عمل المرأة في الميزان
إن الأصل في عمل المرأة في الإسلام أن تكون
في البيت راعية لمال زوجها ، مدبرة لأمره ، قائمة على شؤون بيتها ،
عاملة لتحقيق أهداف الزوجية ، والأمومة النبيلة بكل صدق وإخلاص ،
فإذا كان على زوجها كسب المال ، فإن عليها إنفاق ذلك لتدبير شؤون
المنزل ، قال صلى الله عليه وسلم: (المرأة راعية في بيت زوجها
ومسئولة عن رعيتها).
وقد ألزم الإسلام الزوج بالإنفاق عليها ،
مهما كان مستواه المادي ، هذا إذا كانت ذات زوج ، وإذا لم تكن ذات
زوج فقد ألزم الإسلام أقاربها: أباها ، أو أخاها ، أو غيرهما ممن
تلزمها إعالتها ، ألزمهم بالإنفاق عليها ، وإذا لم يكن هذا ولا ذاك
، وهي فقيرة ، فقد جعل الإسلام حق الإنفاق عليها وكفالتها ، على
ولي أمر المسلمين من بيت المال ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(ما من مؤمن إلا وأنا أولى الناس به في الدنيا والآخرة ، اقرؤوا إن
شئتم: (النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم) ، فأيما مؤمن ترك مالاً
فلورثته ، وإن ترك ديناً أو ضياعاً ، فليأتني ، فأنا مولاه).
كل ذلك حرصاً من الإسلام على أن تبقى المرأة
في مكانها الطبيعي (البيت) لا تبرحه ، تكريماً لها ، وتقديراً
لرسالتها في الحياة وصوناً لها من الابتذال في زحمة الحياة ،
ومتاهات البحث عن مصدر للرزق ، لكن قد لا يتيسر للمرأة من يقوم
بإعالتها ممن ذكرنا ، أو تضطرها بعض الظروف إلى العمل مع وجود
العائل مثل خصاصة قيّم الأسرة أو ضآلة معاشه أو مرضه أو عجزه أو
سبب آخر من هذا القبيل ، حينئذ يكون الخروج من البيت ضرورة لا بد
منها.
وقد راعى الإسلام هذه الضرورات ، فأباح لذلك
خروجها من البيت ، والبحث عن مصدر للرزق ، تقضي به حاجتها وتسد
عوزها ، على أن يكون في مجال الأعمال المشروعة التي تحسن أداءها.
ولا تتنافر مع طبيعتها ، وأن تؤديه وهي في
وقار وحشمة ، وفي صورة بعيدة عن مظان الفتنة ، وأن لا يكون من شأن
هذا العمل أن يؤدي إلى ضرر اجتماعي ، أو خلقي ، أو يعوقها عن أداء
واجباتها الأخرى ، نحو زوجها ، وأولادها ، وبيتها ، ويكلفها ما لا
تطيقه ، ولا تخرج في زيها وزينتها ، وستر أعضاء جسمها ، واختلاطها
بغيرها أثناء أدائها لعملها في الخارج عما سنته الشريعة الإسلامية
في هذه الشؤون.
هذا هو هدي الإسلام في عمل المرأة ، أما
إتاحة الفرصة للمرأة للعمل ، وإباحته لها مطلقاً ، لضرورة ولغيرها
، فذلك مما يتنافى مع الشريعة ، ومع الفطرة السليمة ، التي فطر
الله عليها المرأة ، ويتنافى مع رسالتها الأساسية في الحياة ،
ومعطل لأسمى خصائص المرأة من ووظائفها الطبيعية ، والاجتماعية ،
ومعطل لقوامة الرجل على المرأة.
وقد برر دعاة عمل المرأة مطلقاً في أي حال
بمبررات أعتقد أنها لا تصمد أمام البحث والمناقشة ،
فمما قالوا: إن عمل المرأة يقيها السأم
القاتل الذي يورثها إياه بقاؤها الطويل الذي تقضيه بين جدران البيت!!
ونقول:
إن قيام المرأة في بيت زوجها ، راعية لماله
، مدبرة لأمره ، مدركة لأهداف زوجيتها ، وأمومتها ، عاملة لها في
وعي ، وصدق ، وإخلاص ، كاف لملء فراغ قلبها وعقلها ووقتها ، الذي
يدّعون أنها تشكو منه ، وكفيل بأن يملأ عليها بيتها بهجة ، ويحوله
إلى جنة وارفة ، فيها من أنواع المتع النفسية ، والعقلية ، ما
يُذهب عنها السأم والملل الذي يدّعونه ، ويملأ نفسها بشعور السعادة
والارتياح ، إن حققت رسالتها كاملة وقامت بواجبها كما ينبغي.
وقد شهدت بذلك واحدة ممن نصّبوا أنفسهم
للدفاع عن المرأة: (فيليس ماكجنلي) كاتبة أمريكية ، قالت في مقال
لها بعنوان: (البيت مملكة المرأة بدون منازع):
(وهل نُعَدّ – نحن النساء – بعد أن نلنا
حريتنا أخيراً ، خائنات لجنسنا إذا ارتددنا لدورنا القديم في
البيوت).
