأحبار وأهل الكتاب بصفة النبي صلى الله عليه وسلم.
[21]. السيرة النبوية: عرض وقائع وتحليل أحداث، د. علي الصلابي، دار الفجر للتراث، القاهرة، ط1، 1424هـ/ 2002م، ج1، ص562: 566 بتصرف.
[22]. السيرة النبوية, د. محمد أبو شهبة، دار القلم، دمشق، ط8، 1408هـ/1998م، ج2، ص89.
[23]. وامحمداه, د. سيد بن حسين العفاني، دار العفاني، القاهرة, ط1، 1427هـ/ 2006م، ج1، ص313, 314.
[24]. السيرة النبوية، ابن هشام، مكتبة الإيمان، مصر، ط1، 1416هـ/1995م، ج3، ص5.
[25]. المنهج الحركي للسيرة النبوية, د. منير الغضبان، دار الوفاء، مصر، ط15، 1427هـ/ 2006م، ص207: 209 بتصرف.
[26]. السيرة النبوية، ابن هشام، مكتبة الإيمان، مصر، ط1، 1416هـ/1995م، ج3، ص6.
[27]. وامحمداه, د. سيد بن حسين العفاني، دار العفاني، القاهرة, ط1، 1427هـ/ 2006م، ج1, ص314, 315.
[28]. السيرة النبوية، ابن هشام، مكتبة الإيمان، مصر، ط1، 1416هـ/1995م، ج3، ص110، 111.
[29]. الحلقة: السلاح.
[30]. فقه السيرة, د. محمد سعيد رمضان البوطي، مكتبة الدعوة الإسلامية، القاهرة، ط7، 1398هـ/1978م، ص202, 203 بتصرف يسير.
[31]. وامحمداه, د. سيد حسين العفاني، دار العفاني، القاهرة, ط1، 1427هـ/ 2006م, ج1، ص331: 333.
[32]. أخرجه البخاري في صحيحه، أبواب صلاة الخوف، باب صلاة الطالب والمطلوب راكبا وإيماء (904)، وفي موضع آخر، ومسلم في صحيحه، كتاب الجهاد والسير، باب من لزمه أمر فدخل عليه أمر آخر (4701)، واللفظ للبخاري.
[33]. أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الجهاد والسير، باب إذا نزل العدو على حكم رجل (2878)، وفي مواضع أخرى، ومسلم في صحيحه، كتاب الجهاد والسير، باب جواز من نقض العهد (4695).
[34]. وامحمداه, د. سيد حسين العفاني، دار العفاني، القاهرة, ط1، 1427هـ/ 2006م, ج1، ج1، ص330، 331.
[35]. نور اليقين في سيرة سيد المرسلين، الشيخ محمد الخضري، دار الكتب العلمية، بيروت، د. ت، ص117, 118.

___________________________
منقول
بيان الإسلام





المزيد من مواضيعي


توقيع الشهاب الثاقب

هل الله يُعذب نفسه لنفسههل الله يفتدى بنفسه لنفسههل الله هو الوالد وفى نفس الوقت المولوديعنى ولد نفسه سُبحان الله تعالى عما يقولون ويصفون
راجع الموضوع التالي
طريق الحياة و أدلة ساطعه على عدم الفداء


رد باقتباس