منتديات كلمة سواء الدعوية للحوار الإسلامي المسيحي

منتديات كلمة سواء الدعوية للحوار الإسلامي المسيحي (https://www.kalemasawaa.com/vb/index.php)
-   رد الشبـهـات الـعـامـــة (https://www.kalemasawaa.com/vb/forumdisplay.php?f=73)
-   -   هل انتشر الإسلام بالسيف؟ (https://www.kalemasawaa.com/vb/showthread.php?t=13656)

ابن عباس 02.05.2011 17:29

هل انتشر الإسلام بالسيف؟
 
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

هل انتشر الإسلام بالسيف؟

الحمد لله على نعمة الإسلام والصلاة والسلام على خير الأنام وآله وصحبه وسلم تسليما كثيرا . ثم أما بعد ...،

فقد قدر الإسلام ما للدين من أهمية في حياة الإنسان حيث يلبي النزعة الإنسانية إلى عبادة الله ، ولما يمد به الإنسان من وجدان وضمير ، ولما يقوى في نفسه من عناصر الخير والفضيلة ، وما يضفي على حياته من سعادة وطمأنينة .

نظرا لتلك الأسباب كلها كان الدين ضرورة حياة بالنسبة للإنسان ، قال تعالى : { فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ }

ولذا يقول برجستون " لقد وجدت - وتوجد - جماعات إنسانية من غير علوم وفنون وفلسفات ولكن لم توجد قط جماعة بغير ديانة "

ونظرا لتلك الاعتبارات حافظت شريعة الإسلام على الدين ، سواء من حيث غرسه في النفوس وتعميقه فيها ابتداء ، أو من حيث تدعيم أصله وتعهده بما ينميه ويحفظ بقاءه استمرارا ودواما ، وشرعت لذلك الوسائل التالية :

أ-وسائل حفظ الدين من جانب الوجود :
من وسائل غرس الدين في النفوس ابتداء في الشريعة الإسلامية الوسائل التالية :

1- ترسيخ اليقين بأصول الإيمان وأركانه ، وهي الإيمان بالله ورسله وكتبه وملائكته واليوم الآخر والقدر خيره وشره ، يقول الله تعالى : { آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ } ويقول تعالى : { يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا } .

2- إقامة هذا الإيمان على البرهان العقلي والحجة العلمية ، ومن هنا كانت دعوة الإسلام إلى النظر والتدبر : { أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ } ، وكان نعيه على أولئك الذين لا يتفكرون في الآيات المبثوثة في الكون { وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ } كما شن حملة شعواء على تقاليد الآباء وأخذ المعتقدات من غير نظر ولا برهان { وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ } .

3- القيام بأصول العبادات وأركان الإسلام من صلاة وزكاة وصوم وحج ، بعد النطق بالشهادتين فهذه العبادات من أهم أسرارها وحكمها أنها تصل العبد بربه وتوثق صلته به مما يرسخ أصل الإيمان في نفسه ويجدده ، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم ، فيما يرويه عن ربه « وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه ، ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه »
ويقول صلى الله عليه وسلم : « بني الإسلام على خمس شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ، وإقام الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، وصوم رمضان ، وحج البيت من استطاع إليه سبيلا »

4- إيجاب الدعوة إلى الله وحمايتها وتوفير أسباب الأمن لحملتها { وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ } ، { ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ } ، { يَابُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ } ، { أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى }{ عَبْدًا إِذَا صَلَّى } ، { إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ }

ب- وسائل المحافظة على الدين من جانب البقاء
والمقصود بها الوسائل التي انتهجتها الشريعة في المحافظة على الدين بعد حصوله ، لصيانته وإزالة العوائق من طريقه ، وتزكيته في النفوس.
ومن هذه الوسائل : -
1- كفالة حرية العقيدة والتدين وحمايتها فالإسلام لا يكره أحدا على اعتناقه ، ويسمح بتعايش مختلف الأديان داخل دياره وفي رحاب دولته ، ويترك الحرية لأهل الأديان في عقائدهم وممارستهم التعبدية وتصرفاتهم المدنية كما قال صلى الله عليه وسلم : « لهم ما لنا وعليهم ما علينا » بل إن من أهداف الجهاد الإسلامي تأمين حرية الاعتقاد والتدين ، قال تعالى : { وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا } .

2- تشريع الجهاد تمكينا للدين ودرءًا للعدوان وحماية للاعتقاد قال تعالى : { وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ } ، { وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَل لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيرًا } .

3- الالتزام بتعاليم الدين وتطبيقها بعد القناعة بها وبذلك تظل للدين حيويته في النفوس وأثره في الوجدان ، ومن هنا قرن الإيمان والعمل الصالح في كثير من نصوص القرآن ، إذ كثيرا ما يرد في القرآن : { إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ } .

4- تشريع عقوبة الردة وذلك حتى يكون الإنسان جادا في اعتناقه للإسلام ، وحتى لا يقدم على الإسلام إلا بعد قناعة تامة ، فالإسلام لا يكره أحدا على اعتناقه . بل إن الله لا يقبل من الدين إلا ما كان نابعا عن قناعة من صاحبه ، فإذا دخله الشخص فمن المفروض أن يكون على قناعة بما اتخذ من قرار ، فإذا ارتد بعد ذلك فمعنى ذلك أنه أحدث بلبلة فكرية وسياسية تضطرب بها أوضاع المجتمع ، ويفقد استقراره الفكري والنفسي المنشود . كما قال تعالى مبينا دعوة المشركين إلى هذه السياسة : { وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُوا آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ }
ونظرا لذلك شرعت عقوبة الردة . حماية لجدية الاعتقاد ، وحرمة الدين .

5- إقامة سياج من الحاجيات والتحسينات كأداء الصلاة جماعة ، كنوافل العبادات المختلفة وبكل هذه التشريعات يتأصل الدين ، ويرسخ في نفس الإنسان وفي المجتمع ، مما يحقق الأنس والسكينة والخير للفرد والمجتمع .

قال الله تعالى : { يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ }{ فَإِنْ زَلَلْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْكُمُ الْبَيِّنَاتُ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } [ سورة البقرة : الآيتان 208 ، 209] ، يقول الله تعالى آمرا عباده المؤمنين أن يأخذوا بجميع شرائع الإسلام والعمل بجميع أوامره وترك جميع زواجره وقد خاطب الله المؤمنين في القرآن فيما يقرب من تسعين موضعًا تضمنت هذه الخطابات أمرًا ونهيًا وخبرًا وترغيبًا وترهيبًا ووعدًا ووعيدا .
قال ابن مسعود رضي الله عنه : إذا سمعت الله يقول : { يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا } فأصغ لها سمعك فإنه خير تؤمر به أو شر تنهى عنه .

وقال عطاء الخراساني : الدين خمس لا يقبل الله منهن شيئًا دون شيء شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله وإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله وبالجنة والحياةَ بعد الموت ، هذه واحدة ، والصلوات الخمس عمود الدين لا يقبل الله الإيمان إلا بالصلاة ، والزكاة طهور من الذنوب ولا يقبل الله الإيمان ولا الصلاة إلا بالزكاة فمن فعل هؤلاء الثلاث ثم جاء رمضان فترك صيامه متعمدا لم يقبل الله منه الإيمان ولا الصلاة ولا الزكاة ، فمن فعل هؤلاء الأربع ثم تيسر له الحج فلم يحج ولم يوص بحجته ولم يحج عنه بعض أهله لم يقبل الله منه الأربع التي قبله .انظر المجموعة الجليلة للشيخ فيصل بن مبارك ص 395 .