وتجيب على هذا السؤال بقولها:
(إن لي آراء حاسمة في هذه النقطة ، فإنني
أصر على أن للنساء أكثر من حق في البقاء كربات بيوت ، وإنني أقدر
مهنتنا ، وأهميتها في الحقل البشري ، إلى حد أدنى أراها كافية لأن
تملأ الحياة والقلب).
إنه تقرير امرأة مثقفة ، غربية ، بإملاء
واقعها وتجربتها ، وهي أدرى بمهام الأنثى وفطرتها من غيرها من غير
جنسها.
وقالوا أيضاً:
إن مجد الأمة بكثرة الأيدي العاملة ، وأن
المرأة نصف المجتمع ، وليس مما يتحقق به هذا المجد أن يكون نصف
المجتمع عاطلاً.
ونقول:
لا تعطيل لهذا النصف كما تدّعون ، بل إنه
موكول إليه من المهام ما هو أصعب ، وأشق ، وأهم من المهام الموكولة
إلى الرجال ، فإذا كان بناء مجد الأمة في حاجة إلى الأيدي العاملة
، والأدمغة المفكرة ، وينشئها ويتعهدها بالرعاية والتوجيه حتى تخرج
إلى معترك الحياة سوية قوية ، تخدم الأمة ، وتبني المجد ، ثم يؤمن
لها العش الدافئ ، والسكن النفسي ، عند أوبتها من معترك الحياة
متعبة ، مرهقة الأعصاب ، فيجد في عشه ما ينسّيه ومن ينسيه ذلك
التعب ، بل ويهبه العزم ، والتصميم على مواصلة السير.
لا شك أنه عمل شاق ، ومهمة صعبة ، ورسالة
سامية ، ومن لهذا كله سوى المرأة.
فلا تعطيل لهذا النصف إذاً ، بل هو قائم
برسالته التي أوجد من أجلها ، وفي اليوم الذي حدث في هذه الرسالة
تقصير وإهمال ، ظهرت نتائج ذلك على الأبناء ، بُناة المجد: انحرافاً
في الأخلاق ، وتشرداً في الآفاق ، وتفككاً في الأسرة ، وانحلالاً
وتدهوراً في المجتمعات ، وبالتالي تهدماً وسقوطاً للمجد الذي بُني.
فما هو العمل في رأي هؤلاء إن لم يكن ذلك
منه ، بل أهمه وأشقه وإذا كان مقياس العمل والعطل هو الإنتاج
للحياة ، فإن عمل المرأة – من حيث ذلك – هو المقدم ، أما أن يكون
عمل الرجل هو كل شيء ، وعمل المرأة لا شيء ، فذلك الظلم بعينه لها
ولرسالتها الجليلة في الحياة.
وسياسة الدولة كلها ليست بأعظم شأناً ، ولا
بأخطر عاقبة من سياسة البيت ، لأنهما عدلان متقاربان ، عالم العراك
والجهاد ، يقابله عالم السكينة والاطمئنان ، وتدبير الجيل الحاضر ،
يقابله تدبير الجيل المقبل ، وكلاهما في اللزوم ، وجلالة الخطر
سواء ، ولولا مركب النقص في المرأة لكان لها فخر بمملكة البيت
وتنشئة المستقبل فيه ، ولا يقل عن فخر الرجال بسياسة الحاضر ، وحسن
القيام على مشكلات المجتمع ، وإنما كانت الآفة كلها من حب المحاكاة
بغير نظر إلى معنى المحاكاة.
فلكلٍّ من الرجل والمرأة مسؤولية ، واختصاصه
في بناء هذا المجد ، كما قسمه الله بينهما ، وكل من هذين
الاختصاصين مهم ، ولا يمكن أن يحقِّر منه ، أو يهون من شأنه ، أو
يستغني عنه ، فالرجل إلى الإنتاج ، وتنمية الثروة ، وكسب الرزق ،
وحماية العرين ، والمرأة إلى الأسرة ، إلى عمل أشق: تحمل الجنين ،
وتلد وترضع ، وتربي ، وترعى الزوج والولد ، وتُمرِّض ، وتدبر شؤون
المنزل ، وتثمر السكن ، والمودة والرحمة ، وتبذل من ذات نفسها ،
وجهدها الحسي ما تبذل ، لتوفر للزوجية والأمومة ظروف عملها
الملائمة.
وهذا الافتراق في العمل والمهام ، الذي هو
مقتضى ما أُهِّل به كل منهما ، هو عين التقائهما على الإسهام ،
بأدنى ما يكون ، في بناء الأمة ومجدها ، فإذا أدى كل منهما ما وجه
إليه بحق ، استقامت مصلحة الأمة على أكمل وجه.
ومما قالوا أي أيضاً:
قد تكون المرأة لا عائل لها ، وقد يتوفى
عنها زوجها ، ويترك لها أطفالاً صغاراً ، ولا شيء لها ولا لهم ،
فتجد في العمل عصمة لها ولأولادها من الضياع.
