View Single Post
   
Share
  رقم المشاركة :10  (رابط المشاركة)
Old 19.01.2012, 11:54

بن الإسلام

مشرف عام

______________

بن الإسلام is offline

الملف الشخصي
التسجيـــــل: 08.05.2010
الجــــنـــــس: ذكر
الــديــــانــة: الإسلام
المشاركات: 3.061  [ عرض ]
آخــــر نــشــاط
22.03.2021 (13:42)
تم شكره 303 مرة في 228 مشاركة
Default



9-الحِلْم:


خلق من أخلاق الإسلام العظيمة، والذى يتمثل فى تريث الإنسان وتثبته فى الأمر، ويعنى الأناة وضبط النفس.

وهو ضبط إرادى للانفعال فى مواجهة إساءات الآخرين، ابتغاء وجه الله.
ويعطى الحليم الفرصة للتفكير الهادئ والتقدير السديد لتلك الإساءات، فيقرر بطريقة سليمة خلقيًا ودينيًا أن يقابلها بمثلها، أو يعفو عنها.

وهكذا يكفل الحلم لصاحبه البقاء ضمن إطار القانون والفضيلة ويجنبه تجاوزهما.

أما الخير الذى يجنيه الغير من حلم الحليم فهو الأمن من الظلم أو انتهاك الفضيلة والقانون بالاعتداء أو بالعقاب المخالف لهما، وكذلك يتيح الحلم للغير الفرصة لنيل العفو والصفح عن إساءته


وعندما نتأمل آيات القرآن الكريم التى تعالج الحلم نجد أنها تذكره كصفة لله -عز وجل- ثم لأنبيائه - صلوات الله وسلامه عليهم. وأنها تقرنه -غالبًا- بالمغفرة.

يقول تعالى: { لاَّ يُؤَاخِذُكُمُ اللهُ بِاللَّغْوِ فِى أَيْمَانِكُمْ وَلَكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ } [البقرة: 225].

وقوله:{اعلّموا أّن اللَّه غّفور حّلٌيم} [البقرة: 235].
وقوله -عز وجل- { إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لأوَّاهٌ حَلِيمٌ } [التوبة: 114].
ويقول واصفًا إسماعيل -عليه السلام.. { فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ } [الصافات: 101].

وفى كتاب الله فضلا عن هذا ثناء كبير على {وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ } [آل عمران:134].
وتقدير مرموق للمؤمنين { وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ } [الشورى: 37].

وقد ورد فى السنة النبوية العديد من الأحاديث التى تحث على فضيلة الحلم وتغرى المسلمين على الالتزام بها.

يقول النبى – صلى الله عليه وسلم-: «ما من جرعة أعظم أجرًا عند الله من جرعة غيظ كظمها عبد ابتغاء وجه الله»

ويقول – صلى الله عليه وسلم-: «ألا أدلكم على أشدكم؟ أملككم لنفسه عند الغضب»

ويقول -أيضًا-: «ليس الشديد بالصرعة، إنما الشديد الذى يملك نفسه عند الغضب»

ففى هذه الأحاديث - فضلا عن الحث الصريح والندب الواضح إلى فضيلة الحلم - بيان لعدة حقائق تتعلق بهذه الفضيلة.

1- كون الغيظ أو الغضب العنيف مسلمة أولية للحلم، وإذا لم يوجد غضب لأى سبب، لم يعد للحلم مكان.
2-أن الحلم فضيلة صعبة المنال؛ لأنها تتطلب شخصية وإرادة خلقية قوية، لضبط الانفعال العنيف.
3- أن الحلم فضيلة عالية القيمة.
4- أن القيمة الخلقية للحلم ترتهن بنية الفوز برضا الله أو قصد وجه الله.

ولقد حذر الرسول – صلى الله عليه وسلم- من الغضب الذى يخرج صاحبه عن حد الاعتدال.
فعن أبى هريرة -رضى الله عنه- «أن رجلا قال للنبى – صلى الله عليه وسلم - أوصنى قال: «لا تغضب» فردد مرارًا قال «لا تغضب».


ـ فضل الحلم والصفح:

بالتأمل فى صفة الحلم نجد أنها تعود على صاحبها بالخير والسعادة فى الدنيا والآخرة، نجمل منها:
1- جعل الله -عز وجل- الحلم والعفو من صفات المتقين الذين يسارعون إلى مغفرة الله وإلى الجنة،

فقال تعالى: {وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِى السَّرَّاء وَالضَّرَّاء وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}[آل عمران: 133- 134].

2-الحلم يحيل العداوة مودة،
يقول الله تعالى{ وَلا تَسْتَوِى الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِى هِى أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِى بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِى حَمِيمٌ وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ }[فصلت: 34- 35]

3- جعل الله تعالى الصفح، والعفو والحلم من علامات القوة، وليس من علامات الضعف والعجز،
قال تعالى: { وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ} [الشورى: 43]

4- الحلم يحبه الله تعالى،
عن عائشة - رضى الله عنها- قالت: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم-: «إن الله يحب الرفق ويعطى على الرفق ما لا يعطى على العنف، وما لا يعطى على ما سواه»

وعنها - أيضًا- قالت: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم-: «إن الرفق لا يكون فى شيء إلا زانه ولا ينزع من شيء إلا شانه»

5- الحليم العفو يدعوه الله يوم القيامة ليخيّره من الحور العين ما شاء،
فعن معاذ بن أنس - رضى الله عنه- أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم - قال: «من كظم غيظًا وهو قادر على أن ينفذه دعاه الله سبحانه وتعالى على رؤوس الخلائق يوم القيامة حتى يخيره من الحور العين ما شاء»

6- جعل الله تعالى الحلم من صفات عباده فقال تعالى: {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلاما} [الفرقان: 63].