الإسلاموفوبيا (الخوف المرضي من الإسلام)
لقد حاول المستشرقون والعلمانيون الترويج لمشاريعهم الباطلة وفي ذات الوقت حاولوا بكل وسيلة مشروعة وغير مشروعة ولا يزالون يحيكون دسائسهم لتدير الإسلام ولكن هيهات ... إنه دين الله الخاتم المحفوظ من فوق سبع سماوات ويعتز به حملته في الأرض.

إذن من وسائل حفظ الدين في الإسلام الجهاد في سبيل الله وهو في جميع أحواله يدور بين حماية الإسلام وتعريف الناس بالدين الحق وحماية الشرائع الإسلامية يهودية أو نصرانية وهذا ما يكون تحت راية ولي الأمر المسلم لا راية أفراد يروعون الأبرياء ويقتلون المستأمنين ويخرجون على الحكام - وعليه قسم العلماء الجهاد إلى نوعين :
2 جهاد طلب ،
3 جهاد دفع .
ولا شك أن جهاد الطلب كان له أثر كبير في نشر الإسلام ، ودخول الناس في دين الله أفواجا .
ولذلك ملئت قلوب أعداء الإسلام رعباً من الجهاد .

جاء في مجلة العالم الإسلامي الإنجليزية : إن شيئاً من الخوف يجب أن يسيطر على العالم الغربي ، ولهذا الخوف أسباب منها أن الإسلام منذ ظهر بمكة لم يضعف عددياً بل دائما في ازدياد واتساع . ثم إن الإسلام ليس ديناً فحسب ، بل إن من أركانه الجهاد اهـ .

وقال روبرت بين : إن المسلمين قد غزوا الدنيا كلها من قبل وقد يفعلونها مرة ثانية اهـ .

الحكمة من مشروعية الجهاد ولماذا يجاهد المسلمون ؟.

فرض الله تعالى على المسلمين الجهاد في سبيله ، وذلك للمصالح العظيمة المترتبة عليه ، ولما في تركه من أضرار ومفاسد قد تؤدي إلى ضياع الدين بالكلية، فمن الحكم في مشروعية الجهاد في سبيل الله :

1- الهدف الرئيس للجهاد هو تعبيد الناس لله وحده ، وإخراجهم من العبودية للعباد إلى العبودية لرب العباد.

قال الله تعالى : (وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنْ انتَهَوْا فَلا عُدْوَانَ إِلا عَلَى الظَّالِمِينَ) البقرة /193.
وقال : ( وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ فَإِنْ انتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ) الأنفال /39 .

وقال ابن جرير في تفسيره:
فقاتلوهم حتى لا يكون شرك ، ولا يعبد إلا الله وحده لا شريك له ، فيرتفع البلاء عن عباد الله من الأرض، وهو الفتنة ويكون الدين كله لله ، وحتى تكون الطاعة والعبادة كلها خالصة دون غيره اهـ .

وقال ابن كثير :
أمر تعالى بقتال الكفار حتى لا تكون فتنة أي شرك ويكون الدين لله أي يكون دين الله هو الظاهر على سائر الأديان اهـ .

وقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ ، وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ ، وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ ، فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إِلا بِحَقِّ الإِسْلامِ ، وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ ) رواه البخاري (24) ومسلم (33) .

وقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( بُعِثْتُ بَيْنَ يَدَيْ السَّاعَةِ بِالسَّيْفِ حَتَّى يُعْبَدَ اللَّهُ وَحْدَهُ ، لا شَرِيكَ لَهُ ) . رواه أحمد (4869) . وصححه الألباني في "صحيح الجامع" (2831) .

وقد كان هذا الهدف من الجهاد حاضراً في حس الصحابة رضي الله عنهم أثناء معاركهم مع أعداء الله ، روى البخاري (2925) عَنْ جُبَيْرِ بْنِ حَيَّةَ قَالَ بَعَثَ عُمَرُ النَّاسَ فِي أَفْنَاءِ الأَمْصَارِ يُقَاتِلُونَ الْمُشْرِكِينَ ... فَنَدَبَنَا عُمَرُ ، وَاسْتَعْمَلَ عَلَيْنَا النُّعْمَانَ بْنَ مُقَرِّنٍ حَتَّى إِذَا كُنَّا بِأَرْضِ الْعَدُوِّ وَخَرَجَ عَلَيْنَا عَامِلُ كِسْرَى فِي أَرْبَعِينَ أَلْفًا ، فَقَامَ تَرْجُمَانٌ فَقَالَ : لِيُكَلِّمْنِي رَجُلٌ مِنْكُمْ . فَقَالَ الْمُغِيرَةُ : سَلْ عَمَّا شِئْتَ . قَالَ : مَا أَنْتُمْ ؟ قَالَ : نَحْنُ أُنَاسٌ مِنْ الْعَرَبِ ، كُنَّا فِي شَقَاءٍ شَدِيدٍ ، وَبَلاءٍ شَدِيدٍ ، نَمَصُّ الْجِلْدَ وَالنَّوَى مِنْ الْجُوعِ ، وَنَلْبَسُ الْوَبَرَ وَالشَّعَرَ ، وَنَعْبُدُ الشَّجَرَ وَالْحَجَرَ ، فَبَيْنَا نَحْنُ كَذَلِكَ إِذْ بَعَثَ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَرَبُّ الأَرَضِينَ ، تَعَالَى ذِكْرُهُ وَجَلَّتْ عَظَمَتُهُ ، إِلَيْنَا نَبِيًّا مِنْ أَنْفُسِنَا نَعْرِفُ أَبَاهُ وَأُمَّهُ ، فَأَمَرَنَا نَبِيُّنَا رَسُولُ رَبِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نُقَاتِلَكُمْ حَتَّى تَعْبُدُوا اللَّهَ وَحْدَهُ أَوْ تُؤَدُّوا الْجِزْيَةَ ، وَأَخْبَرَنَا نَبِيُّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ رِسَالَةِ رَبِّنَا أَنَّهُ مَنْ قُتِلَ مِنَّا صَارَ إِلَى الْجَنَّةِ فِي نَعِيمٍ لَمْ يَرَ مِثْلَهَا قَطُّ ، وَمَنْ بَقِيَ مِنَّا مَلَكَ رِقَابَكُمْ .

وتلك حقيقة كان يعلنها الصحابة وقادة المسلمين في غزواتهم .

وقال ربعي بن عامر لما سأله رستم أمير جيوش الفرس : ما جاء بكم ؟ فقال : الله ابتعثنا لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة الله .

ولما بلغ عقبة بن نافع طنجة أوطأ فرسه الماء ، حتى بلغ الماء صدرها ، ثم قال : اللهم اشهد أني قد بلغت المجهود ، ولولا هذا البحر لمضيت في البلاد أقاتل من كفر بك ، حتى لا يعبد أحدٌ من دونك .

2- رد اعتداء المعتدين على المسلمين .
وقد أجمع العلماء على أن رد اعتداء الكفار على المسلمين فرض عين على القادر عليه .
قال الله تعالى : (وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ) البقرة /190 .

