متى 27 : 44 تناقض رويات الصلب ( 1 )

قال القس الفاضل  :
قال  المعترض : قال متى 27 : 44 ومرقس 32 : 15 إن اللصين اللذين صُلبا معه كانا يعيّرانه، بينما قال لوقا إن أحدهما عيّره وأما الآخر فزجر رفيقه وقال ليسوع: اذكرني يارب متى جئت في ملكوتك , فقال له يسوع: إنك اليوم تكون معي في الفردوس ( لوقا 39:23) وهذا تناقض ,
وللرد نقول : اشترك اللصان أول الأمر في التعيير، ولكن لما اقتنع أحدهما بما رآه في يسوع المسيح من الوداعة والحلم، وتذكر ما صنعه من المعجزات الباهرة، اعترف بذنبه وأقرّ بقوة المسيح له المجد, ولكن قال بعض العلماء: اشتهر في اللغة العبرية إقامة الجمع مقام المفرد، وجرى البشير متى على هذه الطريقة، فقال في موضع آخر كما هو مكتوب في الأنبياء، ومراده نبي واحد
________________________________________
بعد الحمد لله و الصلاة و السلام على رسول الله : يقول القس أن اللصين اشتركا فى تعيير المسيح ثم رجع أحدهما عن ذلك بعد أن تذكر ما صنعه المسيح ، فاعترف بذنبه و أقر بقوة المسيح إلخ ....، و الحق أن كل ذلك الكلام الإنشائى لا أساس له من الصحة على الإطلاق فهو صافى نسج خيال القس عبدالنور ليس أكثر فاللص لم يقل أنه تاب أو ندم لأنه تذكر معجزات المسيح الباهرة أو أى من هذا الهراء و لم يقل كتبة الأناجيل بهذا، فمتى و مرقس قالا بأن اللصين كانا يعيران المسيح و لم يذكرا أى شىء أخر بخصوص اللصين فقال متى (( وبذلك أيضاً كان اللصان اللذان صلبا معه يعيرانه ))  بينما قال لوقا ( 23 : 39 ) بأن أحد اللصين عيره أما الآخر فنهر زميله على ذلك فقال :  (( و كان واحد من المذنبين المعلقين يجدف عليه قائلاً :  (( إذا كنت انت المسيح فخلص نفسك و إيانا! )) فأجاب الآخر و انتهره قائلاً :  (( أولاً أنت تخاف الله إذ أنت تحت هذا الحكم بعينه؟ أما نحن فبعدل لأننا ننال استحقاق ما فعلنا ، و أما هذا فلم يفعل شيئاً ليس فى محله )) ثم قال ليسوع: (( أذكرنى يا رب متى جئت فى ملكوتك )) فقال له يسوع: (( الحق أقول لك: إنك اليوم تكون معى فى الفردوس ....))   
فأى إنسان يقرأ ذلك النص فى انجيل لوقا لا يجد أبداً أن اللص الثانى كان يسخر من المسيح ثم رجع عن ذلك!، بل يجد انه بعد وضع المسيح على الصليب أخذ أحد اللصين يعيره فما كان من الأخر إلا أن عنفه بشده و ذكره بحاله ثم طلب من المسيح ألا ينساه إذا عاد فى ملكوته فكافأه المسيح بأن وعده بأن يكون معه فى الفردوس - مع أن المسيح قضى ثلالثة أيام فى الجحيم لا فى الفردوس وفق عقيدة الآرثوذكس- و هذا يجعل من ذلك اللص المبشر بالفردوس قديساً بلا شك فقد حصل على بشارة من فم المسيح لم يحصل عليها أحد قبله على وجه الأرض و هى دخول الفردوس و بمعية المسيح شخصياً ، و مع ذلك لم يذكره متى أو مرقس إلا كلص يعير المسيح !! أهكذا يوحى روح القدس الأمين للقديسين؟! و إن كان اللص قد جدف ثم تاب عن تجديفه- على حد زعم جناب القس- فلماذا لم يذكر مرقس و متى ذلك، إنّ ذكر مساوىء الناس دون ذكر توبتهم ينافى الأمانة العلمية و الأدب مع القديسين أمثال ذلك اللص  الذى يحبه المسيح!
قال الإمام ابن حزم رحمه الله في كتابه الفصل :
ولا شك أن إحدى القصتين كذب ، لأن مرقس أخبر بأن اللصين كليهما كانا يعيرانه ويستهزئان به ، ولوقا يخبر بأن أحدهما كان يستهزىء به ، والآخر مؤمن به وكان ينكر على الذي يعيره ، وليس يمكن ها هنا أن يدعى أن أحد اللصين استهزىء به وعيره في وقت ، وآمن به في وقت آخر ، لآن سياق خبر لوقا يمنع ذلك ، ويخبر أنه أنكر على صاحبه سبه ، إنكار من لم يساعده قط على ذلك ، فكلاهما متفق على أن كلام اللصين وهم ثلاثتهم مصلوبين على الخشب ، فوجب ضرورة أن لوقا كذب أو كذب من أخبره ، أو أن مرقس كذب أو الذي أخبره ولا بد من ذلك .انتهى
ثم ذكر القس احتمالاً أخراً أشد جوراً و سذاجةً من الذى قبله و هو أن يكون الجمع فى متى يراد به المفرد كما قال متى (كما هو مكتوب فى الأنبياء) وهذا الاحتمال مرفوض حسب سياق القصة وكيف انهما بالفعل كانا لصين كما ذكر مرقس. وقد نسي جناب القس أن الجمع فى هذا المقام بهذه الطريقة له عواقب وخيمة وهى إلحاق قديس برىء ظلماً بمن كان يسخر من المسيح  و يجدف عليه فإن كان كاتب إنجيل متى - المجهول أساساً- فعل ذلك فهذا يقدح تماماً فى عدالته و روايته  ، و لنا أن نسأل بالتالى إذا كان هذا حال متى فماذا عن مرقس؟!  هل أعجبته طريقة اقامة الجمع مقام المفرد فى ذلك المقام بالذات أيضاً؟!!
الخلاصة أن الأناجيل اختلفت فى حال اللصين الذين صلبا مع المسيح و تناقضت رواياتها و لا سبيل للجمع بين هذه المتناقضات فضلاً عن عدم وجود دليل تقوم عليه مثل تلك الأمور .
وأخيراً : نحن نسأل العقلاء من النصارى :
 أين كان هذا الحوار والحديث بين المسيح واللصين؟
وتجيب الأناجيل : بأن مسرح هذا الحوار كان على خشبات الصليب المعلق عليها كل من المسيح واللصين !!
والسؤال هو : هل حالة المصلوب تسمح له بأن يلتفت يمينا وشمالاً أم لا ؟
الذي نعرفه أن المعلق على الصليب والذي دقت يداه ورجلاه بالمسامير على الصليب ، لا يمكن أن يعي شيئاً مما حوله ، فضلاً على أن يحاور ويجادل !
انه لا يعقل أبداً أن يكون عند المصلوب بقية عقل أو فضلة قوة يمكن أن ينفقها في لفته يلتفتها أو كلمة ينطق بها . . وأنه إن يكن شىء فليس غير الأنين أو الصراخ ، والوجع المستمر ، لا الفلسفة ولا السفسطة ولا التنكيت والتبكيت !
 
وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا

 

عوده