7- يُحرِّم الله تعالى النار على كل هين لين سهل،

فعن ابن مسعود - رضى الله عنه- قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم-: «ألا أخبركم بمن يحرم على النار - أو بمن تحرم عليه النار- تحرم على كل قريب هين لين سهل»

ـ نماذج عملية فى الحلم:

1- حلم النبى – صلى الله عليه وسلم-:
فعن عائشة -رضى الله عنها- قالت: «ما خُيِّر رسول الله – صلى الله عليه وسلم - بين أمرين إلا أخذ أيسرهما، ما لم يكن إثمًا، فإن كان إثمًا كان أبعد الناس منه، وما انتقم رسول الله – صلى الله عليه وسلم - لنفسه فى شىء قط، إلا أن تُنتهك حرمة الله فينتقم لله تعالى»

وعن أنس بن مالك - رضى الله عنه- قال: «كنت أمشى مع رسول الله – صلى الله عليه وسلم - وعليه برد نجرانى غليظ الحاشية، فأدركه أعرابى، فجبذه بردائه جبذة شديدة، حتى نظرت إلى صفحة عاتق رسول الله – صلى الله عليه وسلم - قد أثّرت به حاشية البرد من شدة جبذته - ثم قال: يا محمد، مر لى من مال الله الذى عندك، فالتفت إليه رسول الله – صلى الله عليه وسلم - ثم أمر له بعطايا»

هذا مثل رائع فى حلم النبى – صلى الله عليه وسلم - مع الأعرابى الذى تطاول عليه بيده وبلسانه، وكان رد فعل الرسول – صلى الله عليه وسلم - فى هذا الموقف الذى يطيش فيه عقل أهل الأرض أن يضرب المثل الأعلى فى الحلم، فيبتسم، ويأمر له بعطاء على بعيرين، أحدهما عليه شعير، وعلى الآخر تمرًا.

وقد اتسع حلمه – صلى الله عليه وسلم - حتى شمل الناس جميعًا،
فقد روى جابر بن عبد الله - رضى الله عنهما- قال: أتى رجل رسول الله – صلى الله عليه وسلم - بالجعرانة منصرفه من حنين، وفى ثوب بلال فضة، ورسول الله – صلى الله عليه وسلم - يقبض منها، يعطى الناس، فقال: يا محمد، اعدل. قال: «ويلك، ومن يعدل إذا لم أكن أعدل؟ لقد خبت وخسرت إن لم أكن أعدل»، فقال عمر - رضى الله عنه-: دعنى يا رسول الله، فأقتل هذا المنافق، فقال: «معاذ الله أن يتحدث الناس أنى أقتل أصحابى، إن هذا وأًصحابه يقرأون القرآن لا يجاوز حناجرهم، يمرقون منه كما يمرق السهم من الرمية»

2-حلم أبو بكر الصديق - رضى الله عنه-:

لقد كان أبو بكر - رضى الله عنه- لين الطبع يؤثر العفو على المؤاخذة، والحلم على الثأر والانتقام، ولكن رغم ذلك فإن موقف مسطح (وكان من أقاربه) من حادث الإفك -حين خاض مسطح مع الخائضين فيه- غضب أبو بكر وأقسم ألا ينفق عليه، فنزل القرآن ليرد أبا بكر إلى صوابه وحلمه وعفوه، فقال تعالى: { وَلا يَأْتَلِ أُوْلُوا الْفَضْلِ مِنكُمْ وَالسَّعَةِ أَن يُؤْتُوا أُوْلِى الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِى سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } [النور: 22]. فرجع أبو بكر مرة أخرى للإنفاق على مسطح.

3- حلم عمر بن الخطاب - رضى الله عنه-:

على قدر ما كان عمر بن الخطاب- رضى الله عنه-قويًا فى الحق،لا يخشى فى الله لومة لائم، كان حليمًا عفوًا

فعن ابن عباس -رضى الله عنهما- قال: قدم عيينة بن حصن فنزل على ابن أخيه الحُر بن قيس فقال عيينة لابن أخيه:( يا ابن أخى لك وجه عند هذا الأمير) فأذنْ لى عليه، فاستأذن، فإذن له عمر.
فلما دخل قال: هِى يا ابن الخطاب، فوالله ما تعطينا الجزل، ولا تحكم فينا بالعدل فغضب عمر - رضى الله عنه- حتى هَمَّ أن يوقع به. فقال له الحر: يا أمير المؤمنين: إن الله تعالى قال لنبيه – صلى الله عليه وسلم-: «خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين،) والله ما جاوزها عمر حين تلاها، وكان وقّافًا عند كتاب الله تعالى»

4- حلم الشافعى رحمه الله:
روى أن الشافعى - رحمه الله - خرج ذات يوم من المسجد فقال له رجل: يا شافعى أنت فاسق!
فقال الشافعى: اللهم إنْ كنتُ كما قال فتب عليَّ. وإن لم أكن كما قال فاغفر لى.

وفى اليوم الثانى: حدث كما حدث فى اليوم الأول، وفى اليوم الثالث كذلك.
فقال له الشافعى: يا هذا ..إن العالم كالشجرة والعلم كالثمرة. فخذ الثمر ولا شأن لك بالشجرة،

وعندما عوتب في ذلك قال الشافعى:

يخاطبنى السفيه بكل قبح وآبى أن أكون له مجيبا ...

يزيد سفاهة وأزيد حلما كعود زاده الإحراق طيبا ...



ما أحوجنا فى هذه الأيام لإشاعة خُلق الحلم والصفح ...

فى تعاملنا مع الآخرين.. والله الهادى إلى سواء السبيل.






Reply With Quote