وقال تعالى : ( أَلا تُقَاتِلُونَ قَوْمًا نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ وَهَمُّوا بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ وَهُمْ بَدَءُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ) التوبة/13 .
3- إزالة الفتنة عن الناس .
والفتنة أنواع :
الأول : ما يمارسه الكفار من أشكال التعذيب والتضييق على المسلمين ليرتدوا عن دينهم . وقد ندب الله تعالى المسلمين للجهاد لإنقاذ المستضعفين ، قال تعالى : ( وَمَا لَكُمْ لا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَل لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيرًا ) النساء /75 .

الثاني : فتنة الكفار أنفسهم وصدهم عن استماع الحق وقبوله ، وذلك لأن الأنظمة الكفرية تفسد فطر الناس وعقولهم ، وتربيهم على العبودية لغير الله ، وإدمان الخمر ، والتمرغ في وحل الجنس ، والتحلل من الأخلاق الفاضلة ، ومن كان كذلك قَلَّ أن يعرف الحق من الباطل ، والخير من الشر ، والمعروف من المنكر . فشرع الجهاد لإزالة تلك العوائق التي تعوق الناس عن سماع الحق وقبوله والتعرف عليه .

4- حماية الدولة الإسلامية من شر الكفار .
ولذلك أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتل رؤوس الكفر الذي كانوا يألبون الأعداء على المسلمين ، ككعب بن الأشرف ، وابن أبي الحقيق اليهوديين .

ومن ذلك : الأمر بحفظ الثغور (الحدود) من الكفار ، وقد رغب النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك فقال : ( رِبَاطُ يَوْمٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ خَيْرٌ مِنْ الدُّنْيَا وَمَا عَلَيْهَا ) البخاري (2678) .

5- إرهاب الكفار وإذلالهم وإخزاؤهم .
قال تعالى : ( قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمْ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ (14) وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ) التوبة /14-15 . وقال : ( وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ ) الأنفال /60 .

ولذلك شرع في القتال ما يسبب الرعب في قلوب الأعداء .

سئل شيخ الإسلام رحمه الله هل يجوز للجندي أن يلبس شيئا من الحرير والذهب والفضة في القتال أو وقت يصل رسل العدو إلي المسلمين ؟
فأجاب : الحمد لله ، أما لباس الحرير لإرهاب العدو ففيه للعلماء قولان أظهرهما أن ذلك جائز ، فإن جند الشام كتبوا إلى عمر بن الخطاب إنا إذا لقينا العدو ورأيناهم قد كَفَّرُوا أي غطوا أسلحتهم بالحرير وجدنا لذلك رعبا في قلوبنا ، فكتب إليهم عمر : وأنتم فَكَفِّرُوا أسلحتكم كما يكفرون أسحلتهم . ولأن لبس الحرير فيه خيلاء ، والله يحب الخيلاء حال القتال ، كما في السنن عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( إن من الخيلاء ما يحبه الله ، ومن الخيلاء ما يبغضه الله ، فأما الخيلاء التي يحبها الله ، فاختيال الرجل عند الحرب ، وأما الخيلاء التي يبغضها الله فالخيلاء في البغي والفخر ) .
ولما كان يوم أحد اختال أبو دجانة الأنصاري بين الصفين فقال النبي صلى الله عليه وسلم : إنها لمشية يبغضها الله إلا في هذا الموطن اهـ . مجموع الفتاوى 28/17 .

6- كشف المنافقين .
قال الله تعالى :( فَإِذَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ مُحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتَالُ رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنْ الْمَوْتِ ) محمد/20 .

فإن المسلمين في حال الرخاء والسعة ، قد ينضم إليهم غيرهم ممن يطمعون في تحقيق مكاسب مادية ، ولا يريدون رفع كلمة الله على كلمة الكفر ، وهؤلاء قد يخفى أمرهم على كثير من المسلمين ، وأكبر كاشف لهم هو الجهاد ، لأن في الجهاد بذلا لروح الإنسان وهو ما نافق إلا ليحفظ روحه .

وكان كشف المنافقين إحدى الحكم الجليلة التي أرادها الله عز وجل مما حصل للمؤمنين يوم أحد .
قال الله تعالى : ( مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنْ الطَّيِّبِ ) آل عمران/179 . قال ابن القيم : أي ما كان الله ليذركم على ما أنتم عليه من التباس المؤمنين بالمنافقين ، حتى يميز أهل الإيمان من أهل النفاق ، كما ميزهم بالمحنة يوم أحد ، وما كان الله ليطلعكم على الغيب الذي يميز به بين هؤلاء وهؤلاء ، فإنهم متميزون في غيبه وعلمه ، وهو سبحانه يريد أن يميزهم تمييزا مشهودا ، فيقع معلومُه الذي هو غيبٌ شهادةً اهـ .

7- تمحيص المؤمنين من ذنوبهم .
أي : تنقيتهم من ذنوبهم ، وتخليصهم منها .
قال الله تعالى : ( وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (140) وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ (141) أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمْ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ ) آل عمران/140-142 .

8- الحصول على الغنائم .
قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( بُعِثْتُ بَيْنَ يَدَيْ السَّاعَةِ بِالسَّيْفِ حَتَّى يُعْبَدَ اللَّهُ وَحْدَهُ ، لا شَرِيكَ لَهُ ، وَجُعِلَ رِزْقِي تَحْتَ ظِلِّ رُمْحِي ، وَجُعِلَ الذِّلَّةُ وَالصَّغَارُ عَلَى مَنْ خَالَفَ أَمْرِي ، وَمَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ) أحمد (4869) . صحيح الجامع (2831) .

قال الحافظ ابن حجر:
وَفِي الْحَدِيثِ إِشَارَةٌ إِلَى حِلِّ الْغَنَائِمِ لِهَذِهِ الأُمَّةِ ، وَإِلَى أَنَّ رِزْقَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جُعِلَ فِيهَا لا فِي غَيْرِهَا مِنْ الْمَكَاسِبِ ، وَلِهَذَا قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ : إِنَّهَا أَفْضَلُ الْمَكَاسِبِ اهـ .

وقال القرطبي :
فجعل الله رزق نبيه صلى الله عليه وسلم في كسبه لفضله ، وخصه بأفضل أنواع الكسب ، وهو أخذ الغلبة والقهر لشرفه اهـ .

وقد خرج النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة بدر لملاقاة قافلة أبي سفيان .
قال القرطبي : ودل خروج النبي صلى الله عليه وسلم ليلقى العير على جواز النفير للغنيمة لأنها كسب حلال وهو يرد ما كره مالك من ذلك إذ قال ذلك قتال على الدنيا اهـ .
وقال الشوكاني : ( قال ابن أبي جمرة : ذهب المحققون إلى أنه إذا كان الباعث الأول قصد إعلاء كلمة الله لم يضره ما ينضاف إليه ) اهـ

9- اتخاذ شهداء .
قال الله تعالى : ( إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (140) وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ ) آل عمران/140-141 .

( فالشهادة عند الله من أعلى مراتب أوليائه ، والشهداء هم خواصه والمقربون من عباده ، وليس بعد درجة الصديقية إلا الشهادة ، وهو سبحانه يحب أن يتخذ من عباده شهداء ، تراق دماؤهم في محبته ومرضاته ، ويؤثرون رضاه ومحابه على نفوسهم ، ولا سبيل إلى نيل هذه الدرجة إلا بتقدير الأسباب المفضية إليها من تسليط العدو) اهـ . قاله ابن القيم في "زاد المعاد" .