ونقول:
إن الإسلام قد أوجب على أقارب المرأة
الفقيرة إعالتها ، والنفقة عليها ، كما أوجب على أقارب أطفالها ذلك
، وإن لم يوجد لها ولأطفالها أقارب ، فقد أوجب لهما حقاً في بيت
مال المسلمين ، فيقوم الحاكم بإعالتها ، والنفقة عليها ، وعلى
أولادها الصغار الفقراء ، حتى يشبوا ويقدروا على العمل ، هذا هو
الأصل في الإسلام.
وإذا لم يحصل لها ذلك فقد أبيح لها القيام
بعمل تقيم به أودها ، وأود أطفالها ، في حدود ما شرعه الإسلام ،
وضمن آدابه وتعاليمه.
على أن ثمة عوارض أخرى طبيعية ، تشترك في
تقرير عجز المرأة عن عمل التكسب في الخارج ، تلك هي ما يعتور
المرأة من العادة الشهرية ، والحمل تسعة أشهر ، والولادة وما تتركه
من الآثار النفسية والعقلية والبدنية ، في كيان المرأة العام كما
يقرر ذلك علم الطب.
وتدل مشاهدات أساطين علمي الأحياء والتشريح
، على أن المرأة تطرأ عليها في مدة حيضها التغيرات الآتية:
1- تقل في جسمها قوة إمساك الحرارة ،
فتنخفض حرارتها.
2- يبطئ النبض ، وينقص ضغط الدم ، ويقل عدد
خلاياه.
3- وتصاب الغدد الصماء واللوزتان ، والغدد
اللمفاوية بالتغير.
4- ويختل الهضم ، وتضعف قوة التنفس.
5- يتلبد الحس ، فتتكاسل الأعضاء ، وتتخلف
الفطنة ، وقوة تركيز الفكر.
وكل هذه التغيرات ، تدني المرأة الصحيحة إلى
حالة المرض إدناء يستحيل معه التمييز بين صحتها ومرضها.
وأشد على المرأة من مدة الحيض زمان الحمل ،
فيكتب الطبيب (ريبريت):
(لا تستطيع قوى المرأة أن تتحمل من مشقة
الجهد البدني والعقلي ما تتحمله في عامة الأحوال ، وأن عوارض
الحامل لو عرضت لرجل ، أو امرأة غير حامل لحكم عليه أو عليها
بالمرض بدون شك ، ففي هذه المدة يبقى مجموعها العصبي مختلاً على
أشهر متعددة ، ويضطرب فيها الاتزان الذهني ، وتعود جميع عناصرها
الروحية في حالة فوضى دائمة).
أما عقب وضع الحمل ، فتكون المرأة عرضة
لأمراض متعددة إذ تكون جراح نفاسها مستعدة أبداً للتسمم ، وتصبح
أعضاؤها الجنسية في حركة لتقلصها إلى حالتها الطبيعية قبل الحمل ،
مما يختل به نظام جسمها كله ، ويستغرق بضعة أسابيع في عودته إلى
نصابه.
وبذلك تبقى المرأة سكناً للرجل ، ولا يمكن
أن يجد ذلك السكن لدى امرأة ، يحضر فلا يجدها ، لأنها في عملها ،
أو يجدها ، ولكنها – مثله – مثقلة بتعب الفكر والنفس والجسم ، وقد
أفقدها العمل رهافة الحس ، ورقة الأنوثة ، بسبب قسوة العمل
ومسؤولياته ، واعتبرت نفسها أنها صنوه ، ومساوية له في الكسب ، وفي
تبعات البيت ولوازمه ، وفقد الرجل لذلك قوة البأس ، الذي كان
يمارسه ، ولذة الرضا منها بذلك البأس ، والاستسلام لرجولته والشعور
بحمايته ، وفقد تبعاً لذلك القوامة عليها ، والله يقول: (الرجال
قوامون على النساء) ، وإذا فقد الرجل هذا الحق اختل نظام الأسرة ،
والمجتمع ، لأنه من القوانين التي لا تنعقد روابط الأسرة إلا بها
ثم إن عمل المرأة خارج البيت مدعاة لإثارة
المشاكل في البيت ، مما ينتج عنه تفكك الأسرة ، فكثيراً ما تثور
المشكلات بين الزوجين بسبب العمل ، فمثلاً قد ترغب الزوجة في العمل
والزوج لا يرغب ، أو العكس ، وقد تقصِّر المرأة بحق الزوجية ،
والبيت بسبب عملها بدون رضى زوجها ، وقد ينشأ الخلاف على مدى
مساهمة الزوجة المادية ، بمتطلبات البيت ، ومدى التزامات الرجل
المادية نحو زوجته وبيته ، إلى غير ذلك ، هذا بالإضافة إلى المشاكل
التي تنشأ بين الزوجين بسبب احتكاكها واختلاطها بالرجال الآخرين في
العمل.