فأين هذه الحكمة العظيمة الجليلة من هؤلاء الذين ينفرون المسلمين من الجهاد ، ويخوفونهم منه ، ويصورون الجهاد على أنه موت ، وترمل للنساء ، ويتم للأطفال ؟!

10- إخلاء العالم من الفساد
قال الله تعالى : ( وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ ) الحج/40 .

وقال : ( وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتْ الأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ ) البقرة /251 .

قال مقاتل :
لولا دفع الله المشركين بالمسلمين ، لغلب المشركون على الأرض فقتلوا المسلمين ، وخربوا المساجد اهـ

قال شيخ الإسلام في الجواب الصحيح : 2/216 :
فيدفع بالمؤمنين الكفار ، ويدفع شر الطائفتين بخيرهما ، كما دفع المجوس بالروم النصارى ، ثم دفع النصارى بالمؤمنين أمة محمد اهـ .

وقال السعدي : لفسدت الأرض باستيلاء الكفرة والفجار ، وأهل الشر والفساد اهـ .

هذه بعض الحكم الجليلة من مشروعية الجهاد .

شبهة انتشار الإسلام بالسيف:
وقد أراد المستشرقون الطعن في الإسلام فكانت أشهر شبههم التي لا يزالون يتشدقون بها أنه انتشر بالسيف .

وألف المستشرق توماس أرنولد كتابه (الدعوة إلى الإسلام) يهدف منه إلى إماتة الروح الجهادية عند المسلمين ، وبرهن بزعمه على أن الإسلام لم ينتشر بالسيف ، وإنما انتشر بالدعوة السلمية المتبرئة من كل قوة .

وقد وقع المسلمون في الفخ الذي نُصِبَ لهم ، فإذا سمعوا من يتهجم على الإسلام بأنه انتشر بالسيف من المستشرقين ، قالوا : أخطأتم واسمعوا الرد عليكم من بني جلدتكم ، فهذا توماس يقول كذا وكذا .

وخرج الانهزاميون من المسلمين يدافعون عن الإسلام ، وأرادوا تبرئة الإسلام من هذه الفرية على زعمهم ، فنفوا أن يكون الإسلام انتشر بالسيف ، ونفوا مشروعية الجهاد في الإسلام إلا على سبيل الدفاع فقط ، وأما جهاد الطلب فلا وجود له عندهم . وهذا خلاف ما قرره أئمة الهدى علماء المسلمين ، فضلا عن مخالفته للقرآن والسنة .

قال شيخ الإسلام في "مجموع الفتاوى" (28/263) :
"فالمقصود أن يكون الدين كله لله ، وأن تكون كلمة الله هي العليا ، وكلمة الله اسم جامع لكلماته التي تضمنها كتابه ، وهكذا قال الله تعالى : ( لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط ) فالمقصود من إرسال الرسل وإنزال الكتب أن يقوم الناس بالقسط في حقوق الله وحقوق خلقه ثم قال تعالى : ( وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس وليعلم الله من ينصره ورسله بالغيب ) فمن عدل عن الكتاب قوم بالحديد، ولهذا كان قوام الدين بالمصحف والسيف. وقد روى عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال : أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نضرب بهذا يعنى السيف من عدل عن هذا يعنى المصحف اهـ .

وقال ابن القيم رحمه الله في "الفروسية" (ص 18) :
( وبعثه الله تعالى – يعني النبي صلى الله عليه وسلم - بالكتاب الهادي ، والسيف الناصر ، بين يدي الساعة حتى يعبد سبحانه وحده لا شريك له، وجعل رزقه تحت ظل سيفه ورمحه . . . فإن الله سبحانه أقام دين الإسلام بالحجة والبرهان ، والسيف والسنان ، كلاهما في نصره أخوان شقيقان اهـ .

وهذه بعض أدلة الكتاب والسنة والتي تدل دلالة بينة واضحة على أن السيف كان من أهم الأسباب التي أدت إلى انتشار الإسلام :

1- قال الله تعالى : ( وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ ) الحج /40 . وقال : ( وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتْ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ ) البقرة /251 .

2- وأمر الله تعالى بإعداد العدة لمجاهدة الكفار وإرهابهم ، قال تعالى : ( وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ ) الأنفال /60 .

فلو كان الإسلام لا ينتشر إلا بالدعوة السلمية فقط ، فمم يخاف الكفار ؟ أمن كلام يقال باللسان فقط ؟ وفي الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( نصرت بالرعب مسيرة شهر ) وهل يرعب الكفار أن يقال لهم أسلموا ، فإن لم تسلموا فأنتم أحرار فيما تعتقدون وتفعلون . أم كان يرعبهم الجهاد وضرب الجزية والصغار . مما يحملهم على الدخول في الإسلام لرفع ذلك الصغار عنهم .

3- وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يدعو الناس إلى الإسلام دعوة مقرونة بالسيف ، ويأمر بذلك قواده، لعل الناس إذا رأوا القوة وجد المسلمين في الدعوة إلى دينهم تزول عنهم الغشاوة .
روى البخاري (3009) ومسلم (2406) عن سَهْل بْنَ سَعْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ خَيْبَرَ : لأُعْطِيَنَّ الرَّايَةَ غَدًا رَجُلا يُفْتَحُ عَلَى يَدَيْهِ يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيُحِبُّهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ فَبَاتَ النَّاسُ لَيْلَتَهُمْ أَيُّهُمْ يُعْطَى فَغَدَوْا كُلُّهُمْ يَرْجُوهُ فَقَالَ أَيْنَ عَلِيٌّ فَقِيلَ يَشْتَكِي عَيْنَيْهِ فَبَصَقَ فِي عَيْنَيْهِ وَدَعَا لَهُ فَبَرَأَ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ بِهِ وَجَعٌ فَأَعْطَاهُ الراية . فَقَالَ : أُقَاتِلُهُمْ حَتَّى يَكُونُوا مِثْلَنَا ؟ فَقَالَ : انْفُذْ عَلَى رِسْلِكَ حَتَّى تَنْزِلَ بِسَاحَتِهِمْ ، ثُمَّ ادْعُهُمْ إِلَى الإِسْلامِ ، وَأَخْبِرْهُمْ بِمَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ ، فَوَاللَّهِ لأَنْ يَهْدِيَ اللَّهُ بِكَ رَجُلا خَيْرٌ لَكَ مِنْ أَنْ يَكُونَ لَكَ حُمْرُ النَّعَمِ .

فهذه دعوة إلى الله سبحانه مقرونة بقوة السلاح .

وروى مسلم (3261) عَنْ بُرَيْدَةَ قَالَ : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَمَّرَ أَمِيرًا عَلَى جَيْشٍ أَوْ سَرِيَّةٍ أَوْصَاهُ فِي خَاصَّتِهِ بِتَقْوَى اللَّهِ ، وَمَنْ مَعَهُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ خَيْرًا ، ثُمَّ قَالَ : اغْزُوا بِاسْمِ اللَّهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ، قَاتِلُوا مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ ، اغْزُوا ، وَلا تَغُلُّوا ، وَلا تَغْدِرُوا ، وَلا تَمْثُلُوا ، وَلا تَقْتُلُوا وَلِيدًا ، وَإِذَا لَقِيتَ عَدُوَّكَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ فَادْعُهُمْ إِلَى ثَلاثِ خِصَالٍ أَوْ خِلالٍ فَأَيَّتُهُنَّ مَا أَجَابُوكَ فَاقْبَلْ مِنْهُمْ وَكُفَّ عَنْهُمْ ثُمَّ ادْعُهُمْ إِلَى الإِسْلامِ فَإِنْ أَجَابُوكَ فَاقْبَلْ مِنْهُمْ وَكُفَّ عَنْهُمْ . . . فَإِنْ هُمْ أَبَوْا فَسَلْهُمْ الْجِزْيَةَ ، فَإِنْ هُمْ أَجَابُوكَ فَاقْبَلْ مِنْهُمْ وَكُفَّ عَنْهُمْ ، فَإِنْ هُمْ أَبَوْا فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَقَاتِلْهُمْ . . . الحديث .

فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر أمراءه أن يدعو الكفار إلى الإسلام وهم يرفعون السيوف فوق رؤوسهم ، فإن أبوا الإسلام دفعوا الجزية وهم أذلة صاغرون ، فإن أبوا فما لهم إلا السيف ( فَإِنْ هُمْ أَبَوْا فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَقَاتِلْهُمْ ) .

4- وقال صلى الله عليه وسلم : ( بُعِثْتُ بَيْنَ يَدَيْ السَّاعَةِ بِالسَّيْفِ حَتَّى يُعْبَدَ اللَّهُ وَحْدَهُ ، لا شَرِيكَ لَهُ ، وَجُعِلَ رِزْقِي تَحْتَ ظِلِّ رُمْحِي ، وَجُعِلَ الذِّلَّةُ وَالصَّغَارُ عَلَى مَنْ خَالَفَ أَمْرِي ، وَمَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ ) أحمد (4869) . صحيح الجامع (2831) .

وكون السيف والقوة من أسباب انتشار الإسلام ، هذا لا يعيب الإسلام ، بل هو من مزاياه ومحاسنه أنه يلزم الناس بما فيه نفعهم في الدنيا والآخرة ، وكثير من الناس يغلب عليهم السفه وقلة الحكمة والعلم، فلو تُرِك وشأنه لعمي عن الحق ، ولانغمس في الشهوات ، فشرع الله الجهاد لرد هؤلاء إلى الحق ، وإلى ما فيه نفعهم ، ولا شك أن الحكمة تقتضي منع السفيه مما يضره ، وحمله على ما فيه نفعه .

وروى البخاري (4557) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال : ( كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ ) قَالَ : خَيْرَ النَّاسِ لِلنَّاسِ [أي كنتم أنفع الناس للناس] تَأْتُونَ بِهِمْ فِي السَّلَاسِلِ فِي أَعْنَاقِهِمْ ، حَتَّى يَدْخُلُوا فِي الْإِسْلَامِ. وهل يؤتى بالناس في السلاسل من غير جهاد ؟‍!
وهذا مما يُمدح عليه الإسلام ولا يذم ، فعلى الانهزاميين ( أن يتقوا الله في مسخ هذا الدين ، وإصابته بالهزال بحجة أنه دين السلم والسلام . نعم ، إنه دين السلم والسلام ، ولكن على أساس إنقاذ البشرية كلها من عبادة غير الله ، وإخضاع البشرية كافة لحكم الله ، إنه منهج الله وليس منهج عبد من العبيد ولا مذهب مفكر من البشر حتى يخجل الداعون إليه من إعلان أن هدفهم الأخير هو أن يكون الدين كله لله . إنه حين تكون المذاهب التي يتبعها الناس مذاهب بشرية من صنع العبيد وحين تكون الأنظمة والشرائع التي تصرف حياتهم من وضع العبيد أيضاً فإنه في هذه الحالة يصبح لكل مذهب ولكل نظام الحق في أن يعيش داخل حدوده آمنا ما دام أنه لا يعتدي على حدود الآخرين ويصبح من حق هذه المذاهب والأنظمة والأوضاع المختلفة أن تتعايش وألا يحاول أحدها إزالة الآخر .

فأما حين يكون هناك منهج إلهي وشريعة ربانية وإلى جانبه مناهج ومذاهب من صنع البشر فإن الأمر يختلف من أساسه ، ويصبح من حق المنهج الإلهي أن يجتاز الحواجز البشرية ويحرر البشر من العبودية للعباد . . . ) فقه الدعوة لسيد قطب (217-222) . بتصرف يسير .
وجاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (12/14) : "الإسلام انتشر بالحجة والبيان بالنسبة لمن استمع البلاغ واستجاب له ، وانتشر بالقوة والسيف لمن عاند وكابر حتى غُلِب على أمره ، فذهب عناده فأسلم لذلك الواقع" اهـ .

تنبيه :
يجب أن يعلم أنه ليس معنى الجهاد في سبيل الله لدعوة الناس إلى الإسلام وإزالة معالم الشرك من الوجود ، ليس معنى هذا أن الإسلام يكره الناس على الدخول فيه ، كلا ، فإن الله تعالى يقول : (لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ) البقرة/256 .

ولذلك من رفض من المشركين الدخول في الإسلام تُرِكَ ودينَه ، ولكن بشروط نعقدها معه ، وهو ما يسمى بـ "عقد الجزية" أو "عقد الذمة" .

فلليهودي أن يبقى على يهوديته في دولة الإسلام ، وكذلك النصراني .

وتاريخ المسلمين شاهد على بقاء غير المسلمين في دولة الإسلام من غير أن يكرهوا على تغيير دينهم .

وقد اعترف بذلك كثير من المستشرقين أنفسهم .

قال المستشرق الألماني أولرش هيرمان:
" الذي لفت نظري أثناء دراستي لهذه الفترة – فترة العصور الوسطى- هو درجة التسامح التي تمتع بها المسلمون، وأخص هنا صلاح الدين الأيوبي،فقد كان متسامحاً جداً تجاه المسيحيين .
إن المسيحية لم تمارس الموقف نفسه تجاه الإسلام " انتهى ملخصا من جريدة (العالم) ، العدد 290، السبت 2 سبتمبر 1989م .

وقال هنري دي كاستري (مفكر فرنسي) :
"قرأت التاريخ وكان رأيي بعد ذلك أن معاملة المسلمين للمسيحيين تدل على ترفع في المعاشرة عن الغلظة وعلى حسن مسايرة ولطف مجاملة وهو إحساس لم يشاهد في غير المسلمين آن ذاك" انتهى .

وقال ول ديورانت (فيلسوف ومؤرخ أمريكي) :
"كان أهل الذمة المسيحيون، والزرادشتيون، واليهود، والصابئون يستمتعون في عهد الخلافة الأموية بدرجة من التسامح لا نجد نظيرًا لها في المسيحية في هذه الأيام. فلقد كانوا أحرارًا في ممارسة شعائر دينهم، واحتفظوا بكنائسهم ومعابدهم.. وكانوا يتمتعون بحكم ذاتي يخضعون فيه لزعمائهم وقضاتهم وقوانينهم" انتهى .

وقال الدكتور جورج حنا من نصارى لبنان :
"إن المسلمين العرب لم يعرف عنهم القسوة والجور في معاملتهم للمسيحيين بل كانوا يتركون لأهل الكتاب حرية العبادة وممارسة طقوسهم الدينية، مكتفين بأخذ الجزية منهم" انتهى .

وأما إكراه النصارى للمسلمين على تغيير دينهم ، وقتلهم وتعذيبهم إن رفضوا ذلك ، فشواهده من التاريخ القديم والمعاصر واضحة للعيان ، وما محاكم التفتيش إلا مثال واحد فقط من هذه الوقائع .
انظر : "التسامح في الإسلام بين المبدأ والتطبيق" للدكتور شوقي أبو خليل ، "الإسلام خواطر وسوانح" .

نظرة إلى الواقع المصري (مثالًا):
جدير بالذكر هنا أن ندرج جانبا ملخصا من دراسة مؤصلة بمعنى الكلمة لمنصف من منصفي النصارى في مصر وهو نبيل لوقا بباوي من كتاب : انتشار الإسلام بالسيف بين الحقيقة والافتراء –

وهو عبارة عن دراسة مسيحية تقول: الإسلام لم ينتشر بحد السيف ..!
إذا وجدت مسلما يكتب عن الإسلام، فينصب نفسه محاميا يرد عنه التهم الباطلة، ويحلل أسباب الهجوم الشرس على دينه من أعدائه الحاقدين عليه، فهذا أمر طبيعي لا يثير الانتباه ولا يدعو إلى الدهشة.. ولكن إذا جاء الدفاع من مسيحي أثاره الظلم الذي يتعرض له الإسلام، فمضى يناصر الحق والعدل، فهذا هو ما يثير الانتباه ويدعو إلى التفاؤل، ويؤكد أن الباطل مهما كثر أنصاره وقوي أتباعه فإن الحق في النهاية لا بد أن ينتصر ويعلو.

هذه المعاني أثارتها دراسة قبطية صدرت مؤخرا لباحث مسيحي مصري هو الدكتور نبيل لوقا بباوى تحت عنوان: "انتشار الإسلام بحد السيف بين الحقيقة والافتراء"، فقد رد فيها على الذين يتهمون الإسلام بأنه انتشر بحد السيف وأجبر الناس على الدخول فيه واعتناقه بالقوة.

وناقشت الدراسة هذه التهمة الكاذبة بموضوعية علمية وتاريخية أوضحت خلالها أن الإسلام، بوصفه دينا سماويا، لم ينفرد وحده بوجود فئة من أتباعه لا تلتزم بأحكامه وشرائعه ومبادئه التي ترفض الإكراه على الدين، وتحرم الاعتداء على النفس البشرية. إن سلوك وأفعال وفتاوى هذه الفئة من الولاة والحكام والمسلمين غير الملتزمين لا تمت إلى تعاليم الإسلام بصلة.

وقالت الدراسة: حدث في المسيحية أيضاً التناقض بين تعاليمها ومبادئها التي تدعو إلى المحبة والتسامح والسلام بين البشر وعدم الاعتداء على الغير وبين ما فعله بعض أتباعها في البعض الآخر من قتل وسفك دماء واضطهاد وتعذيب، مما ترفضه المسيحية ولا تقره مبادئها، مشيرة إلى الاضطهاد والتعذيب والتنكيل والمذابح التي وقعت على المسيحيين الأرثوذكس في مصر من الدولة الرومانية ومن المسيحيين الكاثوليك، لاسيما في عهد الإمبراطور دقلديانوس الذي تولى الحكم في عام 284م، فكان في عهده يتم تعذيب المسيحيين الأرثوذكس في مصر بإلقائهم في النار أحياء، أو كشط جلدهم بآلات خاصة، أو إغراقهم في زيت مغلي، أو إغراقهم في البحر أحياء، أو صلبهم ورؤوسهم منكسة إلى أسفل، ويتركون أحياء على الصليب حتى يهلكوا جوعا، ثم تترك جثثهم لتأكلها الغربان، أو كانوا يوثقون في فروع الأشجار،ويتم تقريب فروع الأشجار بآلات خاصة ثم تترك لتعود لوضعها الطبيعي فتتمزق الأعضاء الجسدية للمسيحيين إربا إربا.

وقال بباوي إن أعداد المسيحيين الذين قتلوا بالتعذيب في عهد الإمبراطور دقلديانوس يقدر بأكثر من مليون مسيحي إضافة إلى المغالاة في الضرائب التي كانت تفرض على كل شيء حتى على دفن الموتى، لذلك قررت الكنيسة القبطية الأرثوذكسية في مصر اعتبار ذلك العهد عصر الشهداء في مصر، وأرخوا به التقويم القبطي تذكيرا بالتطرف المسيحي.

وأشار الباحث إلى الحروب الدموية التي حدثت بين الكاثوليك والبروتستانت في أوروبا، وما لاقاه البروتستانت من العذاب والقتل والتشريد والحبس في غياهب السجون إثر ظهور المذهب البروتستانتي على يد الراهب مارتن لوثر الذي ضاق ذرعا بمتاجرة الكهنة بصكوك الغفران.

وهدفت الدراسة من وراء عرض هذا الصراع المسيحي إلى :
أولاً: عقد مقارنة بين هذا الاضطهاد الديني الذي وقع على المسيحيين الأرثوذكس من قبل الدولة الرومانية ومن المسيحيين الكاثوليك وبين التسامح الديني الذي حققته الدولة الإسلامية في مصر، وحرية العقيدة الدينية التي أقرها الإسلام لغير المسلمين وتركهم أحراراً في ممارسة شعائرهم الدينية داخل كنائسهم، وتطبيق شرائع ملتهم في الأحوال الشخصية، مصداقا لقوله تعالى في سورة البقرة: "لا إكراه في الدين"، وتحقيق العدالة والمساواة في الحقوق والواجبات بين المسلمين وغير المسلمين في الدولة الإسلامية إعمالا للقاعدة الإسلامية "لهم ما لنا وعليهم ما علينا"، وهذا يثبت أن الإسلام لم ينتشر بالسيف والقوة لأنه تم تخيير غير المسلمين بين قبول الإسلام أو البقاء على دينهم مع دفع الجزية (ضريبة الدفاع عنهم وحمايتهم وتمتعهم بالخدمات)، فمن اختار البقاء على دينه فهو حر.. وقد كان في قدرة الدولة الإسلامية أن تجبر المسيحيين على الدخول في الإسلام بقوتها، أو أن تقضي عليهم بالقتل إذا لم يدخلوا في الإسلام قهراً، ولكن الدولة الإسلامية لم تفعل ذلك تنفيذا لتعاليم الإسلام ومبادئه، فأين دعوى انتشار الإسلام بالسيف؟

ثانياً: إثبات أن الجزية التي فرضت على غير المسلمين في الدولة الإسلامية بموجب عقود الأمان التي وقعت معهم، إنما هي ضريبة دفاع عنهم في مقابل حمايتهم والدفاع عنهم من أي اعتداء خارجي، لإعفائهم من الاشتراك في الجيش الإسلامي حتى لا يدخلوا حرباً يدافعون فيها عن دين لا يؤمنون به.. ومع ذلك فإذا اختار غير المسلم أن ينضم إلى الجيش الإسلامي برضاه فإنه يعفى من دفع الجزية.

وتقول الدراسة إن الجزية كانت تأتي أيضا نظير التمتع بالخدمات العامة التي تقدمها الدولة للمواطنين مسلمين وغير مسلمين، والتي ينفق عليها من أموال الزكاة التي يدفعها المسلمون بصفتها ركناً من أركان الإسلام، وهذه الجزية لا تمثل إلا قدرا ضئيلا متواضعاً لو قورنت بالضرائب الباهظة التي كانت تفرضها الدولة الرومانية على المسيحيين في مصر، ولا يعفى منها أحد، في حين أن أكثر من 70% من الأقباط الأرثوذكس كانوا يعفون من دفع هذه الجزية؛ فقد كان يعفى من دفعها: القصر والنساء والشيوخ والعجزة وأصحاب الأمراض والرهبان.

ثالثاً: إثبات أن تجاوز بعض الولاة المسلمين أو بعض الأفراد أو بعض الجماعات من المسلمين في معاملاتهم لغير المسلمين إنما هي تصرفات فردية شخصية لا تمت لتعاليم الإسلام بصلة، ولا علاقة لها بمبادئ الدين الإسلامي وأحكامه، فإنصافاً للحقيقة ينبغي ألا ينسب هذا التجاوز للدين الإسلامي، وإنما ينسب إلى من تجاوز، وهذا بالضبط يتساوى مع رفض المسيحية للتجاوزات التي حدثت من الدولة الرومانية ومن المسيحيين الكاثوليك ضد المسيحيين الأرثوذكس.. ويتساءل قائلا: لماذا إذن يغمض بعض المستشرقين عيونهم عن التجاوز الذي حدث في جانب المسيحية ولا يتحدثون عنه، بينما يجسمون التجاوز الذي حدث في جانب الإسلام، ويتحدثون عنه؟! ولماذا الكيل بمكيالين؟! والوزن بميزانين؟!

وأكد الباحث أنه اعتمد في دراسته على القرآن والسنة وما ورد عن السلف الصالح من الخلفاء الراشدين - م- لأن في هذه المصادر وفي سير هؤلاء المسلمين الأوائل الإطار الصحيح الذي يظهر كيفية انتشار الإسلام وكيفية معاملته لغير المسلمين.

ويواصل قائلا: أما ما يفعله المستشرقون من الهجوم على الإسلام والحضارة الإسلامية من خلال إيراد أمثلة معينة في ظروف معينة لموقف بعض أولي الأمر من المسلمين أو لآراء بعض المجتهدين والفقهاء، أو لموقف أهل الرأي من المسلمين في ظروف خاصة في بعض العهود التي سيطر فيها ضيق الأفق والجهل والتعصب، فإن هذه الاجتهادات بشرية تحتمل الصواب والخطأ، في حين أن ما ورد في القرآن الكريم والسنة النبوية لا يحتمل الخطأ.

ويضيف: إذا كانت هناك أفعال لبعض الولاة المسلمين أو بعض الجماعات تخالف أحكام الكتاب أو السنة فهي تنسب إلى أصحابها، ولا يمكن أن تنسب إلى الإسلام، وطالبت الدراسة المسلمين أن يعيدوا النظر في أسلوبهم ومنهجهم عند مخاطبة غير المسلمين، وأن يسيروا في الطريق السليم الصحيح الذي رسمه لهم دينهم الإسلامي، وسار فيه الرسول والخلفاء الراشدون من بعده، لاسيما بعد الهجوم الشرس الذي يتعرض له الإسلام حاليا بعد أحداث 11 سبتمبر عام 20001م.

وأكدت الدراسة على ضرورة مخاطبة الغرب وأمريكا والعالم الخارجي بأسلوب الإقناع بعيداً عن العصبية، لتغيير المفاهيم التي روج لها المستشرقون في الغرب، واستغلها الساسة والمثقفون والكتاب الذين لهم موقف معاد للإسلام، ويتحلون بروح التعصب، لأن الإقناع بحقائق الأمور في حقيقة الإسلام هو خير وسيلة لتغيير المفاهيم في الغرب عن الإسلام عبر التاريخ وعبر التسلسل التاريخي لرسالة الإسلام.

ومضت الدراسة تدحض ما يقوله البعض من أن الإسلام انتشر بحد السيف، وأنه قتل أصحاب الديانات المخالفة، وأجبرهم على الدخول في الدين الإسلامي قهراً وبالعنف، موضحة أن الرسول بدأ بدعوة أصحابه في مكة ممن كان يثق فيهم، فأسلم أبو بكر الصديق وخديجة وعثمان بن عفان والزبير بن العوام وسعد بن أبي وقاص وعبد الرحمن بن عوف وتبعهم غيرهم، وكان الرسول يعرض الإسلام في موسم الحج على القبائل في مكة، وقد اقتنع جماعة من الأوس والخزرج بدعوته، وحينما عادوا إلى يثرب أو المدينة دعوا أهلها للدخول في الإسلام، تم ذلك دون أن يستل الرسول سيفاً أو يقاتل أحداً، بل العكس هو الصحيح، لقد تعرض المسلمون للاضطهاد من مشركي قريش، وكان سلاح المشركين الإهانة والضرب المفرط والتنكيل بالمسلمين بأبشع ألوان التعذيب، ولم يفكر المسلمون بإخراج السيوف من أغمدتها.

وقالت الدراسة إن الرسول أمضى في مكة ثلاث عشرة سنة يدعوهم للدخول في الإسلام بالحجة والموعظة الحسنة، وبعد أن استنب الأمر للإسلام داخل المدينة بدأ الرسول نشره خارجها بالحجة والإقناع للكفار الذين لا يؤمنون بالله وإلا فالقتال.. أما أصحاب الديانات الأخرى السماوية كاليهودية والمسيحية فكان يخيرهم بين دخول الإسلام عن اقتناع أو دفع الجزية، فإن لم يستجيبوا يقاتلهم، وهذا التخيير يعني أن الإسلام لم ينتشر بحد السيف كما يردد بعض المستشرقين.

**غزوات الرسول وأسبابها***

ثم جاءت موقعة بدر التي لم تكن من أجل نشر الإسلام بحد السيف، بل كان وراءها رغبة المسلمين في استرداد جزء من حقوقهم المغتصبة وأموالهم ومنازلهم التي تركوها في مكة رغما عنهم قبل الهجرة، فخرجوا لأخذ قافلة تجارية لقريش، وعندما علمت قريش بذلك خرجوا بأسلحتهم لقتال المسلمين.

ثم كانت موقعة أحد دفاعاً عن النفس والدعوة الإسلامية، لأن كفار قريش بقيادة أبي سفيان توجهوا من مكة إلى جبل أحد بالقرب من المدينة للقضاء على الدعوة الإسلامية في مهدها قبل أن تنتشر في شبه الجزيرة العربية.

ثم كانت موقعة الخندق أيضا دفاعا عن النفس، بعد أن قام اليهود بتجميع الأحزاب من القبائل، وعلى رأسهم قريش لمهاجمة المسلمين في المدينة وقتل الرسول ، وقد ثبت في موقعة الخندق أن اليهود هم المحرضون الأساسيون لها، فقد حرضوا قريشاً، ثم توجهوا إلى قبيلة غطفان وقبيلة بني مرة، ثم توجهوا إلى قبائل سليم وأشجع وفزارة وسعد وأسد وحرضوهم على قتال المسلمين، لذلك فقد كان الرسول معه كل الحق حينما طردهم من المدينة، لأنهم نقضوا العهد الذي أبرمه معهم، وانضموا في موقعة أحد إلى أعداء الإسلام، وكانوا كالشوكة في ظهر المسلمين أثناء وجودهم في المدينة بإعطاء أسرارهم لكفار قريش وإحداث المشاكل داخل المدينة ومحاولة الوقيعة بين الأنصار والمهاجرين.

وبعد صلح الحديبية نجد الإسلام ينتشر بين قادة قريش عن اقتناع، حيث اسلم خالد بن الوليد وعمرو بن العاص وتوجها بإرادتهما الحرة من مكة إلى المدينة لمقابلة الرسول وأسلما أمامه وبايعاه.

**موقف المسلمين من اليهود***
وفي الوقت الذي يدعي فيه البعض أن الإسلام يقتل أصحاب الديانات الأخرى ويجبرهم على الدخول في الإسلام، فإن الرسول بمجرد قدومه إلى المدينة المنورة عقد تحالفا مع اليهود المقيمين هناك، وذكرت الوثيقة أن اليهود الموجودين في المدينة لهم عهد وذمة الله، وأنهم آمنون على حياتهم وعلى دينهم وأموالهم ويمارسون شعائرهم الدينية، ورغم ذلك فقد خانوا المسلمين ونقضوا العهود.

ويقول بعض المستشرقين وعلى رأسهم مرجليوث: إن الغرض الأساسي من إغارة المسلمين على اليهود إنما هو الحصول على الغنائم، وهذا غير صحيح، لأن السبب الرئيسي في طرد اليهود من المدينة أنهم نقضوا العهد، ولم يتعاونوا مع المسلمين في الدفاع عن المدينة، وتحالفوا مع أعداء المسلمين، ولذا كان جلاء اليهود ضرورة لتأمين الجبهة الداخلية حماية للدولة الإسلامية الوليدة، وهو حق مشروع، وكان رأي الصحابة هو قتل جميع اليهود، ولكن الرسول رضي بوساطة عبد الله بن أبي بن سلول في يهود بني قينقاع وأمر بإجلائهم أحياء من المدينة، ولم يقتل منهم أحداً رغم أن المسلمين قد انتصروا عليهم.

كما أجلى يهود بنى النضير دون قتل بعد محاولاتهم الفاشلة لاغتيال رئيس الدولة المتمثل في شخص النبي محمد دون أن يقتل منهم أحدا، ثم كان حكم الصحابي الجليل سعد بن معاذ بقتل الرجال من يهود بني قريظة بعد أن خانوا عهدهم، وألبوا القبائل على المسلمين في غزوة الخندق.

وبعد أن علم المسلمون بخطة يهود خيبر في الهجوم على المدينة بدأوا بالهجوم، ولم يقتلوهم ولم يجبروهم على الدخول في الإسلام بعد أن قبلوا بدفع الجزية، وقد أرسل الرسول رسائله إلى جميع الملوك والأمراء في السنة السابعة من الهجرة يدعوهم إلى دخول الإسلام.

ولم يرسل الرسول أي قوات لإجبار أحد على الدخول في الإسلام باستثناء حالة واحدة حين أرسل حملة لتأديب أمير مؤتة الذي قتل رسوله الحارث بن عمير الأزدي عندما كان في طريقه إلى أمير بصري ليدعوه إلى دخول الإسلام، ولم يكن هدف الحملة نشر الإسلام بحد السيف، ولكنها كانت لمعاقبة أمير مؤتة شرحبيل بن عمرو الغساني لفعلته اللاإنسانية في جمادى الأولى من السنة الثامنة للهجرة عام 629م.

ولو كان الرسول يريد نشر الإسلام بحد السيف أو يريد الغنائم كما يدعي بعض المستشرقين لكان ترك تبوك وتوجه إلى قوات قيصر الروم المتحصنة داخل الحصون في بلاد الشام وحاصرها من الخارج وقطع عنهم الطعام والمؤن، ومن المؤكد أنها كانت سوف تستجيب لمطالبه إذا طال الحصار عليهم، ولكنه لم يفعل ذلك لا مع أهل تبوك ولا مع ثقيف قبلهم في غزوة حنين، لأن غرضه الأساسي الدفاع عن النفس والدفاع عن الدعوة الإسلامية، وإن كان هذا لا يمنع البدء بالهجوم إذا علم أنه سيهاجم باعتبار أن خير وسيلة للدفاع هي الهجوم.

والسؤال الذي يطرح نفسه على بعض المستشرقين، أين هو انتشار الإسلام بحد السيف في عام الوفود؟ وها هي الوفود من القبائل على رأسها زعماء القبائل وسادتها يأتون طواعية إلى المدينة المنورة، ويتحملون عبء السفر رغم وعورة الطرق في ذلك الوقت، وإثر دخولهم المدينة يتوجهون لمقابلة الرسول بحر إرادتهم يعلنون إسلامهم باسم قبائلهم.

وتؤكد الدراسة أن حروب الردة التي قادها الخليفة الأول أبو بكر الصديق لم تكن لنشر الإسلام، ولكنها كانت للحفاظ على وحدة الدولة الإسلامية، بعد أن دخلت جميع قبائل العرب في حيز الدولة الإسلامية بكامل إرادتها، ومنها من يدفع الجزية، ومنها من يدفع الزكاة.

وتشير الدراسة إلى أن الذي قتل الخليفة الثاني عمر بن الخطاب وهو يصلي في المسجد كان رجلا مسيحيا من أهل الذمة، ورغم ذلك أوصى عمر من بعده بأهل الذمة خيرا، وأن يوفى بعهدهم وأن يقاتل عنهم وألا يكلفوا فوق طاقتهم.انتهى

نتيجة الدراسة (البحث)
الإسلام لم ينتشر بالسيف مطلقا
ولكن بالدعوة التي يحميها السيف
فكما أن للباطل قوة تطغيه
فلابد للحق من قوة تحميه.

ونسأل الله تعالى أن يعز دينه ، ويعلي كلمته وأن يجعل بلادنا آمنة مطمئنة.

مصادر البحث:
القرآن الكريم
صحيح البخاري مع الفتح.
صحيح مسلم بشرح النووي.
صحيح الجامع
"الفروسية" ابن القيم رحمه الله
"مجموع الفتاوى" شيخ الإسلام
الجواب الصحيح شيخ الإسلام
تفسير السعدي
"زاد المعاد" ابن القيم.
تفسير الشوكاني
تفسير القرطبي :
تفسير ابن كثير :
تفسير ابن جرير الطبري
المجموعة الجليلة للشيخ فيصل بن مبارك ص 395 .
مجلة العالم الإسلامي الإنجليزية
فتاوى اللجنة الدائمة" (12/14)
فقه الدعوة لسيد قطب
جريدة (العالم) ، العدد 290، السبت 2 سبتمبر 1989م
التسامح في الإسلام بين المبدأ والتطبيق" للدكتور شوقي أبو خليل ، "الإسلام خواطر وسوانح" .
كتاب : انتشار الإسلام بالسيف بين الحقيقة والافتراء - لنبيل لوقا بباوي

انتهى بفضل الله في ليلة الأربعاء السادس والعشرين من ذي القعدة العام 1431 من هجرة الحبيب – صلى الله عليه وسلم - والموافق الثالث من نوفمبر من العام 2010

جمعه ورتبه أمين بن عباس
عفا الله عنه

بإشراف الدكتور / علاء الدين منصور
أستاذ التاريخ الإسلامي بجامعة المنوفية

البتول 02.05.2011 19:27

جزاكم الله خير الجزاء.. مقال طيب تغيرت لدي به الكثير من المفاهيم ومنها تلك:
اقتباس:

ونفوا مشروعية الجهاد في الإسلام إلا على سبيل الدفاع فقط ، وأما جهاد الطلب فلا وجود له عندهم
أسأل الله أن يعز الإسلام وأهله في كل مكان..

ابن عباس 22.02.2012 15:19

جزاكم الله خيرا


جميع الأوقات حسب التوقيت الدولي +2. الساعة الآن 12:12.

Powered by vBulletin® Version 3.8.7
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.